فيلسوف ومؤرخ واقتصادي اسكتلندي
ولد وتوفي في إدنبره ـ اسكتلندا، درس القانون والاقتصاد والفلسفة والأدب، فظهرت مواهبه الأدبية في كتاباته الفلسفية. ارتحل إلى فرنسا بين سنتي 1734ـ1737 عاد بعدها إلى إنكلترا ونشر كتابه «رسالة في الطبيعة البشرية» ت(1739) وحرره في ثلاثة أجزاء: الكتاب الأول في الأفكار، والثاني في الانفعالات والأخير في الأخلاق، ولما لم يلق مؤلفه هذا رواجاً وقبولاً عند الناس توجه إلى الكتابة في السياسة فذاع صيته وعاد من جديد للفلسفة ولخّص أفكاره في كتاب مبسط عنوانه «بحث في الفهم الإنساني» (1740) وهي الأفكار والموضوعات نفسها التي أتى على بحثها في «الرسالة» كما كتب أيضاً «مقالات أخلاقية وسياسية» ت(1741)، و« بحث في مبادئ الأخلاق»، ثم توفر على تدوين «تاريخ بريطانيا العظمى» فأخرجه في ثلاثة مجلدات (1754ـ1762) ونال استحساناً كبيراً لدى القـرّاء، ثم نشر كتابه «التاريـخ الطبيعي للديـن» ت(1757) وكان قد كتب «محاورات في الدين الطبيعي» لم ينشره في حياته تجنباً للجدل، ثم عاد إلى فرنسا سنة 1763 وصادق جان جاك روسو Rousseau الذي صحبه معه إلى إنكلترا ثم ما لبث أن تخاصم معه.
شغل هيوم عدة مناصب منها «السكرتير» الخاص للجنرال سانت كلير S.Clair ت(1746) ومحافظ لمكتبة كلية الحقوق في جامعة إدنبره (1952)، و«سكرتير» السفارة الإنكليزية في باريس (1763ـ1766).
أراد هيوم في كتابه «الرسالة» أن ينشئ علماً تجريبياً للطبيعة الإنسانية يعتمد فيه المنهج التجريبي للعلوم الوضعية على طريقة نيوتن، فيطبق طريقة التحليل للكشف عن العناصر الأولية للظواهر النفسية وقوانين تفاعلها منطلقاً من أن كل ما يحصل عليه الذهن من معانٍ وأفكار إنما مصدره التجربة، ولا شيء سابق عليها، ويقول إن الفكر يتألف من إدراكات حسّيّة تقسم إلى فئتين تتمايزان بدرجة الحيوية والقوة: فئة الانطباعات impressions أو ما يسمى الإحساسات والمشاعر والانفعالات كانطباعات الإحساس والبصر والسمع وسائر الحواس، وفئة الأفكار ideas أو الخواطر والصور الذهنية التي تنشأ عندما يفكر المرء في إحساساته، وهي أدنى حيوية وأقل قوة من الانطباعات التي تتميز منها بدرجة أعلى من النشاط والقوة. وتقسم الانطباعات إلى انطباعات الحس الأولية وهي مجهولة الأصل، وانطباعات ثانوية مصدرها الأفكار، فالكراهية مصدرها فكرة الألم التي هي بدورها نسخة لانطباع الألم الأول. والأفكار نوعان: أفكار بسيطة وهي نسخ عن الانطباعات وتماثلها، والأفكار المركبة من الأفكار البسيطة المشتقة من الانطباعات وجميعها مستمدة من التجربة، فليس هناك من مفاهيم أولية قبلية سابقة على التجربة ويمتنع القول بفطرية الأفكار innate ideas، ويؤكد هيوم ما ذهب إليه جون لوكLocke من أن العقل خال من أي معانٍ سابقة على التجربة، فالمعرفة الإنسانية بعدية ومكتسبة. ويحدد هيوم القوانين التي يتم بوساطتها الربط بين الأفكار أو المعاني، ويرجعها إلى مبادئ ثلاثة وهي التشابه والتجاور الزماني والمكاني ومبدأ السببية causality، فبالخيال يتم الربط بين الأفكار التي تشابهت انطباعاتها أو تجاورت في المكان والزمان أو اقترنت سببياً، وهذه الأفكار تتداعى بحسب قوانينها الخاصة تلك من دون أي تدخل خارجي كقانون الجاذبية بالنسبة للعمليات الفيزيائية.
ويذهب بعد ذلك إلى تحديد العمليات الاستدلالية العقلية التي تكشف عن العلاقات إما بين الأفكار وإما بين أمور الواقع، والاستدلال في الأولى برهاني وهو وسيلة الرياضيات، والصدق فيه تام من دون الحاجة إلى التجربة، أما في الثانية فالصدق فيه لا يستدل عليه إلا في التجربة كما هي الحال في العلوم الطبيعية التي تتبع قيمتها لعلاقة السبب بالنتيجة. وبالتحليل يجد هيوم أن مبدأ السببية ليس نظرياً إذ لا شيء فطري في العقل، وليس مكتسباً لا بالحس الظاهر أو الباطن فهو ليس معرفة مباشرة بقوة خفية وليس بالاستدلال لأن معنى العلة والمعلول متغايران. وكل ما هنالك أن التجربة تبين تعاقب الحوادث واطراد وقوعها على منوال محدد يخلق في الذهن استعداداً لربط السبب بالمسبب والانطباع بالفكرة، كارتباط الحرارة بالنار، وتوقع حدوثهما دائماً على نحو متلازم، والتوقع حالة نفسية تقوم على الميل والعادة التي قويت بالتكرار، وعندما تحدث أحوال متشابهة في المستقبل يميل العقل بحكم العادة وتبعاً لقوانين التداعي association إلى الاعتقاد بوقوع النتائج عينها، والاعتقاد بأمور الواقع ليس عقلياً برهانياً وإنما مردّه إلى يقين ذاتي وطابع احتمالي.
وبآلية التداعي ذاتها يفسر هيوم طبيعة «الأنا» التي يرفضها بوصفها جوهراً، وموقفه هذا تدعيم لموقف بركلي Berkeley، فبحسب هيوم لا يوجد انطباع من قبيل الجوهر بالذات وما يمكن معرفته أو إدراكه يقتصر على الانطباعات والأفكار المرتبطة بعضها ببعض بعلاقات التماثل والتتالي والعلية فالنفس عنده «حزمة أو سيّال من الإدراكات الحسية المتعاقبة وعلاماتها».
ويرد هيوم الاعتقاد بالعالم الخارجي إلى ميل أو نزوع tendency طبيعي للمخيلة لتركيب صورة منتظمة وموحدة عن العالم يربط فيها بين المدركات الحسية التي لا وجود لها إلا في العقل وبالتالي فإن تصورات من قبيل الأشياء والنفس (الأنا) والهوية والاتصال ما هي إلا أوهام للمخيلة تسقطها على المدركات، وأي فروض فلسفية لتدعيم حقائق إيمانية كالخلود والسقوط والإثم والحساب هي محض خرافة، فلا مجال للحديث عن معجزات أساساً لبناء لاهوتي ينهض عليها، كما يرفض القول بوجود إله بالاعتماد على المنطق البرهاني ويصف رفضه أو إلحاده بأنه إلحاد فلسفي فهو يشك في وجود إله، ولكنه لا يمتنع عن القول باحتمال وجوده.
وتساير فلسفته الأخلاقية إلى حد بعيد نظريته في المعرفة، فهو يستبعد أن يكون للعقل تأثير في السلوك الأخلاقي أو دور في بناء الأحكام الأخلاقية خاصة أن العقل ميدانه أمور الواقع، وعلاقات الأفكار والأخلاق تتجاوز نطاقهما، فالسلوك مصدره فطرة العقل وميول الفرد وتجارب ماضيه للشخصية لما هو سارّ ومؤلم، فطلب اللذة والابتعاد عن الألم قوام الحكم الأخلاقي الذي يبنيه هيوم على العاطفة دون العقل؛ لأن القرارات الأخلاقية تؤثر في السلوك وهذا ما تستطيعه المشاعر والعواطف وحدها، وما تحمله تلك القرارات من إقرار أو إنكار لا ينجم عن الأنانية، إلا التعاطف أو ما يسميه اهتماماً «إنسانياً» يحمل على محبة الخير للناس جميعاً ويجعل هذا التعاطف معياراً للاستحسان الأخلاقي الصادق. وإذا كان معيار اللذة والألم يتعارض وبعض المعاني الأخلاقية كالعدالة واحترام الملكية والولاء فلأن تلك المعاني التزامات تقوم على المواضعة الجماعية والاتفاق، من دونها لا يتماسك المجتمع ولا يؤدي وظائفه.
وقد كان لنظرية هيوم في الأخلاق أثر واضح عند بعض الفلاسفة الإنكليز حتى عدّه بعضهم مؤسساً لمذهب المنفعة الأخلاقية.
-"الموسوعة العربية"