البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

August / 7 / 2018  |  3096جنوب اليمن على برميل بارود

بيتر ساليسبيري تشاتام هاوس : المعهد الملكي للشؤون الدولية آذار 2018
جنوب اليمن على برميل بارود

 التحرير: يضيء هذا البحث على أهمّيّة ما يحدث في اليمن الجنوبيّ من حروب وصراعات صغيرة تغطي عليها أخبار الصراع الكبير، ويفصل الكاتب الجغرافيا السياسيّة لجنوب اليمن وأبرز الدول المتدخّلة والشخصيّات والتنظيمات مع إشارات لافتة إلى العلاقات الإشكاليّة بين القاعدة والسلفيّين والإمارات والسعوديّة. وقد عرضت هذه الورقة على مسؤولين غربيّين من أصحاب القرار بالأردن بحضور خبراء من اليمن والمعهد ونتج من ذلك العرض أولويّات جديدة في التعاطي الغربي مع اليمن الجنوبيّ ترفعه إلى مستوى الأولويّات الأخرى. يبدو أنّ الأمم المتّحدة وعواصم القرار الغربيّة ستفعل حضورها في عدن كما يستفاد من التوصيات في آخر البحث ربّما لأنّ اليأس من الحسم العسكريّ أصبح واضحاً في الحرب على اليمن وستشرع القوى الكبرى في تهيئة اليمن الجنوبيّ للانفصال مجدّداً.


الملخص

  • بعد ثلاث سنوات على بدء الحرب الأهليّة، أصبح اليمن دولة تعمّها الفوضى، وإذا ما نظرنا إليها عن كثب لوجدنا أنّها تشبه منطقة تضمّ عدّة دويلات متفرّقة ـ تحدق بها شتّى أنواع السياسات الداخليّة والنزاعات ـ إنّما ذات درجات مختلفة من الصراع فيما بينها، أكثر ممّا تشبه الدولة الواحدة التي تشهد حرباً ثنائيّة.
  • تتلخّص واحدة من النتائج غير المقصودة لهذا النزاع في أنّ جنوب البلاد يتّجه بسرعة نحو الاستقلال الذاتيّ التامّ. علمًا بأنّ لجنوب اليمن تاريخاً طويلاً من التحريض من أجل الاستقلال. من الناحية التاريخيّة، كانت النخب السياسيّة والمسؤولون الأجانب يعتقدون أنّ «قضيّة الجنوب» قابلة للتأجيل إلى أجل غير مسمّى بسبب النقص في التماسك أو في الاستراتيجيّات اللازمة بين الجماعات الانفصاليّة.
  • على الرغم من أنّ الجماعات المؤيّدة للاستقلال لم تكن موحّدة بالكامل، إلّا أنّها أصبحت مؤخّرًا أكثر تنظيماً بكثير ومدجّجة بالسلاح. ولقد أظهر القتال الأخير، الذي جرى في عدن بين القوّات الانفصاليّة وتلك الموالية للحكومة وجود القوّة النسبيّة والتماسك لدى الحركة المؤيّدة للاستقلال، إضافةً إلى أنّ قضيّة الجنوب قادرة، إذا تركت دون معالجة، على زيادة تعقيد الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الأهليّة الجارية في اليمن.
  • في انعكاسٍ لربع قرن من السيطرة المركزيّة المتزايدة في العاصمة اليمنيّة صنعاء، باتت المحافظات الجنوبيّة تتمتّع حاليًّا بالقوّة العسكريّة المتطوّرة ووحدات الشرطة والبنية التحتيّة الأمنيّة الخاصّة بها، وهي مستمدّة إلى حدّ كبير من السكّان المحليّين. كما قد تمكّنت إحدى القيادات السياسيّة الناشئة من تنظيم نفسها بشكل أكثر تماسكًا ممّا كانت تحاول أن تكون عليه في المحاولات الانفصاليّة السابقة.
  • في الماضي، كانت الجماعات الانفصاليّة في الجنوب تعاني بسبب عدم توفّر الدعم الخارجيّ لها. ولقد أصبح الدعم الذي توفّره الإمارات العربيّة المتّحدة حديثًا للاعبين الرئيسيّين على تلك الساحة حاسمًا لجهودهم الرامية إلى التقدّم، إذ يعتقد العديد من الجنوبيّين الآن أنّ هذه الدولة تدعم مساعيهم نحو الاستقلال، على الرغم من أنّها بدورها تنفي هذا الاضطلاع.
  • يبقى جدول أعمال دولة الإمارات غير واضح تمامًا. علمًا بأنّ ثمّة عوامل عديدةً  ـ  بما في ذلك الدور الذي تُؤدّيه في إطار التحالف الذي تقوده السعوديّة للتدخّل في هذا البلد، ونفورها من حركة الإخوان المسلمين، وأولويّاتها الوطنيّة والإقليميّة الأوسع نطاقًا ـ من المحتمل أن يكون لها الأسبقيّة على طموحات الجنوبيّين في اليمن.
  • من المحتمل أن يؤدّي المسار الذي ينتهجه الجنوب حاليًّا إلى محاولة الاستقلال أو الحكم الذاتيّ. وإذا ما بُذل الجهد الفعليّ للانفصال قبل نهاية الحرب الأهليّة، من شأن ذلك تقويض عمليّة السلام التي تقودها الأمم المتّحدة. أمّا إذا ما جرت هذه المحاولة بعد الموافقة على وقف إطلاق النار، يمكن لذلك أن يعيد شرارة الصراع من جديد. حتّى في غياب إعلان استقلال الصريح، تبقى احتماليّة الصراع مع الحكومة المعترف بها دوليًّا في المناطق الجنوبيّة المتنازع عليها  ـ  عدن وشبوة وحضرموت  ـ  عالية.
  • سوف تؤدّي المجموعات الجنوبيّة دورًا هامًّا في تقرير أمن اليمن واستقراره ومستقبله ووحدة أراضيه. غير أنّه ومنذ إطلاق شرارة  الحرب الأهليّة لم يولِ صنّاع القرار الدوليّين الجنوب سوى القليل من الاهتمام، تماشياً مع الموقف الذي لطالما تبنّوه وهو اعتبار المنطقة قضيّة من الدرجة الثانية. ونتيجة لذلك، فإنّ الجماعات الجنوبيّة لا تعتبر رسميًّا من ضمن الجماعات المعنيّة بعمليّة السلام.
  • من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن والحؤول دون تدهور العلاقات مع الحكومة أكثر وأكثر يتعيّن على صنّاع القرار تطوير فهمهم لواقع الأمر في الجنوب بشكل أعمق وتفعيل التواصل مع قيادات الجنوب والعمل على بناء قدرات المجتمع المدنيّ الجنوبيّ ـ تمامًا كما هو متوقّع في باقي البلاد.
  • لقد شكّل تعيين مبعوث خاصّ جديد للأمم المتّحدة، في وقت يبدو فيه الصراع الآخر والأوسع نطاقًا في حالةٍ من الركود، فرصة سانحة لإرساء نهج دوليّ جديد للوساطة في اليمن بشكل عامّ، والقضيّة الجنوبيّة خصوصاً.
  • في حال سادت الرغبة في تفادي الأخطاء التي ارتكبت في خلال الفترة الانتقاليّة بين عامي 2012 و 2014 ما عاد بالإمكان التغاضي عمّا يُعرف بـ «قضيّة الجنوب». في ذلك الوقت، تمكّن الحوثيّون وبدعمٍ من الرئيس السابق عليّ عبد الله صالح من السير جنوبًا نحو صنعاء، ذلك لأنّ أحدًا لم ير فيهم التهديد الفعليّ القادر على التأثير في مسار العمليّة السياسيّة في البلاد. في الواقع، تمكّن الحوثيّون من الاستيلاء على صنعاء في خلال الحرب الحاليّة، حتّى باتت هذه المجموعة حاليًّا تسيطر على مساحات شاسعة من المرتفعات الشماليّة في اليمن والساحل الغربيّ.

 

الرسم الأول: حالة الفوضى في اليمن ـ الانقسامات البنيوية

1. المقدمة

تسبّبت الحرب الأهليّة اليمنيّة التي دامت ثلاث سنوات في إحداث التغيّرات الجذريّة داخل السلطة السياسيّة، بعد أن كانت البلاد عقوداً تحت الحكم المركزيّ الذي سيطر عليه النظام في العاصمة صنعاء. من المحتمل أن تكون «الحقائق  الجديدة والمتطوّرة» على الأرض قادرة على تحديد سياسة البلاد  ونمط حكمها عقوداً قادمة[2].

 لقد أصبح اليمن «دولة فوضويّة» ـ وهي منطقة إمّا انهارت فيها الدولة المركزيّة وإمّا فقدت سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي التي تتحلّى بالسيادة الاسميّة عليها، وحيث صعد اقتصاد سياسيّ تتعاون فيه المجموعات التي تتفاوت فيما بينها درجة الشرعيّة التي تتحلّى بها، حتّى تتنافس بعضها مع بعض[3].

 وفي حين قد تبدو الدول من هذا الطراز إذا ما نظرنا إليها من الخارج وكأنّ الفوضى تعمّها، نجد أنّها في حالة الفوضى العامّة لا تخلو من الاقتصادات والنظم الإيكولوجيّة السياسيّة التي بدورها تتمتّع بنظام داخليّ ومنطق خاصّ بها.

يجد اليمن نفسه اليوم في خضمّ مرحلة التغيير العميق والدائم، بعد أن كان قد شهد تغيّرات في السلطة والهيمنة على مناطقه التي من غير المرجّح أن يكون أيّ اتفاق سياسيّ قادراً على عكسها. إنّ الحروب الأهليّة لا تدمّر البنية التحتيّة المحلّيّة. أو المؤسّسات الرسميّة أو النظام السياسيّ وحسب؛ بل إنّها أيضًا «تساهم في تشكيلها وإنتاجها»[4].

 وإذا ما أراد أحدنا أن يتصوّر الصورة التي قد يبدو عليها اليمن في المستقبل، عليه أن يحاول فهم كيف تغيّر الحرب الأهليّة اليوم هذا البلد.

لقد بات هذا التغيير أكثر وضوحًا وتجليًّا في ما يسمّى «جنوب اليمن» أكثر من أيّ مكان آخر: أي المحافظات الثماني التي شكّلت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة قبل أن تندمج مع الجمهوريّة العربيّة اليمنيّة الشماليّة في عام [5]1990.

 ولقد بدأ الطموح بالحصول على الحكم الذاتيّ في الجنوب يرتفع بشكل ملحوظ بعد تحرير معظم الأراضي الجنوبيّة من يد التحالف بين الحوثيّين وصالح في عام 2015، والذي لم يعد قائمًا اليوم[6]. ومع ذلك، يظلّ الوضع في الجنوب واحدًا من الجوانب الأقلّ خضوعًا للتحليل في إطار الصراع القائم، في ظلّ وجود فراغ مقلق في السياسات حول «قضيّة الجنوب». فيما مضى، كان بإمكان النخب اليمنيّة والمسؤولين الأجانب تجاهل هذه القضيّة، لكن اليوم لم يعد التأجيل خيارًا متاحًا، حتّى وإن كان الصراع يطرح عبئًا على عمليّة السلام ومؤسّسات السياسة الخارجيّة المعنيّة بالشأن في اليمن التي تفتقر إلى الموارد. وعلى حدّ تعبير أحد المراقبين المتمرّسين؛ لقد بات الجنوب «برميل بارود» بانتظار أن ينفجر[7].

منذ أن اندلعت الحرب الأهليّة في عام 2015، أصبح الجنوب يتمتّع إلى حدّ كبير باستقلاليّة عن بقيّة محافظات البلاد. وقد أصبحت الجماعات الانفصاليّة أكثر تنظيماً وأكثر تسلّحًا، في حين أنّ الدعم الذي تقدّمه دولة الإمارات العربيّة المتّحدة للهيئات الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة الرئيسيّة قد أدّى بالعديد من الجنوبيّين إلى الاعتقاد أنّ الاستقلال قد يكون في متناول اليد.

إن من شأن الاندفاع نحو الحصول على الاستقلال قبل الوصول إلى تسوية سياسيّة قادرة على إنّهاء الحرب الأوسع أن يعقّد الصراع أكثر وأن يعطّل عمليّة السلام التي تقودها الأمم المتّحدة حاليًّا. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدّي التصدّع المتزايد بين المجموعات الرئيسيّة في الجنوب إلى المزيد من الصراعات داخل هذه المنطقة.

تفتقر المجموعات الجنوبيّة التي تدعمها دولة الإمارات إلى التجانس وهي لا تحتكر العنف القائم وحدها. ينجم عن التوتّرات القائمة بين القوّات الموالية للرئيس عبد ربّه منصور هادي والجماعات المسلّحة والفاعلين السياسيّين المدعومين من دولة الإمارات التأثير المدمر في الاستقرار في الجنوب وفي الجهود الحربيّة التي يبذلها التحالف السعوديّ ضدّ الحوثيّين بشكل أعمّ. ولقد بيّنت الاشتباكات التي حدثت بين مُوالي هادي والجماعات التابعة للمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ في عدن، العاصمة المؤقّتة لليمن في السنوات الثلاث الماضية، في شهر كانون الثاني من عام 2018، هشاشة الوضع الذي بات يهدّد بأن يتحوّل إلى حرب ضمن الحرب لا تخلو من التداعيات على الصراع الأوسع. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تتضرّر العلاقات بين الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة، وهما اللاعبان الرئيسيّان في التحالف العسكريّ الذي تقوده المملكة والذي يدعم جميع القوّات المناهضة للحوثيّين في اليمن، بسبب تزايد حدة القتال اليمنيّ ـ اليمنيّ في الجنوب.

يخشى سكّان محافظة حضرموت من أن يندلع صراعٌ بين الفئات المدعومة من دولة الإمارات في الجزء الجنوبيّ من المحافظة والوحدات العسكريّة المدعومة إمّا من هادي وإمّا من غيره، بما في ذلك حزب الإصلاح في جزئها الشماليّ. كذلك الأمر، يعتري المراقبين القلق من احتمال أن يتفجّر صراع بين قوّات هادي والوحدات العسكريّة التابعة لحزب الإصلاح المتمركزة في مأرب وشمال محافظة شبوة، من جهة، وقوّات النخبة الشبوانيّة المدعومة من الإمارات العربيّة المتّحدة، من جهة أخرى، وهي التي تنشط في جميع أنحاء المحافظة.

أمّا أجندات القوى الخارجيّة المتعارضة فيما بينها فتشكّل سمة بارزة وإشكاليّة من سمات النزاع الأوسع. إن واحدًا من العوامل التي جعلت دولة الإمارات تدخل حرب اليمن بالإندفاع الذي دخلته فيها هو أملها بتعزيز تحالفها الذي لا ينفك يتعمّق مع المملكة العربيّة السعوديّة. ومع ذلك، فقد أدّى موقف أبو ظبي المعادي من حزب الإصلاح، وهو حزب إسلاميّ سنّيّ سياسيّ يتمتّع بشبكة من الفروع القبليّة والعسكريّة[8]،

 إلى جانب كونه الحليف العسكريّ الرئيسيّ للمملكة العربيّة السعوديّة في الحرب، إلى طرح العديد من التساؤلات حول توافق الأجندات بين البلدين في اليمن، على الرغم من إشارات التقارب التي بانت مؤخّرًا بين دولة الإمارات وحزب الإصلاح.

ولزيادة الطين بلّة، تعمل الولايات المتّحدة بشكل وثيق مع الإمارات العربيّة المتّحدة لتطوير سلسلة من مبادرات مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن والتي تعتمد بشكل شبه كلّيّ على الجماعات الانفصاليّة من أجل طرد المسلحين من المناطق المهمّة استراتيجيًا. ولكنّ هذه الحملة تتمتّع بالقليل من الشفافيّة، حيث خرجت اتهامات بحقّ القوّات الأمريكيّة تقول إنّها زارت السجون التي تديرها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة حيث يقال إنّ أعضاء من حزب الإصلاح يخضعون للاعتقال وسوء المعاملة بشكل تعسفيّ، إلى جانب أعضاء مزعومين من تنظيم القاعدة.

وأخيرًا، تحوّلت محافظة المهرة، وهي المنطقة التي تتزايد فيها عمليّات التهريب بشكل ملحوظ، إلى ساحة للتنافس الخفيّ على النفوذ بين كلّ من دولة الإمارات والمملكة العربيّة السعوديّة وسلطنة عُمان. في حين أنّ السكّان باتوا يخشون من إنشاء الميليشيّات التي تجنّد السكّان المحليّين وغيرهم من السكان الجنوبيّين  الذي من شأنه الدفع بمنطقتهم إلى حالة «التحوّل إلى الميليشيّات» كما هي الحال في باقي محافظات البلاد، ممّا قد يؤدّي إلى الاضطرابات داخل المناطق اليمنيّة التي كانت حتّى هذا الحين مستثناة من التأثير المباشر للحرب.

لاحقًا سوف تلعب المجموعات الجنوبيّة دوراً مهمّاً، سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ، في تقرير مستقبل اليمن وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه. بيد أنّ صنّاع القرار في العالم لم يولوا الجنوب سوى القليل من الاهتمام منذ أن بدأت الحرب الأهليّة وإن فعلوا فإنّهم يركّزون في مفاهيم عفا عليها الزمن تتمحور حول ميزان القوى داخل البلاد. ومن وجهة نظر المسؤولين الغربيّين يندرج الجنوب في أحسن الأحوال في آخر جدول أعمالهم[9].

في الوقت الذي كتبت فيه الدراسة لم تكن عمليّة السلام التي تقودها الأمم المتّحدة توفّر التمثيل للجماعات الجنوبيّة أو غيرها من الفاعلين المحلّيّين في محادثاتها، في حين أنّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة لا تشير إلى حركة الاستقلال الجنوبيّة سوى عند الدعوة إلى الإبقاء على الوحدة الوطنيّة. أمّا مبادرة المسار الثاني التي شارك فيها الجنوبيّون فلم تكن قد بلغت المرحلة المتقدمة الكافية التي تسمح بإشراكهم في عمليّة سلام أوسع في المستقبل القريب.

هذه القضيّة ليست بالجديدة. فعلى مدى السنوات كانت الأهمّيّة التي منحت لقضيّة الجنوب أقلّ من تلك التي منحت لمكافحة الإرهاب أو للاقتتال الداخليّ في صنعاء أو صعود الحركة الشيعيّة الزيديّة الحوثيّة. ويعود السبب في هذا في جزءٍ منه إلى انعدام التماسك بين الجماعات المؤيّدة للاستقلال في الجنوب في الماضي إلى الطبيعة السلميّة للحركة الانفصاليّة في الماضي أيضاً.

يجب على التاريخ الحديث أن يمنح صنّاع القرار في العالم وقفة للتفكير. حيث كان الاعتقاد السائد في عام 2014 أنّ أهمّ مراكز السلطة في اليمن كانت تتمثّل في علي عبد الله صالح، الرئيس اليمنيّ السابق وحزب الإصلاح. في ذلك الوقت، رأت معظم التحليلات في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة التهديد الأعظم على النظام الهشّ السائد. مع ذلك، في عام 2014، كان الحوثيّون وبدعمٍ من صالح هم من عزّزوا عمليّة الانتقال السياسيّ التي أعقبت الإطاحة بصالح في نهاية عام 2011 (انظر أدناه). اليوم، لا تزال البلاد تتقلّب أبعد من الخطوط الأماميّة للحرب، في حين أنّ المعركة التي جرت في شهر كانون الثاني عام 2018 من أجل السيطرة على عدن، بين القوّات التابعة للمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ والموالين لهادي، كان لها الأصداء المزعجة نفسها التي نتجت من استيلاء الحوثيّين عليها قبل ثلاث سنوات ونصف، ليس أقلّها أن يؤخذ المسؤولون الأجانب الذين من المفترض بهم مراقبة اليمن عن كثب على حين غرّة.

تعدّ الورقة البحثيّة هذه التي وضعت بين شهري آب 2017 وشباط 2018 جزءًا من مشروعٍ على نطاق أوسع يتناول اليمن، وقد أجراه برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. ولقد صمّمت الدراسة لكي ترافق الورقة البحثيّة التي صدرت في شهر كانون الأول 2017 تحت عنوان  اليمن: الفوضى الوطنيّة، النظام المحلّيّ، (Yemen: National Chaos, Local Order ) والتي منها تستمدّ الإطار المفاهيميّ. وهي توفّر بعض السياق حول الديناميّات التاريخيّة في الجنوب، وتضع المنطقة وسياستها ضمن الصراع الأوسع في اليمن، وتحلّل اللاعبين الرئيسيّين والديناميّات الداخليّة قبل أن تحدّد سلسلة من المقترحات التي نتجت من اجتماع ضمّ صنّاع القرار ومحلّلين خبراء وأصحاب مصالح يمنيّين استضافتهم تشاتام هاوس في الأردن في شهر تشرين الأوّل من عام 2017.

2. «قضيّة الجنوب» اليمنيّة في إطارها: توقّعات متقطّعة ومشاعر انفصاليّة

في عام 1990  اندمجت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة الجنوبيّة بعد 23 سنة على قيامها مع الجمهوريّة العربيّة اليمنيّة الشماليّة. قبل التوحيد، حاولت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة الجنوبيّة في خلال عقدين من الزمن أن تحقّق ما حاولت بشدّة المملكة المتّحدة، التي ظلّت القوّة الاستعماريّة في الجنوب حتّى عام 1967، أن تحقّقه على مدار الـ 130 عامًا السابقة: ألا وهو توحيد مجموعة غير متجانسة من الإمارات والسلطنات والقبائل ضمن كيان متجانس يتمحور حول ميناء عدن، وهو عبارة عن مركز تجاري دوليّ شديد الأهمّيّة ومقرّ الإدارة البريطانيّة المحلّيّة[10].

 وكما  يكتب المؤرّخ بول دريش قائلاً: «بالنسبة لمعظم الوجهاء [الجنوبيّين] ... كان الرابط الحقيقيّ الوحيد الذي يجمعهم بعدن قبل الحرب العالميّة الأولى يتمثّل في زيارة سنويّة يقومون بها لتحصيل راتب صغير وتلقّي هبة من البنادق والذخائر يقدّمها البريطانيّون[11]».

 وفي خضمّ تحضيرهم لمغادرة المنطقة، أنشأ البريطانيّون اتّحاد جنوب الجزيرة العربيّة في عام 1959. في أوائل الستينيّات، رفضت السلطنة الشرقيّة المؤلّفة من محافظتي المهرة وحضرموت الانضمام إلى الاتّحاد الفيدراليّ، في الوقت الذي كانت فيه مدينة عدن، التي لا تزال حتّى الآن منطقة ذات ثقل، قد وافقت فقط على المشاركة تحت الإكراه. علمًا بأنّ العديد من المناطق في الجنوب، مثل يافا، التي تشكّل ما يُعرف اليوم بمحافظتي لحج وأبين، كانت مستقلّة وغير قابلة للاختراق إلى حدّ كبير طوال فترة الحكم البريطانيّ المباشر.

في عام 1967، انسحب البريطانيّون من الجنوب بعد مواجهة مع حركة استقلال متصاعدة بقيادة الجبهة القوميّة العربيّة لتحرير اليمن المحتلّ وجبهة التحرير الوطنيّة شبه الماركسيّة، واللتين دخلتا في صراع على السلطة[12].

 ولقد برزت هذه الأخيرة باعتبارها قوّة مهيمنة على الأرض، وأعلنت تشكيل الجمهوريّة الشعبيّة في جنوب اليمن، التي أصبحت فيما بعد تُعرف بجمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة. ولقد استطاعت هذه الدولة الجديدة أن تنزع من بال الأمراء والسلاطين والشيوخ الأثرياء الذين كانوا قد ازدهروا تحت الحكم البريطانيّ، رغبة الاستيلاء على أراضيها. وقد انتقل الكثيرون منهم إلى دول الخليج، ولا سيّما المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، حيث أصبحوا أثرياء وأصحاب النفوذ في بلدانهم الجديدة.

اجتازت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة ذات السياسة الاشتراكيّة الأزمات المبكّرة، بما في ذلك محاولة الانفصال التي قامت بها حضرموت، التي اعتبر سكّانها (والذين يصحّ القول إنّهم لا يزالون يعتبرون) أنفسهم متميّزين عن بقيّة الجنوب. تدخّلت هذه الدولة الاشتراكيّة في الحركات الثوريّة الإقليميّة، وخصوصاً في دعم الجبهة الاشتراكيّة الشعبيّة لتحرير عُمان والخليج، والتي لعبت دورًا رئيسيًّا في تمرّد ظفار في عُمان، والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. كما دعمت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة الجماعات اليساريّة الناشطة في شمال الجمهوريّة العربيّة اليمنيّة، والتي كانت قد قامت بثورتها الخاصّة في أعوام الستينيّات، بينما دعمت الجمهوريّة العربيّة اليمنيّة بدورها حركات التمرّد في الجنوب.

جاء الدعم الخارجيّ لجمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة من الاتّحاد السوفيتيّ وألمانيا الشرقيّة والصين. وفي النتيجة نظرت الملكيّات في شبه الجزيرة العربيّة إلى الأمر على اعتباره تهديداً شيوعيّاً وجوديّاً للنظام السائد في تلك المنطقة والقائم على الحكم الملكيّ الاستبداديّ. كما ساهم صعود الجمهوريّات العربيّة في الجزائر ومصر والعراق وليبيا وشمال اليمن، في أعقاب الإطاحة بالملوك الأوروبيّين المدعومين من الولايات المتّحدة، في تفاقم هذا التهديد المحدق.

لقد حمل الصراع على الحدود والمخاوف الكبيرة حيال ماهيّة دور الدولة العربيّة الاشتراكيّة الناجحة المملكة العربيّة السعوديّة على تقديم الدعم الخجول للجماعات المتمرّدة في جنوب اليمن والتي كانت ترعاها القيادات في شمال البلاد ـ التي تصالحت معها الرياض على مضض في أعوام السبعينيّات بعد أن دعمت قضيّة الملكيّة خلال الحرب الأهليّة الشماليّة[13].

 بالموازاة،  دعمت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة التمرّد ضدّ الدولة الشماليّة  في  وسط  اليمن، وبالتالي اندلعت بين اليمنيّين حروب   على الحدود  بين  عامي 1972 و [14]1979.

كما تعرّضت جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة إلى انشقاقات داخليّة. وفي هذا المجال يكتب نويل بريهوني، وهو خبير بارز في شؤون جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة قائلاً: «على الرغم من أنّ الحملة كانت مناهضة للقبليّة إلّا أنّ الشخصيّات القياديّة فيها... بَنَت سلطتها على التحالفات القبليّة في المناطق التي يتحدّر منها كلّ منها، وهي في الغالب الإمارات الموروثة في جنوب الجزيرة العربيّة، وذلك من خلال الرعاية التي تمثّلت في توفير وظائف في الجيش والقوّات الأمنيّة و المؤسّسات المدنيّة»[15].

وفي محافظتي لحج وأبين ـ اللتين لعبتا الدور الحاسم في تشكيل جبهة التحرير الوطنيّ ـ أصبح بعض الأفراد من بين القادة السياسيّين والعسكريّين الرئيسيّين في جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة، في حين أنّ العديد من كبار قادة المكتب السياسيّ كانوا يتحدّرون من شمال اليمن، الذي كان مصدرًا لعدم الثقة بين العديد من الجنوبيّين. في عام 1986، أدّت بعض التوتّرات بين فصيلين مختلفين ـ أي المحور الذي يضمّ الضالع ـ لحج  ـ حضرموت، والمحور المنافس الذي يضمّ محافظات أبين ـ  شبوة إلى حرب أهليّة قصيرة المدّة ولكن دمويّة النتائج حملت أتباع الزعيم الأبيانيّ علي ناصر محمّد على الفرار إلى الشمال. أمّا المنازعات الناجمة عن هذا الصراع، التي نناقش تفاصيلها أدناه، فلا تزال أصداؤها تتردّد حتّى اليوم.

إلى جانب الانهيار الذي كان يشهده الاتّحاد السوفييتي آنذاك، بعد أن كان يوفّر للدولة الاشتراكيّة في الجنوب الدعم الكبير، فقد تركت الحرب الأهليّة التي وقعت في عام 1986 جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة على حافة الإفلاس. أمّا القيادات الجديدة فباتت مقتنعة بأنّ الاتّحاد المطروح منذ زمن مع الشمال الأكثر اكتظاظاً بالسكّان كان يصبّ في مصلحة الجنوب. في الأوّل من شهر كانون الأوّل عام 1989، وقّع الأمين العامّ للحزب الاشتراكيّ اليمنيّ في الجنوب، علي سالم البيض على عجل اتّفاق وحدة مع رئيس الشمال صالح. وتقول المصادر إنّ كلّاً من الرجلين كان يعتقد أنّ بإمكانه أن يخدع الآخر: البيض من خلال مخاطبة الغريزة الاشتراكيّة السائدة في شمال اليمن، وصالح باللجوء إلى سياسة فرق تسدّ التي سبق أن خدمته كثيرًا في الشمال على مدى 12 عامًا.

ظلّت الفكرة السائدة على مدى سنوات طويلة أنّ الحلّ الوحيد للمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي لا تعدّ ولا تحصى في اليمنيّين يكمن في الوحدة، ولكن ما لبث الجنوبيّون أن راحوا يشكّكون بجدوى االوحدة بعد فترة وجيزة من الارتياح. لقد كان مأخذهم أن الشماليّين يسيطرون على مفاصل الحياة السياسيّة والاقتصاديّة في الدولة الموحّدة حديثًا في حين أنّهم هم يتعرّضون للتهميش. كان جزءًا من  الاستراتيجيا التي اعتمدها البيض عند الموافقة على الوحدة هو تعزيز وجود الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ في الشمال وكسب السلطة من خلال صناديق الاقتراع، لكنّ الانتخابات البرلمانيّة التي جرت في عام 1993 شهدت أداءً قويّاً من حزب المؤتمر الشعبيّ العامّ الشماليّ الحاكم وحلفائه في حزب الإصلاح الذي أُخرج من المؤتمر الشعبيّ العامّ قبل الانتخابات لتعزيز التصويت القبليّ والإسلاميّ. علاوة على ذلك، أصبح مسؤولو الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ في الفترة التي سبقت الإنتخابات هدفاً لحملة من الاغتيالات وقعت في شمال البلاد وجنوبها، والتي يُقال إنّ الرئيس علي عبد الله صالح كان يقف وراءها.

في العام التالي، أعلن القادة السياسيّون في الجنوب عن نيّتهم التخلّي عن الوحدة. وبالتالي نشبت حرب أهليّة قصيرة ووحشيّة من الرابع من شهر أيار حتّى السابع من شهر تموز من عام 1994، حيث انتصر بها التحالف بين المجموعات الشماليّة المكوّنة من القوّات العسكريّة التقليديّة والميليشيّات القبليّة والمجاهدين الذين كانوا قد عادوا مؤخّراً من أفغانستان[16].

 من جانبه، دعم الأمين العامّ السابق لجمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة والذي كان قد خسر حرب عام 1986، علي ناصر محمّد، الشمال كما فعل العديد من الضباط الموالين له (من بينهم الرئيس الحاليّ، عبد ربّه منصور هادي، الذي كان يتولّى حقيبة وزارة للدفاع في خلال الصراع).

أمّا المملكة العربيّة السعوديّة فقد دعمت الانفصاليّين الجنوبيّين إن بالمال أو بالأسلحة،  رغبة منها إلى حدّ كبير في الانتقام من رفض صالح إدانة معلمه صدام حسين في غزوه للكويت في عام 1990. لكن سرعان ما خسر الجنوبيّون الحرب وفرّ البيض إلى المنفى في لبنان حيث استمرّ بتسمية نفسه قائدًا لجنوب اليمن وبالدعوة إلى الاستقلال. جرى تعيين هادي نائبًا لرئيس اليمن الموحّد، ليحلّ بذلك محلّ البيض.

لقد تسبّبت التكتيكات التي استخدمها الشماليّون في أثناء النزاع، بما في ذلك اللجوء إلى المقاتلات في عدن، بإلحاق الأضرار الجسيمة بالبنيّة التحتيّة الجنوبيّة. وإلى جانب إجبار المسؤولين العسكريّين وموظّفي المؤسّسات المدنيّة الذين حكموا في حقبة جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة على التقاعد القسريّ وإعادة توزيع الأراضي التي كانت في حوزة الدولة (والتي كانت العائلات النافذة من ملاكي قبل الاستقلال تطالب بها أيضاً) على الموالين للنظام في صنعاء، ما اعتبره الجنوبيّون سرقة للموارد الطبيعيّة في مناطقهم ممّا فاقم شعورهم بالظلم. (أصبح اليمن منتجًا لا بأس به للنفط في التسعينيّات، حيث تمركزت نسبة كبيرة من الإنتاج في حضرموت وشبوة.)

في عام 2006، قام التحالف بين ضباط سابقين في الجيش الجنوبيّ ممّن كانوا قد أجبروا على التقاعد بعد حرب 1994 بتنظيم احتجاجات ضدّ المعاشات التقاعديّة المنخفضة والنقص في الوظائف. في العام التالي، بدأت الجهود تتظافر من أجل تشكيل حركة سياسيّة متماسكة كان هدفها الأساسيّ هو الاستقلال[17].

 في حين تزايد القلق بشأن الرغبة في الانفصال في العاصمة، وعدم تبلور الحراك الجنوبيّ بشكل واضح والتركيز في ملفّات أكثر إلحاحًا ـ بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة وصعود الحركة الحوثيّة المتشدّدة ومشاكل الاقتصاد الكلّيّ والتوتّرات في صفوف النخب ـ باتت الطبقة الحاكمة في صنعاء والدبلوماسيّون الأجانب ينظرون إلى حركة الاستقلال باعتبارها قضيّة من الدرجة الثانية في أفضل الأحوال.

قد يكون لاعتماد «الحراك الجنوبيّ» على مجموعة من القادة الذين تقدّم بهم العمر، الذين بات يعيش معظمهم خارج اليمن بينما لا تزال في خاطرهم الضغائن التي كانت حامية في خلال الستينيّات والسبعينيّات والثمانينيّات، إلى جانب التزامه الواسع بالاحتجاج السلميّ، قد حدّ من شعور اليمنيّين وصنّاع القرار في العالم بأهمّيّة هذه القضيّة. كافح الجنوبيّون للعثور على داعم خارجيّ يخدم قضيّتهم، على الرغم من أنّ بعض الشخصيّات الضالعة في النظام والمسؤولين الغربيّين زعموا أنّ إيران كانت تدعم البيض وبعض مؤيّديه داخل اليمن، بما في ذلك الجماعات المسلّحة المزعومة في الضالع، من خلال تقديم بعض الأموال. وفي الوقت نفسه، أيّد بعض قادة الجنوب نظام صالح، أو على الأقلّ تعاونوا معه، بما في ذلك أعضاء من الطبقة الأرستقراطيّة ورجال الأعمال في حضرموت وشبوان ممّن انخرطوا في المؤتمر الشعبيّ العامّ وحزب الإصلاح.

في عام 2011، خرج اليمنيّون، ممّن ألهمتهم الانتفاضات التي كانت قد انطلقت في بلدان أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى الشوارع أولاً للمطالبة بالإصلاح ثم لطرد نظام صالح. وبعد الهجوم الذي حدث في شهر آذار من عام 2011 على المتظاهرين والذي خلف العشرات من القتلى والمئات من الجرحى، أعلن حزب الإصلاح، الذي كان حتّى ذلك الحين اللاعب الرئيسيّ في النظام، انضمامه إلى جانب ما أصبح يعرف في ما بعد بالثورة اليمنيّة. من بين أولئك الذين انفصلوا عن النظام، نذكر عليّ محسن الأحمر، وهو قائد عسكريّ مرتبط بحزب الإصلاح وذو ميول إسلاميّة، والذي كان يرى فيه بعضهم في فترة من الفترات ثاني أقوى رجل في اليمن، إلى جانب أعضاء من آل الأحمر، وقادة الاتّحاد القبليّ الكونفدراليّ المهمّ وبعض الأعضاء المؤسّسين في حزب الإصلاح.

وسرعان ما جرى احتواء الانتفاضة نتيجة لاقتتال النظام، حيث قاتل الموالون لصالح في وجه الجماعات العسكريّة والقبليّة المرتبطة بحزب لإصلاح في صنعاء ومدينة تعز. وخوفًا من الانهيار التامّ للدولة ممّا من شأنه تثبيت قدم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة، سارعت الدول الغربيّة والخليجيّة إلى التدخّل إلى جانب إرسال الأمم المتّحدة مبعوثًا لها هو جمال بن عمر للتوسّط من أجل السلام. وفي إطار ما يسمّى بـ«مبادرة مجلس التعاون الخليجيّ» جرى إقناع صالح أخيرًا في شهر تشرين الثاني من عام 2011 بالتنحّي وتسليم السلطة إلى هادي، الذي ظلّ نائبًا له ما يقرب من 20 عامًا. تضمّنت خطّة السلام مرحلة من سنتين للانتقال إلى الديمقراطيّة يتولّى هادي مهمّة الإشراف عليها وهو الذي عيّن رئيسًا بعد انتخابات من مرشّح واحد جرت في شهر شباط [18]2012.

  في البداية، كانت الجماعات الجنوبيّة قد وافقت على الانتفاضة، ولكن مع دخول حزب الإصلاح على المشهد تضاءل دعمها للحراك، حيث وصف العديد من الانفصالييّن الاختلافات بأنّها «صراع جنوبي» يشكّل دليلاً آخر على ضرورة منح الجنوب الأكثر مسالمة فرصة الحصول على استقلاله.

خلال الفترة الانتقاليّة السياسيّة بين عامي 2012 و 2014 جرت محاولات لدمج الأصوات الجنوبيّة في التيار السياسيّ الرئيسيّ، ولا سيّما من خلال مؤتمر الحوار الوطنيّ[19] وتشكيل لجان لمناقشة التعويض عن الأراضي والتقاعد القسريّ. لكنّ العديد من الجنوبيّين شعروا أنّهم محرومون من حقوقهم أثناء هذه الفترة تحديداً أكثر ممّا كانوا قبلها، بحيث رفض معظم قادة الحراك الجنوبيّ المشاركة في هذه اللجان. وما عزّز هذا الشعور بعدم الراحة والحماسة هو انعدام التنظيم وعدم اهتمام الدبلوماسيّين الأجانب الواضح بقضيّة الجنوب وقرار الرئيس هادي تعيين ممثّلين عن الجنوب يختارهم هو بنفسه للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطنيّ ـ الذين كانوا قد انفصلوا بأغلبهم عن المؤيّدين الأساسيّين للحراك الجنوبيّ[20].

بحلول عام 2011، أصبح العديد من الجنوبيّين الشباب ـ إذ حوالىَ ثلثي سكّان اليمن ولدوا بعد ميثاق الوحدة الذي وُقّع عام 1990 ـ محبطين من القيادات القديمة للحركة الاستقلاليّة، والتي كانت تتألّف في معظمها من قادة حقبة جمهوريّة اليمن الديموقراطيّة الشعبيّة، في حين أنّ الكثير منهم كان يقيم خارج اليمن[21].

 قبل أن تندلع الحرب الأهليّة في عام 2015، ازداد نشاط الحركات الأهليّة في الجنوب حتّى باتت تتبنّى الخطاب العسكريّ أكثر فأكثر. علمًا بأنّه على مدار عام 2014، كان الناشطون الشباب في المنطقة قد انطلقوا بتشكيل مجموعات في الأحياء تهدف إلى منح الانفصاليّين السيطرة الفعليّة على الأراضي على المستوى المحلّيّ. وبالنظر إلى التقدّم الحوثيّ في الشمال، حذّر أعضاء هذه المنظّمات من احتمال قيام انتفاضة مسلّحة[22].

3. اليمن والحبّ: انتقال في السلطة

استطاعت الحرب الأهليّة أن تعزز وبشكل كبير قدرة الجنوب على المساومة ومكانته داخل الهيكليّة السياسيّة اليمنيّة. فخلال الأيّام الأولى من النزاع، تمكّنت الميليشيّات الجنوبيّة المحدودة من حيث التنظيم من طرد تحالف المتمرّدين الحوثيّين والقوّات الموالية لائتلاف صالح خارج أراضيها، وذلك بدعم من القوّات الخاصّة والتقليديّة، بما في ذلك القوة الجوية، القادمة من الإمارات العربيّة المتّحدة.

في وقت لاحق، أطاحت القوّات المدعومة من الإمارات في حضرموت بمقاتلي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة من مدينة المكلا الساحليّة الواقعة في الجنوب الشرقيّ. كما لعب الجنوبيّون دوراً رئيسيّاً في الحملة العسكريّة التي قادتها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة على طول الساحل الغربيّ اليمنيّ (تأتي أنشطة دولة الإمارات في الجنوب ضمن مظلّة التحالف الواسعة، إنّما التخطيط لها وتنفيذها يكون مستقلّاً عن رقابة السعوديّة)[23].

 وعلى أثر اغتيال عليّ عبد الله صالح في شهر كانون الأوّل من عام 2017، الذي كان تحالفه مع الحوثيّين قد سقط في وقت سابق من ذلك الشهر، دخلت القوّات الجنوبيّة المتحالفة مع الرئيس هادي حي بيحان في محافظة شبوة القريبة من مأرب المجاورة.


المستند الأول: القوّات المدعومة من دولة الإمارات في جنوب اليمن

منذ عام 2015، ركز المسؤولون الإماراتيّون في اليمن على تحضير قوّات الأمن المحلّيّة وتجهيزها وتدريبها  إذ يرون أنّها قادرة على المساعدة في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة للتحالف، كما أنّها تتماشى بشكل عامّ مع نظرة دولة الإمارات في مجال السياسة العالميّة. كما قامت الإمارات في جميع أنحاء الجنوب بتدريب قوّات الشرطة المحلّيّة وتوفير المعدّات لها. وفي موازاة برنامج الإمارات العربيّة المتّحدة هذا يأتي برنامج التدريب والتجهيز الذي تعتمده الولايات المتّحدة في سوريا، ويمكن القول أيضًا في تجهيز قوّات الحشد الشعبيّ في العراق. كما يتشارك برنامج الإمارات العربيّة المتّحدة بعض التناقضات التي تعانيها هذه المبادرات في العمق، ومن أبرزها أنّ كبار حلفاء دولة الإمارات هم من الجماعات السلفيّة التي قد يبدو لنا أنّها تتعارض مع الخطاب العامّ الذي تتبنّاه الدولة بشأن الترويج للاعتدال الدينيّ وقادتها المحلّيّين الذين يعلنون في السرّ وفي العلن أنّ هدفهم هو الاستقلال على عكس ما يبديه التحالف من التزام معلن بالوحدة في اليمن.

في الوقت الحاليّ تنقسم قيادة القوّات المدعومة من الإمارات العربيّة المتّحدة في جنوب اليمن بصورة عامّة إلى فرقتين. ففي لحج وعدن وأبين تعتبر وحدات الحزام الأمنيّ شبه العسكريّ التي تتولّى مهامّ الجيش والشرطة في الوقت عينه القوّة الرئيسيّة على الأرض وهي تحت إشراف منير محمود المحشالي وأصله من عدن (المعروف باسم أبو اليمامة) في حين يديرها بعض القادة المحلّيّين. وتكمّل هذه المجموعات شبه العسكريّة، التي يُشار إليها بوصفها حزاماً أمنيّاً وقوّات فرقة الدعم في الوقع عينه، هيئات من الشرطة والأمن المحلّيّة مدعومة إلى حدّ كبير من شخصيّات تساندها الإمارات العربيّة المتّحدة. أضف إلى ذلك أنّ الحملة العسكريّة التي انطلقت من عدن من أجل الاستيلاء على الساحل الغربيّ لليمن وبصورة أدقّ ميناء الحديدة من أيدي الحوثيّين كانت أيضًا برعاية من مسؤولين إماراتيّين، فهي كانت تحت قيادة مقاتلين مدعومين من دولة الإمارات من لحج ومنطقة تهامة الواقعة على الساحل الغربيّ، ويقودهم حميد شكري الصبيحي بشكل مباشر، وهو قائد عسكريّ من لحج.

أمّا المحور الثاني فقيادته تتم من المكلا وهو يشتمل على قوّات النخبة في شبوة وحضرموت، علمًا بأنّ محافظ هذه الأخيرة، فرج سالمين البحسني، هو أحد القادة الكبار في قوّات النخبة في حضرموت التي كانت في الأصل تخضع للتدريب خارج اليمن قبل أن يجري نشرها للاستيلاء على المكلا من أيدي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة في نيسان عام 2016. أمّا قوّات النخبة الشبوانيّة فهي تحت قيادة محمّد القميشي وانطلاقًا من شهر آب عام 2017 كانت هذه القوّات تتقدّم ببطء شمالاً نحو الأراضي التي يحتلّها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة.

أضف إلى ذلك، ثمّة غيرها من الوحدات العسكريّة الواقعة تحت قيادة مركز التنسيق التابع للجيش الوطنيّ اليمنيّ بقيادة هادي في مأرب، في حين أنّ لحكومة هادي أربعة ألوية من قوّات الحرس الرئاسيّ، تُعرف مجتمعةً بالحرس الرئاسيّ وهي تتمركز في عدن بصورة أساسيّة حول القصر الرئاسيّ على التخوم الجنوبيّة الشرقيّة للمدينة وكذلك في محيط القاعدة العسكريّة والميناء القريبين. كذلك الأمر، يتولّى وزير الداخليّة في حكومة هادي، أحمد الميسري ونائبه عليّ ناصر لخشع، الذي يتولّى مهامّه انطلاقًا من عدن، قيادة بعض قوّات الشرطة والقوّات شبه العسكريّة. ومن غير الواضح إلى أيّ مدى تتعاون الوحدات التي يقودها الجيش الوطنيّ والقوّات المدعومة من دولة الإمارات جميعاً، فقد وقعت بينهما العديد من الاشتباكات في عدّة مناسبات، وهو ما نتطرّق إليه بالتفصيل من محاور أخرى من هذه الورقة البحثيّة.


بشكل عامّ، يمكن القول إنّ القوّات الجنوبيّة حقّقت بعضًا من المكاسب الإقليميّة القليلة منذ بدء الصراع، أمّا القتال في أماكن أخرى فيظلّ ثابتًا إلى حدّ كبير. عند كتابة هذه الدراسة، كانت المجموعات الجنوبيّة تسيطر بدرجات متفاوتة على جميع المحافظات الثماني التي يتألّف منها «الجنوب»، بما في ذلك بعض الأراضي الواقعة في محافظتي تعز والحديدة «الشماليّتين». وفي الوقت نفسه، حافظ الحوثيّون على وجودهم في عدّة محافظات جنوبيّة  ـ  في كرش (محافظة لحج) ودمت (محافظة الضالع) ومكيراس (محافظة أبين) ـ في حين أنّ وجودهم في شبوة يُعتبر حاليًّا محدودًا. هدَف تحالف الحوثيّين وصالح أينما وُجد في مدن الجنوب إلى الحفاظ على المواقع التي تضمن الوصول إلى طرق التجارة والتهريب، بدلاً من محاولة شنّ غارات جديدة على المناطق.

بعد ربع قرن من السيطرة المركزيّة المتزايدة من صنعاء، تتمتّع المحافظات الجنوبيّة حاليًّا بالبنية التحتيّة العسكريّة والشرطيّة والأمنيّة الخاصّة بها المستمدّة إلى حدّ كبير من السكّان المحلّيّين. ولقد تمكّنت إحدى القيادات السياسيّة الناشئة والمرتبطة ارتباطًا وثيقَا بالبنية العسكريّة والأمنيّة الجديدة من تنظيم نفسها بشكل أكثر تماسكًا ممّا كان عليه الحراك الجنوبيّ في السابق، والذي كان يعتمد بشكل كبير على مكانة الشخصيّات المنفية التي تقدّمت بها السنّ ممّن كافحوا من أجل المحافظة على تماسكهم وعلى رؤيتهم السياسيّة بما يتجاوز مطالب الاستقلال الفضفاض. وحديثًا يمتاز التنظيم الداخليّ لحركة الاستقلال بالمزيد من التماسك ـ وإن لم تكن بالضرورة مستقرّة أو ذات شعبيّة بين الناس  ـ   إلى جانب المنصّة السياسيّة الدقيقة الأهداف، وهي تنشط حاليًّا بعمل ملموس على الأرض يتمثّل في تشكيل الهيئات الأمنيّة والحوكمة الجديدتين اللتين من المرجح أن تؤدّيا إلى الحكم الذاتيّ في هذه المنطقة كحدّ أدنى.

في الواقع يمكن لنا أن نُرجع مهمّة تشكيل الوحدات الأمنيّة والسياسيّة الجديدة في الجنوب في جزء كبير منه إلى الدعم الذي تقدّمه دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، التي لم تتأخّر في تدريب الوحدات العسكريّة وقوّات الشرطة وقوّات الحزام الأمنيّ وقوّة النخبة وتجهيزها، إضافةً إلى بعض الميليشيّات المحدودة من حيث الحجم والنشاط. كما قامت الإمارات ببناء القدرة لدى كبار القادة المحلّيّين وبتمويلهم ودعمهم، ولاسيّما أولئك المنتمين إلى المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، الذي جرى تشكيله في شهر أيّار عام 2017.

ومع ذلك تبقى الأجندة التي ترسمها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة في جنوب اليمن غير واضحة المعالم، إذ يؤمن العديد من الجنوبيّين بأنّها تدعمهم في رغبتهم في الانفصال، لدرجة أنّ نفوذها المتنامي وعلاقتها الوثيقة بالزعماء الانفصاليّين أدّيا إلى تزايد حدّة التوتّرات مع حكومة الرئيس هادي المدعومة بدورها إلى حدّ كبير من المملكة السعوديّة. غير أنّ المسؤولين الإماراتيّين يصرون على عدم اهتمامهم برعاية استقلال الجنوب[24].

أمّا خلف الأبواب المغلقة، فيتساءل قادة الإمارات العربيّة المتّحدة عن أهليّة هادي لقيادة البلاد، إذ يشكّكون بشدّة في علاقته مع حزب الإصلاح[25] الذي تُعتبر بعض الفروع التابعة له ذات أهمّيّة حاسمة في الحرب ضدّ الحوثيّين في شمال البلاد[26]. وبدوره يتّهم هادي الإمارات بأنّها «تتصرّف مثل قوى الاحتلال»[27].

الرسم الثاني: جنوب اليمن ـ اللاعبون الرئيسيون السياسيون والعسكريون

في شهر شباط 2017، اندلع القتال بين أعضاء من الحرس الرئاسيّ والقوّات الانفصاليّة المدعومة من الإمارات العربيّة المتّحدة والتي تسيطر على مطار عدن الذي حاول رجال هادي الاستيلاء عليه. ولم ينته القتال إلّا عندما قامت طائرة أباتشي إماراتيّة بتدمير شاحنة تابعة للحرس الرئاسيّ. وفي شهر كانون الأوّل، أي بعد وفاة صالح بوقت قصير، التقى وليّ عهد أبو ظبي محمّد بن زايد زعماء من حزب الإصلاح في الرياض في إطار ما رأى فيه الكثيرون كسراً للجليد وخطوة نحو موقف موحّد يتبنّاه التحالف الذي تقوده السعوديّة حيال الصراع. (في الشهر نفسه أنكر حزب الإصلاح أن تكون له أي صلات أو ارتباطات بالإخوان المسلمين على أمل بناء العلاقات الأمتن مع دولة الإمارات). لكن في شهر كانون الثاني عام 2018، تجدّدت الأعمال القتاليّة في عدن بين القوّات التابعة للمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ والحرس الرئاسيّ التابع لهادي، حيث انتصر الانفصاليون وحاصروا القصر الرئاسيّ. مرّة أخرى، تدخّلت المملكة العربيّة السعوديّة في محاولة منها لاحتواء أعمال العنف، ولكن عند كتابة هذا التقرير كانت المواجهات لا تزال من دون حلّ.

4. تحليل بنيوي: اللاعبون الأساسيّون والديناميّات الداخليّة

تعتبر هذه الورقة البحثيّة جزء من مشروع تشاتام هاوس الأشمل الذي يحدّد معالم الاقتصاد السياسيّ والجغرافيا السياسيّة اللذين نشأ نتيجة الحرب الأهليّة في اليمن. يتمثّل أحد الأهداف المركزيّة للمشروع في تحديد مناطق السيطرة السياسيّة والحوكمة والنشاط الاقتصاديّ في جميع أنحاء البلاد.

ثمّة العديد من السمات المشتركة التي نراها تتكرّر في الجنوب، على سبيل انتشار الرغبة في الانفصال. إنّما لكي نفهم النسق والأنظمة التي تؤدّي إلى «حالة الفوضى» القائمة حاليًّا لا بدّ لنا أيضًا من تقييم الديناميكيّات على مستوى المحافظات والمدن كلّ على حدة قبل أن نتمكّن من الغوص في الانقسامات الداخليّة والنقاط التي من المحتمل أن يبدأ معها النزاع. في حين يحلو للبعض أن يرى «الجنوب» باعتباره وحدة متجانسةً إلى حدّ كبير نجد على أرض الواقع أنّ ثمّة فرقاً شاسعاً من وجهة نظر السياسة والهويّات والرؤية العالميّة بين أولئك الذين يعيشون في الجنوب أولئك الذين يشكّلون الحراك الجنوبيّ. فالجدير أنّ العديد من الشخصيّات التي برز اسمها منذ بداية الحرب لا تعتبر ذات ثقل رئيسيّ في حراك ما قبل الحرب. وفي ما يلي نستعرض تحليل هيكليّ للمناطق بحسب تقسيمها في الوقت الحاليّ وللاعبين الرئيسيّين وتفاعلهم بعضهم مع بعض. علمًا بأنّنا قد أوضحنا هذه الهيكليّة بمزيد من التفصيل في الخريطتين المرفقتين رقم 2 ورقم 3 حول الجنوب وعدن.

الضالع ولحج

في حين كانت حركة الاستقلال سلمية إلى حدّ كبير قبل عام 2015، بدأت بعض الجماعات في كلّ من الضالع ولحج[28] (وهي منطقة مضطربة بشكل ملحوظ كانت تقع تحت الحكم البريطانيّ وتشكّل مركزًا مهمًّا لتجنيد ضبّاط الجيش في ظلّ جمهوريّة اليمن الديموقراطيّة الشعبيّة) منذ منتصف التسعينيّات تتبنّى موقفًا متشدّدًا. ومع تفاقم المواجهات في خلال الفترة الانتقاليّة بين عامي 2012 و2014 غالبًا ما كانت تقع اشتباكات بين الميليشيّات المحلّيّة والوحدات العسكريّة الحكوميّة[29]. وثمّة من يدّعي أنّ هذه الجماعات كانت تحصل على الدعم من البيض، وهو الزعيم الجنوبيّ السابق المتّهم بتلقّي أموال من إيران[30].

في خلال السنوات التي سبقت الحرب استطاعت الميليشيّات في الضالع ولحج أن تكسب النفوذ المتزايد في بعض الأوساط المؤيّدة للانفصال. وبما أنّها كانت تطرح نفسها باعتبارها المقاومة في الجنوب، فقد راحت بين عامي 2013 و2014 تقترح على شركائها في عدن وغيرها من المحافظات فكرة تشكيل المنظّمات التي تشبه الخلايا، وهو ما شكّل ثقلاً بارزًا أبان الحرب ضدّ تحالف الحوثيّين وصالح في عام [31]2015. وقد أصبح بعض قادة المليشيّات من بين اللاعبين الرئيسيّين في الضالع على سبيل عيدروس الزبيدي وهو أحد قدامى المحاربين في القوّات المسلّحة التابعة لجمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة ممّن قاتلوا في حرب عام 1994، وكذلك شقيقه محمّد وشلال علي شايع. وهذا الأخير هو نجل مسؤول أمنيّ رفيع في جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة كان قد قتل في خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في عام 1986. ومن بين الشخصيّات السياسيّة المحليّة فضل محمّد حسين الجادي  وهو متخصّص في مجال التعليم إبّان حقبة جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة أصبح في ما بعد محافظًا للضالع.

إبّان عهدي صالح وهادي كان يجري التعامل مع الفريق المنتمي إلى الضالع في الحراك الجنوبيّ باعتباره تهديدًا أمنيًّا كبيرًا. ففي عام 2010 وجهت الاتّهامات للشايع بأنّه هو من خطّط لهجوم بالقنابل وقع على ملعب رياضيّ في عدن أسفر عن مقتل أربعة أشخاص[32]. ولقد تفاقمت الأعمال العدائيّة في عام 2014 مع اشتعال فتيل القتال العنيف بين المليشيّات في الضالع والوحدات العسكريّة المحلّيّة[33]، على إثرها رفض هادي أكثر من مرّة نقل قائد الجيش المحلّيّ على الرغم من أنّ سمعته باتت سيئة في عام 2011 بسبب التجاوزات التي ارتكبها أثناء القتال في تعز ولم يضعه في منصب جديد على الرغم من تزايد الادّعاءات التي اتّهمته بارتكاب العنف العشوائيّ ضدّ السكّان المحلّيّين. آنذاك ظلّ المسؤولون الرسميّون يصرّون على أنّ الميليشيّات في محافظة الضالع كانت تحصل على الدعم من إيران.

عندما اندلعت الحرب كانت المجموعات العسكريّة في الضالع من بين أفضل الجماعات القتاليّة وأكثرها فاعليّة في الجنوب كما كانت من أوائل من استعادوا أراضيهم من قبضة التحالف بين الحوثيّين وصالح. وعلى عكس المجموعات الجنوبيّة الأخرى فقد تمكنت من ذلك إلى حدّ كبير من دون الحصول على المساعدة من دولة الإمارات وعليه فقد اكتسبت احترام العديد من الجنوبيّين وأبو ظبي. في شهر كانون الأول عام 2015  جرى تعيين الزبيدي محافظاً لعدن التي كانت تعيش في حالة من الفوضى على الرغم من كونها العاصمة المؤقّتة للبلاد في ذلك الوقت. أمّا الشايع، قد تولّى رئاسة الأمن في المحافظة  في حين أُودع أمن مطار عدن في عهدة محمّد حسين الخليليّ وهو أحد قادة الميليشيا من الضالع. علمًا بأنّ تعيينهم هذا جاء اعترافًا ببراعتهم العسكريّة الواضحة وكانت الكثير من الآراء ترى أنّهم المفضّلون لدى الإمارات التي كانت قد كافحت من أجل العثور على حلفاء محلّيّين يمكن لها الوثوق بهم بعد أن لاحظت مدى النجاحات التي حقّقوها ضدّ الحوثيّين. وفي شهر حزيران من عام 2015 جرى تعيين فضل الجادي في منصب محافظ الضالع قبل أن يشارك في وقت لاحق في تشكيل المجلس الانتقالّي الجنوبيّ إلى جانب الزبيدي (انظر أدناه).

وقد واجهت فرقة الضالع بعض المقاومة من انفصاليّين آخرين بمن في ذلك قادة آخرون من الضالع أبرزهم صالح الشنفرة، الذي تربطة بالرئيس هادي علاقة وثيقة، تمامًا كما خالد مسعد علي أحد القياديّين الانفصاليّين البارزين في المنطقة. ويقال أيضًا إنّ علي مقبل صالح، قائد اللواء المدرّع الثالث والثلاثين في الضالع متّفق مع هادي.

وتبرز مدينة الضالع لكون أمنها يقع إلى حدّ كبير تحت قيادة المليشيّات المحليّة بدلاً من القيادات التي تشبه في بنيّتها الحزام الأمنيّ أو قوّة النخبة التي تحظى بالدعم من دولة الإمارات، كما هي الحال في المحافظات الأخرى. في هذه الأثناء، يحافظ الحوثيّون على وجودهم في دمت، المنطقة الواقعة أقصى شماليّ المحافظة.

ثمّ نذكر من بين اللاعبين البارزين في محافظة لحج ناصر الخبجي وهو برلمانيّ سابق انضمّ إلى الحراك الجنوبيّ في أواخر أعوام الـ 2000، وكذلك محمود الصبيحي وهو قائد عسكريّ عيّنه هادي وزيرًا للدفاع في عام 2014 ثمّ تعرّض للأسر أثناء القتال في عدن في العام التالي 2015، وهيثم قاسم طاهر وزير الدفاع السابق. ومن المتداول أنّ فضل حسن وثابت ناجي جواس القائدين العسكريّين اللذين خدما في الجيش الموحّد في عهد صالح واللذين يحتلّان مراكز قياديّة محلّيّة يرتبطان بعلاقات جيدة مع هادي.

كان الخبجي محافظاً للحج قبل أن يحلّ محلّه أحمد عبد الله التركيّ في شهر كانون الأوّل 2017. علمًا بأنّ القادة العسكريّين في لحج  ممّن يُشاع ميولهم السلفيّة قد اضطلعوا بالدور القياديّ في الحملة التي استهدفت تحالف الحوثيّين وصالح التي كانت دولة الإمارات قد نسّقت لها على طول ساحل باب المندب منذ أوائل عام 2017.

كما تعمل قوّات الحزام الأمني في لحج، التي تتلقّى التدريب والتجهيز من قبل دولة الإمارات في حين يتولّى قيادتها مختار علي مثنى صالح النوبي، على تعزيز الأمن في المحافظة. أمّا القوّات الحوثيّة فتبقي على وجود لها في منطقة كرش شمال غرب لحج.

الخريطة الثالثة: عدن  ـ تقسيم المحافظة

عدن

في عام 2015 أعلن الرئيس هادي عدن عاصمة مؤقّتة لليمن، وهي تعتبر المنطقة غير الحدوديّة الأكثر اضطلاعًا في مواجهة الحرب الأهليّة. تنقسم عدن إلى عدّة مناطق نفوذ إلى جانب كونها النقطة المحوريّة لعدّة تجمّعات انفصاليّة قبل بدء الحرب وبعده.

في شهر كانون الأوّل 2015، دخلت بعض المليشيّات من محافظة الضالع بقيادة الزبيدي والشايع (انظر أعلاه) ميناء المعلا في شبه جزيرة عدن بدعم من الإمارات العربيّة المتّحدة وظلّت القوّة المسيطرة، وإن لم تكن الوحيدة، في منطقة. كما تفرض هذه الميليشيّات سيطرتها على ميناء التواهي وعلى مدينة كريتر المركزيّة. على الرغم من الإطاحة بالزبيدي في نيسان 2017 من منصب محافظ عدن لا تزال المليشيّات والشايع تتمركز في مكانها. كما أدّت قوّات الحزام الأمنيّ بقيادة أبو يمامة اليافعيّ دورًا مهمًّا في الأمن المحلّيّ.

كما تحظى بعض القوّات المختلطة المدعومة من دولة الإمارات التي تقع تحت قيادة الشايع والميليشيّات الانفصاليّة المحليّة التي لا ارتباطات لها بالسيطرة الجزئيّة على مناطق أخرى مثل خور مكسر التي تضمّ مطارًا استراتيجيًّا ومرفقًا أمنيًّا رئيسيًّا. أما الميليشيّات السلفيّة التي تعمل تحت مظلّة الحزام الأمنيّ فتؤدّي دوراً رئيسيّاً في أماكن أخرى من المدينة، كما تُوجد في أرجاء عدن المجموعات الانفصاليّة غير المنضوية تحت لواء هادي ولا الإمارات.

وتصف جهات موجودة على الأرض مناطق المنصورة ودار سعد والشيخ عثمان بأنّها تكاد تكون الأقلّ أمنًا في المدينة إذ تشير المصادر إلى أنّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة والجماعات المرتبطة بالدولة الإسلاميّة في العراق وسوريا (داعش) لها وجود في هذه المناطق، حيث تُوجدَ أيضًا قوّات الحزام الأمنيّ المؤيّدة لدولة الإمارات[34]. ولقد ﮐﺎﻧت ﻋدن ساحةً للعديد من الاشتباكات المتكرّرة ﺑﯾن مختلف هذه اﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت، إلى جانب كونها عرضةً للهجمات المتعدّدة التي شنّها تنظيم القاعدة وأحد الفروع التابعة لداعش.

ويُعتبر هادي من اللاعبين الرئيسيّين الآخرين في هذه المدينة وهو الذي يرأس ابنه الحرس الرئاسيّ إلى جانب أحد القادة السلفيّين البارزين وهو مهران القباطيّ وغيره من المسؤولين الكبار في وزارة الداخليّة بمن فيهم الوزير أحمد الميسري ونائبه علي ناصر القشاع (بيد أنّ هادي لا يقيم في عدن إذ يُشاع أنّه ممنوع من العودة إلى المدينة بأمر من دولة الإمارات). في نيسان من عام 2017 استبدل هادي عبد العزيز المفلحي بالزبيدي من التكنوقراط والذي استقال في وقت لاحق من هذا العام. ويتولّى حاليًّا رئاسة الحكومة المحلّيّة نائب المحافظ أحمد سالم ربيع علي، وهو من أنصار هادي، كان قد تلقّى تعليمه في الولايات المتّحدة ومؤيّد سابق للانفصال.

أبين

تُعتبر أبين الواقعة إلى الشرق من عدن مسقط رأس الرئيس هادي وكانت ساحةً للتوغّلات المتكرّرة التي قامت بها القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة، حيث أعلن في المنطقة عن تأسيس جيش أبين ـ عدن الإسلاميّ وفي عام 2011 أعلن تنظيم القاعدة هناك عن تشكيل «إمارة» نموذجيّة في زنجبار، أكبر مدن المحافظة. وفي عام 2012 استعانت حكومة هادي بميليشيّات اللجان الشعبيّة المحلّيّة من أجل تنظيم حملة هدفت إلى استعادة السيطرة على هذه المنطقة، بعد أن كانت قد نجحت فعلاً في الحؤول دون المزيد من تقدّم القاعدة وهو ما ساعد الحكومة في تعزيز قوّاتها العسكريّة التقليديّة. آنذاك، كانت هذه اللجان الشعبيّة تحت قيادة عبد اللطيف سيد وهو قائد سابق مرموق في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة.

في عام 2014 قيل إنّ العديد من أعضاء اللجان الشعبيّة يتجمّعون في عدن لكن القليل منهم شارك في الدفاع عن المدينة في العام التالي. بدلاً من ذلك عادوا إلى أبين للقتال إلى جانب أعضاء المحور العسكريّ الإقليميّ ضدّ تحالف الحوثيّين وصالح. انطلاقًا من ﻋﺎم 2015 أصبحت اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﺗﺣت ﺳﯾطرة اﻟﻘّوات اﻟﻣﺣﻟﯾّﺔ إﻟﯽ ﺣدّ ﮐﺑﯾر ﻋﻟﯽ اﻟرﻏم ﻣن إحكام اﻟﺣوﺛﯾّﯾن السيطرة على أجزاء من منطقة مكيراس ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻟﻐرﺑﻲّ.

ومن الموالين لهادي أيضًا نذكر المحافظ أبو بكر حسين سالم وهو قائد عسكريّ محلّيّ يحظى بالشعبيّة إذ يتولّى قيادة المحور العسكريّ الإقليميّ. كما يتنافس على النفوذ مع قادة قوّات الأمن المحلّيّين المدعومين من دولة الإمارات، ومنهم: قائد اللجان الشعبيّة عبد اللطيف سيّد المشكوك بولائه التامّ، ورئيس الأمن عبد الله الفضلي. كما يقال إنّ قائد الشرطة المؤيّد لهادي العقيد محمّد علي صالح حيدرة العوبان، الذي يتبع لوزارة الداخليّة يضطلع بالدور المهمّ. ولكن يبقى من غير الواضح من هي الشخصيّة، إن وُجدت، التي بيدها ميزان القوى في المحافظة التي يصفها الجنوبيّون بأنّها أقلّ المناطق استقرارًا.

شبوة

على مدى فترة من الزمن ظلّت محافظة شبوة وهي المنطقة التي تحكمها القبليّة على نحو واسع ﻏﯾر ﻣﺳﺗﻘرّة تمامًا كما أﺑﯾن. من جانبهم، يقول السكان إنّ الوضع الأمنيّ أخذ في التحسّن منذ عام 2015 عندما قامت قوّات النخبة المحليّة ـ المدعومة من دولة الإمارات والعاملة بشكل وثيق مع قوّات النخبة في حضرموت المجاورة ـ بشنّ هجوم ضدّ خلايا القاعدة المنتشرة في المحافظة[35]. تمكّنت قوّات النخبة الشبوانية التي تكوّنت في البداية من بعض اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻘﺒﻠﻴّﺔ ولكنّها توسّعت لاحقًا حتّى باتت تشمل شخصيّات من عدد كبير من القبائل من إرساء الموقع الذي يمنحها الهيمنة على المحافظة[36]. في كانون الأوّل 2017، تمكّنت القوّات الشبوانية المتنوّعة التي انفصلت عن قوّات النخبة المدعومة من دولة الإمارات لتنضوي تحت لواء قادة مؤيديّن لهادي، من طرد الحوثيّين من منطقة بيحان الواقعة في الشمال الغربيّ، بعد أن كانوا قد تنازعوا عليها منذ بداية الحرب، فضلاً عن كونها طريقاً رئيسيّاً للتهريب تعتمدها المجموعة الشماليّة (ولكن يقال إنّ طرق التهريب هذه التي تمرّ عبر بيحان لم تُستخدم لهذا الغرض إلّا بعد الهزيمة).

كما أشرنا سابقاً، ليس جميع الجماعات العسكريّة في شبوة مدعومة من دولة الإمارات. فالقوّة الرئيسيّة التي كانت تحارب تحالف الحوثيّين والصالح في منطقة بيحان قبل كانون الأول 2017 وهي لواء المشاة التاسع عشر المتحالف مع هادي، كانت تشتكي من عدم مساندة قوّات النخبة المدعومة من دولة الإمارات لها[37]. وعندما وصل الدعم جرى إرساله إلى مأرب إلى قيادة الجيش الوطنيّ اليمنيّ الرسميّ بدلاً من قوّات النخبة الشبوانيّة. وقد ادّعى بعض المسؤولين الحكوميّين أنّ قوّات النخبة المدعومة من دولة الإمارات قامت بعزل اللواء التاسع عشر عمداً بغية إضعاف قوّات الرئيس هادي في الجنوب. منذ التقدّم نحو بيحان، دخلت قوّات النخبة الشبوانيّة منطقة عتق وهي عاصمة المحافظة،  وفي تشرين الأوّل 2017 عملت باعتبارها قوّة حماية للمتظاهرين المحلّيّين الذين خرجوا للاحتجاج على الفساد وللمطالبة بدمج المحافظة ضمن المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، وهو ما يعارضه هادي. (انظر أدناه).

ثمّة من يتكهّن بأن تتحوّل هذه المحافظة في المستقبل إلى ساحة للصراع بين القوّات الشماليّة والجنوبيّة التابعة لحزب الإصلاح من جهة والمجموعات الانفصاليّة المدعومة من دولة الإمارات بسبب النزاعات التي تنشب بين القوّات العاملة في محافظة شبوة، وقرب مركز قيادة الجيش الوطنيّ اليمنيّ تحت قيادة علي محسن الأحمر في مأرب المجاورة، ومكانة شبوة باعتبارها منطقة منتجة للنفط (وباعتبارها الطريق الرئيسيّ الذي يمرّ به خطّ أنابيب تصدير الغاز يربط مأرب بخليج عدن). ويقول أحد القادة المحليّين في شبوة: «لكلّ فريق لعبة يلعبها هناك بحيث يعتقد الكثيرون أنّ ثمّة منافسة من أجل السيطرة على البيضاء [محافظة «شماليّة» أخرى في الجوار] بين دولة الإمارات وعلي محسن. ونظرًا لكلّ التوتّرات الدائرة حول عدن من غير المستبعد أن تنتقل المنافسة إلى هنا»[38].

حضرموت

حضرموت هي أكبر محافظة في اليمن إذ تمتدّ على طول البلاد من الساحل الجنوبي إلى الحدود الشماليّة معَ المملكة العربيّة السعوديّة. وتنقسم السيطرة على هذه المنطقة الشاسعة بين القوّات المدعومة من دولة الإمارات ـ التي استولت على مدينة المكلا الساحليّة الجنوبيّة والمناطق المحيطة بها منذ أوائل عام 2016، من بين يدي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة ـ والوحدات العسكريّة التي تشكّل جزءاً من المنطقة العسكريّة الأولى التي تشرف عليها حكومة هادي ومقرّها في محيط مدينة سيئون الوسطى والمناطق الصحراويّة الشماليّة من المدينة. علمًا بأنّ هذا الأخير لم يشارك في الصراع الواسع ولا يزال ولاؤه لأيّ من الأطراف موضع جدل.

بالنسبة إلى القائد السابق للمنطقة العسكريّة الأولى في سيئون، عبد الرحمن الحليلي، فكثيرون كانوا يرون أنّه من بين الموالين للرئيس صالح، ولكنّه مع بداية الحرب أعلن دعمه للرئيس هادي. في منتصف عام 2016 جرى استبدال محمّد صالح طيمس به، وهو شخصيّة أبيانيّة يُنظر إليها على اعتبارها متحالفة مع حزب الإصلاح وعلي محسن. كما تسيطر القوّات القبليّة والعسكريّة المتحالفة مع حزب الإصلاح على معبر حدوديّ يربط المحافظة بالمملكة العربيّة السعوديّة. قبل وفاة صالح، ذكرت عدة شخصيّات أنّ الولاءات في أوساط القوّات العسكريّة المتمركزة في شمال حضرموت قد انقسمت بين صالح والموالين لمحسن وأنّ ذلك أدّى إلى توتّرات داخليّة[39].

وكما جيرانهم في شبوة، يخشى السكّان في حضرموت من احتمال وقوع معركة بين القوّات الساحليّة المدعومة من دولة الإمارات ووحدات من المنطقة العسكريّة الأولى المتمركزة في شمال المحافظة. لم يزر محافظ حضرموت وقائد قوّات النخبة فيها فرج سالمين البهسانيّ مدينة سيئون إذ يُقال إنّه يخشى القيام بذلك في حين أنّ طيمس لم يسافر جنوباً إلى المكلا. ويقول أحد المراقبين المحلّيّين إنّ «الناس في المكلا قلقون من أن يزحف الشماليّون نحو الجنوب ويحاولون الاستيلاء عليه، لذا ثمّة نقاش حول ما إذا كان يتوجّب على [قوّات النخبة الحدويّة] أن تبدأ هي بالضربات»[40].

المهرة

المهرة محافظة تقع في أقصى شرق اليمن على الحدود مع سلطنة عمان من الجهة الشرقيّة والمملكة العربيّة السعوديّة من الجهة الشماليّة. وهي واحدة من أكبر المحافظات اليمنيّة ولكنها تضمّ أقلّ عدد من السكّان وهي من أكثر المناطق تهميشًا في البلاد. لم تكن محافظة المهرة موضع اهتمام كبير لنظام صالح بسبب افتقارها إلى الموارد الطبيعيّة ما خلا بعض المصايد السمكيّة. لكن منذ عام 2015 وفي حين أصبحت حرّية التنقل بين الموانئ الأخرى مقيّدة تحوّلت المهرة بفضل موانئها السهلة العبور إلى طريق أساسيّ للتجارة والتهريب بحيث باتت السلع تدخل اليمن عبر هذه المنطقة ولا سيّما عن طريق ميناء النشتن في الجنوب الشرقيّ عدا عن دخولها عبر سلطنة عمان ودولة الإمارات عند الحدود البريّة.

وفي فترة ما قبل الحرب ظلّت الوحدات العسكريّة اليمنيّة المتمركزة  في المهرة فعليًا على الحياد ولم تتدخّل في النزاع حتّى شاع أنّها حافظت على التوازن في ولاءاتها بين كلّ من صالح ومحسن بصورة مشابهة لما انتهجته الوحدات العسكريّة في حضرموت. ومع ذلك، فإنّ السلطة في هذه المحافظة تنقسم إلى حدّ كبير بين قبائلها التي تتنافس في ولائها لكلّ من المملكة العربيّة السعوديّة وسلطنة عمان والإمارات العربيّة المتّحدة منذ عام 2016 على الأقلّ. وفي عام 2017 بدأت تظهر على الساحة القوّات المهريّة المدعومة من السعوديّة ودولة الإمارات بحيث انتشرت وحدة كبيرة من هذه القوّات في العاصمة الغيداء في شهر تشرين الثاني عام 2017 وعلى ما يبدو بغيىة السيطرة على المطار والوقوف في وجه عصابات التهريب التي يُقال إنّها تعمل خارج الميناء.

كثير من المهريّين لا يعتبرون أنفسهم يمنيّين ويصرّون على أنّهم شعب متمايز كان يجب السماح لهم بالتصويت في استفتاء عام على الاستقلال مع انتهاء الحكم البريطانيّ. ويخشى زعماء القبائل من تزعزع الاستقرار بسبب المنافسة العلنيّة على النفوذ و«التحول إلى الميليشيّات» في المحافظة، حيث قال أحد شيوخ القبائل المهرية «بتنا نرى النيران البعيدة تتحرّك ونشعر بالقلق من أن تصل قريبًا إلينا[41]».

5. التقسيمات المتداخلة: العواقب غير المقصودة وبذور الصراع المستقبليّ

الجماعات السلفيّة وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة

إلى جانب اللاعبين المحلّيّين الرئيسيّين يضمّ جنوب اليمن جهات فاعلة ذات ثقل تتألّف من مجموعة من الجماعات السلفيّة وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة وجناح محلّيّ لداعش. قبل بدء الحرب الأهليّة اقتصرت أنشطة الجماعات السلفيّة على الاشتباكات العنيفة على مدارس معهد دار الحديث في دماج وكتاف في محافظة صعدة الشماليّة والقيام بعمليّات التبشير والتجنيد في مختلف مساجد البلاد ولا سيّما في عدن. إنّما انطلاقًا من عام 2012 بدأ رجال الدين السلفيّون شيئًا فشيئًا يلعبون الدور الواضح في الحراك الجنوبيّ حيث أمّوا الصلاة قبل المسيرات وبعدها. وقد تولّى الشيخ حسين بن شعيب وهو رجل دين سلفيّ جنوبيّ دوراً قياديّاً في تنظيم مخيّم دائم للاحتجاجات في عدن في أواخر عام 2014. (وفي حين قدّم الحراك الجنوبيّ نفسه على أنّه حركة علمانيّة قبل كلّ شيء، إلّا أنّ الغالبيّة العظمى من المنتمين إليه، مثلهم مثل معظم الجماعات اليمنيّة، يكتنفون داخلهم التراث الإسلاميّ وتربطهم علاقة معقّدة بالجماعات الإسلاميّة بما في ذلك تنظيم القاعدة رغم أن قياداته ترفض الاعتراف به).

في عام 2014 تصاعدت وتيرة القتال بين السلفيّين والحوثيّين في صعدة ممّا دفع حكومة هادي إلى التفاوض من أجل إجلاء المقاتلين والطلّاب السلفيّين من المحافظة، الأمر الذي رأى فيه العديد من السلفيّين خيانة لهم. علمًا بأنّ ثمّة العديد من الروايات المتضاربة حول أعمال العنف التي شهدتها كلّ من دماج وكتاف، حيث يزعم السلفيّون أنّ الحوثيّين هم من هاجموا منشآتهم ممّا أجبرهم على الانتقام والدفاع عن أنفسهم، بينما يزعم الحوثيّون أنّ مدارس معهد دار الحديث ما كانت سوى واجهة لمعسكرات لتدريب المقاتلين. إشارةً إلى أنّ سكّان هذه المدارس ينتشرون في جميع أنحاء البلاد إلا أنّ العديد منهم انتقل للاستقرار في نهاية المطاف في عدن.

ولقد برهنت الجماعات السلفيّة في خلال الدفاع عن عدن في عام 2015 براعة في التنظيم العسكريّ وكفاءة في توزيع المساعدات. وعندما دخلت القوّات الخاصّة الإماراتيّة المدينة سرعان ما لاحظت أنّها أكثر الجماعات فاعليّة فتعاونت معها على نطاق واسع. خلال هذه الفترة أفاد السكّان في عدن أيضاً بوجود مقاتلين من تنظيم القاعدة انخرطوا في القتال إلى جانب السلفيّين وميليشيّات المقاومة الجنوبيّة غير الرسميّة.

بالنسبة إلى بعض المراقبين قد يبدو قرار التعاون مع الجماعات السلفيّة الذي اتّخذته دولة الإمارات مخالفًا لسياستها العريضة المتمثّلة في التصدّي للجماعات الإسلاميّة السياسيّة مثل جماعة الإخوان المسلمين. لكن لا ننسى أنّ الإمارات تغضّ الطرف عن رجال الدين السلفيّين المنتشرين في جميع أنحاء الإمارات كما أنّها ترعى الميليشيّات السلفيّة في ليبيا. قد يرجع السبب في ذلك إلى كونها ترى أنّ الجماعات السلفيّة مهادنة بطبيعتها ـ أي إنّها تعارض عقائديًّا فكرة الانخراط في السياسة ـ على النقيض من جماعة الإخوان المسلمين التي تتبنّى أجندة سياسيّة واضحة وعابرة للحدود ومتحوّلة. إشارةً إلى من أشرف على تشكيل أوّل قوّة من قوّات الحزام الأمنيّ التي تدعمها دولة الإمارات كان الزعيم السلفيّ هاني بن بريك الذي يُعتبر شخصيّة ذات تأثير في الجنوب بصفته نائب رئيس المجلس الانتقالّي الجنوبيّ و«زعيمه الروحيّ»، كما يعتبره بعضهم حليفًا قويًّا لدولة الإمارات.

ومع ذلك لا يحظى جميع قادة الميليشيّات بالدعم من دولة الإمارات ولا هم جميعهم من الانفصاليّين. فلقد بقيت بعض الجماعات السلفيّة في مدينة عدن بعد تحريرها بينما ذهب آخرون للقتال في أماكن أخرى. في وقت لاحق انتقل البعض إلى غرب المملكة السعوديّة من أجل قيادة التحرّك نحو الحدود إلى صعدة. وعلى أثر تحريرها، أرسل زعيم إحدى أهمّ الميليشيّات السلفيّة في عدن وهو باسم المحضار رجالًا للقتال في تعز قبل الانتقال إلى الحدود السعوديّة اليمنيّة وذلك على ما يبدو تحت الرعاية المباشرة من الرياض. أمّا شقيقه أحمد فله وجود مؤثّر في منطقة المنصورة في عدن.

في أوائل عام 2017 دعم رجال المحضار الرئيس هادي في خلال المعركة المحدودة في مطار عدن وثبّتوا من بعدها أقدامهم في القصر الرئاسي. زعيم سلفيّ آخر هو مهران القباطي؛ قائد لواء الحماية الرئاسيّة الرابع (وهو جزء من الحرس الرئاسيّ) في عدن، وقد انخرط رجاله قي القتال هناك عدا القتال على الحدود السعوديّة. أضف إلى ذلك أن القادة المؤيّدين لهادي في تعز الغربيّة ـ المنضوين تحت الهيكليّة القياديّة لما يسمّى «لواء العمالقة» ـ ممّن ساعدوا في الحملة التي قادتها دولة الإمارات على طول الساحل الغربيّ لليمن هم أيضًا من السلفيّين. وتشير بعض المصادر إلى أنّهم دعموا هادي أثناء القتال في عدن في شهر كانون الثاني 2018 مما أدّى إلى توتّرات مع نظرائهم السلفيّين المدعومين من دولة الإمارات.

كما حافظت القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة على وجودها في عدن بعد تحريرها ولا سيّما في منطقتي المنصورة والشيخ عثمان حيث كان أميرها «أبو سالم» يعمل بشكل علني انطلاقًا من مكان إقامته الذي ظلّ معروفًا لدى السكّان حتى عام 2016. في ذلك الوقت كانت المنصورة تحت السيطرة الاسميّة للسلفيّين وتحت قيادة المحضار. في نهاية المطاف جرى إجلاء تنظيم القاعدة من المدينة (أو بحسب قول بعض السكّان غادروا في إطار صفقة جرى التفاوض عليها) بعد فترة من توغّل في المنصورة قامت به بعض القوّات بقيادة شلال علي شايع، وهو قائد أمن عدن مدعوم من دولة الإمارات، تساندها القوّات الجويّة الإماراتيّة[42].

في أوائل عام 2016 طُرد تنظيم القاعدة من المكلا، ومنذ ذلك الحين راح التنظيم يتقهقر نحو المناطق النائية للإقامة كما عادته المنطقة الجبليّة والصحراويّة بين محافظات شبوة ومأرب وأبين، حيث لا يزال موجودًا في تعز والبيضاء حيث يشارك أعضاؤه في القتال ضدّ الحوثيّين. ومنذ أواخر عام 2016 قاد التنظيم حملة تفجيرات مكثّفة على القوّات التي تدعمها دولة الإمارات في جميع أنحاء الجنوب.

يرى أحد الصحافيّين الجنوبيّين الشديد الاطّلاع الذي يحافظ على علاقات وطيدة بغالبيّة الفصائل، أنه في الوقت الذي تشارك فيه بعض الميليشيّات السلفيّة في الحملة التي تقودها الإمارات ضدّ تنظيم القاعدة في شبوة وأبين ثمّة «منطقة رمادية واسعة» ـ خطوط إيديولوجيّة غير واضحة وعلاقات وطيدة مباشرة ـ بين بعض الجماعات السلفيّة وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة:

يرفض بعض السلفيّين أيّ علاقة تربطهم بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة في حين أنّ آخرين يرون في أعضائه إخوة لهم نظرًا للتشابه في التفكير... في تعز يقاتل السلفيّون والقاعدة جنباً إلى جنب كما هي الحال في عدن... في الوقت الحاليّ ثمّة شقاق بينهما ولكنّ ذلك قد يتغيّر أيضًا. يمكن أن تأخذ الأمور أيًا من المجريين ـ يمكن للسلفيّين أن يتحولّوا إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة أو يمكن لأعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة أن يتحوّلوا إلى سلفيّين. يبقى الأهمّ أنّ أيديولوجيا كلّ منهما لا تختلف تمامًا عن الأخرى [أي إنّها تشجّع على العنف الطائفيّ][43].

في شهر تشرين الأوّل عام 2017 أدرجت وزارة الخرانة الأمريكيّة اسم عادل عبده فاري عثمان الذهباني، المعروف باسم «أبي العباس» وهو الزعيم السلفيّ المدعوم من دولة الإمارات واللاعب الرئيسيّ في ساحة القتال في الصراع على تعز، على اعتباره إرهابيّ بسبب ما زعمته من علاقات تربطه بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة وأحد فروع داعش المحلّيّين[44].

يعود السبب في تكرار ظاهرة تنظيم القاعدة وداعش في اليمن إلى الدعم الخارجيّ الذي تتلقّاه المساجد والمدارس الدينيّة المحافظة في جميع أنحاء البلاد في إطار حملة تقوم بها دول الخليج (المملكة العربيّة السعوديّة تحديداً) في وجه العلمانيّة والاشتراكيّة إلى جانب الدعم الذي تقدّمه الدولة اليمنيّة لعودة «الأفغان العرب» ممّن قاتلوا إلى جانب المجاهدين في أفغانستان في ثمانينيّات القرن الماضي. وقد استخدمت حكومة صالح هؤلاء المقاتلين المتطــرّفين لشنّ حملة الاغتيالات ضدّ كبار المسؤولين الجنوبيّين بعد الوحدة، علمًا بأنّ ثمّة خشية في صفوف المراقبين الغربيّين من أن تكون الهجمات قد  تركّزت أيضًا على المصالح الغربيّة في اليمن[45]. كما استخدم صالح الأفغان العرب خلال الحرب الأهليّة عام 1994. وقد كان قادة حركة الجهاد الإسلاميّ وجيش أبيان ـ عدن الإسلاميّ وهي حركات سبقت تنظيم القاعدة من بين الفئات التي حصلت على الدعم المؤقّت من نظام صنعاء، وإن فترةً محدودة. وبالنظر إلى أنّ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة كان يُعتبر أحد أخطر مجموعات القاعدة حيث شكّل أولويّة للمسؤولين الغربيّين قبل بدء الحرب الحاليّة، ثمّة سبب وجيه يدعونا للقلق من عواقب الدعم الطويل الأمد للجماعات السلفيّة. وفعلاً، بدأ العديد من اليمنيّين، بمن في ذلك جنوبيّون مؤيّدون للإنفصال، يحذّرون من ضربة قد تقع، حيث يلاحظ سكان المهرة بقلق أنّ ثمّة مخطّطاً لبناء مبنى جديد لمعهد دار الحديث الذي كان مقرّه في صعدة في بلدة قشن بمحافظة المهرة.

أصداء من الماضي: بين الزمرة والطغمة

يمكن للماضي أن يقدّم الجواب عن السبب في بعض تعقيدات السياسة الحاليّة في الجنوب ولا سيّما حرب عام 1986 الأهليّة بين الفصائل المختلفة في جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة. على الرغم من أنّ الجمهوريّة الاشتراكيّة كانت تعارض المجتمع القبليّ علنًا إلّا أنّ الكثير من قادتها الكبار كانوا يعتمدون على الدعم القبليّ والمحلّيّ في المحافظات التي يتحدّرون منها.

في عام 1978 وبعد إعدام سالم ربيع علي، رئيس الدولة القويّ الذي حكم الجنوب مدّة تقارب العقد من الزمان بدأت الانقسامات الإقليميّة تبرز للعلن بشكل متزايد. ومحلّ ربيع حلّ عبد الفتاح إسماعيل، وهو من الشمال، والذي تمكّن فيما بعد رئيس وزرائه علي ناصر محمّد من الإطاحة به بعد الدعم الكبير الذي حصل عليه خاصّةً في أبين وشبوة. وسرعان ما رقّى علي ناصر كثيراً من القادة العسكريّين الكبار من لحج وما يُعرف اليوم بالضالع في المناصب النافذة في الجيش. علمًا بأنّ هذه الجماعة استبعدته لاحقًا من منصب رئيس الوزراء (مع احتفاظه بموقع الرئاسة) واستبدلت به حيدر العطاس وهو حضرميّ من التكنوقراط.

في عام 1986 قام علي ناصر بانقلاب على الحكم أدّى إلى نشوب حرب أهليّة قصيرة ولكنّها وحشية أدّت إلى مقتل ما يصل إلى 10 ألاف شخص وانتهت بانتصار محور الضالع  ـ  لحج. على الأثر هرب ناصر إلى الشمال الجمهوريّ مع ما يقرب من 30 ألف رجل من بينهم هادي. عُرفت هذه المجموعة بالعاميّة باسم الزمرة في حين اشتهر المنتصرون في لحج وحضرموت باسم الطغمة.

بعد الحرب الأهليّة عام 1986 كافحت حكومة جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة للسيطرة على الأراضي الموالية لمنافسي المكتب السياسيّ الجديد، ففي أواخر الثمانينيّات لم تكن سلطتها واسعة في أبين وشبوة[46]. وفي عام 1990 تحرّك الأمين العامّ للحزب الاشتراكيّ اليمنيّ الحضرميّ علي سالم البيض لتجنّب انهيار الدولة الذي تسبّبت فيه الحرب الأهليّة وتراجع الدعم السوفييتي فدعم اتّفاق الوحدة مع الشمال.

في عام 1994 قاتل العديد من التابعين للزمرة إلى جانب نظام صالح. وقد تم تعيين هادي الذي كان قائداً عامّاً لجيش جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة وزيراً للدفاع وبات قائدًا رسميًّا للعمليّات العسكريّة. وبعد أن بلغت الحملة خواتيم الانتصار جرى تعيينه نائباً للرئيس.

يرى العديد من المراقبين أنّ الديناميكيّات الداخليّة التي يشهدها الجنوب حاليًّا تتشابه مع تلك التي رافقت حرب عام 1986. وفي إشارة الى العلاقات التاريخيّة بين حضرموت وشبوة الشرقيّة يقول محلّل سياسيّ يمنيّ: «يقف المسلّحون من الضالع ولحج في مواجهة مقاتلي أبيان، وفي حضرموت يبذل السكّان قصارى جهدهم حتّى يكونوا مستقلّين قدر المستطاع ولكنّهم يتعاونون مع رجال من الضالع ولحج، ونرى شبوة عالقة في الوسط في حين يحاول الحضرميّين سحبهم من جديد إلى فلكهم»[47].

المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ

يمثّل المجلس الانتقالّي الجنوبيّ رمزًا للتيارات السياسيّة المعقّدة وللتوتّرات في الجنوب. أُسِّس هذا المجلس في شهر أيار عام 2017 بعد فترة وجيزة من قيام الرئيس هادي بإقالة حاكم عدن عيدروس الزبيدي (القائد العسكريّ الانفصاليّ الذي برز اسمه بعد عام 2015 بدعم من أبو ظبي) وهاني بن بريك (قائد ميليشيا السلفيّين ذات الميول الانفصاليّة التي كان لها دور فاعل في تشكيل قوّات الحزام الأمنيّ). منذ تأسيس هذا المجلس الذي كان الهدف منه تمثيل مصالح الجنوب في العمليّات السياسيّة المستقبليّة أقال هادي محافظي الضالع وحضرموت ولحج وشبوة اللذين انضمّا إلى المجلس الإنتقاليّ. علمًا بأنّ هذا المجلس يقدّم نفسه على اعتباره حكومة ظلّ أو حكومة في الانتظار وهو يصف مختلف المجموعات المدعومة من دولة الإمارات العاملة على الأرض باسم «قوّات المقاومة الجنوبيّة».

أقام المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ المجالس المحلّيّة ومكاتب المراسلات وعقد عدّة اجتماعات لمجلس إدارة الجنوب الذي أعلن تأسيس نفسه. وقام الزبيدي بجولة في الجنوب في حين ظهر أعضاء بارزون من المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ ومنهم مسؤولون أمنيون بارزون مثل أبو اليمامة زعيم الحزام الأمنيّ في الاجتماعات التي يقودها المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ في أنحاء البلاد وكانوا يبدون بانتظام ملاحظاتهم حول شؤون المجلس.

لا يتمتّع المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ وقيادته بالشعبيّة المطلقة في الجنوب ولا لدى دولة الإمارات التي باتت شيئًا فشيئًا تعتبر أنّه يسعى إلى تحقيق أجندة للسيطرة على الجنوب. أضف إلى ذلك أنّ الرئيس هادي يتمتّع ببعض الحلفاء في تلك المنطقة بمن في ذلك القادة العسكريّون والسياسيّون على مستوى المحافظات والذين يعتمدون عليه للحصول على الدعم الماليّ. كما ثمّة عدد لا بأس به من الانفصاليّين الذين باتوا مستائين من المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ وحلفائه، ويعود السبب في ذلك نوعًا ما إلى استبعادهم من شبكة المحسوبيّات التي تموّلها دولة الإمارات ـ  ولأنّهم يرون أن المجلس يتبع مصالح دولة الإمارات أوّلاً وقبل كلّ شيء.

من جانبه، اتّخذ حزب الإصلاح الذي كان له وجود كبير في الجنوب قبل الحرب موقفًا قويًّا ضدّ المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ والإمارات نتيجةً للحملة الواضحة ضدّه في المنطقة. علمًا بأنّ العديد من التقارير الدوليّة صدرت تتّهم دولة الإمارات بسوء معاملة السجناء التابعين لهذا الحزب في مراكز الاحتجاز في جنوب اليمن[48].

يبدو أنّ توازن القوى في الجنوب يؤيّد المؤسّسات الأمنيّة والسياسيّة الموازية المدعومة من الإمارات وإن لم يكن كذلك بصورة نهائيّة. وفي حين يكثر عدد الجماعات المعارضة في جميع أنحاء الجنوب يُعتبر المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ أكثر الجماعات الانفصاليّة تنظيماً وأكثرها تسلّحًا وأكثر الجماعات الانفصاليّة ثقة من بين تلك التي مرّت على الجنوب منذ الحرب الأهليّة عام 1994. وبالتالي فإنّ هذا الوضع يخلق معضلة سياسيّة رئيسيّة للدبلوماسيّين الدوليّين، إذ لا بدّ لهم من أن يأخذوا المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ على محمل الجدّ ولكنّهم بذلك يخاطرون بإضفاء الشرعيّة على جماعة مسلّحة غير حكوميّة أو حركة سياسيّة. أمّا حكومة هادي فترى أنّ هذا كان أحد الأخطاء الرئيسيّة التي ارتكبت فيما يتعلّق بالحوثيّين في عام 2014.

شرعية هادي

تتأتّى سلطة الرئيس هادي من قدرته وإن كانت محدودة نوعاً ما على توزيع الأموال وأشكال أخرى من المحسوبيّة ومن قدرته على إصدار القرارات بإقالة القادة والوزراء المحليّين وتعيينهم. ترى الأوساط الدبلوماسيّة الإمكانيّة الواسعة المتاحة أمام عمليّة السلام الناجحة في تقليص دوره حتّى يصبح مركزه صوريّاً حتّى إمكانيّة تغييره في إطار عمليّة مماثلة للمبادرة التي قام بها مجلس التعاون الخليجيّ في عام 2011 والتي استطاع هادي من خلالها أن يتقدّم على صالح. إنّما ثمّة أعضاء في حكومته يعارضون هذه الفكرة قائلين إنه لا يمكن تغيير الرئيس إلّا من خلال صندوق الاقتراع.

يمكن القول إنّ شعبيّة هادي الإنتخابيّة محدودة وإنّه يفتقر إلى ثقة الداعمين الخارجيّين للحكومة الذين يُصرّون على الإبقاء على رئاسته بسبب أهمّيّته الرمزيّة والقانونيّة في سياق الحرب فقط. ومع ذلك فهو لا يزال رئيس اليمن المعترف به دوليًّا ويُزعم أنّ قرار مجلس الأمن رقم 2216 قد قونن وضعه هذا. أما وجود الإمارات في البلاد فهو جزء من التحالف العسكريّ الذي تقوده السعوديّة والذي يقول بدوره إنّ حملته في اليمن مدفوعة في المقام الأوّل برغبة في دعم الحكومة «الشرعيّة». كما تعتبر حكومة هادي عنصرًا رئيسيًّا في جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتّحدة. ولكن من غير الواضح كيف ستستمرّ هذه الأخيرة في عمليّتها السلميّة إذا أصبح موقفه ضعيفًا، وهو ما قد يحدث في حال انفصال الجنوب بالكامل. علمًا بأنّ عمليّة السلام الناجحة تتطلّب منع تفاقم التوتّر بين هادي والانفصاليّين والإمارات العربيّة.

يرى المسؤولون في حكومة هادي أنّ على المجتمع الدوليّ ألّا يدخل في حوار مع قادة الجنوب لأنّ التعامل مع العناصر غير الحكوميّة يقوّضهم ويقوّي شرعيّة القضيّة الانفصاليّة، ولكنّ هذا الوضع كفيل بخلق مسار متناقض. إذ يشعر الدبلوماسيّون بالقلق من أنّ المحادثات مع قادة الجنوب تشجّعهم على الاعتقاد بأنّ الاستقلال قابل للتحقيق ومع ذلك لا يمكن لهؤلاء الدبلوماسيّين تشجيع الفريق الآخر على المشاركة في المسارات الدبلوماسيّة أو الوساطات في حال وقوع النزاعات الضخمة إذا لم يكن لهم أيّ اتّصال مع الجنوب.

تحتاج الأمم المتّحدة إلى التعامل مع الجماهير الانتخابيّة الجنوبيّة تحديداً لكي تفهم حوافزها بشكل أفضل وبالتالي المساعدة في عملية السلام وتمكينها من الاضطلاع في الوساطات في حال اندلاع الصراع بين الفصائل المتناحرة في الجنوب. يعتزم مكتب المبعوث الخاصّ للأمم المتّحدة (في آذار 2018 حلّ مارتن غريفيث وهو وسيط بريطانيّ مخضرم محلّ إسماعيل ولد الشيخ أحمد في منصب المبعوث) فتح مكتب له في عدن وهي خطوة تسير في الاتّجاه الصحيح.

كما يُعتبر التواصل مع قادة الجنوب أمر ضروريّ لتجنّب بعض الأخطاء التي ارتكبت مع مؤتمر الحوار الوطنيّ خلال عامي 2013 و 2014 حيث كان الجنوب ممثّلاً بوفد صغير يرأسه شخص يدعى ياسين مكاوي وهو كان مجهولاً نوعًا ما لدى معظم الجنوبيّين. ومع ذلك، فإنّ إطار الأمم المتّحدة الحاليّ للسلام بعد اتّفاق وقف إطلاق النار يحدّد إطار تشكيل «الهيئة الوطنيّة» على أساس الوفود في مؤتمر الحوار الوطنيّ.

دور اللاعبين الخارجيّين

على مدى السنوات تمثّلت إحدى العوائق الرئيسيّة التي واجهت تماسك الحراك الجنوبيّ في الافتقار إلى الدعم الخارجيّ لهذه القضيّة إلى جانب شتات الجنوبيّين في ظلّ أوضاع من الفقر. لم تدعم دول مجلس التعاون الخليجيّ مسيرة الاستقلال عام 1994 إلّا بسبب غضبها من دعم صالح آنذاك لصدام حسين وليس نتيجة تعاطفها مع الدولة الجنوبيّة الاشتراكيّة السابقة. بعد انتصار الشمال في عام 1994 عادت دول الخليج لعلاقاتها مع صالح وأنهت دعمها لحركة الاستقلال الجنوبيّة تماشيًا مع السياسة العامّة الداعمة للوضع الراهن في الدول العربيّة.

في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين اتّهم المسؤولون اليمنيّون والدبلوماسيّون الأجانب إيران بدعم الفصائل الانفصاليّة من خلال علي سالم البيض الذي كان مقيمًا في بيروت وحسن باعوم المقيم في المكلا. ويُقال إنّ كليهما فقد هذا الدعم بعد رفضهما دعم التوغّل الحوثيّ في جنوب اليمن في عام [49]2015. علمأ بأنّ دعم إيران للمجموعات الجنوبيّة يبقى محدودًا للغاية مثله مثل دعمها الأخير للحوثيّين، فهو عبارة عن رهان مضارب وليس محاولة لبناء حركة متماسكة. ومع ذلك يقال إنّ إيران تحافظ على علاقات ودّية مع العديد من زعماء الجنوب ومن الممكن أن تحاول التعويل على هذه العلاقة في المستقبل.

ولقد جاء تدخّل دولة الإمارات في جنوب اليمن في عام 2015 وتركيزها اللاحق في تدريب الميليشيّات المحلّيّة وتجهيزها ودعمها بمثابة تغيير في المواقف. فقد ساعد الدعم السياسيّ والماليّ الذي حصل عليه زعماء مثل الزبيدي وبن بريك في تأسيس أكثر الجماعات السياسيّة الجنوبيّة تماسكاً منذ أوائل التسعينيّات.

بالنسبة إلى العديد من المراقبين يطرح دور الإمارات العربيّة المتّحدة كمًّا من الأسئلة يوازي كمّ الأسئلة التي يجيب عنها: لماذا ترغب الإمارات في إنفاق الكثير من الجهد والموارد الماليّة على أراضٍ لا تؤثّر بشكل مباشر في أمنها واستقرارها (على الرغم من أن الطرق التجاريّة حول القرن الأفريقيّ مهمّة لاقتصادها)؟ ما هي نواياها تّجاه الجنوب وإلى أيّ مدى ستبقى على دعمها للفصائل في هذه الرقعة؟

على الأرجح لم تدخل دولة الإمارات العربيّة المتّحدة جنوب اليمن وفي بالها هدف استراتيجي محدّد بل لأنّها رغبت في تعزيز موقف حليفها الإقليميّ الرئيسيّ المتمثّل بالمملكة العربيّة السعوديّة[50]. أمّا العمق الثاني وراء انخراطها فهو ما رآه بعضهم من عدم قدرة لدى حكومة هادي على الحكم بفاعليّة والرغبة في إنشاء بؤرة خالية من الحوثيّين وحزب الإصلاح. كما يعتبر اليمن، بحسب دبلوماسيّ غربيّ، «تجربة مهمّة» لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث يتسنّى لها اختبار قدرتها على تشكيل مسار الأحداث في أنحاء المنطقة[51]. «إنّهم يتعلّمون الكثير في اليمن، بعض الدروس جيد وبعضها سيّء». كما يشير هذا الدبلوماسيّ إلى عدم اهتمام الإمارات بمناقشة خططها أو نهجها في الجنوب: «المشكلة التي نواجهها هي أنّهم لا يفصحون لنا عن شيء في هذا المجال».

6. مقاربة جديدة؟

جنوب اليمن عبارة عن برميل بارود من التوتّرات والتنافس، الأمر الذي يجعله أكثر تقلّبًا بسبب انتشار الجماعات المسلّحة وتدفّق الأسلحة منذ بدء الحرب الأهليّة الأخيرة. ومن بين السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تؤدّي إلى تفاقم الوضع المتقلّب أصلاً على المدى القريب نذكر إعلان الجنوب الانفصال بكلّ صراحة، أو النزاع الداخليّ غير المقيّد من أجل السيطرة على عدن، أو التأسيس التدريجيّ لدولة تتمتّع بحكم الواقع أو دولة مستقلّة يتعيّن عليها التعامل مع وجود الميليشيّات الطائفيّة.

أصبح هذا السيناريو الأخير أقرب إلى الواقع في كانون الثاني من عام 2018 عندما اندلع القتال بين القوّات الموالية لهادي وقوّات الحزام الأمنيّ المدعومة من المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ وقوّات النخبة الشبوانيّة، علمًا بأنّ هذه الأخيرة تحظى بالدعم من دولة الإمارات. في 22 من شهر كانون الثاني طالب الزبيدي بصفته رئيس المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ هادي بأن يقيل رئيس الوزراء أحمد بن داغر، بسبب أعمال الفساد وسوء الإدارة. ثمّ أعلن الزبيدي حالة الطوارئ وهدد بإسقاط الحكومة بالقوّة.

بعد ستّة أيام دخلت قوّات الحزام الأمنيّ ـ على ما يبدو بدعم من وحدات قوّة النخبة الشبوانية  ـ  في معركة ضارية مع قوّات الحرس الرئاسيّ التابعة لهادي من أجل السيطرة على عدن والتي لم تنته إلّا عن طريق وساطة قامت بها السعوديّة. تصف شخصيّات على صلة بالمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ هذه المصادمات بأنّها جزء من إستراتيجيا واسعة النطاق تهدف إلى إدخال بعض المسؤولين الذين يوافق عليهم المجلس في الحكومة ممّا يمكّنه من لعب الدور داخل الحكم وعمليّة السلام التي تقودها الأمم المتّحدة (إنّها علامة أخرى مقلقة تشي بأنّ الجماعات اليمنيّة قد تعلّمت درسًا مهمًّا منذ عام 2011، ألا وهو أنّ أفضل طريقة لتحقيق الاعتراف السياسيّ بها هو اللجوء إلى استخدام القوّة)[52]. إذا حدث ذلك فمن المرجّح أن يجري اعتباره خطوة تضفي الشرعيّة على هذا الحراك. وعليه، فقد أعلنت الحكومة صراحةً بأنّها لن تسمح لأحد بالضغط عليها وتسمية أحد من المسؤولين ـ مثلما شعرت بأنّها تعرّضت لضغوط في عام 2014 بعد استيلاء الحوثيّين على صنعاء.

ويرى أحد المسؤولين في الحكومة أنّه بالنظر إلى تعدّد المجموعات المنخرطة في النزاع لن يؤدّي النزول عند ضغوط المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ إلّا إلى ولادة مجموعة من الحوافز لدى آخرين يكون لها التأثير الضارّ، ويقول المسؤول: «إذا فعلنا ما يريدونه الآن فسوف يتساءل السلفيّون ومأرب وحزب الإصلاح عن دورهم أيضًا، وهذا ليس أسلوبًا لتشكيل حكومة»[53].

وبغضّ النظر عن النتيجة لا بدّ من أن تضفي أحداث كانون الثاني طابعاً جديداً على الجهود التي يبذلها المسؤولون اليمنيّون والأجانب من أجل التوصّل إلى عمليّة سلام أكثر شمولاً. حتّى الآن يبقى النهج الذي تتبنّاه الأمم المتّحدة والمجتمع الدوليّ هو التركيز في إنهاء الحرب الأهليّة على المستوى الوطنيّ، على أساس أنّه لا يمكن التعامل مع القضايا الأوسع إلّا مع الوصول إلى وقف لإطلاق النار. إنّما على أرض الواقع هذا يعني أنّ المجموعات المستبعدة حاليًّا من المحادثات يجب أن تنتظر مرحلة ثانية من مراحل عمليّة السلام. ولكن بما أنّ جهود الأمم المتّحدة قد توقّفت منذ أواخر عام 2016 وبما أنّ العديد من الصراعات داخل هذا النزاع قد تلاشت فقد باتت الحاجة ماسّةً إلى سلوك نهج جديد.

في شهر تشرين الأوّل 2017 استضاف تشاتام هاوس على مدى يومين مؤتمراً في الأردن تحت رقابة من هذا المعهد، ضمّ كبار صنّاع القرار الغربيّين والمسؤولين اليمنيّين والشخصيّات العامّة  فضلاً عن المحلّلين اليمنيّين والدوليّين والمعنيّين من بعض مراكز الأبحاث في الخليج. خلال الاجتماع طُرِح الكثير من محتوى هذه الورقة البحثيّة ونُوقِشت. ولقد اعترف صناع القرار المجتمعين بأنّه في حين يعترف الجميع بأهميّة الجنوب تبقى الأولويّة التي تُمنح لهذا الملف منخفضة إذ تُخصّص القليل من الموارد لقضيّة الجنوب. وقال أحد صنّاع القرار الغربيّين: «في الاجتماعات الثنائيّة دائمًا كان الجنوب يحلّ في ذيل المواضيع المطروحة للنقاش، لذا فلقد حان الوقت لمناقشة هذا الملفّ». وقال مسؤول آخر: إنّ الجنوب لا يحتلّ أكثر من 5 في المِائة من جميع المناقشات التي تدور حول اليمن.

بصورة عامّة، اتّفق صنّاع القرار والمحلّلون على نقص المعرفة بشأن الديناميّات المعاصرة التي تدور في الجنوب مقارنةً بالمعرفة بشأن المجموعات الرئيسيّة في الشمال. ولقد أعرب العديد من المسؤولين الغربيّين بصورة خاصّة عن دهشتهم من مدى انخراط الإمارات العربيّة المتّحدة في الجنوب ودعم الجماعات المسلّحة. إضافةً أن الوعي كان محدودًا حيال نقاط التوتّر المحتملة في عدن وشبوة وحضرموت أو حيال الدور المهمّ الذي تلعبه الجماعات السلفيّة. وبالنظر إلى الاتّهامات المتزايدة حول ارتكاب الانتهاكات في مراكز الاحتجاز التي تديرها الجماعات المدعومة من الإمارات ـ ومتانة الشراكة بين الإمارات والولايات المتّحدة في مجال مكافحة الإرهاب في الجنوب ـ عبّر صانعو القرار بوضوح عن رغبتهم في الحصول على فهم دقيق للوضع الحاليّ من الإمارات العربيّة المتّحدة بشأن هذا الملفّ.

اتّفق المشاركون على محدوديّة الأدوات المتاحة التي تسمح  بالدخول في وساطة مع الجنوب. علمًا بأنّه كان ثمّة بعض البوادر المشجّعة بالنسبة إلى مبادرات المسار الثاني حيث جُمع قادة المجتمع المدنيّ بمن فيهم مُمثّلو المجموعات النسائيّة وأعضاء مجتمع رجال الأعمال وبعض السياسيّين. لكنّها لم تشكّل خطوة متقدّمة بما فيه الكفاية تجعل منها آلية للحوار الداخليّ في جميع أنحاء الجنوب أو لإنشاء جسر بين المجموعات الجنوبيّة الرئيسيّة من جهة وعمليّة الوساطة الرفيعة التي تقوم بها الأمم المتّحدة من جهة أخرى[54]. ولقد عيّن مكتب المبعوث الخاصّ للأمم المتّحدة مسؤولين سياسيّين للعمل على قضيّة الجنوب وهو يخطّط لفتح مكتب له في عدن لكنّ عمله لا يزال في مرحلة أوليّة تقيّدها ما يراه بعضهم من حاجة إلى تسلسل في الحوارات المتعلّقة باليمن[55].

ثمّة قضيّة رئيسيّة أخرى أمام صانعي القرار وهي كيفيّة تحقيق التوازن بين النزعات المحلّيّة والمحافظة على مؤسّسات الدولة المركزيّة. واتّفق المشاركون على حاجة المنظّمات غير الحكوميّة والمنظّمات الدوليّة بما في ذلك الأمم المتّحدة والحكومات الأجنبية للعمل مع الجهات الفاعلة المحلّيّة ذات السجلّ الحافل في تنفيذ المشاريع للحصول على النتائج المرجوّة على المدى القصير. لقد كانت محاولات تنفيذ المشاريع عن طريق الحكومة عرضة للإعاقة مراراً وتكراراً بسبب ضعف القدرات، حتّى إنّه يمكن القول بوجود نقص في الإرادة لدى الحكومة لتنفيذ هذه المشاريع التي لا تعود عليها بالنفع المباشر. ورأى بعض المشاركين أنّه في حال تحويل غالبيّة التمويل الخارجيّ للمنظّمات غير الحكوميّة المحلّيّة فمن المحتمل أن تصبح مؤسّسات الدولة عرضة للتآكل أكثر وهي التي أضعفها الصراع أصلاً.

وأخيرًا، اتّفق المشاركون على أنّه لا يمكن تأجيل المناقشات حول الجنوب مدّة عام آخر مع عدم تحريك العمليّة السياسيّة الواسعة. ومن ثمّ اتّفقوا على التوصيات التالية:

1. النهج الدوليّ الجديد ـ توصيات متعلّقة بالحكومات الأجنبيّة التي تعمل تحت مظلّة مسار الأمم المتّحدة

  • وضع الجنوب على رأس قائمة الأولويّات بالنسبة إلى الدول بشكل منفصل، والمجتمع الدوليّ مجتمعًا، وتأكيد تخصيص المزيد من الوقت للمناقشات حول الجنوب في خلال الاجتماعات الثنائيّة والمتعدّدة الأطراف.
  • زيادة المشاركة على المستوى المحليّ مع القادة الرئيسيّين في الجنوب والمنظمات غير الحكوميّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ، بما في ذلك المجموعات النسائية.
  • العمل على تطوير قدرات المجتمع المدنيّ الجنوبيّ.
  • العمل بصورة دائمة على إشراك دولة الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة في القضايا الرئيسيّة في الجنوب، ولا سيّما قضايا الجماعات المسلّحة.

2. معالجة قضّية الجماعات المسلّحة ـ توصيات متعلّقة بالمنظّمات الدوليّة والحكومات الأجنبيّة التي تعمل تحت مظلّة مسار الأمم المتّحدة

  • تشكيل مجموعة عمل معنيّة بالأمن في الجنوب تضمّ الفاعلين الرئيسيّين في التحالف (المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة).
  • العمل على تشكيل آليّة التنسيق الشاملة التي يمكن أن تساعد في بناء المؤسّسات الأمنيّة  ـ  وخاصّة الشرطة  ـ  والتي تضمن المساءلة وسيادة القانون.
  • النظر في إمكانيّة أن توفّر هذه المؤسّسة أساس مركزيّة الأمن.
  • تقييم المجالات التي جرى فيها مضاعفة النشاط (مثل تدريب خفر السواحل) ومواءمة المبادرات المختلفة.
  • العمل على زيادة قدرات المحاكم المحلّيّة وقوّات الشرطة للتعامل مع النزاعات القانونيّة وغيرها من القضايا القانونيّة، إضافةً إلى تمكين وزارة الداخليّة من الإشراف على السجون بشكل أشدّ صرامة.
  • العمل على الحدّ من التوتّر المحتمل للنزاع، بما في ذلك في عدن وحضرموت وشبوة من خلال مبادرات «حلّ النزاع».

3. البحث والتواصل  ـ  توصيات متعلّقة بمؤسّسات التفكير والمنظّمات الدوليّة والحكومات الأجنبيّة

  • العمل على تفعيل التنسيق الدوليّ بشأن السياسة المتعلّقة بالجنوب عن طريق التمويل المشترك للبحوث في المنطقة.
  • زيادة الوجود الدوليّ في عدن والجنوب، حيث يقود المسار مبعوث الأمم المتّحدة الخاصّ.
  • دعم مراكز البحوث القائمة والجديدة، سواء أكانت في الجنوب أو التي يرأسها الجنوبيّون، على سبيل مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة وديبثروت، وكلاهما مركز للبحوث والسياسات يديره يمنيّون.
  • العمل على تحديد جميع الجهات الفاعلة الرئيسيّة وتحليلها من أجل تحسين فهم الديناميكيّات على مستوى المحافظات والمناطق.
  • العمل على تحسين فهم الجهات الفاعلة في الجنوب للمجتمع الدوليّ وقدرتها على الحوار.

في خلال الفترة الانتقاليّة بين عامي 2012 و2014 لم يتمكّن المسؤولون الأجانب من التكيف سريعًا مع ديناميكيّات السلطة المتغيّرة في اليمن. وبالتالي أعطوا الأولويّة للسياسة المحلّيّة من وجهة نظر تقليديّة ولمكافحة الإرهاب وللحفاظ على مركز الرئيس هادي. ونتيجة لذلك تبنّى العديد من المسؤولين الأجانب آراء عمياء في ما يتعلّق بالقضايا الطارئة أو تلك التي يُنظر إليها على أنّها من الدرجة الثانية والتي لم يعطوها أهمّيّة كبيرة. لقد استفاد الحوثيّون من قصر النظر هذا، ونتيجة لذلك وصلوا إلى مشارف صنعاء قبل أن تعترف أطراف خارجيّة كثيرة بالتهديد الذي تشكّله هذه الجماعة.

يطرح الجنوب مجموّعة متنوعّة من القضايا السياسيّة المختلفة تمامًا عن تلك التي تتسبّب بها سلوكيات الحوثيّين. لكنْ ثمّة درسٌ يمكن تعلّمه من الفترة الانتقاليّة هذه، ألا وهو أنّ عدم الاعتراف بالأهمّيّة التي يلعبها الجنوب في تأمين استقرار اليمن وأمنه في المستقبل لن يؤدّي إلّا إلى مشكلة أكثر تعقيدًا في السنوات المقبلة. وبدون التحرّكات النشطة نحو أساليب أفضل للبحث والتوعية ووضع السياسات من الممكن أن تتحوّل الحرب الأهليّة الواسعة النطاق إلى سلسلة من «الحروب الصغيرة» وعلى رأسها الصراع من أجل السيطرة على الجنوب.

-------------------------

بيتر ساليسبيري : أجرى البحوث المتعلّقة بورقة البحث هذه، وكتبها وأنتجها بيتر ساليسبري، زميل استشاريّ عالٍ في برنامج تشاتام هاوس للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين آب2017 وشباط 2018. كما قام بيتر بالبحث اللازم لوضع الخريطة الرقميّة المرفقة حول "حالة الفوضى" في اليمن (https://yemen ـ map.chathamhouse.org)، والتي جرى تحديثها في إطار هذه الورقة. عمل محرّر الطاقة السابق في مجلّة Middle East Economic Digest على قضايا الاقتصاد السياسيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2008. كما كتب بصفته صحفيّ لمجلّات The Economist و The Financial Times و Foreign Policy؛ وعمل مستشارًا لوزارة التنمية الدوليّة البريطانيّة والأمم المتّحدة والبنك الدوليّ بشأن دراسات الاقتصاد السياسيّ. ساعد بيتر ساليسبري في إنتاج عدد من الأفلام لشبكة VICE، وهي شبكة إعلاميّة موجهة للشباب، بما في ذلك المسلسل التلفزيونيّ TERROR الحائز جائزة.

[2] ـ للاطلّاع على الرؤية المفصّلة حول التحوّل في ميزان القوى في اليمن بشكل عامّ، راجع ساليسبيري، (2017)، اليمن: الفوضى الوطنيّة والنظام المحلّيّ، ورقة بحث، لندن: المعهد الملكيّ للشؤون الدوليّة،https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/publications/research/2017 ـ 12 ـ 20 ـ yemen ـ national ـ chaos ـ local ـ order ـ salisbury2.pdf.

[3] ـ المرجع السابق.

[4] ـ بيكلارد، د. وميشولان، د. (2015)، تمرّد الحكم وسياسة الحرب الأهليّة، ورقة عمل، سويس بيس، http://www.swisspeace.ch/fileadmin/user_upload/Media/Publications/WP_1_2015.pdf.

[5] ـ وهي محافظات أبين، عدن، الضالع، المهرة، حضرموت، لحج، شبوة، سقطرى. أمّا الضالع التي لم تكن تشكّل محافظة في ظل جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة، تألّفت من خلال دمج أراضٍ جنوبيّة وشماليّة بعد الاتّحاد. ظلّت سقطرى حتّى عام 2014 جزءًا من محافظة المهرة قبل أن يجري إعلانها محافظة مستقلّة.   

[6] ـ مقابلة أجراها الكاتب في عَمان في شهر تشرين الثاني من عام 2017.

[7] ـ  مقابلة أجراها الكاتب عبر  الهاتف في شهر تشرين الثاني من عام 2017.     

[8] ـ  أفضل ما يمكن وصف حزب الإصلاح به هو أنّه ائتلاف بين الجماعات العشائريّة والإقتصاديّة والتجاريّة والعسكريّة والدينيّة السنّيّة المحافظة التي تجمعها المصالح المشتركة والتي كانت داعمة للثورة ضدّ الإمامة الشماليّة في سنوات الستينيّات. بين عامي 1962 و 1970، شنّ الجمهوريّون القوميّون المدعومون من مصر الحرب ضدّ القوّات الملكيّة التي كانت تحارب بالنيابة عن الإمامة الشيعيّة الزيديّة التي حكمت الشمال أكثر من ألف سنة سابقة. آنذاك انتهت الحرب خسارة الإمامة، على الرغم من الدعم الذي حصلت عليه من المملكة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة، لكنّها كبّدت القاهرة التكلفة الباهظة، بحيث وُصفت هذه الحرب بأنّها "فيتنام" مصر. ولحزب الإصلاح جناح تابع للإخوان المسلمين برز في سنوات التسعينيّات، ونتيجة لذلك غالباً ما يوصف الحزب عن طريق الخطأ بأنّه جماعة الإخوان المسلمين اليمنيّة. ويُعتبر الحزب فريدًا لجهة أنه يُعنبر جماعة محافظة وتقليديّة وإسلاميّة ولكنّه يمتلك أيضًا الرؤية الجمهوريّة المتشدّدة.

[9] ـ  كما جرى مناقشته في اجتماع تشاتم هاوس في الأردن، في شهر تشرين الثاني لعام 2017.

[10] ـ  دريش، ب. (2000)، A Modern History of Yemen  تاريخ حديث لليمن، منشورات جامعى كامبريدج.

[11] ـ المرجع السابق.

[12] ـ  للاطلاع على رؤية أعمق حول المنافشة بين هاتين الحركتين، راجع بريهوني، ن. (2013)، Yemen Divided: The Story of a Failed State in South Arabia البمن المقسّم: قصة الدولة الفاشلة في جنوب الجزيرة العربيّة، لندن: أي بي توريس.

[13] ـ هاليداي، ف. (1990)، Revolution and Foreign Policy: The Case of South Yemen 1967ـ1987 الثورة والسياسة الخارجيّة: قضيّة جنوب اليمن 1967 ـ 1987، كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج.

[14] ـ  داي، س. (2010)، Yemen on the Brink: The Political Challenge of Yemen’s Southern Movement  اليمن على حافة الهاوية: التحدي السياسيّ وحركة جنوب اليمن، كارنيدج اندوومنت للسلام العالمي، http://carnegieendowment.org/files/yemen_south_movement.pdf  (آخر زيارة في 10 تشرين الأول 2017)

[15] ـ بريهوني، ن. (2017)، ‘From Chaos to Chaos: South Yemen 50 Years After the British Departure’  ‘من الفوضى إلى الفوضى: جنوب اليمن 50 عامًا بعد رحيل بريطانيا‘، آشيان آفيرز، 48:3،  https://doi.org/10.1080/03068374.2017.1361249 (آخر زيارة 12 تشرين الأول 2017).

[16] ـ  ومن بين العائدين في أفغانستان طارق الفاضليّ، وهو شخصيّة متقلّبة ترمز إلى تعقيدات وتناقضات الهويّات اليمنيّة العديدة. كان والده حاكماً لسلطنة الفضليّ التي كانت تمتدّ على معظم أراضي ما يُعرف اليوم بمحافظة أبين. خدم تحت قيادة أسامة بن لادن في أفغانستان، ويشتهر بأنّه أحد الأعضاء المؤسّسين في جيش أبين  ـ  عدن الإسلاميّ، الذي كان بمثاية موطئ القدم لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة. أخته متزوّجة من علي محسن الأحمر، القائد العسكريّ الشماليّ القويّ الذي تربطه العلاقات مع حزب الإصلاح، في حين أن عائلة الرئيس هادي خدمت بصفة حرّاس شخصيّين لعائلة الفضليّ قبل الإطاحة بها في خلال أحداث عام 1967. وقد اعترف الفضليّ للمؤلّف بأن شارك في حملة الاغتيالات ضدّ المسؤولين في الحزب الإشتراكيّ اليمنيّ في أوائل التسعينيّات، وكان عضوًا في منظّمة الأمن السياسيّ (جهاز الأمن الداخليّ) في التسعينيّات، ويقال إنه كان عضوًا في القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة في العقد الأول من القرن الحاليّ وانضمّ لاحقاً إلى القضيّة الانفصاليّة قبل أن يزعم أنه عاد للعمل مع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربيّة.

[17] ـ انترناشونال كرايسز غروب (2011)، Breaking Point? Yemen’s Southern Question  اللحظة الحاسمة: قضية جنوب اليمن،  https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/114 ـ breaking ـ point ـ yemens ـ southern ـ question.pdf  (آخر زيارة 12 تشرين الأول 2017).

[18] ـ راشد، م. (2011)، ‘Yemen’s Saleh signs deal to give up power’ ‘الرئيس اليمنيّ صالح يوقع اتفاقيّة للتخلّي عن السلطة‘، رويترز، 20 تشرين الثاني 2011  https://www.reuters.com/article/us ـ yemen/yemens ـ saleh ـ signs ـ deal ـ to ـ give ـ up ـ power ـ idUSTRE7AM0D020111123  (آخر زيارة 21 تشرين الأول 2017).

[19] ـ  للاطّلاع على المزيد حول هذه الحقبة ومبادرة مجلس التعاون الخليجيّ، راجع ساليسبيري، ب.، كينينمونت، ج.، وهيل، ج. (2013) Yemen: Corruption, Capital Flight and Global Drivers of Conflict اليمن: الفساد والفرار والدوافع العالميّة للصراع، تقرير تشاتام هاوس، لندن: المعهد الملكيّ للشؤون الدوليّة، https://www.chathamhouse.org/publications/papers/view/194239.

[20] ـ  في شباط من عام 2014، سأل المؤلّف مجموعة من أنصار الحراك الجنوبيّ البارزين في عدن عن آرائهم بشخض ياسين مكاوي، رئيس وفد الجنوب الذي عيّنه هادي للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطنيّ، والذي حلّ محلّ رئيس الوفد السابق، محمّد علي أحمد. كان ردّ المجموعة غير جاد تمامًا وسألوا: "من؟"

[21] ـ  من أبرز قادة الحراك الجنوبيّ قبل الحرب علي سالم البيض، وحيدر أبو بكر العطاس، وعلي ناصر محمّد، وجميعهم كانوا أمناء عامين أو رؤساء وزارة في جمهورية اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة، وجميعهم عاشوا خارج اليمن.

[22] ـ  ساليسبيري، ب. (2015)، ‘To Win its War in Yemen, Saudi Arabia May Have to Split the Country in Two’ ‘قد تضطّر المملكة العربيّة السعوديّة إلى تقسيم اليمن إلى اثنين من أجل الانتصار في حربها‘، فايس نيوز، 10 نيسان 2015، https://news.vice.com/article/to ـ win ـ its ـ war ـ in ـ yemen ـ saudi ـ arabia ـ may ـ have ـ to ـ split ـ the ـ country ـ in ـ two (آخر زيارة 21 تشرين الأول 2017)

[23] ـ  مقابلة أجراها الكاتب مع مسؤوليين غربيّين وإماراتيّين في لندن وواشنطن وأبو ظبي بين شباط 2017 وشباط 2018.

[24] ـ مقابلات أجراها الكاتب في لندن وأبي ظبي بين شهري آذار وأيّار عام 2017.

[25] ـ مقابلات أجراها الكاتب في أبي ظبي وواشنطن بين شهري آذار 2017 وشباط 2018.

[26] ـ مقابلات أجراها الكاتب في أبي ظبي ولندن وواشنطن بين شهري شباط 2017 وشباط 2018.

[27] ـ هارست، د. (2017) EXCLUSIVE: Yemen president says UAE acting like occupiers  حصري: الرئيس اليمني يقول أنّ الإمارات تتصرف كما المحتلّ، ميدل إيست آي، 3 أيار 2017،

http://www.middleeasteye.net/news/exclusive ـ yemeni ـ president ـ says ـ emiratis ـ acting ـ occupiers ـ 1965874493  (آخر زيارة 10 تشرين الأول 2017).

[28] ـ تحت حكم جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة، كان الجزء الكبير ممّا يعرف اليوم  بمحافظة الضالع يشكّل جزءًا من محافظة لحج. أمّا التقسيمات الحاليّة فقد وضعت في عام 1998.

[29] ـ إيرين نيوز (2014)، ‘Limited humanitarian access to Yemen’s Al Dhale Governorate  ‘محدوديّة المعابر الإنسانية إلى محافظة الصالع في اليمن، 11 آذار 2014،

https://www.irinnews.org/news/2014/03/11/limited ـ humanitarian ـ access ـ yemen’s ـ al ـ dhale ـ governorat (آخر زيارة 21 تشرين الأول 2017).

[30] ـ ساليسبيري، ب. (2015)، Yemen and the Saudi ـ Iranian ‘Cold War  اليمن والحرب الباردة بين السعوديّة وإيران، ورقة بحثية، لندن: المعهد الملكيّ للشوؤن الدوليّة، ورقة بحثية، https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/field/field_document/20150218YemenIranSaudi.pdf.

[31] ـ مقابلة أجراها الكاتب في عدن في شهر تشرين الأول 2014، وعن طريق الرسائل النصّية لأحد مواقع التواصل الاجتماعيّ في شهر تشرين الأول 2017.

[32] ـ ساليسبيري، ب. (2013)، ‘Yemen’s Southern Intifada’ ‘الإنتفاضة الجنوبية في اليمن‘، فوريين بولسي،13 آذار 2013، http://foreignpolicy.com/2013/03/13/yemens ـ southernintifada/ (آخر زيارة 21 تشرين الأول 2017).

[33] ـ إيرين نيوز (2014)، ‘محدوديّة المعابر الإنسانيّة إلى محافظة الصالع في اليمن.

[34] ـ مقابلات أجراها الكاتب والمستشارين وجهًا لوجه في اليمن أو عبر الهاتف بين شهري آب 2017 وشباط 2018 .

[35] ـ مقابلات أجراها الكاتب بين شهري آب 2017 وشباط 2018

[36] ـ كما أفادت مصادر محليّة عن وجود توتّرات بين الإمارات وأعضاء من قبيلة العولقي النافذة بسبب عدم تجنيد أفراد منها في القوّات الإماراتيّة بسبب ارتباطهم المزعوم بحزب الإصلاح والقاعدة في شبه الجزيرة العربيّة. وقال أحد كبار أفراد قبيلة العولقي إنّ هذه القضيّة قد حُلَّت.

[37] ـ مقابلة أجراها الكاتب مع أحد المسؤولين في حكومة هادي في شهر كانون الثاني 2018.

[38] ـ حوار أجراه الكاتب عبر تطبيق للرسائل النصية مع شخصيّات في اليمن ونيويورك في شهر شباط 2018

[39] ـ مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف وتطبيقات الرسائل النصيّة بين آب وتشرين الأول 2017.

[40] ـ حوار أجراه الكاتب عبر تطبيق للرسائل النصيّة في شهر كانون الأول 2017.

[41] ـ مقابلة أجراها الكاتب في عُمان في شهر كانون الأول 2017.

[42] ـ أحد العوائق الرئيسيّة أمام دخول الشايع إلى المنطقة المخاوف من وقوع اشتباكات بين رجاله والمقاتلين السلفيّين.

[43] ـ مقابلة أجراها الكاتب عبر تطبيق للرسائل النصيّة في شهر كانون الأول 2017.

[44] ـ وزارة الخزانة الأمريكيّة (2017)، مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، ‘Counter Terrorism Designations’، «تسميات مكافحة الإرهاب»، 25 تشرين الأول 2017

[45] ـ في مقابلة أجراها المؤلّف في عام 2014 قال القائد الأفغانيّ البارز طارق الفضلي إنّه بعد اتّهامه بالمشاركة في ما اتّفق على وصفه في ما بعد بأوّل هجوم للقاعدة على الغرب ـ وهو تفجير فندق في عدن عام 1992، ظن المرتكبون عن طريق الخطأ أنه كان يستضيف عسكريّين أمريكيّين  ـ  فرّ إلى جبال أبين. وهو يدّعي أنّ أحد المسؤولين في صنعاء قال له ضاحكًا «لا بأس إذا قتلتم الشيوعيّين [من قادة الجنوب] لكن لا يمكنكم أن تؤذوا الأمريكيّين».

[46] ـ بريهوني، ن. (2017)، ‘من الفوضى إلى الفوضى: جنوب اليمن 50 عامًا بعد رحيل بريطانيا‘

[47] ـ مقابلة أجراها الكاتب عبر الهاتف في شهر أيلول 2017

[48] ـ راجع على سبيل المثال هيومن رايتس واتش (2017)، ‘Yemen: UAE Backs Abusive Local Forces’ ‘اليمن: الإمارات تساند القوّات المحليّة المسيئة‘، 22 حزيران 2017، https://www.hrw.org/news/2017/06/22/yemen ـ uae ـ backs ـ abusive ـ local ـ forces  (آخر زيارة 12 تشرين الأول 2017).

[49] ـ ساليسبيري، ب. (2015)،  اليمن والحرب الباردة بين السعوديّة وإيران، يقال إنّ الزبيدي والشايع، القائدين العسكريّين في الضالع،حصلا على الأسلحة والتدريب والتمويل من إيران عن طريق البيض.

[50] ـ مقابلة أجراها الكاتب في دولة الإمارات ولندن وواشنطن على مدى عام 2017.

[51] ـ مقابلة أجرها الكاتب، من دون الإفصاح عن مكانها حفاظًا على سلامة المصدر، تشرين الأول 2017.

[52] ـ مقابلة أجراها الكاتب عن طريق تطبيق الواتساب في شهر شباط 2018.

[53] ـ مقابلة أجراها الكاتب في واشنطن في شهر كانون الثاني 2018.

[54] ـ تركّز عمليّة الأمم المتّحدة حاليّاً في التوسّط في صفقة بين تحالف الحوثيّين وصالح في الشمال الغربي وحكومة هادي المدعومة من السعوديّة بدلاً من التركيز في عدد واسع من الجماعات التي تقاتل بعضها بعضاً وتتحكّم بالأرض.

[55] ـ يرى مكتب المبعوث الخاصّ للأمم المتّحدة أنّه بالنظر إلى أنّ القضيّة الرئيسيّة للجنوبييّن هي بناء الدولة فإنّ المناقشات حول قضيّة الجنوب لا يمكن أن تبدأ إلا في إطار حوار جديد يلي اتّفاقًا ليكون على المستوى الوطنيّ.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف