البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حقوق الطِّفل في الإسلام

الباحث :  د محمد طي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  22
السنة :  السنة السادسة صيف 1422 هجـ 2001 م
تاريخ إضافة البحث :  February / 8 / 2015
عدد زيارات البحث :  1432

حقوق الطِّفل في الإسلام

د. محمد طي (*)

مشكلة حقوق الإنسان في الإسلام مشكلة معقَّدة، فإذا نظرنا إلى التاريخ، لا نعثر إلَّا على لحظات مضيئة، كان للإنسان فيها حقوق مقدّسة، في حين أن العصور الطويلة كانت خلاف ذلك، لا سيّما عصور الاستبداد وتغلُّب الدويلات والقادة العسكريين. ومن هنا كان الانطباع الذي ساد، وبخاصَّة في الغرب، أنَّ الحكم الإسلامي هو حكم استبدادي. غير أنه لا بدّ من الاعتراف بأنَّ الصُّورة، من الوجهة النِّسبية، لم تكن بهذه القتامة. فإذا وضعنا الأنظمة الإسلامية في إطارها الزمني، فإنها كانت غالباً أكثر رحمة، وبالتالي مراعاة لحقوق الإنسان من الأنظمة المعاصرة لها، يشهد على ذلك تاريخ التَّسامح الإسلامي الطويل، وبخاصَّة مع أبناء الأديان السماوية الأخرى الذين كانوا يعيشون في الدولة الإسلامية، كما كان في الأندلس مثلًا.
ومن هنا، فإن التَّجربة التَّاريخية، التي تعطينا صوراً متفاوتة، لا يمكن أن تكون هي الأساس لتحديد حقوق الإنسان، ومن ثم حقوق الطفل في الإسلام، فأين يكمن هذا الأساس؟
إن الإسلام نظريَّة وتطبيق، وإذا كان التَّطبيق لا يعطي الصورة الواضحة، فإنه يصبح من الواجب العودة إلى النظرية.
لهذا عدنا إلى مصادر التشريع الإسلامي، مع عدم إغفال التطبيقات في المدة الموثوقة من حكم الإسلام، وأعني بها الزمن النبوي والرَّاشدي المنتهي بنهاية عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)أستاذ في الجامعة اللُّبنانية،کلية الحقوق و العلوم السِّياسية

[الصفحة - 107]


وبالانطلاق من المصادر، طرحنا مشكلات حقوق الإنسان، لنبحث لها عن الجواب، فيكون الجواب مؤصّلًا وأكثر موثوقية.
وإذا كانت الأنظمة الإسلامية، اليوم، قد تبنَّت عموماً الصكوك الدولية، مع شيء من التحفظات أحياناً، وتبنّت حقوق الطفل، غير أن هذا التبنّي ليس وحده الحل، ذلك أن الشعوب الإسلامية، لا سيّما في أوساطها المحافظة، لا تلتزم بما تقرّه الحكومات لاعتبارات أيديولوجية، ومن هنا كان لا بدّ من القيام بمثل هذه المحاولة من أجل تبيان الحقيقة لها.
غير أن هناك عقبة يصطدم بها الباحث، هنا، وتتعلَّق بالفروق النظرية بين المذاهب والتيارات، فهل من حلّ لهذه المشكلة.
إنَّنا نرى الحل في ما اعتمدناه من مصادر أصلية، تقتصر على القرآن الكريم والسنَّة النبوية، من دون سائر المصادر الخلافية، على أننا عددنا تصرُّفات الخلفاء الراشدين نابعة من السنة بسبب حرصهم على الموقف الإسلامي، من جهة، وبسبب قرب عهدهم بالرسالة من جهة أخرى. يبقى أن نحدّد من هو الطفل لنعكف بعد ذلك على التماس حقوقه في الشَّريعة الإسلامية.
من هو الطِّفل في الإسلام؟
يعدُّ طفلًا، في هذا البحث، الإنسان غير البالغ الراشد الذي يستطيع تولّي أموره بنفسه من دون وصايةٍ أو ولايةٍ من أحد.
والإنسان البالغ، في نظر الإسلام، هو من بلغ النُّضج الجسمي مبدئياً، لكن شريطة أن يظهر رشده، وذلك بناءً على الآية الكريمة:
{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النِّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء/6].
وقد رأت المذاهب الإسلامية المختلفة أنّ من يبلغ الخامسة عشرة، حتى ولو لم تظهر عليه أمارات البلوغ، يعدَّ بالغاً، إذا كان من الذكور. أما إذا كان من الإناث فتكفي سن التاسعة (1). إلا أن هذه المسألة بحاجة إلى نقاش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع صبحي المحمصاني، المبادى الشرعية والقانونية، دار العلم للملايين 1963، ص 63.

[الصفحة - 108]


فما يمكن طرحه من أسئلة هو: «هل يصبح الإنسان راشداً فعلًا اليوم ببلوغ الخامسة عشرة، ناهيك عن التسع السنوات؟»
إننا نشك في ذلك، لأنه لا يعقل أن يبلغ الإنسان العادي، متوسِّط الذكاء، رشده في هذه السن في يومنا هذا، نظراً لتعقّد الحياة الذي بلغ درجة غير عادية. فهل يستطيع إنسان في سن الخامسة عشرة أن يقوم بالتجارة، أو بإدارة المؤسسات، أو بفهم ما يتوجَّب عليه تجاه الزوجة والطفل، في عصر أصبح التعليم فيه غالباً ما يصل إلى ما بعد سن الثامنة عشرة؟
وهل يستطيع إنسان كهذا أن يلمّ بأهداف النشاط السياسي لينتخب ويترشّح ويكوّن الأحزاب السياسية أو ينخرط فيها عن وعي ويقوم بدور ناضج؟
إنَّنا نعتقد أن مسألة الرشد ليست مسألة سن تحدَّد لجميع العصور ولجميع المجتمعات، وهذا ما يذهب إليه السيد محمد حسين فضل الله الذي يقول في معرض الحديث عن رشد المرأة وأهليتها لاختيار الزوج: «فلا يكفي في تصحيح عملية الاختيار أن تكون الفتاة بالغة سن التكليف (9 سنوات)، بل لا بدَّ من أن تكون راشدة (أو رشيدة) (2)»، والدليل قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً} . ونحن نقول باستحالة أن نؤنس هذا الرشد من الإنسان المتوسِّط اليوم عند سنِّ الخامسة عشرة أو دونها، وإن كان ممكناً أن نؤنسه من بعض المتفوّقين، غير أنه يكون، حتى في هذه الحالة، رشداً غير كاف.
من هنا نرى أن الرشد يجب لتعيينه الرجوع إلى التجربة الإنسانية التي تحدِّده بسن الثامنة عشرة على وجه العموم، أو في سنٍّ قريب منها.
وإذا كان يمكن التَّساهل، لظروف تتعلق بفهم الكثير من الفقهاء، حيال سن الخامسة عشرة، فإنه لا يمكن تصوّر القبول بسن التاسعة المحدّدة للبنت.
وفي مطلق الأحوال، وأيَّاً تكن السن المعتمدة لتجاوز الطفولة، فإن الجميع يعترف بأن هناك مرحلة زمنية في عمر الإنسان، تلي ولادته وتمتدّ حتى سنٍّ معينة، تقضي بمعاملة هذا الإنسان بطريقة خاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)السيد محمد حسين فضل الله، تأملات إسلامية حول المرأة، دار الملاك، بيروت 1997، ص 64.

[الصفحة - 109]


بهذا نلتقي مع التَّعريف الذي تعتمده «اتفاقية حقوق الطفل» الصادرة عن الأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني سنة 1989م، والتي وضعت موضع التنفيذ في الثاني من أيلول سنة 1990م؛ وذلك في مادتها الأولى التي تنصُّ على أنه «لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه».
ويمكننا تلخيص بالحق بالحياة والسَّلامة، والحق بالنَّسب، والحق بالصحة، والحق بالتعليم والتأديب، والحق بالمعاملة الخاصة المتلائمة مع درجة النضج، والحق بالسعادة، والحق بالحياة الخاصة، إلى جانب الحقوق في المجال السياسي والاجتماعي، والحق بالمساواة.
حق الطِّفل بالحياة والنمو
يحترم الإسلام حق الحياة بشكل عام على أساس أنَّ {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً} [المائدة/32]. ومن هنا كان التشديد على عدم قتل الأولاد بسبب الفقر، كما كان يحصل في الجاهلية، حيث كان الرجل يدفن ابنته وأحياناً ابنه حيَّين: الأولى خوفاً من احتمالات «العار» باختطافها أو سبيها، والأولى والثاني بسبب الفقر. ولهذا يقول تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق، نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام/151].
وقد بلغ حفاظ الإسلام على حق الطفل في الحياة حدَّ أن يمتنع الحاكم عن إعدام الأم الحامل في أي ظرف من الظروف، بل هو يمتنع عن إعدامها بعد الوضع خوفاً على ولدها من الموت بسبب عدم الرعاية والانتباه. فقد أمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)، كما أمر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده، إحدى النساء التي وجدها مستحقَّة عقوبة الإعدام بأن «اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردّى من سطح ولا يتهوّر في بئر» (3).
وبهذا تلتقي المادة (6/1) من الاتفاقية مع الإسلام، باعتبار أنَّ للطِّفل حقاً أصيلًا بالحياة وعلى الدولة أن تضمنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)محمد بن يعقوب الكليني، فروع الكافي، دار الأضواء، بيروت، دون تاريخ، ج7، ص 186.

[الصفحة - 110]


وحتى يكون هذا الحق بالحياة مكفولًا، كان لا بدّ للطفل من تأمين حقِّه بالرِّضاعة، ذلك الحق الذي يستمرّ مبدئياً {حولين كاملين} [البقرة/233]إلَّا إذا وجد الأهل خلاف ذلك لسبب من الأسباب. على أن حقَّ الرِّضاعة هذا يطرح اليوم مسألة فرعية تتعلق بالإرضاع من الثدي أو من غيره. حيث تطالب المنظمات الإنسانية المرأة بإرضاع طفلها من ثديها، لكون حليب الأم هو المخصَّص بيولوجياً وكيماوياً للطفل، ولكون التصاق الطفل بأمه في حالة التغذية يعزّز أواصر ارتباطه بها. فهل للإسلام من موقف في هذا الخصوص؟
كان من المعروف، قبل الإسلام وبعده، في جزيرة العرب، أن يسترضع الطفل، عند عجز أمه أو وفاتها أو لأسباب أخرى، من امرأة ثانية، دون الحيوانات من غنم وإبل وماعز، مما كان متوفراً. وهذا الأمر يدل على تبنِّي الإسلام عادةً من عادات المرحلة التي سبقته لاستحسانه إياها على الأقل، الأمر الذي يسمح لنا بالقول: إن الإسلام مع الإرضاع من الثدي وجوباً أو على الأقل استحباباً.
وبعد الرضاعة يتكفّل الأهل بالحضانة حتى يستغني الولد عن خدمة النساء، كما يرى الشيخ محمد أبو زهرة (4)وقد حدّد الفقهاء سن الاستغناء بالسابعة للصبي والتاسعة للبنت. وبعد هذا يكون الولد تحت مسؤولية الولي أو الوصي حتى سن البلوغ (5). وهو الذي ينفق عليه (6).
وعند امتناع الملزم بالنفقة عن توفير ما يلزم، فإنه يجبر على ذلك.
أمَّا الإتفاقية فهي تتوسّع في هذه الأمور، فتلزم الدولة باحترام إرادة الأهل في حضانة أبنائهم، وتحمّلهم مسؤولية إعالتهم ومساعدتهم بالإمكانات اللازمة لذلك، وقد نصّت على ذلك في مواد مختلفة. منها:
«م9/1: تضمن الدُّول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما».
وهكذا يتبيَّن أن الإسلام يلزم الوالدين بأكثر مما تلزمهما به الاتفاقية، بل إنه لا يعارض أن تساعد الدولة الوالدين في إعالة أولادهما، بل على العكس من ذلك فهو يأمر بتخصيص المساعدات للأطفال، إذ فرض عمر مساعدة للرضيع، كما فرض عطاء للأولاد (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)الشيخ محمد أبو زهرة، الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، مصر 1957، ص 469، راجع كذلك صبحي المحمصاني، مذكور سابقاً، ص 71 وما بعدها.
(5)راجع محمد محي الدين عبد الحميد، الأحوال الشخصية، المكتبة التجارية، مصر 1942، ص 543، راجع كذلك العروة الوثقى، ج2، ص 406 و407.
(6)محمد أبو زهرة، مذكور سابقاً.
(7)القاسم بن سلام، الأموال، القاهرة، 1353، ص 232.

[الصفحة - 111]


ونصَّت الاتفاقية كذلك على أن:
«م3/2: تتعهد الدُّول الأطراف بأن تضمن للطِّفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد والمسؤولين قانونياً عنه، وتتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة».
«م18/1: تبذل الأطراف قصارى جهدها لضمان المبدأ القائل: إن كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه، وتقع على عاتق الوالدين أو الأوصياء القانونيين، حسب الحالة، المسؤولية الأولى عن تربية الطفل ونموه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساس».
وإذا كان الإسلام يحمّل المسؤولية، لجهة الإنفاق بخاصَّة، للوالد، فإنه يكون قد حقّق الهدف الذي ترمي إليه هذه الفقرة من موادّ الاتفاقية. على أنه ليس من مانع أن يشترط إنفاق الزوجة في عقد الزواج.
أمّا مسألة وصاية الأم على الطفل والتي تخضع لشروط، عند وفاة الأب، فإننا نلاحظ تخلِّياً من سائر الأوصياء الشرعيين كالجد. الأمر الذي يقضي بشرعنة ولاية المرأة حتى في حال وجود مثل هؤلاء الأوصياء، لا بسبب عدم وجوده المادي، بل بسبب إهماله واجبه، وبالتالي عدم وجوده الاعتباري، على أن الاتفاقية تتوسّع في وسائل تأمين حق الإعالة للطفل فتقضي، في المادة 18/2، بتطوير مؤسسات رعاية الأطفال ومرافقها وخدماتها، وهذه في الإسلام، وإن لم ينصّ عليها، تعد مقدّمات لواجب، فتصبح واجبة مثله. كما أن المادة 26 من الاتفاقية تكفل الضمان الاجتماعي للطفل وكذلك التأمين، كما تكفل تقديم الإعانات للطفل بناء على طلبه، بينما قرر الإسلام ذلك كما رأينا أعلاه بمجرّد علم المسؤول بوضع الطفل، علماً بأن الإمام علي (عليه السلام) يوصي في عهده لمالك الأشتر حينما ولّاه مصر بتكليف الثقات بالبحث عن المحتاجين الذين تمنعهم كرامتهم من السؤال (8).
كما أن الاتفاقية تفرض (م27) مستوى معيشياً للطفل يلائم نموَّه البدني والعقلي والرُّوحي، ويتحمَّل الأهل المسؤولية عن ذلك، وفي حال عجزهم، على الدولة، في حدود إمكاناتها، أن تؤمنه، على أن لا تتوانى في تحصيل حقوق الطفل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8)راجع: علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد، دار الرشاد الحديثة، م4، ص 122.

[الصفحة - 112]


هذه من الأبوين عند تقصيرهما، حتى ولو كان المسؤول عن الطفل يعيش خارج الدولة التي يعيش فيها الطفل.

وهذه التفصيلات التي فرضتها ظروف تطور المجتمعات المعاصرة، لا بد من أن يأخذ بها الإسلام لأن مبادئه الأساسية تستلزمها بحكم ضرورتها الراهنة.
أما إذا كان الولد لا ولي له، فإن الإسلام يحثّ على اللجوء إلى التكفّل، بناء على الحديث الشريف القائل: «أنا وكافل اليتيم في الجنة» (9). ويمكن هنا أن تكون نفقة الطفل على بيت المال. فقد «كان عمر يفرض لكل مولود عطاء يزاد إلى عطاء أبيه، وكلّما نما الولد زاد العطاء، وقد جرى (على ذلك) الخلفاء» (10)، والأمر نفسه ينطبق على اللقيط. وبهذا تلتقي الاتفاقية مع الإسلام خصوصاً في:
المادة 20/2: التي تنص على «أن الدول الأطراف تضمن، وفقاً لقوانينها الوطنية، رعاية بديلة عن الرعاية الوالدية للأطفال المحرومين منها».
20/3: يمكن أن تشمل هذه الرِّعاية، في جملة أمور، الحضانة أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبنِّي، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال.
إن هذا الحق ما زال بعيد المنال في العديد من البلدان الإسلامية. فقد بلغت نسبة الأطفال دون الخامسة ممَّن يعانون الهزال في بعض البلدان الإسلامية حدوداً مأسوية: 25% في أفغانستان، 18% في بنغلادش، 14% في تشاد 13% في أندونيسيا (11). وكل ذلك بسبب سوء التغذية.
الحماية من الأخطار
أمَّا الحماية في غير الأسرة، وعندما يتعرّض الطّفل للأخطار، فإن الواجب على المسلمين حمايته من باب إغاثة الملهوف المفروضة عليهم، كما جاء في الكثير من الأحاديث، ومنها في تبيان الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) للمسلمين ما سمّي حق الطريق عليهم، قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال» (12)وكذلك من باب الجوار حتى للأعداء، كما جاء في قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} [التوبة/6]وكذلك الكثير من الأحاديث الشريفة الحاثّة على ذلك(13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9)راجع صحيح البخاري، كتاب الطلاق، ص 25، والأدب /24، وصحيح مسلم، كتاب الزاهد /42.
(10)القاسم بن سلام، مذكور سابقاً.
(11)اليونيسيف، وضع الأطفال في العالم/2000/ ص 88.
(12)راجع صحيح البخاري كتاب الأدب /24 وصحيح مسلم الزهد /42 وسنن أبي داود، الأدب /12 ومسند أحمد بن حنبل 4/291.
(13)سنن ابن ماجة، الجهاد /147 وسنن أبي داود، ديات/11 ومسند أحمد 2/99 و365، وسنن النسائي، زكاة/72، حيث ورد عن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم): «من استجارك فأجره».

[الصفحة - 113]


وبهذا يكون الإسلام قد سبق الاتفاقية بمئات السِّنين خصوصاً في مادتها الثانية والعشرين التي تطالب الدول بالالتزام بتأمين الملجأ للطفل فيما إذا كان متعرِّضاً للخطر، إذ تنص على أن:
«تتخذ الدول الأطراف، في هذه الاتفاقية، التدابير الملائمة لتكفل للطفل الذي يسعى للحصول على مركز لاجى، أو الذي يعتبر لاجئاً، وفقاً للإجراءات والقوانين الدولية أو المحلِّية المعمول بها، سواء صحبه أو لم يصحبه والداه أو أي شخص آخر، تلقّي الحماية والمساعدة الإنسانية المناسبتين في التمتع بالحقوق المنطبقة الموضحة في هذه الاتفاقية وفي غيرها من الصكوك الدولية الإنسانية أو المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تكون الدول المذكورة أطرافاً فيها».
أما حالات اختطاف الأطفال بقصد الاتّجار، فإن الإسلام يعدّها من أعمال الفساد في الأرض التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وبهذا تتطابق الاتفاقية الدولية مع المبدأ الإسلامي، إذ تنص في المادة الخامسة والثلاثين على أن: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية ومتعددة الأطراف، لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم، لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال».
حق النَّسب
للولد حق الانتساب إلى أهله (14)على أن يحمل اسم أبيه {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} [الأحزاب/5]. ويفرض الإسلام على الوالدين، ليس فقط تسمية ولدهما، بل أن يحسنوا اختيار الاسم له. فالاسم يمكن أن يسبّب أحياناً مشاكل نفسيَّة لصاحبه، لا سيما إذا كان مستغرباً في نظر الناس، كما يمكن أن يؤمّن له راحة نفسية إذا كان محبَّباً. فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه» (15). واختيار الاسم يتمّ عرفاً عند الولادة. وهذا ما تقضي به «اتفاقية حقوق الطفل» التي تنص في مادتها السابعة على أنه يجب أن يعترف للطفل بـ «حق منذ الولادة في اسم».
وتلحق الجنسيَّة بالنَّسب، ذلك أن الولد يقيم بكفالة والده، وبالتالي يقيم حيث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14)محمد محي الدين عبد الحميد، مذكور سابقاً.
(15)الكليني، مذكور سابقاً، ج6، ص 48.

[الصفحة - 114]


يقيم الوالد مبدئياً، ولما كانت الجنسية مبدئياً جنسية مكان الإقامة الدائمة والأصلية، فإن جنسية الولد يجب أن تكون جنسية أبيه. وبهذا تتمكّن البلدان الإسلامية من أن تتبنّى من دون أي تحفظ ما ورد في المادتين السابعة والثامنة من الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل، اللتين تنصان، الأولى على أن للطفل «الحق في اكتساب جنسية»، والثانية على أن تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته.
حق الطِّفل بالصحة
إن مبدأ الحفاظ على الحياة يستدعي بالضرورة الحفاظ على الصحة. والحفاظ على الصحة، واجب على الولي الملزم بالإنفاق على الطفل. وفي حال عجز الولي، يجب أن تتولى السلطة مساعدته، لأن من يعجز عن معالجة ولده يعد فقيراً أو مسكيناً، فيكون من الأشخاص الذين تتوجب لهم الصدقات (الزكاة). وبهذا يتوافق ما فرضه الإسلام على الأهل وعلى المجتمع تجاه الولد، مع ما ورد في المادة الرابعة والعشرين من الاتفاقية التي تنص على أن:
1 ـ تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.
على أن تتخذ التدابير اللازمة من أجل خفض وفيات الأطفال وتوفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية لا سيما الأولية منها للأطفال، إلى مكافحة الأمراض وسوء التغذية، على أساس استخدام التكنولوجيا لتوفير الأغذية الكافية ومياه الشرب النقية بعيداً عن التلوث البيئي.
وحتى يتوفر ذلك للطفل، لا بد من توفيره للأم الحامل والمولّدة.
على أن تقوم الدولة بالتثقيف الضروري في موضوع صحة الأطفال والتغذية ومزايا الرضاعة الطبيعية، وكذلك في مسائل الوقاية من الحوادث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 115]


كما على الدولة توفير المعلومات اللازمة وكذلك الحوافز حول تنظيم الأسرة، وإلغاء الممارسات الموروثة المضرة بصحة الطفل.
وتحض الاتفاقية على التعاون الدولي، في هذه المجالات، وتوفير المساعدات الضرورية للدُّول النامية.
على أن هذه الحقوق يجب أن توفر للطفل، سواء كان في حضانة والديه أم في رعاية غيرهم. ويجب أن يخضع الطفل، عند الضرورة، للعلاج الدوري، كما جاء في المادة الخامسة والعشرين من الاتفاقية.
أما المعوّق فهو الأكثر حاجة للمساعدة، ويمكن أن يطبق عليه وصف العاجز المستحق للنفقة من وليه، حتى ولو كان بالغاً (16)، والمستحق للزكاة لأنه من المساكين. وهكذا يتّفق الإسلام مع ما ورد في الاتفاقية التي تكرِّس حقوقاً للطفل المعوّق بحيث يتمتع بالكرامة، ويؤهّل ليكون عضواً فاعلًا في مجتمعه، عن طريق تقديم المساعدة لأهله أو المسؤولين عنه، بالقدر الممكن في كل دولة، مع إقامة تعاون دولي لهذا الغرض، كما نصت المادة 23، وبتأمين الحق بالحياة والحضانة والعناية الصحية، يكون حق الطفل بالضمان الاجتماعي قد تحقق بشكل كامل على ما تنادي به الاتفاقية في مادتها السادسة والعشرين.
علماً بأن هذا الحق بالضمان ليس حكراً على الولد بل هو يشمل الجميع من صغار وكبار ممَّن يشكلون مصاديق لآيات الزكاة والخمس وسائر الصدقات، وذلك حسب الآية الكريمة التي تقول: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة/60].
إن الواقع المعيش في البلدان الإسلامية، برغم الحث على الاهتمام بصحة الأطفال، لا يزال في الكثير من الحالات مقلقاً، حيث لا تتجاوز نسبة الأطفال المحصَّنين ضد السل وشلل الأطفال والحصبة الـ35% في أفغانستان وتشاد، وهي تنخفض إلى ما دون الـ 5,23% في النيجر (17). وهذا يدل على مدى ضرورة التزام البلدان الإسلامية بمبادى الإسلام وباتفاقية حقوق الطفل بشكل أكثر فعالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16)راجع المحمصاني، مذكور سابقاً، ص 232.
(17)اليونيسيف، مذكور سابقاً، ص 92 بتصرف.

[الصفحة - 116]


الحقُّ بالتَّربية والتَّعليم
يتشدَّد الإسلام في مسألة تأديب الولد بالآداب الحسنة وفي تعليمه كما في تعليم الكبار. فقد وردت أحاديث في أبواب الأدب من مثل قوله (صلي الله عليه و آله و سلم) في واجبات الأب نحو ابنه: «تحسن اسمه وأدبه»، أو: «ما نحل والد ولداً من نحلة أفضل من أدب حسن» (18)كما ورد في أبواب العلم، كقوله (صلي الله عليه و آله و سلم): «أيّما رجل كانت عنده وليدة فعلمها وأحسن تعليمها... فله أجران» (19).
بهذا يلتقي الشرع الإسلامي مع أحكام الاتفاقية، في مادتها 28، التي تنص على أن «تعترف الدول الأطراف بحق الطفل» وذلك بجعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً لجميع الأطفال، وبتطوير أشكال التعليم الثانوي الأكاديمي والمهني وبتوفير التعليم العالي، وكذلك بتشجيع الحضور المنتظم في المدارس وخفض معدلات تركها.
وكل ذلك مقبول بل وواجب إسلامياً.
أمَّا بالنسبة إلى أثر العملية التدريسية على معنويات الطفل، فإن الإسلام يوصي بالرفق بالولد. فقد ورد عن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم): «ليس منا من لم يرحم صغيرنا» (20)، كما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم» (21). ويوضح الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) هذا الحق الخاص بالولد بقوله: «وحق الصغير رحمته في تعليمه» (22).
وبالتوازي مع هذا، وبشكل أكثر تفصيلًا، فقد نصَّت المادة (28) المذكورة في فقراتها التالية على أن تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير لإقامة نظام يحفظ كرامة الطفل، على أن يخضع التعليم لمجهود دولي تتضافر فيه جهود الأمم المختلفة. وتحدد المادة 29 أهداف العملية التربوية، بما لا يتناقض مع ما يقضي به الإسلام، من إعداد الشخصية الإنسانية المتفتِّحة النامية جسدياً وعقلياً والمتمسِّكة بالقيم البشرية والحقوق والارتباط بالتراث الديني والأخلاق والسماحة وروح المسؤولية.
وإذا كان الإسلام وكذلك الاتفاقية يقرَّان حق الولد بالتعليم، فإن الواقع العملي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18)سنن الترمذي، كتاب البر، الباب 33.
(19)صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب 145.
(20)البخاري، الأدب المفرد، دار مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ، ص 283 و284.
(21)الحر العاملي، وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، م15، ص 195.
(22)الشيخ الصدوق، الخصال، طبعة قم، ص 570.

[الصفحة - 117]


في البلدان الإسلامية لا يعطي صورة صادقة عن هذا الأمر. فقد أشار تقييم سنة 2000م، الصادر عن «المؤتمر العربي الإقليمي حول التعليم للجميع»، المنعقد في القاهرة (24 ـ 27/1/2000م) (23)، إلى أن معدلات الالتحاق بالمدارس لأول مرة تتراوح في البلدان العربية بما دون الثلاثين في المئة حتى حوالى الثمانية والتسعين في المئة، ولعل النسب الدنيا قائمة في جيبوتي (حوالى 27%) ثم السودان (حوالى 42%) ثم المغرب (حوالى 52%) ثم قطر والكويت وموريتانيا (حوالى 62%). على أن الوضع لن يكون أفضل إذا غادرنا البلاد العربية إلى أفريقيا أو آسيا حيث يبلغ عدد الأطفال المحرومين من الدراسة في أندونيسيا ممَّن يجب أن يدخلوا المدرسة حوالى مليونين ونصف المليون (24). وهو بالتأكيد سيصبح أكثر سوءاً إذا توغلنا في أفريقيا جنوب الصحراء.
على أن نسبة الفتيات خارج مقاعد الدراسة هي العليا، فقد بلغ عدد الإناث الملتحقات بالتعليم الابتدائي 82% من عدد الصبيان في السنوات العشر الماضية (25).
حقُّ الطِّفل بالمعاملة الحسنة
يحث الإسلام على التراحم بشكلٍ عام: {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصو بالمرحمة} [البلد/17]، وهو يفترض إعانة الضعفاء. ومن هنا فإن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يحض على الرفق بالأولاد والرأفة بهم كما رأينا في الفقرة السابقة، وهو إذ يرسم للوالد كيفية معاملة الولد، يوصي بـ «أن يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره» (26).
وبهذا تلتقي الاتفاقية مع أحكام الإسلام، إذ تقضي في المادة 19 بحرمة جميع أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية والعقلية أو الاستغلال. كما تقضي بإيضاح المقصود بالمعاملة السيئة وبوضع برامج توعية، وتأمر بالإبلاغ عن حالات الإساءة إلى الطفل.
وفي باب عدم الإساءة هذا يمكننا إدراج عدم الاستغلال الجنسي للطفل بما يعود على صحته وعلى سمعته بالضرر، كما تقضي المادتان 19 و 34 من الإتفاقية، علماً أن الإسلام رتب على موضوع القوادة للزنا عقوبات مشددة (27).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23)التقرير الإقليمي حول «التعليم للجميع» في الدول العربية، توزيع الأونيسكو، ص 16.
(24)اليونيسيف، مذكور سابقاً، ص 22.
(25)التقرير الإقليمي، مذكور سابقاً، ص 19.
(26)الحر العاملي، مذكور سابقاً، ص 199.
(27)راجع كتب الحدود، باب الزنا، في كتب الفقه الإسلامي.

[الصفحة - 118]


ويمكننا أن نلحق بهذا الموضوع الحقوق الإنسانية للطفل في الحرب؛ حيث كان الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) يوصي بعدم قتله (28)، كما كان يرفض تجنيده في الجيش (29).
حق الطفل بالسَّعادة
حثَّ النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) على محبة الولد وإسعاده وذلك بأن أمر بتقبيله وتفريحه (30). وقد كان يترك أحفاده يعتلون ظهره ويمنع محاولات أصحابه لثنيهم عن ذلك. كما كان (صلي الله عليه و آله و سلم) يوصي بقبول ميسور الولد والتجاوز عن معسوره (31)ومن هنا فإن الإسلام يستطيع الإستجابة بسهولة لأحكام الإتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل بمادتها الحادية والثلاثين التي تقضي بأن:
1 ـ تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة له. على أن الراحة وأوقات الفراغ يجب أن يستغلّا لتحصيل الثقافة، ولو بالطرق السهلة والمسلِّية، لأن القلوب، كما يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «تملّ كما تملّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة» (32).
وبهذا تلتقي الاتفاقية مع الاتجاه الإسلامي، إذ تحث على مشاركة الطفل «بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون» (م31/1).
كما تقضي الاتفاقية بأن «تحترم الدول الأطراف وتعزّز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ» (م31/2).
الحق بالحياة الخاصة (الحميمية)
هذا أمر يعترف به الإسلام لجميع الناس عندما يمنع دخول البيوت إلّا من أبوابها، وبعد السَّلام على أهلها والاستئناس. فقد جاء في القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكّرون} [النور/27]، كما جاء: {وأتوا البيوت من أبوابها} .
كما يمنع الإسلام التجسُّس على حياة الناس الخاصة، إذ يقول تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات/12]. والبيوت هي البيوت سواءً كان فيها الأطفال أم الكبار،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28)راجع أبواب الجهاد في كتب الحديث الإسلامية.
(29)راجع محمد بن سعد، الطبقات الكبير، مؤسسة النصر، طهران م4، ج1، ص 105.
(30)محمد بن يعقوب، مذكور سابقاً، ص 49.
(31)الحر العاملي، مذكور سابقاً، ص 123.
(32)علي بن أبي طالب، مذكور سابقاً، ص 282.

[الصفحة - 119]


يحرَّم دخولها في غير الحالات المحدَّدة في الآيات الخاصة بذلك. وقد أتت الاتفاقية المتعلِّقة بحقوق الطفل لتؤكد على هذه الحقوق، في المادة 16 التي تمنع التعرض التسعفي أو غير القانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته. هذا الحق كما يتمتع به الكبار قانوناً، أصبح منذ سريان الاتفاقية في متناول الصغار.
غير أن هذا الحق يكاد يكون غير معترف به في الكثير من البلدان الإسلامية، حيث يجري التجسس، وبخاصَّة لأسباب سياسية، على كل من يمكن أن يشكّل خطراً مهما كان بعيداً أو ضئيلًا على الأنظمة. وهو إذا كان يتركّز على الكبار، فإن الأطفال ليسوا في منجى منه.
كما أن الطفل، في الكثير من البلدان الإسلامية، يتعرّض لتجسّس الأهل عليه، لمراقبة تصرفاته، وغالباً بصورة متعسّفة تمهيداً للتدخل في شؤونه، وقسره على اتباع عادات آبائه، رغم أن الإمام عليَّاً بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».
الحرِّيَّات الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة
تطرح، في هذا المجال، مسألتان متلازمتان: الأولى تتعلَّق بحقوق الطفل في هذا المجال، والثانية، وهي مقدمة ضرورية للأولى، ونعني بها تأمين المعلومات للطفل كي يبني مواقفه على أسس صحيحة، وذلك بعد إعداده تعليمياً وتربويَّاً.
أ ـ الحقوق في المجال الاجتماعي ـ السياسي:
تشمل هذه الحقوق تكوين الآراء عند القدرة، والتعبير عنها، وحرية الفكر وتكوين الجمعيات.
تكوين الآراء:
وقد نصت عليها المادة (12) من الاتفاقية التي تقضي بمنح الطفل حريَّة تكوين رأيه والتعبير عنه، وتأمر بالاستماع إليه.
وفي الإسلام تحضّ الأدبيات المختلفة على شهادة الحق والنصح للحاكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقد كان عمر بن الخطاب يطالب الناس بأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 120]


يبيّنوا له أخطاءه، فيقول: «أحب الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي» (33). وكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوصي الناس بألا يطروه، بل ينتقدوه (34). وكان الخلفاء يأمرون عمالهم بسماع نصائح الناس وشكاواهم، وكلمة الناس تنطبق على الكبار ولا يستثنى منها الصغار.
حرية الفكر:
جاء، في المادة 14 من الاتفاقية، أن من الواجب أن «تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر...». وهذه الحرية مكرّسة في الإسلام، بدليل تلك النقاشات المستفيضة التي كان يجريها الخلفاء في الصدر الأوَّل من الإسلام، وبدليل نشوء الأحزاب، التي تحوَّلت في ما بعد إلى مذاهب. وإذا كان بعضها لقي اضطهاداً، فإنها من وجهة نظر القائمين بها، منسجمة مع الإسلام، سواء في إمكانية نشوئها، أم في أفكارها، وإذا كان لم يؤثر عن ممارسة الأطفال لهذه الحرية، فإن ما ينطبق على الكبار ينطبق عليهم.
تكوين الجمعيات:
وقد كفلتها المادة (15) من الاتفاقية، ولم تقيّدها إلا بمقتضيات الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو بضرورات الحفاظ على الصحة والآداب، على ألا تصطدم بحقوق الغير.
وقد التزم الإسلام بإيلاء الجميع هذا الحق، مع قيود أخف أحياناً، إذ أننا نجد أن بعض الخلفاء لم يكن يتذرَّع بضرورات الأمن الوطني أو النظام العام لمنع الاجتماعات، وإلا لكان الإمام علي (عليه السلام) قمع الخوارج منذ بدأوا يتجمَّعون لمناهضته (35)، الأمر الذي يعني أن الإسلام يحترم هذا الحق، ويحرّم التعرّض له، سواء مارسه الكبار أم الصغار.
ب ـ الحصول على المعلومات:
تحثّ اتفاقية حقوق الطفل، في المادة 13، على توفير المعلومات الخاصَّة بالطفل بجميع أنواعها، وإذاعتها بجميع الوسائل شريطة ألَّا تمسّ حقوق الغير والأمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33)محمد بن سعد، مذكور سابقاً، م3، ج1، ص 211 وكذلك السيوطي، تاريخ الخلفاء، المكتبة العصرية، صيدا 1989، ص 148.
(34)علي بن أبي طالب، مذكور سابقاً، م3، ص 34.
(35)المحمودي، نهج السعادة، مؤسسة المحمودي، دون تاريخ، م2، ص 134.

[الصفحة - 121]


الوطني، وتوصي الاتفاقية بالتعاون الدولي في هذا المجال، على أن تراعى الإمكانات اللغوية للأطفال. وفي مقابل هذا، ينادي الإسلام بالشفافية والوضوح حسب رأي بعض قادته الكبار. فهذا الإمام علي (عليه السلام) يخاطب المسلمين قائلًا: «ألا وإن لكم عندي ألا احتجز دونكم سرَّاً إلَّا في حرب» (36).
وإذا كان الخليفة، وهو المسؤول عن النظام العام، ملزماً بإعلام الناس بالحقائق، فإن وسائل الإعلام تصبح، وهي الأقل مسؤولية، ملزمة بشكل أكثر إلحاحاً بكشف الحقائق. وكشف الحقائق لا يوجّه إلى الكبار فقط، إذ ليس هناك ما يمنع توجيهه إلى الصغار، ما دام موضوعياً في مصلحتهم. وهكذا فإن الاتفاقية تتفق مع الإسلام في موضوع الإعلام وتوفير المعلومات، مع ملاحظة أن مسألة ضرورات النظام العام والأمن الوطني، ليست قيداً كما يتبين من مواقف الإمام علي (عليه السلام)، إلا إذا كانت ذات صلة بالحرب. ولكنها رغم ذلك تستخدم غالباً بشكل متعسِّف لفرض الأحكام العرفية ومصادرة الحقوق السياسية في معظم البلاد الإسلامية.
د ـ حرية العبادة:
تنص المادة 14 على أن من واجب الدول الأطراف أن تحترم حرِّية الدين، وترى أنه «لا يجوز أن يخضع الإجهار بالدين أو المعتقدات إلّا للقيود التي ينص عليها القانون، واللازمة لحماية السلامة العامة أو النظام أو الصحة أو الآداب العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين».
إن التَّحفظات المختلفة على هذه النصوص تنبع من التجربة التي أثبتت أن مسائل النظام العام وما شابهها تتخذ ذرائع لتسويغ القمع، لذلك نجد أن بعض القادة المسلمين لم يكونوا يأخذون بها لتقييد الحريات، فلم يمنع الإمام علي (عليه السلام)على اجتماع الخوارج وتنظيمهم أنفسهم، رغم أنهم انشقوا عن جيشه (37)فكيف إذا كانوا من المدنيين العاديين ومن باب أولى من الأطفال؟
أمَّا حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية، فهي تخضع في الإسلام، وبعيداً عن أي ظروف خاصة قد تكون قامت في التاريخ، للآية الكريمة التي تقول: {لا إكراه في الدين} [البقرة/256]و «اللاإكراه» هذا، وكما ينطبق على الكبار، يجب أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36)علي بن أبي طالب، مذكور سابقاً، م4، ص 114.
(37)المحمودي، مذكور سابقاً.

[الصفحة - 122]


يحترم تجاه الصغار. على أن قضية حرية الطفل الإسلامي في تغيير دينه إلى دين آخر غير قائمة في نظر فقهاء المسلمين ومفكِّريهم لأنها تسهّل الارتداد المعاقب عليه شرعاً.
عمل الطفل
يحرص الإسلام على مراعاة إمكانات الطفل وعلى تعليمه وتهيئته للمستقبل. فهو يوصي بعدم إنهاكه، إذ يقول الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم): إن على المسؤول عن الطفل «أن يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به» (38). وعلى هذا الأساس يقول الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «دع ابنك يلعب سبع سنين» (39). على أن تبدأ مرحلة التعليم الفعلية بعد ذلك.
وإذا كان الإسلام يحث على تعليم الأولاد، فهو لا بد من أن يقضي بتوفير مقدِّمات ذلك، من عدم إشغال وقته بالعمل.
وهكذا تلتقي تعاليم الإسلام مع مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل مرة جديدة. فقد قضت المادة 32 بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي والأعمال التي يرجح خطرها أو تعوِّق تعليم الطفل أو تضرّ بصحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وهذا يفترض أن تحدّد الدول الأطراف عمراً أدنى للالتحاق بالعمل، وتضع نظاماً لساعات عمل الطفل يناسب أوضاعه، وتعاقب على مخالفة هذه الأحكام.
الاستغلال غير المشروع للأطفال
تحرّم الاتفاقية الاستغلال غير المشروع للأطفال، لا سيما في مجال المخدرات (م33)، ولعل من نافل القول أن الإسلام يحرّم ذلك، فيمنع هذه الأنواع من الاستغلال بالنسبة للجميع كباراً وصغاراً، كما يمنع الإسلام الاستغلال الجنسي، فهو يحوط المسألة الجنسية بكثير من التنظيم، فلا يقرّ منها إلّا الزواج، وقد رتّب على الاستغلال الجنسي عقوبات مشدّدة، إذ يدرجها في باب «القوادة» المعاقب عليها بقسوة (40).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38)محمد بن يعقوب الكليني، مذكور سابقاً، ص 50.
(39)المرجع نفسه، ص 46.
(40)راجع باب القيادة في كتب الفقه (الزنا).

[الصفحة - 123]


وتلتقي في هذه المسألة اتفاقية حقوق الطفل مع الموقف الإسلامي، وإن أتت أكثر تفصيلًا، لمعالجة حالات، ربما كان بعضها مستجدَّاً، كما نرى في ثنايا المادة (34).
أما في مسألة الاتجار بالأطفال، فتنص المادة (35) من الاتفاقية على أن «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة، الوطنية والثنائية ومتعددة الأطراف، لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم، لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال». أما الإسلام فإنه يعدّ اختطاف الأطفال من باب الفساد في الأرض، كما يعد بيع الأطفال والاتجار بهم استرقاقاً ممنوعاً ومعاقباً عليه، ذلك أن حالات الاسترقاق التي جرى التعامل بها سابقاً كانت من مصدر حربي، وكان الإسلام يحث على العتق. أما استرقاق الأحرار فكان محرماً على الدوام، على أن العبودية اليوم محرمة بكل صورها لدى الفقهاء.
المساواة
تتخذ المساواة في هذا المجال مستويين: مستوى ما بين الشعوب والمجموعات البشرية، ومستوى الجنسين: الرجل والمرأة، الابن والبنت.
المساواة بين الشعوب
يفرض الإسلام المساواة بين الشعوب دونما تمييز بسبب العرق أو الأصل أو الانتماء القومي أو الاثني أو المستوى الاقتصادي، وذلك انطلاقاً من أحكام القرآن الذي يقول في الآية 13 من سورة الحجرات: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ، كما يقول في الآية الأولى من سورة النساء: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} .
وقد مارس المسلمون هذه المساواة لا سيما في الصدر الأوَّل، فكان منهم من ينتمون إلى شعوب وأعراق وألوان متباينة، وهذا ما يجب التمسك به تجاه الصغار تماماً كما تجاه الكبار.
أما في مسألة الدين فإنه، إن كان هناك تمييز في المعاملة، فإنما كان على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 124]


الأرجح يعود إلى ظروف القتال ضد امبراطوريات كان أصحاب الأديان الأخرى من رعاياها. أما اليوم وقد أصبح الانتماء يقوم على أسس مختلفة، فإن المعاملة يجب أن تتم على قدم المساواة بناء على قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة/256]و {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس/91]. ومن هنا فإن الإسلام يوافق على المادة الثانية والمادة الثلاثين من الاتفاقية: الأولى (م2) التي تمنع، لأغراض تطبيق الاتفاقية، أي تمييز لجهة العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاثني أو الاجتماعي أو الثروة، وتقضي بمعاقبة من يتنكَّر لهذه الأحكام، كما تحرِّم المادة نفسها على الدول التي تحتوي على مثل تلك الأقليات، حرمان أطفالهم من التمتع بثقافتهم الخاصة أو الإشهار بدينهم وممارسة شعائره.
وتشير المادة نفسها إلى مساواة السكان الأصليين بالآخرين. وهذه المساواة، إن كانت تشكل نقلة مهمَّة في حياة هؤلاء السكان، إلا أنها تخفي مظالم لا حد لها، تتمثل بقضاء الإنسان الأبيض الذي أخذ على عاتقه تحضير العالم: عالم الملونين وتهيئته للحياة المتطورة، على السكَّان الذين وجدهم في الأراضي التي كان يحتلها تحت هذا الشعار، كما في أميركا وبعض مناطق استراليا.
المساواة بين الجنسين
لا تتوقّف اتفاقية حقوق الطفل كثيراً عند مسألة المساواة بين الجنسين، بل هي تشير إليها بشكل سريع جداً في الفقرة (د) من المادة 29، فتقضي بإعداد الطفل لاستشعار «المساواة بين الجنسين». وربما كان ذلك عائداً إلى أن المساواة بين الجنسين شكلت موضوعاً لاتفاقية خاصة، هي «الاتفاقية لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة»، المبرمة في 18/12/1979م والموضوعة موضع التنفيذ في 3/9/1981م.
أما الإسلام فقد أولى الأمر عناية أكبر، إذ ورد العديد من الأحاديث عن المساواة بين الطفل والطفلة. فقد قال الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم): «أعدلوا بين أولادكم» (41)، كما قال: «أعدلوا بين أولادكم في العطاء» (42). أما إذا كان لا بد من التفضيل في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41)محمد السري شهري، ميزان الحكمة، الدار الإسلامية، بيروت ج10، ص 706.
(42)المصدر نفسه.

[الصفحة - 125]


مجال الهدايا فلتفضل البنات، إذ يقول رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضِّلًا أحداً لفضَّلت النساء» (43).
ولعل التركيز على الاهتمام بالطفلة نابع من الظلم الذي تعرضت له قبل الإسلام، والذي كان الكثير من مظاهره ما يزال ماثلًا في المجتمع الإسلامي.
وقد بني الموقف من البنت والمرأة مبدئياً على أساس أنهما والذكر من أصل واحد، حيث يقول تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف/189]كما أن الآيات المتوجِّهة إلى الإنسان تساوي بالضرورة بين الجنسين، سواء في مجال القيمة المعنوية، حيث يقول تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم} [الإسراء/70]، وهذا يعني تكريم الذكر والأنثى، الكبيرين والصغيرين، أم في مجال النشاط الاقتصادي؛ حيث يقول تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء/32]، أم في مجال حقوق الطفولة الخاصة كحق الرضاعة؛ حيث يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة/233]، أم حق الحضانة والطعام والكسوة، حيث يقول تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة/233]البنات كالبنين.
إلّا أن هناك أشكالًا ظاهرة من عدم المساواة، وبخاصَّة في مجال الإرث حيث يرد: {للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء/11].
وقد اجتهد الفقهاء في تفسير ذلك، وكان رأيهم الغالب أن السبب هو أن الذكر منتج عموماً ومكلّف بالإنفاق على والديه، وهما المورّثان الأساسيان، وأنه بالمقابل يجب أن يحصل الذكر على نصيب مضاعف.
غير أن مسألة الإنتاجية لم تعد اليوم حكراً على الذكر، حتى على نحو عام، ومن هنا أصبح باستطاعة الأنثى أن تنفق على المورثين.
فيبقى أن نقول: إنه، إذا كان المورّث، وهو صاحب الحق، يريد أن يساوي في الإرث، فما عليه إلّا الإيصاء بالفارق للبنت عند المذاهب التي تؤمن بذلك. أما في المذاهب الأخرى فيمكن ملافاة الأمر بإعطاء المورِّث البنت الفارق قبل وفاته، أو بأي أسلوب آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43)السيوطي، الجامع الصغير، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، دون تاريخ، م2، ص 13.

[الصفحة - 126]


الأطفال والقانون الإنساني في الحرب
يولي الإسلام عناية خاصة لغير المقاتلين زمن الحرب، لا سيما الشيوخ والنساء والأطفال. فقد كان الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) يوصي قادته بقوله: «لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة» (44). وفي هذا تلتقي الاتفاقية مع أحكام الإسلام إذ تنصّ في مادتها (38) على ضرورة احترام قواعد القانون الإنساني الدولي المتعلقة بالطفل في المنازعات المسلحة، وعلى اتخاذ جميع التدابير الضرورية لإنفاذ هذه الحماية.
أما الحماية التي يؤمنها القانون الدولي الإنساني فهي ما ورد في اتفاقيات جنيف لسنة 1949م وملاحقها لسنة 1977م. فقد قضت المادة (77) من البروتوكول الإضافي الأول أنه «يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة من صور خدش الحياء. ويجب أن تهيى لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما، سواء بسبب السن أو لأي سبب آخر».
أمَّا تجنيد الأطفال فقد منعه الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم)، إذ ردَّ بعض المتطوِّعين ممَّن كانوا بلغوا الثالثة عشرة والرابعة عشرة (45).
وقد تبنَّت اتفاقية حقوق الطفل موقفاً مشابهاً؛ إذ نصت في المادة الثامنة والثلاثين على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير العملية الممكنة لمنع اشتراك من هم دون الخامسة عشرة في الحرب وأن تعمل ما أمكنها لتلافي اشتراك من بلغوا الخامسة عشرة ولم يبلغوا الثامنة عشرة.
ولا نرى مانعاً من أن يأخذ الإسلام بهذه الأحكام، وإذا علمنا أن سن الرشد التي كانت معتمدة أيام الرسول، ونظراً لبساطة الأمور، هي الخامسة عشرة، فإن الرشد اليوم وكما بينا في مطلع هذا البحث، وبسبب من تعقد الحياة في كافة المجالات، بما فيها مجال القتال، لا يحصل قبل الثامنة عشر.
الأطفال والقضاء
يحمّل الإسلام المسؤولية المدنية عن أعمال الطفل للأهل. أما المسؤولية الجزائية فيتحملها الطفل نفسه (46). غير أن العقوبات لا بد من أن تكون مخفّفة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44)راجع أبواب الجهاد في كتب الحديث المختلفة.
(45)محمد بن سعد، مذكور سابقاً.
(46)راجع أبواب الحدود في كتب الفقه الإسلامي.

[الصفحة - 127]


فأفعال العمد التي يأتيها الطفل يجري التعامل معها كأنها خطأ، وهكذا فإن الحدود، وهي العقوبات القاسية التي تنتهي في حدها الأقصى إلى الإعدام، لا تطبق على الطفل (47).
وقد أتت الاتفاقية لتلتقي مع الإسلام، إذ قضت المادة (37) على أن لا يعرّض الأشخاص دون الثامنة عشرة للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عليهم عقوبة الإعدام إطلاقاً. كما قضت بألّا يحرم الأشخاص المشار إليهم من حرياتهم إلا بمقتضى القانون، وأن لا يعرّضوا للسجن إلا لأقصر مدى ممكن وأن توفر لهم المساعدة القانونية اللازمة، وتوفر لهم إمكانية الطعن بعقوبتهم تلك أمام محاكم مختصة مستقلة.
وهناك مزية تتَّصف بها أصول المحاكمات في الإسلام، لم تؤكد عليها الاتفاقية بالشكل اللازم والواضح، وهي: إن المحاكمات الإسلامية جميعها تجري بطريقة عاجلة ولكن عادلة، ولا يقتصر ذلك على الأطفال. ويوجب الإسلام الاكتفاء بالعقوبة من دون أي تجريح أو مساس بسمعة المعاقب أو شرفه. وهذا ما تلتقي معه فيه الاتفاقية في المادة 37/جـ التي تنص على أن:
«يعامل كل طفل محروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصّلة في الإنسان، وبطريقة تراعي احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه، وبوجه خاص، يفصل كل طفل محروم من حريته عن البالغين ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل الفضلى تقتضي خلاف ذلك. ويكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات، إلّا في الظروف الاستثنائية».
يتبيَّن مما تقدم أن الإسلام، في المجال الجزائي، أكثر رحمة بالطفل من الاتفاقية، وهنا توجب الاتفاقية أن يطبَّق التشريع الأرحم، إذ تقول المادة (41): «ليس في هذه الاتفاقية ما يمس أي أحكام تكون أسرع إفضاء إلى إعمال حقوق الطفل والتي قد ترد في:
أ ـ قانون دولة طرف، أو
ب ـ القانون الدولي الساري في تلك الدولة».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47)المراجع نفسها.

[الصفحة - 128]


وظيفة العقوبة
إذا كان الإسلام يفرض عقوبات مخفّفة على الأطفال، ويشترط لذلك أن يكونوا مميزين ـ فوق السابعة ـ لأن غير المميز لا يعاقب، فإنما ذلك بقصد إصلاحهم ودفعهم إلى احترام حقوق الآخرين، علماً أن أصول المحاكمات في الإسلام لا تحتاج إلى وقت طويل لإتمام المحاكمة كما أشرنا سابقاً.
وتأتي الاتفاقية هنا أكثر تفصيلًا لا سيّما في مجال أصول المحاكمات، إذ تقضي في المادة (40) بأن يعامل «الطفل المتهم أو المدان» بطريقة تمكن من تعزيز إحساسه بكرامته وتعلّمه احترام حقوق الآخرين وتؤدي إلى إعادة اندماجه في مجتمعه. وهذا يتحقق بعدم تجريم الطفل بما لم يكن جرماً يوم مارسه، «شرعية الجرائم»، وأن تفترض براءته حتى تثبت إدانته. كما توجب الاتفاقية إخطار الطفل بما ينسب إليه وتمكّنه والقيمين عليه من تحضير دفاعهم، كما توجب عدم إكراهه على الإقرار، ومن ثم محاكمته أمام محكمة قانونية مستقلة.
هذا وتقضي الاتفاقية بتأمين مترجم له أمام المحكمة غير الناطقة بلغته. وتأمر باحترام حياته الخاصة في حالات المحاكمة. وتوصي الاتفاقية بوضع قوانين وإقامة مؤسسات خاصة لمعالجة انحرافات الأطفال، وبتلافي الحلول القضائية ما أمكن، على أن تعطى الأولوية لبرامج الإرشاد وغيرها من وسائل الاحتياط والوقاية من الانحراف.
إن التدابير المختلفة الواردة في هذه المادة لا تتعارض مع الضمانات التي يوفّرها الإسلام، أما تفصيلها هنا فهو بطبيعة الحال عائد إلى محاولات التهرب المعتادة التي تلجأ إليها الدول، لا سيّما الاستبدادية منها، للانتقام من معارضي أنظمتها حتى ولو كانوا أطفالًا.
عمليَّات التَّأهيل
عندما تتعرض حقوق الطفل للانتهاك فلا بد من أن يترك ذلك آثاراً نفسية وبدنية ضارة به، قد تدفعه إلى الانحراف أو معاداة المجتمع أو عدم إمكانية الائتلاف مع قيمه ومعاييره، فيصبح بحاجة إلى المعالجة ليستقيم وضعه، وهذه مسألة كانت تحصل في الإسلام من طريق احتضان المؤمنين له واستيعابه في مجموعهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 129]


واليوم تأتي اتفاقية حقوق الطفل لتؤكد هذه الحاجة، فتنص في المادة (39) على أن: «تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال والاستغلال أو الإساءة أو التعذيب، أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة، ويجري هذان من التأهيل وإعادة الاندماج في بيئة تعزّز صحة الطفل واحترامه لذاته وكرامته».
الخلاصة
يعترف الإسلام، كما بيّنا، بحقوق الطفل على أوسع نطاق، ولا يتحفظ على أي من المزايا التي أقرتها له الشرائع الحديثة، لا سيّما الإعلانات الدولية، لا بل هو يتجاوزها بعض الأحيان، خصوصاً في بابي الرحمة والأمور ذات الصلة بالنظام العام. ولا يتعارض الإسلام مع الصكوك الدولية إلا في أمور محدودة.
ففي باب الرحمة وردت الأحاديث عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) بشكل ملفت، فهو يقول مثلًا: «أحبّوا الصبيان وارحموهم» (48)، كما يقول: «من لم يرحم صغيرنا فليس منا» (49)، وهو يأمر بشراء الهدايا للأطفال (50)، ويتوسع أئمة المسلمين في حقوق الولد فيقول الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): «.. وحق الصغير رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به والمعونة له» (51).
أما مسألة النظام العام، فقد رأينا أن الإمام عليّاً بن أبي طالب (عليه السلام)، كما غيره من الخلفاء الراشدين، لم يكونوا يغلِّبونها على الحقوق الفردية والحريات العامة.
غير أن الأمانة تقتضينا القول: إن الإسلام، وإن يكن توسّع في الضمانات في العديد من الأبواب، إلا أنه حد من الحريات في مجال إمكانية تغيير الدين، كما في مسألة الإرث المتفرعة عن مسألة المساواة بين الجنسين.
على أنه لا بد من التنبيه إلى أن ما أثبتناه من مبادى إسلامية، لم يكن دائماً معمولًا به، بل هو حتى اليوم لا يزال بحاجة إلى جهود كبيرة حتى يحترم.
وفي مطلق الأحوال، وإذا كانت الإعلانات العالمية تركّز، إضافة إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48)محمد السري شهري، مذكور سابقاً، ص 699.
(49)المرجع نفسه، ص 700.
(50)المرجع نفسه.
(51)الصدوق، مذكور سابقاً.

[الصفحة - 130]


الحقوق، على الوسائل الكفيلة بإعمالها لصالح الأطفال، فإن الإسلام لا يمكن أن يقف حائلًا دون استخدام هذه الوسائل، بل هو يحث على اعتمادها على أنها مقدمات لواجبات لا يمكن تحقيقها من دونها، ومقدِّمات الواجبات واجبات كما يرى علماء الأصول، واجبة كما الواجبات نفسها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الصفحة - 131]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف