البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

المواجهة مع رسول الله(ص) و آله (القصة الکاملة)

الباحث :  الأستاذ علي البهادلي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية ربيع 1417 هجـ 1997 م
تاريخ إضافة البحث :  December / 14 / 2015
عدد زيارات البحث :  1712

المواجهة مع رسول الله(ص) و آله
(القصة الکاملة)

الأستاذ علي البهادلي

تساءلتُ، وأنا أقرأ محتوى‏ موضوعات كتاب (المواجهة مع رسول اللَّه وآله ـ القصّة الكاملة)، عن جدوى‏ إثارة الأحداث التي رافقت دعوة الرسول محمد(ص)، والأحداث التي تلت عصر النبوّة، ولا سيّما ما يرتبط منها بخلافة الرسول محمد(ص) حيث حَدَثَ ما حدث من أَحداث وصفها المحامي أحمد يعقوب حسين بـ«المواجهة مع رسول اللَّه وآله».
ووضعت صيغة السؤال على‏ النحو التالي:
ما هو السبيل الأصلح للتعامل مع أحداث التاريخ الإسلامي؟ هل يتمثل في إثارة قضاياه من جديد، وغربلتها، ومناقشتها، وإعادة كتابتها؟ أم بنسيان أحداث الماضي، وتجاهلها، وتوفير الجهود الفكريَّة والعلمية، والماديّة للاهتمام بقضايا الحاضر وهموم المستقبل؟
ولا نُنكر ـ في مجال الإجابة الهادئة عن هذه التساؤلات ـ ما للاهتمام بقضايا الحاضر وشؤون المستقبل من إيجابيات وفوائد تصبُّ في صالح أبناء الأُمّة، غير أنّ تجاهل أحداث الماضي، وما وقع في صدر الدعوة الإسلامية من حوادث وانقسامات وفتن ومواجهات والاهتمام بقضايا الحاضر فقط إنّما يشبه إلى‏ حدٍّ كبير
________________________________________

[الصفحة - 244]


تجميل الصورة الخارجيّة لشي‏ء مّا وترك الداء ينخرُ في أساسه، حتى‏ إذا ما وصل الداء إلى‏ القلب انهار البناء على‏ رؤوس ساكنيه رغم كل اللَّمسات الجميلة التي لوَّنت وجهه، وزيَّنت محيّاه.
إنّ الحكمة تقتضي ـ كما نرى‏ ـ عرض وقائع التاريخ الإسلامي كما حدثت، ومناقشتها، ومن ثمّ محاكمتها محاكمةً موضوعيّة، لا سيّما أن ما هو ليس بخافٍ على‏ الكثيرين من المهتمّين بقضايا الفكر والتاريخ؛ أن التاريخ في الكثير من أحداثه ووقائعه إنَّما دُوِّن في ظلِّ رغبات الحاكمين وأهوائهم، ونزواتهم.
وفي سياق الرغبة في إعادة كتابة التاريخ؛ يأتي كتاب المحامي أحمد يعقوب حسين «المواجهة مع رسول اللَّه وآله ـ القصّة الكاملة» الذي يعرض فيه مؤلِّفه في خمسة أبواب قصة المواجهة التي حدثت بين رسول اللَّه وآله والمسلمين من جهة، وبين أعداء اللَّه وأعوانهم من جهة أخرى‏.
ويرى‏ مؤلِّفه أنه «أوّل كتاب من نوعه يعالج هذا الموضوع بذات الهيئة والمضمون والمنهجيّة».
أمّا ما يعنيه بـ «المواجهة»، من حيث دلالتها فهو: «المجابهة التي حدثت عبر التاريخ بين رسول اللَّه محمد صلّى اللَّه عليه وآله من جهة، وبين أعداء اللَّه الذين كرهوا ما أنزل اللَّه، فتبرعوا نيابة عن الجنس البشري فجابهوا رسول اللَّه وآله، وقاوموهم، وكادوا لهم كيداً، ومكروا بهم، وحاربوهم حرباً مسلّحة طوال إحدى‏ وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة قبل الهجرة وثماني سنين بعد الهجرة».
المواجهة قبل الهجرة
يمكن تحديد المواجهة قبل الهجرة من خلال كثرة الإشاعات عن بشائر النبوة والرسالة والكتاب، ولقد كثر الاهتمام بشخصيّة الرسول محمد(ص) واختلطت الأُمور على‏ بطون قريش، وزاد فضولها للوقوف على‏ حقيقة الرجل، وحقيقة الإشاعات التي تُنشَر من حوله في ذلك الوقت.
وحين يذكر المؤلِّف «بطون قريش» فهو يعني بهم تلك القبيلة التي تتألَّف من(25) بطناً وأَشْرَف تلك البطون إطلاقاً أولاد عبد مُناف: «بنو هاشم، بنو المطَّلب، بنو عبد شمس، بنو نوفل» فهم سادة بطون قريش في الجاهلية بغير منازع.
ومن خلال الإشاعات التي تسرَّبت عن النبوَّة والديانة الإسلامية الجديدة
________________________________________

[الصفحة - 245]


خلال المرحلة السريّة للدعوة التي استمرّت بصورة سرية ثلاث سنوات سمع أبو سفيان خاصّة، وبطون قريش عامّة، أن فتى‏ بني عبد المطَّلب يُكلم من السماء، حيث استثقلوا على‏ أنفسهم أن يتّبعوا هذا الغلام.
واعتبروا تلك الدعوة مؤامرة هاشميّة يريد بها محمد(ص) تغيير عقيدة الشرك السائدة في المجتمع المكّي تغييراً كاملاً واستبدالها بالعقيدة الإسلامية الجديدة، وسيتبع ذلك إلغاء الصيغة السياسية السائدة في مكة آنذاك والقائمة على‏ اقتسام مناصب الشرف بين بطون قريش، وإيجاد نظام سياسي جديد بقيادة محمد الهاشمي يحصر مناصب الشرف كلّها به ويخلفه بتدبير هذا النظام وقيادته الشخص الذي يعينه ربُّ محمد، أو يعيّنه محمد بإذن من ربِّه بعد أن يبسط سلطانه على‏ مكَّة، وبهذه النظرة للأمر، وبهذا الفهم لدعوة الرسول(ص) قدّر زعماء بطون قريش عامّة والأَمويّون بقيادة أبي سفيان خاصّة، أنّهم المتضرّرون من هذا الدّين الجديد.
ولهذا فعندما هاجر النبي ـ مُكْرَهاً ـ وكوَّن قاعدة دولته، جيَّشت بطون قريش بقيادة البطن الأموي، الجيوش، وحاربته بكل وسائل الحرب طوال ثماني سنين من أَصل عشر سنين (عمر دولة النبوّة المباركة).
وأخيراً أحاط اللَّه بهم ومكَّن نبيّه منهم، وأغلقت بوجههم كلَّ الأَبواب، ولم يبق إلاّ باب الإسلام، فأَسلمت بطون قريش عامّة، والبطن الأموي خاصة، مكرهين بعد أن غُلبوا على‏ أَمرهم وسُمّوا بالطلقاء كما يؤكِّد ذلك ابن الأثير في موسوعته التاريخية (الكامل في التاريخ، 2/272).
ولقد أخذت بطون قريش، في خطتها العدائية، للنبي ودينه وعترته وأتباعه أشكالاً متعدّدة، بدأت بالسخرية والاستهزاء، وتكذيب النبي، ثم محاولة إغرائه، ثم إيذائه والطعن بشخصيته، واختلاق الأكاذيب عليه ونشرها بين العرب، والتهديد بقتله، وفرض الحصار والمقاطعة على بني هاشم الذين احتضنوه، والطعن بالقرآن الكريم وزعمهم بأنّه أساطير الأوَّلين، والتضييق على أتباعه ومنعهم من الهجرة، ومحاولة إعادة الذين هاجروا منهم ليردّوهم عن دينهم. حتى‏ إذا ما انتقل الرسول(ص) إلى‏ الرفيق الأعلى‏؛ قبضت بطون قريش على‏ مقاليد الأمور بدعوى‏ أن محمداً(ص) رجل من قريش، وأن البطون القرشيّة أولى‏ به، لأنه منها!
________________________________________

[الصفحة - 246]


المواجهة بعد الهجرة
يتابع المؤلِّف قصّة المواجهة بين رسول اللَّه(ص) وآله من جهة، وبين بطون قريش من جهة أُخرى‏، ويعتمد المؤلِّف على‏ (حلية الأولياء) و(كنز العمّال) و(المُستدرك على‏ الصحيحين) ليقرِّر أنَّ أكثر بطون قريش بغضاً للنبي وآله وحقداً عليه هم «بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم» هكذا رتَّبهم النبي (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) (ص‏167).
فما أن وصل النبي إلى‏ يثرب حتّى‏ خرجت يثرب ومن حولها عن بكرة أبيها، ولأوّل مرّة في تاريخها لتستقبل النبي. ويمكن رصد القوى‏ الفاعلة في يثرب عند قدوم النبيّ إليها في:
1 ـ الأوس والخزرج.
2 ـ المسلمون الأنصار.
3 ـ المسلمون المهاجرون.
4 ـ القبائل اليهودية.
5 ـ المنافقون.
ولقد أُحيط سكَّان يثرب علماً بالخطوط العريضة للمواجهة التي جرت بين الرسول(ص) وبين زعامة بطون قريش خلال مدّة ال13 عاماً التي قضاها النبيّ في مكّة قبل هجرته، وفهموا بأن النبي قد أعلن علياً بن أبي طالب ولياً لعهده وإماماً من بعده. ولكي يواجه الرسول هذه الحالة رأى‏ أن أولى‏ أولوياته هي ترتيب الأوضاع الدّاخلية في الكيان السياسي للدولة الإسلامية. ولقد كانت مهمة الرسول تلك مهمة صعبة ومعقَّدة لأن تركيبة المجتمع المدني في غاية التعقيد والتشابك بحيث يتعذَّر على‏ أيّ رجل في العالم أن ينجح في قيادة هكذا شعب. أو أن يخلق بين أفراده وجماعاته حالة من الانسجام والتوافق تؤهَّلهم لأن يكونوا طرفاً موفقاً في أيّة مواجهة جدّية، ولقد عرض المؤلِّف لتوضيح ذلك تركيبة شعب المدينة بشكل موفَّق (ص‏146) . إذ تمكّن الرسول من أن يرتِّب الأوضاع الداخليَّة في يثرب، وأن يحدِّد مسارب الأمور، ومسالكها الشرعيّة، فيما رتّب أبو جهل بطون قريش الذين وقفوا بخيلهم ورجالهم استعداداً لقتال المسلمين. وكانت المواجهة في وقعة(بدر) التي انتهت بالهزيمة الساحقة للبطون. التي تلتها هزيمة الأحزاب والتي كان فيها للشجاعة التي أبداها الإمام علي عند قتل عمرو بن ودّ العامري دوراً بارزاً في نجاة الذين آمنوا (ص‏192).
ومن مواجهة لمواجهة أُخرى‏ بين النبي(ص) وآله وبين بطون قريش يصمّم النبي(ص) أن يضع حدّاً لوجود بطون
________________________________________

[الصفحة - 247]


قريش، وصمّم على‏ إجبارها على‏ الاستسلام ولكن بدون إراقة دماء، فيقدم بجيش جرّار ويفتح مكّة، فيما يطلب أبو سفيان ـ وقد رأى‏ انتصار المسلمين ـ الهدنة.
وبفتح مكة سقطت عاصمة الشِّرك، وتلقّت عقيدة الشرك ضربة قصمت ظهرها تماماً، وهدّت أركانها، وباستسلام قادة البطون هُزم أنصار الشرك وقُضي تماماً على‏ وجوده، وتكرّس مبدأ التوحيد.
قريش تواجه النبي بعد إسلامها
وتحت هذا العنوان الذي جاء ليضم الباب الثالث من الكتاب؛ يتطرّق المؤلِّف للموضوع الأساسي الذي أصبح محور اهتمام النبي(ص) بعد الفتح، ويرى‏ المؤلِّف أنه «موضوع القيادة أو الإمامة أو المرجعيّة من بعده» (ص 241) بحيث انصبّ اهتمام الرسول على ترتيب مؤسسة الإمامة أو القيادة وإبراز أهميتها، وتحديد من سيخلف النبي بعد موته في قيادة الأُمّة. حتى‏ لقد ركَّز(ص) على‏ إقناع الأمّة بأَنَّ الإمام من بعده يجب أن يكون الأعلم، والأفهم بالدِّين، والأفضل، والأتقى‏، وأصلح الموجودين في زمانه. وتلك صفات لا يعلمها إلاّ اللَّه تعالى.
ويؤكِّد المحامي أحمد يعقوب حسين أن الرسول «صرّح بنفس الجلسة التي أعلن فيها نبوته بأن وليّ عهده والإمام من بعده هو علي بن أبي طالب حيث قال له: أنت أخي وخليفتي ووصيّي فيهم من بعدي، وقال أيضاً: إن هذا أخي وخليفتي ووصيّي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. ولم يفعل ذلك النبيّ من تلقاء نفسه، إنّما هو أمر إلهي تلقّاه من ربِّه، وأمره بإعلانه» (ص 242). ولقد وقفت بطون قريش متحالفةً مع المنافقين في المدينة وما حولها ومع المرتزقة من الأعراب لمواجهة قرار تعيين علي بن أبي طالب وصيّاً وخليفة للرسول بعد موته.
ولمّا لم يكن لذلك التحالف من طاقة على‏ مواجهة الرسول عن طريق الحرب، ولربّما كان عزوف التحالف عن مواجهة الرسول بالحرب بسبب أواصر النسب بينها وبين الرسول، كما لا طاقة للتحالف هذا بمواجهة الرسول عن طريق المنطق، لأنّ قيام هذا التحالف عمل ضدّ المنطق، وليس بإمكان التحالف مواجهة الرسول عن طريق الشرع، لأن هذا التحالف ـ كما يرى‏ المحامي يعقوب ـ ما قام إلاّ لهدم الجانب السياسي من الشرع (ص 253).
________________________________________

[الصفحة - 248]

ولذلك لم يبقَ أمام قيادة التحالف إلاّ مواجهة النبي بحرب الشائعات التي تشكِّك بقول الرسول وشخصيته، واستحالة أن تكون كل أقواله من عند اللَّه وغيرها. فإذا نجحت هذه الشائعات بزعزعة الثقة ببيان الرسول المتعلِّق بالأمور السياسية، يكون أجله(ص) قد دنا، ولا تمهله المنيّة لبناء ما هدّمته قيادة التحالف، عندئذ يتم توزيع الأدوار بين كتائب التحالف، وأثناء انشغال العترة الطّاهرة بتجهيز النبيّ، يُنَصَّب خليفة من بطون قريش يجمع بيده الجاه والمال والسلطة ويواجهوا علياً وأهل بيت النبوة وبني هاشم بأمرٍ واقع، لتتحول الشائعات بعد ذلك إلى قناعات يتناقلها العامة بالوراثة، وتصبح جزءاً من الدّين.
ويتوسَّع المؤلِّف في معالجة سبع شائعات هي:
الشائعة الأولى‏: رسول اللَّه بشر ولا يحمل كل كلامه محمل الجد.
الشائعة الثانية: رسول اللَّه كان يفقد السيطرة على‏ أعصابه فيشتم ويلعن ويسب.
الشائعة الثالثة: النبي يخيّل إليه أنه يفعل الشي‏ء وما فعله.
الشائعة الرابعة: الرسول يُسقِط من القرآن.
الشائعة الخامسة: الرسول يهجر.
الشائعة السادسة: القرآن وحده يكفي ولا حاجة لحديث الرسول أو وصيته.
الشائعة السابعة: النبي مجتهد.
الإمامة أو القيادة في الإسلام‏
يرى‏ المؤلف، وهو يعالج موضوع «الإمامة في الإسلام»، في الباب الرابع، أن «الرُسل والأئمة، والقادة، ومراجع الدّول التي أقيمت بأمر اللَّه، يؤهلهم اللَّه تعالى‏ لذلك، (ص‏355). فالرسول موسى‏(ع) إختاره اللَّه للرسالة وهيّأه، وأعدّه، ورعاه، منذ أن ولدته أُمّه وحتى‏ ذلك اليوم الذي كلّفه فيه بحمل الرسالة، وكذلك داود وسليمان(عليهما السلام). والأمر نفسه في خاتم الرُّسل محمد(ص). فما من رسول إلاّ وأَهَّله اللَّه تعالى لأداء رسالته ولاتّباع ما يُوحى‏ إليه بدون زيادة ولا نقصان.
وكذلك فإنّه أعدّ الأئمة ـ من آل بيت النبي ـ وأهَّلهم وهيّأهم ليقوموا مقام الأنبياء، وليتّبعوا ما أُوحي إلى‏ الأنبياء بدقّة بدون زيادة ولا نقصان، أو بتعبير أدقّ: عصمتهم، ولم يخبرنا التاريخ البشري أن اختير نبيّ من الأنبياء أو رسول من الرُّسل
________________________________________

[الصفحة - 249]


أو إمام من الأئمة عن طريق الشورى‏ أو الانتخاب.
ويتساءل المؤلّف: من هو الإمام الذي اختاره اللَّه تعالى‏ لقيادة الأمّة بعد وفاة النبي؟
ليؤكِّد (في ص 354 وما بعدها) أن علياً بن أبي طالب(ع) جعلهُ الرسول خليفته ووصيّه من بعده تنفيذاً للأمر الإلهي، وهذا الأمر واجب الاتّباع تماماً مثل أي أمر إلهي آخر، فلقد خاطب النبي علياً في غير موقف وأمام المسلمين قائلاً: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى‏ إلا أنه لا نبي بعدي»، مما يعني أن لعلي كافّة المنازل التي كانت لهارون(ع) ولم يستثن منها إلاّ النبوّة. ومن المعروف أن المنازل التي كانت يتمتّع بها هارون هي: الوزارة، وشد الأزر، والمشاركة في الأمر، وخلافة موسى‏ عند غيابه.
ولم يكن إختيار النبي من نفسه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى * إِن هُوَ إلاّ وحْيٌ يُوحَى‏} [النجم/3 - 4]. وإنّما هو اختيار إلهي كما سبق أن عرضنا له.
ولعلَّ أنضج فصول الباب الرابع، ذلك الفصل الذي تحدّث فيه المؤلِّف عن «الدور المميّز لأهل بيت النبوّة في قيادة الأُمّة» (ص 435) إذ يعيده إلى‏ أسباب، منها:
1 ـ الأصل الشريف.
2 ـ انحدار النبي من أفضل الفرق والقبائل والبطون والبيوت، وهو خير الناس حسباً ونسباً.
3 - النصوص الشرعية التي تثبت أن الرسول وآله هم خيرة الناس، والتي استلّها المؤلف من صحيح الترمذي (2/269) والمستدرك على‏ الصحيحين (4/73) وذخائر العقبى‏ للطبري (ص‏10) وكنز العمّال (6/108) وطبقات ابن سعد (1/20).
4 - النصوص القرآنية بحقّ آل البيت(ع) كآية المباهلة (آل عمران/61). وآية أولي الأمر(النساء/59) وآية أهل الذكر (النحل/43) وغيرها.
ولقد كانت المواجهة هي مواجهة قضية أحقية أهل بيت الرسول بخلافته، بحرص قادة تحالف بطون قريش على‏ النهي عن كتابة أحاديث رسول اللَّه(ص) كوسيلة من وسائل المواجهة الكثيرة التي اتّبعت في هذا المجال.
________________________________________

[الصفحة - 250]


الانقلاب الأسود على‏ الشريعة الإلهيّة
يعالج المؤلِّف قضية الاجتماع الذي عُقِد في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة رسول اللَّه(ص) مباشرة، إذ بايع الحضور ـ عهدئذ ـ أبا بكر وفق تخطيط مُسبَق دُبِّر بإحكام بالغ، ولقد توقَّع(الانقلابيون) ـ كما يعبِّر عنهم المؤلّف ـ من صاحب الحقّ الشرعي، ومن آل محمد المبادرة على‏ الفور بالاعتراف بهذا الأمر الواقع، ومبايعة الخليفة الجديد. بيد أن ما توقَّعه(الانقلابيون) لم يحدث، ولم يتقدَّم، لا علي بن أبي طالب، ولا أحد من بني هاشم إلى‏ مبايعة الخليفة الجديد، أو إظهار الاعتراف بالأمر الواقع. وبسبب ذلك الموقف كلَّف أبو بكر عمراً بأن يذهب ويطلب من علي ومن آل البيت أن يدخلوا في ما دخلت فيه الأُمّة، وإلاّ فإن عمر بن الخطاب كان مصمماً على‏ إحراق بيت فاطمة بنت رسول اللَّه(ص) على‏ مَن فيه، وفيه علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد، وسيدا شباب أهل الجنّة ـ الحسن والحسين ـ بالإضافة إلى‏ عدد كبير من المعَزِّين بوفاة الرسول.
ولقد أقبل عمر بن الخطّاب بقبسٍ من النار فعلاً، فلقيته فاطمة بنت محمد رسول اللَّه (على‏ ما يذكره الطبري 1/167، وابن الأثير والمسعودي 1/414) فقالت: «ياابن الخطّاب أجئتَ لتحرق علينا دارنا؟
فقال عمر: نعم، أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأُمّة».
يتابع المؤلِّف قصّة المواجهة تلك متطرِّقاً للحل الذي ارتآه الإمام علي، وهو يواجه هذا الموقف فيقول: «وعندما علم الإمام [علي(ع)] بالردّة السياسية عن الإسلام، وبقوَّة القوى‏ المتحالفة التي تدعم هذه الردّة، وأن بطون قريش كلَّها: مهاجرها، وطليقها ومعهم المنافقون والمرتزقة من الأعراب يؤيّدون الانقلابيِّين ويقيمون تحالفاً وثيقاً معهم، وأن هذا التحالف قد استقطب أعداداً كبيرة من الأنصار، وأنّ قسماً من الأنصار قد تورَّط مع الانقلابيين، وأنه ليس له رافد ولا معين إلاّ أهل بيته؛ قدَّر أن المواجهة ـ بهذه الظروف ـ انتحار حقيقي بوصفه مستودع علم النبوّة، ولأهل بيته باعتبارهم شجرة النبوَّة والثقل الأصغر، وبعد أن استنفذ كافة الجهود للحصول على‏ النصرة، أو الانتصار، ولم يجدهما، عندئذ.. قرّر الإمام أن يقعد في بيته، وأن يحتج على‏ الانقلابيين احتجاجاً لا يفرِّق المسلمين، ولا يوهن الدّين، ثمَّ يسلِّم
________________________________________

[الصفحة - 251]


بالأمر الواقع ما سلمت أمور المسلمين» (ص 540 ـ 541).
ولم تتوقَّف المواجهة بين الرسول وآله(ص) من جهة، وبين بطون قريش من جهة ثانية، عند مسألة حرمان الإمام علي من حقّه بخلافة رسول اللَّه، وإنّما تعدّى‏ ذلك إلى‏ التخطيط لإقصاء الحسن والحسين ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى‏ بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى‏ الرضا ومحمد بن محمد الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي (عليهم أفضل الصلاة وأزكى‏ التسليم).
تقويم الكتاب‏
وعلى‏ الرغم من غزارة ما في هذا الكتاب من معلومات، وعلى‏ الرغم من تتبّع المؤلّف للكثير من المعلومات المتناثرة ووضعها في إطار واحد لتوضيح حقيقة(المواجهة)، وعلى‏ الرغم من اعتماده على‏ أمهات المصادر التاريخية لإثبات الكثير من الحقائق التاريخية، إلاّ هناك بعض ملاحظات يمكن الإشارة إلى بعضها في النقاط التالية:
الأولى‏: حفل الكتاب بتكرار كثير للعديد من الموضوعات، فتجد المؤلّف يتحدَّث عنها هنا، ليعود بعد صفحات متحدِّثاً عن الموضوع نفسه، وبالمعلومات نفسها. وقارى‏ء الكتاب سيعثر على‏ أكثر من شاهد على‏ ذلك.
الثانية: وكما تكررت المعلومات، فقد تكررت بعض العناوين أيضاً في أكثر من موضع، وكشاهدٍ على‏ ذلك فقد تكرر عنوان(التأهيل الإلهي) أكثر من ثلاث مرّات إذ ورد ـ أول ما ورد ـ في صفحة (355) ولكن المؤلِّف عاد وكرّره في (391)، وكرره للمرة الثالثة في ص (394) وتكرر أيضاً بألفاظ أخرى‏، ولكن بمؤدى‏ معنى‏ واحد.
الثالثة: إستطرد المؤلِّف في حديثه عن المواجهة بين بطون قريش والإمام في ما لا يقل عن (300) صفحة، فيما اقتصرت معالجته لقصّة المواجهة بين الإمام الحسن ومعاوية على‏ عشر صفحات فقط (631 - 642).
وبين الإمام الحسين ويزيد على‏ عشر صفحات أيضاً (643 - 654)، كما ضغط الحديث عن بقيّة أئمة أهل البيت التسعة وقصة المواجهة بينهم وبين الأمويين والعباسيين في (14 صفحة فقط).
فمع أننا ندرك أن أساس قصّة المواجهة إنّما هو تلك الأحداث التي حدثت في حياة رسول اللَّه وبُعيد وفاته، إلاّ أننا نتمنى‏ على‏ المؤلف الكريم إيلاء قصّة المواجهة في مراحلها التي تلت وفاة الإمام علي الأهمية التي تستحق، ـ لاسيّما فترة إمامة الحسن بن علي بن أبي طالب، حيث لا زالت المكتبة الإسلامية ـ العربية تفتقر لدراسةٍ جادةٍ في هذا المجال.
على‏ أن ما ذكرناه من ملاحظات حول كتاب (المواجهة) وما لم نذكره منها، لا يقلِّل من قيمة الكتاب، حيث ساهم بشكل فاعل في تصحيح الكثير من مفردات التاريخ، وجمع المفردات والأحداث التاريخية المتناثرة ليخرج منها بقصّة (المواجهة) بأسلوبٍ شيِّق وعناوين مثيرة، ومتابعة دؤوبة. ويبقى‏ للقارى‏ء الكريم رأيه في هذا النتاج الفكري الجديد.
________________________________________

[الصفحة - 252]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف