البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 10 / 2017  |  4093الضحك على المأساة، برامج الكوميديا السياسية وتأثيراتها

حيدر محمد الكعبي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شباط 2017
الضحك على المأساة، برامج الكوميديا السياسية وتأثيراتها

راجت في أوساط العراقيين مؤخراً ظاهرة البرامج الفكاهية، واشتهرت في هذا الصدد اسماء عديدة أمثال (ولاية بطيخ) و(البشير شو) و(ستاند آب كوميدي) و(قف للتحشيش) وباتت طرائفها تتردد على ألسنة العراقيين عندما يتداولون نقد السياسة والسياسيين بخاصة.

ويرى كثيرون أن هذا النوع من البرامج له دور مهم في توعية الجماهير ومحاربة الفساد، في حين يرى آخرون انها - على عكس المتوقع- تخدم السياسيين واصحاب الاجندات المغرضة، الأمر الذي يستدعي وقفة لدراسة طبيعة هذه الظاهرة بشكل عام وآثارها على المجتمع العربي والعراقي بشكل خاص.


نشأة الكوميديا السياسية عربياً 

شهد العالم العربي أول نشاط للكوميديا السياسية في العام (1878م) على يدي الصحفي المصري "يعقوب صنّوع" في صحيفته الموسومة "أبي نظارة زرقاء"، وبسبب نقده اللاذع للسياسة الحاكمة في مصر فقد حاز على لقب "سيد الساخرين" في العصر الحديث، وعمله أدى الى إغلاق صحيفته ونفيه الى فرنسا من قبل الخديو اسماعيل، ولكنه لم يتوقف عن نقده الساخر وهو في المنفى، كما لم تعقم الصحافة العربية عن انجاب مشاهير آخرين في هذا الفن من أمثال مأمون الشناوي وأحمد رجب[1] .

صفحة من صحيفة ابو نظارة زرقا

وفي القرن الواحد والعشرين ومع اندلاع ثورات الربيع العربي والتناقضات التي ولّدتها، نشط الاعلام السياسي الساخر في الوطن العربي بشكل أكبر، وعرف موقع اليوتيوب وشاشات الفضائيات ولادة برامج عديدة من هذا النوع، وكان أكثرها شهرة برنامج "البرنامج" للمصري "باسم يوسف".

 (باسم يوسف) وظاهرة (البرنامج)

باسم يوسف - برنامج البرنامج

 يعد برنامج "البرنامج" ظاهرة تستحق الدراسة في برامج الكوميديا السياسية عربياً، فعلى الرغم من انه نسخة مقلّدة لبرنامج امريكي شهير اسمه (The Daily Show) وان "باسم يوسف" لم يكن صحفيا وانما طبيب يهوى متابعة البرامج الساخرة، إلا أنه تمكن من أن يستقطب انتباه جمهور واسع لم يسبق له مثيل، وأن ينال على عمله جائزة حرية الصحافة الدولية لعام [2]2013 ، كما تم اختياره من قبل مجلة (التايم) الأمريكية ضمن قائمة أفضل 100 شخصية مؤثرة في العالم لسنة 2013، وتم ترشيح برنامجه من قبل موقع "يوتيوب" كأفضل برنامج للعام نفسه[3] .

كانت انطلاقة "باسم يوسف" على موقع اليوتيوب بتاريخ 8/3/2011 من خلال برنامج (باسم يوسف شو) لدعم ثورة المصريين على نظام "حسني مبارك"، وقد انتج منه اكثر من 100 حلقة حصدت أكثر من 15 مليون مشاهدة[4] .

اثر ذلك تبنّت قناة (أون تي في) الفضائية تقديم عمل "باسم يوسف" ضمن برنامج اسبوعي بعنوان "البرنامج" اطلق بتاريخ 1/8/2011، ثم انتقل بعدها الى قناة (سي بي سي) بتاريخ 23/11/2012 ليواصل برنامجه منتقداً الرئيس "محمد مرسي" وحكم الاخوان لمصر، وقد تعرض "باسم" بسبب ذلك الى دعاوى قضائية بتهم عدة منها اهانة رئيس الجمهورية وازدراء الدين الاسلامي ولكن لم يتم اثبات إدانته.

وبعد الاطاحة بنظام الاخوان في 3/7/2013 واصل "باسم" برنامجه منتقداً هذه المرة سياسة "عبد الفتاح السيسي"، وبعد حلقة واحدة من الموسم الثالث أوقفت قناة (سي بي سي) برنامجه

بحجة عدم ملائمة محتواه لسياسة القناة، فانتقل الى قناة (أم بي سي مصر) ليواصل بث الموسم الرابع من برنامجه في 7/2/2014، ولكن تم ايقافه نهائيا بتاريخ 2/6/2014.

والسبب المُعلن للإيقاف هو أن المزاج العام للشعب المصري كان مع "البرنامج" حينما كان ينتقد "مرسي"، ولكنه لم يعد معه حينما أخذ ينتقد الرئيس "السيسي" لإيمان المصريين بضرورة تجنب اضعاف حكومته الجديدة نظراً للتحديات التي تواجهها مصر بعد ازاحة الاخوان المسلمين.

أسباب النجاح.. (البرنامج) أنموذجا

لقد حقق "باسم يوسف" انتشاراً كبيراً تجسّد بشعبيته الواسعة من جهة، وملاحقته والتضييق عليه من قبل السياسيين ومؤيديهم من جهة ثانية، مما يتطلب وقفة لتحديد اسباب نجاح برنامجه كأنموذج لمعرفة اسباب نجاح البرامج الكوميدية وسر انتشارها بشكل عام، وبالمتابعة الدقيقة يمكن تلخيص أبرز أسباب نجاح "البرنامج" في الآتي:

1. الاجندة الجديدة: ان احدى أساليب نجاح أي عمل اعلامي هو طرح محتوى وأسلوب غير مألوف سابقاً بالنسبة للجمهور[5] ، وهو ما استفاد "باسم يوسف" منه، صحيح ان برنامجه نسخة مقلّدة من البرنامج الامريكي (The Daily Show) كما اسلفنا، إلا انه لم يكن هناك برنامج يشبهه على المستوى العربي في وقته. 

2.  قوة المحتوى: لم يستخدم "باسم يوسف" مجرد التهريج لإضحاك الجمهور على خصومه، وانما كان يقوم برصد مواطن الضعف لديهم بدقّة، ثم يضخّمها ويطرحها مستخدماً الكناية والتعريض بشكل يجعل سخريته في نظر المشاهد حق لا ريب فيه.

3. التظاهر بالحيادية: لا يقتصر "باسم" في نقده على طرف واحد من الاطراف المختلفة أو المتنازعة، فهو ينتقد كل الأطراف في وقت واحد مما يخلق لدى المشاهد احساساً بحيادية برنامجه[6] .

4. التنوع بالنقد: على الرغم من أن برنامجه يتناول النقد السياسي بالدرجة الأساس إلا انه لم يقتصر عليه، وانما يتناول بالنقد الساخر كثير من الاعلاميين والفنانين ورجال الدين وأمثالهم.

5. أخطاء الخصوم: فقد ارتكب السياسيون المصريون والمروّجون لهم من اعلاميين ومحللين ورجال دين اخطاءً كارثية، بخاصة في مرحلة حكم الاخوان المسلمين، وهذه الاخطاء شكلت مادة دسمة استثمرها "باسم" لتغذية برنامجه لرفع شعبيته بشكل متواصل.

تجدر الاشارة الى ان ظاهرة نجاح "البرنامج" جعل حمّى البحث عن الشهرة والنجاح يتسللان الى قنوات اعلامية أخرى، فعملت على تقليد جوانب من عرض "باسم يوسف"، فأنتجت برامج مصرية عديدة من أمثال (الفرنجة، أبلة فاهيتا، خليها علينا، عرض كبير، مع معتز، أسعد الله مساءكم، بني آدم شو)[7] ، ولكن لم يكتب للمقلدين النجاح مثل "باسم" لأنهم كانوا يفتقدون الى عنصر أو أكثر من عناصر تفوقه التي ذكرناها.

برامج الكوميديا العراقية

لم يكن الشعب العراقي بعيداً عن هذا النوع من الاعمال الاعلامية، وقد كانت الفكاهة تتناسب طرديا مع المشاكل الكبيرة التي يعانيها العراقيون من أجل التنفيس عن الضغط النفسي الذي يعانون منه لعجزهم عن تغيير الواقع، فضلا عن احساسهم بضرورة فضح السياسيين والانتقام منهم بشتى الطرق، هذا بالإضافة الى تركيز بعض القنوات الاعلامية على أسلوب السخرية الاعلامي لتحقيق اجندات سياسية أو مالية.

والمحصلة من ذلك ان البرامج الساخرة العراقية قد شهدت ازدهارا مضطرداً في الآونة الاخيرة، سواء على صعيد المواقع الالكترونية أم على صعيد الفضائيات، ويرى بعض المتابعين ان برنامج "باسم يوسف" كان له دور أساس في تشجيع ظهور هذه البرامج في العراق [8] .

وقد ظهرت في هذا الصدد أعمال ذات أساليب مختلفة لكنها تتشابه من حيث توظيفها للسخرية لنقد الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، ومن هذه البرامج: "ستاند آب كوميدي" لأحمد وحيد وبرنامج "قف للتحشيش" مع محمد قاسم، لكن أشهرها حالياً برنامجان هما: "البشير شو" و"ولاية بطيخ". 

أولا: برنامج "البشير شو"

احمد البشير - برنامج البشير شو

برنامج هزلي سياسي يقدمه الإعلامي "احمد البشير" من الاردن، يتناول المواضيع العراقية السياسية بنكهة ساخرة، كان يبث على قناة (الشاهد المستقل) في الموسم الأول ابتداء من 30/8/2014 ثم انتقل الى قناتي (دويتشه فيلهDW) الالمانية وقناة (السومرية) العراقية، لكن تم حضر البرنامج في العراق من قبل وزارة الاتصالات، وبقي يعرض فقط على قناتي (دويتشه فيلهDW) و(إن آر تيNRT) الكردية.

لا تخفى محاولة "أحمد البشير" تقليد "باسم يوسف" في كل شيء، سواء في الحركات أم في الاسلوب ام في طريقة العرض، ولكن لا يغيب عن المتابع وجود فرق شاسع بين قدرات "البشير" المتواضعة قياساً بقدرات "باسم" المميزة.

ولتعويض ضعفه نجد أن "البشير" في كثير من الأحيان يلجأ الى اساليب متواضعة بهدف اضحاك الجمهور، منها الاكثار من استخدام الايحاءات الجنسية[9]  أو التهريج وتكلّف السخرية التي تفتقر للموضوعية، ومع ذلك فان الجمهور الذي يتابعه من العراقيين ليسوا قلائل، فالحلقة الاولى من برنامجه قد حازت على ما يقرب من مليون وربع مشاهدة على موقع اليوتيوب[10] .

ثانيا: برنامج "ولاية بطيخ"

برنامج ولاية بطيخ

برنامج كوميدي سياسي واجتماعي يقدمه مجموعة من الممثلين الشباب على قناة "هنا بغداد"، انطلقت اولى حلقاته في30/8/2015 ويعتمد بشكل أساس على عروض الدراما (التمثيل) لنقد الاوضاع السياسية والاجتماعية بطريقة غير تقليدية، وذلك ما جعله يتصدر البرامج الكوميدية الأكثر شهرة عراقيا  ، ويهيئ الفرصة لممثليه باعتلاء منصة المسرح لتقديم عروض مباشرة للجمهور العراقي في اكثر من مناسبة .

لا يخلو البرنامج من الهفوات، منها كثرة استخدام الفاظ السب والشتم الصريحين مما يشجع على تداول هذه الالفاظ بين الشباب ويضعف احد اسس الإعلام التنموي التي يتظاهر القائمون على البرنامج بمراعاته، كما ان البرنامج يعتمد غالباً على السخرية من الاوضاع التي يعرفها العراقيون جيدا، لذا فهو لا يكشف ملفات مستورة تساعد المواطن العراقي على تشخيص مشكلة غائبة عن وعيه لمحاربتها.

تأثير البرامج الساخرة: سلبي أم ايجابي؟

يجد كثير من الباحثين ان الكوميديا الاعلامية تتربع على عرش الانتاجات الاعلامية من حيث تأثيرها في الجماهير، لأنها تعالج قضايا حساسة جداً باستخدام اسلوب فني جذاب جداً.

وإن من مميزات الكوميديا انها تضخم العيوب وتسخر منها من دون ان تترك مجالاً لنقدها بالقواعد العقلية، فهي على كل حال مجرد هزل لا يجوز حمله على محمل الجد، وفي الوقت نفسه تتناول قضايا تتعلق بمشاكل الناس الكبرى وتعري كثير من المساوئ التي يحرص السياسيون على سترها بالشعارات والوعود الكاذبة.

لذا فقد انقسم الباحثون الى فريقين في تشخيص طبيعة التأثير الذي يخلقه هذا النوع من البرامج، فمنهم من يؤكد على ان تأثيراتها ايجابية لأنها تزيد من وعي الجماهير وتعينهم على حل مشاكلهم، ومنهم من يؤكد على أن تأثيراتها سلبية وأنها تخدم أهداف القائمين عليها حسب، لذا نحاول فيما يأتي أن نحدد ونشرح أهم نقاط التأثير للبرامج الساخرة لمعرفة أي الفريقين على حق في هذا المجال:

أولا: كشف قضايا غائبة عن الحس العام

تقوم هذه البرامج بتسليط الضوء على حقائق غائبة عن حس الرأي العام، من خلال الاقتناص الذكي للهفوات والعيوب وابرازها بشكل مؤثر للجماهير، ومن دون هذا الاقتناص فان المشاهد العادي قد لا يلتفت اليها ولا يحس بأهميتها، وذلك يعتمد طبعا على قوة اعداد البرنامج، وهذه النقطة بالذات هي ما برع "باسم يوسف" فيها فأكسبته شهرة ساحقة، فهو والكادر الذي معه تمكنوا من ان يضعوا اصابعهم على كثير من نقاط الخلل الغائبة عن حس المواطن المصري فيما يخص اسلوب الاخوان في الحكم.

ولكن الملاحظ ان البرامج العراقية – التي استعرضنا نماذج منها- تفتقد بشكل عام لهذه الخصيصة، فهي في الغالب تعمل على اضحاك الناس من وقائع يعرفها كل احد ولا تكشف شيئا غائبا عن الحس العام.

ومن الجدير ذكره أن اقتناص العيوب في هذه البرامج قد يكون في غير محله وسلبياً بشكل كبير، مثل اقتناص عيوب المواطنين الذين يعانون من بساطة فكرية او من عاهة جسدية، وفي هذا الصدد يقول الباحث أحمد عاطف منتقدا برنامج "باسم يوسف": (من بين عيوب البرنامج أيضا ازدراء البسطاء، فقد دأب البرنامج على تقديم تعليقات حوارية لمصريين من كل الاعمار والطبقات لا ينتمون لأي تيار سياسي، لكنهم ليس لديهم القدرة على التعبير السليم أو الإحكام في الوصف، يحدث ذلك كثير جداً وبشكل مثير للتأمل عن الهدف من ورائه، أنت هنا لست بصدد شخصيات عامة تريد ادانتها والتحذير من تأثيرها السلبي على المجتمع، لكنك ترسخ انطباعا بالسفه للناس العادية بفعل تراكم اللجوء لتعليقاتهم الساذجة وغير المحكمة) .

ثانياً: كسر التابوهات وخلق النمطية

تعمل هذه البرامج على هدم هيبة الرموز وكسر المحذورات فيما يخص الشخصيات المعروفة سياسيا ودينيا واجتماعياً، وقد كان احد الاسباب الاساسية لإيقاف برنامج "البشير شو" على قناة السومرية هو سخريته من شخصيات دينية ، وكذلك ايقاف برنامج "ولاية بطيخ" مؤخراً بسبب تعريضه بأحد الرموز العراقية ، وقبل هذا وذاك فقد واجه "باسم يوسف" دعاوى قضائية بسبب نقده شخصيات من الاخوان المسلمين باعتبارها ذات صبغة دينية تضفي عليها اتباعها صفة التقديس.

فالمشكلة هي أن البرامج الساخرة بما تمتلكه من تأثير قادرة على خلق صورة نمطية سلبية عن الشخصيات أو المجتمعات وان لم تكن هذه الصورة واقعية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد القحطاني عضو هيأة التدريس في قسم علم النفس بجامعة محمد بن سعود: (إن النكتة أو روح الفكاهة بشكل عام لا بأس بها، لكن المشكلة تكمن إذا أصبحت النكتة عبارة عن سخرية أو استهزاء أو انتقادا لشخص آخر أو لجهة معينة، هنا تصبح سلبية ولها مساوئ كثيرة... منها ما قد يُؤدي إلى تكوين "Negative Stereotype" أي صورة نمطية سلبية عن الشخص الآخر، فمثلاً عندما يسخر الفرد من مجتمع معين، فإن تكرار عرض هذه السخرية سيشكل انطباعا سلبيا عن ذلك المجتمع) .

ثالثا: تنفيس الاحتقان الجماهيري

تعرف الدكتورة نجاة السعيد البرامج الكوميدية بأنها: (تفريغ للعواطف البشرية مثل الشعور بالغضب، الخزي، الاشمئزاز، السخط، الاحتقار وغير ذلك، بتعبير مضحك وبسيط، فمهمة الساخر أن يفرغ هذا الغضب والاحتقان من خلال إعلانه عن الحقيقة التي يمكن أن تكون أخلاقية، سياسية...الخ) .

وعلى هذا الاساس فان البرامج الساخرة تعمل على تنفيس السخط الشعبي بالضحك والاستهزاء وتساعده على الهروب من ضغط المشاكل المتراكمة، وهي توفر شكلا من اشكال الانتقام والتشفّي الذي يرغب به الشعب المغلوب على امره بحق السياسيين وامثالهم.

ولا ريب في ان هذا اللون من التأثير يعد سلبياً في سياق عجلة الاصلاح السياسي، وهو يخدم السياسيين الفاسدين أكثر مما يضرهم، فهذه البرامج توفر للناس احساساً وهمياً باسترداد حقوقهم الضائعة، ومن ثم تقلل من حماسهم تجاه الإصلاح الفعلي، فالاحتقان الجماهيري المتولد من الظلم والفساد لا يجوز أن ينفّس بالضحك أمام شاشة التلفزيون وانما بالعمل على الارض للتغيير.

رابعا: تحقيق اجندات مغرضة

تساعد هذه البرامج على تحقيق اجندة سياسية مضادة للدولة من قبل جهات ذات مصالح مغرضة، وهو أسلوب قديم اعتمدته بعض القنوات التابعة لشخصيات سياسية معروفة في العراق، هدفها الابتزاز السياسي او المالي أو تحقيق اجندات خارجية لها مصلحة في اضعاف الحكومة وتأليب الرأي العام ضدها.

ولمّا كانت البرامج الكوميدية هي الاسرع انتشارا والاكثر تأثيرا في الجمهور، فإنها تعد احدى الاسلحة المثالية بيد تلك الجهات لحرف نظر الرأي العام عن الأولويات والانجازات الايجابية وتضخيم نقاط الخلل بهدف نشر الفوضى او تقوية الجهات المعارضة.

وفي الختام:

مما تقدم نتبين أن التأثير السلبي للبرامج الساخرة أكبر من تأثيرها الايجابي، بل ان بعض الباحثين يرون أن لا تأثير مفيد لها على الاطلاق، وانما تخدم الجهات الاعلامية المنتجة لها لاهداف تخصها، وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة: إن (البرامج الساخرة ليس لها تأثيرات مهمة على المجتمع، بل كانت مجرد "لعب على أوتار" من أجل شيء معين) .

كما يرى بعض الباحثين ان من الخطأ الاعتقاد بأن البرامج الساخرة يمكن ان تولد قناعات مفيدة لدى الناس لفهم واقعهم السياسي والاجتماعي

بشكل سليم، لأنها برامج قائمة أساسا على الهزل

الذي لا يترك مجالاً للأحكام المنطقية، وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور المصري أحمد صيام قائلاً: (حالة الضحك هي شعور لن تريد أن تخرج منه لكي تعمل عقلك فتخسر ضحكات ربما تكون نادرة في زمن كئيب، حالة الضحك هي بيئة لو شاركت فيها آخرين ثم قررت أن تسألهم أسئلة منطقية حول ما يعرض عليهم فلن تجد إلا التقريع، إذاً فهي حالة إلغاء للعقل، حالة "سُكر" إرادي، صحيح أنه سُكر مباح لكنه بالتأكيد ليس الوقت الأمثل لتكوين قناعة حرة أو اكتساب معلومة كان يجب مراجعتها فكرياً قبل حفظها في الذاكرة) .

-------------------------------

[1]  الإعلام الساخر: من يعقوب صنّوع إلى أحمد رجب وباسم يوسف – بقلم: د. شريف درويش اللبان - المركز العربي للبحوث والدراسات 4/5/2014.

[2]  قال «جون ستيورات» مقدم برنامج (The Daily Show) في حفل تكريم باسم يوسف: (للذين لا يعرفونني انا باسم يوسف الامريكي، اقدم برنامجا يشبه كثيرا البرنامج الذي يقدمه باسم يوسف في مصر مع اختلافين صغيرين، الأول: إن برنامجه يشاهده الملايين، وثانيا: انه يقدم برنامجه في بلد حرية التعبير فيه غير مضمونة) يمكن مشاهدة المقطع على الرابط الآتي https://www.youtube.com/watch?v=oqosJaiPVno.

[3]  الموسوعة الحرة (ويكبيديا) تحت عنوان: باسم يوسف.

[4]  الموسوعة الحرة (ويكبيديا) تحت عنوان: باسم يوسف.

[5]  يقول عالم الاجتماع الألماني (نيكلاس لومان) بأن «نجاح الإعلام قائم أولا وأخيرا على قدرته على فرض أجندة جديدة المحتوى والأسلوب على المجتمع» (من مقال بعنوان «الفضائيات الدينية والإعلام الناجح» للباحث لطيف قصاب نشره مركز المستقبل للدراسات والبحوث).

[6]  يقول الدكتور اسماعيل الامين في كتابه (التلفزة المعاصرة:52): (ان الحيادية والموضوعية والنزاهة تظل الطريق الاقصر والاسرع الى قلوب المشاهدين وعقولهم والاكثر ثباتا وتثبيتا للمعلومات).

[7] (سبعة برامج ساخرة فشلت في فك عقدة باسم يوسف)-غادة غالب- المصري اليوم 1/5/2015.

[8]  «البشير شو» لعنة باسم يوسف في طبعة عراقية – صحيفة الحياة اللندنية 30/12/2014- برامج تسخر من الأوضاع تُبعد العراقيين عن نشرات الأخبار- موقع نقاش 24/3/2016 -  برامج الكوميديا السوداء تشدّ الجمهور العراقي - موقع ايلاف 2/12/2015.

[9]  البشير شو ... كوميديا جنسية-عمر الشمري-موقع كتابات 16/4/2016.

[10] الموسوعة الحرة (ويكبيديا) تحت عنوان (البشير شو).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف