البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 19 / 2017  |  1826حرب لا نصر فيها : الحوثيون والسعودية ومستقبل اليمن

مايكل هورتون - Michael Horton مؤسسة جايمستاون - Jamestown Foundation 11 تشرين الثاني 2016 - 11 November 2016
حرب لا نصر فيها : الحوثيون والسعودية ومستقبل اليمن

التحرير: قراءة متأنية من متخصص بالشأن اليمني، تستشرف مستقبل الحرب السعودية من خلال استخلاص دروس التاريخ، لعلها من أفضل ما كتب حتى الآن في الموضوع.


تخوض السعودية وحلفاؤها حربًا لا يمكن الظفر بها. بدأت الحملة التي قادتها السعودية تحت اسم «عاصفة الحزم» في آذار 2015 بهدف إجبار الحوثيين على الانسحاب من العاصمة اليمنية صنعاء، وعودة الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا من المنفى في السعودية. رغم مرور 20 شهرًا على القصف الجوي، وإنفاق السعودية وحدها ما يُقدر بـ 5 مليارات دولار، يمكن وصف الحرب بأي شيء سوى الحزم.

أحكم الحوثيون السيطرة على شمالي غرب اليمن وتعمّق تحالفهم أكثر مع نظام اليمن القديم بقيادة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ويتمتع الحوثيون بدعم أوسع من ذي قبل. فقد ساعدت الحرب الحوثيين على الانتقال من كونهم حركة متمردة ضيقة الأفق، ليُصبحوا حركة وطنية تعتبر نفسها «المدافع عن الوطن» في وجه العدوان السعودي.

مع إحراز تقدم بسيط أو دون أي تقدم بعد عامين تقريبًا على اندلاع الحرب، تلجأ السعودية على نحو متزايد إلى التكتيكات الوحشية. فإضافة إلى استخدامها المستمر للقنابل العنقودية المُحرّمة دوليًا، تذكر التقارير أن سلاح الجو السعودي يستهدف المزارع وأراضيها الزراعية الأكثر إنتاجية. إذا كان هذا الأمر صحيحًا، فهذا شكل معاصر لحرب الحصار. لكن بدلًا من تجويع مدينة واحدة بُغية إخضاعها، يرزح بلد كامل تحت الحصار. وتقرع الأمم المتحدة جرس الإنذار مُحذرة من أن اليمن على شفير التعرض لمجاعة مدمرة.

من غير المحتمل أن تؤدي هذه التكتيكات إلى كسر عزيمة الحوثيين أو حلفائهم. ولن يكون لها أي أثر كبير في قدرة الحوثيين على مواصلة القتال. فالحركة الحوثية تتميز بالصلابة والعزيمة بطبيعتها، وقادرة على مزج تكتيكاتها المتمرسة في حرب العصابات مع قوات ذات تكتيكات تقليدية. وما ستؤكده الحرب ـ وعلى الأغلب هذا ما حصل ـ  أن اليمن سيعيش فترة طويلة من عدم الاستقرار الذي بدوره قد يؤثر كثيرًا في استقرار المنطقة.

أسياد الجبال

الحوثيون، أو أنصار الله، منظمة وُلدت من رحم سنوات من المعارك في بعض أكثر التضاريس وعورةً على وجه المعمورة. منذ حربهم الأولى مع الحكومة اليمنية في عام 2004، أثبت الحوثيون أنهم أسياد الجبال والوديان في معاركهم. وسمح اتقان الحوثيين للحرب غير النظامية بالنجاة والتطور، من منظمة ضيقة الأفق لتغدو قادرة على الخروج من التضاريس الجبلية لتسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن في عام 2014.

 أصل الحركة الحوثية يعود إلى تنظيم يُدعى «الشباب المؤمن» شكّله أفراد من العائلة الحوثية. والحوثيون عائلة مرموقة من رجال الدين السادة الذين أسسوا تنظيم الشباب المؤمن بهدف إحياء الفرع الزيدي في الإسلام الشيعي وتعزيزه، بعد أن شعر أتباعه بالخطر المُحدق للايديولوجيات «الخارجية» مثل السلفية التي تصدرها السعودية.

والزيدية هي فئة محافظة من الإسلام الشيعي ومذهبيًا هي أقرب للإسلام السني من المذهب الشيعي الاثنى عشري أو الجعفري السائد. ثم كبر تنظيم الشباب المؤمن وتطور ليصبح جماعة متمردة كاملة العضوية تُعرف باسم الحركة الحوثية. هذا التحوّل المطوّل تسارع أكثر مع مقتل حسين الحوثي على يد القوات الحكومية في عام 2004. ومنذ عام 2004 ولغاية بداية اندلاع ما يُسمى الربيع العربي، خاض الحوثيون ست حروب طويلة مع الحكومة اليمنية.

من خلال تلك المعارك الشرسة خرج الحوثيون كتنظيم وتعلموا كيفية القتال وتحقيق النصر على القوات التقليدية، التي لطالما بقيت لغاية عام 2011 تفوقهم من حيث العدد والعتاد. في حربهم السادسة والأخيرة مع الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس صالح، واجه الحوثيون بعضًا من القوات الأفضل تدريبًا في الجيش اليمني التابعة للحرس الجمهوري، والقوات الخاصة ووحدات مكافحة الإرهاب ذات التدريب والعتاد الأمريكي. إضافة إلى ذلك، تعرض الحوثيون للقصف الجوي من سلاح الجو السعودي، واستهدفتهم أعداد محدودة من القوات الخاصة السعودية التي عبرت الحدود إلى اليمن. رغم ذلك، بقي للحوثيين الغلبة على القوات اليمنية والسعودية على حد سواء. ووقع تحت قبضتهم عدد من القوات الخاصة السعودية التي حُرّرت لاحقًا بموجب التبادل، فيما القوات اليمنية أُجبرت على الانسحاب إلى القواعد المُحصّنة، التي خرجت منها في أعقاب انتفاضة عام 2011 ضد حكومة صالح.

أسباب كثيرة تقف وراء نجاح الحوثيين كحركة ثورية مسلحة، لكن أولًا وقبل كل شيء تأتي معرفتهم الوثيقة بالجبال الوعرة والوديان التي خاضوا فيها معاركهم. فقد أدرك الحوثيون ورجال القبائل الذين يُشكلون الجزء الأكبر من عضوية الحركة أن الجبال في اليمن تلعب دوراً مضاعفاً للقوة على نحو فعال. وتصب الجبال في مصلحة الحرب الدفاعية. فأولئك الذين اجتاحوا اليمن في الماضي ـ الأتراك العثمانيون مرتين ولاحقًا المصريون ـ ما لبثوا أن اكتشفوا أنّ شمالي غرب اليمن الغني بالجبال، تمامًا كأفغانستان، هو مقبرة للغزاة. ثانيًا، عملت القيادة الحوثية دون كلل أو ملل لبناء علاقات شخصية وتنظيمية مع مروحة من القبائل والعشائر، التي ينتمي أفرادها إلى الشيعة الزيديين والسنة على حد سواء. ثالثًا، القيادة الحوثية بادرت وعملت ـ  ولا سيما في سنواتها المبكرة ـ على مبدأ الجدارة. فأولئك الذين تصدروا القيادة على خطوط الجبهة، كبعض أفراد العائلة الحوثية، تولوا مسؤوليات أكبر. وهذا يتناقض مع القوات المسلحة اليمنية حيث تحدد المحسوبية والهويات القبلية إلى حد كبير مَن يعلو شأنًا في المناصب.

كان المزج بين الحنكة العسكرية عند الحوثيين، وسمعة المنظمة المبكرة بأنها تعتمد نسبيًا على الجدارة وهي غير فاسدة ما سمح لها بملء الفراغ في السلطة على وجه السرعة بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011 ضد حكومة صالح. واستغل الحوثيون ما تلقوه من دعم سابق من المتظاهرين ضد نظام صالح لكسب المؤيدين وبناء تحالفات مع تكتلات القوى العشائرية الأساسية. وفي تبيان أوضح للبراغماتية السياسية عند الحوثيين، نسجت القيادة في عام 2014 تحالفًا مع خصمها القديم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح. هذه العلاقة، مع الحقيقة المُسلم بها بأن صالح وأولاده يحظون بولاء قطاعات كبيرة من الجيش اليمني، سهّلت السيطرة الحوثية السريعة على صنعاء التي لم يُسفك فيها كثير من الدم إلى حد كبير في أيلول 2014.

استراتيجية السعودية

كمنظمة شيعية زيدية، أدى صعود الحوثيين إلى السلطة إلى قرع جرس الإنذار في السعودية، التي تعتبرهم وكلاء لإيران. في الواقع، إن تأثير إيران في قرار الحوثيين بسيط فهم مرارًا وتكرارًا لم ينصتوا إلى نصيحة إيران، بما في ذلك تحذير إيران لهم بالامتناع عن السيطرة على العاصمة اليمنية.

 ساعد تجاهل الحوثيين للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إنما غير الشعبية في الداخل واندفاعهم جنوبًا في عام 2015 في إطلاق العنان للتدخل السعودي في اليمن. وكان للاستراتيجية السعودية ثلاثة أوجه: أولًا، هي انخرطت في ما يبدو حملةً جوية متهورة بازدياد، تدعي أنها تستهدف من خلالها المواقع العسكرية؛ ثانيًا، هي تواصل فرض حصار بحري وجوي على شمالي غرب اليمن في محاولة لمنع وصول الإمدادات إلى الحوثيين؛ وأخيرًا، تقوم السعودية وحلفاؤها بتدريب وتسليح مزيج من المليشيات التي تضم انفصاليين جنوبيين وجنودًا موالين للحكومة وسلفيين متطرفين وأفراد القبائل. هذه الجماعات تُستخدم كوكلاء في الحرب البرية ضد الحوثيين.

وفي حين أن الحملة الجوية لا تنطوي على كثير من المخاطرة ـ الحوثيون ووحدات الجيش اليمني التي تقاتل إلى جانبهم لم تعد تستخدم أنظمة الدفاع الجوي ـ  هي غير فعالة أيضًا. فيتمتع الحوثيون بخبرة عالية جدًا في القتال أثناء تعرضهم للقصف الجوي. وفي النهاية، هم يعرفون كيفية الاستفادة من تضاريس اليمن لإخفاء العتاد وكيفية التملّص من الرصد الجوي الكثيف. وفي جوانب عدة، عادت الحملة الجوية بالنفع على الحوثيين. ساعد القصف العشوائي أحيانًا بتعزيز دعم الحوثيين بين كثير من اليمنيين الذين كانوا يعتبرونهم غاصبين للسلطة- كما حصل في 8 تشرين الأول إثر قصف جنازة في صنعاء.

كما أثبتت العقوبات والحصار البحري عدم فاعليتها في منع العتاد من الوصول إلى الحوثيين. وكان للعقوبات أثر حاد حيث ازداد سوء التغذية وزاد الضغط أكثر على نظام الرعاية الصحية المنهار أصلًا.

في محاولة لزيادة فاعلية الحملة ضد الحوثيين، تولي السعودية وشركاؤها ـ خصوصًا الإمارات العربية المتحدة ـ اهتمامًا أكبر للوكلاء المحليين. ولكن هذا أيضًا من المحتمل أن يُثبت عدم فاعليته كما هي حال البنديْن الآخريْن لاستراتيجيتهم.

حلفاء متقلبون

المشهد الاجتماعي ـ السياسي في اليمن أشبه بتضاريسه: معقد ووعر وغدّار، حتى لأولئك الذين يعرفون كيفية التنقّل في رحابه. كانت مصر قد أرسلت الجنود في عام 1962 إلى ما كان يُعرف باسم اليمن الشمالي لدعم القوات الجمهورية في حربها ضد المؤيدين للإمام البدر، حاكم اليمن الشمالي. ونشر المصريون ما يزيد على 50000 جندي في اليمن. هذه القوات تمتعت بالتفوق واستعانت بالدعم من سلاح الجو المصري. لكن عددًا صغيرًا نسبيًا من رجال القبائل مع مساعدة أفراد سابقين من القوات الخاصة البريطانية والفرنسية استطاعوا إلحاق الهزيمة بآلاف الجنود.

وكان لجبال اليمن دور أساسي في ذلك. أما العامل الآخر فكان عدم الولاء من حلفاء المصريين في الحرب ـ القبائل التي اعتقدوا بأنها تساندهم. وكان القول المأثور الذي تكرر على لسان الجنود المصريين واليمنيين من كلا الطرفين إنّ الرجل فيهم «جمهوري في النهار وملكي في الليل»، في إشارة إلى عدم الوثوق  برجال القبائل الذين كان ولاؤهم الأول والأخير إلى العشيرة. وكان الحافز على الولاءات الأخرى هو البراغماتية الصافية ـ في حالات كثيرة كان يُحدّد الولاء من قبل الطرف الذي يدفع اكثر والذي يُقدم البنادق الأفضل.

تبقى أنظمة الولاء والرعاية في اليمن بيزنطية ومحلية في الأساس. لقد قضت السعودية والإمارات العربية المتحدة شهورًا وهما تدربان وتسلحان المليشيات للقتال من أجل رئيس اليمن الذي لا يحظى بالشعبية ويعيش في المنفى، عبد ربه منصور هادي. وركز أغلب عملهما في تجنيد أفراد العشائر في محافظة مأرب الغنية بالموارد والاستراتيجية لكن المنقسمة دومًا. رغم سلاحها وعتادها الجيدين نسبيًا، هذه المليشيات «الموالية لهادي» لم تُحرز أي تقدّم يُذكر ضد الحوثيين والقبائل المتحالفة معهم. وبصعوبة تبدلت خطوط الجبهة في الحرب خلال الأشهر التسعة السابقة رغم الادعاءات المتكررة للسعودية والإمارات العربية المتحدة بأن هجومًا كبيرًا لاستعادة صنعاء وشيكٌ أو آتٍ.

 إن عدم قدرة القوات الموالية لهادي والمليشيات التي تدعمها السعودية في شن هجوم بري مستدام بلا أدنى شك سببه في جزء منه عدم القدرة على الاعتماد عليها والحوافز المختلطة عند كثير في قيادتها. ولهو أربح وأكثر عقلانية عند كثيرين في تلك القوات أن تحافظ على مستوى متدن من الصراع وتستمر في كسب المال والسلاح من الرعاة فاحشي الثراء. والتجارة المزدهرة بالأسلحة المُقدّمة إلى كثيرين في المليشيات الموالية لهادي والذين يبيعون تلك الأسلحة هي دليل على الحوافز المختلطة عند بعض قادة تلك المليشيات. وتمامًا كما كانت الحال خلال حروبها ضد الحكومة اليمنية، المنظمة الحوثية قادرة على الحصول على معظم الأسلحة التي تحتاج إليها من الداخل. فكل ما يمكن تخيله من أنواع السلاح، مثل الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات بدون طيار صغيرة الحجم، كلها موجودة ومتوافرة. والصواريخ المضادة للدبابات هي عصب الهجمات التي يشنها الحوثيون عبر الحدود ضد المدرعات السعودية ومواقع الحراسة في محافظة نجران داخل السعودية.

القاعدة في شبه الجزيرة العربية: إطعام الذئب عند الباب

فيما المليشيات التي تدعمها السعودية والإمارات العربية تحرز تقدمًا طفيفًا ضد الحوثيين وحلفائهم، ليست الحال مماثلة مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية. فالقاعدة، التي تنتفع من الحرب في اليمن أكثر من أي منظمة أخرى، تخوض معارك ناجحة مع القوات الحوثية في محافظات يمنية أساسية. إن تنظيم الجماعة جيد وهي مُصمّمة على بسط أكبر قدر من النفوذ في الأجزاء الهشة في اليمن. وفي أوجه شبه خطيرة مع أعمال الجماعات المتمردة والمنظمات السلفية المتطرفة في سوريا، تنشط القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أجل صبغ نفسها ضمن المليشيات الموالية للحكومة والمعادية للحوثيين. وهي قادرة على فعل ذلك نظرًا لحافزية الايديولوجيا عندها، أقله جزئيًا، والأهم من ذلك نظرًا لكونها منظمة تحظى بإدارة جيدة نسبيًا مع سلسلة قيادة منتشرة لكن فعّالة. وهذا يتناقض والقيادة غير الرسمية والمائعة للمليشيات القبلية والقوات الموالية لهادي التي جرى تجميعها بسرعة وعادة دافعها المكسب الشخصي بدلًا من مواجهة الأعداء وإلحاق الهزيمة بهم.

 قبل بدء عملية عاصفة الحزم، كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية عبارة عن منظمة تعيش وضعًا حرجًا على الصعيدين المالي والاستراتيجي. وكعدو لدود للحوثيين والشيعة بالاجمال انخرطت الجماعة في معركة شرسة مع الحوثيين وحلفائهم، لكنها كانت معركة خاسرة. فقد أُجبرت القاعدة على الاندحار ببطء والخروج من محافظات أساسية مثل محافظة البيضاء على يد المليشيات القبلية التي يدعمها الحوثيون. وفي كثير من المناطق، كما فعلت فيما مضى، كانت ضنينةً وعاقدةً العزم على قمع القيادة القبلية التقليدية والعادات بدلًا من التأقلم معها. ولذا خسروا دعمًا هاما ًمن المجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها وحاربوا من أجلها.

لكن الحال لم تبق على هذا المنوال. فقد راقبت قيادة الجماعة الفطنة الحوثيين وتعلمت منهم كيفية التعاطي مع قادة القبائل والتأقلم معهم. والآن، تبذل الجماعة، التي دخلت في اشتباك مع القبائل إلى حد، كلّ ما أمكنها من جهود لاشتراك تلك القبائل في استراتيجيتها الهجومية في محافظات البيضاء وشبوة ولحج وأبين.

تُعد القاعدة في شبه الجزيرة العربية الآن جزءًا مما يمكن تسميته القوات المعادية للحوثيين. لكن كيف وإلى أي مدى هي قادرة على استثمار مكاسبها الأخيرة يبقى بحاجة إلى أن يُنظر فيه، لكن ما هو أكيد أن الجماعة الآن تنظيم أقوى مما كان عليه قبل ستة أشهر.

مع اعتماد القاعدة على مشاركتها في الحرب الأهلية بين القوات المتحالفة مع الحوثيين وتلك التي تعارضهم، سوف يكون من الصعب أكثر على السعودية وحلفائها ضمان أن لا تستفيد الجماعة من المساعدة المُقدمة إلى القوات المعادية للحوثيين. ومع استمرار الحرب في اليمن، قد تُعتبر القاعدة في شبه الجزيرة العربية ـ تمامًا كما هي حال الحركات السلفية وجماعات القاعدة في سوريا التي تحارب حكومة بشار الأسد- وكيلًا مفيدًا وفعالًا في وجه الحوثيين. وتجدر الإشارة إلى أن التنظيم ضرب أهدافًا في السعودية في السابق، الأمر الذي على الأغلب يُثبت مدى الخطورة الذي ستشكله الجماعة على آل سعود في المستقبل القريب.

المأزق

تخوض السعودية ومن معها من حلفاء حربًا ليس فيها استراتيجية واضحة لتحقيق أهدافها الرامية إلى إجبار الحوثيين على التراجع وإقامة حكم موال للسعوديين. والاعتماد على حلفاء متقلبين وجماعات سلفية متطرفة خطيرة لمحاربة الحوثيين لن يسمح للسعودية بتحقيق أهدافها. لكن رغم التقارير الكثيرة عن تحشد القوات السعودية عند حدود اليمن، من غير المرجح أن ترسل المملكة أكثر من عدد رمزي إلى داخل اليمن. ومن المحتمل أن تبقى الاستفادة من الوكلاء المسلحين هي أقصى تورطها على الأرض. والأسباب وراء ذلك معقدة ولها علاقة بالسياسات السعودية الداخلية أكثر مما له علاقة بالأخطار التي يمكن لهذه القوات أن تتعرض لها. ولكن، إذا ما أقدمت السعودية وشركاؤها على إرسال القوات إلى شمالي غرب اليمن، فستواجه تلك القوات سيناريو معركة شبيهًا بما عاشته إسرائيل أثناء اجتياحها للبنان في عام 2006، لكن دون امتلاك الورقة التي كانت تتمتع بها إسرائيل وهي وجود ضباط وجنود منضبطين ومدربين كأولئك الذين يتميز بهم الجيش الإسرائيلي.

في عام 2006، قارع حزب الله، الذي تربطه علاقات لا ينكرها مع إيران، الجيش الإسرائيلي وجعله أمام طريق مسدود جراء مزجه الفتاك بين التكتيكات التقليدية وحرب العصابات. والحوثيون الذين يتحالفون إلى درجة ما يندمجون مع بعض الوحدات الأكثر تدريبًا في الجيش اليمني من المحتمل أن يلجؤوا إلى مزيج معقد من التكتيكات التقليدية واللامتناظرة ضد أي قوة غازية. علاوة على ذلك، هم لديهم الأفضلية في الاستفادة من تضاريس اليمن الوعرة. وفي حين أن الادعاءات المتكررة بشأن مدّ إيران الحوثيين بالأسلحة مشكوك فيها ـ اليمن الآن أكثر من أي وقت مضى يفيض بالسلاح ـ من المحتمل جدًا أن تسعى القيادة الحوثية إلى تلقي النصح والتوجيه من حزب الله ومستشاريه الإيرانيين.

يبقى أي هجوم بري لقوات السعودية والإمارات العربية احتمالا ًبعيدًا ودون أدنى شك سيكون كارثيًا على كلا البلدين. لذا، يبدو أن السعودية مستمرة في الاعتماد على حملتها الجوية المكلفة إنما العميقة، مع مواصلة تسليحها للمزيج المتنوع من المليشيات القبلية غير القادرة وغير الراغبة إلى حد كبير في مواجهة الحوثيين وحلفائهم.

التمعن في الماضي لاستشراف ما هو آت

إن استراتيجية السعودية ثلاثية الجوانب لن تفلح في إلحاق الهزيمة بالحوثيين وحلفائهم، بل هي ستفقر ملايين أكثر من اليمنيين العاطلين من العمل، ولا يتمتعون بالرعاية الصحية ويعانون أكثر فأكثر انعدام الأمن الغذائي.

والــغـارات الجويـــة، التــي أصابت البنى التحتية، والمدارس، والمستشفيات، والمنازل. عززت تأييد الحوثيين، وسمحت لهم بأن يدعوا أنهم المدافعون عن وطن يتعرض لهجوم قوة خارجية. كما ساعدت الحملة بقيادة السعودية في إنشاء جوٍّ ملائمٍ للمنظمات السلفية، ولا سيما القاعدة في شبه الجزيرة العربية، من أجل التمتع بدرجة من الحرية وتجنيد مزيد من الأفراد.

 من أجل فحص ما يمكن أن يؤدي إلى بسط الاستقرار في اليمن من المفيد التمعن في الماضي بالرجوع إلى الحرب الأهلية 1962-1970 بين القوى الملكية والجمهورية التي اندلعت فيما كان يُعرف باسم اليمن الشمالي. وانتهت تلك الحرب بعد انسحاب القوى الخارجية المتورطة بها، اي السعودية ومصر. في تلك الحرب، دعمت السعودية المؤيدين للحكم الملكي، ومن المفارقة أنها ساعدت في تسليح وتجهيز أجداد كثيرين ممن يُسمون أنفسهم اليوم الحوثيين.

ولم يستطع المؤيدون للحكم الملكي أو الداعمون للنظام الجمهوري إلحاق بعضهم الهزيمة ببعض رغم المساعدة التي حظي به الجمهوريون والتي تمثلت بوجود 50000 جندي مصري إلى جانبهم. وفي نهاية المطاف، انتهت الحرب بمفاوضات خاضها اليمنيون وسمحت للطرفين المشاركين في الصراع بحفظ ماء الوجه وحلّ خلافاتهم والمشاركة في حُكم ما بات يُعرف بجمهورية اليمن العربية. من المُسلّم به أن الصراع الحالي في اليمن هو أكثر تعقيدًا حيث إنه يشكل اليمن الشمالي والجنوبي على حد سواء مع كل التوترات المتعلقة ببلد لم يتوحد قطّ على النحو الصحيح.

رغم التوترات بين الشمال والجنوب، عملية مماثلة لتلك التي أنهت الحرب الأهلية 1962-1970 كانت في طريقها قبل أن تشن السعودية عاصفة الحزم في عام 2015. ومع مساعدة مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، كانت جميع الأطراف في الصراع الحالي على وشك التوصّل إلى اتفاق مؤقت بشأن المشاركة في السلطة. كان للحوثيين علاقة عمل مع قادة كثيرين في الحركات الانفصالية الجنوبية إذ إنّ كل تلك الجماعات عاشت القمع على يد حكومة صالح. لكن تردي العلاقة يعود إلى اندفاع الحوثيين باتجاه الجنوب واحتلالهم عدن والانتهاكات التي ارتكبها الطرفان.

تمامًا كما في الحرب الأهلية الأخيرة في اليمن، ما من طرف في الصراع الحالي سيكون قادرًا على إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر ـ حتى مع دعم خارجي. والحل الوحيد هو بالرجوع إلى طاولة مفاوضات يمنية. أما البديل فسنوات من الصراع الذي ستمتد إلى خارج الحدود اليمنية ويؤثر سلبًا في الاستقرار والأمن الإقليميّين.

سيبلى آل سعود بلاءً كبيراً  لتذكر النصيحة الحكيمة لمؤسس المملكة، الملك عبد العزيز بن سعود، الذين وهو فراش الموت «خيركم وشركم من اليمن». في الوقت عينه، قيادة الجماعات المتمردة المختلفة في اليمن وحكومته في المنفى ستنتفعان من القول اليمني المأثور: «ما يكسر الحجرة إلا أختها».

---------------------------------

مايكل هورتون : محلل وباحث في مؤسسة جايمستاون وهو مختص بالشؤون العربية خصوصًا اليمن ومصر.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف