البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 5 / 2017  |  1732مصر تغرد خارج السرب السعودي

طالب شبر المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية كانون الاول 2016
مصر تغرد خارج السرب السعودي

لم يخف على أحد الاجواء الايجابية التي حكمت العلاقة المصرية - السعودية على خلفية الدعم الذي ابدته الاخيرة لحكومة "عبد الفتاح السيسي" في انقلابه على حكم الاخوان المسلمين في العام 2013، وتُوّجت هذه العلاقات بزيارة ملك السعودية الى مصر في شهر نيسان/2016 لعقد صفقات استراتيجية بين البلدين [1] .

ولكن سرعان ما تبدل الجو الايجابي الى اجواء غائمة، وتفاقم تدهور العلاقات بين البلدين بشكل متسارع، فما الذي جرى لكي تتبدل هذه العلاقة بهذا النحو فجأة، وبخاصة ان لمصر ثقلا له تأثير كبير على المحور الخليجي، الذي يضع على قائمة اولوياته الصدام مع المحور الروسي الايراني وبالذات في ما يخص سوريا.


ان الذي يتقصّى حركة السياسة المصرية في منتصف العام 2016 يجد كثيراً من الاحداث التي لا يستغرب معها هذا التدهور في العلاقات، فعلى الصعيد الجغرافي تنصّل الجانب المصري من تسليم جزيرتي (تيران وصنافير) للملكة بعد ان قطع "السيسي" للملك السعودي وعداً بذلك، وذلك إثر احتجاجات مصرية عارمة  ضد القرار، مما دفع المحكمة المصرية الى رفض تسليمهما، وهو الامر الذي لم تفهمه السعودية الا تنصّلاً من الحكومة المصرية من وعدها [2] .

بعدها كان هنالك الخلاف في الشأن السوري، ويبدو ان واقعه اشد ايلاماً للسعودية، فقد بدى واضحاً في خطابِ الرئيس "السيسي" أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتَّحدة في أيلول/2016 أوضَح فيه أنه لا ينبغي هدمُ مؤسَّسات الدولة السورية.

بعدها جاء الموقف الرسمي المصري الداعم لقرار طرحته روسيا في الامم المتحدة بتاريخ 8/10/2016 يقترح اقامة هدنة في سوريا لا تشمل أيقاف قصف حلب، وهذا الموقف المصري قد اثار سخط الجانب السعودي والخليجي برمّته، بحيث علق المندوب السعودي في الامم المتحدة على موقف مصر قائلا: "من المؤسِف أن يكونَ موقفُ ماليزيا والسنغال أقربَ إلينا من مَوقِف مصر" [3] .

ولم يكن الدعم المصري لبقاء "الاسد" ليتوقف عند هذا الحد، بل زاد من وتيرته عندما صرح "السيسي" خلال مقابلة مع تلفزيون برتغالي ردّاً على سؤال حول إمكانية إشراك قوات مصرية في عمليات سلام خارج البلاد فقال: إن "الأولى لمصر أن تدعم الجيش الوطني في ليبيا وكذلك في سوريا وأيضاً العراق من أجل فرض الأمن في هذه البلدان" مما دفع المحاور الى أن يسأل مؤكداً: "هل تقصد بالجيش الوطني في سوريا الجيش السوري؟" فأجاب السيسي: "نعم" [4] .

اضف الى ذلك زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني للحكومة السورية الى مصر في تشرين الاول/2016 واتفق مع مدير المخابرات العامة المصري اللواء خالد فوزي على "تنسيق المواقف سياسياً بين دمشق والقاهرة وتعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان" [5] .

اسباب أخرى تعمق الخلاف:

ليس ما ذكر آنفاً هو الوحيد الذي عمّق هوّة الخلاف بين البلدين، وانما هنالك خلافات جوهرية اخرى اتخذتها مصر مغرّدة فيها خارج السرب السعودي، فهنالك المشاركة المصرية الواسعة في المؤتمر الإسلامي المنعقِد في غروزني بتاريخ 25 - 27/8/2016 برعايَة الرئيس الشيشاني "رمضان قديروف"، وقد تضمن البيان الختامي للمؤتمر تحديد "من هم أهلُ السنّة" مستثنياً منهم المذهب السلفي، كما حدد البيان كبرى الجامعات الإسلاميّة التي تُعَدّ مرجعيّة من دون ذِكر أيّة جامعة سعودية.

وقد واجه المؤتمر إدانة سعودية عارمة مشدّدة بذلك على مشاركة مصر في المؤتمر، باعتبار ان اربع شخصيات من أهم المرجعيات الإسلامية المصرية قد شاركت فيه [6] ، بحيث علّق محمد آل الشيخ الكاتب المشهور بصحيفة الجزيرة السعودية على موقع تويتر قائلاً: "مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر غروزني الذي أقصى المملكة من مسمى أهل السنة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع  مصر، فوطننا أهم ولتذهب مصر السيسي إلى الخراب" [7] .

زيادة على ما تقدم، فان مصر لم يكن لها أي دور حقيقي في دعم حملة "عاصفة الحزم" التي شنتها السعودية في آذار/2015 للقضاء على الحركة الحوثية في اليمن، وكذلك لم يكن لها دور في التحالف الاسلامي الذي شكّلته السعودية في كانون الاول/2015 بحجة القضاء على الارهاب.

ففي ذروة الحملة السعودية على اليمن استقبلت القاهرة وفداً حوثياً وممثلين من حزب صالح، فضلاً عن هجوم اعلامي مصري عنيف على الموقف السعودي تجاه اليمن، كما سمحت السلطة المصرية بخروج مظاهرة رافضة لـ"عاصفة الحزم" امام السفارة السعودية في القاهرة، ما حدا بالسفير السعودي الى تقديم احتجاج رسمي على ذلك، وهذا الحال نفسه على صعيد التحالف الاسلامي، اذ أعلنت مصر رفضها المشاركة في العملية البرية المقترحة للتحالف داخل الاراضي السورية بحجة القضاء على الارهاب فيها [8] .

ولكي تكمل حلقة توتر العلاقات المصرية السعودية، فقد منح مونديال القاهرة للفن والإعلام في شهر تشرين الثاني/2016 جائزة المرتبة الأولى لفيلم وثائقي من انتاج "الحشد الشعبي" العراقي، والفيلم يسلط الضوء على الأسباب التي دعت إلى تأسيس الحشد الشعبي ويكشف عن اسماء الدول المتورّطة في مساعدة "داعش" وفتح منافذ لدخول هذه العصابات إلى الأراضي العراقية.

وقد انتقد الكاتب السعودي الشهير "جمال خاشقجي" ذلك في تغريدة له على (توتير) قائلا: "فيلم الحشد الشعبي يحصد المرتبة الأولى في مونديال القاهرة الدولي.. إخواننا في مصر إلى أين أنتم راحلون؟ ما يجري عيب" [9] .

ردة الفعل التي لم تجدِ نفعاً:

لم تقف السعودية من دون رد على هذه المواقف المصرية، اذ عمدت شركة "أرامكو" النفطية السعودية الى ايقاف امدادات البترول لمصر منذ بداية شهر تشرين الاول/2016، على الرغم من أن هنالك اتفاق مبرم بين السعودية ومصر يقضي بإمداد الاخيرة بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريا لمدة 5 سنوات بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار، وبموجب هذا الاتفاق تشتري مصر شهريا منذ شهر آيار/2016 من السعودية 400 ألف طن من زيت الغاز و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود، وذلك بخط ائتمان بفائدة اثنين بالمئة على أن يتم السداد على 15 عاما [10] .

الا ان الضغوط الاقتصادية التي مارستها السعودية على مصر لم تنفع، بحيث إن الوساطة الاماراتية لم تجدِ نفعاً في اعادة الماء الى مجاريها من خلال الصلح بين "السيسي" والملك "سلمان" على ارض الامارات العربية المتحدة [11] .

ان اسباب هذا التباعد يعزوه محللون الى سببين رئيسين ينبعان من وجهة النظر المصرية تحديداً:

السبب الأول: يتمثل بأن الجانبُ المصريُّ لا تعجبه سياسة الملك السعودي "سلمان" في تعامله مع مصر بخلاف سلفه الملك "عبد الله" [12] ، وعلى حد تعبير دبلوماسيٍّ مصري: ان الملك عبد الله (كان يدافعُ عن مواقفَ قائمةٍ على المبادئ وكان القضاءُ على الإخوان المسلمين على رأسِ أولويّاته وأولويّاتنا، أمّا الملك سلمان فإنَّ تفكيرَه يقوم بشكلٍ أساسيّ على التكتيك، ومن هنا كان تحالفُه مع الإخوانِ المسلمين في سوريا وخصوصاً في اليمن.. إنّه لا يأخذُ مصالحَنا في الاعتِبار) [13] .

أما السبب الثاني: فيتمثل برغبة مصر في استعادة دورها الريادي في الشرق الاوسط بدل ان تكون تابعة للرغبة السعودية خضوعاً للتبرعات الاقتصادية التي تبذلها لسد الأزمة الاقتصادية المصرية.

 إن لمصر ثقلاً كبيراً لا يمكن ان تشتريه السعودية بسهولة لخدمة هاجسها المضطرب ضد ايران، وبخاصة ان هنالك خيارات بديلة للنهوض بالواقع الاقتصادي المصري، فضلا عن وجود عوامل مستجدّة تجعل من الرئيس المصري يفكر بالانسحاب من تحت العباءة السعودية، منها بشائر دعم مباشر من الرئيس الامريكي الجديد "ترامب" للحكومة المصرية الراهنة [14] .

على الرغم من كل ذلك، فانه من غير المتوقع اطلاقاً ان تتعامل السعودية مع مصر كعدو لها، لأنها اذا اقدمت على ذلك فستلقي بحليف من العيار الثقيل في ساحة منافستها ايران، وبخاصة أنها في الوقت الحالي تحت ضغط وضع حرج لا تحسد عليه.

وبالمقابل فان مصر التي تُحسن دراسة الاوضاع تشهد اليوم تراجع امريكا عن دعم السعودية مع تقدمٍ روسيٍّ في الشرق الاوسط، الامر الذي يجعل من الواقعي مد جسور التواصل بين مصر والمحور الروسي، فذلك يجعل مصر في موقع صاحب القرار وليست مجرد تابع لسياسات الآخرين.

ولكن لا بد من الالتفات الى ان مصر لا تريد فعلاً تخريب العلاقة بينها وبين السعودية بشكل تام، بل انها تسعى الى الاحتفاظ بوتيرة هذه الخلافات على هامش صلب العلاقة، وذلك يتجلى واضحا بين الفينة والاخرى في تصريحات لمسؤوليها تعبيرا عن ضرورة الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين [15] .

وعلى هذا الاساس، يعمل الرئيس المصري حالياً على ابتزاز المتنافسين ليجعل مصر تتصدر موقعا ريادياً في قلب الاحداث الساخنة التي تسود في الشرق الاوسط حاليا.  

------------------------------------

[1]  في زيارة الملك سلمان الى مصر، وقع مع الرئيس السيسي 21 اتفاقية تعاون اقتصادي بمليارات الدولارات.

[2]  ينظر: مقال بعنوان (السعودية ومصر.. اضطراب زواج لا يجوز فيه الطلاق) صحيفة العربي الجديد اللندنية بتاريخ 14/12/02016

[3]  ينظر: صحيفة الوئام السعودية تحت عنوان (من المؤسف ان يكون موقف ماليزيا والسنغال اقرب من مصر) بتاريخ 9/10/2016.

[4]  ينظر: مقال بعنوان (ماذا وراء دعم السيسي لنظام بشار الأسد؟) نشرته صحيفة بوابة الشرق القطرية بتاريخ 24/11/2016.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  هذه الشخصيات هي: شيخ الأزهر د.»أحمد الطيب» ومفتي مصر د.»شوقي علام» ومستشار الرئيس للشؤون الإسلامية «أسامة الأزهري» والمفتي السابق د.»علي جمعة.

[7]  ينظر: خبر بعنوان (كاتب سعودي: لتذهب مصر السيسي الى الخراب) نشر بتاريخ 31/8/2016.

[8]  ينظر: مقال بعنوان(العلاقات المصرية السعودية الى اين؟) نشره مركز امية للبحوث والدراسات الاستراتيجية بتاريخ 24/10/2016.

[9]  ينظر: خبر بعنوان («مونديال القاهرة» يكرم الحشد الشعبي العراقي وسط انتقادات سعودية) نشره موقع روسيا اليوم بتاريخ 7/11/2016

[10] ينظر: خبر نشره موقع العربية السعودي بتاريخ 10/10/2016.

[11]ينظر: خبر بعنوان(وسم يحرج الرئيس.. _السيسي_يرفض_مقابلة_سلمان) نشره موقع الجزيرة القطري بتاريخ 5/12/2016.

[12]  ان الملك سلمان عقب توليه سدة الحكم في السعودية عمل على الاطاحة بمقربين من الرئيس «السيسي» في دوائر الحكم الملكي السعودي، من أمثال خالد بن سلطان ومتعب بن عبد الله ولي ولي العهد ورئيس الديوان خالد التويجري وغيرهم في التعديلات الأولى، فضلا عن استبعاد ولي العهد الأخ غير الشقيق، الأمير مقرن، وهو ذو صلة وثيقة بالسيسي، في التعديلات الثانية.( ينظر: مقال «العلاقات المصرية السعودية الى اين- مركز امية للبحوث والدراسات الاستراتيجية 24/10/2016).

[13]  مقال (السعودية ومصر.. اضطراب زواج لا يجوز فيه الطلاق) - مصدر سابق.

[14]  (في بيان نشره المكتب الإعلامي للملياردير الأمريكي إثر هذه المقابلة، وصف الرئيس المصري بـ «مثال عن الحليف المثالي» في إطار مكافحة «الإرهاب والتطرف الإسلامي». وأكد دونالد ترامب أنه في حال انتخب رئيسا ستكون «الولايات المتحدة صديقا وفيا لكن أيضا حليفا يمكن لمصر أن تعول عليه في الأيام والسنوات المقبلة». ووعد ترامب السيسي حتى بزيارة مصر رسميا وبدعوته بدوره إلى واشنطن، ما يفتح آفاقا جديدة أمام سلطة المرشال السابق) ينظر: مقال(السيسي ينقل مصر إلى معسكر الداعمين للأسد) نشره موقع فرانس 24 الفرنسي بتاريخ 10/12/2016.

[15]  ينظر: مقال بعنوان (مصر تنفي وجود خلافات مع السعودية.. وهكذا ردت على تقاربها مع إيران) نشرته صحيفة هافننغتون بوست الامريكي بتاريخ10/12/2016

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف