البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

المستشرِقون والوَحي

الباحث :  الشيخ علي حسن غلوم
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  50
السنة :  السنة الرابعة عشر خريف 1430هجـ 2009 م
تاريخ إضافة البحث :  June / 24 / 2015
عدد زيارات البحث :  3383

المستشرِقون والوَحي

الشيخ علي حسن غلوم (*)

لم يسلم الوحي من حين بدء الرسالة المحمديّة، من الإثارات والشُبهات التي هدَفت ـ وتهدف ـ عادةً إلى إنكار ارتباط نبيّ الإسلام محمَّد(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) بالسماء كدأب المشركين وأهل الكتاب، أو إنكار أصل وجود الوحي السماويّ كما ذهب إليه الماديّون.
وفي القرآن الكريم عدّة آيات تتَحدَّث عمَّا أُثير في عصر النبوّة حول هذا الموضوع، ومنها زعْم أنَّ ما يأتي به النبيُّ هو:
ـ من تأليفه وإنشائه مع الاستعانة بآخرين: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً } (الفرقان، 4).
ـ أو أنَّه حصيلة دراسته عند أهل العلم بكتبِ الماضين وأخبارهم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } (النحل، 103).
ـ أو أنَّه بالإضافة إلى ما سبق تخليطات غير عقلائيّة: {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ } (الدخان، 14)
ـ أو انعكاساتٌ لأحاديث النفس واللاشعور: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } (الأنبياء:5)... وغير ذلك.
________________________________________
(*)كاتب وأستاذ في الحوزة العلمية، الكويت.

[الصفحة - 200]


وعندما بدأ المستشرقون بحوثهم حول الإسلام، كان الوحي عنواناً رئيساً فيما تناولوه في موضوعاتهم التي لم تبتعد كثيراً في محاورها الرئيسة عمَّا أُثير حول الإسلام والوحي ونبوّة محمَّدٍ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) في عصر النبوّة، وإنْ أُلبست ثوباً ادَّعوا علميَّـته وحياديَّته.
الاستشراق في ميزان اللغة والاصطلاح
لم ترد كلمة (استشراق) في قواميس اللغة القديمة، ولكنها مترجمةٌ عن كلمة (Orient) وتعني الشرق باللاتينيّة (1)، فكلمة الاستشراق مشتقَّة من مادة (شرق)، التي تعني شَرْق الشمس إذا طلعت (2)، واستعملت ترجمةً لكلمة (Orientalism)، وترمز إلى مجال الاهتمام بهذا الحيِّز المكانيّ من الكون وهو الشرق، ولذا أُضيف إليها الألف والسين والتاء والتي تعني طلب الشرق؛ أي طلب علوم الشرق وآدابه وأديانه بصورةٍ شاملةٍ، ومنهم من يقول: «ليس القصد منه الشرق المكانيُّ الجغرافيُّ، وإنَّما هو الشرق المقترن بالشروق والنور والهداية» (3).
وعبّر البعض عن أصحابها بعنوان (علماء المشرقيِّات)، ولكن كلمة (مستشرقون) أكثر شيوعاً(4).
أمَّا اصطلاحاً فقد عُرِّف الاستشراق بعدَّة تعريفات منها:
ـ دراسة يقوم بها الغربيِّون لتراث الشرق، بمَّا يتعلَّق بتاريخه ولغاته وآدابه وعلومه (5).
ـ هو طلب علوم أهل الشرق ولغاتهم (6).
ـ دراسة يقوم بها الغربيِّون لتُراث الشرق وحضارته، وبخاصّة كلّ ما يتعلَّق بتاريخه ولغاته وآدابه وفنونه وعلومه وتقاليده وعاداته واتِّجاهاته النفسيّة وحالاته الاجتماعيَّة (7).
ـ اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين بغضّ النظر عن وجْهة المُشتغل الجغرافيَّة وانتماءاته الدينيَّة والثقافيَّة والفكريَّة (8).
________________________________________
(1)الجيلي محمَّد الكباشي، المستشرق نيكولسون ومفترياته على الإسلام ص17 رسالة علمية غير منشورة جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية.
(2)ابن منظور، لسان العرب مادَّة شرق.
(3)محمَّد بن سعيد السرحاني، الأثر الاستشراقي في موقف محمَّد أركون من القرآن الكريم، ص 3-4، وباعتقادي أن لا صحَّة للمراد الثاني.
(4)الاستشراق نشأته وتطوَّره وأهدافه، إسحاق محمَّد الحسيني، ص 1.
(5)محمد حسين الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، ص11.
(6)الجيلي، المستشرق نيكولسون، ص17.
(7)المستشرقون والدّراسات القرآنيّة، ص 11.
(8)الاستشراق والدّراسات الإسلاميّة، ص 124.

[الصفحة - 201]


وذهب البعض إلى أنَّ مفهوم الاستشراق أشمل فهو يعني مُطلَق عناية الغرب بدراسةِ آداب وثقافةِ أقطار الشرق، كالصين، والهند وفارس، واليابان، والعالم العربيّ والإسلاميّ، وغيرها، حتَّى أنَّه استُبدلَ مؤخراً في بعض المؤسَّسات العلميَّة الغربيَّة بمصطلح (الدِّراسات الآسيويَّة)، وهذا ما يكشفه التعريف الوارد في بعض الموسوعات الإنجليزيَّة، وجاء فيها:
Orientalist or Oriental studies:
the academic field of study that embraces Near Eastern and Far Eastern societies and cultures, languages, peoples, history and archaeology; in recent years the term Asian studies has mostly replaced the older term (9).
هذا، وقد ألحق البعض بالاستشراق ما تبثُّه وسائل الإعلام الغربيَّة من كتاباتٍ وبرامجَ تتناول الإسلام والمسلمين وقضاياهم.
أمَّا الدكتور (شتيفان فيلد) (10)فاعتبر أنْ لا مجال لشيء اسمه (استشراق) أو (استغراب) ـ كحركةٍ مضادَّة ـ لأنَّه لا يُمكن أن يكون الشرق مجالاً لتخصّص أحدٍ من الباحثين، «فكلُّ من الشرق والغرب من الاتِّسـاع بحيث لا يُمكن لأحدٍ الادِّعاء بأنَّ أيّاً منهما يُعَدُّ مجال تخصّصه. ويُوجد اليوم من الجغرافييِّن، والمؤرِّخين، والمتخصِّصين في الأدب، والعلوم السياسيَّة، وعلوم الّلغات، وعلم الاجتماع، ومقارنة الأديان، والخبراء في الفنون، ووسائل الإعلام من يشتغلون بنواحٍ مُختلفةٍ لمناطق وثقافات مُختلفةٍ في العالم، ولكل واحدٍ من هذه العلوم مناهجه الخاصّة، وفي العلوم الإنسانيّة بالذات يسود الخلاف الحادّ حول المسائل المنهجيَّة» (11).
نشأة الاستشراق وتطوَّره
الاختلاف الوارد بين الباحثين حول تحديد نشأة الاستشراق، يرتبط بالأساس بالاختلاف بينهم في تعريف مُصطلح الاستشراق وتحديد مفهومه، فمن يرى بأنَّه دراسة الغرب لأديَان الشرق وثقافتهِ دون حصره في دراسة الإسلام، يحدِّد بداية نشأة الاستشراق بأوَّل اتِّصال بين الشرق والغرب قبل الميلاد مع بداية
________________________________________
(9)http://en.wikipedia.org/wiki/Orientalist.
(10)مستشرق ألماني معاصر من مواليد 1937، وهو مدير معهد الدراسات الشرقية بجامعة بون، وعمل لمدة 6 سنوات بالمعهد المشرقي الألماني ببيروت.
(11)شتيفان فيلد، ملاحظات على مساهمات المستشرقين في الدراسات القرآنية، ص 1.

[الصفحة - 202]


الصراع بين الفرس واليونان في القرن السادس قبل الميلاد، ثمَّ ما كتبه هيرودوتس اليونانيَّ عن الشرق، ثمَّ الاكتساح اليونانيّ بقيادة الإسكندر الأكبر بلادَ الشرق إلى أنْ أشرفَ على أبواب الصين في القرن الرابع قبل الميلاد (12). وأمَّا الذين يعرِّفون الاستشراق بأنَّه دراسة الغربيين للإسلام والمجتمعات الإسلاميَّة، فقد اختلفوا أيضاً في تحديد نشأته، ومن أقوالهم أنَّه بدأ:
1ـ بظهور الإسلام وما وقع من جدلٍ وحوارٍ بين المسلمين وأهل الكتاب، ومحاولات اليهود والنصارى للتشّكيك في عقيدة المسلمين وفي معجزات الرسول(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) (13)، وترسَّخ هذا الجدل بما كتبه يوحنَّا الدمشقيّ، في بداية القرن الثاني الهجريّ، من رسائلَ لمحاورةِ المسلمين ونُصرة إخوانه من النصارى في تلك الفترة (14).
2ـ بالفتح الإسلاميِّ للأندلس في بداية القرن الثامن الميلاديّ؛ إذ شهدت جامعات إشبيلية، وقُرطبة، وغَرناطة، إقبالاً كبيراً من الأوربيِّين لدراسة الحضارة الإسلاميَّة، وخصوصاً مع ازدهار حركة ترجمة الكتب العربيَّة إلى اللُّغات الأوربيِّة في تلك الفترة (15).
3ـ بتزايد اهتمام الغرب باللغة العربيَّة وآدابها في القرن العاشر الميلاديّ، وتزايد الاهتمام بحركة الترجمة، وكان من أبرز من اهتمَّ بهذا الاتِّجاه الراهب الفرنسيّ (سلفستر الثاني) الذي درس في الأندلس ثمَّ تقلَّد منصب البابويَّة عام 999م، وأوصى بفتح المدارس وبترجمة التُّراث الإسلاميّ إلى اللُّغات الأوروبيَّة (16).
4ـ بظهور أوَّل ترجمةٍ لاتينيَّة لمعاني القرآن الكريم في القرن الثاني عشر الميلاديّ بتوصيةٍ من بطرس الملقَّب بالمحترم الذي زار الأندلس، وأوصى بإصدار أوَّل ترجمةٍ لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينيَّة عام 1143م، وهو قول ذهب إليه لمُستشرق الألمانيّ (رودي بارت) (17).
________________________________________
(12)أحمد سمايلوفتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، ص71.
(13)محمَّد حسيني أبو سعدة، الاستشراق والفلسفة الإسلامية، ص35.
(14)ينظر: السيّد أحمد فرج، الاستشراق: الذرائع ـ النشأة ـ المحتوى ص48. ويوحنَّا الدمشقيّ هو (منصور بن سرجون الدمشقيّ) ولد سنة 676 م في مدينة دمشق بسوريا من عائلة سورية مسيحيَّة عربيَّة.
(15)ينظر: أحمد سمايلوفتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، مرجع سابق، ص67.
(16)ينظر: العقيقي، المستشرقون، دار المعارف ج 1، ص110. وسلفستر الثاني اسمه غربيرت دورياك، شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويُقال أنَّه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربيَّة على أثر دراستة في جامعة القرويّين.
(17)الدِّراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص11. وبطرس الملقَّب بالمحترم Peter the Venerable قال أن محمدا هو السابق للمسيح الدجال والمحضر له وأنه خليفة آريوس وقد أمر بترجمة القرآن إلى اللاتينية، وبجمع معلومات عن محمد من أجل أن يقوم علماء المسيحية بتفنيد الإسلام. أما رودي بارت فهو مستشرق ألماني ولد عام 1901 وقد ترجم القرآن إلى اللغة الألمانية.

[الصفحة - 203]


5ـ بانعقاد (مجمع فيينَّا) عام 1312م والذي أوصى بإنشاء كراسي اللُّغة العربيَّة في جامعات (أكسفورد) و(كامبردج) و(بولونيا) و(روما) و(السوربون) (18).
وفرّق البعض بين بداية الاستشراق اللاهوتيِّ على نحوٍ رسميّ والذي تمَّ حين صدور قرار مجمع (فيينَّا) الكنسيّ عام 1312م وإنشاء عددٍ من كراسي اللُّغة العربيَّة في عددٍ من الجامعات الأوروبيَّة؛ بينما لم يظهر مفهوم الاستشراق (Orientalism) في أوروبا إلا مع نهاية القرن الثامن عشر، حيث ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، ثمَّ في فرنسا عام 1799م كما أُدرج في قاموس الأكاديميَّة الفرنسيَّة عام 1838م (19).
واعتبر (محمود زقزوق) الباحث في شؤون المستشرقين أنَّ القرنين التاسع عشر، والعشرين يُعدّان عصري الازدهار الحقيقيّ للحركة الاستشراقيَّة؛ إذ ظهرت في هذين القرنين الجمعيَّات الاستشراقيَّة التي نشطت في إصدار المجلات والمطبوعات الاستشراقيَّة، وشهد القرن التاسع عشر بداية المؤتَمرات الدوليَّة للمستشرقين؛ إذ عُقد أوَّل مؤتمرٍ دوليّ عام 1873م (20).
مصنَّفات المستشرقين حول الوحي والقرآن
تعدَّدت هذه المجالات، فمنها ما يرتبط بالقرآن والسيرة والعقيدة والحديث، وأُخرى ترتبط بالفنِّ والاجتماع والأدب والجغرافيا وغير ذلك. وصنّف المستشرقون مؤلَّفات عديدة حول القرآن الكريم، وركَّزت في كثيرٍ من الأحيان على التشكيك في حقيقة الوحي وإثارة الشبُهات حول دور بعض علماء أهل الكتاب والإلقاءات النفسيَّة للنبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) في ما كان يُخبر به من وحي السماء. ومن بين تلك الكتب والأبحاث:
1ـ المدخل إلى القرآن: بلاشير (21).
2ـ القرآن العربي: أ. ر. جب (22).
3ـ المصادر الأصليَّة للقرآن: سانت كلير تسدال (23).
________________________________________
(18)ينظر: إدوارد سعيد، الاستشراق، مرجع سابق، ص80.
(19)الموسوعة الميسَّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالميَّة للشباب الإسلامي.
(20)ينظر: محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفيّة الفكرية للصراع الحضاريّ، ص50.
(21)المستشرق بلاشير الفرنسي، ولد عام 1900 وتعلَّم العربية في المغرب وأنجز انجاز قاموس ثلاثي اللغات يدعى: القاموس العربي ـ الفرنسي ـ الانكليزي.
(22)المستشرق الإنجليزي إلياس جون جب، ولد في أسكتلندا عام 1857 ويُعد من المتخصِّصين في الأدب التركيّ.
(23)منصر بروتستانتي عاش في إيران وتوفي في أوائل القرن العشرين، ويُعدّ كتابه هذا أعنف جدليَّة ضد أصالة القرآن الكريم.

[الصفحة - 204]


4ـ جمع القرآن: جون بيرتون (24).
5ـ مقدِّمة القرآن: ريتشارد بِل (25).
6ـ مصادر تاريخ القرآن: آرثر جفري (26).
7ـ قصَّة الآيات الشيطانيَّة، آيات الغرانيق، الدوافع والتفسير: مونتجمري وات (27).
8ـ مقدِّمة القرآن: مونتجمري وات.
9ـ تاريخ النصِّ القرآنيّ: أجنتس جولدتسيهر (28).
10ـ تاريخ النصِّ القرآنيّ: تيودور نيلدكه (29).
11 ـ تاريخ القرآن: برجشتراسر (30).
12ـ مشروع لاستعمال أسلوب النقد في نشر القرآن: براجشتراسر.
13ـ القرآن والعربيَّة: بول رنست كاله (31).
14ـ القرآن، بحثٌ نُشر بصحيفة دراسات الشرق الأدنى: بول رنست كاله.
15ـ مدخل تاريخيّ نقديّ إلى القرآن: جوستاف فايل (32).
وممَّا يُعاب على مصنَّفاتهم أنَّها في كثيرٍ من الأحيان نتاجُ أفكارٍ وتصوّراتٍ سابقةٍ تَفرض عليهم منهجيَّة معيَّنة تدفعهم إلى تصيّد الأدلِّة المزعومة لإثبات تلك التصوّرات من خلال كُتب الأدب والدِّين والتاريخ، حتّى لو كانت قاصرةً تماماً من الناحية العلميّة والإثباتيّة، وهذا الأمر ـ كما هو واضح ـ بعيدٌ تماماً عن الحياديَّة العلميَّة التي يُفترض أن يتحلَّى بها الباحث عن الحقيقة أو الساعي لتقديم مادّة علميّة مجرَّدة، بعيداً عن الشخصانيّة والأهواء الذاتيَّة.
وقد أفرد (الدكتور محمَّد عامر مظاهري) بحثاً حول عمليَّة (الإسقاط) الحاصلة من قبَِل المستشرقين في الدِّراسات القرآنيَّة (33)، قال في مقدِّمته: «المناهج المتَّبَعة في أيّ كتابةٍ علميَّة هي الأساس الذي به يُحكم لها أو عليها، فإنَّ دراسة المناهج الاستشراقيَّة أمرٌ لا بدّ منه في مجالِ نقد الاستشراق، ومن ناحيةٍ أُخرى
________________________________________
(24)مستشرق معاصر ورئيس قسم الدِّراسات العربية بجامعة أندروز.
(25)مستشرق ألماني ترجم القرآن الكريم عام 1937.
(26)بروفيسور معاصر في اللغات الساميَّة بمعهد الدِّراسات الشرقيَّة في القاهرة اهتمَّ بالمخطوطات المتعلِّقة بالقرآن الكريم.
(27)مستشرق إنجليزي ولد عام 1937 ومتخصِّص في الدِّراسات الإسلامية وعميد لقسم الدِّراسات العربيَّة في جامعة أدنبرا وصاحب العديد من المؤلَّفات في الفلسفة الإسلاميَّة، ومقارنة الأديان، والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلاميَّة.
(28)مستشرق مجري يهوديّ ولد عام 1850 أقام في القاهرة وفلسطين وصار أستاذاً للغات الساميَّة في جامعة بودابست.
(29)شيخ المستشرقين الألمان ولد عام 1836 ودرس الآراميَّة والفارسية والتركيَّة والعربية وحصل على الدكتوراه الأولى حول تاريخ القرآن، وله مؤلَّفات عديدة وتتلمذ على يديه كثير من المستشرقين اللاحقين.
(30)مستشرق ألماني ولد في عام 1886م، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ليبزج سنة 1911م، برسالته عن استعمال حروف النفي في القرآن الكريم، وله كتاب الأطلس اللغوي، واختير عميداً لكلية الآداب بميونخ.
(31)مستشرق ألماني ولد في عام 1875م، اختص بترجمة النص العبري للكتاب المقدس ودرس في عدة جامعات في ألمانيا وبريطانيا.
(32)مستشرق ألماني يهودي ولد في عام 1808م، تعلم العبرية والفرنسية في طفولته ثم تخصص في اللاهوت وانتقل إلى بلاد المسلمين وعمل أٍتاذا مساعدا في جامعة هيلدبرج.
(33)الإسقاط في علم النفس الحديث: تفسير الأوضاع والمواقف والأحداث بتسليط خبراتنا ومشاعرنا عليها، والنظر إليها من خلال عملية انعكاسٍ لما يدور في داخل نفوسنا.

[الصفحة - 205]


فإنّ منهج الإسقاط منهج هامٌّ وخطير، وقد استعمله كثيرٌ من المشتغلين بالدراسات القرآنية من المستشرقين، ولم يلقَ ـ بعدُ ـ من الدارسين المسلمين اهتماماً يُذكَر» (34). وأضاف: «عند دراسة القرآن الكريم وعلومه، مارس المستشرقون عمليَّة الإسقاط متأثِّرين بخلفيَّاتهم العقَديَّة وموروثاتهم الفكريَّة ومندفعين بدافعٍ نفسيّ يهدف إلى رَمي القرآن الكريم بما ثبَت في حقِّ كُتبهم المقدّسة ودياناتهم المحرّفة، محاولين بذلك الانتقاص من قدْر هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي ـ لا محالة ـ يشهد له في كلِّ عصر شهودٌ جُددٌ بالإعجاز والعظمة» (35).
ولا يَغيب عن المطَّلِع مدخليَّة الصراع الإسلاميّ المسيحيّ منذ بدايات العصر الإسلاميّ، وانحسار الامتداد الواسع الذي كانت تشكِّله دولة الروم المسيحيَّة في الشرق لمصلحة دولة الإسلام، وما تَبِعَ ذلك من فتوحاتٍ وصلت إلى فرنسا بعد الأندلس، ثمَّ الحروب الصليبيَّة ومن بعدها عصر النهضة ومن ثمَّ التنوير حيث فُتحت أبواب الاستعمار على مصراعيه.
إلا أنَّ من الإنصاف القول بأنَّ في ما بين أيدينا من إرثٍ حديثيّ مدوّن ـ وغير منقّح ـ يقدِّم التبريرات الكافية في بعض الأحيان لتقديم صورةٍ مغلوطةٍ عن الوحي، وكذلك عن قضايا أُخرى تشوّه صورة الإسلام، وهو ما يَستدعي معالجتها بالبحث والتمحيص والقول الصريح الذي لا يتعارض مع القرآن الكريم وأصول العقيدة الإسلاميَّة، وإنْ وردت تلك الأخبار في كُتب الصحاح، بديهةَ ضرورة صيانة شخص النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) والوحي والقرآن عن كلِّ ما يمكن أن يمسَّهم بسوء.
ومن أمثلة تلك الأخبار ما جاء في تاريخ الطبريّ عن عبيد بن عمير بن قتادة في حديث: «.. حتَّى إذا كان الشهر الذي أرادَ الله عزَّ وجلَّ فيه ما أراد من كرامته من السَنَة التي بعثه فيها وذلك في شهر رمضان خرج رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) إلى حِرَاء، كما كان يخرج لجواره معه أهله حتَّى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله فقال رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) : "فجاءني وأنا
________________________________________
(34)محمَّد عامر مظاهري، منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين ص 3-4.
(35)م. ن. ص 10.

[الصفحة - 206]


نائم بنمطٍ من ديباج فيه كتاب فقال : اقرأ، فقلت : ما أقرأ فغتَّني حتَّى ظننت أنَّه الموت ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ماذا أقرأ؟ وما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود إليّ بمثل ما صنع بي، قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله علم الانسان ما لم يعلم، قال: فقرأته، قال: ثمَّ انتهى ثمَّ انصرف عنّي وهببت من نومي، وكأنَّما كتب في قلبي كتاباً، قال ولم يكن من خلق الله أحدٌ أبغض إليّ من شاعرٍ أو مجنونٍ، كنت لا أُطيق أنْ أنظر إليهما، قال: قلت: إنَّ الأبعد، يعني نفسه لشاعرٍ أو مجنونٍ، لا تحدَّث بها عني قريش أبداً، لأعمدنَّ إلى حالقٍ من الجبل فلأطرحنَّ نفسي منه، فلأقلنَّها، فلأستريحنَّ، قال: فخرجت أريد ذلك حتَّى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول: يا محمَّد أنت رسول الله، وأنا جبريل. قال: فرفعت رأسي إلى السماء فإذا جبريل في صورة رجلٍ صافٍ قدميه في أُفق السماء يقول: يا محمَّد، أنت رسول الله وأنَا جبريل. قال: فوقفت أنظرُ إليه وشغلَني ذلك عمَّا أردت، فما أتقدَّم وما أتأخَّر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحيةٍ منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً ما أتقدَّم أمامي، ولا أرجع ورائي حتَّى بعثت خديجة رُسُلها في طلبي حتَّى بلغوا مكَّة، ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني، ثمَّ انصرف عنّي، وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتَّى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفاً، فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت فوالله لقد بعثت رسُلي في طلبك حتَّى بلغوا مكَّة، ورجعوا إليّ، قال: قلت لها: إنَّ الأبعد لشاعرٍ أو مجنون..» (36).
وفي صحيح البخاري: «عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ الحرث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلِّمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقاً» (37).
________________________________________
(36)الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج2 ص 48-49، والملاحظ أن الراوي ـ وهو قاص أهل مكة ـ لم يولد إلا في آخر حياة النبي.
(37)البخاري، صحيح البخاري ج 1 ص 2-3.

[الصفحة - 207]


وفي السيرة الحلبيَّة: «وقد ذكر بعض المفسِّرين أنَّه صلَّى الله عليه وسلم كان له عدو من شياطين الجنّ يُقال له الأبيض كان يأتيه في صورة جبريل، واعترض بأنَّه يلزم عليه عدم الوثوق بالوحي، وأُجيب عنه بمثل ما هنا، وهو أنَّ الله تعالى جعل في النبيّ صلى الله عليه وسلم علماً ضروريّاً يميز به بين جبريل عليه السلام وبين هذا الشيطان ولعلَّ هذا الشيطان غير قرينه الذي أسلم»(38).
ومن هنا يتجرأ (نولدكه) ليقول: «إنّ سبب الوحي النازل على محمَّد، والدعوة التي قام بها هو ما كان ينتابه من داء الصرَع» (39)، وكذلك وصف (رودينسون) (40)القرآنَ بأنَّه هَلوسة سمعيّة وبصريّة وهذَيان (41). وقال «جوستاف فايل» في كتابه عن محمَّد النبيَّ: «إنَّ ما كان ينتابُ الرسول ممَّا يشبه الحمىّ، وما كان يسمعه من صوتٍ كصلصلة الجرس ليس وحياً، وإنَّما هو نوبَات صرَعٍ واضطرابات عصبيّة» (42). وهكذا فعل المستشرق (أليوس سيرتجر) حين كتَب عن حياة النبيّ وتعاليمه: «إنَّ محمَّداً كان مصاباً بالصرَع والهستيريا معاً» (43).
أمَّا المستشرق الفرنسيّ (جوستاف لوبون) فقد حاول تبرير ذلك بقوله: «ولا أهميَّة لذلك فلم يكن ذوو المزاج البارَد من المفكِّرين هم الذين يُنشِئون الديانات، ويقودون الناس، وإنَّما أولو الهوَس هم الذين مَثَّلُوا هذا الدور، وهم الذين أَقاموا الأديان وهدَموا الدول وأثاروا الجُموع وقادوا البشر. ولو كان العقل لا الهوَس هو الذي يسود العالم لكان للتاريخ مجرىً آخر» (44).
وأمَّا الصحيح فأنْ يُقال أنَّ النبيَّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) كان قد أُعدَّ إعداداً ربانيّاً لتلقّي الوحي، وأنَّه كان ينتظر تلك اللحظة العظيمة، وأنَّ جبريل (عليه ‏السلام) كان يتعامل مع النبيّ تعاملاً رفيقاً وبأدبٍ جمٍ لا يتناسب مع الغت والضمّ و التخويف، وهذا لا يعني عدم شدَّة المسؤوليّة وعِظَمها، إلا أنّ تصوير ذلك بمنامٍ تارةً وبالتخيَّلات أُخرى وبوهمِ الجنون والإلقاءات الشيطانيّة ثالثةً وغير ذلك من قبيل الغياب عن الوعي والتعرّق والصلصلَة كلّها أمور أقرب إلى البطلان والخرافة منها إلى الحقيقة، بل لا يُمكن
________________________________________
(38)الحلبي، السيرة الحلبية ج 1 ص 408.
(39)انظر: حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد ج1 ص34.
(40)رودينسون المولود عام 1915م من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس ثم مديرها، له بحوث منها: حياة محمد، والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام. المستشرقون نجيب العقيقي ج1 ص328.
(41)انظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 42.
(42)ريتشارد بل ومونتغمري واط، مدخل إلى القرآن ص17 ومابعدها، جامعة أدنبره 1977م. وفايل مستشرق يهودي درس جمع القرآن الكريم والتسلسل التاريخي لسوره من خلال كتابه: المدخل التاريخي النقدي للقرآن الكريم.
(43)أحمد غراب، رؤية إسلامية للاستشراق ص38، لندن المنتدى الإسلامي ط1 سنة 1411?.
(44)Abdulaziz Hatip, فddiâlara Cevaplar, s. 346 (نقلاً عن حضارة العرب، بيروت، 141). ولوبون فرنسي الجنسية ولد عام 1841 وله مؤلفات عديدة.

[الصفحة - 208]


الركون إليها وتصديقها بتاتاً، وما قدّمه البعض من تبريرات في هذا الإطار لا يشفع لتصحيح تلك النصوص الموضوعة جزماً.
وقد روي ما يؤكِّد هذا المعنى عن أهل البيت (عليهم ‏السلام)، فعن زرارة أنَّه سأل الإمام الصادق (عليه ‏السلام) عليه: «كيف لم يَخفْ رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) فيما يأتيه من قِبَل الله أن يكون ممَّا ينزَع به الشيطان؟ فقال: إنَّ الله إذا اتَّخذ عبداً رسولاً، أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قِبَل الله مثل الذي يراه بعينه» (45). وسُئل (عليه ‏السلام): «كيف علِمَت الرُسل أنَّها رسل؟ قال: كُشف عنهم الغطاء» (46). وقال الطبرسيّ: «إنَّ الله لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيِّرة والآيات البيِّنة، الدالّة على أنَّ ما يُوحى إليه إنَّما هو من الله تعالى، فلا يحتاج إلى شيء سواها، ولا يفزع ولا يفرق» (47). وقال القاضي عيّاض: «لا يصحُّ أن يتصوَّر له الشيطان في صورة الملَك، ويلبس عليه الأمر، لا في أوّل الرسالة ولا بعدها. والاعتماد في ذلك على دليل المعجزة. بل لا يشكّ النبيّ أنَّ ما يأتيه من الله هو الملَك، ورسوله الحقيقيّ، إمَّا بعلمٍ ضروريّ يخلقه الله له، أو ببرهانٍ جليّ يُظهره الله لديه، لتتم كلمة ربّك صِدْقاً وعدلاً، لا مبدِّل لكلمات الله» (48).
وما أشدَّ الفارق بين الوصف المتقدِّم في تاريخ الطبريّ وغيره من الكُتب، وبين وصف أمير المؤمنين علي (عليه ‏السلام) حيث قال في وصف ما جرى عند بعثة النبيّ محمَّد(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) : «.. ولقد كان يجاور في كلِّ سنةٍ بحرَاء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوة. ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنَّة؟ فقال: هذا الشيطان أيسَ من عبادته. إنَّك تسمع ما أسمع وتَرى ما أرى إلا أنَّك لست بنبي، ولكنَّك وزير، وإنَّك لعلى خير» (49).
مجمل آراء المستشرقين حول الوحي
يتَّضح منطلق ما كتبه المستشرقون حول الوحي القرآنيّ من خلال عقيدةٍ مسيحيَّة ثابتةٍ تنصُّ على رفض أيّ ادّعاء بنزول الوحي بعد المسيح (عليه ‏السلام)، وقد
________________________________________
(45)العياشي، تفسير العياشي، ج2، ص 201.
(46)البرقي، المحاسن، ج2، ص 228.
(47)الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 174.
(48)عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج 2 ص 120.
(49)الرضي، نهج البلاغة ـ خطب الإمام علي ـ الخطبة 192.

[الصفحة - 209]


أكَّدت ذلك البيانات والكتابات الكنسيّة ومنها ما تضمَّنه أهمُّ كتابٍ كاثوليكيّ صادرٍ عن كنيسة روما بإشراف البابا (يوحنَّا بولس الثاني) بعنوان (Kathechismus der Katholischen Kirche) عام 1414هـ 1993م، فقد نصَّ بيان الكتاب الأساسيّ الخاصّ بالوحي على أنّ: «العقيدة المسيحيّة لا تستطيع أن تقبَل ـ تجيز ـ أيَّ نوعٍ من الوحي يُقابل أو يفوق الوحي الذي تمَّ في المسيح، كالوحي الذي تأسَّست عليه بعض الديانات والطوائف غير المسيحيّة (50)؛ لأنَّ الله لم تعدْ لديه كلمةٌ أُخرى يعطيها بعد أنْ أرسَل ابنه المسيح الذي هو كلمته، فكلُّ ما تكلَّم به للأنبياء قطعةً قطعةً قاله في ابنه الذي إن سُئل بعده رؤية أو وحياً فإنَّ ذلك لن يكون حماقةً فقط، بل يكون سَبّاً لله» (51).
كما أنَّ الأب (روبير كاسبار) (52)قد بيّن في لحظةِ مصارحةٍ مع النفس أنَّ تطبيق معايير الوحي الإلهيّ على الوحي القرآنيّ تَثبت أنَّه في الجملة وحيٌ إلهيٌ صحيحٌ تلقَّاه محمَّد من خلال الهالة النبويَّة (53). ثمَّ عاد في الصفحة التالية ليتدارَك تلك المصارحة معبَراً عن الرأي اللاهوتيّ الرسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة تجاه الوحي القرآنيّ، بقوله: «لن يسمح التلفيق القرآنيّ والخفّة في الدّين بإدراج القرآن في إطار كلمات الوحي الإلهيّ الصحيحة» (54).
ومن هنا رفضَ المستشرقون سماويَّة القرآن ونزول الوحي، واعتبروه نتاجاً أرضيّاً، قال (جورج سيل): «أمَّا أنَّ محمَّدًا كان في الحقيقة مؤلِّف القرآن المخترع الرئيسيّ له، فأمرٌ لا يقبل الجدل، وإن كان المرجَّح ـ مع ذلك ـ أنَّ المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطَّته هذه، لم تكُن معاونةً يسيرة. وهذا واضح في أنَّ مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك» (55).
وعلى كلِّ حال فقد قدَّم الدكتور (إدريس حامد محمَّد) في دراسته (آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي) عرضاً لمجمل آرائهم حول الوحي، وهي كالتالي:
________________________________________
(50)Kathechismus der Katholischen Kirche, p. 57 .
(51)Kathechismus der Katholischen Kirche, p. 57 .
(52)مستشرق ومنصِّر ولاهوتي معروف، وأستاذ الدراسات الإسلامية والمستشار البابوي لشؤون غير المسيحيين، كان مسؤولاً عن إعداد مسودة الفقرات الخاصة بالإسلام لعرضها على المؤتمرين في المجمع الفاتيكاني.
(53)R. Caspar, Une rencontre arec IIslam. Evolution personelle et Vision actuelle, Spiritus, No.122 (Februar 1991), vol. XXX II, p. 22.
(54)Ibid. p. 23.
(55)إبراهيم اللبَّان، المستشرقون والإسلام، ص 44.

[الصفحة - 210]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف