الباحث : السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
اسم المجلة : تراثنا
العدد : 35
السنة : السنة التاسعة / ربيع الآخر ـ رمضان سنة 1414 هـ
تاريخ إضافة البحث : January / 12 / 2015
عدد زيارات البحث : 2106
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الحكيم المالك ، الذي هدانا إلى أكمل الأديان وأقوم المسالك ، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد المبعوث بالشريعة السمحة التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم نجوم الاهتداء وأنوار الحوالك .
أما بعد :
فما زالت طوائف من أهل الخلاف ، وعصائب من ذوي التعصب والاعتساف ، يشنعون على أصحابنا الشيعة الإمامية ـ أعزهم الله تعالى ـ تجويز الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير علة ويستعظمون ذلك منهم ! مع كونه من الأمور القطعية الثابتة عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما سيتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى ـ .
على أنا ـ شهد الله ، وكفى به شهيدا ـ لن نتعبد في هذه المسألة إلا بما ثبت لدينا من أدلة الشرع الشريف من الكتاب والسنة ، بما لا مبرر معه لذلك
(الصفحة 75)
التهويل والتشنيع والإرجاف !
فحداني ذلك إلى جمع هذه الرسالة الموسومة ب : (إعلام أهل الملة بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير علة) ، وقد أودعتها من البراهين الجلية ما تثبت به الحجة على الخصم ، وضمنتها الجواب عن الشبه الواهية التي تشبثوا بها لمنع من الجمع . ولا بد ـ أولا ـ من تحرير محل النزاع فنقول :
إعلم ـ رحمك الله ـ أنا معاشر الإمامية مطبقون على استحباب تفريق الصلوات الخمس في الحضر على المواقيت المعهودة ، وإتيان كل منها في وقت فضيلتها ، وكتبهم شاهدة بذلك ، وأحاديثهم في ذا الباب مستفيضة (1) ، وأن الجمع عندهم رخصة لا غير ، إلا في عصري يوم عرفة وعشاءي ليلة المزدلفة ، فإن الجمع عندهم سنة كما عليه سائر أهل الإسلام ، وإلا في عصر الجمعة ، فإن السنة عندهم جمعها مع الأولى لقيام الدليل على ذلك .
وقد خالفت فيه العامة :
فقالت : الحنفية : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة والمزدلفة .
وأجازه الشافعي لعذر المطر ليلا كان أو نهارا .
ومنعه مالك في النهار وأجازه في الليل ، وأجازه أيضا في الطين دون المطر في الليل .
واختلفوا في عذر المرض ، فالمشهور من مذهب الشافعي والأكثرين أنه
-------------------------------------
(1) قال شيخنا الشهيد ـ رحمه الله ـ في (الذكرى) : 119 ـ : بعد كلام له في استحباب التفريق ـ : وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا ، علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك . انتهى . وقال صاحب (العروة الوثقى) ـ من أئمتنا المتأخرين ـ : يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشاءين . (كتاب الصلاة ـ فصل أوقات اليومية ونوافلها ـ مسألة 7) .
(الصفحة 76)
لا يجوز ، وجوزه أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ، وكذا أباحه مالك إذا خاف أن يغمى عليه أو كان به بطن .
ومن رام الوقوف على أسباب الجمع وشروطه عندهم فعليه بكتب فروعهم .
وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جمع بين الصلاتين في الحضر دون عذر ، وما أراد بذلك إلا التوسع على أمته رفع الحرج عنهم ، وهذا مما اتفق أهل الإسلام على صحته ، وقد رواه الفريقان بأسانيد متعددة وطرق مختلفة .
لكن المنكرين لإباحة الجمع تأولوا تلك النصوص على غير ظواهرها ـ كما ستعرف إن شاء الله ـ وطعنوا على أهل الحق باختيارهم جواز الجمع مطلقا .
إذا تقرر ذلك ، فاعلم أن الكتاب والسنة يدلان على حقية مذهب أصحابنا الإمامية في مسألة الجمع بين الصلاتين بقول مطلق وصحته ، وهما المرجع عند الاختلاف كما قال الله تعالى : (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [ سورة النساء 4 : 59 ] .
دليل جواز الجمع بين الصلاتين من القرآن الكريم :
أما الكتاب العزيز فقوله عز من قائل : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (2) .
تقريب الاستدلال بالآية : أن الله سبحانه وتعالى قد افترض على عباده في اليوم خمس صلوات ، أربعا منها من دلوك الشمس ـ وهو الزوال على
------------------------------------
(2) الإسراء 17 : 78 .
(الصفحة 77)
الصحيح ـ إلى غسق الليل ـ وهو انتصافه ـ ، فالظهر والعصر من زوال الشمس عن كبد السماء إلى غروبها ، وتشتركان في الوقت إلا أن الأولى قبل الثانية ، وكذا المغرب والعشاء تشتركان في الوقت من الغروب إلى غسق الليل إلا أن المغرب قبل العشاء ، وأفرد تبارك وتعالى صلاة الفجر بالذكر في قوله جل ثناؤه : (وقرآن الفجر) .
فالآية دالة على وجوب الصلوات الخمس ومتضمنة لبيان أوقاتها على ما هو المعروف من مذهب أصحابنا الإمامية ، ولازم اتساع الوقت جواز الجمع كما لا يخفى على ذي درية .
وقد رووا ذلك عن باقر العلم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح .
قال عليه الصلاة والسلام : قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن ، وغسق الليل هو انتصافه ، ثم قال تبارك وتعالى : (وقرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا) فهذه الخامسة .
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام في قوله تعالى : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال : منها صلاتان أول وقتهما من زوال الشمس إلا أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه .
وهذا مذهبه ومذهب آبائه وأبنائه الطاهرين الكرام صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، وهم عيبة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسفن نجاة الأمة ، وعدل القرآن ، وأمناء الوحي ، فمن ذا الذي ينكر فقه هؤلاء الأمجاد ؟ أم أي منصف يعرض عن مذهب أولئك الأسياد ؟ ! فالمتعين على المسلم الانقطاع إليهم في الأصول والفروع ، لانهم أدرى بمقاصد القرآن العظيم والذكر الحكيم ، كيف لا ؟ ! وقد نزل الكتاب في بيوتهم ، فهم أولى
(الصفحة 78)
بالاتباع من الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل المذاهب الفقهية ، لأن هؤلاء أيضا ينتهون في العلم إليهم عليهم السلام ، وقد أخذ الإمامان أبو حنيفة ومالك عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، وقوله : (لولا السنتان لهلك النعمان) يشهد بها الخافقان .
ولنعم القول قول شيخ الإسلام العلامة الشيخ سليم البشري المالكي : إن الأئمة الاثني عشر أولى بالاتباع من الأئمة الأربعة وغيرهم ، لأن الأئمة الاثني عشر كلهم على مذهب واحد قد محصوه وقرروه بإجماعهم بخلاف الأربعة ، فإن الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها فلا تحاط موارده ولا تضبط .
قال : ومن المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد لا يكافئ في الضبط ما يمحصه اثنا عشر إماما ، هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف ، ولا وجهة لمتعسف . انتهى (3) .
أخرج الصدوق ابن بابويه رحمه الله في (الفقيه) بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه السلام ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بن المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد وإقامتين .
وأخرجه الشيخ رحمه الله في (التهذيب) بإسناده عن عمر بن أذينة ، عن رهط منهم الفضيل بن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام .
وأخرج في (العلل) عنه عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب ، فقال له عمر ـ وكان أجرأ القوم عليه ـ : أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، ولكن أردت أن أوسع على أمتي .
--------------------------------------
(3) المراجعات ـ للإمام شرف الدين العاملي رحمه الله ـ : 129
(الصفحة 79)
وأخرج في (العلل) أيضا بإسناده عن عبد الملك القمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أجمع بين الصلاتين من غير علة ؟ قال : قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أراد التخفيف عن أمته .
وأخرج ثقة الإسلام الكليني ـ رحمه الله تعالى ـ في (الكافي) بإسناده عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتسع الوقت على أمته .
وأخرج الشيخ رحمه الله في (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار) بإسناده عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : نجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة ؟ قال : لا بأس (4) .
ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول :
ذكر الإمام فخر الرازي في (مفاتيح الغيب) (5) كلاما شافيا في تفسير الآية آنفة الذكر ، قال : فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة ـ وحكاه عن ابن عباس وعطاء والنضر بن شميل ـ كان الغسق عبارة عن أول المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات : وقت الزوال ، ووقت أول المغرب ، ووقت الفجر .
قال : وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مطلقا ، إلا أنه دل الدليل على أن الجمع
------------------------------------
(4) تفصيل وسائل الشيعة 4 / 220 ـ 223 . (5) مفاتح الغيب (التفسير الكبير) 21 / 26 ـ 27 .
(الصفحة 80)
في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فيوجب أن يكون الجمع جائزا لعذر السفر وعند المطر وغيره . انتهى .
قلت : ما أحسن ما استنبطه هذا الإمام الجهد من الآية الشريفة ، إلا أنه مال باستدراكه عن الحق وحاد عن الصواب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى على ما ظنه مانعا من جواز الجمع في الحضر مطلقا .
فإن قيل : إن الآية مخصوصة بفعل الرسول أو بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ـ كما ذكره النيسابوري في تفسيره (6) .
قلنا : أما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلا دلالة فيه على التخصيص في المقام ، لأنه أعم من مورد النزاع ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن مواظبته عليه وآله الصلاة والسلام على التوقيت في غالب الأحوال لا يدل على تعينه ووجوبه ، وإن دل على أفضليته واستحبابه .
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يقتضي عدم جواز الجمع بين الصلاتين .
إذ غاية ما يدل عليه هذا الحديث وجوب متابعته صلى الله عليه وآله وسلم في هيئة الصلاة وأفعالها ، وإلا فقد أدعي أنه لا يدل ـ في نفسه ـ على الوجوب والاستحباب ، وغيرها ، ضرورة اشتمال صلاته عليه وآله الصلاة والسلام على بعض المندوبات والمباحات ، والتمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا .
على أن السنة قد بينت أنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين في وقت واحد من غير عذر ولا علة ، فلا مجال للتوهم المذكور .
ولعمري إن من نظر بعين الإنصاف ، ونزع عنه جلباب التعنت والاعتساف ، أذعن بدلالة الآية على مذهب أصحابنا الإمامية ـ نصر الله بهم
----------------------------------------
(6) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ـ المطبوع بهامش تفسير الطبري ـ 15 / 74 .
(81)
الحق ـ من جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقا ، والله يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم .
أدلة جواز الجمع بين الصلاتين من السنة :
وأما السنة : فمستفيضة بين الفريقين ، صريحة في جواز الجمع في الحضر ، لا يرتاب في ذلك ذو تحصيل ، حتى قال إمام الحرمين الجويني الشافعي : ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها التأويل ـ كما حكاه الزرقاني في شرح الموطأ (7) ـ ونحن ورد منها هاهنا ما يتم به المقصود إن شاء الله تعالى فنقول :
أخرج أحمد والبخاري ومسلم (8) عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ، قال عمرو بن دينار : قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك .
وأخرجوا أيضا (9) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
وأخرج أحمد ، عن جابر بن زيد ومسلم والترمذي (10) عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير
-----------------------------------------
(7) شرح الموطأ 1 / 295 .
(8) مسند أحمد 1 / 221 ، صحيح البخاري 2 / 72 ، صحيح مسلم 2 / 152 .
(9) مسند أحمد 1 / 223 ، صحيح مسلم 2 / 152 ، سنن الترمذي 1 / 354 .
(10) مسند أحمد 1/ 223 ، صحيح مسلم 2/ 152 ، سنن الترمذي 1 / 354.
(الصفحة 82)
خوف ولا مطر
ورواه ذلك مالك في (الموطأ) (11) ومسلم في صحيحه بلفظ : في غير خوف ولا سفر ، قال مالك : أرى ذلك كان في مطر ، انتهى .
قال مسلم : وفي حديث وكيع قال : قلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : كي لا يحرج أمته ، وفي حديث أبي معاوية : قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته .
وأخرج أحمد ومسلم أيضا (12) عن عبد الله بن شقيق العقلي ، قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني يقول : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنة لا أم لك ؟ ! ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته .
وقد علق سيدنا الإمام شرف الدين العاملي ـ رحمه الله ورضي عنه وأرضاه ـ على ذلك فقال (13) : من هوان الدنيا على الله تعالى وهوان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على هؤلاء أن يحوك في صدورهم شيء من ابن عباس فيسألوا أبا هريرة ، وليتهم بعد تصديق أبي هريرة عملوا بالحديث . انتهى .
وأخرج مسلم (14) عن عبد الله بن شقيق أيضا ، قال : قال رجال لابن
---------------------------------------
(11) الموطأ 1 / 144 ح 4 ، صحيح مسلم 2 / 151 .
(12) مسند أحمد 1 / 251 ، صحيح مسلم 2 / 152 ـ 153 ، وكذا رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار وأبو داود الطيالسي في مسنده 11 / 355 .
(13) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين .
(14) صحيح مسلم 2 / 153 .
(الصفحة 83)
عباس : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : لا أم لك ، أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ !
وأخرج البخاري (15) عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والغرب والعشاء ، فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى.
قلت : سيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى .
وأرسل البخاري أيضا (16) عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى المغرب والعشاء ، يعني جمعهما في وقت إحداهما دون الأخرى .
وأخرج مسلم (17) عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر ، قال أبو الزبير : فسألت سعيدا لم فعل ذلك ؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.
وأخرج أيضا في (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر) من صحيحه (18) عن سعيد بن جبير ، قال : حدثنا ابن عباس :
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك ، فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال سعيد : فقلت لابن عباس : ما حمله على ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته .
--------------------------------------------
(15) صحيح البخاري 1 / 143 ـ 144 .
(16) صحيح البخاري 1 / 148 .
(17) صحيح مسلم 2 / 15 .
(18) صحيح مسلم 2 / 151 .
(الصفحة 84)
وأخرج في الباب المذكور (19) حديثين عن أبي الطفيل عامر بن وائلة ، قال : حدثنا معاذ بن جبل ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك ؟ قال : فقال : أراد أن لا يحرج أمته .
واعلم أن حديث ابن عباس ومعاذ بن جبل في جمعه صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك لا يختص بمورده ـ أعني السفر ـ إذ علة الجمع فيه مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفرا ، ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي ، وإنما هي كالعام يرد في مورد خاص فلا يتخصص به ، بل يطرد في جميع مصاديقه إذ العبرة بعموم الوارد دون المورد ، ولذا ترى الإمام مسلما لم يورده في باب الجمع في السفر ، إذ لا يختص به ، وإنما أورده في باب الجمع في الحضر ، ليكون من أدلة جواز الجمع بقول مطلق ، وهذا من فهمه وعلمه وإنصافه ـ كما قال الإمام ابن شرف الدين رحمه الله (20) ـ .
وأخرج أبو داود في سننه (21) عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله بين الظهر والعصر والغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته .
وأخرج عنه أيضا (22) عن ابن عباس ، قال : صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ثمانيا وسبعا ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء . وأخرج النسائي في سننه (23) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، من
--------------------------------------
(19) صحيح مسلم 2 / 152 .
(20) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين .
(21) سنن أبي داود 2 / 6 ح 1211 .
(22) سنن أبي داود 2 / 6 ح 1214 .
(23) سنن النسائي 1 / 290 .
(الصفحة 85)
غير خوف ولا سفر
وأخرج عنه أيضا (24) قال : صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا .
وأخرج عنه أيضا (25) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير خوف ولا مطر ، قيل له : لم ؟ قال : لئلا يكون على أمته حرج .
وأخرج النسائي في سننه وأبو نعيم في الحلية (26) عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيئ ، فعل ذلك من شغل ، وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثماني سجدات ليس بينهما شيء .
وأخرج عبد الرزاق بن همام في جامعه ، قال : أنبأنا ابن جريح ، عن عمرو بن شعيب ، قال : قال عبد الله بن عمر : جمع لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقال رجل لابن عمر : لم ترى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ؟ قال : لئلا يحرج أمته إن جمع رجل (27) .
وأخرج أبو نعيم في الحلية (28) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان ركعات جميعا ، وسبع ركعات جميعا ، من غير
-------------------------------------------
(24) سنن النسائي 1 / 290 .
(25) سنن النسائي 1 / 290 .
(26) سنن النسائي 1 / 286 ، حلية الأولياء 3 / 90 ، مسند أبي داود الطيالسي 10 / 341 ح 2613.
(27) مصنف عبد الرزاق 2 / 556 ح 4437 ، كنز العمال 2 / 242 ح 5078 .
(28) حلية الأولياء 3 / 90 .
(الصفحة 86)
مرض ولا علة
وأخرج الطبراني في الصغير ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء .
وأخرج أيضا في الأوسط (29) والكبير ، بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعني بالمدينة ـ بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي .
وأخرج الطحاوي في : معاني الآثار [ 1 / 161 ] بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة .
وأخرج البزار في مسنده ، عن أبي هريرة ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصلاتين بالمدينة من غير خوف .
وغير ذلك من السنن المستفيضة الواردة في هذا الباب .
على أن في هذا القدر غنية وكفاية لأولي البصائر والألباب .
وهذه الأحاديث صريحة في أن جمعه صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر إنما هو لبيان جواز الجمع ومشروعيته ، لئلا يتوهم حظره من مداومته صلوات الله وسلامه عليه على التفريق ، ومواظبته على التوقيت في غالب الأحوال .
وهي روايات صحيحة أخرجها أصحاب الصحاح وأرباب السنن والمسانيد ، فترك الجمهور العمل بها لا يقدح في صحتها ، ولا يوجب سقوط الاستدلال بها ـ كما صرح بذلك الشوكاني في نيل الأوطار (30) ـ .
-------------------------------------
(29) المعجم الأوسط ، المعجم الصغير 2 / 94 ، المعجم الكبير 10 / 269 ح 10525 .
(30) نيل الأوطار 3 / 248 .
(الصفحة 87)