شاعر وكاتب ساخر من رواد النزعة الإنسانية Humanism في مرحلة حركة الإصلاح الديني (البروتستنتية) Reformation في ألمانيا، وأول من أسهموا باللغة الألمانية في تكوين وعي قومي، بأمة ألمانية واحدة، يتجاوز الحدود الطبقية اجتماعياً؛ علماً أنه من طبقة الفرسان الفرنكية franconian التي أسهمت في تأسيس الرايخ الألماني.
ولد في حصن شتِكلْبرغ جنوبي بلدة فولْدا في منطقة تورينغن وتوفي في جزيرة أوفيناو في بحيرة زوريخ. كان في الحادية عشرة من عمره عندما قرر والداه إدخاله مدرسة فولدا البِنِديكتية ليصير قسيساً، لكنه هرب منها في عام 1505 مع أحد أصدقائه وتجولا عبر ألمانيا إلى أن بدأ الدراسة في جامعة إرفورت صيف عام 1506، واتصل بحلقة الإنسانيين ذات النفوذ الفكري حول موتْيانوس روفوس Mutianus Rufus، ويوبانوس هيسّوس Eobanus Hessus وإنريكوس كوردوس Enricus Cordus، ثم انتقل إلى جامعة لايبزيغ. وفي أثناء جولته معدماً نحو شمالي ألمانيا عومل من قبل محافظ مدينة غرايفسـڤالد وابنه معاملة مزرية ومهينة من دون سبب واضح؛ مما دفعه - عند وصوله إلى مدينة روستوك عام 1509- إلى كتابة أول أعماله المهمة باللاتينية بعنوان «كتابا شكاوى» وهو مجموعة قصائد هجائية ساخرة ضد المحافظ لوتس Lötz وبطانته الفاسدة. وعندما وصل إلى إيطاليا مشياً على الأقدام بغرض دراسة الحقوق اضطر لانعدام موارده أن يلتحق في عام 1512 بجيش قيصر ألمانيا جندياً، ووجد دعماً معنوياً لدى الإنسانيين الإيطاليين الذين اطّلعوا على أشعاره، كما نظم قصيدته الشهيرة «نداء وقصيدة إلى القيصر مكسيمليان» تجلت فيها بوادر ميوله الوطنية. وفي أثناء عودته القصيرة إلى ألمانيا وعمله في خدمة أسقف مدينة ماينتس كتب فون هوتِّن الجزء الثاني من كتاب «رسائل رجال غامضين» توطيداً لموقف الإنساني رويشلين Reuchlin في كتابه الذي حمل العنوان نفسه، وقد صاغ فون هوتن رسائله - متعمداً - بأسلوب رجال الكنيسة الكاثوليكية محدودي الأفق؛ بسبب استغراقهم في مناهج المدرسة السكولائية (الفلسفة المدرسية) Scholasticism القروسطية وبُعدهم عن فكر عصر النهضة علمياً. وفي روما تابع الشاعر دراسة الحقوق والأدب اليوناني منذ عام 1515 نزولاً عند رغبة والده، لكن تورطه في معركة مع خمسة فرنسيين دفاعاً عن شرف قيصره وقتله أحدهم اضطره إلى الهرب إلى مدينة بولونيا Bologna إذ تابع دراسته، وقطعها قبل الامتحان الأكاديمي عام 1517 احتجاجاً على سياسة البابا والاكليروس الاستغلالية بحق ألمانيا.
على أثر قيام الأمير الطاغية أولريش فون ڤورتِمبِرغ باغتيال أحد أقارب فون هوتن وأنصاره صاغ الشاعر «خطابات الألماني أولريش فون هوتن ضد أولريش فون ڤورتمبرغ ت(1515)، أتبعها في عام 1517 بحوارية «فَلاريسْمية» Phalarismus (نسبة إلى الطاغية اليوناني فَلاريس) بأسلوب لقيانوس السوري، حلل فيها شخصية الطاغية وخطرها على وحدة البلاد وعجزها عن مواجهة الخطر الخارجي.
بعد عودته النهائية إلى الوطن بدأ فون هوتن حملته الأدبية ضد البابا والكنيسة الكاثوليكية بجميع أطيافها، حتى إن تتويجه شاعراً عام 1518 من قبل القيصر مكسيمليان نفسه لم يخفف من حدة هجومه، فعاقبه البابا بالحرمان، بيد أن ذلك لم يرهبه، بل دفعه إلى اتخاذ جانب مارتين لوتر في حربه الإصلاحية، وعرض عليه حماية الفرسان الفرنكيين، لكن لوتر رفضها، مثلما رفض الإنساني إراسموس دعم فون هوتن أو حمايته على أثر هزيمة انتفاضة الفرسان التي قام بها تحت لواء الفارس فرانتس فون سيكينغِن، مما أدى إلى هرب فون هوتن إلى سويسرا إذ ألجأه المصلح الإنساني تسـڤينغلي Zwingli إلى جزيرة أوفيناو وتوفي هناك نتيجة تفاقم مرض الزهري.
كتب فون هوتن في حياته القصيرة عدداً كبيراً من الأشعار والحوارات والخطابات والنداءات، دعا في معظمها بعد عام 1515 إلى ضرورة تحقيق وحدة الشعب الألماني في جميع إماراته ودويلاته تحت لواء طبقة الفرسان الفرنكية من أجل تخليص المواطن من تجارة صكوك الغفران الكنسية والفكر الغيبي وتحكّم الكنيسة البابوية الأجنبية بمصيره ومقدراته. بيد أنه عانى تناقضاً جذرياً في سلوكه لم يستطع تجاوزه؛ فقد كان قلبه مع استمرار سلطة طبقة الفرسان في ظل امبراطور تتفق على حكمه، في حين كان عقله المنفتح على العلم والتقدم داعماً لتحرير طبقات الشعب من فلاحين وحرفيين وتجار وغيرهم وإطلاق طاقاتهم الإبداعية في سبيل وطن قومي واحد للجميع.
لقد ألهبت أشعاره وكتاباته الأفئدة وحركت العقول، فأوجدت في ألمانيا جواً ثورياً لم يتكرر إلا في عام 1848 عند اندلاع الثورة البرجوازية، وفي عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولى. وكان فون هوتن بعد لوتر ثاني من التفت إلى ضرورة مخاطبة الشعب بلغته؛ أي بالألمانية، فلم ينظم أو يكتب بعد عام 1517 إلا بالألمانية وباللهجة الفرنكية.
-"الموسوعة العربية"