البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مدوّنات الشيخ المفيد(رحمه الله) وقراءتـه الكلاميـة للتاريخ

الباحث :  الشيخ قاسم خانجاني
اسم المجلة :  تراثنا
العدد :  97
السنة :  السنة الخامسة والعشرون / محرم - جمادى الاخرة 1430 هـ
تاريخ إضافة البحث :  March / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  8650
مدوّنات الشيخ المفيد(رحمه الله)
وقراءتـه الكلاميـة للتاريخ
الشيخ قاسم خانجاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
إنّ معرفة الجوانب المختلفة للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ التاريخ الشيعي لعلّه يبدو هيّناً للوهلة الأُولى ، ولكنّه لا يخلو من الصعوبة والتعقيد في واقع الأمر بالرغم من كثرة المدوّنات التاريخية التي تناولت العديد من الوقائع وكثرة من كتب من الأشخاص والرواة في هذا الجانب ، إلاّ أنّ هناك عوامل متعدّدة أدّت إلى قلب الحقائق التاريخية وأظهرتها على غير واقعها وتضافرت بشكل بحيث أصبح من الصعب جدّاً الاعتماد على تلك المدوّنات ، فإنّ هيمنة السلطات الجائرة على المؤلّفين ورواة أحداث التاريخ من جانب ، والاستفادة المغرضة للأعداء من جانب آخر ، والإفراط والتفريط من بعض الموالين من جانب ثالث ، كلّ هذا كان من أهمّ العوامل المؤثّرة في مسار تحريف الوقائع التاريخية .
ففي خضمّ هذه التعقيدات الصعبة لمعرفة التاريخ الصحيح تتجلّى لنا
صفحه 88
عظمة مساعي وجهود شخصيّات فذّة عظيمة لا مثيل لها كالشيخ المفيد ، بالأخصّ إذا درسنا تلك الحقبة التاريخيّة التي عاشها الشيخ المفيد واستطعنا أن نتعرّف على تلاطم تلك الأمواج المضطربة للآراء والأفكار الكلامية والعقائدية والنظريّات المذهبية في عصره ، فإنّه سوف تتجلّى لنا أكثر عظمة تلك الجهود .
وإنّ ما يهمّنا في هذه الرسالة هو معرفة أحد أهمّ الجوانب من أبعاد هذه الشخصيّة العملاقة التي قلّ ما نعثر على مثيل لها في التاريخ .
خلفيّات دراسة آثار الشيخ المفيد (رحمه الله) :
بالرغم من كلّ ما كتب عن شخصيّة الشيخ المفيد المتميّزة وأُلّف عن خصوصياتها وما امتازت به شخصيّته الفذّة عن غيرها ، وكلّ ما تناول شخصيته من مؤلّفات صدرت بعد ارتحاله وحتّى في أيّام حياته الشريفة طوال عشرة قرون على اختلاف مشاربها ، والتي انصبّت على دراسة الجوانب المختلفة لآرائه وأفكاره التي تعدّ أُسس المعارف الشيعيّة المذكورة في العديد من الحوارات والمقالات ، ولكن مع كلِّ ذلك فإنّ عدم الإلمام بجميع الجوانب الفكرية له على مرّ العهود الماضية لهو من المواضيع المسلّمة التي لا يختلف فيها اثنان ، وإنّ جميع الجهود التي حصلت في هذا الشأن ـ لتناثرها على أقلّ تقدير ـ ما هي إلاّ قليل من كثير .
إنّ أحد أفضل المؤلّفات التي تطرّقت إلى آراء الشيخ المفيد وحقّقت جانباً منها هو كتاب انديشه هاي كلامي شيخ مفيد (الآراء الكلامية للشيخ المفيد) ، حيث يعدّ من الجهود التي تستحقّ التقدير ، ولكن كما تبيّن من اسمه فإنّه يشير إلى جانب من أفكاره بشمولية ولم يتوجّه إلى الجانب
صفحه 89
التاريخي الذي يعدّ أحد أبعاد فكر الشيخ المفيد ، فإنّه إمّا لم يتطرّق إليه أصلا أو ذكره بشكل متناثر عار عن الأهميّة .
إنّ أكمل مجموعة ضمّت جميع كتبه ورسائله الموجودة وجميع المقالات التي كتبت في أبعاد شخصيّته وآثاره هي مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد والرسائل وما يقارب سبعين مقالة نشرت بمناسبة مرور ألف عام على رحيله للمؤتمر العالمي الذي أُقيم لتجليل الشيخ المفيد (رحمه الله) سنة 1413 هـ في مدينة قم المقدّسة ، ولكن في هذه المجموعة أيضاً قلّما ذكر الجانب التاريخي للشيخ المفيد .
إنّ غاية ما توصّلنا إليه في تحقيقنا أنّه لم يكتب في هذا المجال شيء يذكر ، وانطلاقاً من هذا فقد بذلنا جهدنا وحاولنا أن نجمع في مقالتنا هذه كلّ ما كان حائزاً للأهميّة في فكر الشيخ المفيد ويمكن أن يقع تحت عنوان الوقائع التاريخية أو تحليلا للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ تاريخ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، وحاولنا أن نعطي صورة واضحة عن الالتفاتات التاريخية التي أشار إليها ، مستفيدين في كلّ ذلك من آرائه وأفكاره ، علماً بأنّنا نعتقد بأنّ عملنا هذا لم يكن آخر الأعمال ولا أكملها في هذا المضمار .
وبالرغم من أنّ الاطلاع على أحداث تاريخ صدر الإسلام وبالأخصّ تاريخ الأئمّة (عليهم السلام) ضرورة لابدّ منها في كلّ عصر ، ولكن هذا الأمر يصبح في غاية الأهميّة بعد مضيّ قرون متمادية عن ذلك العهد ، وذلك لأنّا إذا نسينا التحقيقات والتحليلات والمدوّنات التاريخيّة الصحيحة التي ورثناها من أسلافنا المتقدّمين وإذا غفلنا عن الآثار الواصلة إلينا في مجال التاريخ فمن الطبيعي جدّاً أنّنا سوف نعاني من فقر شديد في المعلومات ينعكس علينا بشكل لا نستطيع معه أن ندافع عن مبادئنا وآرائنا .
صفحه 90
وبلطف الباري عزّ وجلّ فإنّنا لم نصل إلى هذه المرحلة وإنّ من سبقنا من السلف قد بذل قصارى جهده في هذا المجال ، ولكن يبدو أنّ بلورة الآراء التاريخية للشيخ المفيد بالشكل الذي جاء في هذا التحقيق قلّ ما اعتني به سابقاً ، وإنّ الضرورة وأهميّة الموضوع الملحّة هي التي كانت قد دعتنا إلى أن نقوم بهذا التحقيق وأن نتطرّق إلى الأسس الفكرية للشيخ المفيد في انتخاب وتحليل الحوادث التاريخيّة ، ومن ضمن استعراضنا لتلك الحوادث التي تعرّض لها الشيخ المفيد استطعنا الوصول إلى الصحيح منها ممّا ارتئاه .
إنّ الغرض من هذا التحقيق هو الإجابة عن أسئلة كثيراً ما تتبادر إلى الذهن حيث يمكن الإشارة إلى بعضها هنا ، وهي كالتالي :
ـ هل كان الشيخ المفيد مؤرّخاً؟
ـ ما هو هدف الشيخ المفيد من وراء طرحه للبحوث التاريخيّة؟
ـ كيف كانت طريقة الشيخ المفيد في طرحه للمواضيع التاريخيّة؟
ـ ما هي المواضيع التي كانت تشكّل أساس المباحث التاريخيّة عند الشيخ المفيد؟
ـ إلى أي حدٍّ استطاع الشيخ المفيد أن يصل إلى هدفه في تدوين التاريخ؟
وفي مقام الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع أن نشير إلى الأُمور التالية :
ـ بالرغم من أنّ الشيخ المفيد له مؤلّفات كثيرة في مجال التاريخ إلاّ أنّه لم يكن مؤرّخاً بالمعنى المصطلح .
ـ إنّ الهدف الأساسي للجهود التي قدّمها الشيخ المفيد في آثاره هو
صفحه 91
الدفاع عن الإمامة ومنزلة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، وإنّه وجد في الحوادث التاريخية أرضيّة مناسبة للوصول إلى ذلك الهدف .
ـ إنّ طريقة الشيخ المفيد في استفادته من الأدلّة العقليّة والنقليّة هي محاولة منه لإثبات المدوّنات التاريخية الصحيحة والتي استطاع من خلالها رسم صورة واضحة المعالم عن حياة أئمّة المذهب الشيعي (عليهم السلام) .
ـ إنّ أساس الأبحاث التاريخية للشيخ المفيد تركّزت على عناصر مهمّة ، مثل النصّ على إمامة الأئمّة (عليهم السلام) وبالأخصّ الإمام علي (عليه السلام) ، أحقّيّة الأئمّة (عليهم السلام) ، عدم أهليّة الغاصبين للخلافة ، عصمة الإمام وعلم الإمام ، وكلّ ذلك كان مبتنياً على تعريفه لهذه الموضوعات .
ـ لقد نال الشيخ المفيد نجاحاً كبيراً أثناء تدوينه للتاريخ من خلال وصوله إلى هدفه الذي كان قد رسمه .

صفحه 92
الفصل الأوّل
الشيخ المفيد (رحمه الله)
من الولادة إلى الوفاة
ألف : الحياة الشخصية للشيخ المفيد (رحمه الله) :
ـ اسمه ومولده ونسبه ولقبه وشهرته :
هو محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي الكرخي المعروف بـ (ابن المعلّم)(1) والمشهور بـ (الشيخ المفيد)(2) ، ولد في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 336 هـ(3) في (سويقة ابن البصري) من نواحي عكبرى ، وهي بلدة تقع على الضفّة الشرقية لنهر دجلة ما بين بغداد والموصل في الطريق المؤدّي إليهما على بعد عشرة فراسخ من بغداد(4) .
لقد أرجع الشيخ النجاشي نسب الشيخ المفيد إلى يعرب بن قحطان بثلاث وثلاثين واسطة(5) ، و(قحطان) ترجع إليه أُصول العرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 3 / 231 ، ميزان الاعتدال 4 / 30 .
(2) العبر في خبر من غبر 2 / 225 .
(3) رجال النجاشي : 420 .
(4) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ، ص8 نقلاً من معجم البلدان 4 / 142 .
(5) يبدو أنّ العدد المذكور لوسائط نسب الشيخ المفيد غير صحيح ولابدّ للعدد أن يكون أكثر من ذلك .
صفحه 93
القحطانيّين(1) ، أمّا الجدّ الخامس للشيخ المفيد فهو سعيد بن جبير ، ومن هنا قال البعض : إنّه هو نفسه سعيد بن جبير التابعي المشهور والعالم المجاهد الذي قتل على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي(2) .
إنّ هذا الزعم باطلٌ بالأدلّة التالية : أصالة عروبة الشيخ المفيد خلافاً لسعيد بن جبير التابعي ، اختلاف اسم الجدّ لسعيد بن جبير التابعي مع سعيد بن جبير الواقع في نسب الشيخ المفيد ، عدم وجود ابن لسعيد بن جبير التابعي باسم (النعمان) الواقع في نسب الشيخ المفيد ، وأدلّة أُخرى(3) .
أمّا ألقابه فقد ذكروا للشيخ المفيد عدّة ألقاب من جوانب مختلفة وجميعها صحيح ، فقيل : (الحارثي)(4) لوقوع (الحارث بن مالك) و(الحارث بن كعب) في سلسلة نسبه(5) . وقيل : (العكبري) لأنّ المكان الذي ولد فيه يسمّى بـ (عكبرى) . ودعي بـ (البغدادي)(6) نسبةً إلى محلّ نشأته ومستقرّه في بغداد . وقيل : (الكرخي)(7) لأنّ سكناه في منطقة الكرخ من بغداد ، وهي منطقة كان يقطنها الشيعة(8) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعلام للزركلي 5 / 190 .
(2) الطبقات الكبرى 6 / 264 .
(3) (ناگفته هايي از حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمجمع الشيخ المفيد رقم 55 ، ص 51 .
(4) معالم العلماء : 112 .
(5) رجال النجاشي : 399 .
(6) الفوائد الرضوية : 628 .
(7) العبر في خبر من غبر 2 / 225 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 2 / 199 .
(8) تاريخ ابن خلدون 3 / 662 ، نقلاً عن البياني (ندوشن) ، شيرين ، تيسفون وبغداد در گذر تاريخ ، ص 161 .
صفحه 94
وسمّي بـ (ابن المعلّم) نسبة إلى والده حيث كان مشتغلاً بالتعليم في واسط(1) . وأخيراً فإنّ أهمّ وأشهر لقب له هو (المفيد) .
وهناك اختلاف في وجهات النظر وقع في من لقّبه بـ (المفيد) ، فالمعروف أنّ هذا اللقب قد جاء من جرّاء حوار دار بين الشيخ المفيد وعليّ بن عيسى الرمّاني فلقّبه به(2) ، وفي خبر آخر أبدل البعض مكان الرمّاني عبدالجبّار المعتزلي عوضاً عنه(3) ، ولكنّ ابن شهرآشوب كان يعتقد بأنّ لقب (المفيد) جاءه من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه(4) ، ولكنّه لم يقدّم لكلامه هذا سنداً مُعتمداً عليه غير ما صدر من توقيعات الناحية المقدّسة في إعطائه هذا اللقب حيث وصلته باسم (الشيخ المفيد)(5) ، علماً أنّ هذا الكلام يبدو غير صحيح أيضاً ، وذلك لأنّ التوقيعات المذكورة صدرت في السنين الأخيرة لحياة الشيخ المفيد ويظهر أنّه عرف بـ : (المفيد) قبل صدور هذه التوقيعات(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان الميزان 5 / 416 .
(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) 2 / 621 ، السرائر : 161 .
(3) مجالس المؤمنين : 465 .
(4) معالم العلماء : 112 .
(5) لقد صدر توقيعان من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الإمام الحجّة ابن الحسن (عليه السلام) للشيخ المفيد طيلة حياته ، حيث جاء في أوّل إحدى هاتين الرسالتين العبارة التالية : «للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد . . .) ولم يكن لابن شهرآشوب أي دليل آخر سوى هذا الخطاب ، وقد أرجع في كتاب معالم العلماء توضيحه لهذا التوقيع إلى كتابه الآخر مناقب آل أبي طالب ، ولكن لم يرد في المناقب الموجود حاليّاً شيء مما ذكر .
(6) (نجوم أمّت ، تاريخ حيات شيخ مفيد) نور علم ، رقم 55 ، ص 68 .

صفحه 95
ـ أساتذة الشيخ المفيد (رحمه الله) :
إنّ الشيخ المفيد ابتدأ بطلب العلم وهو في مقتبل العمر ، ولكن لابدّ أن يُعلَم أنّ أوّل درجاته العلمية التي حاز عليها هي إجازة رواية الحديث ، كما ذكروا له عن ابن أبي إلياس ـ المتوفّى سنة 341 هـ ـ إجازة رواية الحديث وذلك في الخامسة من عمره(1) ، وقد روى عن ابن السمّاك في حين أنّ ابن السمّاك توفّي ولم يبلغ الشيخ المفيد أكثر من ثمان سنين من عمره(2) ، وكذلك في سنيّ رشده ، فقد سمع ونقل الحديث عن العديد من المحدّثين .
وبما أنّ الشيخ المفيد برع في العديد من المواضيع العلميّة فإنّنا نذكر أساتذته في بعض تلك المواضيع جهد الإمكان :
فمن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في علم الكلام أبو الجيش مظفّر بن محمّد أو غلامه(3) أبو ياسر طاهر ، ويحتمل أن يكون من بعده عبدالله بن وصيف الناشئ الصغير (المتوفّى سنة 366 هـ)(4) ، ومحمّد بن أحمد بن جنيد الإسكافي (المتوفّى سنة 381 هـ)(5) وهو من متكلّمي الشيعة ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 8 / 449 .
(2) انظر : تاريخ بغداد 11 / 302 .
(3) المراد من كلمة (غلام) هنا وفي موارد أخرى مشابهة هو التلميذ لا العبد ، وقد شاع هذا الإصطلاح في علمي الرجال والحديث وله شواهد كثيرة ، انظر رجال الخاقاني : 121 .
(4) وفيات الأعيان 3 / 371 .
(5) الذريعة 1 / 299 ، أعلام الزركلي 5 / 312 ، رجال النجاشي : 385 ، الفهرست : 134 .

صفحه 96
والحسين بن عليّ البصري وعليّ بن عيسى الرمّاني ، وهما من مشايخ المعتزلة(1) .
ومن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في الفقه نذكر في مقدّمهم جعفر بن محمّد بن قولويه (المتوفّى سنة 369 هـ)(2) ، ومن بعده فقهاء آخرين من بين مشايخه ، مثل الحسن بن حمزة الطبري (المتوفّى سنة 358 هـ)(3) ، وقد ذكر من بينهم ابن الجنيد الإسكافي ، وابن داود القمّي (المتوفّى سنة 378 هـ)(4) ، والشيخ الصدوق (المتوفّى سنة 381 هـ)(5) .
هذا ، وإنّ هناك من يعتقد بأنّ هذه الشخصيّات وإن عدّوا من مشايخ الشيخ المفيد إلاّ أنّه لم يعلم تلمّذه عليهم سوى سماعه الحديث عنهم(6) . وعلى كلّ التقادير فإنّهم يعدّون من أهمّ مشايخه .
ـ تلامذة الشيخ المفيد (رحمه الله) :
إنّ الشيخ المفيد كان متبحّراً في علوم شتّى وكان له اهتمام خاصٌّ في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ص 11 .
(2) رجال الطوسي : 458 ، رجال العلاّمة : 31 . وانظر رجال النجاشي : 123 فيما استفاده من شيخه .
(3) رجال النجاشي : 64 ، وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله : 465 باسم «حسن بن محمّد بن حمزة» وفي الفهرست : 52 باسم «حسن بن حمزة» ويبدو أنّ هذا الاسم هو الصحيح .
(4) الفهرست : 136 ، أعلام الزركلي 5 / 314 .
(5) رجال النجاشي : 392 ، رجال الطوسي : 495 .
(6) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ص 11 .
صفحه 97
نشر وتدريس العلوم وتربية الطلاّب ، ومن ثَمّ فقد تلمّذ عليه الكثير من طلبة العلوم ، فقد نقلوا قصصاً تدلّ على شدّة حرصه في أمر التعليم وتربية الطلاّب ، فإنّ أوضح ما قدّمه في مجال سعيه المستمر هو بحثه عن نوابغ الأطفال في المدارس وورشات الصناعات اليدوية ، حتّى قيل في حقّه : إنّه كان يبذل لأهاليهم الأموال من أجل إشرافه عليهم وتربيتهم وتعليمهم(1) ، ولهذا السبب يمكن أن نعدّ له كثيراً من التلامذة ، حيث تلمّذ على يده الرعيل الأوّل من علماء الشيعة ، وقد كانوا يعدّون من أبرز تلامذة الشيخ المفيد ممّن كان يحضر حلقات درسه ويكتب منه العلم ، نذكرهم بترتيب سنيّ وفياتهم :
ـ السيّد الرضي محمّد بن الحسين بن موسى أبو الحسن (359 ـ 406 هـ)(2) ، وهو جامع نهج البلاغة من خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأخو السيّد المرتضى علم الهدى ، كان شاعراً كبيراً ونقيباً للعلويّين في بغداد ، وقد ألّف كُتباً أيضاً ، منها كتاب خصائص الأئمّة(3) .
ـ السيّد المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين بن موسى أبو القاسم (355 ـ 436 هـ)(4) ، من كبار علماء الشيعة ، وله مؤلّفات كثيرة في شتّى المعارف الدينية ، وقد كان مجدّاً في طلب العلوم إلى مرتبة بحيث لم يُرَ في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سير أعلام النبلاء 17 / 344 .
(2) رجال النجاشي : 389 ، تاريخ بغداد 2 / 246 ـ 247 .
(3) رجال النجاشي : 270 .
(4) المصدر السابق .
صفحه 98
زمانه أحدٌ مثله ، فإنّه كان شاعراً أديباً ، وكانت له منزلةً عظيمةً في العلم وفي الدين والدنيا ، ولقد نال هو وأخوه السيّد الرضي رعاية وإشراف أُستاذهم الشيخ المفيد وذلك بعد الرؤيا الصادقة التي رآها الشيخ المفيد في حقّهم ، فقد أحضرتهما أمّهما العلوية الجليلة عند الشيخ المفيد لينال تربيتهما وتفقيههما في الدين ، إنّ للسيّد المرتضى آثارٌ قيّمة ، من أهمّها كتاب الشافي في الإمامة وكتاب الأمالي(1) .
ـ سلاّر بن عبدالعزيز الديلمي أبو يعلى (المتوفّى سنة 448 هـ)(2) ، من أكابر فقهاء الشيعة ، وله عدّة كتب ، منها كتاب المواسم العلوية والأحكام النبوية(3) .
ـ النجاشي أحمد بن عليّ أبو العبّاس (372 ـ 450 هـ)(4) ، كبير رجاليي الشيعة ، وله الكتاب المعروف بالرجال ، وله كتب أُخرى ذكرتها بعض المصادر(5) .
ـ الشيخ الطوسي محمّد بن حسن أبو جعفر (385 ـ 460 هـ) المعروف بشيخ الطائفة(6) ، وله الكتابان القيّمان تهذيب الأحكام والإستبصار من الكتب الأربعة للشيعة ، وله كتب أُخرى كثيرة في سائر العلوم ، كالفقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لؤلؤة البحرين : 330 ، رياض العلماء 2 / 443 .
(2) رجال ابن داود : 106 ، رجال العلاّمة : 86 ، الذريعة 1 / 74 .
(3) رجال العلاّمة : 21 ، الذريعة 10 / 154 .
(4) المصدر السابق ، روضات الجنّات 1 / 62 .
(5) رجال ابن داود : 169 ـ 170 ، الذريعة 4 / 504 .
(6) رجال ابن داود : 169 .

صفحه 99
والكلام وتفسير القرآن و . . .(1) .
ـ أبو الفتح الكراجكي محمّد بن عليّ (المتوفّى 449 هـ)(2) ، ذكر أنّه رأس الشيعة ومن أصحاب السيّد المرتضى ، كان نحويّاً لغويّاً منجّماً طبيباً ومتكلّماً(3) ، ذكروا له كتباً ، منها كتابه المشهور كنز الفوائد(4) .
ولابدّ أن نلفت الأنظار هنا إلى أنّ بعض أصحاب كتب تراجم الرجال ـ إمّا لأنّهم لم يكونوا مطّلعين أو لأنّهم اعتمدوا نقلا غير مطمأن إليه أو بأيّ دليل آخر ـ أرادوا أن يعدّوا بعض ملوك آل بويه مثل (عضد الدولة) أيضاً من تلامذة الشيخ المفيد(5) ، ولكن مع التفحّص والبحث في كتب الرجال والتراجم وكتب التاريخ المرتبطة بعهد الشيخ المفيد نستطيع أن نجزم بأنّ ما نسبوه لا أساس له يعتمد عليه وما هو إلاّ محض نقل من الكتب المتأخّرة ، فلا نستطيع أن نعوّل عليه .
ـ وفاة الشيخ المفيد (رحمه الله) :
توفّي الشيخ المفيد يوم الجمعة الثالث من شهر رمضان سنة 413 هـ بعد عمر من السعي والجهاد والتبليغ في سبيل الله ، وقد أدخل في قلوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 403 .
(2) مرآة الجنان 3 / 54 ، رياض العلماء 5 / 488 .
(3) مرآة الجنان 3 / 54 .
(4) المصدر السابق ، روضات الجنّات 6 / 209 .
(5) أعيان الشيعة 8 / 431 .

صفحه 100
المحبّين لوعةً حتّى قالوا في وصف ذلك اليوم الذي توفّي فيه : «وكان يوم وفاته يوماً لم يُرَ أعظم منه من كثرة الناس للصّلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق»(1) .
وقد اشترك في تشييع جثمانه الطاهر والصلاة عليه ثمانون ألفاً من الشيعة فقط بحيث إذا أضفنا إليهم غير الشيعة فسيكون العدد هائلاً ، وإذا قسنا هذا الجمع الغفير مع قلّة النفوس آنذاك لتجلّت لنا عظمة وجلالة تلك الحركة التي اعتراها الحزن والأسى في ذلك العهد ، ولعلّ من أجل هذه العظمة تطرّق أكثر من أرّخ لوفاة الشيخ المفيد إلى ذكر ذلك الحشد الكبير المشارك في تشييع جثمانه ، كما ذكروا أيضاً ضيّق مكان المصلّين على جسده الطاهر بالرغم من أنّ تلك المراسم أقيمت في أكبر ساحات بغداد آنذاك وهي المسمّاة بميدان الأشنان .
فإنّ مثل السيّد المرتضى علم الهدى وهو من أبرز تلامذة الشيخ المفيد دوّن مراسم التشييع حيث كان شاهداً من قريب لما جرى في ذلك اليوم ، كما أنّه أمّ الصلاة أيضاً على الجثمان الطاهر للشيخ المفيد ، ودفن في بيته أوّلاً ثمّ نقل بعدها إلى مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) ، ودفن إلى جوار أُستاذه أبي القاسم جعفر بن قولويه القمّي بالقرب من قدمي الإمام الجواد (عليه السلام) حتّى صار اليوم مرقده الشريف في رواق الحرم الكاظمي معروفاً ، حيث يقصده الزوّار تبرّكاً به(2) ، وعلى قبره الشريف لوحة كتبت فيها أبيات شعرية نسبت للإمام الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان الميزان 5 / 416 .
(2) الجمل ، مقدّمة المحقّق : 20 .
صفحه 101
لا صوّت الناعي بفقدك إنّه *** يومٌ على آل الرسول عظيم
إن كنت قد غيّبت في جدث الثرى *** فالعدل والتوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلّما *** تُليت عليك من الدروس علوم(1)
هذا ، وقد أصبح قبر الشيخ المفيد مكاناً معروفاً في الحرم الكاظمي عرف باسمه .
ـ الشيخ المفيد (رحمه الله) في كلام العلماء :
إنّ شخصيّة الشيخ المفيد الفذّة كان لها الأثر الكبير في ذلك العهد حتّى على من عاداه بتعصّب أعمى إمّا لحقده على التشيّع وإمّا لحقده على الأفكار والتوجيهات المشرقة له وبالرغم من كلّ هذا فإنّهم كانوا يذكرونه بإكبار وإجلال إذ قد بيّنوا دوره الهامّ في تحريك عجلة التشيّع(2) .
كلمات علماء الشيعة في شأنه :
ـ قال الشيخ الطوسي : «انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته ، وكان مقدّماً في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب»(3) .
ـ قال الشيخ النجاشي : «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والفقة والعلم»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكنى والألقاب 3 / 199 ، مجالس المؤمنين 1 / 477 .
(2) تاريخ بغداد 3 / 231 .
(3) الفهرست : 157 .
(4) رجال النجاشي : 399 .

صفحه 102
ـ قال الشريف أبو يعلى الجعفري : «ما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن»(1) .
ـ قال العلاّمة الحلّي : «من أجلّ مشايخ الشيعة ورئيسهم وأُستاذهم ، وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه . . . أوثق أهل زمانه وأعلمهم»(2) .
ـ قال السيّد بحر العلوم : «محمّد بن محمّد بن النعمان شيخ المشايخ الجلّة ورئيس رؤساء الملّة ، فاتح أبواب التحقيق بنصب الأدلّة والكاسر بشقائق بيانه الرشيق حجج الفرق المضلّة ، اجتمعت فيه خلال الفضل وانتهت إليه رئاسة الكلّ . . . وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه»(3) .
كلمات علماء السنّة في شأنه :
ـ أبو حيّان التوحيدي : «وأمّا ابن المعلّم فحسن اللسان والجدل ، صبور على الخصم ، كثير الحيلة ، ظنين السرّ ، جميل العلانية»(4) .
ـ ابن الجوزي : «شيخ الإمامية وعالمها ، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره بدرب رباح يحضره كافّة العلماء»(5) .
ـ الذهبي : «كان أوحداً في جميع الفنون والعلوم : الأُصولين والفقه والأخبار ومعرفة الرجال والقرآن والتفسير والنحو والشعر ، ساد في ذلك كلّه ، وما ترك كتاباً للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان الميزان 5 / 416 .
(2) خلاصة الأقوال : 248 .
(3) الفوائد الرجالية 3 / 311 .
(4) الإمتاع والمؤانسة 1 / 141 .
(5) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 15 / 157 .

صفحه 103
شبه القوم»(1) .
ـ اليافعي : «البارع في الكلام والجدل والفقه . . . وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم خشن اللباس . . . وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر»(2) .
ـ ابن حجر العسقلاني : «صاحب التصانيف البديعة . . . وكان كثير التقشّف والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة . . . حتّى كان يقال : له على كلّ إمام منّة»(3) .
ـ الأوضاع السياسيّة والإجتماعيّة في عهد الشيخ المفيد (رحمه الله) :
لا شكّ أنّ القرن الرابع الهجري يعدّ عصراً ذهبيّاً في عهد الحضارة الإسلامية ، لقد تصادف مع تلك الحقبة الزمنية نضوج العديد من أكابر العلماء في سائر الفروع من العلوم الإسلامية والإنسانية و الطبيعيّة مثل الفقه والكلام والتفسير والتاريخ والحديث والطبّ والرياضيّات والنجوم و . . . ولعلّه من أجل هذا أطلق عليه البعض (عهد رنسانس الإسلامي)(4) . وإنّ الشخصية الفذّة التي يدور حولها البحث (الشيخ المفيد) قضى أكثر أيّام حياته في تلك الحقبة(5) ، كما طوى أكثرها في بغداد مركز الخلافة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الإسلام أحداث سنة 410 ـ 420 ص 333 ، نقلاً عن ابن أبي طي ; تاريخ الشيعة .
(2) مرآة الجنان 3 / 22 .
(3) لسان الميزان 5 / 416 .
(4) تمدن إسلامي در قرن چهارم هجري 1 / 9 .
(5) المشهور أنّه ولد سنة 366 وتوفّي سنة 413 ، وبناءً على هذا فإنّ أكثر أيام حياته تقع في القرن الرابع الهجري .

صفحه 104
وبالرغم من ذلك فإنّ القرن الرابع الهجري كان يعدّ البداية لتمزّق أكبر امبراطورية إسلامية ـ أي الخلافة العباسيّة ـ فإنّ آثار هذا الإنهيار بدت واضحة في العقود الأُولى من هذا القرن بعد أن أعلن (بجكم ترك) أمير أُمراء الكوفة نفيراً عاماً إثر موت الخليفة العباسي (الراضي بالله) سنة 329 هـ ، حيث كتب كتاباً إلى بغداد يأمر فيه العلويّين وقضاة بني العبّاس وأعيان البلاد وأبا القاسم وزير الراضي بالله أن يجتمعوا مع مندوبه الخاصّ ويتشاوروا مصير الخلافة وتعيين الخليفة ، وكانت النتيجة أنْ أجمع الكلّ على خلافة إبراهيم ابن الخليفة المقتدر ، وبايعوه ولقّبوه بـ (المتّقي بالله) ، ولكن لم يكن له من الخلافة إلاّ اسمها وكانت زمام الأُمور جميعها بيد بجكم(1) .
وفي هذه الأثناء دبّر (آل بويه) هجوماً على العراق سنة 332 هـ(2)بقيادة أبي الحسين أحمد ابن بويه ، حيث كان الخطوة الأُولى للإستيلاء الكامل على الخلافة وتجريدها كاملاً عن معناها الذي كانت عليه فيما قبل ، وبالرغم من أنّ هذا الهجوم باء بالفشل إلاّ أنّنا نستطيع أن نعدّه من أوّل العوامل التي أدّت إلى تضعضع الخلافة العباسية .
هذا ، وإنّ بيعة أحمد مع الخليفة في سنة 334 وارتداءه الخلعة التي أهداها إليه الخليفة العبّاسي وتسميته بـ : (معزّ الدولة) وتسمية أخيه عليّ بـ : (عماد الدولة) وتسمية الحسين أخوه الآخر بـ : (ركن الدولة) وضرب هذه الألقاب على الدينار والدرهم كلّ هذه الأُمور ساعدت على ضعف الخلافة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ آل بويه : 22 .
(2) المصدر السابق : 27 .

صفحه 105
العباسيّة حتّى استولى (معزّ الدولة) على جميع شؤون بغداد مع ابن أخيه (عضد الدولة) وسلبا من الخليفة كلّ صلاحيّاته بحيث لم يبق له سوى ذكر اسمه في الخطب(1) .
لقد عزّز البويهيّون موقف الشيعة آنذاك ، فكانت الخطوات الأُولى التي خطوها هي تثبيتهم لشعائر الشيعة التي كان أكثرها قد حظر عليها مثل مراسم العزاء في عاشوراء والاحتفال بعيد الغدير ، فقد رفع هذا الحضر من قبل معزّ الدولة سنة 352 هـ وذلك لأنّ آل بويه ينتمون إلى المذهب الشيعي كما قيل في شأنهم ، ومن هنا اعتقد البعض أنّ العهد البويهي كلّه كان عهداً لتبليغ مذهب أهل البيت (عليهم السلام)(2) .
وتوفّي معزّ الدولة سنة 356 هـ(3) وولي ابنه (عزّ الدولة) من بعده ، ولكن لانشغاله باللهو واللعب(4) لم يكن حازماً في أيّام ملكه حتى ضعف أمره .
وفي هذا العهد جرت حوادث عظيمة ، مثل هجوم الروم (الروم الشرقية) على بلاد الإسلام(5) بحيث اعتزل الخليفة (المطيع لله) الخلافة طوعاً(6) ، وعمّت البلاد اضطرابات عجز (عزّ الدولة) عن معالجتها ، فاستعان بعمّه (ركن الدولة) فطلب (ركن الدولة) من ابنه (عضد الدولة) أن ينصر ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق .
(2) (تاريخ شيعه) ترجمة السيّد محمّد باقر الحجتي ص 294 .
(3) تاريخ آل بويه : 33 .
(4) المصدر السابق : 36 .
(5) المصدر السابق .
(6) المصدر السابق نقلاً عن تاريخ بغداد 11 / 79 و12 / 379 .

صفحه 106
عمّه وذلك لضعفه (ركن الدولة) وكبر سنّه ، وحيث إنّ (عضد الدولة) كان يطمع في حكم العراق هذا من جهة وكان مغتاضاً من (عزّ الدولة) من جهة أخرى فأخذ (عضد الدولة) يعدّه ويمنّيه بمساعدته لكنّه لم يلبّ له أمراً حتّى عسر الحال على (عزّ الدولة) فحينها نهض لحمايته ولكن هو الآخر أُجبر على الرجوع إلى بلاد فارس بطلب من أبيه ، وبعدها جرت عدّة حوادث أدّت إلى أن جهّز (عضد الدولة) في سنة 366 هـ جيشاً جرّاراً وتوجّه به إلى العراق ، فانكسر (عزّ الدولة) وانهزم إلى واسط ، ولكن جرت بينه وبين (عضد الدولة) حرب أُخرى سنة 367 هـ أُسّر على إثرها (عزّ الدولة) ثمّ قتل ، وتوفّي أيضاً (عضد الدولة) سنة 372 هـ بعد خمس سنوات من حكمه(1) .
وربّما نستطيع أن نقول : إنّ الشيعة كانوا أكثر حرّية خلال هذين العقدين من غيرهما من العهود التي مرّت عليهم ، وبالأخصّ في عهد (عضد الدولة) الذي كان أكثر الحكام البويهيّين اهتماماً بالعلم والعلماء حيث كان يحترم علماء الشيعة خاصّة(2) ، ولعلّ قصّته المعروفة في عيادة الشيخ المفيد وتقديره له أيضاً كان لهذا السبب ، ولكن علينا أن نعلم أنّ هذه الحالة لم تدم وأنّ الشيعة من بعد هذا العهد لاقوا أنواع المحن ثانية وصاروا عرضة للعديد من البلايا والرزايا ، بالطبع ربّما لم يكن عهدهم فيما بعد بأمضّ من العهود السابقة إلاّ أنّه لم يكن بذلك الاستقرار الذي عهدوه خلال تلك العشرين سنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق : 45 .
(2) تاريخ شيعة : 294 .
صفحه 107
ومع مرور الزمن شيئاً فشيئاً أخذت تزداد الضغوطات الناشئة من الآراء التعسّفية لسائر المذاهب ، وإنّ دعمهم من قبل الحكّام الموالين لهم في الرأي أخذ يزيد الخناق على الشيعة ، بحيث ذكر المؤرّخون أن عدّة نزاعات طائفيّة جرت في بغداد بين الشيعة والسنة وبالأخص في منطقة الكرخ ، حتّى أبعدوا الشيخ المفيد مرّتين في سنة 392 هـ وسنة 398 هـ(1)بزعمهم الباطل لتهدئة الأوضاع ، فقد كانت مصلحتهم في أن يترك بغداد نظراً إلى مقامه العلمي والاجتماعي في حين أنّ الشيخ المفيد لم يكن له أي دخل في تلك الاضطرابات ، وما زعمهم هذا إلاّ ذريعة لإبعاده(2) .
وبالرغم من التلاطم السياسي في العراق آنذاك إلاّ أنّ الشيخ المفيد كان قد بذل جهوداً كبيرةً لنشر المبادىء الشيعية الأصيلة مستفيداً من انتماء بعض حكّام العراق آنذاك إلى المذهب الشيعي ، فبالرغم من أنّ الشيعة فيما سلف وحتّى بعد عهد الشيخ المفيد كانوا في غربة موحشة إلاّ أنّ أفكاره وآراءه جعلتهم يتسلّحون بمنطق رصين وحجّة دامغة ، فبإجابته عن الشبهات التي أثارتها بعض الفئات بشتّى الاعتقادات لتضعيف معتقدات الشيعة فتح طريقاً للشيعة خطّ فيه مسيرتهم ليمضوا على طريقهم ويواصلوه بكلّ شجاعة وبقواعد اعتقاديّة قوية ، ذلك لأنّ بغداد في تلك الحقبة كانت عاصمة الإسلام بمعنى الكلمة ، لأنّها كانت مركزاً للصراعات الفكرية ، وكان لكلّ واحد من المذاهب أنصاره ومؤيّدوه ، وإنّ لأقوى تلك المذاهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الإسلام أحداث سنة 390 ـ 400 ، ص 212 .
(2) انظر الفصل الأوّل من كتاب السيّد جعفر مرتضى العاملي باللغة الفارسية تحت عنوان (مبارزة براي آزادي بيان وعقيدة در عصر شيخ مفيد) لتزداد اطلاعاً على الظرف الزمني الذي عاشه الشيخ المفيد آنذاك .

صفحه 108
وأكثرها تعصّباً عبارة عن المذهبين الحنبلي والشيعي(1) ، وكان دور الشيخ المفيد يبدو أكثر وضوحاً في بيان أُسس اعتقادات الشيعة .
ب ـ آثار ومؤلّفات الشيخ المفيد (رحمه الله) :
ـ نظرة سريعة في آثار الشيخ المفيد (رحمه الله) :
لو غضضنا النظر عن مجالس المناظرات والآثار غير المكتوبة التي تعدّ من جملة الخدمات العلمية القيّمة للشيخ المفيد فهناك آثار مكتوبة قيمة ملفتة للنظر بقيت منه ، على أنّ هذه التأليفات لم تحفظ كلّها إلى زماننا هذا ، بل تلف الكثير منها على مرّ الزمن أو أنّها لم تطبع حتّى الآن(2) ، ولكن مع كلّ هذا فإنّ المقدار الذي وصل إلينا هو أيضاً عبارة عن مجموعة نفيسة وقيمة لا مثيل لها ، حيث ظمّت في طيّاتها العديد من الموادّ العلمية والمعارف الدينيّة التي لازالت وسيلةً تَقُرُّ بها عيون الباحثين وتبعث الأمل لمحقّقي العلوم الإسلاميّة .
وبما أنّ الشيخ المفيد كان وحيد عصره في علم الكلام والفقه والاُصول والرجال والتفسير والنحو والشعر و . . .(3) فقد كانت له رسائل وتأليفات أيضاً في جميع هذه العلوم ، لقد ذكرت مصادرٌ كثيرة عناوين كتب ومؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن أقدم وأفضل المصادر التي نستطيع أن نستحصل منها على مؤلّفات الشيخ المفيد هي عبارة عن كتابي فهرست
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تمدّن اسلامي در قرن چهاردهم هجري) 1 / 85 .
(2) عثر الاستاذ زماني على مجموعة من رسائل الشيخ المفيد المفقودة استخرجها من بين الكتب ، انظر (آثار مفقود شيخ مفيد) المقالات والرسالات ، رقم 3 .
(3) سير أعلام النبلاء 17 / 344 ، الوافي بالوفيات 1 / 16 .

صفحه 109
الشيخ الطوسي ورجال النجاشي ، فإنّ هذين الكتابين من مؤلّفات شخصيتين من أبرز تلامذة الشيخ المفيد ، وفي نفس الوقت يُعدُّ مؤلِّفَيهما من كبار علماء رجال الشيعة ، وبناءً على ذلك فإنّهما قد حازا على منزلة خاصّة فيما نحن فيه .
فقد ذكر الشيخ الطوسي ما نصّه : «وله قريب من مائتي مصنّف كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف»(1) .
فإنّه ذكر عناوين عدد من هذه الكتب ثمّ صرّح بأنّه درسها عند أُستاذه الشيخ المفيد(2) ، ولكنّه لم يذكر عناوين جميع كتبه وإنّ الفهرست لم يحتو على جميع آثاره إلاّ أنّ النجاشي في كتاب رجاله ذكر عنوان 174 مؤلّفاً من آثار الشيخ المفيد(3) ، ومن أجل ذلك يعدّ أفضل مصدر لمعرفة آثاره .
وقد أعدّ مارتين مكدرموت أيضاً فهرسةً لآثار الشيخ المفيد ، حيث إنّه يبدو للوهلة الأُولى أكثر تكاملاً من مصادر المتقدّمين ، حيث احتوى على أكثر من مائتي عنوان من آثار الشيخ المفيد ، إلاّ أنّ فيه الكثير من الاشتباهات الحاصلة نتيجة لإضافته لبعض العناوين من مصنّفات الشيخ المفيد وذلك اعتماداً منه على مصادر المتأخّرين ، ونتيجة لرؤيته بعض المخطوطات من مصنّفات الشيخ في مكتبات النجف وقم وطهران وقد نسبها إليه ، ونتيجة لاعتماده في إعداد فهرسته على النسخة المطبوعة من رجال النجاشي والتي كانت تحتوي على كثير من الاشتباهات(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست : 158 .
(2) المصدر السابق .
(3) رجال النجاشي : 399 ـ 402 .
(4) (انديشه هاي كلامي شيخ مفيد) : 36 . من أجل الاطلاع على اشتباهات فهرست مارتين مكدرموت انظر (آثار الشيخ المفيد) للسيّد محمّد جواد الشبيري من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ، ص 137 ـ 139 .
صفحه 110
وبالإضافة إلى ما ذكرنا من تظلّعه في العلوم المختلفة والمعارف الإسلامية وأنّه ترك فيها أثراً أو آثاراً من المؤلّفات فإنّه كان ملمّاً بالكثير من العلوم الأُخرى ، مثل التاريخ والفلسفة والنجوم وغيرها من سائر العلوم ، بل إنّ له فيها آثاراً وتأليفات إلاّ أنّها لم تصل إلينا .
واعتماداً على ما ذكرناه من المصادر التي احتوت على آثار الشيخ المفيد فلا نرى ضرورة لأن نقدّم فيها فهرسةً حيث قد أغنتنا تلك المصادر عن ذلك ، إلاّ أنّنا نتطرّق هنا إلى ما يرتبط مع موضوعنا من هذه الآثار أي تأليفاته التاريخية والكلامية وخصوصيّاتها فقط ، لكن لابدّ لنا قبل هذا أن نشير في دراستنا لنماذج مختلفة من آثاره إلى النكات التالية بصورة كلّيّة ومختصرة :
1 ـ إنّ بعض آثار الشيخ المفيد عبارة عن مؤلّفات مستقلّة كتبت في موضوعات مختلفة ، وقد أضيف إلى عناوين البعض منها كلمة (مسألة) أو (مسائل) ذكراً للموضوع المبحوث عنه ، وأمثال ذلك كتاب المسألة الكافئة في إبطال توبة الخاطئة(1) ، وكتاب المسائل العشر في الغيبة(2) الذي أُلّف في غيبة الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وطول عمره الشريف ، ومواضيع أُخرى من هذا القبيل ، وتوجد مجموعة تتألّف من 120 مؤلّفاً من آثار الشيخ المفيد في هذا المجال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 56 ، المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد رقم 55 ، ص 140 .
(2) (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 57 .

صفحه 111
2 ـ هناك مجموعة أُخرى من آثار الشيخ المفيد وهي عبارة عن أجوبته على العديد من الأسئلة التي كانت توجّه إليه من سائر البلدان الإسلامية من جهة أشخاص أو أهالي مناطق ، مثل : طبرستان ، الموصل ، مازندران ، گرگان ، نيشابور ، ساري و . . . التي تصل إليه من شرق البلاد وغربها وكان يجيب عليها أيضاً ، مثل : المسائل الجارودية(1) ، وهي رسالة في أبي الجارود وفرقة من الزيدية كان أبو الجارود مؤسّسها(2) ، أو مثل كتاب المسائل النوبندجانية الواردة عن أبي عبدالله محمّد بن عبدالرحمن الفارسي المقيم بمشهد عثمان بالنوبندجان(3) ، أو مثل المسائل المنثورة التي أشار إليها الشيخ الطوسي وقال : «إنّها تشتمل على حدود مئة مسألة»(4) . هذا ، وتوجد مجموعة تتألف من 45 أثراً من آثار الشيخ المفيد من هذا النوع .
3 ـ وهناك قسم آخر من آثار الشيخ المفيد هي عبارة عن مؤلّفات في ردّ آثار وآراء الآخرين ونقض ما كتبوه ، وفي أكثرها نرى أنّ العناوين أُضيف إليها نفس هاتين الكلمتين وهي (الردّ) و(النقض) أو (نقض) وقد بدت واضحةً على المؤلّفات التي أُعدّت لموضوع الكتاب أو الأشخاص الذين كتب من أجل الردّ عليهم ، مثل : الردّ على أبي عبدالله البصري في تفضيل الملائكة(5) ، وهو كتابٌ موضوعه في تفضيل الأنبياء (عليهم السلام) على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 57 .
(2) فرق الشيعة : 21 ، الملل والنحل 1 / 183 و184 .
(3) (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 58 .
(4) الفهرست : 158 .
(5) (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 59 .

صفحه 112
الملائكة (عليهم السلام) جاء في الردّ على رأي أبي عبدالله البصري الذي كان يعتقد أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء ، أو كتاب نقض الخمس عشرة مسألة على البلخي(1) جاء في الردّ على نظريّات أبي القاسم البلخي(2) ، وقد بلغت هذه المؤلّفات إلى ما يقارب من 35 عنواناً من آثار الشيخ المفيد .
4 ـ إنّ عدداً من آثار الشيخ المفيد عبارة عن تأليفات كتبها بطلب من بعض الأشخاص في أبحاث مختلفة ، وقد اعتاد الشيخ المفيد أن يشير إلى هذا المطلب في أوّلها ويبيّن هدفه من كتابتها ، فإنّ كتابي الجمل والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد المهمين وبعض آثار أُخرى منه تعدّ من هذا القبيل(3) .
ولابدّ لنا هنا أن نشير إلى أنّ الشيخ المفيد له العديد من الآثار والتأليفات في سائر الموضوعات ، ولكن بمجرّد دراسة هذه الآثار نستطيع أن ندرك بأنّ محور بحوث تأليفاته وآثاره دارت حول الكلام والفقه ، أي لا يوجد من بين آثاره كتاب أو رسالة لا ارتباط لها بهذين العلمين بوجه من الوجوه إلاّ القليل ، وحتّى كتابه المعروف بـ (المزار) الذي ألّفه في الزيارات وآدابها وفي مواضيع من هذا القبيل فإنّه لا يخلو من المطالب الفقهيّة ، وكذلك كتابه الإرشاد الذي ألّفه في معرفة تاريخ حياة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فإنّه لا يخلو من المباحث الكلامية . ثمّ إنّ أساس تأليف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق .
(2) هو أحد معتزلة بغداد وكان الشيخ المفيد مطّلعاً على آرائه ، انظر (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 59 .
(3) ولمزيد من الاطلاع ، انظر الجمل : 47 ، والإرشاد في حجج معرفة الله على العباد 1 / 4 .

صفحه 113
هذا الكتاب ـ يعني إثبات إمامة الأئمّة (عليهم السلام) والدفاع عن إمامتهم ـ هو بحث كلامي أيضاً .
وكذلك إنّ بعض رسائله الفقهيّة لا تخلو من المباحث الكلامية ، وذلك مثل رسائله الفقهية في (المتعة) ووجوب (المسح على الرجلين) والتي ألّفها للدفاع عن الآراء الخاصّة بالشيعة الإمامية في قبال آراء المذاهب الأُخرى ، ومن هذا التحقيق المختصر نستطيع أن نستنتج أنّ أكثر تأليفات الشيخ المفيد لها صبغة كلامية ، ومن ثمّ يأتي الجانب الفقهي في المرحلة الثانية في الأهميّة في مؤلّفاته(1) .
ـ الآثار التاريخية للشيخ المفيد (رحمه الله) :
بعد هذه التوضيحات التي بيّنّاها في آثار الشيخ المفيد فإنّ أكثر ما يهمّنا في هذه المقدّمة هو البحث في كتاباته ومؤلّفاته التاريخية من بين آثاره المختلفة حيث تعدّ مؤلّفاته التاريخية والكلامية واحدة من تلك الآثار .
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الشيخ المفيد كلّما خاض تحقيقاً في موضوع من مواضيع التاريخ الإسلامي ـ كسائر المواضيع الأُخر ـ نزل إلى عرصات ذلك البحث بأُسلوب متميّز باذلا قصارى جهده في توضيح مختلف زوايا ذلك الموضوع ، لكن ليس من الصحيح أن نعدّ الشيخ المفيد مؤرّخاً ، لأنّه كان فقيهاً ومتكلّماً قبل أن يكون مؤرّخاً . وبعبارة أُخرى فإنّ أفكاره الكلامية والعقائدية هي المهيمنة على آثاره وكانت تلقي بظلالها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد أخذنا بعض مواضيع هذا الفصل من الرسائل المحقّقة للأستاذ السيّد محمّد جواد الشبيري التي طبعت تحت عنوان (آثار الشيخ المفيد) من المقالات الفارسية للمؤتمر العالمي للشيخ المفيد ، رقم 55 .

صفحه 114
واضحة على تلك الآثار ، ومن هنا نرى أنّ عدداً محدوداً من تأليفاته تطرّقت للمواضيع التاريخية فقط ، وهذا العدد القليل الذي قدّمه قد كان له دور مؤثر ومفيد في عرضه للوقائع التاريخية ، خصوصاً في ما قدّمه من تحليل لتلك الوقائع .
وسوف نتعرّض هنا إلى آثار مؤلّفات الشيخ التاريخية مع تدوين ملاحظاتنا عليها .
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد :
ذكر ابن شهرآشوب هذا الكتاب باسم الإرشاد(1) ، والنجاشي والشيخ الطوسي ذكراه باسم كتاب الإرشاد(2) ، أمّا الشيخ المفيد نفسه في كتاب آخر له وهو المسائل العشر في الغيبة(3) فقد أشار إلى الإسم الكامل ، وقد ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني أيضاً باسم الإرشاد(4) .
لقد ذكر الشيخ الطوسي هذا الكتاب من جملة الآثار التي قرأها عليه الشيخ المفيد بنفسه أو قرئت عليه غير مرّة وهو يسمع(5) .
أُلّف هذا الكتاب مثل غيره من بعض مؤلّفات الشيخ بطلب من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معالم العلماء : 113 .
(2) رجال النجاشي : 399 ، الفهرست : 158 .
(3) الاسم الصحيح لهذا الكتاب هو (المسائل العشر في الغيبة) ، وقد ذكرته أكثر المصادر والرسائل التي أُلِّفت في آثار الشيخ المفيد باسم (المسائل العشرة في الغيبة) وهو غير صحيح ، انظر (نقد شصت كتاب درباره أسامي ونسخه هاي خطّي آثار شيخ مفيد) ، آينه پزوهش ، رقم 17 و18 ص 63 .
(4) الذريعة 1 / 509 .
(5) الفهرست : 158 .
صفحه 115
شخص ، وهو أكمل وأقدم وأهمّ أثر عند الشيعة في سيرة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، وبما أنّه أُلّف بقلم أمين لعالم شيعيّ ينظر إلى الأُمور بدون أيّ تعصّب فقد استطاع أن يحرز مكانة مهمّة بين سائر الكتب التاريخية ، ولم يكن موضع اهتمام الشيعة فحسب بل قد استفاد منه علماء سائر الفرق وبالأخصّ المنصفين منهم(1) .
علماً بأنّ هذا الكتاب كان يحتوي على سيرة الأئمّة الإثني عشر (عليهم السلام)فقط ، فإنّه لم يذكر شيئاً عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلاّ في المناسبات المتفرّقة التي اقتضت ذكرهما أو من أجل ارتباط بعض المواضيع بهما (عليهما السلام)(2) .
إنّ ما يقارب من نصف هذا الكتاب كان يحتوي على سيرة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأمّا باقي الكتاب فقد بيّن سيرة سائر الأئمّة (عليهم السلام) ، إنّ المواضيع التي اعتمد عليها في هذا الكتاب وجاءت بصورة مشتركة في جميع الأئمّة (عليهم السلام) هي عبارة عن : اللّقب ، الكنية ، تاريخ الولادة ، مدّة الإمامة ، النصّ بالإمامة ، الأدلّة والمعجزات ، بعض الفضائل والمناقب ، الوفاة أو الشهادة ، موضع الدفن ، عدد وأسماء الأولاد ، وقسم من كلامهم (عليهم السلام) .
لقد حاز هذا الكتاب على أهمّية كبيرة بحيث ترجمه وشرحه ولخّصه العديد من العلماء وذلك لأهميّته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إنّ ما استفاده بعض العلماء مثل الگنجي الشافعي في كفاية الطالب وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة لخير دليل على كلامنا هذا .
(2) لقد ذكرنا بتفصيل أكثر سبب عدم تناول الشيخ المفيد لهذا الموضوع في فصل (هدف الشيخ المفيد من كتابة التاريخ) .

صفحه 116
الجمل :
إنّ للشيخ المفيد عدداً من المؤلّفات أعدّها في شأن حرب الجمل والأحداث التي دارت حولها ، وقد ذكرت في المصادر بأربعة عناوين :
ألف ـ الجمل :
ذكره النجاشي(1) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(2) بهذا العنوان .
ب ـ كتاب في أحكام أهل الجمل :
أشار إلى هذا العنوان كلٌّ من الشيخ الطوسي(3) ، ابن شهرآشوب(4) ، الشيخ أقا بزرگ الطهراني(5) . وذكره سزگين بعنوان حرب الجمل(6) .
ج ـ النصرة لسيّد العترة في أحكام البغاة عليه في حرب البصرة :
ذكره كلّ من الشيخ الطوسي(7) والنجاشي(8) بعنوان النصرة ، ولكن ابن شهرآشوب ذكره بالعنوان الكامل(9) ، والشيخ أقا بزرگ الطهراني أيضاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 399 .
(2) الذريعة 5 / 141 ـ 142 .
(3) الفهرست : 158 .
(4) معالم العلماء : 113 .
(5) الذريعة 1 / 295 .
(6) تاريخ التراث العربي 3 / 312 .
(7) الفهرست : 158 .
(8) رجال النجاشي : 399 .
(9) معالم العلماء : 113 .

صفحه 117
ذكره لكن بعنوان النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة(1) .
د ـ المسألة الكافية في إبطال توبة الخاطئة :
فالذي يبدو واضحاً أنّها ثلاثة كتب لا أكثر ، واحد منها في البغاة والخارجين على إمام زمانهم ، وقد بحث في هذا الموضوع بحثاً كلاميّاً وفقهيّاً ، فمن هنا أخذ الكتاب طابعاً كلاميّاً ، وهو الكتاب المشار إليه باسم النصرة لسيّد العترة .
والكتاب الثاني في الحوادث والوقائع التي جرت في حرب الجمل وتفاصيل تلك الحوادث ، وهو الكتاب المشار إليه باسم الجمل .
والكتاب الثالث في رد مزاعم الذين ظنّوا أنّ عائشة وأنصارها تابوا بعد حرب الجمل وقد غُفرت ذنوبُهم ، وهو الكتاب المشار إليه باسم المسألة الكافية ، وهذا الكتاب قيد التحقيق والطبع في مكتبة العلاّمة المجلسي (رحمه الله)
والكتاب الذي طبع باسم الجمل باحتمال قوي هو نفس الكتابين المشار إليهما آنفاً المطبوعين في مجلّد واحد ، فالكتاب الأوّل كلامي والثاني تاريخي والكتاب الثالث هو المسألة الكافية .
فلابدّ لنا أن نقول في ما يخصّ كتاب الجمل : إنّ هذا الكتاب لا مثيل له نظراً إلى موضوعه وأُسلوب تأليفه ، ليس فقط من بين آثار الشيعة بل حتّى من بين جميع الآثار التي أُلّفت في هذا المضمار ، وإنّ الشيخ المفيد بنفسه كان مطّلعاً على خصوصيّة كتابه فقد أكّد ; قائلاً :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة 1 / 295 ، 5 / 141 ـ 142 ، 24 / 177 .
صفحه 118
«كلّ كتاب صنّف في هذا الفنّ قد تضمّن أخباراً تلتبس معانيها على جمهور الناس ، ولم يأت أحد من المصنّفين بذكر الحرب في هذه الفتنة على الترتيب والنظام بل خلطوا الأخبار فيها خلطاً لم يحصل معه تصوّر الخلل فيما كان بين الجميع منه على الظهور والتبيان للذي جاء . . .»(1) .
لقد استفاد الشيخ المفيد في هذا الكتاب من الرسائل المتبادلة والمناقشات الدائرة بين الأشخاص بأحسن وجه ممكن ، فقد عرض الأخبار الصحيحة لحرب الجمل بعد تنقيحها ، فصار يحكم من بينها برأي منصف متكامل ، ومن هنا استطاع أن يخلّد أثراً جديداً وبديعاً ، وقد اعتقد البعض أنّ الشيخ المفيد في كتابه هذا اتخذ التاريخ وسيلة لإثبات آراء الشيعة في قبال العثمانيّين والمعتزلة ، وهي من إبداعات الشيخ المفيد في التلفيق بين المدرسة التاريخية وعلم الكلام(2) .
إنّ من أهمّ خصائص كتاب الجمل هو كون هذا الأثر جسراً رابطاً بين سائر الآثار القديمة المؤلّفة في هذا الموضوع ، لأنّ حرب الجمل من المواضيع التي سُجِّلت ودوّنت منذ العقود الأولى في صدر الإسلام وقد اهتمّ فيها الرواة والمؤرّخون وقد ألّفت فيه العديد من الكتب والرسائل ، فمن جملتها نستطيع أن نشير إلى مؤلّفات جابر بن يزيد الجعفي (المتوفّى سنة 128 هـ)(3) وأبي مخنف الأزدي (المتوفّى سنة 157 هـ)(4) وهشام بن
محمّد الكلبي (المتوفّى سنة 204 أو 206 هـ)(5) وأبي حذيفة إسحاق بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 48 .
(2) (منابع تاريخ اسلام) : 243 .
(3) رجال النجاشي : 435 ، الذريعة 5 / 141 .
(4) فهرست ابن النديم : 105 ، رجال النجاشي : 320 ، الفهرست : 129 .
(5) رجال النجاشي : 435 ، الذريعة 5 / 141 .
صفحه 119
بشر القرشي (المتوفّى سنة 206 هـ)(1) ومحمّد بن عمر الواقدي (المتوفّى سنة 207 هـ)(2) وأبي عبيدة معمر بن مثنى (المتوفّى 208 أو 209 أو 210 أو 211 هـ)(3) ونصر بن مزاحم المنقري (المتوفّى سنة 212 هـ)(4) وأبي الحسن المدائني (المتوفّى سنة 225 هـ)(5) وعبدالله بن محمّد بن أبي شيبة (المتوفّى سنة 235 هـ)(6) وأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (المتوفّى سنة 274 أو 280 هـ)(7) وأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي (المتوفّى سنة 283 هـ)(8) ومحمّد بن زكريّا الغلابي (المتوفّى 298 هـ)(9) ، علماً بأنّه لا يوجد اليوم أثر لهذه الكتب والرسائل إلاّ أنّه يمكن الحصول على بعض المقطوعات منها متفرّقة في بطون الكتب ، فمن هنا نستطيع أن نقول : إنّ كتاب الجمل للشيخ المفيد من أقدم وأهمّ المؤلّفات في هذا المجال .
لقد طبع هذا الكتاب في سنة 1368 هـ و1382 هـ ، بتحقيق المرحوم السيّد المقرّم في النجف الأشرف ثمّ طبع بعد ذلك في قم ، وكان المؤتمر العالمي للشيخ المفيد الذي انعقد في قم قد قام بطبعه في سنة 1413 هـ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فهرست ابن النديم : 106 .
(2) فهرست ابن النديم : 111 ، الذريعة 5 / 141 .
(3) فهرست ابن النديم : 59 .
(4) فهرست ابن النديم : 106 ، رجال النجاشي : 428 ، الفهرست : 171 .
(5) فهرست ابن النديم: 115، الذريعة 5 / 141.
(6) فهرست ابن النديم : 285 ، الذريعة 5 / 141 .
(7) فهرست ابن النديم : 277 ، رجال النجاشي : 77 ، الفهرست : 21 .
(8) رجال النجاشي : 17 ، الذريعة 5 / 141 .
(9) فهرست ابن النديم : 121 ، رجال النجاشي : 347 ، الذريعة 5 : 141 .
صفحه 120
وكان هو المجلّد الأوّل من المجموعة الكاملة لآثاره بتصحيح وتحقيق الأُستاذ السيّد عليّ مير شريفي .
أجوبة المسائل العكبرية :
لقد ذكر النجاشي هذا الكتاب تحت عنوان : جوابات أبي الليث الأواني(1) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فبالرغم من أنّه أشار إلى هذا العنوان(2) ولكن في مواضع أُخرى من كتابه ذكره بالعناوين التالية : المسائل العكبرية(3) ، المسائل الحاجبية(4) ، الأسئلة الحاجبيّة(5) ، جوابات المسائل الحاجبيّة(6) ، الحاجبيّة(7) والأسئلة العكبرية(8) . وقد احتمل أنّ كتاب جوابات الإحدى والخمسين مسألة أيضاً هو نفس هذا الكتاب(9) .
وعلى كلٍّ فإنّ أكثر هذه الأسماء منسوبة إلى الأماكن والأشخاص الذين سألوا الشيخ المفيد هذه الأسئلة وبما أنّ المسائل أُرسلت من عكبرى فقد نسبت إليها وسمّيت بـ : (العكبرية) ، أو لأنّها جاءت من ناحية أبي ليث بن سراج الأواني فقد عرفت باسمه : (جوابات أبي ليث الأواني) ، والمهمّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 400 .
(2) الذريعة 5 / 198 .
(3) الذريعة 5 / 358 .
(4) الذريعة 5 / 228 .
(5) الذريعة 20 / 341 .
(6) الذريعة 2 / 81 .
(7) الذريعة 5 / 219.
(8) الذريعة 6 / 5 .
(9) الذريعة 2 / 90 .
صفحه 121
هنا أنّ التأليف واحد ، والأهمّ هو أنّ المؤلّف هو الشيخ المفيد ، وقد أجاب في مؤلّفه هذا عن واحد وخمسين سؤالا في معاني آيات القرآن وعن بعض الروايات أو المواضيع التاريخية .
علماً بأنّ أكثر هذه الأسئلة مرتبطة بإمامة الإمام وبمواضيع من هذا القبيل ، وأمّا الأسئلة التي كانت تحمل طابعاً تاريخياً فهي عبارة عن الأسئلة التالية : الثاني عشر إلى التاسع عشر ، السؤال العشرون ، الثاني والعشرون ، الثالث والعشرون ، التاسع والعشرون ، السادس والثلاثون ، التاسع والثلاثون ، السابع والأربعون ، الخمسون ، الواحد والخمسون .
طبع هذا الأثر مرّة في مجلّة (المشرق) في بيروت سنة 1412 هـ بعنوان : أجوبة المسائل الحاجبية تحقيق مارتين مكدرموت ، وقد قام بطبعه للمرّة الثانية المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد السادس من مصنّفات الشيخ المفيد(1) وقد قام بتحقيقها الشيخ علي أكبر إلهي خراساني .
المسائل السروية :
لم تذكر هذه الرسالة في رجال النجاشي ولا في فهرست الشيخ الطوسي ولكن ذكرها ابن شهرآشوب بنفس هذا العنوان(2) ، وذكرها أيضاً الشيخ أقا بزرگ الطهراني تارة باسم الأسئلة السروية(3) وفي مكان آخر من كتابه باسم جوابات المسائل السروية(4) ، وهو إرجاع منه إلى ما أخذه من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته) ، المقالات والرسالات ، رقم 1 ص 192 .
(2) معالم العلماء : 113 .
(3) الذريعة 2 / 383 .
(4) الذريعة 5 / 222 .

صفحه 122
عنوان المسائل السروية(1) .
إنّ محتوى هذه الرسالة هو الإجابة على أحد عشر سؤالاً أُرسلت إلى الشيخ المفيد من بلدة (ساري) في إيران وكانت الأسئلة قد جاءته من شخص اسمه (شريف فاضل) وهو مجهول لنا ولكنّ الشيخ المفيد ذكره بإكبار(2) ، وهذه الأسئلة أكثرها كلامية والسؤال العاشر فقط له طابع تاريخي حيث طرحت فيه قضيّة زواج ابنة الإمام عليّ (عليه السلام) ـ اُم كلثوم ـ من عمر ، علماً بأنّ هذا السؤال جاء أيضاً مع بعض الرسائل الأُخرى للشيخ المفيد بصورة منفصلة(3) .
إنّ أحد خصائص المسائل السروية هو أنّ الشيخ المفيد ذكر فيه أسامي بعض مؤلّفاته .
الإفصاح في الإمامة :
لقد ذكر كلّ من الشيخ الطوسي(4) وابن شهرآشوب(5) هذا الكتاب تحت عنوان : الإفصاح ، أمّا النجاشي(6) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(7) فقد ذكراه بعنوان : الإفصاح في الإمامة . ونحن نرى أنّه لو ذكر هذا الكتاب بعنوان : إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو : الإفصاح في إثبات إمامة مولانا أمير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة 20 / 351 .
(2) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) ، ص14 .
(3) المقالات والرسالات ، رقم 47 .
(4) الفهرست : 158 .
(5) معالم العلماء : 113 .
(6) رجال النجاشي : 399 .
(7) الذريعة 2 / 258 .
صفحه 123
المؤمنين (عليه السلام) ، فإنّه تعبير غير صحيح ، لأنّه لا مطابقة له مع النسخة الخطّية القديمة ، ولا يتحد مع الاسم المذكور في رجال النجاشي والذريعة ، وليست له أي موافقة مع محتوى الكتاب ، ذلك لأنّ هدف الشيخ المفيد في هذا الأثر تبيان معنى الإمامة وإبطال خلافة الخلفاء الثلاثة وإن تطرّق في ضمن البحث لإثبات إمامة الإمام عليّ (عليه السلام) ، وقد صرّح الشيخ المفيد في الخاتمة أيضاً قائلاً :
«وقد أثبت في هذا الكتاب ـ والله المحمود ـ جميع ما يتعلّق به أهل الخلاف في إمامة أئمّتهم . . . وبيّنت عن وجوه ذلك بواضح البيان وكشفت عن الحقيقة فيه بجليّ البرهان ، وأنا ـ بمشيّته وعونه تعالى ـ أفرد فيما تعتمده الشيعة في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) . . . كتاباً أشبع فيه معاني الكلام ، ليضاف إلى هذا الكتاب وتكتمل به الفوائد في هذه الأبواب . . .»(1) .
ولعلّ الكتاب الذي وعد بتأليفه هو نفس الإيضاح في الإمامة الذي ذكره كلّ من النجاشي(2) والشيخ الطوسي(3) وابن شهرآشوب(4) بنفس هذا العنوان ، ولكن لا توجد له اليوم أي نسخة معروفة ، ولا يخفى أنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني أخبر عن وجود نسخة منه في الهند ، وليس لنا أيّ اطلاع عن مصيرها ، ويحتمل أن تكون نسخة من الإفصاح لا الإيضاح(5) .
لقد جاءت مواضيع كتاب الإفصاح بصورة مسألة مسألة ، وقد ألّف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 43 .
(2) رجال النجاشي : 399 .
(3) الفهرست : 158 .
(4) معالم العلماء : 113 .
(5) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 41 .

صفحه 124
بطريقة : (إن سأل سائل قيل له) أو : (فإن قال قيل له) أو : (فإن قالوا قيل لهم) .
لقد طبع هذا الكتاب في النجف الأشرف سنة 1368 هـ و1369 هـ ، ومن ثمّ في قم بالاُوفسيت من تلك النسخة ، وطبع للمرّة الثانية في بيروت سنة 1409 هـ ، ثمّ طبع في قم سنة 1412 هـ بتحقيق مؤسّسة البعثة ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 هـ وذلك في أوّل المجلّد الثامن من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
أقسام مولى في اللسان :
لم يذكر الشيخ الطوسي في فهرسته اسم هذه الرسالة ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن ذكرها النجاشي بنفس الصورة المذكورة ، أي : بدون دخول (الـ) على كلمة (مولى)(1) ، وقد ذكرها كلٌّ من ابن شهرآشوب(2)والشيخ أقا بزرگ الطهراني(3) مع دخول (الـ) على كلمة (مولى) .
لقد تطرّق الشيخ المفيد في هذه الرسالة للبحث في الحديث الشريف : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» الدالّ على الوصاية والخلافة بلا فصل للإمام عليّ (عليه السلام) ، وقد أثبت أنّ كلمة (مولى) في هذا الحديث هو الأولى بالتصرّف والطاعة ثمّ إنّ المعنى الحقيقي للكلمة هو نفس هذا المعنى ، وإنّه قد ذكر في بدء هذه الرسالة عشر معاني لكلمة (مولى) وقد أثبت باستعانته من شواهد متعدّدة أنّ ما قصده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً نفس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 401 .
(2) معالم العلماء : 114 .
(3) الذريعة 2 / 272 .

صفحه 125
المعنى الأوّل(1) .
لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1370 هـ في النجف الأشرف تحت عنوان : رسالة في تحقيق لفظ المولى ، وطبعت أيضاً في لندن بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على ذكرى الغدير ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في قم المقدسة سنة 1413 هـ في المجلّد الثامن من مصنّفات الشيخ المفيد .
معنى المولى :
لم يذكر أحدٌ من النجاشي والشيخ الطوسي وابن شهرآشوب عنواناً لهذه قطّ ، والشيخ أقا بزرك الطهراني أيضاً لم يذكرها بهذا العنوان ولكن ذكر رسالة بعنوان : مناظرة الشيخ المفيد مع الرجل البهشمي(2) ، وهي نفس هذه الرسالة ، وهذه الرسالة أكثر تفصيلاً من رسالة أقسام مولى في اللسان التي بيّنّاها آنفاً وإن اتّحد موضوعهما إذ إنّ هذه الرسالة هي عبارة عن مناظرة للشيخ المفيد مع رجل بهشميّ ، ولا يخفى أنّ الرجل المذكور غير معروف عندنا ، وأمّا البهشميّة فهم أتباع أبي هاشم الجبائي الذي يقال : إنّه من كبار المعتزلة(3) .
طبعت هذه الرسالة للمرّة الأُولى في لندن سنة 1410 هـ بمناسبة مضي أربعة عشر قرناً على يوم الغدير وقد قام بتحقيقها محمّد مهدي نجف وقام بطباعتها (دار زيد) ، وقام بطبعها للمرّة الثانية المؤتمر العالمي للشيخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 49 .
(2) الذريعة 22 / 302 .
(3) (حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته) المقالات والرسالات ، رقم 1 ، ص 268 .

صفحه 126
المفيد في قم المقدّسة في المجلّد الثامن من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
إيمان أبي طالب :
إن أحد المواضيع المثيرة للجدل في تاريخ الإسلام هو إيمان أبي طالب والد سيّدنا ومولانا الإمام عليّ (عليه السلام) الذي ألّف فيه العلماء الشيعة وأهل السنة كتباً كثيرة(1) ويبدو أنّ رسالة الشيخ المفيد أقدم أثر شيعي يوجد حالياً في هذا الشأن ، لم يذكر الشيخ الطوسي ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد اسماً لهذا الأثر ، ولكن ذكره النجاشي بعنوان : إيمان أبي طالب ، وذكره ابن شهرآشوب بعنوان : إيمان أبي طالب (رحمه الله) .
لقد استفاد الشيخ المفيد في هذه الرسالة بصورة جيّدة من أشعار أبي طالب وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأنه ومن بعض الشواهد التاريخيّة ، وقد أثبت من خلالها بأُسلوب جيّد إيمان أبي طالب بالإسلام وبرسالة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) .
لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1372 و1382 هـ في العراق ، كما طبعت في قم سنة 1412 هـ ضمن عدّة رسائل ، وقد قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في الجلد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
هذا ، وقد أورد الشيخ المفيد في كتاب الفصول المختارة أيضاً بعض المواضيع فيما يتعلّق بإيمان أبي طالب(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة 2 / 510 ـ 514 ، و26 / 78 .
(2) الفصول المختارة : 228 ـ 232 .

صفحه 127
تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) :
لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : كتاب في تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر أصحابه(1) ، وقد ذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني في موضع من كتابه بنفس هذا العنوان(2) ، وفي موضع آخر بعنوان : مسألة في أفضليّة عليّ (عليه السلام) على كافة البشر سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3) .
لقد تطرّق الشيخ المفيد في رسالته هذه للبحث في موضوعين : أحدهما : أفضليّة الإمام عليّ (عليه السلام) على سائر أصحابه ، والثاني : في أفضليّته (عليه السلام) على جميع الأنبياء سوى الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) ، فقام بنقل أقوال مختلف الفئات وأقام الأدلّة العديدة لإثبات ما يرمي إليه .
لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1370 هـ في النجف الأشرف ، وفي قم ضمن مجموعة من الرسائل ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 هـ في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد وقد قام بتحقيقها عليّ موسى الكعبي .
رسالة حول خبر مارية :
لقد ذكر كلٌّ من النجاشي(4) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(5) هذه الرسالة المختصرة بعنوان : مسألة في خبر مارية ، وقد احتوت الرسالة على القصّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 401 .
(2) الذريعة 4 / 358 .
(3) الذريعة 20 / 383 .
(4) رجال النجاشي : 410 .
(5) الذريعة 20 / 386 .
صفحه 128
التي نقلها المؤرّخون والمفسّرون في مارية زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وذلك أنّ أعداء الإسلام أثاروا فتنة رموا بها مارية ، وعلى إثرها أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) وقال له : «خذ ياعليّ سيفك وامض إلى بيت مارية ، فإن وجدت القبطي فاضرب عنقه»(1) .
لقد أجاب الشيخ المفيد في هذه الرسالة على بعض الأسئلة التي دارت حول هذه القصّة .
وقد طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 هـ ، وفي قم ضمن مجموعة من الرسائل ، وقد قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 هـ في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد ، وقد قام بتحقيقها محمّد مهدي صباحي .
شرح المنام :
إنّ كلاًّ من النجاشي والشيخ الطوسي وابن شهرآشوب والشيخ أقا بزرگ الطهراني لم يذكروا لهذه الرسالة عنواناً قطّ ، ولكن ذكرها أبو الفتح الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد في كتابه كنز الفوائد المجلّد الثاني صفحة 48 إلى 51 .
لقد احتوت هذه الرسالة على قصّة المنام العجيب والرؤيا الصادقة التي رآها الشيخ المفيد في شأن آية الغار(2) ومناظرته مع عمر بن الخطّاب ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 73 .
(2) سورة التوبة 9 : 40 ، لقد نزلت هذه الآية متزامنة مع هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى المدينة وذلك لمّا دخل غار ثور الواقع في جبل ثور بالقرب من مكّة بصحبة أبي بكر ليكون في مأمن من مؤامرة دار الندوة ، فقد افتخر أهل السنة بذلك واعتقدوا أنّ صحبة أبي بكر للرسول (صلى الله عليه وآله) تعدّ ميزة له انفرد بها عن غيره من الصحابة ، وقد ردّ علماء الشيعة ذلك الاعتقاد ، هذا ولمزيد من الاطّلاع على هذا الموضوع انظر السيرة النبوية لابن هشام 2 / 123 ـ 130 ، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حبّان 1 / 127 ـ 130 ، والصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) : 8 ـ 82 .
صفحه 129
حيث أثبت أنّ الآية المذكورة ليست لها أي دلالة على فضل أبي بكر .
قال المحقّق الجليل القدر حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا المختاري في شأن هذه الرؤيا : «إنّ هذه الرؤيا ليست من المنامات المتعارفة والعادية لأنّ الشيخ المفيد أثبت فيها ما يرمي إليه بأحسن شكل ، وردّ أدلّة الخصم بأُسلوب استدلاليٍّ قويّ ، وإذا أراد الشيخ المفيد أو أي عالم آخر أن يشحذ قلمه في هذا الموضوع لما استطاع أن يأتي بأحسن من هذا»(1) .
لقد طبعت هذه الرسالة ـ غير الموضع الذي ذكرناه آنفاً ـ في المجلّد الثامن من مصنّفات الشيخ المفيد من قبل المؤتمر العالمي للشيخ المفيد ، وقد قام بتحقيقها الشيخ محمّد مهدي نجف .
الغيبة :
لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة تحت عنوان : الجوابات في خروج الإمام المهدي عجّل الله فرجه(2) ، وذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني بعنوان : مسائل الغيبة(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 77 .
(2) رجال النجاشي : 401 .
(3) الذريعة 20 / 381 .
صفحه 130
ثمّ إنّ النجاشي ذكر خمس رسائل أُخرى للشيخ المفيد غير هذه الرسالة في موضوع غيبة الإمام الحجّة (عليه السلام) ، أحدها المسائل العشر في الغيبة(1) المعروف بالفصول العشرة في الغيبة(2) وأربع رسائل أُخر ، أمّا الفصول العشرة في الغيبة فسنتكلّم حولها على حدة ، أمّا الرسائل الأربعة القصيرة الأُخر الموجودة حالياً فإنّها غير معلومة المطابقة مع تلك الرسائل التي ذكرها النجاشي والشيخ أقا بزرگ الطهراني(3) .
الرسالة الأُولى : إنّ موضوع هذه الرسالة هو الحديث المعروف «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وأنّه لابدّ من وجود إمام معصوم في كلِّ زمان ، والإمام في هذا الزمان هو سيّدنا ومولانا الإمام الحجّة ابن الحسن عجّل الله فرجه ، فقد أجاب الشيخ عن الأسئلة الموجّهة إليه في هذا المجال ببيان واضح(4) .
الرسالة الثانية : هذه الرسالة في الجواب على الأسئلة الموجّهة إليه من قبل أحد أبناء السنّة ، حيث سأل : ما هو سبب غيبة الإمام؟ وما الفرق بينه وبين آبائه حيث لم يغيّبوا؟ وقد أجاب الشيخ المفيد عن هذا التّساؤل بصورة متكاملة(5) ، وقد ذكر الشيخ أقا بزرگ الطهراني هذه الرسالة تحت عنوان : مسألة في سبب استتار الحجّة عجّل الله فرجه(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي: 399.
(2) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 91 .
(3) الذريعة 16 / 81 .
(4) مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع .
(5) مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع .
(6) الذريعة 20 / 388 .

صفحه 131
الرسالة الثالثة : هذه الرسالة هي جواب على سؤال السائل عن مضمون الرواية التي وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) والتي مضمونها أنّ الإمام الحجّة يخرج إذا اجتمع له أنصار بعدد أصحاب بدر : 313 نفر ، فيسأل السائل من الشيخ المفيد : ألم يكن عدد الشيعة اليوم أضعاف أصحاب بدر إذن كيف يبقى الإمام (عليه السلام) مغيّباً؟ فيجيب الشيخ فيها عن هذا السؤال(1) .
الرسالة الرابعة : في هذه الرسالة أجاب الشيخ عن السؤال التالي : ما الدليل لدينا على وجود الإمام الحجّة (عليه السلام)؟ على أنّ الناس مختلفون في وجوده (عليه السلام) ، فقد اعتمد الشيخ المفيد في جوابه على النقل المتواتر عند الشيعة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، وأجاب عن بعض الشبهات المثارة في هذا الشأن(2) .
الفصول العشرة في الغيبة :
لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : كتاب المسائل العشرة في الغيبة(3) ، وذكرها ابن شهرآشوب بعنوان : الأجوبة عن المسائل العشر(4) ، والشيخ آقا بزرگ الطهراني ذكرها في مكان بعنوان : المسائل العشر في الغيبة(5) ، وفي مكان آخر ذكرها بعنوان : جوابات المسائل العشر(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع .
(2) المصدر السابق .
(3) رجال النجاشي : 400 .
(4) معالم العلماء : 113 .
(5) الذريعة 20 / 358 .
(6) الذريعة 5 / 228 .
صفحه 132
جاءت هذه الرسالة في الجواب على عشر أسئلة في موضوع الإمام الحجّة (عليه السلام) ، وقد تكوّنت من عشر فصول كلّ فصل منها جاء على حدة ، وإنّ أكثر فصول هذه الرسالة ضمّت في طيّاتها عدّة فصول أُخر فرعيّة ، ولم يتم معرفة السائل فيها بوضوح تام ، ولكن طبقاً لما جاء في المجموعة رقم 243 ورقم 78 من مكتبة آية الله المرعشي النجفي (رحمه الله) فإنّ السائل هو الرئيس أبو العلاء بن تاج الملك(1) .
وبما أنّ هذه الرسالة لها أهمّيّة بالغة فقد ترجمها في طهران محمّد باقر الخالصي إلى الفارسية وطبعت سنة 1400 هـ تحت عنوان (انتقاد وپاسخ) ، وترجمها أيضاً إلى الأُردو الشيخ سعادة حسين الهندي وطبعت تحت عنوان (غيبت) ، وقد طبع أصل النصّ العربي لهذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 هـ ، وطبعت بعد ذلك ضمن عدّة رسائل في قم ، ومن ثمّ قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بتحقيق فارس حسّون في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
المسائل الجارودية :
هذه الرسالة لم يذكرها الشيخ الطوسي ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن ذكر النجاشي رسالتين في هذا الموضوع جعلهما في عداد تأليفات الشيخ المفيد ، إحداهما : المسألة على الزيدية(2) ، والثانية : المسائل الزيدية(3) ، حيث يبدو أنّ إحدى هاتين الرسالتين هي الرسالة المعنية في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 105 .
(2) رجال النجاشي : 400 .
(3) رجال النجاشي : 401 .
صفحه 133
بحثنا هذا ، على أنّه لا نستبعد احتمال اتحادهما أيضاً(1) .
هذا ، وإنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني على أنّه ذكرها بعنوان : المسائل الزيدية ، ولكن كتب فيها ما نصّه : «والحقيق بها التعبير بالمسائل الجارودية لا مطلق الزيدية ، حيث إنّ السؤالات مقتصرٌ عليهم والبحث معهم خاصّة»(2) .
وتعدّ الجارودية من الفرق الزيدية من أتباع أبي الجارود زياد بن منذر الهمداني الكوفي(3) ، حيث يعتقدون أنّ الإمامة بعد الإمام عليّ (عليه السلام)والإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) تكون في ولد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)(4) ، خلافاً للشيعة الإماميّة حيث يعتقدون أنّ الإمامة في ولد الإمام الحسين (عليه السلام) خاصّة(5) .
لقد ألّف الشيخ المفيد هذه الرسالة في الردّ على الجارودية ـ حيث يظهر أنّها الفرقة الوحيدة من الزيدية المتبقّية في زماننا هذا ـ ورتّبها في ستّة عشر سؤالا جاءت بالعنوان التالي : قالت الجارودية ، وجعل عنوان أجوبته عليها هي العبارة التالية : قالت الإمامية(6) .
طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 هـ ، وفي قم ضمن عدّة رسائل ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 113 .
(2) الذريعة 20 / 351 .
(3) الملل والنحل 1 / 183 ، تهذيب التهذيب 3 / 332 ـ 333 .
(4) فرق الشيعة : 22 ، المسائل الجارودية : 28 .
(5) الهداية : 30 ، المسائل الجارودية : 28 ، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 397 .
(6) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 113 .
صفحه 134
هـ بتحقيق محمّد كاظم مدير شانه چي في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
مسارّ الشيعة :
هذا الكتاب لم يذكره الشيخ الطوسي في الفهرست ولكن ذكره النجاشي بعنوان : كتاب تاريخ الشريعة(1) ، وقد ذكره ابن شهرآشوب بعنوان : التواريخ الشرعية(2) ، وذكره السيّد ابن طاووس أيضاً بنفس هذا الإسم في عدّة مواضع(3) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فإنّه ذكر الكتاب في موضع بعنوان : مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة(4) ، ولكن في موضع آخر نسب للشيخ المفيد مؤلّفاً بعنوان : التواريخ الشرعيّة ، ثمّ صرّح أنّ اسمه : مسارّ الشيعة في مختصر تاريخ الشريعة(5) .
احتوت هذه الرسالة على : الأعياد ، وفيات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبعض الوقائع التي وقعت قبل الإسلام ، حيث ذكرها بترتيب الأيّام لكلّ شهر . وحقيقاً علينا أن نقول : إنّه تقويم للتاريخ الشيعي بحقّ . وقد جعل الشيخ المفيد شهر رمضان أوّل شهر في السنة معلّلاً بأنّه شهر مبارك ، وذكر العديد من التعليلات الأُخرى القريبة من هذا المعنى .
إنّ انتخاب عنوان مسارّ الشيعة لم يكن من قبل الشيخ المفيد ـ وليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 401 .
(2) معالم العلماء : 113 .
(3) إقبال الأعمال : 130 ، 141 ، 558 ، 559 ، 592 ، 603 ، 673 ، 677 .
(4) الذريعة 20 / 375 .
(5) الذريعة 4 / 475 .

صفحه 135
من الواضح أيّ عنوان كان قد انتخبه لهذا الكتاب ـ بل إنّ هذا العنوان قد تمّ اختياره من قبل المتأخّرين ، وذلك يكشف عن قصورهم في فهم محتوى الكتاب ، لأنّ موضوع هذا الكتاب لم يتوقّف على المناسبات المسرّة كالمواليد والأعياد فقط بل ضمّ إليه الوقائع المؤلمة ووفيات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) أيضاً ، كما أنّه لم يتوقّف على ذكر التواريخ فحسب بل ذكر ما يناسبها من المجريات أيضاً في كثير من المواضع ، وبذلك لا يمكن لعنوان مسارّ الشيعة أن يكون حاكياً عن محتوى هذا الكتاب بشكل كامل .
لقد طبعت هذه الرسالة في القاهرة سنة 1313 هـ ، وفي نفس هذه السنة طبعت في تبريز طباعة حجرية ، ثمّ طبعت في طهران وقم في سنة 1393 هـ و1396 هـ ضمن كتاب يحمل عنوان (مجموعة نفيسة) ثمّ طبع في لندن سنة 1412 هـ ، وأخيراً في سنة 1413 هـ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
مسألة في ميراث النبيّ (صلى الله عليه وآله) :
لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بنفس هذا العنوان(1) ، ولكن الشيخ الطوسي وابن شهرآشوب لم يذكرا عنواناً لهذه الرسالة . هذا ، وإنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني ذكر عنواناً(2) آخر أيضاً غير هذا العنوان ، وهو : مسألة في معنى «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»(3) ، ومحتوى الرسالة حول حديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 402 .
(2) الذريعة 20 / 396 .
(3) الذريعة 20 / 394 .

صفحه 136
نسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قد اتخذه أبو بكر ذريعة ليستشهد به على غصب الخلافة وغصب فدك التي كانت ملكاً للزهراء عليها السلام ، وباستناده إلى هذا الحديث الموضوع استطاع أن يبرّر غصبه لفدك وعدم ردّها إلى سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
إنّ الشيخ المفيد بالرغم من أنّه رفض مبدئيّاً صدور مثل هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستدلاًّ على ذلك بأدلّة عديدة ، ولكن على سبيل فرض صدوره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد ردّ الشيخ دلالة الحديث على ما ادّعاه أبو بكر وأتباع أهل السنّة(1) .
لقد طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 هـ تحت عنوان : رسالة في تحقيق الخبر المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» ، وطبعت في قم ضمن مجموعة رسائل مطبوعة تحت عنوان : عدّة رسائل ، وفي سنة 1413 هـ قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بعنوان : رسالة حول حديث «نحن الأنبياء» بتحقيق الشيخ مالك محمودي في المجلّد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
النصّ على عليٍّ (عليه السلام) :
لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : مسألة في النصّ الجلي(2) ، وفي موضع آخر من كتابه ذكرها بعنوان : المقنعة في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)(3) ، لكن وبما أنّ للشيخ المفيد رسالتين في هذا الموضوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 401 .
(2) رجال النجاشي : 401 .
(3) رجال النجاشي : 401 .
صفحه 137
فربّما قد يكون النجاشي قصد إحداهما أو أنّه قصد كليهما ، وقد ذكر ابن شهرآشوب أيضاً رسالة بعنوان : المسألة المقنعة في إثبات النصّ(1) ، ولم يتّضح لنا هل كان قصده نفس هذه الرسالة أو رسالة أُخرى(2) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فقد ذكرها بعنوان : جواب الباقلاّني(3) ، ذلك لأنّ الرسالة الأُولى كان قد صرّح أنّها جاءت للجواب على أسئلة الباقلاّني(4) ، وقد عنون الرسالة الثانية بعنوان : النصّ على عليّ (عليه السلام)(5) ، علماً بأنّ الشيخ أقا بزرگ في موضع آخر من كتابه ذكر رسالة بعنوان : المقنعة في الإمامة(6) ، إلاّ أنّه لم يعلم أي رسالة أراد من هذه الرسائل .
إنّ هاتين الرسالتين جاءتا في جواب الأسئلة التي تدور حول إمامة الإمام عليّ (عليه السلام) وكونه إماماً منصوصاً عليه ، أمّا الرسالة الأُولى فقد أجابت على أسئلة مثل : هل كان عدد رواة النصّ على إمامة عليّ (عليه السلام) كثيراً أم قليلاً؟ فإذا كانوا قلّة فيكون احتمال تبانيهم وتوافقهم على الكذب ممكناً ، وإن كانوا كثرةً فلم لم ينهض عليّ (عليه السلام) بهم لمحاربة أعدائه؟ وأي مصلحة تكمن في عدم قيامه؟ و . . . أسئلة أُخرى من هذا القبيل .
وأمّا الرسالة الثانية فقد أجابت على أسئلة احتوت على مضامين ، مثل : إذا كان باعتقاد الشيعة أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) نصّب عليّاً خليفة من بعده فلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معالم العلماء : 114 .
(2) (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 141 .
(3) المراد منه هو القاضي أبو بكر محمّد بن طيّب المتوفّى سنة 403 هـ وهو صاحب كتاب التمهيد .
(4) الذريعة 5 / 177 .
(5) الذريعة 24 / 172 .
(6) الذريعة 22 / 125 .
صفحه 138
لم يقم عليّ (عليه السلام) لإحقاق حقّه؟ فإن قلتم : إنّ عدم قيامه كان اختياراً منه فقد نسبتم إليه إضاعة أمر الله ورسوله ، وإن قلتم : إنّه لم يقم اضطراراً فقد نسبتم إليه الخوف والضعف . ولماذا كان يتقبّل (عليه السلام) عطايا الخلفاء وصلّى خلفهم وجلس في مجالسهم ونكح السبايا من أُسراء حروبهم؟ أو لم تكن كلّ هذه الأُمور تدلّ على عدم وجود النصِّ عليه فقد أجاب الشيخ المفيد عليها بأحسن وجه .
طبعت الرسالة الأُولى في بغداد سنة 1955 م في دورة كتاب نفائس المخطوطات تحت عنوان : مسألة في النصّ ، وطبعت الرسالة الثانية في النجف الأشرف ، ومن ثمّ طبعت في قم ضمن رسائل تحت عنوان : عدّة رسائل ، ومن ثمّ قام بطبعها في قم المؤتمر العلمي للشيخ المفيد بتحقيق الشيخ محمّد رضا الأنصاري القمّي سنة 1413 هـ في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .

الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن :
لم يكن هذا الكتاب في الأصل تأليف الشيخ المفيد ، بل هو عبارة عن مجموعة آرائه جمعها ودوّنها أبرز تلامذته (السيّد المرتضى علم الهدى) ، وكما ذكر السيّد المرتضى في مقدّمة كتابه فإنّه قد جمع مواضيع هذا الكتاب من كتابي المجالس والعيون والمحاسن للشيخ المفيد(1) .
والكتاب المذكور مفقود اليوم ، ولذلك فقد حاز كتاب الفصول المختارة أهمّية خاصّة . هذا ، وقد ذكر كلٌّ من النجاشي(2) وابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفصول المختارة : 17 .
(2) رجال النجاشي : 399 .

صفحه 139
شهرآشوب(1) كتاباً تحت عنوان : الفصول من العيون والمحاسن ، فلا بدّ أن يكون هو نفس الكتاب المشار إليه آنفاً ، ولكن الشيخ أقا بزرگ الطهراني ذكره بنفس العنوان الكامل ، وهو : الفصول المختارة من العيون والمحاسن(2) ، إلاّ أنّه ذكر الكتاب في موضعين من الذريعة وعدّهما كتابين مستقلّين(3) .
طبع هذا الكتاب سنة 1365 هـ و1382 هـ في النجف الأشرف ، وسنة 1396 هـ في قم المقدّسة ، وسنة 1405 هـ في بيروت ، ومن ثمّ في سنة 1413 هـ طبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد وقد كان عبارة عن المجلّد الثاني من المجموعة الكاملة لآثاره .
عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله) :
لم يذكر كلّ من الشيخ الطوسي والنجاشي لهذه الرسالة عنواناً قطّ ولكن ذكرها ابن شهرآشوب في معالم العلماء تحت عنوان : الردّ على ابن بابويه(4) ، وذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني بعنوانين ، أحدهما : الردّ في نفي سهو النبيّ (صلى الله عليه وآله)(5) ، والآخر : جواب أهل الحجاز(6) ، ولكنّه تردّد في مؤلّفهما هل هو الشيخ المفيد أو السيّد المرتضى ، إلاّ أنّه قوّى نسبتهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معالم العلماء : 114 .
(2) الذريعة 16 / 244 .
(3) الذريعة 16 / 245 .
(4) معالم العلماء : 114 .
(5) الذريعة 11 / 200 .
(6) الذريعة 5 / 175 .
صفحه 140
للشيخ المفيد ، ولكنّه في موضع آخر من كتابه نسب هذه الرسالة إليه خاصّة وباطمئنان أكبر ، حيث قال : «كتبها الشيخ المفيد»(1) .
أوردها الشيخ علي العاملي في كتابه الدرّ المنثور في الجزء الأوّل من صفحة 111 إلى 120 ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بتحقيق الشيخ محمّد مهدي نجف ضمن المجلّد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
مواضيع هذه الرسالة جاءت في الردّ على من اعتقد أنّ النبيّ سها في صلاته ، ومن هنا أجازوا السهو على النبيّ (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) .
الأمالي :
لم يذكر الشيخ الطوسي هذا العنوان ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد إلاّ أنّ النجاشي ذكر له كتابين أحدهما بعنوان : المجالس المحفوظة في فنون الكلام(2) ، والآخر بعنوان : الأمالي المتفرّقات(3) ، إلاّ أنّ مجرّد الالتفات إلى العنوان الأوّل يوحي كونه لكتاب كلاميٍّ بينما الأمالي يعدّ كتاباً حديثيّاً ، إذن هما عنوانان لكتابين مستقلّين ولا يمكن أن يكون قد قصد الأمالي من المجالس وإنّ العنوان الثاني يمكن أن يكون هو أمالي الشيخ المفيد إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون رسالة أُخرى قد قصدها غير الأمالي ، وقد ذكر الشيخ أقا بزرگ الطهراني في كتابه عنوانين وهما الأمالي(4) ومجالس المفيد(5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة 12 / 267 .
(2) رجال النجاشي : 400 .
(3) رجال النجاشي : 400 .
(4) الذريعة 2 / 315 .
(5) الذريعة 19/367 .
صفحه 141
وأشار هناك أنّ ما ذكره النجاشي تحت عنوان الأمالي المتفرّقات هو نفس هذا الأمالي المقصود في البحث ولعلّ ذكره (المتفرّقات) هو من أجل التشتّت الذي كان آنذاك في مجالس الإملاء(1) .
وفي الجملة فإنّ هذا الكتاب يعدّ من أهمّ الكتب الحديثيّة القيّمة وقد رُتِّب في اثنين وأربعين مجلساً ، وقد أملى فيه الشيخ المفيد ثلاثمائة وثمان وسبعين حديثاً ، واشتملت أكثر مجالس الكتاب على مواضيع الإمامة والأخلاق ، وقد ارتبطت مع بعضها البعض ما عدا المجلس الثالث والعشرين ، فقد اختلف مع سائر المجالس ، بحيث تردّد البعض في أن يكون هذا المجلس من إملاء الشيخ المفيد(2) ، ففي سائر المجالس انسجمت مطالب الكتاب مع موضوع الإمام والإمامة والخلافة وأبحاث أُخرى من هذا القبيل .
لقد طبع هذا الكتاب سنة 1351 و1367 و1381 هـ في النجف الأشرف ، وصدرت الطبعة المحقّقة في قم المقدّسة سنة 1403 هـ مع المقدّمة والفهرس ، وفي سنة 1406 هـ صدر مع الترجمة الفارسية في أسفل الصفحات في مشهد ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد الثالث عشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد .
ـ المؤلّفات التاريخية المفقودة للشيخ المفيد (رحمه الله) :
كانت للشيخ المفيد عدّة كتب ورسائل في علم الكلام وتاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذريعة 2 / 315 .
(2) (آثار شيخ مفيد) ، من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ، ص 151 .

صفحه 142
الإسلام ، وإن ما ذكرناه هو المؤلّفات الموجودة التي وصلت إلينا وقد طبعت ، أمّا سائر مؤلّفاته فإمّا فقدت أو لم تصل إلينا ، ونحن نشير إلى مجموعة منها ، وهي عبارة عن :
1 ـ مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومواليد الأوصياء : ذكره السيّد ابن طاووس في كتاب إقبال الأعمال(1) ، ونقل شطراً منه أيضاً في كتاب الملهوف(2) .
2 ـ كتاب في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) : ذكره النجاشي بهذا العنوان(3) ، ويبدو من عنوانه أنّ موضوعه في إمامة الإمام عليّ (عليه السلام) .
3 ـ النصوص : لم تذكر أيّ من كتب التراجم والرجال هذا الكتاب في عداد مؤلّفات الشيخ المفيد ، وقد جاء ذكر هذا الكتاب لأوّل مرّة في بحار الأنوار(4) ، ويظهر من اسمه أنّه تطرّق إلى موضوع الإمامة .
4 ـ تزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته من عمر : ربّما تناول موضوعاً غير الذي جاء بنفس هذا العنوان في المسائل السروية ، وقد سبق الحديث فيه آنفاً(5) .
5 ـ الإيضاح : ذكر هذا الكتاب كلٌّ من النجاشي(6) والشيخ الطوسي(7)وابن شهرآشوب(8) ، وفي بعض الأحيان وقع الاشتباه بينه وبين كتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إقبال الأعمال : 598 .
(2) الملهوف : 41 .
(3) رجال النجاشي : 402 .
(4) بحار الأنوار 1 / 7 .
(5) راجع ص : 122 من هذه الرسالة .
(6) رجال النجاشي : 399 .
(7) الفهرست: 158.
(8) معالم العلماء : 114 .

صفحه 143
الإفصاح ، لأنّ موضوع كلا الكتابين الإمامة والخلافة إلاّ أنّ كلاًّ منهما كتاب مستقلّ بذاته ، فإنّ الإفصاح موجود ومطبوع ولكن الإيضاح لم يصل إلينا(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (آثار مفقود شيخ مفيد در كتب قدماء) المقالات والرسالات : رقم 3 ، ص70 .

صفحه 144



الفصل الثاني
الشيخ المفيد (رحمه الله)
وكتابة التاريخ الإسلامي
ألف ـ هدف الشيخ المفيد (رحمه الله) من تدوينه للتأريخ :
قبل أن نبدأ البحث عن هدف الشيخ المفيد من تدوين التاريخ لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشيخ ـ وكما يتّضح لنا من آثاره ـ لم يجنح إلى قلمه كمؤرّخ هدفه عرض الأحداث أو القيام بتحليل الوقائع التاريخية ، بل إنّ الأمر الذي جعله ينحى هذا المنحى عبارة عن :
أوّلا : شعوره بالمسؤولية تجاه الدفاع عن حريم الإمامة وحقوق الأئمّة وولاؤه الشديد لهم (عليهم السلام) .
ثانياً : إجابته على الأسئلة الموجّهة إليه من قبل المؤمنين والشيعة وكلّ الذين مدّوا إليه يد الحاجة وأرادوا منه الجواب على شتّى الأسئلة المحيّرة المرتبطة بالمعارف الإسلامية ، ومن هنا نجد أنّ قسماً كبيراً من آثاره ـ سواء كانت في مجال الكلام أو الفقه وغيرهما أو كانت في مجال التاريخ ـ هي عبارة عن أجوبة على أسئلة الآخرين ، وخير شاهد على ذلك العبارات التي اعتاد أن يأتي بها في مقدّمة كتبه ورسائله ويبيّن فيها هدفه من ذلك التأليف ، حيث جاءت بعض هذه العبارات كالتالي :
«فإنّي مثبت ـ بتوفيق الله ومعونته ـ ما سألت أيّدك الله إثباته من أسماء
صفحه 145
أئمّة الهدى (عليهم السلام) وتاريخ أعمارهم وذكر مشاهدهم وأسماء أولادهم و . . .»(1) .
حيث يبيّن ما يرمي إليه من تأليف كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد .
وفي موضع آخر يقول :
«وبعد ، سألت وفقك الله تعالى أن أثبت لك ما كنت سمعته منّي في مذاكرة أخينا الوارد من نيسابور بالمسائل المنسوبة إلى العويص في الفقه . . .»(2) .
حيث بيّن هنا هدفه من تأليف كتاب مسائل العويص .
وكتب في مقدّمة تأليف آخر له العبارة التالية :
«أمّا بعد فقد وقفت أيّدك الله تعالى على ما ذكرت من الحاجة إلى مختصر في تاريخ أيّام مسارّ الشيعة وأعمالها من القرب في الشريعة . . . وأنا بمشيئة الله وعونه مثبت في هذا الكتاب أبواباً تحتوي على ما سلف ممّا ذكرناه . . .»(3) .
حيث تبيّن لنا من هذه العبارة ما يرمي إليه من تأليف كتاب مسارّ الشيعة .
بناءً على هذا فإنّنا إذا التفتنا إلى الأُمور المذكورة آنفاً نستطيع أن نفهم أنّ ما يرمي إليه من مؤلّفاته التاريخيّة ـ مثل الكثير من التآليف الأُخر ـ ما هو إلاّ دفاع عن المواقف والحقوق وأُصول الاعتقادات وأحكام الدين ومذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الارشاد 1 / 4 .
(2) مسائل العويص : 21 .
(3) مسارّ الشيعة : 17 .
صفحه 146
الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، تلك الأُمور التي طالما تعرّضت لهجمات وسيعة من قبل أعداء الشيعة ـ خاصّة في القرن الرابع الهجري ـ ومن هنا فإنّ مبنى الشيخ المفيد في تدوينه للتأريخ لم يقتصر على ذلك فحسب بل حتّى عندما يتطرّق إلى المسائل التاريخية فإنّه ينظر إليها من منظار الأبحاث العقائدية والكلامية في أغلب الأحيان .
ولإثبات أنّ الشيخ حينما أقدم على كتابة التاريخ لم يكن هدفه التدوين بالذات نبيّن بعض الأدلّة على ذلك :
أوّلاً : إنّ الشيخ المفيد لم يتعرّض إلى الحقبة الزمنية التي عاشها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تأليفاته إلاّ في بعض المواضع وبصورة متفرّقة غير مستقلة وهي أهمّ فترة زمنية في تاريخ الإسلام ـ لا يخفى أنّ قسماً ملفتاً للنظر من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصّة فترة ما بعد عهد الرسالة قد جاء ذكرها في كتاب الإرشاد ضمن حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) ولكن هذا الموضوع لا يمكن أن يكون دليلاً لأن يغضّ الشيخ المفيد نظره عن تدوين حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصورة مستقلّة وعلى حدة ، وهذا بحدّ ذاته دليلٌ على ما نقول ـ إلاّ أن يُقال : إنّ دليل إعراضه عن تدوين حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو لتوافق عامّة المسلمين على ذلك وهذا دليل آخر على ما نحن فيه .
وكذلك لم يتطرّق إلى حياة سيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلاّ في بعض تأليفاته ضمن أبحاث أُخرى .
ثانياً : إنّ الشيخ المفيد قد ألّف في سيرة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) كتاباً مستقلاًّ ، إلاّ أنّه يتبيّن لنا بوضوح من خلال محور المواضيع والأبحاث التي انتخبت أنّه لم يكن قاصداً تدوين نفس التاريخ ، ذلك لأنّ في نفس كتاب الإرشاد إذا ما تخطّينا حياة الإمام عليّ (عليه السلام) وحياة الإمام الحسن (عليه السلام) ـ لأنّه
صفحه 147
تطرّق إلى الكثير من المواضيع من حياتهما (عليهما السلام) ـ نرى أنّه بالنسبة إلى حياة سائر الأئمّة (عليهم السلام) رتّب الأبحاث بناءً على المواضيع التالية : ذكر اسم وصفات الإمام ، النصّ على إمامته ، معجزاته والأدلّة على إمامته ، وفاته أو شهادته ، بالإضافة إلى مواضيع من هذا القبيل . وكذلك ذكره لولاية عهد الإمام الرضا (عليه السلام) فإنّه لم يتطرّق لذكر تفاصيل الأحداث والوقائع ولم يتعرّض للأحداث السياسية التي كانت قد حدثت في ذلك العهد ، ولم يتعرّض إلى سيرة الخلفاء والولاة مع الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، ولا إلى دور الأئمّة (عليهم السلام) في أُمور الحكومة والسياسة ، ولم يشر إلى الانتفاضات الشيعية والعلوية ، حيث إنّه إمّا لم يتكلّم عن كلّ ذلك أبداً أو تكلّم عنه بصورة مقتضبة .
ثالثاً : إنّ كيفية انتقاء الأحداث وانتخاب المواضيع التاريخية من قبل الشيخ المفيد هو خير شاهد على ما قلناه ، فإنّه (رحمه الله) لمّا رأى هجوم الأفكار المغرضة التي تكاتفت في تبرئة ساحة الذين شاركوا في حرب الجمل أخذ قلمه ليكتب المسألة الكافية في إبطال توبة الخاطئة(1) ليجعل عليهم إلى الأبد ذلك العار الذي ارتكبته أياديهم الأثيمة ، ولمّا أدرك أن الحاقدين النواصب أجمعوا على أن يطعنوا في إيمان أبي طالب وهو والد يعسوب الدين الإمام علي (عليه السلام) ليجعلوا نقطة سوداء في السيرة المشرقة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حمل يراعه للذود عن الحقيقة فكتب رسالة إيمان أبي طالب(2) في الوقت الذي كان قد تطرّق لهذا الموضوع في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تكلّمنا عن هذا الأثر في ص : 117 من هذه الرسالة .
(2) تكلّمنا عن هذا الأثر في ص : 126 من هذه الرسالة .

صفحه 148
موضع آخر من مؤلّفاته(1) ، وهكذا في بقية المواضيع الحسّاسة فإنّه (رحمه الله) كلّما شعر أنّ صفحة ناصعة من صفحات التاريخ الشيعي قد تعرّضت لهجوم من قبل المغرضين نهض للدفاع عنها ، رحمة الله ورضوانه عليه .
وممّا يؤيّد ما قلناه من أنّ الشيخ المفيد لم يكن هدفه كتابة التاريخ هو انتخابه لبعض العناوين لرسائله أو كتبه ، مثل عنوان : النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، حيث بيّن في كتابه هذا الحكم الشرعي للخارجين على الإمام المفترض الطاعة ـ الإمام عليّ (عليه السلام) ـ ودافع عنه ونصره ، فجعل اسم كتابه «النصرة . . .» مبتعداً كلّ البعد عن سرد وتدوين أحداث هذه الواقعة ، بل تعرّض إلى نوايا وآمال من أشعل نار الحرب ، وأثبت ذلك من خلال الرسائل الكثيرة التي تعدّ من أهمّ الوثائق التي أرّخت لتلك الحرب وحاول من خلالها الدفاع عن المواقف التي اتخذها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مواجهتم .
ب ـ مدرسة تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد (رحمه الله) :
إذا أردنا أن نعرّف مدرسة الشيخ المفيد طبقاً للتعاريف الواردة للمدارس التاريخية يبدو أنّه من الصعب أن نخوض في هذا الموضوع ، وذلك لأنّ منهج مدرسة المدينة ـ كما قال البعض ـ كان أساسه تدوين سيرة ومغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحيث أصبحت مدرسة المدينة تعرف باسم مدرسة المغازي والسيرة(2) ، في حين أنّ الشيخ المفيد لم يتطرّق إلى هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفصول المختارة : 282 ـ 286 .
(2) (تاريخ نگاري در اسلام) : 53 و65 ; (علم تاريخ در گستره تمدن اسلامي) 1/460 .
صفحه 149
الموضوع بصورة مستقلّة في أيّ من آثاره سوى ما تطرّق إليه في طيِّ الأبحاث المرتبطة بحياة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقد أورد فيها قسماً مهمّاً من غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولكن هذه الطريقة من التدوين لا تمتُّ بصلة إلى مدرسة المدينة المعروفة باختصاصها بما ذكر(1) .
وإذا أردنا أن نقارن مدرسة الشيخ المفيد في تدوين التاريخ مع مدرسة العراق نراها لا تنسجم مع ما عرفت به هذه المدرسة ، ولكن لا يخفى وجود بعض الخصائص المشتركة بين المدرستين نستطيع من خلالها أن نعدّ مدرسة الشيخ المفيد فرعاً من هذه المدرسة ، وليس ذلك لوجود الشيخ المفيد في العراق ، بل لأنّ المنهجيّة التي اتخذها في التدوين جاءت مطابقةً لمنهجيّة التدوين في مدرسة العراق في أكثر ما عرفت به هذه المدرسة وما امتازت به من خصائص في تدوين التاريخ ، وذلك لأنّ المنهج الأساسي لهذه المدرسة كان يدور حول محاور ، منها التعاطف مع الثورات والانتفاضات التي قامت ضدّ الأمويّين ، ومنها الترديد في أحقّيّة وأصلحيّة قريش ، ومنها الاستفادة من الأسناد والوثائق الرسمية في تدوين التاريخ و . . . ، ومؤلّفات الشيخ المفيد أقرب إلى هذه المواضيع(2) .
ولعلّ من الأفضل أن لا نقارن بين مدرسة الشيخ المفيد وبين سائر المدارس الأُخرى التي قامت بتدوين التاريخ ، بل علينا أن نبحث في أسس النظرية التي تبنّاها الشيخ المفيد في تدوين التاريخ ، ذلك لأنّ أكثر مؤلّفاته التاريخيّة تعكس لنا وجهة نظره وآراءه المبتنية على اُسس دينية عميقة ومن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ نگاري در اسلام) : 54 .
(2) (تاريخ نگاري در اسلام) : 54 .
صفحه 150
رؤية شيعية أصيلة .
وكم كان يبدو صعباً علينا تعريف مدرسة الشيخ المفيد التاريخية ، وعلى العكس من ذلك فيما يرتبط بتحديد معالم آرائه التاريخية ، فإنّه أمر في غاية السهولة ، وذلك لأنّ أفكاره الكلامية قد تركت بصماتها واضحة على كتاباته التاريخية بحيث لم يكن معها حاجة إلى تعريف مدرسته ولم يكن هناك ضرورة لذلك ، فبمجرّد دراسة سريعة لمؤلّفاته نستيطع أن نحدّد وبكلّ سهولة الأمر الذي كانت تتمحور حوله بنات أفكاره وبكلّ وضوح ، ألا وهو إثبات خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإثبات عدم صلاحية من تربّع على سدّة الخلافة من جهة ، وتبيين حقّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وأفضليّتهم وصلاحيّتهم لإمامة الأُمّة وإرشاد الناس من جهة أُخرى ، وهذا البحث من أهمّ المواضيع التي نراها كثيراً ما يتردّد ذكرها في مؤلّفات الشيخ المفيد .
إنّ الكثير من كتبه ورسائله والأسئلة والأجوبة وحتّى مجالس المناظرات التي وصلتنا على قلّتها نراها ترتبط بصورة أو بأخرى بموضوع الإمامة وخلافة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، وهكذا المدوّنات التاريخية للشيخ المفيد أيضاً ـ مثل الكثير من مؤلّفاته ـ قد أخذت طابعاً كلاميّاً واعتقاديّاً ، وإنّ العثور على تأليف تاريخي محض في آثاره يعدّ أمراً صعباً للغاية ، ومن هنا يمكن القول : بأنّ مقارنة مدرسته مع المدارس التاريخية الأُخرى أمر صعب ، وكذلك تعريف مدرسته بالتعاريف السائدة للمدارس الأُخرى هو كذلك في غاية الصعوبة . ولكن تبقى مدرسته لتدوين التاريخ أقرب ما تكون إلى مدرسة العراق من سائر المدارس الأُخرى .

صفحه 151
ج ـ منهجية الشيخ المفيد (رحمه الله) وأسلوبه في تدوين التاريخ :
قبل أن نبيّن منهجية واُسلوب تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّه بالرغم من أن كلمتي المنهج والاُسلوب تبدوان للوهلة الأُولى مشتركتين في المعنى ولكن إذا تأمّلنا قليلاً يتبيّن لنا ـ في هذه الرسالة على أقلّ تقدير ـ أنّهما لا يشتركان كذلك ، فالمنهج يطلق على المعاني التالية : كيفية تنظيم وتدوين التاريخ ، الإسناد وعدم الإسناد ، مدخلية العقل وعدمه والذي يطلق عليه اصطلاحاً التحليل أو عدم التحليل للحوادث والوقائع ; وأمّا الأسلوب فيطلق على : الموضوع ومادّة تدوين التاريخ .
وبعبارة أُخرى فالمعنى الأوّل يراد منه كيفيّة نقل الوقائع وصدق وعدم صدق الراوي وكيفية انتقال المدّونات التاريخيّة وأمثال ذلك ، والمعنى الثاني يراد منه الموضوع المعني في البحث والمكان والأفراد والشخصيّات والقبائل والأنبياء (عليهم السلام) والولاة ، وهي الاُمور المعنية عند المؤرّخ عادة . وبهذا التوضيح المختصر نشير فيما يلي إلى المعنيين في تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد .
1 ـ منهج كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد (رحمه الله) :
لقد اتخذ كلّ مؤرّخ منهجاً خاصّاً في تدوين أحداث ووقائع التاريخ وتارة في تحليلها ودراستها ، وإنّ أهمّ المناهج التي اتّسمت بها أكثر المدوّنات التاريخيّة ـ خاصّة في القرون الأولى من التأريخ الإسلامي ـ هي عبارة عن المناهج الروائية والتركيبية والتحليليّة(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ نگاري در اسلام) : 37 ـ 47 .
صفحه 152
ونظراً إلى التعريف المطروح للمنهج التحليلي يبدو أنّ منهج الشيخ المفيد في تدوين التاريخ أقرب ما يكون إلى هذا التعريف ، ذلك لأنّ المؤرّخ في هذا المنهج مضافاً إلى نقله للروايات التي غالباً ما تكون تركيبية فإنّه يسعى إلى تحليلها وتبيينها ودراسة عللها ونتائجها(1) ، وكذا الشيخ المفيد فإنّه ينتقي الروايات المعنية ثمّ بعد حذف أسانيدها في أغلب المواضع يقوم بترتيبها وتنسيقها ـ وهذا ما لابدّ منه في المنهج التركيبي ـ ثمّ يرسم لنا تاريخاً جديداً لحياة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، كما يسعى أيضاً ضمن إطار بنيانه الفكري في أكثر المواضع على الحصول على العلل والعوامل المحيطة بالوقائع التاريخيّة ومن ثمّ يقوم بدراستها وتبيينها ، وهذه الخصائص نستطيع أن نراها في المنهج التحليلي أكثر مما نراها في سائر المناهج الأُخرى .
2 ـ أُسلوب كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد (رحمه الله) :
إنّ أُسلوب تدوين التاريخ الذي أشرنا إلى تعريفه في أوّل هذا الفصل يرى بعض المحقّقين أنّه ينطبق على عناوين أُخر أيضاً ، حيث إنّ روزنتال انتخب لهذا الفصل عنوان (محتويات كتب التاريخ) في الوقت الذي جاءت عناوين مباحثه منسجمة مع أساليب تدوين التاريخ ، وكذا محتويات مواضيعه جاءت متطابقة مع محتويات أساليب تدوين التاريخ ، وعلى سبيل المثال فإنّه قد تكلّم هناك عن تدوين التاريخ المبتني على معرفة الأنساب والتراجم ، وهنا أيضاً تكلّم على هذا الأساس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ نگاري در اسلام) : 45 .

صفحه 153
بناءً على هذا فإنّ المهمّ هنا هو محتويات الأبحاث التاريخية وإن عرضت بأساليب مختلفة وليس المهمّ أنّ هذه الأبحاث جاءت تحت أي من العناوين في كتب التاريخ ، حيث توجد في العديد من الكتب نفس المحتويات التاريخية بتبويبات أُخرى وبعناوين أُخر(1) .
وعلى كلّ حال فإنّ المدوّنات والمواضيع التاريخية المطروحة من قبل الشيخ المفيد مهما كان الإسم الذي نطلقه عليها فهي لا تخرج عن إطار البحث في الأنساب والتراجم من خلال بعدها الكلامي ، وذلك لأنّ أكثر أبحاثه ومواضيعه تدور حول معرفة آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإنّ أكثر ما جاء في تأليفاته كان على شكل ترجمة لهم واستعراضاً لسيرتهم (عليهم السلام) .
لكن إذا نظرنا إلى ذكر التراجم وشرح أحوال الرجال والسّير مجرّدة عن بعدها الزمني في تسلسل الأحداث فهذا ليس هو التاريخ بالمعنى المصطلح ولكنّه من جهة أُخرى يعدّ من أهمّ مصادر التاريخ(2) ، ولذلك قال فيه البعض : «يبدو أنّ ذكر السّير يعدّ من أكثر وأفضل الطرق دواماً في عرض الوقائع والأحداث التاريخية ، ويؤيّد ذلك الآثار الخطّية التي وصلت إلينا من الإمبراطوريّات التي حكمت في الشرق الأوسط في العصور القديمة ، حيث نرى أنّ عرض السّير له الصدارة من بين بقية الأساليب المتّبعة في عرض الوقائع والأحداث ، ولذلك نرى أنّ أهمّ التأليفات التاريخيّة تميل إلى استعراض الوقائع التاريخية من خلال عرض السير»(3) .
د ـ مصادر الشيخ المفيد (رحمه الله) في تأليفاته التاريخية :
إنّ الحقبة الزمنية التي عاشها الشيخ المفيد ـ والتي كانت تعدّ العصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (منابع تاريخ اسلام) : 27 ـ 43 .
(2) (منابع تاريخ اسلام) : 29 .
(3) (تاريخ نگاري در اسلام) : 121 ، الفصل الأوّل .
صفحه 154
الذهبي لارتقاء وتكامل العلوم الإسلامية ـ من جهة ووجود الكثير من المصادر الإسلامية القديمة ـ التي فقدت في العهود المتأخّرة ـ من جهة أُخرى كلّ ذلك صار سبباً لتمكين الشيخ المفيد من الاستفادة من هذه الفرصة للوصول بمؤلّفاته إلى ما وصل إليه من عمق الفكرة وقوّة الطرح ، فمن هنا أخذ البعض يعدّ مؤلّفاته من جملة مصادر التاريخ الإسلامي لاحتوائها على محتويات كتب مفقودة(1) .
إذا أردنا أن نعرف المصادر التي استفاد منها الشيخ المفيد في أبحاثه التاريخية فعلينا أن نقوم بتبويب لذلك ، لأنّه لم يعتمد في نقل الأحداث التاريخية على مصدر واحد أو مصادر محدّدة ولم يأخذ من طريق أو منهجيّة معيّنة ، فمن هنا لابدّ لنا أن نقسّم المصادر التي استفاد منها إلى عدّة مجموعات :
المجموعة الأُولى : الكتب أو الروايات التي ذكرها ولكن لم يتبيّن نوعية الاستفادة منها أو حتّى لم يتبيّن أحياناً المقدار الذي استفاده منها ، وهذه المجموعة من المصادر على قلّتها إلاّ أنّها تعدّ خير دليل لمعرفة بعض من آرائه في تدوين التاريخ ، ولابدّ لنا أن نشير إلى أنّ المصادر المذكورة لم تكن كلّها تاريخية بل إنّ البعض منها كان أدبيّاً أو مرتبطاً بعلوم أُخرى ، وهذه المجموعة عبارة عن :
1 ـ البيان والتبيين : تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب المعروف بـ (الجاحظ) (المتوفّى 255 هـ)(2) ، وقد عدّه البعض من أحد الثلاثة الذين كانوا يحرصون على طلب العلم بحيث كان يقرأ كلّ كتاب يعثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 24 .
(2) الفهرست لابن النديم : 208 ، تاريخ بغداد 12 / 220 .

صفحه 155
عليه من أوّله إلى آخره(1) ، وعرّفه آخرون بصاحب المؤلّفات البديعة(2) ، وعدّوا له كتباً كثيرةً منها البيان والتبيين(3) .
ولم يكن موضوع هذا الكتاب تاريخيّاً ، بل اشتمل على مواضيع مثل : الألبسة وأنواعها ، العصا وخصائصها ، الأدب ، الشعر ، طبقات الشعراء ، البلاغة ، معرفة بعض البلغاء ، الفصاحة ، أنواع الخطب ، الخطب المنتخبة ، ومواضيع من هذا القبيل .
وفي موضع واحد من كتاب الجمل استعان الشيخ المفيد بهذا الكتاب ليبيّن من خلاله بعض خطب الإمام عليّ (عليه السلام)(4) .
2 ـ الجمل : تأليف أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي (المتوفّى 157 هـ) ، قيل : إنّ جدّه مخنف صاحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)(5) . ولا شكّ في أنّ أبا مخنف كان شيعيّاً ولكن لا دليل لنا على إماميّته(6) ، وقد عدّه أصحاب التراجم من كبار المؤرّخين في الكوفة وذكروا له مؤلّفات كثيرة(7) ، وقد جاءت أكثر مواضيع آثاره وأخباره في الفتوحات والحروب وأمثالها(8) .
وقد استفاد الشيخ المفيد من آثار أبي مخنف في مواضع عديدة من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست لابن النديم : 208 .
(2) تاريخ بغداد 12 / 213 .
(3) الفهرست لابن النديم : 210 ، معجم الأدباء 8 : 16 / 106 .
(4) الجمل : 210 .
(5) الفهرست لابن النديم : 105 ، رجال النجاشي : 320 ، فوات الوفيات 3 / 225 ، معجم الأدباء 9 : 17 / 41 .
(6) وقعة الطف : 20 .
(7) رجال النجاشي : 320 ، الفهرست : 129 .
(8) معجم الأدباء 9 : 17 / 41 .

صفحه 156
مؤلّفاته بشكل مباشر وغير مباشر ، منها كتاب الجمل(1) ، وقد نقل عنه مواضيع في عدّة أماكن مباشرةً ، وعندما ذكره أشار إليه بالعبارات التالية : «كتابه المصنّف في حرب البصرة» أو : «كتابه الذي صنّفه في حرب البصرة» في الصفحات 95 ، 128 ، 167 .
ولا يخفى أنّ كتاب الجمل لأبي مخنف لم يصلنا ، ولعلّه فقد في العهود الماضية .
وقد استفاد الشيخ المفيد أيضاً من تأليفات أبي مخنف في أماكن أُخرى من كتابيه الجمل والإرشاد ، وذكر فيها اسمه وإن لم يذكر كتابه(2) .
هذا ، وإنّ استفادة الشيخ المفيد من آثار أبي مخنف لا تقتصر على المواضع المذكورة فحسب ، فإذا طابقنا واقعة كربلاء من كتاب الإرشاد مع مدوّنات أبي مخنف نرى بوضوح أنّ الأخبار المذكورة في هذا الباب مأخوذة من كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف ، ولا يخفى أنّ هذا الكتاب يعدّ من جملة الآثار المفقودة لأبي مخنف ، ولكن نقل بعض المؤرّخين قسماً كبيراً منه ، مثل محمّد بن جرير الطبري (المتوفّى 310 هـ)(3) .
هذا ، وقد استخرج أخيراً الأستاذ يوسفي الغروي الأخبار المذكورة آنفاً من تاريخ الطبري وطبعها تحت عنوان : وقعة الطفّ ، وإن كان هذا العنوان مغايراً لكتاب أبي مخنف(4) ولكنّ مواضيعه جاءت مطابقة للأخبار التي نقلها أبو مخنف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 320 ، معجم الأدباء 9 : 17 / 42 .
(2) انظر : الجمل : 118 ، 257 ، 416 ، 420 و422 ، والإرشاد 1 / 17 و2 / 7 .
(3) الأنساب 4 / 25 ، وفيات الأعيان 4 / 192 .
(4) لم يذكر أيّ من أصحاب التراجم والرجال لأبي مخنف أثراً تحت عنوان : وقعة الطف ، وإنّ الكتاب المنسوب إليه في واقعة الطف هو مقتل الحسين (عليه السلام) .

صفحه 157
لقد صرّح الشيخ المفيد في أوّل أخباره عن واقعة كربلاء أنّه نقلها عن الكلبي(1) والمدائني(2)(3) ، ولايستبعد وجود كتاب أبي مخنف الذي روى عنه الكلبي عند الشيخ المفيد ، أو أنّه استفاد من كتاب مقتل الحسين(4) للكلبي حيث نقل هو الآخر أخبار واقعة كربلاء عن أبي مخنف وعوانة بن الحكم(5) .
لعلّ هناك من يريد أن يجعل تاريخ الطبري من المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد ، ولكن إذا طابقنا بين مواضيع الإرشاد وتاريخ الطبري وأمعنّا فيها النظر نرى اختلافات عديدة بحيث نستبعد أن يكون الشيخ المفيد قد استفاد من تاريخ الطبري ، ويمكن ملاحظة ذلك واضحاً في بعض الأمثلة التي جاءت في الإرشاد ولم ترد في تاريخ الطبري ، وأيضاً بعض الروايات الواردة في الإرشاد وقد اختلفت مع ما ورد في تاريخ الطبري .
إذن لابدّ للشيخ المفيد إمّا أن يكون قد اعتمد أصل روايات أبي مخنف في الموارد التي أشرنا إليها ، أو أنّه اعتمد مصادر أُخرى مثل أخبار المدائني التي كان قد أشار إليها الشيخ أيضاً في كتابه(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو هشام بن محمّد الكلبي النسّابة المعروف وصاحب كتاب جمهرة النسب المتوفّى سنة 204 أو 206 هـ ، انظر : رجال النجاشي : 435 ، تاريخ بغداد 14 / 45 ، وفيات الأعيان 6 / 82 .
(2) هو علي بن محمّد أبو الحسن المدائني المؤرّخ الكبير المتوفّى سنة 225 هـ ، انظر تاريخ بغداد 12 / 54 ، الفهرست لابن النديم : 113 .
(3) الإرشاد 2 / 32 .
(4) الفهرست لابن النديم : 114 .
(5) وقعة الطف 2 / 32 .
(6) الإرشاد 2 / 32 .
صفحه 158
وعلى أيّة حال فإنّ بعضاً من الأخبار المذكورة نستطيع أن نراها في مواضع متعدّدة من كتاب الإرشاد(1) .
ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ طريقة الشيخ المفيد في نقل أخبار واقعة كربلاء بشكل كلّي عبارة عن انتقاء النصوص من عدّة مصادر وخاصّة من تاريخ الطبري ومن أخبار أبي مخنف ، إلاّ أنّه استطاع أن يعرض نصّاً منسّقاً ومنسجماً مع حذف الأسانيد ، لأنّ هدفه من نقل هذه الأخبار هو تبيين وقائع كربلاء فلم يذكر الأخبار التي لم ترتبط بواقعة كربلاء ارتباطاً وثيقاً ، أو لم يكن لها دور ملحوظ على الأقلّ في الواقعة ، أو أنّه ذكرها ملخّصاً(2) .
3 ـ كتاب الجمل : تأليف أبي عبدالله محمّد بن عمر بن واقد الواقدي المدني (المتوفّى 207 هـ)(3) ، ذكر ابن النديم أنّه كان عالماً بالمغازي والسير وأخبار العرب و . . . وعرّفه بكثرة التصانيف ، وقال : «وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار ، وقد خلّف من بعده كتباً كثيرة»(4) ، وله الكتاب المعروف بالمغازي ، وقد فقد الكثير من مؤلّفاته ، إنّ أحد كتبه الذي كان يحمل عنوان (كتاب الجمل)(5) أو (كتاب يوم الجمل)(6)لم يصلنا أيضاً ، ولكن استفاد منه الشيخ المفيد في بعض مؤلّفاته وذكره بالعبارة التالية : «كتابه الذي صنّفه في حرب البصرة» ، وفي صفحة 139
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : الإرشاد 1 : 34 ، 40 ، 41 ، 45 ، 46 ، 48 ، 50 ، 67 ، 69 ، 76 ، 99 ، 106 ، 124 و2 : 33 ، 38 ، 39 ، 41 ، 44 ، 45 ، 46 ، 47 ، 49 ، 53 .
(2) الإرشاد 2 : 32 ، 33 و34 .
(3) الفهرست لابن النديم : 111 ، تاريخ بغداد 3 / 20 .
(4) الفهرست لابن النديم : 111 .
(5) الفهرست لابن النديم : 111 .
(6) معجم الأدباء 9 : 18/282 .
صفحه 159
ذكره بعنوان «كتاب الجمل»(1) .
هذا ، وقد استفاد الشيخ المفيد من أخبار الواقدي في بعض المواضع من غير أن يذكر عنواناً لكتابه ، ولا نستبعد أن يكون قد نقلها كلّها أو كثيراً منها من نفس كتاب جمل الواقدي . وعلى أيّة حال فإنّه نقل من ثلاثين صفحة تقريباً من كتاب الجمل للواقدي ، أي قرابة العشرة بالمئة من كتابه .
وقد نقل الشيخ المفيد أيضاً من الواقدي في موضعين من كتاب الإرشاد ، إلاّ أنّه لم يُشر إلى اسم كتابه ، فلو أمعنّا النظر ولاحضنا التناسب الموجود بين المواضيع المذكورة في الموضع الأوّل من الإرشاد وطابقناها مع مغازي الواقدي نجزم بأنّ الشيخ قد استفاد من هذا الكتاب ، وأمّا ما يرتبط بالموضع الثاني فمع الالتفات إلى مضمونه يمكننا القول : إنّ الشيخ قد استفاد من كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) أو كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين (عليه السلام)(2) تأليف الواقدي الذي لم يصلنا اليوم .
وفي غير المواضع التي ذكرناها فإنّنا إذا طابقنا مواضيع الإرشاد مع المغازي فسنعثر أيضاً على مواضع أُخرى يقوى فيها احتمال استفادة الشيخ المفيد من المغازي(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : كتاب الجمل : 111 ، 113 ، 231 ، 232 ، 257 ، 273 ، 290 ، 297 ، 299 ، 302 ، 309 ، 355 ، 356 ، 357 ، 361 ، 373 ، 375 ، 376 ، 377 ، 378 ، 381 ، 402 ، 413 ، 420 .
(2) الفهرست لابن النديم: 112.
(3) انظر الإرشاد 1 / 74 و76 فهو مطابق مع المغازي صفحة 68 و91 ، وصفحة 81 من الإرشاد مطابق مع صفحة 226 من المغازي وصفحة 88 من الإرشاد ومطابق مع صفحة 279 من المغازي .

صفحه 160
4 ـ فضيلة المعتزلة : تأليف (الجاحظ)(1) ، وقد سبق ذكره(2) .
استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب وذكر اسمه في صفحة 62 من كتاب الجمل ، ولا يخفى أنّ هذا الكتاب قد فقد ولم يصل إلينا ، وفي موضع آخر ذكر الشيخ المفيد رأي الجاحظ في شأن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)(3) ، إلاّ أنّه لم يعلم من أين قد حصل على رأيه هذا ، علماً بأنّ محقّق كتاب الجمل للشيخ المفيد في هامش هذا الموضوع كان قد استفاد من رسائل الجاحظ غير هذا الرأي(4) .
5 ـ مقتل عثمان : تأليف أبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشي البخاري (المتوفّى 206 هـ)(5) ، ولد في بلخ وأقام في بخارى وتوفّي بها ، ومن هنا فقد نسب إلى بخارى(6) . ذكر أصحاب التراجم له مؤلّفات ولكن لم يذكروا لكتابه هذا عنواناً قط(7) ، ولعلّ الكتاب فقد مبكّراً ، وقد ذكره الشيخ المفيد في صفحة 137 من كتابه الجمل بالعبارة التالية : «كتابه الذي صنّفه في مقتل عثمان» ، ولا يخفى أنّه نقل من أبي حذيفة روايات أُخرى في مواضع عديدة ولكنّه لم يشر إلى ذلك(8) .
6 ـ المنبئ : تأليف أبي الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال الكوفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست لابن النديم : 210 .
(2) راجع صفحة : 154 من هذه الرسالة .
(3) الجمل : 205 .
(4) الجمل : 205 الهامش .
(5) تاريخ بغداد 6 / 328 .
(6) تاريخ بغداد 6 / 326 ، لسان الميزان 1 / 393 ، العبر 1 / 273 .
(7) تاريخ بغداد 6 / 326 ، الفهرست لابن النديم : 106 .
(8) انظر الجمل : 143 ، 146 ، 148 ، 185 ، 186 ، 207 ، 208 .
صفحه 161
(المتوفّى 290 هـ)(1) ، وقد أثنوا عليه لسعة علمه وحسن تصانيفه(2) ، ووصفه النجاشي بـ : «فقيه أصحابنا الشيعة بالكوفة» وذكر عدداً من كتبه ولكن لم يذكر هذا الكتاب في عدادها(3) ، وقد استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب في الصفحة 426 من كتاب الجمل وذكره بعنوان (الكتاب المعروف له) .
7 ـ مقاتل الطالبيّين : تأليف أبي الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (المتوفّى 356 هـ)(4) ، وهو أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ(5) وقد توفّي بها(6) ، وكان متبحّراً في كثير من العلوم والفنون ، وقد أثنوا عليه كثيراً(7) ، وقيل : «لم ير مثله في حفظ الأخبار والحديث والنسب و . . .»(8) ، له الكتاب المعروف بالأغاني ، ويبدو أنّه ألّفه في خمسين سنة(9) ، ونسبوا إليه كتباً كثيرة ، منها مقاتل الطالبيّين الذي ذكره ابن النديم بعنوان : مقاتل آل أبي طالب(10) ، وهو واحد من أفضل الكتب القديمة التي احتوت على ذكر من قتل من آل أبي طالب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعلام للزركلي 4 / 272 .
(2) رجال النجاشي : 257 ، رجال الطوسي : 92 ، الذريعة 1 / 63 .
(3) رجال النجاشي : 257 .
(4) وفيات الأعيان 3 / 307 ، معجم الأدباء 7 : 13 / 95 .
(5) وفيات الأعيان 3 / 307 .
(6) تاريخ بغداد 11 / 400 .
(7) الفهرست لابن النديم : 127 و128 ، تاريخ بغداد 11 / 398 و399 ، وفيات الأعيان 3 / 307 .
(8) تاريخ بغداد 11 / 399 ، وفيات الأعيان 3 / 307 .
(9) وفيات الأعيان 3 / 307 ، معجم الأدباء 7 : 13 / 98 .
(10) الفهرست لابن النديم : 128 .
صفحه 162
لقد استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب في مؤلّفاته كما أكّد على ذلك في المجلّد الثاني من كتاب الإرشاد صفحة 19 .
ولا يخفى أنّ استفادة الشيخ المفيد من آثار أبي الفرج الإصفهاني لم تكن لتقتصر على هذا الموضع فقط ، لأنّه ذكر أبا الفرج الإصفهاني أيضاً في المجلّد الثاني من كتاب الإرشاد صفحة 193 بلا إشارة منه إلى أيّ كتاب من كتبه ، إلاّ أنّنا إذا قسنا مواضيع مقاتل الطالبيّين مع مواضيع الإرشاد لتوصّلنا إلى أنّ بعضاً من أخبار الإرشاد تشبه إلى حدّ كبير لما جاء في مقاتل الطالبيّين ، ويبدو أنّها أُخذت من هذا الكتاب .
وبالإضافة إلى تلك المصادر الآنفة الذكر فهناك مصدر آخر نقل الشيخ المفيد منه مرةً واحدةً في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 37 لأبي جعفر محمّد بن عبّاس الرازي ولكن هذا الشخص وكذلك الكتاب غير معروفين ، خصوصاً وأنّ الشيخ لم يذكر اسم الكتاب الذي نقل عنه ، وعليه فإنّ معرفته باتت أمراً عسيراً .
المجموعة الثانية من المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد هي عبارة عن بعض مشايخه والرواة الذين أخذ منهم بعض المواضيع والمدوّنات التاريخيّة ، ونحن نشير هنا إلى أسامي هؤلاء الرواة والمواضع التي استفاد منها الشيخ المفيد :
1 ـ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (المتوفّى 369 هـ)(1) .
عدّه النجاشي من أجلاّء الأصحاب في الفقه والحديث ومن ثقاتهم ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الطوسي : 458 ، رجال العلاّمة : 31 .

صفحه 163
وقد عرّفه بخصوصيّات متميّزة عن الخصوصيّات التي عرّفه بها الآخرون(1) ، وتلمّذ عنده الشيخ المفيد وأخذ منه علم الفقه(2) ، وذكروا له كتباً ومؤلّفات(3) .
وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات في مواضع متعدّدة من كتاب الإرشاد ، منها في المجلّد الأوّل صفحة 45 ، والمجلّد الثاني صفحة 194 ـ 199 (حياة الإمام الصادق (عليه السلام)) والصفحات 221 و223 (حياة الإمام الكاظم (عليه السلام)) ، ومنها ما يرتبط بحياة الإمام الرضا (عليه السلام) إلى آخر الكتاب ، وقد نقل ابن قولويه هو الآخر أيضاً عن الشيخ الكليني(4) . ثمّ إنّ الشيخ المفيد على أنّه لم يذكر اسماً لكتاب الكافي ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ كتاب الكافي يعدّ من أهمّ المصادر للفصول الأخيرة من كتاب الإرشاد ، لأنّنا إذا طابقنا الروايات والمدوّنات التاريخية المنقولة من طريق الكليني نستطيع أن نتوصّل إلى أنّ هذه الأخبار جاءت مطابقة لروايات الكافي بحيث أنّها متّحدة حتّى من جهة السند .
إنّ استفادة الشيخ المفيد من روايات الكافي ابتدأت من الفصل المشتمل على حياة الإمام الصادق (عليه السلام) وكلّما اقتربنا من نهاية الكتاب كلّما ازدادت الروايات المستفادة من الكافي ونحن نتحرّز هنا عن ذكر الصفحات لكثرة الروايات المأخوذة من الكافي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 123 .
(2) رجال العلاّمة : 31 .
(3) رجال الطوسي : 458 ، الفهرست : 42 ، رجال النجاشي : 123 .
(4) هو محمّد بن يعقوب الكليني المتوفّى سنة 229 هـ وصاحب كتاب الكافي أحد الكتب الأربعة المعتمد عليها عند الشيعة الإمامية ، انظر رجال النجاشي : 377 ، رجال الطوسي : 495 .

صفحه 164
زيادة على المواضع التي ذكرت فإنّ مواضيع الفصول الواردة قبل حياة الإمام الصادق (عليه السلام) جاءت مطابقة أيضاً لروايات الكافي مضموناً على أقلّ تقدير وكذلك متطابقة في بعض العبائر ولكن لا نستطيع الجزم بأنّ الشيخ المفيد قد استفاد من الكافي في نقلها .
2 ـ أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي (المتوفّى 358 هـ)(1) المعروف بـ : (ابن أخي طاهر)(2) ، نقل الشيخ المفيد عنه روايات ، ويحتمل أنّه نقلها من جدّه يحيى بن الحسن العلوي(3) ، وجدّه هذا هو صاحب كتاب نسب آل أبي طالب(4) أو أنساب آل آبي طالب(5) ، وقد ذكر البعض أنّ ابن أخي طاهر هو صاحب كتاب النسب(6) ، لكن يبدو أنّ ذلك غير صحيح ، لأنّ النجاشي لم يذكر هذا الكتاب في عداد كتبه .
وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ المفيد روايات أخذها منه(7) ، وربّما نقلها هو نفسه من كتاب جدّه نسب آل أبي طالب .
3 ـ أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي ، ذكره النجاشي بعنوان «شيخ أصحابنا بالبصرة» ، وبعد تأييد وثاقته ذكر عدداً من كتبه ، منها كتاب البيان عن خيرة الرحمن في إيمان أبي طالب وآباء النبيّ (صلى الله عليه وآله)(8) ، وقد ذكر الشيخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي: 64، تاريخ بغداد 7 / 421، ميزان الاعتدال 1 / 521.
(2) رجال النجاشي : 64 ، تاريخ بغداد 7 / 421 .
(3) رجال النجاشي 64 / 442 .
(4) رجال النجاشي : 442 ، الفهرست : 179 ، الذريعة 24 / 135 .
(5) الذريعة 2 / 378 .
(6) رجال الطوسي : 465 ، تاريخ بغداد 7 / 421 ، رجال ابن داود : 239 .
(7) انظر الإرشاد 2 : 140 ، 141 ، 143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 148 ، 149 ، 150 ، 151 ، 160 ، 161 ، 162 ، 163 ، 166 ، 171 ، 232 ، 233 ، 245 ، 260 .
(8) رجال النجاشي : 265 .

صفحه 165
الطوسي له كتاب الغدير أيضاً(1) .
وفي المجلّد الثاني صفحة 370 من كتاب الإرشاد ذكرت له روايات يرجع سندها إلى الفضل بن شاذان وحيث إنّ الفضل له كتاب القائم (عليه السلام)وكتاب الملاحم(2) فمن الممكن أن تكون روايات هذا الفصل إلى آخر الكتاب ـ فيما نقل عن الفضل ـ قد أخذت من هذين الكتابين ، ولا يخفى أنّ الشيخ المفيد قد أتى بمواضيع أُخرى من المهلّبي أيضاً في كتابه الفصول المختارة(3) .
4 ـ أبو حفص عمر بن محمّد الصيرفي : نقلت منه روايات في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 30 و31 .
5 ـ أبو الحسن محمّد بن جعفر التميمي النحوي (المتوفّى 402 هـ)(4) المعروف بـ : (ابن النجّار)(5) ، وقد عدّوه عالماً بأنساب العرب ومعرفة الحديث(6) ، ويظهر أنّه كان عالماً بالتاريخ أيضاً(7) ، وعدّوا له كتباً(8) ، ونقل الشيخ المفيد عنه رواية في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 33 .
6 ـ أبو نصر محمّد بن الحسين المقري البصير السيرواني ، نقل عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفهرست : 96 .
(2) رجال النجاشي : 307 .
(3) الفصول المختارة : 167 ـ 182 .
(4) تاريخ بغداد 2 / 159، المنتظم 15 / 88.
(5) تاريخ بغداد 2 / 158 ، المنتظم 15 / 88 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 103 .
(6) رجال النجاشي : 394 ، الأعلام للزركلي 6 / 71 .
(7) رجال النجاشي : 394 .
(8) رجال النجاشي : 394 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 104 .
صفحه 166
الشيخ المفيد رواية في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 31 .
7 ـ أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي (المتوفّى 355 هـ) ، ذكروه بعنوان (القاضي) و(الحافظ) وعدّوه من كبار أهل العلم ، وذكروا أنّه شيعيّ المذهب(1) ، وكانت له تأليفات كثيرة . والظاهر أنّه أوصى آخر أيّام عمره بإحراق جميع كتبه(2) ، ولكن مع هذا فقد ذكروا له كتباً ، منها كتاب من روى حديث غدير خم(3) .
وقد نقل الشيخ المفيد في المجلّد الأوّل من الإرشاد صفحة 33 و39 عنه روايات وبما أنّه له كتباً في التاريخ بعنوان أخبار آل أبي طالب وكتاب أخبار عليّ بن الحسين (عليهما السلام)(4) فيحتمل أن تكون مصدراً لبعض تلك الروايات .
8 ـ أبو عبيدالله محمّد بن عمران المرزباني (المتوفّى 384 هـ)(5) ، ذكروه بأنّه راو صادق اللهجة واسع المعرفة بالروايات كثير السماع(6) ، وقد عدّوا له كتباً كثيرة(7) ، منها كتاب الفرج(8) ، وذكروا أنّ طريقته في تأليف آثاره أحسن من الجاحظ(9) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 3 / 26 و 30 و31 ، ميزان الاعتدال 3 / 670 و671 ، رجال النجاشي : 394 .
(2) تاريخ بغداد 3 / 31 ، ميزان الاعتدال 3 / 670 و671 .
(3) رجال النجاشي : 395 ، الفهرست : 151 .
(4) رجال النجاشي : 395 .
(5) الفهرست لابن النديم : 146 ، تاريخ بغداد 3 / 136 ، ميزان الاعتدال 3 : 673 .
(6) الفهرست لابن النديم : 146 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 268 .
(7) تاريخ بغداد 3 / 135 ، ميزان الاعتدال 3 / 673 .
(8) الفهرست لابن النديم : 148 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 270 .
(9) معجم الأدباء 9 : 18 / 270 ، تاريخ بغداد 3 / 135 .
صفحه 167
وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات في المجلّد الأوّل من الإرشاد في الصفحات 32 ، 40 ، 41 و43 .
9 ـ أبو الحسين محمّد بن مظفّر البزّاز (المتوفّى 379 هـ)(1) ، ذكروه بعنوان محدّث العراق في عصره ، أصله من سامرّاء ومولده ووفاته في بغداد ، وله بعض المؤلّفات(2) .
ونقل الشيخ المفيد منه روايات في أوّل الإرشاد في الصفحات 34 ، 36 و40 .
10 ـ أبو الجيش محمّد بن مظفّر البلخي (المتوفّى 367 هـ)(3) ، متكلّم ، وباحث ومناظر(4) ، وإنّ الكتاب الذي نسبوه له بعنوان (مجالسه مع المخالفين في معان مختلفة)(5) لابدّ وأن يكون مشتملا على مناظراته . ومن مؤلّفاته الأُخرى : كتاب فدك والنكت والأغراض في الإمامة(6) .
وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات(7) لعلّه أخذها من كتاب النكت والأغراض(8) .
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الصفحات المذكورة والأخبار التي نقل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 3 / 262 ، لسان الميزان 5 / 434 ، الأعلام للزركلي 7 / 104 .
(2) الأعلام للزركلي 7 / 104 .
(3) رجال النجاشي : 422 ، الأعلام للزركلي 7 / 257 .
(4) الأعلام للزركلي 7 / 257 .
(5) رجال النجاشي : 422 .
(6) رجال النجاشي : 422 .
(7) انظر الإرشاد 1 : 29 ، 43 ، 44 ، 45 ، 47 .
(8) لقد أُعدّت بعض مواضيع هذا الفصل بالاستفادة من كتابات المحقّق السيّد محمّد جواد الشبيري والتي لم تنشر بعد .
صفحه 168
منها الشيخ المفيد من الآخرين كان قد تمّ في بعضها نقل روايتين أو أكثر لراو واحد ، ونحن اكتفينا بالإشارة إلى صفحاتها فقط .
المجموعة الثالثة من مصادر الشيخ المفيد هي عبارة عن مواضع أسند فيها الشيخ الروايات والمباحث التاريخية بشكل عام وكلّي إلى عدد من الرواة والمؤرّخين وأصحاب السير ، وهذا يعني أنّه حتّى لو صرّح بأسمائهم في موضع من المواضع فإنّنا لا نستطيع من خلال ذلك تحديد المصدر الذي اعتمده فيه ، لأنّ مجرّد ذكر اسماء الأشخاص لا يمكن من خلاله تحديد الكتاب الذي اعتمده لذلك الشخص ، مضافاً إلى أنّه قد يكون استفاد من كتب الآخرين الذين نقلوا بدورهم عن ذلك الشخص ، ومثال ذلك ما ذكره في كتاب الإرشاد حيث قال : «ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وأبو هشام الرفاعي وأبو عمر الثقفي وغيرهم . . .»(1) .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّنا إذا طابقنا الروايات والمدوّنات التاريخية للشيخ المفيد في بعض المواضع مع المصادر القديمة نستطيع أن نتوصّل إلى حدٍّ ما إلى معرفة المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد ، وذلك مثل أخبار بعض غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لها شبه كبير بمغازي الواقدي أو نحوه من المصادر مثل تاريخ الطبري ، وهنا أيضاً فإنّنا لا نحصل إلاّ على الظنّ والاحتمال وإن اختلف الظن والاحتمال قوّة وضعفاً من موضع إلى آخر إلاّ أنّه لا يمكن التعويل عليه ، وحتّى إذا كان الشيخ المفيد قد أشار إلى بعض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد 1 / 17 .
صفحه 169
المصادر في أوّل أبحاثه فإنّنا نستطيع أن نصل إلى حدٍّ ما من الاطمئنان ليس أكثر ، كما في الوقائع المرتبطة بكربلاء ، فإنّ الشيخ المفيد قال في أوّل ذلك الفصل : «فمن مختصر الأخبار . . . ما رواه الكلبي والمدائني . . .»(1) .
فبهذه العبارة يتّضح لنا أنّ الشيخ المفيد نقل الأخبار في هذا الفصل من الكلبي والمدائني ، ثمّ إنّ الكلبي هو الآخر أيضاً نقل أخباره في هذا الفصل خاصّة من أبي مخنف وعوانة بن الحكم(2) ، ولكنّ المهمّ هنا هو أنّ الإشارات الصادرة من الشيخ المفيد في آثاره لم تكن كثيرة جدّاً بحيث نستطيع أن نتوصّل من خلالها إلى المصادر التي اعتمدها ، فمن هنا يصعب علينا معرفة المصدر الذي استفاده الشيخ في الفصول التي لم يرد فيها ذكر لأيّ مصدر لرواياته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد 2 / 32 .
(2) وقعة الطف : 9 .

صفحه 170

الفصل الثالث
الخصوصيّات التي امتاز بها الشيخ المفيد (رحمه الله)
في كتابته للتاريخ :
ألف ـ أمانة الشيخ المفيد (رحمه الله) في نقل الأحداث والأخبار التاريخية :
إنّ من أبرز ما امتاز به الشيخ المفيد في مؤلّفاته هو الأمانة في نقل الأقوال والأخبار التاريخيّة ، فإنّه بالرغم من احترامه البالغ وتقديسه للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) إلاّ أنّه عندما ينقل من أقوال الأشخاص في المواضع التي يأتي بها شاهداً لما يدّعيه أو استدلالا على شيء فإنّه يسعى لأن يبيّن تلك الأقوال بنفس العبارة التي صدرت منهم حتّى إذا كان ذلك القول لا يليق بشأن الأئمّة (عليهم السلام) ، ومثال ذلك خطبة عبدالله بن الزبير في ابتداء حرب الجمل ، فإنّه من أجل أن يحرّض الناس على حرب الإمام عليّ (عليه السلام) خطب فيهم خطبة كلّها تهم وتطاول على شخصية الإمام علي (عليه السلام) ، ولكن الشيخ المفيد نقل تلك الخطبة كما هي حفظاً للأمانة(1) .
وفي موضع آخر ذكر رأي الجاحظ في عليّ (عليه السلام) وارتباطه بمقتل عثمان وكان كلامه يحمل العديد من العبارات النابية في شأن الإمام (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 326 .
صفحه 171
ولكن الشيخ نقل ذلك الكلام بكلّ دقة وأمانة(1) .
وفي موضع آخر نقل خطبة عبيدالله بن زياد التي ألقاها على أهل الكوفة ووجّه من خلالها كلمات نابية وخارجة عن نطاق الأدب لمسلم بن عقيل (عليه السلام) ، نقلها برمّتها وبدون أي تغيير فيها(2) .
علماً بأنّه هناك الكثير من هذا القبيل في آثار الشيخ المفيد ، ولكن مراعاة للاختصار اقتصرنا على ذكر البعض منها كإنموذج .
ب ـ مراعاته للاعتدال والإنصاف في نقل الأحداث :
إذا كان التحيّز والتعصّب الأعمى ـ وخاصّة مع الإفراط فيه ـ يعدّ عيباً ونقصاً للمؤلّفين والعلماء ـ كما عدّه ابن خلدون أحد أسباب انحراف المؤرخين(3) ـ فلا شكّ أنّ ما يقابله من المحافظة على الاعتدال والإنصاف يكون فضيلة ، وهذه الخصوصيّة نراها واضحة في النشاطات العلمية والاجتماعية للشيخ المفيد ـ وخاصّة في رسائله ومؤلّفاته ـ حيث كان مقيّداً بذلك . وبالرغم من أنّ نشاطات الشيخ المفيد كانت تدور حول إثبات إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وأحقّيتهم إلاّ أنّه لم يقع أبداً في شراك التعصّب المفرط في إبراز محبّته لأئمّة آل البيت (عليهم السلام) ، حتّى أنّه كثيراً ما كان ينتقد ويخالف من أفرط في هذا المجال ممّن تجاوز الحدّ في إبراز محبّته للأئمّة (عليهم السلام) فأثبت لهم مقامات ودرجات فيها نوع من الغلوّ وهم من ينطبق عليهم اصطلاحاً اسم الغلاة(4) ولعلّ هذا هو أيضاً أحد الأسباب التي جعلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 205 .
(2) الإرشاد 2 : 56 .
(3) (انديشه واقع گراي ابن خلدون) : 107 .
(4) تصحيح الاعتقاد : 131 ، أوائل المقالات : 67 .
صفحه 172
الشيخ المفيد يخصّص قسماً من تأليفاته في موضوع الغلوّ والغلاة وآرائهم(1) .
وربّما يريد البعض أن يتّهم الشيخ المفيد بالغلوّ من أجل بعض آرائه ، مثل تفضيل الأئمّة (عليهم السلام)(2) على الأنبياء سوى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، أو ما ذكره من أنّ الأئمّة (عليهم السلام) قائمون مقام الأنبياء في تعليم الناس وتأديبهم(3) ، أو غير ذلك من آراء أُخرى ، إلاّ أنّه اتهام واه نظراً لما أبداه من الأدلّة القاطعة في إثبات آرائه ، مضافاً إلى ذلك فإنّا نراه في مواضع أُخرى يفرّ من الغلوّ والمبالغة في شأن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بشكل حتّى أنّه ذكر الغلاة بعنوان الجهلة والكفرة(4) ، كما ذكر أنّهم لا بصر لهم بمعاني الأشياء ولا بحقيقة الكلام ، ذلك لما يعتقدونه من وجود ذوات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) قبل خلق آدم (عليه السلام) وما شابه ذلك من الاعتقادات(5) .
من جهة أُخرى فإنّ رسائله تعدّ خير شاهد على عدم صحّة هذا الاتهام ، لأنّ آراءه في بعض الأحيان تكون مغايرة حتّى لبعض علماء الشيعة من ذلك ما ارتآه في مسألة استشهاد الأئمّة (عليهم السلام) أو موضوع علم الإمام (عليه السلام) .
إنّ مراعاة الإنصاف عند الشيخ المفيد كانت محلّ اهتمامه ، ونراها واضحة في جميع رسائله وتأليفاته ، وقد أكّد على مراعاة الإنصاف في عدّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تصحيح الاعتقاد : 131 ـ 136 .
(2) أوائل المقالات : 70 .
(3) أوائل المقالات : 65 .
(4) تصحيح الاعتقاد : 131 .
(5) المسائل العكبرية : 28 .

صفحه 173
مواضع ، وبإمكاننا أن نشير إلى بعضها :
فقد تطرّق الشيخ إلى ذكر أسباب وقوع حرب الجمل ومساعي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لدرء وقوع هذه الحرب ، وبعدما نقل الأحداث التي أدّت إلى حرب الجمل قال :
«وهذا باب لا يحسن مكالمة الخصوم فيه إلاّ مع الإنصاف والإطلاع على ما جاءت به الأخبار . . .»(1) .
ولمّا ذكر الأسباب التي ألّبت الناس على عثمان استفاد من روايات أهل السنّة مؤكّداً على أنّه نقلها من راو ينتسب إلى أهل السنّة ومخالف للشيعة(2) .
ولمّا استفاد من الأخبار التاريخية في نقض طلحة والزبير بيعتهما ومراوغتهما في خروجهما إلى مكّة بذريعة أنّهما يقصدان العمرة أكّد أثناء إثباته لهذا الموضوع على أنّ من نظر إلى الأخبار التاريخية بإنصاف وإمعان فإنّه سيصل إلى نفس النتائج التي توصّل إليها(3) .
وإنّ أفضل دليل على مراعاته للانصاف هو انتخابه للروايات ، فإنّه استفاد من روايات أهل السنة لإثبات آرائه في العديد من المواضع مع التفاته لأهمّيّة هذا الموضوع ، ولذلك نراه قد أكّد في بعض المواضع قائلا : «فهذه الأخبار جملة مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبدالله طريقها من العامّة من أوضح طريق وسندها أصحّ الأسانيد . . .»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 136 .
(2) الجمل : 137 .
(3) الجمل : 168 .
(4) الجمل : 386 .
صفحه 174
وكذلك بعد ما أتمّ الأبحاث الأصلية لكتاب الجمل قال : «فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد أوردناها على سبيل الاختصار وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره . . .»(1) .
وبالرغم من تصريح الشيخ المفيد على أنّه قد أخذ الروايات من أهل السنّة في بعض المواضع ولكنّ الذي يظهر من نقله هو أنّ أكثر مدوّنات هذا الكتاب معتمدة على روايات أهل السنّة وليس البعض منها .
ج ـ المنهج العقلي في آثار الشيخ المفيد (رحمه الله) :
لقد عرّف العقل بعنوان الدليل والحجّة الباطنية للإنسان ، ولكنّنا إذا درسنا الآثار العلمية للعلماء الإسلاميّين فسوف نستنتج أنّ العقل لم يحظ على مكانة محدّدة ومعيّنة في نظر الجميع وخاصّة في نظر علماء الدين ، ونظراً إلى ذلك فإنّ الاستفادة من العقل وتأثيره في حلّ الأمور وتحليل الأحداث أيضاً لم يكن على مستوىً واحد ، وإنّ هذا الاختلاف في مقدار الاستفادة من العقل نراه مشهوداً ليس فقط بين علماء جيل وجيل بل يختلف بين علماء الجيل الواحد كذلك ، أو حتّى بين تلميذين لأستاذ واحد ، بل بين تلميذ وأُستاذه .
وعلى سبيل المثال فإنّ الشيخ الصدوق ـ أحد أساتذة الشيخ المفيد ـ كان مقيّداً بالأخبار والآثار ولا يعير للعقل أهمّية في الاستفادة من هذه الآثار ، ولكنّ الشيخ المفيد كان يرى للعقل دوراً كبيراً في معرفة الإنسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل : 423 .
صفحه 175
وفي ما يمكن أن يستخلصه من هذه الآثار والأخبار ، وإنّ هذا التوجّه منه لدور العقل لا نراه في آثاره الكلامية فحسب بل حتّى في الكثير من رسائله الأُخرى وبشكل واضح ، فإنّ الكثير من آرائه مبتن أساساً على قاعدة قبول العقل وعدمه ، ومن ثمّ فقد أدان الشيخ بشدّة أهل الحديث لعدم تعقّلهم وتدبّرهم في الروايات ، وحتّى أنّه انتقد أُستاذه الشيخ الصدوق من أجل اتّباعه لهذه الطريقة ، ولذلك نراه قد رفض الكثير من المعتقدات لأنّها غير معقولة ، مثل القول باللوح والقلم أنّهما ملكان(1) ، والنزول الدفعي للقرآن(2) ، وموضوع تحابط الأعمال(3) وهذا ما تعتقده الحشوية(4) ، وموضوع اتّحاد الأقانيم عند المسيحيّين(5) ، وغير ذلك من المعتقدات الأُخرى .
لكن لا يخفى أنّ الشيخ المفيد كثيراً ما كان يتعرّض إلى الأُمور غير العقلية كما في الأسانيد والرجال عند تناوله للأخبار والأحاديث ، إلاّ أنّ جلّ اهتمامه نراه منصبّاً على الجانب العقلي في دراسته لهما ، إذ إنّه بمجرّد تأكّده من كون تلك الأحاديث منسجمة مع الأُصول العقلية يتناولها من الجهات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تصحيح الاعتقاد : 102 .
(2) تصحيح الاعتقاد : 102 .
(3) تصحيح الاعتقاد : 93 .
(4) الحشوية لقب أطلقه بعض علماء الكلام كالمعتزلة على أصحاب الحديث . وفيه نوع من التحقير لهم لأنّهم غالباً ما كانوا يعتقدون بالتجسيم والتشبيه لذات الله تبارك وتعالى كما غلب عليهم هذا اللقب أيضاً لأنّهم كانوا يحشّون كلامهم بأحاديث لا أصل لها نسبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم القائلون بالجبر والتشبيه ، انظر : فرهنگ فرق إسلامي : ص 159 .
(5) تصحيح الاعتقاد : 93 .

صفحه 176
الأُخرى ، ولذلك نراه قد صرّح قاطعاً بقوله : «إن وجدنا حديثاً يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل بفساده»(1) .
إنّ ممّا يلفت النظر هو أنّ الشيخ المفيد يرى أنّ اُسس نظريّاته وآرائه من الاُصول التي لا جدال فيها ومن الاُمور المسلّم بها ، فقد بُرّر تركه للعمل ببعض الروايات مستنداً إلى حَكميّة القرآن وإجماع الأئمّة (عليهم السلام)(2) ، وقد اعتمد على حَكميّة العقل بشكل حتّى عدّه إلى جانب القرآن ميزاناً لتعيين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث(3) .
وإنّ من المدهش حقّاً أنّ البعض ـ وبالرغم من وضوح أهمّية دور العقل عند الشيخ المفيد ـ نراهم يحاولون ومن خلال الاستفادة من بعض النصوص من كلام الشيخ تضييق نطاق حدود دائرة الاستفادة من العقل عنده ويحاولون إيهام الآخرين بأنّ الشيخ لا يبدي أهمّية للعقل وأنّه يعتقد بأنّ العقل لا مدخلية له إلاّ في فهم النصوص الشرعية ولا يمكن اعتباره دليلاً إلى جانب القرآن والسنّة(4)! في حين أنّ عبارات الشيخ تؤكّد على أنّ للعقل دوراً متميّزاً على خلاف ما ادّعوه ، حيث إنّنا نراه في باب الخاصّ والعامّ ـ في أدلّة استنباط الأحكام الشرعية ـ يقول : «كما أنّ القرآن مخصّص للعمومات كذلك العقل فإنّه مخصّص للعمومات إلى جانب القرآن»(5) .
ولا يخفى أنّ للشيخ دليلاً على ما منحه للعقل من دور واسع ، فإنّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تصحيح الاعتقاد : 149 .
(2) تصحيح الاعتقاد : 149 .
(3) تصحيح الاعتقاد : 146 .
(4) مبادي فقه وأصول : 43 .
(5) كنز الفوائد 2 / 23 .

صفحه 177
سبب قبوله لدليل العقل على هذا النحو هو أنّه يلزم منه العلم والعمل ، كما أنّ عدم قبوله لحجّيّة خبر الواحد لأنّه في رأي الشيخ لا يلزم منه العلم والعمل(1) ، ولأجل ذلك فإنّه لا يعدّ خبر الواحد حجّةً إلاّ إذا أيّد بأحد هذه العوامل الثلاثة ، وهي : الدليل العقلي ، العرف ، الإجماع بلا مخالف(2) ، وإنّ من الملفت للنظر هو أنّ الشيخ المفيد وبالرغم من كلّ ما أبداه من مخالفته لحجّية خبر الواحد حتّى وصل به الأمر إلى انتقاد استاذه الشيخ الصدوق فيها إلاّ أنّه كان يقبل خبر الواحد إذا كان مؤيّداً بالعقل(3) .
لقد مضى الشيخ المفيد في استفادته من العقل إلى حدٍّ بحيث كان يرى أنّ حكم العقل هو المرجع الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في غيبة الإمام الحجّة (عليه السلام) وعدم توفّر النصّ الشرعي لعدم تمكّن الشيعة من الوصول إلى الإمام المعصوم(4) ، كما كان يعدّ العقل حكماً مؤثراً أيضاً في اختلافات أصحاب الدعاوى(5) ، كما أنّه كان يرى العقل دليلاً أيضاً في أصل الإمامة(6) .
وبناءً على هذا فإنّ الشيخ تمسّك بدليل العقل في إثبات الكثير من آرائه كما في المواضيع التالية : ثواب الأعمال وعقابها ، اختصاص الخلود في النار بالكفّار(7) ، بطلان حبط عمل الإنسان(8) ، من المواضيع الأُخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنز الفوائد 2 / 23 .
(2) كنز الفوائد 2 / 29 .
(3) كنز الفوائد 2 / 29 .
(4) الرسالة الأولى في الغيبة : 14 .
(5) الرسالة الأولى في الغيبة : 14 .
(6) الفصول العشرة في الغيبة : 42 .
(7) تصحيح الاعتقاد : 97 .
(8) المسائل السروية : 216 .
صفحه 178
المتعدّدة بحيث إذا أردنا أن نذكرها يمكن أن تكون بنفسها كتاباً(1) .
إنّ لدور العقل أهمّيّة بالغةً في رأي الشيخ المفيد بحيث لم يكتف بذكر إشاراته في العقل التي أوردها بشكل متناثر في رسائله حتّى ألّف كتاباً مستقلاًّ في ذلك تحت عنوان : قضيّة العقل على الأفعال(2) .
د ـ تأثير الأُصول العقائدية على كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد (رحمه الله) :
من الأُمور الشائعة بين المفكّرين وطلاّب العلوم وخاصّة أصحاب القلم هو أنّ الآثار العلمية للعلماء وخصوصاً المؤلّفين منهم ناشئة من الاعتقادات والأهداف والعوامل التي تحدّد نوع الارتباط القائم بين المؤلّفين ومؤلّفاتهم لأنّها تترك بصماتها واضحة على تلك المؤلّفات ، وهذا النوع من الارتباط هو الذي يساعدنا في التوصّل من خلال المؤلّفات إلى الاعتقادات والأهداف الواضحة والخفية لكثير من المؤلّفين حتّى لو لم يشر المؤلّف إلى هذه الاعتقادات ، ومن الطبيعي أنّ أحد العوامل المؤثّرة على فكر وقلم المؤلّف هو تضلّعه في مختلف العلوم والفنون ، وخاصّة تضلّعه وتبحّره في زوايا وخفايا تلك العلوم ، ولا نستثني الشيخ المفيد أيضاً من هذا القانون بصفته مفكّرو مطّلع وعالم ومتبحّر ، ونظراً إلى مهارته وتخصّصه في الكثير من العلوم فيبدو من الطبيعي جدّاً أن تتأثّر أقواله وتأليفاته بهذا العلم أو ذاك .
ومن هذا فإنّنا إذا طالعنا وحقّقنا آثار الشيخ المفيد فإنّنا نستطيع أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الإرشاد 1 : 61 ، 64 ، 66 ، 149 ، 155 ، 158 ; الجمل : 142 .
(2) رجال النجاشي : 401 ، الذريعة 17 / 155 .
صفحه 179
نتوصّل بسهولة إلى أنّه (رحمه الله) كان متخصّصاً في علوم شتّى ، مثل الكلام والفقه والأُصول والرجال والأدب و . . . ، ولكنّ علم الكلام كان له السهم الأوفر في تعيين مسار آرائه ونظريّاته .
إنّ أكثر نشاطاته العلمية في الواقع تدور حول المواضيع الكلامية وبالأخصّ الاعتقادات الشيعية ، ومن هنا فإنّه حتّى في انتخابه وبيانه لبعض الموضوعات الفقهيّة نراه لم يغفل عن الجانب الاعتقادي فيها ، فعلى سبيل المثال نراه قد كتب في المواضيع الفقهية التي هي موضع للخلاف بين الشيعة وغيرهم من المذاهب كموضوع المتعة أو وجوب المسح على الرجلين .
وأمّا المؤلّفات التاريخية للشيخ المفيد فقد تأثّرت بعلم الكلام أكثر من غيرها من التأليفات ، ونستطيع أن نقول جازمين : إنّ جُلَّ مؤلّفاته التاريخيّة لها طابع كلامي حتّى لو لم يظهر ذلك بصورة واضحة إذ نستطيع أن نقول : إنّ هدفه الأساسي من انتخاب وعرض الأخبار التاريخية هو إثبات الاعتقادات الشيعية أو الدفاع عنها وخاصّة في مجال الأبحاث المرتبطة بالإمامة وحقّ الأئمّة (عليهم السلام) وذلك بأُسلوب منطقيٍّ واستدلاليٍّ متقن ، ومن الملفت أنّه لم يستدلّ بأحاديث الشيعة فحسب من أجل إثبات آرائه ـ وخاصّة في مجال المواضيع المذكورة ـ بل استند إلى روايات أهل السنّة أيضاً إن كان بما يرتبط بتلك المواضيع أو بما يرتبط بالكثير من غيرها .
وعلاوة على ذلك فإنّنا نستطيع أن نلمس بوضوح تأثير علم الكلام على المدوّنات التاريخيّة للشيخ المفيد وذلك من خلال انتخابه للمواضيع أو لأسامي بعض المؤلّفات ، حيث يمكن الإشارة هنا إلى المواضيع التالية :

صفحه 180
إيمان أبي طالب(1) ، النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة(2) ، رسالة في معنى المولى(3) ، إذ تبحث هذه الرسالة الأخيرة في حديث غدير خمّ الشريف حيث قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه . . .» .
ونادراً ما يوجد للشيخ المفيد بحث مرتبط بموضوع تاريخي يكون خارجاً عن دائرة تأثير علم الكلام ، مثل كتابه مسارّ الشيعة(4) وكتاب المزار(5) ، حيث يعود عدم تأثير علم الكلام فيهما إلى عدم تأثّر مواضيع هذه الكتب بالعلوم الأُخرى ، فمثلاً موضوع مسارّ الشيعة في الواقع يشتمل على تقويم للتاريخ ، لأنّه اقتصر على ذكر تاريخ الأحداث ـ وفي بعض الأحيان يقوم بمطابقة بعض التواريخ مع بعضها الآخر ، فمن الطبيعي جدّاً أنّه ليس فقط علم الكلام هو الوحيد الذي لم يكن له تأثير على مثل هذه المواضيع بل حتّى سائر العلوم الأُخرى أيضاً لم يكن لها أي تأثير عليها ، لأنّ زمان تاريخ وقوع الحوادث لا يتأثّر بأيِّ علم أو أيِّ غاية إذ لا يمكن تغييره أو محوه من التقويم ، ففي الواقع إنّ العلوم والغايات والعوامل الأُخرى لا تأثير لها على زمان وقوع الحوادث بعد وقوعها ; وكذا الكلام في كتاب المزار فإنّه لم يتأثّر بشيء من العلوم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصنّفات الشيخ المفيد : 1 .
(2) مصنّفات الشيخ المفيد : 8 .
(3) مصنّفات الشيخ المفيد : 10 .
(4) مصنّفات الشيخ المفيد : 7 .
(5) ذكر هذا الكتاب آداب الزيارة وكثيراً من الزيارات الواردة في رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 5 .

صفحه 181
ولا يخفى أنّنا لم نتطرّق هنا إلى أسباب التحريف في التاريخ أصلا ، إذ إنّه بحث مستقلّ وعلى حِدَة .
هـ ـ التّقية وكتابة التأريخ عند الشيخ المفيد (رحمه الله) :
إنّ من المواضيع التي لابدّ أن تبحث عند دراسة كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد هو موضوع التّقية ، حيث يمكن تناول هذا الموضوع من جهتين :
الأُولى : لابدّ أن نرى في بادئ الأمر ما هو رأي الشيخ المفيد إبتداءً في التقية؟ وأيّ منزلة نزّلها في أبحاثه؟ وما هي الطريقة والأسلوب الذي اتّبعه في طرحه لها؟
الثانية : لابدّ أن نرى من خلال قرائتنا لنشاطات الشيخ المفيد العلمية والاجتماعية كيف كان يتعامل مع موضوع التقية؟ وإلى أيّ حدٍّ كان ملتزماً في مراعاته للعمل بالتقية؟ .
الذي يبدو لنا في ما يخصّ الجهة الاُولى هو أنّ الشيخ المفيد وإن لم يخصّص في مؤلّفاته حيّزاً كبيراً لهذا الموضوع ، ولكنّ هذا المقدار في كتاباته يعطينا صورة واضحة عن هذا الموضوع ، فإنّه خلافاً لبعض العلماء الذين اقتصروا على بعض المصاديق وتطرّقوا إلى ذكر بعض من أحكام التقية مثل الشيخ الصدوق(1) ، فقد عرض الشيخ المفيد في بادئ الأمر تعريفاً كاملاً عن التقيّة(2) ، بحيث نستطيع أن نقول إنّ تعريفه أكمل بنحو ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاعتقادات : 107 و108 .
(2) تصحيح الاعتقادات : 137 .
صفحه 182
من التعاريف التي قدّمها سائر العلماء من بعده(1) ، وبعد ذلك تناول الأحكام الخمسة للتقية وهي : الوجوب ، الحرمة ، الإباحة ، الاستحباب ، الكراهة(2) ـ كما فعل ذلك بعض العلماء أيضاً ـ ففي الوقت نفسه لم يجوّز التقية فيما إذا كانت تؤدّي إلى قتل المؤمن أو يعلم أو يحتمل أنّها ستكون سبباً لتمهيد الفساد في الدين(3) ، ولا يخفى أنّ عدم الجواز هذا نراه واضحاً في كثير من الروايات(4) .
بناءً على هذا فإنّ التقية في رأي الشيخ المفيد هي عبارة عن تدبير مناسب لدفع الضرر الديني والدنيوي وحركة مهمّة لابدّ منها .
ولا يخفى أنّ الشيخ المفيد كسائر الفقهاء أعدّ للتقيّة مجالات متعدّدة فقهية وسياسية واجتماعية وتقسيمات عرفت بها التقية بالتقية المداراتية وأمثالها(5) ، كلّ ذلك من أجل تحقيق وتبيين معنى التقية ، وقد اكتفينا بهذا المقدار لأنّا لسنا بصدد شرح هذا الموضوع الواسع في رسالتنا هذه ، ولذا نوكل من أحبّ أن يطّلع على هذا الموضوع إلى الكتب المؤلّفة في هذا المجال(6) .
أمّا الجهة الثانية ـ مراعاة الشيخ المفيد للتقية ـ فلابدّ لنا أن نقول : إنّه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسالة التقية : 128 . نشرت هذه الرسالة في المجلّد الثالث والعشرين من مجموعة كتبه التي طبعت من قبل مؤتمر الشيخ الأنصاري في قم .
(2) أوائل المقالات : 127 .
(3) أوائل المقالات : 127 .
(4) من أجل الاطلاع انظر : وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
(5) أوائل المقالات : 118 .
(6) من أجل الاطلاع أكثر انظر : رسالة التقية .
صفحه 183
كان مقيّداً بمراعاة التقية دائماً سواء في نشاطاته العلمية والاجتماعية التي حصل أكثرها عن طريق انعقاد مجالس البحث والمناظرة أو في كتابة رسائله ومؤلّفاته .
وبالرغم من أنّ الشيخ المفيد لم يقصّر في تبيين الحقائق أبداً ـ حيث طرح أُصول عقائد الشيعة بأحسن وجه بعد أن كانت مبهمة وغير واضحة آنذاك عند الناس وخاصّة في بغداد ـ ولكن تبيين هذه العقائد لم يكن بطريقة يستطيع من خلالها المخالفون أن يتّخذونها ذريعةً لهم في النيل من عقائد الشيعة .
ومن هنا فقد كانوا ينتهزون الفرصة لضرب الشيعة في بغداد المضطربة آنذاك وهو عهدٌ كان يعدّ الفرح فيه بيوم عيد الغدير ـ وهو أكبر عيد عند الشيعة ـ ذنباً لا يغتفر ، وكانوا يعدّون البكاء وإقامة مراسم العزاء على سيّد الشهداء وأهل بيته الأطهار بدعةً(1) ، وهو زمن كانوا يتذرّعون فيه بأوهى الحجج للهجوم على الشيعة(2) .
في حين نجد أنّ الشيخ المفيد وهو أكبر مدافع للشيعة آنذاك لم يكن ليتحرز عن تبيين أي حقيقة في الدفاع عن الإمامة في الوقت الذي لم يعط أي عذر في أيدي المخالفين ، إنّ هذا الأمر لا يمكن تحقّقه إلاّ بالتدبير الفائق الذي كان يتخذه الشيخ ، حيث كان مسلّحاً بسلاح التقية وحاذقاً في انتخاب الزمان والمكان الذي يدلي فيه برأيه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من أجل الاطلاع على منع الشيعة من إقامة شعائرهم وما آلت إليه عاقبة من أقام هذه المجالس اُنظر : مرآة الجنان 2 / 261 ، الكامل في التاريخ 5 / حوادث سنة 352 .
(2) الكامل في التاريخ 5 / 628 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 3 / 39 .

صفحه 184
وهذا لا يعني أنّه لم يكن يطرح في الأوساط اُسس عقائد الشيعة ، أو أنّه كان يبيّن المواضيع بكيفية يقتصر بها على اقناع ذهن السائل ، أو يمهّد الأسباب لتأليف رسائله ، بل إنّ في كتاباته أموراً مثيرةً للجدل .
وأحد أفضل النماذج في مراعاة الشيخ المفيد للتقية هو انتخابه وتنظيمه لأبحاث كتاب الأمالي ، حيث اشتمل على اثنين وأربعين مجلساً ، وهو حاصل ما عقده الشيخ المفيد من مجالس في أزمنة مختلفة . فإنّه بما كان يمتلكه من فراسة وذكاء خاصّ فقد عقد المجالس الأُولى من كتابه هذا في دار بعض الشيعة ، لأنّه كان يريد التطرّق إلى بيان مواضيع خاصّة بالتشيّع ، مثل : عدم أهلية الخلفاء الثلاثة ، إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) المباشرة ، امتناع أبي بكر من إرجاع فدك لسيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، عزل أبي بكر من تبليغ سورة براءة وإعطاؤها إلى الإمام عليّ (عليه السلام) ، حادثة يوم الخميس وهو آخر يوم من عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)حيث أراد (صلى الله عليه وآله) أن يكتب كتاباً يعيّن به مصير الخلافة من بعده فمنعه عمر من ذلك بقوله : «حسبنا كتاب الله» ، إحراق عمر بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وذكر بعض مثالب عثمان ، كما خصّ الكتاب بمواضيع أُخرى من هذا القبيل .
ولكن لمّا انتقلت هذه المجالس من البيت إلى المسجد وهو مكان عام فإنّه مع مراعاته لأصل التقية وبما تقتضيه مصلحة تلك الأيّام فقد اختار مواضيع أُخرى ، مثل : اعتراض أبي قحافة والد أبي بكر على خلافة ابنه ، شكوى سيّدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) من ولاة الأمر ، المنازعة بين عائشة وعثمان على ميراث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، دور عائشة في منع سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) من إرث أبيها (صلى الله عليه وآله) ، تأليب عائشة الناس على قتل
صفحه 185
عثمان ، تبعيد أبي ذر من قبل عثمان ، هذا في حين جاءت المجالس الأخيرة لهذا الكتاب بعيدة كلّ البعد عن طرح مثل هكذا اُمور(1) .
وبناءً على هذا نستطيع أن ندرك كم كان الشيخ المفيد يولي أهمّية لمسألة الزمان والمكان حيث كان لهما الأثر الكبير في انتخاب المواضيع ، فليس هناك مجلس من هذه المجالس نراه تخلّى عن موضوع الخلافة والإمامة ـ إلاّ المجلس الثالث والعشرين ـ ولكنّ كيفية انتخابه وتبيينه للمواضيع كان قد حظي باهتمام خاصّ منه ، بحيث أنّ كتاباته لم تؤدِّ إلى التوتّر والاضطراب بين السنّة والشيعة في بغداد .
ولا يخفى أنّه دارت بعض الاشتباكات بين الشيعة والسنة في ذلك الزمان كما أشرنا إلى ذلك سابقاً حتّى أنّهم أبعدوا الشيخ المفيد من بغداد مرّتين على إثرها ، لكنّ هذا الأمر لا علاقة له بنشاطات الشيخ العلمية والإجتماعية بل أنّ الأمر تعدّى إلى أكثر من ذلك فهي كانت معلولة للوضع المتوتّر القائم آنذاك والمواجهات التي كانت تقع بين الحين والآخر ثمّ إنّ المؤلّفين حتّى المتشدّدين منهم الذين صوّروا لنا أحداث ذاك العهد نزّهوا الشيخ المفيد من التدخّل في هذه الاضطرابات ، لكن بما أنّه كان متصدّياً لزعامة الشيعة آنذاك(2) فمن الطبيعي أن تتوجّه إليه الكثير من الاتهامات والهجمات من قبل الأعداء حتّى أنّهم أبعدوه من بغداد بهذا العنوان(3) . إنّه ليس من الصحيح أن يقال : إنّ ما طرحه الشيخ المفيد بنحو خاصّ من مسائل ومواضيع تاريخية كانت منشأ لنشوب الفتن أو ذريعة للهجوم على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر (مقالات فارسي كنگره شيخ مفيد) ، رقم 55 .
(2) الفهرست لابن النديم : 226 .
(3) المنتظم 15 / 33 ، دول الإسلام : 212 .

صفحه 186
الشيعة ، لأنّ الهجوم على الشيعة في بغداد أو مناطق أُخرى قد كان سائداً قبل الشيخ المفيد أيضاً بأمرّ وأدهى ممّا كان عليه في زمنه(1) واستمرّ من بعده أيضاً ، فإذا كان الشيخ منشأ لهذه الاضطرابات إذن لابدّ لها أن تهدأ من بعده والحال أنّها لم تهدأ بعده .
و ـ الفرق بين كتابة التاريخ من قبل الشيخ المفيد (رحمه الله) وكتابته من قبل غيره من المؤلّفين :
إذا ألقينا نظرةً سريعة وشاملة على كتابة التاريخ من قبل الشيخ المفيد وكتابته من قبل غيره وقارنّا الفرق بينهما فسنرى أنّ الفرق في كتابات الشيخ المفيد مع غيره إنّما هو نابع من اهتمام الشيخ ودقّته في مسألة الإمامة والأبحاث المرتبطة بها .
وعلى سبيل المثال فأنّنا نرى فرقاً كبيراً بين كتاب الإرشاد الذي ألّف في شأن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وبين غيره من الكتب التي ألّفت في هذا المجال .
فإنّنا نرى الشيخ في كتاب الإرشاد ـ خلافاً لبعض المؤرّخين الذين تناولوا عهد الإمام عليّ (عليه السلام) وسائر الأئمّة (عليهم السلام) وعرضوا أخبارهم التاريخيّة بصورة عابرة ـ سعى إلى استعراض الأُمور الدقيقة والمنعطفات التاريخية الهامّة في حياة الأئمّة (عليهم السلام) التي تعكس لنا امتيازاتهم ومرموقيّتهم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إنّ منع الشيعة من إقامة شعائر مذهبهم والاشتباكات التي دارت بين الشيعة والسنّة قبل الشيخ المفيد أمرٌ تطرّق إليه الكثير من المؤرّخين وإنَّ إقامة مراسم العزاء لسيّد الشهداء (عليه السلام)من سنة 352 هـ بشكل علني لخير شاهد على هذا الكلام ، انظر : مرآة الجنان 2 / 261 .

صفحه 187
مجتمعاتهم وخاصّة عهد الإمام عليّ (عليه السلام) ، ومن هنا فإنّه لم يشر في الفصل المخصّص بالإمام عليّ (عليه السلام) إلى نشاطاته أو دوره السياسي أو ارتباطه مع سائر الخلفاء .
أمّا في ما يتعلّق بحرب صفين فإنّه قد تناول ذلك بشكل مختصر خلافاً لبعض المؤرّخين ومختلفاً حتّى مع طريقته التي تعرّض فيها إلى حرب الجمل ـ فقد ألّف كتاباً على حِدة تطرّق فيه بدقة متناهية إلى تحليل هذه الواقعة وأسبابها وعواملها وقد اهتمّ في هذا المجال اهتماماً بالغاً حيث كان كتابه لا مثيل له من بين مؤلّفات الشيعة ـ علماً بأنّ كتاب الإرشاد كان قد احتوى على مواضيع عديدة تناولت حرب الجمل أكثر بكثير من المواضيع التي تناولت حرب صفّين وكذلك خلافاً للآخرين الذين تطرّقوا إلى حرب النهروان فإنّه أشار إلى كلام مختصر دار بين الإمام عليّ (عليه السلام) وبعض الخوارج(1) ولم يذكر موضوعاً آخر سواه ، وكذلك أيضاً وبالرغم من أنّ الإمام (عليه السلام) ابتلي في عهد خلافته بما اقترفه معاوية وأتباعه من أعمال مشينة وغارات ولكنّ الشيخ المفيد لم يشر إلى هذه الأحداث إلاّ ما قلّ وندر وذلك في إطار كلام الإمام عليّ (عليه السلام) ولم يأت بها منفصلة ، كما أنّ في كلام الإمام (عليه السلام) أيضاً لم نرَ ذكراً لتلك الأعمال بالتفصيل إلاّ في موضع واحد ذكر فيه الإمام غارة لقائد من قوّاد جيش معاوية ـ هو سفيان بن عوف بن مغفل الغامدي ـ عبّر عنه الإمام بـ (أخا غامد) حيث صوّر لنا الإمام (عليه السلام) هجومه بشكل مؤلم(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد 1 / 271 .
(2) الإرشاد 1 / 282 .
صفحه 188
في الواقع إنّ عرض الأخبار التاريخية لحياة الإمام عليّ (عليه السلام) في كتابات الشيخ المفيد أكثرها مرتكزة على الأحداث التي تحكي بنحو ما الدور البارز للإمام (عليه السلام) الذي تجلّى بفضائله (عليه السلام) ، ولعلّ من هنا نرى أنّ الشيخ المفيد في أغلب الفصول المرتبطة بالإمام (عليه السلام) وخاصّة في نهاية أخبار بعض غزوات النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث كان للإمام عليّ (عليه السلام) فيها دورٌ فعّال وأساسي ذكر دوره المتميّز فيها مع ذكر فصل مختصر في ذلك وقد أكّد بعبارات على هذا الجانب من حياته (عليه السلام)(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد 1 / 136 ، 154 ، 157 ، 161 ، 166 .


صفحه 189


المصادر
1 ـ القرآن الكريم .
2 ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
3 ـ الإعتقادات ، للشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه القمي ، (ت 381 هـ ) ، تحقيق عصام عبد السيّد ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
4 ـ الأعلام ، لخير الدين الزركلي ، (ت 1396 هـ ) ، الطبعة العاشرة ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1992م .
5 ـ أعيان الشيعة ، للسيّد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي (ت 1371 هـ ) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات ، 1403 هـ .
6 ـ الإفصاح في الإمامة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
7 ـ إقبال الأعمال ، لرضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحلّي ، (ت 664 هـ ) ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 هـ .
صفحه 190
8 ـ الأنساب ، لعبدالكريم بن محمّد السمعاني ، (ت 562 هـ ) ، تعليق محمّد عبد القادر عطا ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1419 هـ .
9 ـ انديشه هاي كلامي شيخ المفيد ، لمارتين ، مكدرموت ، ترجمة أحمد آرام ، الطبعة الأولى ، طهران ، مؤسّسة انتشارات وچاپ دانشگاه طهران ، 1372 ش .
10 ـ انديشه واقع گراي ابن خلدون ، لنصّار ناصف ، ترجمة يوسف رحيم لو ، الطبعة الأولى ، طهران ، مركز نشر دانشگاهي ، 1366 ش .
11 ـ أوائل المقالات في المذاهب و المختارات ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
12 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الأطهار ، للعلاّمة محمّد باقر ابن محمّد تقي المجلسي ، (ت 1110 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء ، 1403 هـ .
13 ـ تاريخ آل بويه ، لعلي أصغر الفقيهي ، الطبعة الأولى ، طهران ، سازمان مطالعه و تدوين كتب علوم إنساني دانشگاهها ، 1378 ش .
14 ـ تاريخ ابن خلدون ، لعبدالرحمن بن محمّد ابن خلدون ، (ت 808 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الفكر ، 1408 هـ .
15 ـ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، لشمس الدين محمّد بن محمّد الذهبي ، (ت 748 هـ ) ، تحقيق عمر عبد السلام التدمري ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1409 هـ .
صفحه 191
16 ـ تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، لأحمد بن علي الخطيب البغدادي ، (ت 463 هـ ) ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
17 ـ تاريخ تاريخنگاري در إسلام ، لفرانتس ، روزنتال ، ترجمة أسدالله آزاد ، الطبعة الأولى ، مشهد ، مؤسّسة چاپ وانتشارات آستان قدس رضوي ، 1368 ش .
18 ـ تاريخنگارى در إسلام ، للسيّد صادق سجّادي وهادي عالم زاده ، الطبعة الأولى ، طهران ، سازمان مطالعه وتدوين كتب علوم إنساني دانشگاهها ، 1375 ش .
19 ـ تاريخ التراث العربي ، لفؤاد ، سزگين ، ترجمة محمود فهمي حجازي ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1405 هـ .
20 ـ تاريخ الشيعة ، لمحمّد بن حسين المظفّر ، (ت 1381 هـ ) ، ترجمة محمّد باقر حجّتي ، الطبعة الأولى ، طهران ، دفتر نشر فرهنگ إسلامي ، 1368 ش .
21 ـ تصحيح الإعتقاد ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (م ، 413 هـ ) ، تحقيق حسين درگاهي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
22 ـ تمدّن إسلامي در قرن چهارم هجري ، لآدم ، مِتز ، ترجمه عليرضا ذكاوتي قراگزلو ، الطبعة الأولى ، طهران ، مؤسّسة انتشارات أمير كبير ، 1362 ش .
23 ـ تنبيه الخواطر و نزهة النواظر (مجموعة ورّام) ، لورّام بن أبي فرّاس ، (ت 605 هـ ) ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1368 ش .
24 ـ تهذيب التهذيب ، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، (ت 852 هـ ) ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الفكر ، 1404 هـ .
25 ـ تيسفون و بغداد در گذر تاريخ ، لشيرين بياني ، الطبعة الأولى ، طهران ، انتشارات جامي ، 1377 ش .
صفحه 192
26 ـ الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، للشيخ المفيد محمّد ابن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق سيّد علي مير شريفي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413هـ .
27 ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، لجمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ، (ت 726 هـ ) ، تحقيق جواد قيّومي إصفهاني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 هـ .
28 ـ دول الإسلام ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 هـ ) ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1405 هـ .
29 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لمحمد محسن آقا بزرگ الطهراني ، (ت 1389 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1406 هـ .
30 ـ رجال ابن داود ، لتقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي ، (ت 707 هـ ) ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 هـ .
31 ـ رجال الخاقاني ، لعلي الخاقاني ، تحقيق السيّد محمّد صادق بحرالعلوم ، الطبعة الثانية ، قم المقدّسة ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 هـ .
32 ـ رجال الطوسي ، لمحمّد بن الحسن الطوسي ، (ت 460 هـ ) ، تحقيق محمّد صادق آل بحر العلوم ، الطبعة الأولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1381 هـ .
33 ـ رجال العلاّمة ، لجمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ، (ت 726 هـ ) ، قم المقدّسة ، منشورات الرضي ، 1402 هـ .
34 ـ رجال (الفوائد الرجالية) ، للسيّد محمّد مهدي بحرالعلوم ، (ت 1212 هـ ) ، الطبعة الأولى ، تحقيق وتعليق محمّد صادق بحرالعلوم وحسين بحرالعلوم ، طهران ، منشورات مكتبة الصادق ، 1363 ش .
صفحه 193
35 ـ رجال النجاشي ، لأحمد بن علي النجاشي ، (ت 450 هـ ) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 هـ .
36 ـ الرسالة الأولى في الغيبة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
37 ـ رسالة التقيّة ، لمرتضى بن محمّد أمين الأنصاري ، (ت 1281 هـ ) ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري ، 1414 هـ .
38 ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء و السادات ، لمحمّد باقر الخوانساري ، (ت 1313 هـ ) ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات إسماعيليان .
39 ـ رياض العلماء و حياض الفضلاء ، للميرزا عبدالله الأفندي الإصفهاني ، (ت حدود 1130 هـ ) ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1401 هـ .
40 ـ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، لمحمّد بن منصور بن إدريس الحلّي ، (ت 598 هـ ) ، الطبعة الرابعة ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1417 هـ .
41 ـ سير أعلام النبلاء ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 هـ ) ، الطبعة السابعة ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1410 هـ .
42 ـ السيرة النبوية ، لعبدالملك بن هشام الحميري ، (ت 218 هـ ) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي .
43 ـ السيرة النبوية و أخبار الخلفاء ، لمحمّد بن حبّان البستي ، (ت 354 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الكتب الثقافية ، 1411 هـ .
صفحه 194
44 ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لشهاب الدين عبد الحسن بن أحمد بن عماد الحنبلي ، (ت 1089 هـ ) ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي .5
45 ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، لجعفر مرتضى العاملي ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دارالسيرة ، 1995 م .
46 ـ الطبقات الكبرى ، لمحمّد بن سعد ، (ت 230 هـ ) ، بيروت ، دار صادر .
47 ـ العبر في خبر من غبر ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 هـ ) ، تحقيق محمّد السعيد بن بسيوني زغلول ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
48 ـ فرق الشيعة ، للحسن بن موسى النوبختي ، (ت 310 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1404 هـ .
49 ـ فرهنگ فرق إسلامي ، لمحمّد جواد المشكور ، الطبعة الثانية ، مشهد المقدّسة ، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي ، 1372 ش .
50 ـ الفصول العشرة في الغيبة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق فارس حسّون ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
51 ـ الفصول المختارة من العيون و المحاسن ، للسيّد علي بن حسين الموسوي المرتضى ، (ت 436 هـ ) ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
52 ـ الفهرست ، لمحمّد بن إسحاق ابن النديم ، (ت 385 هـ ) ، تحقيق رضا تجدّد .
53 ـ فهرست آثار خطّي شيخ المفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي ، لرضا المختاري وحسين شفيعي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1413 هـ .
صفحه 195
54 ـ فوائد الرضوية در أحوال علماء مذهب جعفريه ، للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، (ت 1359 هـ ) .
55 ـ فوات الوفيات ، لمحمّد بن شاكر الكتبي ، (ت 764 هـ ) ، تحقيق إحسان عبّاس ، بيروت ، دارصادر .
56 ـ الكامل في التاريخ ، لعلي بن محمّد بن الأثير الجزري ، (ت 630 هـ ) ، بيروت ، دار صادر ودار بيروت ، 1385 هـ .
57 ـ كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد ، لجمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ، (ت 726 هـ ) ; تصحيح حسن حسن زاده آملي ، قم المقدّسة ، جامعة المدرسين قم .
58 ـ الكنى والألقاب ، للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، (ت 1359 هـ ) ، قم المقدّسة ، انتشارات بيدار .
59 ـ كنز الفوائد ، لمحمّد بن علي الكراجكي ، (ت 449 هـ ) ، ساعد على طبعه عبدالله نعمة ، بيروت ، دار الأضواء ، 1405 هـ .
60 ـ لسان الميزان ، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، (ت 852 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1406 هـ .
61 ـ لؤلؤة البحرين في الإجازات و تراجم رجال الحديث ، ليوسف بن أحمد البحراني ، (ت 1186 هـ ) ، تحقيق وتعليق السيّد محمّد صادق بحرالعلوم ، الطبعة الثانية ، قم المقدّسة ، مؤسّسة آل البيت .
62 ـ مبادي فقه وأصول ، لعلي رضا فيض ، الطبعة السادسة ، طهران ، انتشارات دانشگاه طهران ، 1372 ش .
63 ـ مبارزه براي آزادي بيان وعقيده در عصر شيخ مفيد ، للسيّد جعفر مرتضى العاملي ، ترجمة محمّد سپهري ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزه علميه قم المقدّسة ، 1372 ش .
صفحه 196
64 ـ مجالس المؤمنين ، لنور الله بن شريف الدين المرعشي الشوشتري ، (ت 1019 هـ ) ، طهران ، كتابفروشي إسلامية ، 1354 ش .
65 ـ مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان ، لعبدالله بن أسعد اليافعي المالكي ، (ت 768 هـ ) ، الطبعة الثانية ، مصر ، دار الكتاب الإسلامي ، 1413 هـ .
66 ـ المسائل الجارودية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق محمّد كاظم مدير شانه چي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
67 ـ المسائل السروية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (م 413 هـ ) ، تحقيق صائب عبد الحميد ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
68 ـ المسائل العكبرية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق علي أكبر إلهي خراساني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
69 ـ مسائل العويص ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، محسن أحمدي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
70 ـ مسارّ الشيعة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 هـ ) ، تحقيق مهدي نجف ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 هـ .
71 ـ معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً و حديثاً ، لمحمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، (ت 588 هـ ) ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 هـ .
صفحه 197
72 ـ معجم الأدباء ، لشهاب الدين بن عبد الله ياقوت الحموي ، (ت 626 هـ ) ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 هـ .
73 ـ المغازي ، لمحمّد بن عمر الواقدي ، (ت 207 هـ ) ، تحقيق مارسدن جونس ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1409 هـ .
74 ـ مقتل الحسين المسمّى باللّهوف في قتلى الطفوف ، لرضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحلّي ، (ت 664 هـ ) ، الطبعة الأولى ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، 1414 هـ .
75 ـ مقتل الحسين (عليه السلام) (وقعة الطف) ، للوط بن يحيى أبي مخنف الأزدي ، (ت 157 هـ ) ، تحقيق محمّد هادي اليوسفي الغروي ، الطبعة الثالثة ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم ، 1417 هـ .
76 ـ الملل و النحل ، لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ، (ت 548 هـ ) ، تحقيق أمير علي المهنّا وعلي حسن فاعور ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار المعرفة ، 1415 هـ .
77 ـ منابع تاريخ إسلام ، لرسول جعفريان ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات أنصاريان ، 1376 ش .
78 ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي ، (ت 597 هـ ) ، تحقيق محمّد عبد القادر عطا و مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1412 هـ .
79 ـ ميزان الإعتدال في نقد الرجال ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 هـ ) ، تحقيق علي محمّد البجّاوي ، بيروت ، دارالفكر .
80 ـ الهداية ، لمحمّد بن علي بن بابويه الصدوق ، (ت 381 هـ ) ، الطبعة الأولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، 1418 هـ .
صفحه 198
81 ـ الوافي بالوفيات ، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ، (ت 764 هـ ) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار صادر ، 1411 هـ .
82 ـ وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، لأحمد بن محمّد بن خلّكان ، (ت 681 هـ ) ، تحقيق إحسان عبّاس ، بيروت ، دار صادر ، 1414 هـ .
المجلات والمقالات
83 ـ مجلّة آينه پژوهش ، السنة الثالثة ، العدد 18 ـ 17 .
84 ـ مجلّة نور علم ، الدورة الرابعة ، العدد 9 (رقم التسلسل 45) .
85 ـ المقالات الفارسية ، المؤتمر العالمي ، لألفية الشيخ المفيد ، رقم 3 و55 .
86 ـ المقالات والرسائل العربية ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ; الأرقام 1 و3 و47 .
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف