البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حقوق الإنسان في العصر العباسي

الباحث :  د. محمد طي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  35
السنة :  السنة التاسعة خريف 1425هجـ 2004 م
تاريخ إضافة البحث :  March / 2 / 2015
عدد زيارات البحث :  3575

حقوق الإنسان في العصر العباسي

د. محمد طي (*)

لعلّ من نافل القول أن نؤكد أن مصطلح حقوق الإنسان لم يكن معروفاً في العصر العباسي، ولم تكن مضامينه بتفاصيلها مطروحة في تلك الأزمنة، إلاّ أن التجربة النبوية والراشدية تشجع على الخوض في هذا المضمار، نظراً للمستوى المتقدم من الحقوق التي كان يوفِّرها للأمة أو للرعية، فتحترمها السلطة وتتحرج من الاعتداء عليها.
إلاّ أن العصر الأموي تحلّل، مع استثناءات بسيطة، من الالتزام بهذه الحقوق، كما أصبح معروفاً، بحيث شكل انقلاباً على التجربة التي سبقته، لاسيّما تجربة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أما العصر العباسي فأتى انقلاباً على الأمويين، الذين قاسى بنو هاشم في ظلهم الأمرَّين، فتراوح موقفهم بين الثورة والثأر. واسُتبْعد تيار الثورة المتمثل عموماً بفريق واسع من الطالبيين، في فرعهم العلوي، المتحدّر من الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، واستأثر بالحكم فريق الثأر، مبعداً حتى حلفاء الأمس. ممعناً فيهم تقتيلاً وتشريداً.
لقد كان هم العباسيين عموماً السلطة، التي دافعوا عنها بكل الوسائل، من دون أن تقف في وجههم أي مبادئ، لذلك لم تكن حقوق الأمة أو حقوق الرعية، وبالتالي حقوق الإنسان محل رعاية، بل كانت تهدر لأتفه الأسباب، على أساس أن العباسيين هم من شجرة النبوة نفسها، وبالتالي فإن حقوقهم بالحكم مطلقة، كما يرون.
________________________________________
(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية.

[الصفحة - 73]


فلنرَ تفصيلياً حالة حقوق الإنسان، بدءاً بالحق بالحياة، مروراً بالحقوق السياسية والمالية والحق بالحياة الخاصة...
الحق بالحياة: لم يكن الحق بالحياة محترماً أيام العباسيين، لا في الصدر الأول الذي شهد قوة الخلفاء ابتداءً من أبي العباس السفاح حتى المتوكل، ولا في الصدر الثاني الممتد من عهد المنتصر بالله حتى نهاية الدولة. ويمكن نسبياً استثناء عهدي المهدي والمأمون.
فقد كانت النفوس تزهق من دون وجه حق، وقد بولغ في ذلك حتى أنهم كانوا يقتلون الآلاف دون أن يرف لهم جفن. يشترك في ذلك الخليفة وعماله من دون تفريق ، بدليل ومن دون دليل.
القتل: أمسك داود بن علي بقائم سيفه وهدّد الناس قائلاً: "إن بكم داءً هذا دواؤه، وأنا زعيم لكم بشفائه وما بعد الوعيد إلا الإيقاع" (1) ، وعلى هذا النهج كان يسير السفاح، فقد كان سريعاً إلى سفك الدماء، واتبعه عماله بالشرق والغرب، مثل محمد بن الأشعث بالمغرب وصالح بن علي بمصر وخازم بن خزيمة وحميد بن قحطبة" (2) وكان "الهادي جباراَ عظيماً وأول من مست الرجال بين يديه بالسيوف الرهيفة والأعمدة المشهورة والقسي الموتورة، فسلكت عماله طريقه (3)، والمعتصم كان إذا غضب "لا يبالي من قتل ولا ما فعل" (4) .
فقد قتل أبو العباس ضيوفه من الأمويين بمجرد أن ذكّره مولاه سديف شعراً بأفعالهم، وجعل فوقهم بساطاً وجلس الناس فوقهم وتغدوا، ثم جرّوا إلى الطريق وتركوا حتى انتنوا، كما قتل سليمان بن علي بالبصرة جماعة من الأمويين، ورماهم في الطريق تجرهم الكلاب (5) ، وقتل داود بن علي أيام السفاح جماعة من بني أمية كانوا بمكة، كما قتلهم في الطائف والمدينة (6) . إذا كان لا شك في أن العديدين من كبار الأمويين قد ارتكبوا الجرائم الفظيعة إلا أنه كان من الواجب محاكمتهم محاكمة عادلة، وإنزال العقوبة الملائمة بمن أذنب منهم، دونما تمثيل بالجثث، على أن يكون ذلك عقاباً شرعياً لا انتقاماً جاهلياً.
أما الطالبيون فقد نالهم النصيب الأوفر من قتل السفاح كما سنرى.
وإضافةً إلى هذا كانت عقوبات السفاح غاية في الشدة، فقد وثب أهل الموصل على عاملهم، فانتهبوه وأخرجوه، فولّى أبو العباس أخاه يحيى بن علي الموصل، وضم إليه أربعة آلاف رجل من أهل خراسان، فقدمها سنة 133، فقتل من أهلها خلقاً عظيماً. وقيل إنَّه،
________________________________________
(1) الدينوري، عيون الأخبار، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1973، مـ2، صـ252ـ
(2) علي بن الحسين بن علي المسعودي، مروج الذهب، الشركة العالمية للكتاب، بيروت1990،جـ2، صـ 668ـ
(3) المصدر نفسهـ صـ 670ـ
(4) محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، دون تاريخ، جـ 7، صـ 316ـ
(5) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، دار صعب، دون تاريخ، جـ 4 صـ 93 - 95ـ
(6) اليعقوبي، التاريخ، مؤسسة الأعلمي، 1993، جـ2، صـ286ـ

[الصفحة - 74]


اعترض الناس في يوم جمعة، فقتل ثمانية عشر ألف إنسان من صليب العرب. ثم قتل عبيدهم ومواليهم حتى أفناهم، فجرت دماؤهم فغيرت ماء دجلة" (7).
ولم يكن المنصور أقل قسوة من السفاح، ففي عهده" تحرّكت الصنّارية بأرمينية، فوجه أبو جعفر الحسن بن قحطبة عاملاً على أرمينية... فقاتلهم قتالاً شديداً وأقام أياماً يحاربهم... فقتل منهم في يوم واحد ستة عشر ألف إنسان، ثم انصرف إلى تفليس، فقتل من كان معه من الأسرى..." (8) . كما خالف أهل اليمامة والبحرين سنة 152، وقتلوا أبا الساج، عامل أبي جعفر عليهم، فوجّه إليهم عقبة بن سلم الهنائي، فقتل من بها من ربيعة" (9) . وكان المنصور يوصي أبنه المهدي بقوله: "أنفق هذه الأموال واقتل من الموالي واهدم هذه المدينة حتى تظفر (بعيسى بن زيد) ثم لا ألومك" (10) . وكان أبو مسلم الخراساني القائد العباسي الشهير يفاخر بقوله: "إني نظرت في من قتلت بالسيف صبراً (موقوفاً)، سوى من قتل في المعارك، فوجدتهم مائة ألف من الناس" (11) .
وكان الواثق يسير على خطى أجداده، فقد كانت بطون من "قيس قد عاثت في طريق الحجاز حتى تخلّف الحاجّ فوجه الواثق )قائده( بغا الكبير التركي سنة 230، وأمره بأن يقتل كل من يجده من الأعراب... فقتل منهم خلقاً عظيماً وصلبهم على الشجر، وأسر منهم عالماً... (12).
أما القتل الفردي، ولأتفه الأسباب، فلم يكن غريباً عن السلطات العباسية، فالأمين تغنيه جارية:
"كليب لعمرك كان أكثر ناصراً وأيسر ذنباً منك ضرّج بالدم
فتطير منها فرماها بالكأس الذي في يده وأمر فطرحت للأسد" (13) . والمعتز كره بغا، لأنهما كانا في شراب لهما يشربانه فعربد أحدهما على صاحبه، فتهاجر ثم قتل المعتز بغا" (14).
أما الأمراء فكانوا على "دين خلفائهم" يقتلون بكل يسر، فناصر الدولة الحمداني" قتل عمه بعد أن ضمن عمه الموصل وديار ربيعة سراً" (15).
وقد وصل بهم الأمر إلى التلاعب بدماء الناس هزلاً، فقد قدم رسول ببشارة من عند أبي جعفر المنصور إلى عقبة بن مسلم الهنائي عامله على اليمامة والبحرين، فقال له: "ما
________________________________________
(7) المصدر نفسه، صـ292ـ
(8) المصدر نفسه، صـ 310ـ
(9) المصدر نفسه، صـ 325ـ
(10) الطبري، مذكور سابقاً، مـ 6، صـ 345 ـ
(11) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 302ـ
(12) المصدر نفسه، صـ 442ـ
(13) الطبري، مذكور سابقاً، مـ 7، صـ 105ـ
(14) محمد بن جرير الطبري، مذكور سابقاً، صـ 518ـ
(15) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار الفكر، 1978، جـ 6، صـ249ـ

[الصفحة - 75]


عندي مال فأعطيك، إلا أنني أعطيك ما قيمته خمسماية ألف درهم. قال: وما ذاك؟ قال: أدفع إليك خمسين رجلاً من ربيعة، فتنطلق بهم، فإذا صرت إلى البصرة، أظهرت أنك تريد ضرب أعناقهم وصلبهم على أبواب أعداء أمير المؤمنين، فإنك لا تشير إلى واحد إلا أفتدي منك بعشرة آلاف درهم. قال: قد رضيت. إلا أن قاضي البصرة أفشل المكيدة (16).
القتل على الظن: إذا كان القتل السابق يستند إلى سبب من دون أن يكون مبرراً، فإن العباسيين وقادتهم كانوا يقتلون لمجرد الظن.
فقبل أن يستتب الأمر للدولة العباسية بهزيمة الأمويين، وجّه إبراهيم بن محمد أبا مسلم إلى خراسان وقال له: "... وانظر هذا الحي من مضر، فإنهم العدو القريب الدار. فاقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شيء. وإن استطعت ألاّ تدع بخراسان لساناً عربياً فافعل. فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه، فاقتله..." (17).
أما قحطبة بن شبيب، وهو من قادة أبي مسلم، فقد قتل سنة 130 "من أهل جرجان... زهاء ثلاثين ألفاً. ذلك أنه بلغ... أنه أجمع رأيهم... على الخروج على قحطبة. فدخل قحطبة، لما بلغه ذلك من أمرهم، واستعرضهم، فقتل منهم من ذكرت" (18).
أما المنصور فقد سعت لديه حاضنة ابنه جعفر، وأومأت إليه أن الفضيل بن عمران، كاتب جعفر وولي أمره من قبل المنصور، يعبث بجعفر، "فبعث المنصور الريان مولاه وهارون بن غزوان... إلى الفضيل وهو مع جعفر بحديته الموصل، وقال: إذا رأيتما فضيلاً فاقتلاه حيث لقيتماه ففعلا. واكتشف أن الفضيل كان أبرأ الناس مما رمي به. وكان عفيفاً ديّناً مسلماً (19).
وكان أبو جعفر يقول: "لو وجدت ألفاً من آل الزبير كلهم محسن، وفيهم مسيء واحد، لقتلتهم جميعاً. ولو وجدت ألفاً من آل عمر كلهم مسيء وفيهم محسن واحد لأعفيتهم جميعاً" (20).
وكان من قادة أبي جعفر من يقتدي به، فقد كلف غزوان مولى آل القعقاع، الذي اشتراه، أن يعترض سفناً منحدرة من الموصل، ظنّاً منه أنها تحمل أنصاراً لإبراهيم بن عبدالله بن الحسن المستولي على البصرة. "فلقيهم بباحشما، بين بغداد والموصل، فقتلهم أجمعين وكانوا تجاراً... وبينهم رجل يدعى أبا العرفان من آل شعيب السمّان. فجعل يقول:
________________________________________
(16) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 326ـ
(17) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 14 و15ـ
(18) المصدر نفسه، صـ 12ـ
(19) المصدر نفسه، صـ 339 و340ـ
(20) المصدر نفسه، صـ227ـ

[الصفحة - 76]


ويلك يا غزوان، ألست تعرفني؟ أنا أبو العرفان جارك... فلم يقبل وقتلهم أجمعين وبعث برؤوسهم إلى الكوفة" (21).
كما قتل الرواندي من أهل باحشما المؤيدين لإبراهيم خمسماية شخص حمل رؤوسهم إلى أبي جعفر (22).
وحتى المهدي والمأمون لم يتجاوزا هذا الأسلوب. فقد لفّق أبو الفضل بن الربيع تهمة لمحمد ابن القاضي أبي عبدالله، فامتحنه المهدي بالقرآن، ففشل. فطلب من أبيه أبي عبدالله أن "تقرّب إلى الله بدمه" ولما فشل الأب أمر المهدي بالأمين" فأخرج، فضربت عنقه" (23).
أما المأمون، فقد قتل جماعة من أنصار إبراهيم (بن عبدالله بن الحسن) تآمروا ليشغبوا في السجن(24) . ومن أجل تحصيل المال أثناء حصاره في بغداد، "أمر الأمين زريحاً غلامه بتتبع الأموال وطلبها عند أهل الودائع وغيرهم، وأمر الهرش بطاعته. فكان يهجم على الناس في منازلهم، وبيّتهم ليلاً، ويأخذ بالظنة. فجبى بذلك السبب أموالاً كثيرة وأهلك خلقاً، فهرب الناس بعلة الحج وفر الأغنياء" (25).
وقد طالت تلك العمال كبار القادة، فقد حبس المعتصم قائده، الأفشين، لأته كان يخطّط لحكم خراسان... ثم أخذ المعتصم يقتّر عليه في الطعام حتى مات، فصلبه ثم أحرقه ورمى رماده في دجلة (26).
القتل غيرة: كان للجواري تأثير كبير في العصر العباسي كما سنرى، وكان التنافس من أجل كسب ودِّهن وقد اندفع الخلفاء وكبار رجال الدولة إلى إنزال العقوبات المختلفة وحتى القتل بالمنافسين. فالمأمون يقتل الفضل بن سهل، لأنه "ضايقه على جارية أراد شراءها" (27) . وموسى بن المهدي (الخليفة) يغار من صاحب جاريته السابق فيقتله، فقد أهدى الربيع جارية إلى المهدي، فوهبها لأبنه موسى. وبلغه أن الربيع يقول: "ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز (اسمها)، فغار موسى فسمّه" (28).
والأغرب من هذا حقد القاهر على من زاد عليه في ثمن مغنية. إذ أراد، قبل أن يلي الخلافة، شراء تلك المغنية، فزاد عليه كل من إسحاق بن إسماعيل النوبختي وأبي السرايا بن حمدان، فلما ولي الخلافة دعاهما "للمنادمة" ولما حضرا ألقاهما في بئر و"طمه" عليهما (29).
عقوبات المغنين والشعراء: مع أن المغنين والشعراء كانوا يكسبون من الخلفاء والأمراء
________________________________________
(21) المصدر نفسه صـ249ـ
(22) المرجع نفسهـ
(23) المصدر نفسه، صـ 371ـ
(24) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 176ـ
(25) المصدر نفسه، صـ 64ـ
(26) المرجع نفسه، صـ 311ـ
(27) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 395ـ
(28) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 440ـ
(29) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ243ـ

[الصفحة - 77]


الأموال الطائلة، إلا أنهم كانوا أحياناً كثيرة يتعرضون للغضب، ومن ثم للعقوبات، لتعكيرهم مزاج من يغنون بحضرتهم. فالمهدي يسأل مروان بن أبي حفصة عن شعر أنشده في معن بن زائدة. ويقول: "جرّوه"، فجرّوه (30) . ويبعث إلى ندماء الهادي ومغنيه فيأمر بضربهم... (31) . كما يأمر بضرب المغني إبراهيم الموصلي ثلاثماية وخمسين سوطاً لأنه شرب الخمر مع ابنيه الهادي والرشيد، ثم يضربه بالسيف في جفنه فيشجه، فيسقط مغشياً عليه (32).
أما الرشيد فيعاقب المغني عبد الرحيم الدقاق، الذي كان يغني شعراً في مدح أخيه علي، فيطلبه الرشيد ويقول له: أتفاخر بيني وبين أخي ويأمر بتجريده وضربه خمسماية سوط. وبعد تنسّك أبي العتاهية، يأمره الرشيد بقرض الشعر في الغزل فيمتنع، فيضربه الرشيد ستين عصا، ويحلف ألا يخرج من سجنه حتى يقول شعراً في الغزل (33).
والمأمون يضرب الحسين بن الضحاك الشاعر لميله لأخيه الأمين (34) . كما يعاقب علي بن جبلة، لمدحه أبا دلف، الذي قال فيه بيتين من الشعر أحفظ المأمون عليه "حتى سل لسانه من قفاه"(35).
أما المتوكل، فيحبس علي بن الجهم لأنه سبّ الطبيب بختيشيوع عنده، ولا يطلقه إلا بعد سنة وبعد أن استعطفه بعدد من القصائد (36).
العقوبات المبتكرة: عرفنا أن الإسلام يتشدّد في مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لاسيّما منها الجرائم الكبرى (الكبائر) والعقوبات الشديدة (الحدود).
إلا أن العباسيين كانوا يضربون بهذا المبدأ عرض الحائط، فيجرّمون ويعاقبون كما يشتهون، من دون أن يكون المزاج بعيداً عن التأثير. وقد رأينا نماذج من ذلك في الفقرتين السابقتين، وسوف نرى الكثير في متن هذا الفصل، إلا أننا سنتوقف عند عدد من الأمثلة.
فالمنصور يعفو عن شخص بسبب جرم ثم يعاقبه على الجرم نفسه. فقد اتهم رجلاً بالسعي بالفساد، واعترف الرجل "بذنبه واستغفر"، فأعطاه خمسماية درهم... ثم أُتي به ثانية، فسأله المنصور عن فعلته وسعيه بالفساد، فاعترف واستغفر، فضرب عنقه. ويتهم أبو جعفر عامله على اليمن، فيقول لمعن بن زائدة: "إن صاحب اليمن قد هم بمعصيتي، وإني أريد أن آخذه أسيراً ولا يفوتني شيء من ماله"، فتكفل له معن بذلك ونفّّذ (37).
________________________________________
(30) أبو الفرج الأصفهاني، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ 44ـ
(31) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 430ـ
(32) الأصفهاني، مذكور سابقاً، صـ ج 5، صـ 5ـ
(33) المرجع نفسه، جـ 3، صـ 140ـ
(34) المرجع نفسه، جـ 6، صـ 92ـ
(35) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 157ـ
(36) المرجع نفسه، جـ 9، صـ 106ـ
(37) الطبري، مذكور سابقاً ، صـ 310 و311ـ

[الصفحة - 78]


والهادي يرمي جاريتين بارتكاب المساحقة، فيكلّف من يتجسّس عليهما، "ويضبطهما في لحاف واحد على الفاحشة" فيقطع رأسيهما (38) . ويعاقب الهادي ندماءه بطلاق زوجاتهم، لأن أمه لم تفهم الرسالة، فقد طلبت الخيزران منه أن يولّي خاله الغطريف اليمن، فقال لها: ذكريني قبل أن أشرب. فلما عزم على الشرب، وجهت إليه تذكِّرة، فقال للرسولة: "إرجعي فقولي لها: اختاري له طلاق ابنته عبيدة وولاية اليمن ... فقالت: فقد اخترت له ولاية اليمن. فطلق ابنته عبيدة. فسمع الصياح. فقال: ما لكم؟ فأعلمته الخبر. فقال: أنتِ اخترتِ له. فقالت: ما هكذا أدّيت إلي الرسالة عنك. فأمر صالحاً صاحب المصلّى أن يقف بالسيف على رؤوس الندماء ليطلقوا نساءهم (39).
أما المهدي الذي تحدَّث بعضهم عن عدله، فيعدم شخصاً أخذ بثأره، والشرع لا يقر إعدامه إلا أن القوّاد حثّوه على ذلك بقولهم: " والله ما فيه درك من عقبه (لا يتحمل تبعة). ولكنه إذا ترك، وثب كل يوم كلب من الكلاب ! على قائد فقتله. فأمر المهدي بضرب عنقه" (40).
أما الأمين فكان لا يدع الشراب، "وشرب أبو نؤاس الخمر فرفع ذلك (إليه)... فأمر بحبسه فحبس ثلاثة اشهر" (41).
والمأمون يقوم بفعل شبيه بفعل الأمين، فقد عربد عبدالله بن موسى الهادي وهو يشرب مع المأمون " وتكلم بكلام يحفظه" فأمر المأمون خادماً له، فسمّه في دراج أكله" (42).
أما الرشيد فيفرّق بين رجل وزوجته من دون حاجة للقاضي وبغير الطريقة الشرعية. فقد تزوّج الهيثم بن عدي من بني الحرث بن كعب. فذهبوا إلى الرشيد يطلبون التفريق بينه وبين ابنتهم. فأمر الرشيد داود بن يزيد أن يفرّق بينهما، فأخذه، فادخلوه داراً وضربوه بالعصي حتى طلقها (43).
والمعتصم يتهم قائده الأفشين بممالأة منكجور الفرغاني المتمّرد، فحُبس الأفشين حتى مات، فصلب ساعة في سرّ من رأى عرياناً، ثم أنزل فأحرق (44).
والواثق يرفع إليه أن أحمد بن الخصيب "حاز أموالاً عظيمة، فسخط عليه، وقبض أمواله وأموال أخيه، وعذبا وعذبت أمهما" (45).
أما المتوكل فكان متقلِّب المزاج، يعاقب ويعفو ثم يعاقب ويعفو. فقد سخط سنة 233 على عمر بن الفرج الرخجي، وكان من علية الكتاب، وأخذ منه مالاً وجواهر نحو مئة
________________________________________
(38) المرجع نفسه، جـ 6، صـ 435ـ
(39) المرجع نفسه، صـ 435ـ
(40) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 339 و340ـ
(41) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 107ـ
(42) الأصفهاني، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ 101ـ
(43) المرجع نفسه، جـ 18، صـ 111ـ
(44) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 439ـ
(45) المصدر نفسه، صـ 443ـ

[الصفحة - 79]


وعشرين ألف دينار، وأخذ من أخيه نحواً من مئة وخمسين ألف دينار. ثم صولح على واحد وعشرين ألف درهم على أن ترد عليه ضياعه. ثم غضب عليه غضبة ثانية. وأمر أن يصفع في كل يوم، فأحصي ما صفع فكان ستة آلاف صفعة، وألبسه جبة صوف. ورضي عنه، ثم سخط عليه ثالثة. وأحضر إلى بغداد، وأقام بها حتى مات" (46).
ولم ينسَ المتوكل لمحمد بن عبد الملك الزيات معارضته لخلافته في حياة أبيه الواثق، فلما ولي، صادر جميع أمواله وعذَّب بوضعه على خشب فيها مسامير، وكان يساهر، وكلما غفي ينخس. ثم ضيّق عليه فمات (47).
وفي خلافة المعتمد، سنة 258هـ أُتي بسعيد بن أحمد الباهلي إلى "باب السلطان، وأمر السلطان بضربه بالسياط فضرب سبعمائة سوط، في ما قيل (والحد الأقصى للجلد دون ذلك بكثير) فمات فصلب" (48).
أما من كان يذكر الخليفة بالله وأحكامه فلم يكن ينجو من العذاب. ففيما كان أبو جعفر يخطب وبلغ{ فاتقوا الله حق تقاته } (آل عمران/102)، قال له رجل: "وأنت يا عبدالله، فاتق الله حق تقاته "، فقطع أبو جعفر الخطبة، وقال"... لا يقوم رجل هذا المقام، إلا أوجعت ظهره وأطلت حبسه" (49).
وقام الرشيد خطيباً بمكة، فقال له رجل: { أكبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } (الصف/3)، فأمر به فضرب مائة سوط. فكان يئن الليل كله ويقول: الموت الموت، فأخبر الرشيد أنه رجل صالح، فأرسل إليه فاستحله فأحله (50) . كما وعظ الرشيد عبدالله بن عبد العزيز العمري. فعرض عليه الرشيد ألفي دينار، فرفض أخذها إلا ديناراً واحداً. ثم أتى بغداد، "فكره الرشيد مصيره إلى بغداد، وجمع العمريين، فقال: مالي ولابن عمكم، احتملته بالحجاز، فشخص إلي في دار مملكتي، يريد أن يفسد علي أوليائي، ردّوه عني... ولما احتيل في صرفه، ونهي عن التعرض لأمير المؤمنين، أخذ نعله، وقام وهو يقول: { فاعترفوا بذنبهم، فسحقاً لأصحاب السعير } (الملك/11) (51).
وهكذا نجد أن العباسيين لم يكونوا أكثر رحمة من الأمويين، حتى أن أبا جعفر المنصور يعجب بالحجاج، فيقول عندما يسأل عنه: وما استنكرت من ذلك، رجل استكفاه قوم،فكفاهم. والله لوددت أني وجدت مثل الحجاج حتى استكفيه أمري، وأنزل الحرمين حتى يأتيني أجلي (52).
________________________________________
(46) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 484 و485ـ
(47) الطبري ، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 343 ـ 345ـ
(48) المصدر نفسه، جـ 8، صـ2ـ
(49) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 332ـ
(50) ابن عبد ربه، العقد الفريد، دار الكتاب العربي، بيروت،جـ 1، صز 70ـ
(51) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 538 و539ـ
(52) الزبير بن بكار، أخبار الموفقيات انشارات الشريف الرضي 1416 هـ ، صـ231ـ والطبري، مذكور سابقاً، صـ 315ـ

[الصفحة - 80]


تردّي القضاء: لم يعد منصب القضاء يولّى على أساس الكفاءة والنزاهة، بل على أساس إيجاد المخارج للحكام والفتوى بما يشتهون، هذا إلى تفشي الظواهر اللاخلاقية والمحرمة دينياً.
فقد صودف أن أمّن الرشيد يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي(عليه السلام)، الذي كان خرج مع أصحاب فخ، ولما هزموا، ذهب إلى الديلم. وعندها بذل له الرشيد الأمان بواسطة الفضل بن الربيع الذي سلمه إياه مكتوباً. ثم سعى به جماعة من القرشيين فحبسه، وجمع الرشيد الفقهاء، وفيهم محمد بن الحسن، صاحب أبي يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة، والحسن بن زياد اللؤلي وأبو البختري وهب بن وهب، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان. فبدأ محمد بن الحسن فنظر فيه، فقال (هذا) أمان مؤكد، لا حيلة فيه. وكان يحيى قد عرضه في المدينة على مالك وابن الدراوردي وغيرهم فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.
فصاح به مسرور الخادم وقال: هاته، فدفعه إلى الحسن بن زياد اللؤلي، فقال بصوت ضعيف: هو أمان. واستلبه أبو البختري وهب بن وهب، فقال: هذا باطل، منتقض. قد شقّ عصا الطاعة وسفك الدم. فاقتله ودمه في عنقي". فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره. فقال له: "إذهب فقل له: خزّقه إن كان باطلاً بيدك... فأخذ (أبو البختري) سكيناً وجعل يشقّه ويده ترتعد... فأدخله مسرور على الرشيد، فوثب فأخذه من يده وهو فرح وهو يقول له: يا مبارك، يا مبارك، ووهب لأبي البختري ألف وستماية ألف.، وولاّه القضاء. وصرف الآخرين. ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة"(53).
على أن محاولات استمالة القضاة كانت تجري على قدم وساق، فكانوا يحصلون على الهدايا في فتاويهم التي توافق هوى الكبار، سواء وافقت الحق أم خالفته. فقد افتى أبو يوسف القاضي، صاحب أبي حنيفة، لأم جعفر، بما وافق هواها، "دون أن يتجاوز الشريعة"، فأرسلت إليه "بحق فضة فيه حقان من فضة، في كل حق لون من الطيب، وجام ذهب فيه دراهم، وجام فضة فيه دنانير، وغلمان وتخوت من ثياب وحمار وبغل" (54).
وإلى هذا فإن قاضي المأمون كان لوطياً، وقد عيّره المأمون بذلك (55).
ووصل الأمر، بعد ضعف الخلافة، إلى ضمان القضاء رغم معارضة الخليفة، "ففي سنة
________________________________________
(53) أبو الفرج الاصفهاني، مقاتل الطالبيين دار المعرفة دون تاريخ، صـ 481 و482ـ
(54) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 324ـ
(55) ابن عبد ربه، مذكور سابقاً، جـ 4، صـ 375ـ

[الصفحة - 81]


350 هـ ، في خلافة المطيع لله، تولى قضاء القضاة، أبو العباس بن عبدالله بن الحسن بن أبي الشوارب، وضمن أن يؤدي كل سنة مائتي ألف درهم، وهو أول من ضمن القضاء، وكان ذلك أيام معز الدولة ولم يسمع بذلك قبله، فلم يأذن له الخليفة المطيع لله، بالدخول عليه، وأمر بألاّ يحضر الموكب، لما ارتكبه من ضمان القضاء" (56).
حرية المعتقد: لم تكن الحريات الدينية، ضمن الشروط التي قررها الإسلام في تلك العصور، دائماً مضمونة، ولا كانت الحريات المذهبية والفكرية أفضل حالاً، رغم بعض الاستثناءات المريحة.
ففي مجلس المأمون كانت تجري المناظرات بين أنصار المذاهب الإسلامية (57) . إلا أن ذلك لم يكن قاعدة، حتى عند المأمون نفسه، فقد كان يقول قول المعتزلة، بأن القرآن مخلوق ويضيّق على من لا يقول بذلك، بل ولا يقبل شهادته، وقد وصل به الأمر أن أمر بضرب عنق بشر بن الوليد إن أصرّ على القول بأن القرآن قديم. وكذلك إبراهيم بن المهدي وأحمد بن يزيد (أبو العوام) وتهديد سائر من يقول بهذا القول (58) ، واستمرت مشكلة خلق القرآن بعد المأمون. فقد ضرب المعتصم أحمد بن حنبل 38 سوطاً ليقول بخلق القرآن سنة 219 هـ.
أما الواثق فقد قتل "احمد بن نصر الخزامي" (59) . كما أمر بامتحان أهل الثغور، فقالوا جميعاً بخلقه إلاّ أربعين نفراً، أمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم يقولوه، وأمر لجميع أهل الثغور بجوائز(60).
وبلغ الأمر بالواثق ألاّ يفادي من أسرى المسلمين عند الروم إلا من يقولون بخلق القرآن (61) . كما أمر "القضاة... ألاّ يقبلوا شهادة من خالفه" (62).
غير أن الموقف تغيّر أيام المتوكل الذي أبدى عداء للمعتزلة وكذلك للشيعة. ففي سنة 236، أمر " بهدم قبر الحسين بن علي(عليه السلام)" وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه. فذكر ان صاحب الشرطة نادى في الناحية: من وجدناه عند قبره، بعد ثلاثة، بعثنا به إلى (سجن) المطبق. فهرب الناس، وامتنعوا من المصير إليه، وحرث ذلك الموضع وزرع ما حوالىه" (63).
وقد أخذ الناس يتقربون من المتوكل بهجاء الشيعة (ويسمونهم الرافضة)، فقد قال
________________________________________
(56) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ 360ـ
(57) راجع الطبري، مذكور سابقاً، صـ 156ـ
(58) المصدر نفسه، صـ 197 ـ205ـ
(59) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 461ـ
(60) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 331ـ
(61) المرجع نفسه، صـ 334ـ
(62) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 673ـ
(63) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 365ـ

[الصفحة - 82]


مروان بن أبي السمط: أنشدت أمير المؤمنين (المتوكل) شعراً، وذكرت الرافضة فيه، فعقد لي على البحرين واليمامة وخلع علي أربع خلع في دار العامة... وأمر لي بثلاثة آلاف دينار، ثم نثر على رأسي... عشرة آلاف درهم. وكان لما استخلف المتوكل بعث بقصيدة، فأمر بوفاء دين كان عليه، ستة آلاف دينار، وأمر له على قصيدة أخرى بخمسين ألف درهم، وعلى قصيدة أخرى بمائة وعشرين ألف درهم وخمسين ثوباً وبغلة وحمار، وقبّله (ضمنه) ضيعة باليمامة بدرهم في السنة لمائة سنة، وأقطعه ضياعاً... بمائة درهم في السنة (64).
وفي سنة 408، استتاب الخليفة القادر بالله المعتزلة والشيعة وغيرهما من المذاهب المخالفة لما يعتقده (65) . وفي سنة 406، منع فخر الملك البويهي أهل الكرخ "من النوح يوم عاشوراء"(66).
وكان سنة 361 أن "أحترق الكرخ ( القسم الشيعي من بغداد) حريقاً عظيماً. وسبب ذلك أن صاحب المعونة قتل عامياً، فثار به العامة والأتراك، فهرب ودخل دار بعض الأتراك، فأخرج منها مسحوباً وقتل وأحرق. وفتحت السجون فأخرج من فيها، فركب الوزير أبو الفضل لأخذ الجناة وأرسل حاجباً له... في جمع لقتال العامة بالكرخ، وكان شديد العصبية للسنية. فألقى النار في عدة أماكن من الكرخ، فاحترق حريقاً عظيماً. وكان عدة من احترق فيه سبعة عشر ألف إنسان وثلاثماية وثلاثين مسجداً، ومن الأموال ما لا يحصى (67) . وبعد سنتين أحرقت الكرخ مرة أخرى (68).
وإلى هذا، أمر طغرلبك السلجوقي أهل الكرخ أن يؤذّونوا بأذان السنة في مساجدهم (69).
لم يقتصر الاضطهاد من بعد المتوكل على الشيعة (وهم الأثنا عشرية) بل تعداهم إلى الإسماعيلية، ففي سنة 420، صلب سبكتكين، الذي ملك الري، من أصحاب مجد الدولة، الباطنية، خلقاً كثيراً ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال والنجوم وأخذ من الكتب ما سوى ذلك مائة حمل" (70) . وفي سنة 436 أوقع بغراخان، صاحب ما وراء النهر بجمع كثير من الإسماعيلية لأن بعضهم دعا إلى طاعة المستنصر بالله الفاطمي، وكتب إلى سائر البلاد بقتل من فيها منهم (71) . وفي سنة 492 قتل جاولي سقاوا خلقاً كثيراً من الباطنية وقتل جماعة أبرياء ظناً أنهم منهم (72).
________________________________________
(64) المرجع نفسه، صـ 397 ـ 399ـ
(65) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ299ـ
(66) المصدر نفسه، صـ281ـ
(67) المصدر نفسه، صـ 49ـ
(68) المرجع نفسه، صـ 53ـ
(69) المرجع نفسه، جـ 8، صـ 72ـ
(70) المصدر نفسه ، جـ 8، صـ 335ـ
(71) المصدر نفسه، صـ 140ـ
(72) المرجع نفسه، صـ204ـ

[الصفحة - 83]


وطالت العقوبات المتصوفة، ففي سنة 301 في خلافة المقتدر، أحضر إلى دار الوزير علي بن عيسى (أبو محمد) الحلاج مع صاحب له "فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام. كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه، ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس، فحبس مدة طويلة... (ثم) أخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه، ثم أحرق بالنار، وكانت جماعة من الناس زعمت أنه "يدّعي الربوبية" ووصفه الطبري بأنه مشعوذ (73).
وكما منعت كتب الفلسفة، وأمر السلطان سنة 279 "بالنداء بمدينة السلام أن لا يقعد على الطريق إلى المسجد الجامع قاص ولا صاحب نجوم ولا زاجر، وأحلف الوراقين ألاّ يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة" (74).
على أن الاضطهاد لم يقتصر على أتباع المذاهب الإسلامية بل طال أهل الذمة الذين عسف بهم المتوكل عسفاً شديداً (75) . وراح يفرض عليهم التمييز في اللباس والمركوب وأبواب البيوت، إذلالاً لهم.
ففي سنة 235 "أمر المتوكل بلبس أهل الذمة الطيالة العسلية، وركوبهم البغال والحمير، بركب الخشب والسروج التي منها الأكر، وألا يركبوا الخيل والبراذين، ويصيروا على أبوابهم خشباً فيها صورة الشياطين" (76) . وإلى كل ذلك مارس العباسيون في أول عهدهم، ثم بعد المأمون، أفعالاً معادية لأهل بيت النبي من أبناء فاطمة ولم يشذ المهدي عن ذلك، إذ تقرب منه مروان بن أبي حفصة بقصيدة يذمهم فيها فأجازه بسبعين ألف درهم (77).
الحقوق السياسية: لم يكن العباسيون يعترفون بأي حقوق سياسية للمواطنين ولا للنخب، إلاّ في تأييد سلطتهم. فلم يكن لأحد أن يناقش في أساس مشروعية السلطة ولا أن يحاسبها، مهما أتت، ومن باب أولى أن يعزلها. ومن هنا تنكيلهم بالخصوم الحقيقيين وحتى الاحتماليين، وأخذهم الناس بالظنة، وقد كان للطالبيين المتحدرين من عمهم أبي طالب، النصيب الأوفى من اضطهادهم. وسنتناول تحت هذا العنوان أساس السلطة، وموقف المتغلبين في تنصيب الخلفاء وكذلك موقف الناس، ثم محاسبة الخليفة وخلعه وأخيراً موقف الخلفاء من الطالبيين، الجهة السياسية التي يضع وجودها مشروعية السلطة دائماً موضع تساؤل لدى الناس.
________________________________________
(73) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ255ـ
(74) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 163ـ
(75) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ 354ـ
(76) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 450ـ
(77) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 402ـ

[الصفحة - 84]


أساس السلطة: يرى العباسيون عموماً أن السلطة منحت لهم من الله تعالى لقرابتهم من الرسول(صلي الله عليه و آله) ووراثتهم إياه من دون الناس، حتى من أولاد فاطمة(عليها السلام) وأن الله طهرهم تطهيراً. وهذا ما يتبدّى في خطب أوائل الخلفاء، إذ يقول أبو العباس السفّاح عندما بويع له بالخلافة: إن الله "خصنا برحم رسول الله(صلي الله عليه و آله) وقرابته وأنشأنا من آبائه وأنبتنا من شجرته، واشتقَّنا من نبعته... ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى عليهم فقال ، عز من قائل، في ما أنزل من محكم القرآن: { إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيراً } ... فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا..." (78).
وهكذا فإن الله اختار العباسيين بوصفهم قدراً، وقدّر، أن يسيروا بإرادة الله في الرعية ليسوسوها ويعطوا ويحرموا، وما على الناس إلا الطاعة والدعاء لهم بالرشاد، حيث يقول أبو جعفر المنصور في خطبة له ببغداد " أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وأنا خازنه على فيئه، أعمل بمشيئته، وأقسمه بإرادته، وأعطيه بأذنه. قد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم وقسم فيئكم وأرزاقكم، فتحني، وإذا شاء أن يقفلني أقفلني، فارغبوا إلى الله، أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم... أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم، ويفتحني لأعطياتكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم" (79).
ولمزيد من القدسية، يدّعي أبو جعفر أن ابنه، الذي سماه المهدي هو المهدي المنتظر الذي تحدثت الآثار أنه سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً (80).
تلاعب الخلفاء بالعهد ـ الحنث: إلاّ أن "الاختيار الإلهي"، يصبح اختياراً من الخليفة لولي عهده، وعندما ضعفت الخلافة، أصبح هذا الاختيار يتم بواسطة المستولين على الأمور من العسكر. وفي مطلق الأحوال، لم يكن الاختيار لينفذ دائماً فكم من خليفة اختار، ثم عطَّل أولاده أحياناً هذا الاختيار وكم من متغلب عيّن خليفة ليخلعه هو أو متغلب تغلب عليه.
فقد أوصى المهدي إلى ابنيه موسى الهادي وهارون الرشيد. إلاّ أن الهادي حاول خلع الرشيد من ولاية العهد لصالح ابنه جعفر بن موسى (81) . ولكن الرشيد يعده بأنه إذا تولى
________________________________________
(78) المصدر نفسه، صـ 81 و82ـ
(79) المصدر نفسه، ص: 331ـ راجع كذلك الدينوري، عيون الأخبار، الهيئة العامة للكتاب 1973، جـ2، صـ251ـ
(80) الطبري، مذكور سابقاً، صـ276 و277ـ
(81) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 317ـ

[الصفحة - 85]


سيقدّم أولاده (الهادي) على أولاده (82) . إلاّ أن الرشيد حنث وولّى العهد ابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون (83) . ثم يليهما القاسم إذا وافق المأمون بعد توليه على ذلك (84) . إلاّ أن الأمين بعدما تسلم الخلافة حاول خلع المأمون (85) . فخلعه المأمون من الخلافة (86).
التلاعب بالخلفاء: بعد وفاة الواثق انكشف ضعف الخلافة واستبدَّ كبار القادة بالأمر. فقد اجتمع احمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد بن خالد أبو الوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق وهو غلام أمرد... فقال لهم وصيف: " أما تتقون الله؟ تولّون مثل هذا الخلافة، وهو لا يجوز معه الصلاة؟" فتناظروا، فاختاروا المتوكل وهو أخو الواثق (87).
وبعد موت المنتصر بالله سنة 248، اجتمع الموالي وفيهم بغا الكبير والحسين بن عبد الله بن حفص بن عمر الإخباري وبغا الصغير وأتامش... فأجمع رأيهم على ألاّ يولوا أحداّ من ولد المتوكل (وكانوا قتلوه) "لئلا يغتالهم بدم أبيه"، ثم أجمعوا على أحمد بن المعتصم. وقال بغا الكبير: نجيء بمن نهابه ونفَرقُه فنبقى معه. وإن جئنا بمن يخافنا، حسد بعضنا بعضاً، فقتلنا أنفسنا، ثم ذكروا أبا العباس أحمد بن محمد بن المعتصم وقالوا: ...نصطنعه، فيعرف لنا ذلك (88).
وخلع نازوك الحاجب الخليفة المقتدر، وعيّن بدلاً منه القاهر بأمر الله، وأتى بالقاضي محمد بن يوسف لإجبار الخليفة على الانخلاع، فرفض وحصلت فتنة، وقتل مؤنس الخادم نازوك وصلبه وأعاد المقتدر، وهرب القاهر (89) ، غير أن مؤنس الخادم غيّر موقفه في ما بعد، وقاتل الخليفة المقتدر، فقتل، وأقام مؤنس القاهر للخلافة بعد مشورة أصحابه الذين رضوا لأنهم يستطيعون التحكم به (90)."
"ولما مات الراضي (سنة 333)، بقي الأمر في الخلافة موقوفاً انتظاراً لقدوم أبي عبد الله الكوفي كاتب بجكم (التركي) من واسط... فورد كتاب بجكم... يأمر فيه أن يجتمع مع أبي القاسم سليمان بن الحسن وزير الراضي، كل من تقلّد الوزارة وأصحاب الدواوين والعلويين والقضاة ووجوه البلد ويشاورهم الكوفي في من ينصّب للخلافة" (91).
البيعة الإكراهية: ما دام الناس، في عقيدة أوائل العباسيين، لا يملكون إلاّ الاستسلام والطاعة للخليفة المختار من الله تعالى، فهم ملزمون بالبيعة لمن يتولى الخلافة أو من يقرر توليته.
________________________________________
(82) المرجع نفسه، صـ 319ـ
(83) المرجع نفسه، صـ 336ـ
(84) المرجع نفسه، صـ 337ـ
(85) المرجع نفسه، صـ 370ـ
(86) المرجع نفسه، صـ 380ـ
(87) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 341ـ
(88) المرجع نفسه، صـ 417ـ
(89) المرجع نفسه، جـ 8، صـ252ـ
(90) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 125 و126ـ
(91) المصدر نفسه، ج 6، صـ278ـ

[الصفحة - 86]


وهكذا يقول أبو جعفر المنصور: "من نازعنا عروة هذا القميص (الخلافة) أجزرناه خبيء هذا الغمد" (92) . كما أوصى ابنه المهدي بقوله: "... السلطان، حبل الله المتين وعروته الوثقى ودين الله القيم، فاحفظه وحطه وحصّنه وذبّ عنه، وأوقع بالملحدين فيه واقمع المارقين منه واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم والمثلات بهم! ولا تجاوز ما أمر الله في حكم القرآن!؟ (93).
وعلى هذا، فقد كلّف المهدي عامله روح بن حاكم بن قبيصة بن المهلب أن يضغط على عيسى بن موسى المسمّى للخلافة بعد أبيه المنصور، ويهدده لينخلع ويبايع (94) ، كما نهض إلى عيسى بن موسى، علي بن عيسى بن ماهان، واستلّ سيفه، وقال: "والله ليبايعن أو لأضربن عنقه (95) . فبايع وأمر له المهدي بعشرة ملايين درهم. وكان يقول: "قد بعت نصيبي من تقدمة ولاية العهد بكذا وكذا" (96).
وهارون الرشيد يقتل أبا عصمة، بعد توليه الخلافة، لأنه أفهمه أيام موسى الهادي أن ولي العهد جعفر بن موسى الهادي، "وشد جمته (شعر رأسه) في رأس قناة، ودخل بها بغداد" (97).
أمّا الأمين فقد أمر المأمون بأخذ البيعة له، وقال: "فمن أنكرته عند بيعته، أو اتهمته على طاعته، فابعث إلي برأسه مع خبره، وإياك وإقالته (عذره).
والمأمون كان يرى أن التشكيك في الملك لا يغتفر (98) ،. والأفشين قائد المعتصم قتل العباس بن المأمون الذي دبّر مكيدة ضد المعتصم ولم ينفّذ شيئاً، وأعدم الذين تواطؤوا معه: عمر بن المعتصم وعجيف بن عنبسة وأحمد بن الخليل وباقي القواد الذين وافقوا العباس، كما سجن فريقاً من ولد المأمون في السرداب حتى ماتوا (99) . وسعي بمالك بن أنس إلى جعفر بن سليمان "وقيل إنه لا يرى أَيْمان بيعتكم شيئاً، فضرب بالسياط، وانخلع كتفاه" (100).
محاسبة الخليفة: وإذا كان الخليفة معيناً من الله، فهو لا يحاسب، إلا أمام الله، ومن هنا قمع من يأمره حتى بتقوى الله، كما رأينا، ويؤكد هذا المبدأ المتوكل مجدّداً عندما يوصي ابنه محمد المنتصر بالله، حتى بمساعديه، فلا "يعرض لأحد من عماله وكتابه وقضاته وخدمه ووكلائه وجميع أسبابه، بمناظرة ولا محاسبة ولا غير ذلك من الوجوه والأسباب" (101).
________________________________________
(92) الطبري، مذكور سابقاً ج6 صـ 335ـ
(93) المصدر نفسه، صـ 344ـ
(94) المصدر نفسه، صـ256ـ
(95) المصدر نفسه، صـ 349ـ
(96) المصدر نفسه، صـ283ـ
(97) المصدر نفسه، صـ 443ـ
(98) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 397ـ
(99) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ281 و282ـ
(100) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 323ـ
(101) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 360ـ

[الصفحة - 87]


إلا أن هذه القاعدة احتملت استثناءات بسيطة على يدي المهدي والمأمون.
فقد انتزع وكيل المهدي ضيعة من مسوّر بن ساور، فشكا الأمر إلى المهدي الذي أحال المظلمة إلى القاضي. فسأل القاضي الخليفة: فقال: ضيعتي وفي يدي، فسأل القاضي: صارت إليك قبل الخلافة أم بعدها؟ فقال: بعد الخلافة. فقال فاطلقها، قال: قد فعلت (102) . كما ردّ المهدي مظالم أبيه المنصور (103) ، إذ أمر عندما ولي الخلافة "بإطلاق من كان في سجن المنصور إلاّ من كان قبله تباعة من دم، ومن كان معروفاً بالسعي في الأرض بالفساد، أو من كان لأحد قبله مظلمة أو حق" (104).
كما أخرج المهدي من كان "في المحابس من الطالبيين (105) وباستثناء الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي(عليه السلام) (106) . "وحسم المهدي أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان من حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج" (107) . وهكذا فقد أمنّ الخائف وأنصف المظلوم (108) .
أما المأمون فقد كان أحياناً يهتم بأحكام قاضيه ويرفع ظلاماته، كما ينصف الناس من خاصته. فقد أقام قاضي المأمون بشر بن الوليد الكندي حداً على أحد الناس بشتمه أمهات بعض الصحابة. فأحضر المأمون الفقهاء وقال للقاضي: إني "وجدتك قد أخطأت بهذا خمس عشرة خطيئة. يا بشر بمَ أقمت الحد على هذا الرجل؟ قال: بشتم (فلان وفلان) قال: أحضرك خصومه؟ قال: لا. قال: فوكلوك؟ قال: لا. قال: فللحاكم أن يقيم حد القرفة بغير حضور خصوم؟ قال: لا. قال: وكنت تأمن أن يهب بعض القوم حصته فيبطل الحد؟ قال: لا. قال: فأماهما كافرتان أم مسلمتان؟ قال: بل كافرتان. قال: أفيقام في الكافرة حد؟ قال: لا. فقال: فهبك فعلت هذا، بم يجب لـِ(فلان وفلان) من الحق، أفيشهد عندك شاهدا عدل؟ قال: قد زكي أحدهما. قال: فيقام الحد بغير شاهدين عدلين؟ قال: لا. قال: ثم أقمت الحد في رمضان. فالحدود تقام في شهر رمضان؟ قال: لا. قال: ثم جلدته وهو قائم. فالمحدود يقام؟ قال: لا. قال: ثم شبحته (مددته) بين العقابين، فالمحدود يشبح؟ قال: لا. قال: جلدته عرياناً. فالمحدود يعرّى؟ قال: لا. ثم حملته على جمل، فأطفته. فالمحدود يطاف به؟ قال: لا. ثم حبسته بعد أن أقمت عليه الحد. فالمحدود يحبس بعد الحد؟ قال: لا. قال: لا يراني الله أبوء بإثمك وأشاركك في جرمك. خذوا عنه ثيابه (كما فعل بالمعاقب) واحضروا
________________________________________
(102) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 396ـ
(103) الخطيب البغدادي، محمد بن علي، تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، 1977، جـ 3، صـ 11ـ
(104) الطبري، مذكور سابقاً صـ 353ـ
(105) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 333ـ
(106) الطبري، مذكور سابقاً، صـ255ـ
(107) الخطيب البغدادي، مذكور سابقاً، جـ 4، صـ 119ـ
(108) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ298ـ

[الصفحة - 88]


المحدود ليأخذ حقه منه" (109) .ثم إن المأمون شكت إليه امرأة شخصاً لانتزاعه ضيعة لها، فطلب منها المأمون إحضار الخصم في موعد حدّده. وأتت في الموعد. فسألها عن الخصم. فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين ( وكان ابنه العباس). فأمر به ليجلس مجلس الخصوم. "فجعل كلامها بعلو كلام العباس. فقال لها (أحد الأعوان): إنك بين يدي أمير المؤمنين، وإنك تكلمين الأمير، فأخفضي من صوتك، فقال المأمون: دعها...فإن الحق أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها برد ضيعتها إليها وظلم العباس بظلمه لها..." (110) .
محاسبة المتغلبين للخليفة: إذا كان الشعب أو أهل الحل والعقد الفاعلين باسمه من الفقهاء، الذين تحدثت عنهم كتب الفقه والسياسي، لا يستطيعون محاسبة الخليفة العباسي، فقد برزت، إبان ضعف الخلافة قوى تحاسبه ولكن، على هواها، بعد أن أخذت تستبّد بتعيينه، وهذه القوى من القادة الأتراك غالباً. الذين تسلطوا على الخلافة وعلى الشعب.
فبعد أن أعاد جند مؤنس الخادم الخليفة المقتدر وهم من الرجالة، ضربوا خيامهم حوالى الدار... "وتحكموا بالقضاة وطالبوا بحل الحباسات (السجون) وإخراج الوقوف (الموقوفين)... وعطلّوا الأحكام واستطالوا على المسلمين وتدلّل قوادهم على الخليفة وعلى الوزير حتى كان لا يقدر أن يحتجب عن أي واحد منهم... من ليل أو نهار، ولا يرده عن حاجة كائناً ما كانت. فلم يزالوا على هذه الحال إلى أن شغب الفرسان وهزموا الرجالة..." (111) .
وفي عهد القاهر استوحش مؤنس وجماعته من الخليفة، وقبضوا على بعض الناس من بين يديه، وضيّقوا عليه وراحوا يفتشون كل من يدخل إلى داره أو يخرج منها من النساء والمحجّبات... ولم يجد الخليفة إلا التآمر للخلاص منهم (112) . وفي سنة 334 شكّ معز الدولة البويهي في موقف الخليفة المستكفي منه، "وحضر رجلان من نقباء الديلم فجذبا (الخليفة) عن سريره وجعلا عمامته في حلقه... واضطرب الناس ونهبت الأموال، وساق الديلميان المستكفي بالله ماشياً إلى دار معز الدولة، فاعتقل بها ونهبت دار الخلافة حتى لم يبق بها شيء... ولما بويع المطيع لله، سلًم إليه المستكفي، فسمله (قلع عينيه) وبقي محبوساً إلى أن مات" (113) .
وفيما كانت الحرب ضد الزنج مستعرة، خرج الخليفة المعتمد من سامراء إلى الجزيرة،
________________________________________
(109) اليعقوبي، مذكور سابقاً صـ 427 و428ـ
(110) ابن عبد ربه، العقد الفريد، دار الكتاب العربي، دون تاريخ، جـ 1، صـ 44ـ
(111) تاريخ الطبري، مذكور سابقاً، صـ 103 و104ـ
(112) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ224 و225ـ
(113) المصدر نفسه، صـ 315ـ

[الصفحة - 89]


ولكن القائد ابن كنداج قبض عليه وقيده ومن كان خرج معه وردهم إلى سامراء (114) .
وإلى هذا كانت تنشب أحياناً حروب بين الخليفة والأتراك، أو بينه وبين الكبار ويهزم الخليفة. ففي سنة 256 خُلع المهتدي وكان السبب أنه قتل بايباك، ونشبت حرب قتل فيها آلاف الأتراك. لكن الأتراك اتحدوا وهزموا الخليفة، فهرب (115).
وفي سنة 547 هاجم الخليفة المقتضي لأمر الله دور أصحاب السلطان ببغداد بعد وفاته، لكن ملكشاه، ابن السلطان الذي أصبح سلطاناً، حارب الخليفة وحاصره في بغداد، ولكنه اضطر إلى الإنسحاب (116).
وفي سنة 333، يحاول الخليفة المتقي لله أن يقاتل توزون، لكن توزون ينتصر ويدخل بغداد، فيستوزر الخليفة، وينتهي الأمر بأن يعمي توزون الخليفة (117).
خلع الخلفاء: إذا كان الخليفة، في نظر العباسيين لا يمكن خلعه مهما فعل، ولا يبقى أمام الناس، إلا التضرُّع لله كي يجعله رحيماً بعباده، فإن الأتراك خرقوا هذه القاعدة، وراحوا يعينون ويحاسبون ويعزلون، وإلى ما مر معنا من ذلك، يمكننا تلخيص حالات الخلع على النحو الآتي:
المتوكل يقتل سنة 247هـ ليؤتى بالمنتصر بالله.
المستعين يخلع نفسه سنة 255هـ ليؤتى بالمعتز بالله.
المعتز بالله يخلع نفسه بضغط من الأتراك ليعين المهتدي بالله.
المهتدي بالله يقتل سنة 256 هـ على أيدي جند بابكياك التركي.
المعتمد يحجر عليه الموفق سنة 279هـ.
المقتدر يقتل سنة 320هـ في الوقعة بينه وبين مؤنس الخادم.
القاهر بالله يخلع وتسمل عيناه سنة 322هـ.
المتقي لله يخلع وتسمل عيناه سنة 333هـ.
المستكفي يقبض عليه أحمد بن بويه ويسمل عينيه سنة 334هـ.
المطيع لله تنازل عن الخلافة سنة 363هـ لابنه الطائع لله.
________________________________________
(114) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 108ـ
(115) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 584ـ
(116) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ 51 و52ـ
(117) المرجع نفسه، جـ 6، صـ 301ـ

[الصفحة - 90]


الطائع لله خلع وقبض عليه سنه 381هـ.
المسترشد قتل سنة 529هـ بمراغة.
الراشد قتل سنة 532هـ في ظاهر أصفهان بعد مرض شديد.
وإلى هذا يضاف الكثير من عمليات خلع أولياء العهد وقد ذكرنا بعضها.
وكان من سطوة القادة أن بعضهم كان يهدد الخليفة بمصير أسلافه ليبتزه، فقد طالب البريدي الخليفة، المتقي لله، بمال للجند، وذكره " بما جرى على المعتز والمستعين والمهتدي، وترددت الرسل أن نفذ إليه تمام خمسماية ألف دينار" (118).
ولا شك في أن هذه الأمور وما ألحقته من مظالم بالعباد، دفعت أحياناً كثيرة إلى ثورات راح ضحيتها عشرات آلاف الناس ففي سنة 249هـ مثلاً تحرّك أهل بغداد وسامراء بسبب... استفظاعهم ما قام به الأتراك من تحكم بأمور الخلافة، دونما نظر إلى أمور المسلمين، فتصدى لهم الأتراك بقيادة أتامش، وكذلك المغاربة، فقتلوا وأحرقوا (119)..
الموقف من الطالبيين: تحالف العباسيون في أوائل دعوتهم مع فروع من الطالبيين، وكانت هناك دعوة إلى حكم "الرضا من آل محمد"، لكن العباسيين عندما لاحت تباشير انتصارهم على دولة بني أمية، انقلبوا على الطالبيين وراحوا يمارسون الاضطهاد ضدهم والقتل، الأمر الذي استثار مزيداً من الانتفاضات العلوية، وصل الأمر ببعضها إلى إقامة خلافة شملت شمال أفريقيا وبلاد الشام وعمرت أكثر من قرنين من الزمن.
بدأ اضطهاد أبناء الحسن بن علي(عليه السلام) أيام المنصور، فقد طلب هذا محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولما لم يعثر عليهما، أتى بأبيهما ومعه خمسة عشر رجلاً من أقاربه، وقيدهم بالسلاسل، ورفض مقابلة عبدالله، كيلا "يسحره"، وعذبهم عذاباً شديداً وحبسهم في سجن مظلم، لم يكونوا يعرفون فيه ليلاً من نهار، وجلدهم، فمنهم من "سالت عينه" ومنهم من التصق قميصه بجروح ظهره، ومنهم من أشهده قتل ابنه، ومنهم من بنى فوقه وهو حي، ومنهم من قطع رأسه أخيراً وطيف به في بلاد الإسلام، وكل ذلك ضغطاً على عبدالله ليأتي بابنه إلى المنصور (120).
وقد اضطر محمد وإبراهيم ابنا عبدالله إلى قتال العباسيين، فانتصر العباسيون عليهما
________________________________________
(118) المصدر نفسه، جـ 6، صـ280ـ
(119) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 422 و423ـ
(120) المرجع نفسه، ج 6، صـ 161 ـ 180 و228 و229، ومقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ222ـ

[الصفحة - 91]


في النهاية، وقتل محمد بالمدينة، فسمح القائد العباسي، عيسى بن موسى، بدفنه بعد قطع رأسه"، وأمر بأصحابه فصلبوا " ما بين ثنية الوداع إلى دار عمر بن عبد العزيز". قال أزهر: رأيتهم صفين (أقاموا) مصلبين ثلاثاً... (121).
وأمر أبو جعفر بهدم دور من خرج مع إبراهيم بن عبدالله. وقد قام بذلك عامله محمد بن سليمان(122) ، وتابع المنصور أحفاد عبدالله بن الحسن، فقتل أحد قادته عبدالله بن محمد بن عبدالله، وكان هرب إلى بلاد السند. كما قتل عامله عبدالله بن محمد بن مسعده في الهند.
إذاً خاض المنصور في دماء الطالبيين حتى أن المهدي ابنه، عندما ولي الخلافة، وجد في مخبأ، جماعة من قتلى المنصور "الطالبيين، وفي آذانهم رقاع أنسابهم. وإذا فيهم أطفال ورجال وشبان ومشايخ عدة كثيرة (123) . وقد علّق سويد مولى جعفر بن المنصور على قتلى المنصور فقال: "وقتل أهل الدنيا ممن لا يحصى ولا يعد" (124).
أما المهدي، فقد أمر بالقبض على علوي وسجنه ودلاه في بئر، لا يعرف عدد الأيام وأصيب ببصره وطال شعره وبقي إلى أيام الرشيد، فأطلق ودخل على الرشيد وسلّم عليه بإمرة المؤمنين، فسأله: أي أمير المؤمنين أنا؟ قال: المهدي. قال: رحم الله المهدي، قال الهادي. قال: رحم الله الهادي. قال: فالرشيد. قال: نعم (125).
كما سجن المهدي علي بن العباس بن الحسن بن علي(عليه السلام). ثم عفا عنه إكراماً لأحد النافذين. وعندما أراد إخراجه من حبسه، دسّ إليه شربة سمّ أدت إلى موته (126).
كما عاقب المهدي "يعقوب بن داود الساعي، الذي اختصه بالوزارة، ثم اتهمه بشيء من أمر الطالبيين، فهمَّ بقتله، ثم حبسه إلى أيام الرشيد فأطلقه" (127).
وفي عهد موسى الهادي، تحرك الحسين بن علي، صاحب فخ، وأدّى الأمر إلى قتله وأصحابه وقطعت رؤوسهم فكانت مائة رأس (128).
وهدّد موسى بن عيسى، قائد الخليفة موسى الهادي، أخت الحسين المذكور فقال: "متى توافى فاطمة... والله لأطرحها إلى السّواس (لكنه) مات قبل أن يوافى بها (129).
إلا أن أشد الناس قسوة بعد المنصور، كان هارون الرشيد. فقد أخرج من "كان في مدينة السلام بغداد من الطالبيين إلى مدينة الرسول(صلي الله عليه و آله)... ثم ولّى... بكار بن عبدالله (الزبيري)،
________________________________________
(121) الطبري، مذكور سابقاً، صـ222ـ
(122) المصدر نفسه، ج 6، صـ268 و269ـ
(123) المصدر نفسه، ج 7، صـ 344ـ
(124) المصدر نفسه، صـ 340ـ 386ـ
(125) المصدر نفسه، صـ 340ـ 386ـ
(126) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 403ـ
(127) المسعودي، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ298ـ
(128) أبو الفرج، مذكور سابقاً صـ 416ـ
(129) المصدر نفسه، صـ 452ـ

[الصفحة - 92]


وكان شديد البغض لآل أبي طالب... وأمره بالتضييق عليهم" (130) ، وكان ممن توفي منهم بالحبس محمد بن يحيى بن عبدالله (131) كما قتل الزبيري الحسين بن عبدالله بن إسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ضرباً بالسوط (132) ، وأمّن الرشيد يحيى بن عبدالله بن الحسن بن علي. وكان مستتراً في الديلم، فوافى بغداد... (ثم) حبسه... حتى توفي. وقيل قتل... (133) . كما قتل الرشيد العباس بن محمد بن عبدالله بن علي بن الحسين بن علي(عليه السلام) بعمود من حديد، وذلك لأن الرشيد شتمه فرد الشتيمة (134).
وفي عهد الرشيد توفي الإمام موسى بن جعفر الكاظم في سجن السندي بن شاهك بعد أن قبض عليه الرشيد في المدينة المنوّرة من دون سبب (135).
وفي أيام المعتصم، ثار محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين(عليه السلام) وقبض عليه، فأمر المعتصم بنزع عمامته ثم سجنه ثم هرب ومات (136).
أما المتوكل فكان مبغضاً لآل بيت الرسول(صلي الله عليه و آله)، وقد هدم قبر الحسين(عليه السلام) كما رأينا، وضيّق على الطالبيين في أنفسهم وأرزاقهم حتى لم تعد تجد نساءهم لباس(137) . وكان أمّن محمد بن صالح الحسني وأخرج من السجن ثم سجن في سجن بسرّ من رأى ثلات سنوات (138).
وعاود الاضطهاد في أيام المهتدي، فقد حمل سعيد الحاجب موسى بن عبدالله الحسني، لكنه سمّه في الطريق وحمل رأسه إلى المهتدي (139) كما قتل أحمد بن طولون صاحب مصر أحمد بن محمد الحسني عل باب أسوان، وحمل رأسه إلى المعتمد (140) . ومحمد بن أحمد من أبناء عمر بن علي(عليه السلام) ضرب عبد العزيز بن أبي دلف عنقه في قرية قرب قم (141) ، كما قتل صلاب التركي حمزة بن الحسن من أبناء جعفر بن أبي طالب بعد أن أسره ومثل به (142).
وفي أيام المعتضد، قام محمد بن الحسن بن سهل بالدعوة لرجل طالبي، وحاول المعتضد أن يستدل بواسطته على الطالبي، فلم يفعل فشواه فوق النار ثم صلبه (143).
وفي أيام المكتفي، وبمناسبة خروج صاحب الخال القرمطي، قتل كل من محمد بن علي من أبناء علي بن الحسين(عليه السلام) وعلي بن محمد من أبناء محمد بن علي(عليه السلام)، من دون أن يكونا خرجا معه، فأخذا "وقطعت أرجله وأيديه وضربت أعناقها صبراً" (144) كما قتل ابن طغج الأخشيدي محمد بن حمزة من أبناء العباس بن علي(عليه السلام) (145).
________________________________________
(130) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 452ـ
(131) مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 495 و496ـ
(132) المرجع نفسه، صـ 497ـ
(133) المرجع نفسه، صـ 472ـ
(134) المرجع نفسه، صـ 498ـ
(135) المرجع نفسه، صـ 501 ـ 504ـ
(136) مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 586ـ
(137) المرجع نفسه، صـ 599ـ
(138) المرجع نفسه، صـ 601ـ
(139) المرجع نفسه، صـ 679ـ
(140) المرجع نفسه، صـ 685ـ
(141) المرجع نفسه، صـ 687ـ
(142) المرجع نفسه، صـ 687ـ
(143) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 607 و608ـ
(144) مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 697ـ
(145) المرجع نفسه، صـ 700ـ

[الصفحة - 93]


ولم يقصر البويهيون في الاضطهاد أحياناً. فقد قبض عضد الدولة سنة 369هـ على علي بن عمر العلوي وعلى النقيب أبي أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وعلى اخيه عبدالله (146).
الإمام علي بن موسى الرضا: توفي الإمام علي بن موسى(عليه السلام)، ثامن أئمة أهل البيت عند الشيعة الإثني عشرية، مسموماً بطوس بعنب أكله في صفر سنة 302، وكان المأمون قد جعله ولي عهده على كره منه. وقد ذهب بعضهم إلى أن المأمون سمّه ليتخلّص منه، بعد أن استفاد منه لكسب ود الشيعة، بينما ذهب آخرون إلى أن من سمّه هو جماعة من بطانة المأمون. وقد يكونون من العباسيين الذين قرروا خلع المأمون ومبايعة إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة (147).
ثورات الطالبيين: كان بعض الطالبيين يعتقدون مبدئياً بأنهم أحق بالسلطة من العباسيين، إلاّ أن فريقاً منهم كان يرى أن العصر ليس عصرهم، في ما قام الآخرون بثورات عديدة نجح أقلها وأخفق جلها، وقام أيضاً بالثورات طالبيون دفعوا إليها دفعاً بسبب ملاحقتهم على الظن ومن أهم من تحرك في العهود المختلفة:
* محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، النفس الزكية، الذي شك المنصور فيه وفي أخيه إبراهيم، وطارده إلى أن اضطره إلى الخروج في الحجاز، وتذكر الرويات أن سبب خوف المنصور منه أن هذا الأخير كان قد بايعه من قبل بالخلافة.
ثم تحرك أخوه إبراهيم في البصرة، وحقق هو الآخر انتصارات، إلا أن النتيجة كانت مقتلهما وجماعتهما (148).
* علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، دعا لنفسه سراً، فبلغ المهدي خبره فأخذه وسجنه إلى أن تشفع له الحسين بن علي، فقرر إخراجه من السجن ولكنه سمّه (149).
* الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، تحرّك سنة 169 بسبب تضييق عامل المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبدالله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، عليه، وقاتل الجند العباسي في وقعة فخ التي انتهت بهزيمته وقطع رأسه ورؤوس أصحابه (150).
________________________________________
(146) ابن الأثير، مذكور سابقاً، ج7، ص103ـ
(147) راجع المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 417 و418ـ والشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1979، صـ 315ـ والطبري، مذكور سابقاً، ج 7، صـ 139 ـ 150ـ
(148) الطبري، مذكور سابقاً، ج6 صـ 183 وما بعدهاـ
(149) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 402ـ
(150) المرجع نفسه، صـ 416ـ

[الصفحة - 94]


* محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، بويع له سنة 199 في عهد الأمين ولكنه توفي.
وخلفه محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وانتهت الحرب بهزيمته، إلا أن المأمون عفا عنه (151).
* يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المكنى بابي الحسين، اختلف مع وصيف أيام المستعين سنة 250، فتحرّك واستولى على بعض المدن ومنها الكوفة، وكان يدعو إلى " الرضا من آل محمد" وانتهى الأمر بهزيمته وقطع رأسه (152).
* الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، تحرّك في شهر رمضان سنة 251، ودعا إلى "الرضا من آل محمد"، وتوجه إلى قزوين، ولكنه هزم ولحق بالديلم (153).
* الحسين بن محمد بن حمزة بن عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب، خرج بالكوفة سنة 251، وانتهى الأمر بقتله (154).
* إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ظهر بمكة وهاجم المدينة، ثم عاد إلى مكة من جديد وهاجم جدة.
ومن الثورات التي نجحت ثورة إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) في المغرب؛ حيث أسّس دولة الأدراسة منذ سنة 172 (155).
ثم ثورة عبدالله المهدي سنة 302 ، التي أسّست لدولة الفاطميين التي استمرت حتى الحروب الصليبية حيث قضى عليها صلاح الدين الأيوبي (156).
موقف المأمون من الطالبيين: أظهر المأمون موقفاً ايجابياً من الطالبيين، وقد شكّك بعضهم بحسن نيته ونسب موقفه إلى "التاكتيك" على أساس أنه كان بحاجة لتأييد شيعتهم في حربه ضد أخيه الأمين، ثم إنه انقلب عليهم في النهاية، في حين يرى آخرون أن موقف المأمون نابع من قناعة خالصة، وكان أبوه الرشيد أنبأه بأحقيتهم بالخلافة، ولكنه لا يسلّمها إليهم لأن الملك عضوض، فلو نازع الرشيد ابنه فيه لضرب عنقه.
________________________________________
(151) المرجع نفسه، صـ 524 ـ 549ـ
(152) الطبري، مذكور سابقاً، ج 7، صـ 425 ـ 427ـ
(153) الرجع نفسه، صـ 597ـ
(154) المرجع نفسه، صـ 477 و478ـ
(155) نجيب زبيب، الموسوعة العامة، تاريخ المغرب والأندلس، دار الأمير، 1995، ج 7، صـ 125 وما بعدهاـ
(156) المصدر نفسه، صـ 175 وما بعدهاـ

[الصفحة - 95]


وأياً يكن الأمر، فقد أعلن المأمون تفضيل الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وعهد إلى الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، وعفا عن طالبيين ثاروا ضده.
ففي سنة 211 أمر المأمون منادياً، فنادى أن برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أو فضّله على أحد من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) (157) ، وفي سنة 212 "أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب، وقال: هو أفضل الناس بعد رسول الله(صلي الله عليه و آله) (158).
وفي وصيته للمعتصم، عندما حضرته الوفاة سنة 218، قال المأمون: "وهؤلاء بنو عمك من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فأحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم، وأقبل من محسنهم، وصلاتهم فلا تغفلها في كل سنة عند محلها، فإن حقوقهم تجب من وجوه شتى"(159).
وتطبيقاً لرأيه هذا فقد عفا المأمون عن عبد الرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، الذي خرج عليه (160) ، غير أنه تشدّد شيئاً ما بعدها، إذ "منع الطالبيين من الدخول عليه، وأمر بأخذهم بلبس السواد (شعار العباسيين) وذلك سنة 207، بعد أن كان المأمون أمر باتخاذ الخضرة أيام ولاية عهد الأمام الرضا" (161).
ولدى موت الإمام الرضا(عليه السلام)، أظهر "المأمون الجزع الشديد" وشوهد "يمشي في جنازته حاسراً... وهو بين قائمتي النعش يقول: إلى من أروح بعدك، يا أبا الحسن؟ وأقام، كما يذكر اليعقوبي، عند قبره ثلاثة أيام، يؤتى في كل يوم برغيف وملح (162) . كما زوّج محمد بن الرضا من ابنته أم الفضل... وقال: " إني أجمعت أن أكون جداً لأمرئ ولده رسول الله(صلي الله عليه و آله) وعلي بن أبي طالب" (163).
أمراء الإستيلاء والتغلب: تقضي أحكام الإسلام بتولية الأصلح لتحقيق مصالح الناس، كما عرفنا، إلاّ أن العباسيين إبان قوتهم كانوا عموماً يولّون الأكثر تأييداً لهم ومعاداة لأخصامهم. وعندما ضعفت الدولة بدأت ظاهرة إمارة الاستيلاء بدلاً من إمارة الاستكفاء، وكان الناس الضحية.
ففي سنة 322 استولى عماد الدولة بن بويه على شيراز وفارس، وراسل الخليفة الراضي ووزيره ابن مقلة، أنه على الطاعة: فليكتب له أن يقاطع على البلاد، وبذل له ألف ألف درهم فأجيب إلى ذلك (164).
________________________________________
(157) الطبري، مذكور سابقاً، ج 7، صـ 187ـ
(158) المصدر نفسه، صـ 188ـ
(159) المصدر نفسه، صـ210ـ
(160) المرجع نفسه، صـ 176ـ
(161) المصدر نفسه، صـ 139 و169ـ
(162) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 408ـ
(163) المصدر نفسه، صـ 410ـ
(164) ابن الأثير، مذكور سابقاً، ج 6، صـ234 و235ـ

[الصفحة - 96]


وفي أيام الخليفة المتقي كثر الاستيلاء، فاقتتل القائدان: ابن رائق والبريدي، وهاجم البريدي بغداد فهرب الخليفة وابن رائق. وفي هذه الأثناء كانت العامة في بغداد ثائرة تنهب ليلاً نهاراً، وعمل أصحاب البريدي بالنهب في بغداد، وكبسوا الدور، وأخرجوا أهلها منها، كما اقتتل القرامطة الذين كانوا مع البريدي والترك، وقامت الحرب بين الديلم والعامة (165) ، واستنجد المتقي بناصر الدولة الحمداني، فأرسل إليه أخاه سيف الدولة، إلا أن الحمداني قتل ابن رائق، وأخبر الخليفة أنه إنما فعل ذلك لأن ابن رائق كان يريد الغدر به. فخلع عليه الخليفة ولقبه أمير الأمراء، ولقبه بـ "ناصر الدولة"، ولقب أخاه سيف الدولة (166) ، ثم هرب البريدي (167).
ثم أرسل المتقي إلى سيف الدولة المال ليقاتل توزون ويمنعه من بغداد، لكنه أخفق ودخل توزون بغداد، فاستوزره المتقي (168).
وخرج ابن أوس سنة 255 من بغداد، فقدم النهروان، وراح يروّع القرى، فما كان من بايكباك إلاّ أن ولاه طريق خراسان (169).
على أن التغلّب أيضاً اتخذ أبعاداً أخرى، فقد سيطر المتغلبون على الخلافة في عقر دارها، وراحت المؤامرات تحاك، ليس ضد الخلفاء، الذين أصبحوا ألعوبة بين أيدي الأمراء والقواد والسلاطين، وأحياناً الكتاب، بل راح كل واحدٍ يتآمر ضد الآخر، فحملت لنا كتب التاريخ والسير والأدب ما لا يحصى من المكائد التي تستهدف إزاحة هذا أو الإتيان بذاك، وتؤدي أحياناً كثيرة إلى القتل ومصادرة الأرزاق وحتى إلى التمثيل. وبقي دور الأمة الذي كانت تمارسه في الرقابة على العمال غائباً، بل وانتهى إلى غير رجعة.
ضرب الناس بعضهم ببعض: لم يكن العباسيون حريصين على الألفة والمودة دائماً، بل بالعكس كانوا أحياناً يضربون رعاياهم وحتى جيشهم بعضه ببعض، لتخف وطأته عنهم، وتلك سياسة اتبعت منذ زمن المنصور وحتى زمن متأخر. ففي سنة 151 شغب الراوندية على المنصور، فدبّر له شيخ من أقربائه هو قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس، مكيدة نفذها شخصياً، بأن دفع غلاماً له ليسأله بوجود وجوه اليمن ومضر من جيشه، أيهما أشرف؟ فسأله الغلام، فأجابه أن مضر أشرف، فغضبت اليمن واعتدوا على بغلة قثم وأمر قثم بقطع يد المعتدي "فنضر الحيان (اليمن ومضر)... وافترق الجند، فصارت مضر فرقة،
________________________________________
(165) المرجع نفسه، صـ283 و284ـ
(166) المرجع نفسه، صـ284ـ
(167) المرجع نفسه، صـ285ـ
(168) المرجع نفسه، صـ 301ـ
(169) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 539ـ

[الصفحة - 97]


واليمن فرقة، والخراسانيون فرقة، وربيعة فرقة. فقال قثم لأبي العباس: قد فرّقت بين جندك، وجعلتهم أحزاباً، كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثاً، فتضربه بالحزب الآخر... فإن فسدت عليك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية، وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها..." (170).
وبعد قرن، سنة 255هـ مارس المعتز الأسلوب نفسه، فكتب بولاية كرمان إلى علي بن الحسين بن قريش بن شبل، وإلى يعقوب بن الليث، ليغري كلاً منهما بالآخر، ليتفرغ... فاقتتل يعقوب بن الليث وقائد علي بن الحسين، واسمه طوق بن المغلس، فهزم طوق، وأسر أيضاً علي بن الحسين (171).
التعالي على الناس: رأى العباسيون أن قرابتهم من الرسول تعطيهم امتيازات، فراحوا ينظرون إلى الناس من علٍ، ويعاقبون من يقارن بينهم وبين غيرهم، وفرضوا على الناس تقبيل أياديهم، بل وأرجلهم، بعد أن ترفعوا عن تزويجهم نساءهم.
فقد أمر أوّل وفد على السفاح بالمدينة "بتقبيل يده فتبادروها..." (172) واستمر الأمر، فيقبل يحيى بن خالد البرمكي يدي المهدي بعد أن ضمه إلى ابنه هارون في غزوة الروم سنة 163 (173) . ثم وصل الأمر إلى تقبيل الأيدي والأرجل ، فقد دخل جعفر بن يحيى على الرشيد سنة 180 بعد قمعه ثورة الشام، قبًل يديه ورجليه، وشكر الله الذي امتنّ عليه بذلك (174) . كما جثا هرثمة على ركبتيه وخاطب الأمين الهارب قائلاً: يا سيدي ما أقدر على القيام... ثم... صيّره في حجره ثم جعل يقبل يديه ورجليه (175) . وقبل الوزير عبدالله بن يحيى بن خاقان والفتح بن خاقان يدي المعتز ورجليه عندما كان ولي عهد المتوكل (176) ، ثم وصل الأمر إلى تقبيل أيدي الأمراء وأرجلهم، فقد عيّن مؤنس الخادم سنة 319 ابني رائق لحجابة المقتدر، فقبلا يده ورجله (177).
وقد بلغ الأمر مع بعض الخلفاء أكثر من هذا، فصاحب شرطة موسى الهادي، عبدالله بن مالك، يقبّل يد الهادي ورجله وحافر حماره، كما قبل إبراهيم الموصلي رجل الرشيد وحافر حماره، وقبل الأرض بين يديه (178).
على أن الناس لم يكونوا متساوين تحت العباسيين، فقريش لا تدانى، والأنساب متفاوتة، فالرشيد يقطع عطاء الشاعر بكر بن النطاع لأنه ساوى بين بكر بن وائل وقريش
________________________________________
(170) المرجع نفسه، جـ 6، صـ293ـ
(171) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 520 ـ522ـ
(172) الخطيب البغدادي، مذكور سابقاً، جـ 10، صـ 51ـ
(173) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 376ـ
(174) المرجع نفسه، صـ 467ـ
(175) المرجع نفسه، جـ 7، صـ81ـ
(176) المرجع نفسه، صـ 390ـ
(177) المرجع نفسه، ؟؟؟؟؟، صـ 112ـ
(178) المرجع نفسه، جـ 6، صـ 526ـ والأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 310ـ

[الصفحة - 98]


وأسقط اسمه من الديوان (179).
أما حاجب المنصور فيخاطب معن بن زائدة في مسألة إدخال الناس على المنصور: "لست بأشرفهم فتكون في أولهم، ولا بأخسهم نسباً فتكون في آخرهم، وأن مرتبتك لتشبه نسبك (180) ". أما الحاجب الفضل بن الربيع، فكان يأذن "لذوي الهيئات والشارات واعرابي أن يدنوا، فكلما دنا طرح به" (181).
وبلغ الأمر بالمنصور، أن يعاقب ابنه المهدي في استقبال شاعر فيقول: "إنما كان ينبغي لك أن تعطي الشاعر بعد أن يقيم ببايك سنة..." (182).
وحتى الوزير، كان إبان قسوة الدولة لا يسمح أحياناً للعامة حتى أن يتظلموا إلا بعد التذلل، فأحمد بن الخطيب، الذي استوزره المتوكل، كان تظلم إليه متظلم وهو راكب، فأخرج قدمه من الركاب ورفسه فقتله (183).
وإلى هذا، فإن العقوبات كانت أحياناً تنزل على أساس قبلي وعرقي، فالمنصور يوصي جعفر بن سليمان حين ولاّه المدينة، بعد مقتل محمد بن عبدالله بن الحسن بقوله: انظر من خرج مع محمد بن عبدالله، من قريش، فاسجنه، ومن خرج معه من العرب فاجلده، ومن خرج معه من الموالي، فاقطع يده (184).
أما في مسائل التزويج، فلم يكن الموقف الفوقي أقل بروزاً، فالرشيد يزوّج أخته العباسة من جعفر البرمكي، ويشترط عليه ألا يقاربها، ولكنها خدعته في ما بعد، فحملت منه، فكان ذلك من أسباب قتله (185) . وموسى الهادي ينكّل حتى بحفيد لعلي بن أبي طالب لأنه تزوج أرملة المهدي (186). أما السفاح فيقتل محمد بن أبي العباس لأنه طلب الشاعر حماد عجرد، فقال له شعراً في قريبته "زينب بنت سليمان بن علي" (187).
وليتصور القارئ ماذا حلّ بمبدأ المساواة الإسلامي بين العربي والعجمي والأبيض والأسود والأحمر.
لقد وصل الأمر بخلفاء بني العباس أن يروا في الناس عبيداً لهم، على طريقة ما سمي بـ"العبودية المعممة"، التي تقسم الناس إلى فئة حاكمة وفئة محكومة، حيث تتصرف الفئة الحاكمة بالفئة المحكومة كما تشاء.
________________________________________
(179) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 17، صـ 154ـ
(180) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 310ـ
(181) الدينوري، مذكور سابقاً، مـ 1، صـ 89ـ
(182) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 318ـ
(183) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 512ـ
(184) الزبير بن بكار، مذكور سابقاً، صـ 186ـ
(185) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 357 ـ 362ـ
(186) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 433ـ
(187) المصدر نفسه، صـ 328 و329ـ

[الصفحة - 99]


فهذا رجل يكلّم المنصور ليعفو عن معن بن زائدة الشيباني، وكان غاضباً عليه فيقول: "يا أمير المؤمنين، معن بن زائدة عبدك وسيفك وسهمك، رميت به عدوك (من أهل اليمن)... فأصبحوا من خول (عبيد) أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه... فأمير المؤمنين... أولى بالتفضل على عبده ومن أفنى عمره في طاعته..." (188).
وقد بلغ التلاعب بحريات الناس حداً مقززاً. فقد "قدم على عقبة بن مسلم الهناني، عامل المنصور على اليمامة والبحرين، رسول ببشارة من عند المنصور. فقال له عقبة: "ما عندي مال فأعطيك، إلا أنني أعطيك ما قيمته خمسماية ألف درهم: قال: وما ذاك؟ قال: أدفع إليك خمسين رجلاً من ربيعة، فتنطلق بهم. فإذا صرت إلى البصرة، أظهرت أنك تريد ضرب أعناقهم وصلبهم على أبواب أعداء أمير المؤمنين. فإنك لا تشير إلى واحد إلا أفتدي منك بعشرة آلاف درهم. قال: قد رضيت. فدفعهم إليه، فقدم بهم البصرة. ووقف بهم في المربد، وأظهر أنه يريد ضرب أعناقهم وصلبهم. فاجتمع الناس حتى كادت تكون فتنة". لكن قاضي البصرة أخبر المنصور فأنهى المسألة سلماً (189).
حق الملكية: لم يكن العباسيون، عندما يحتاجون المال، يحترمون حق الملكية، كما لم يكونوا يحترمونه، عندما يغضبون على الناس، فكانت عمليات الابتزاز، رغم حصول حالات محدودة من الاعتراف بحقوق الناس.
فقد اشترى السفاح من الناس في منطقة الهاشمية سنة 124 عقارات ليبني عليها لأهل بيته وقواده. إلا أن أصحاب تلك العقارات ، رفعوا إليه "أنهم لم يقبضوا أثمانها. فقال: هذا بناء أسس على غير تقوى وأمر (بترك العقارات) حتى استوفى القوم أثمان أرضهم، ثم عاد إلى قصره" (190) ، وقد رأينا سابقاً أن المهدي أعاد إلى الناس ما كان انتزعه أبو جعفر منهم من دون وجه حق (191).
غير أن المعتاد كان عكس ذلك، لاسيما في العصور المتأخرة، حيث كان المال ينتزع باستخدام أقسى الأساليب، حتى أن أحد الشعراء يتعجب في خلافة المقتدر، من الاستجواب السهل الذي مارسه المدعو أبو الطيب ضد ابن بسطام لانتزاع المال منه، فيحرّضه على التعذيب ويقول:
يا أبا الطيب الذي أظهر الـ لهُ به العدلَ ليس فيك انتصارُ
________________________________________
(188) المصدر نفسه، صـ 312ـ
(189) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 326ـ
(190) المرجع نفسه، صـ293ـ
(191) المرجع نفسه، صـ 336ـ

[الصفحة - 100]


قد تأنيتَ وانتظرتَ فهل بع دَ تـــأنيكَ وقفـــــة وانتظارُ
جدًّ بالخائن البخيلِ فـكشـ..ْ فةُ ففي كشفِهِ عليه دمـــــار
أينَ ضربُ المَقارع والأرزنيا تُ وأين الترهيبُ والانتهارُ
أين صفعُ القفا وأين التهاويـ.. لُ، إذا علقت عليــــه الشفارُ
أينَ ضيقُ القيودِ والألسنِ الفظةِ أينَ القيـــــــــامةُ والإخطارُ
أين عرك الآذانِ واللطمُ للهــا م وعصرُ الخصا وأين الزيـــارُ
أين نتف اللحى وشدّ الحيازِ يـ ...م وأين الحبوس والمضـــمار
ليسَ يرضى بغير ذا منك سلطا نك فاشــددْ فإن رفقك عــارُ
فبهذا يجيبك مــــــالك فاسمع وإليك الخيار والاختيارُ. (192)
فالمنصور يلزم " خالد بن برمك ثلاثة آلاف درهم ونذر دمه فيها وأجله ثلاثة أيام..." (193) وغير ذلك كثير... يقول اليعقوبي: أخذ أبو جعفر أموال الناس حتى ما ترك عند أحد فضلاً، وكان مبلغ ما أخذه لهم ثمانمائة ألف درهم... وكان يقول لخاصته: "... أموالكم فاحتفظوا بها، وإياكم والإسراف..." (194).
وهذه الوصية كان يلتزم بها، لذلك فقد خلّف بعد موته، ستماية ألف درهم وأربعة عشر (مليون) دينار... (195) . والأمين عندما كان محاصراً، أمر ذريحأً غلامه بتتبع الأموال وطلبها عند أهل الودائع وغيرهم، وأمر الهرش بطاعته، فكان يتهجم على الناس في منازلهم ويبيتهم ليلاً، يأخذ بالظنة، فجنى بذلك السبب أموالاً كثيرة وأهلك خلقاً (196) . أما المعتصم فقد وصل به الأمر أن يعجبه برذون فينتزعه من صاحبه (197).
والواثق علم أن أحمد بن الخطيب، عامله على الجزيرة والشامات ومصر والمغرب، قد حاز أموالاً كثيرة، فسخط عليه ولم يكتف بقبض أمواله، بل قبض أموال أخيه إبراهيم وعذبا وعذبت أمهما"(198) . أما المتوكل فكان غاية في الابتزاز، فقد سخط سنة 232 على عمر بن الفرج الرخجي... وأخذ منه مالاً وجوهراً نحو 120 ألف دينار، وأخذ من أخيه نحواً من 150 ألف دينار. ثم صولح على21 (مليون) درهم على أن ترد عليه ضياعه..." (199) . وكان حقد أثناء ولايته العهد على محمد بن عبد الملك الزيات، فلما
________________________________________
(192) الطبري، مذكور سابقاً، الصلة، صـ 46ـ
(193) الطبري مذكور سابقاً، صـ 302ـ
(194) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 328ـ
(195) المسعودي، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ292ـ
(196) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 64ـ
(197) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ20، صـ 52ـ
(198) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 443ـ
(199) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 484ـ

[الصفحة - 101]


ولي الخلافة، صادر جميع أمواله وعذب... (200) . كما أمر بانتزاع عدد من القرى "جبلتا والخصاصة العليا والسفلى وكرمى، وحمل أهلها على بيع منازلهم وأرضهم، وأجبروا على ذلك، حتى تكون الأرض والمنازل في تلك القرى ملكاً له (201).
وعلى السيرة نفسها سار المكتفي، فقد أمر أن يتخذ له قصر بناحية الشمالية... وأخذ بهذا السبب ضياعاً كثيرة ومزارع، كانت في تلك الأراضي بغير ثمن من ملاكها" (202).
والمعتمد يغضب على سليمان بن وهب بعد أن ودّعه في خروجه من بغداد إلى سامراء فيحبسه ويقيّده وينهب داره وداري ابنيه وهب وإبراهيم (203).
إضافة إلى هذا، قام بعض القادة بإسكان العسكر في دور الناس، كما فعل معز الدولة البويهي سنة 334، "فلحق الناس من ذلك شدة عظيمة، وصار رسماً (مفروضاً) عليهم بعد ذلك" (204).
وقد عرف عن الأتراك ما هو أقسى من ذلك، فطغرلبك كان " ظلوماً غشوماً قاسياً، وكان عسكره يغصب الناس أموالهم، وأيديهم مطلقة في ذلك ليلاً نهاراً" (205) . وبرغش يسير إلى "بلد الإسماعيلية" فينهبه (206) ، ويقتل أهله، وكذلك مارس السلاجقة النهب والتشليح (207).
التلاعب بالخراج: كان الخراج غالباً وسيلة لانتزاع المال لصالح الدولة، وأحياناً لصالح الأمراء، ولاسيما بعد ضعف الخلافة. وإذا عرفت الدولة حالات رحمة بالمواطنين، كما فعل الرشيد عندما ألغى ضريبة أضافية هي العشر على أهل السواد، بعد النصف (208) ، فإن سائر الخلفاء والأمراء كانوا يجرون على غير هذه المسيرة.
فالمأمون يضاعف الجزية على من تمرّدوا لتخفيفها، فقد امتنع أهل قم عن دفع خراجهم (وكان مليونين)، حتى يخفف عنهم المأمون، أسوة بأهل الري، فأرسل إليهم جيشاً فهزمهم وألزمهم سبعة ملايين (209).
أما موسى بن بغا، من قادة الخليفة المهتدي، فقد قبض الخراج سلفاً وأهمل واجباته، وترك الري مكشوفة للأعداء، رغم إلحاح الخليفة المهتدي عليه (210).
وقد وصل الأمر ببعض القادة أن ينتزعوا خراجاً عن سنة غير محددة، فقد بذر الصقر
________________________________________
(200) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 343 ـ 345ـ
(201) المصدر نفسه، صـ 382ـ
(202) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 635ـ
(203) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 41ـ
(204) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ 314ـ
(205) المصدر نفسه، جـ 8، صـ 95ـ
(206) المرجع نفسه، صـ204ـ
(207) المرجع نفسه، صـ 95ـ
(208) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 446ـ
(209) المرجع نفسه، صـ 184ـ
(210) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 541ـ

[الصفحة - 102]


الأموال التي قبضها من أبي أحمد الموفق بن المتوكل ولي العهد، وخاف من مطالبة أبي أحمد، فطالب " أرباب الضياع بخراج سنة مبهمة عن أراضيهم وحبس منهم بذلك جماعة" (211).
الرشوة: انتشرت الرشوة في العهد العباسي على نطاق واسع، وهي أحياناً كانت تقدّم من الحكام، وأحياناً إلى الحكام، ثم انتشر شراء المناصب وتضمين الولايات.
فالخليفة موسى الهادي يغضب على الربيع مولى المهدي لمقابلته أمه الخيزران، ويتوعده بالقتل، لكن الربيع وجه إليه ابنه الفضل بن الربيع بالهدايا الجزيلة، فرضي عنه (212).
وفي سنة 307 هـ غضب الخليفة المقتدر على أبي القاسم بن بسطام، فاستقدمه من ...، ولكنه وجه إلى الخليفة وإلى السيدة بهدية فخمة، وأموال جزيلة" فعفوا عنه (213).
وفي عهد الخليفة الراضي سنة 322 استولى عماد الدولة بن بويه على شيراز وفارس، وراسل الخليفة، وبذل له (مليون) درهم، فولاّه عليهما (214).
أما شراء الولايات، فقد عرف منذ عهد المتوكل، فقد حمل محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق "إلى المتوكل وأولياء عهده، مما كان في خزائن أبيه (إبراهيم بن مصعب)، من الجواهر والأشياء النفيسة ما حظي به عندهم... فعقد له المعتز على فارس، وعقد المنتصر له على اليمامة والبحرين وطريق مكّة... وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها، وزاده المنتصر ولاية مصر" (215).
ودرج الأمراء على السيرة نفسها، ففي سنة 253، أيام المعتز بالله، أعطى عيسى بن الشيخ، إلى بغا، على ما قيل، أربعين ألف دينار، فعقد له على الرملة (216).
وفي سنة 318، في عهد المقتدر، ولى ناصر الدولة الحسن بن عبدالله بن حمدان "ديار ربيعة ونصيبين وسنجار والخابور ورأس عين، ومعها من ديار بكر ميافارقين وأرزن. ضمن ذلك بمال مبلغه معلوم" (217).
حتى القضاء لم يسلم من هذه الآفة، ففي سنة 350 تولى قضاء القضاة أبو العباس بن عبدالله بن الحسن بن أبي الشوارب، وضمن أن يؤدي كل سنة مائتي ألف دينار. وهو أول من ضمن القضاء(218).
________________________________________
(211) المرجع نفسه، جـ 8، صـ 156ـ
(212) المرجع نفسه، صـ 407ـ
(213) المرجع نفسه، صـ 407ـ
(214) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ235ـ
(215) الطبري، مذكور سابقاّ، جـ 7، صـ264ـ
(216) المرجع نفسه، 513ـ
(217) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ208ـ
(218) المصدر نفسه، صـ 360ـ

[الصفحة - 103]


غير أن الرشوة كانت تأخذ أحياناً مساراً عكسياً، فيؤديها الخليفة لدفع الشر عنه، فقد خرج يحيى بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب " بالديلم واشتدت شوكته به، فأرسل عليه الرشيد الفضل بن يحيى، فاستمال الفضل يحيى وحصل له على أمان من الرشيد "وجه به (إليه) مع جوائز وكرامات وهدايا... فقدم يحيى بن عبدالله... بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب، وأمر له بمال كثير، وأجرى له أرزاقاً سنية، وأنزله منزلاً سرياً... (219).
أما الأمين، الذي كان يتعرض لهجوم من جيوش المأمون، فقد "أمر للجند بمدينة السلام (بغداد) برزق أربعة وعشرين شهراً" (220).
أما المستعين، فلم يستطع ضبط قادته، فتركهم يعبثون بالمال العام بل وشاركهم في ذلك، فقد "أطلق يد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال، وأباحهما فعل ما أرادا فعله فيها، وفعل ذلك أيضاً بأم نفسه، فلم يمتنع من شيء يريده... فكانت الأموال التي ترد على السلطان، من الآفاق، إنما يعيد معظمها إلى هؤلاء الأنفس، فعمد أتامش إلى ما في بيوت الأموال من الأموال فاكتسحه" (221).
اكتناز الأموال: عرفت ظاهرة اكتناز الأموال عند علية القوم من الخلفاء وأهل بيوتهم.
فالخيزران زوجة المهدي وأم الهادي والرشيد، كانت غلتها "مائة (مليون وستين) مليون درهم"(222) . ومع ذلك فهي تطلب الكسوة من الهادي، فيأمر لها بخزانة مملؤة كسوة... ووجد للخيزران في منزلها من قراقر الوشي ثمانية عشر ألف قرقر... (223).
والمعتصم كان يملك سبعين ألف مملوك (224) . أما الواثق فيزوره محمد بن الحرث المغني ويقول: "... حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن، ملبسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب، ثم مضيت إلى رواق أرضه وحيطانه ملبسة بمثل ذلك. وإذا الواثق في صدره، على سرير مرصّع بالجوهر، وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته عليها مثل ثيابه" (225).
تبذير الخلفاء والأمراء: كان الخلفاء العباسيون يبذّرون الأموال على ملذاتهم وعلى الجواري وعلى الشعراء والمغنين والمتملّقين والأقوياء، وكان لأقربائهم النصيب الأوفى،
________________________________________
(219) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 452ـ
(220) المصدر نفسه، صـ 544ـ
(221) المصدر نفسه، جـ 7، صـ 323ـ
(222) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 321ـ
(223) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 421ـ
(224) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ 148 , 179ـ واليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 430ـ
(225) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ 184ـ

[الصفحة - 104]


وكانوا في أوائل العهد أقل كرماً، ليزداد التبذير مع قوة الدولة، فقد كان السفاح بخيلاً كما رأينا.
أما المنصور فكان أكثر كرماً، فقد وصل في إحدى المرات حماد الراوية بعشرة آلاف درهم ووصل المفضل الضبي بخمسين ألفاً (226) ووصل أبا نخيلة الشاعر الذي غنى بيعة المهدي بولاية العهد بعشرة آلاف (227).
وقد حظي أبو دلامة بالنصيب الأكبر، إذ دخل على المنصور، فقال له: سل حاجتك وخرج من عنده بكلب صيد ودابة وغلام وجارية، ودار وضيعة مساحة وهو يمازحه (228).
أما الأقارب فقد نال كل من أهل بيته في يوم واحد عشرة آلاف، ونال كل من أعمامه ألف ألف من بيت المال (229) . وقد عُرف المهدي بالسماحة، فلدى تولّيه، ردّ مظالم المنصور، وأخرج ما في الخزائن فغرّقه حتى أكثر من ذلك، "وبرّ أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم خمسماية (شهرياً)، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم وزاد بعضهم" (230) "وحجّ سنة 160، فوزّع في مكة والمدينة" ثلاثين (مليون) حملة ثوب وخمسين ألف ثوب" (231) . كما هيّأ المهدي لشريك القاضي أكلة اقتنع بعدها بتعليم أولاده وبتولّي القضاء وكان يقول: لقد بعت ديني من المهدي (232).
هذا وقد جلس المهدي ذات يوم يعطي جوائز تقسم بحضرته في خاصة أهل بيته والقوّاد، وكان يقرأ عليه الأسماء فيأمر بالزيادة العشرة آلاف والعشرين ألفاً وما أشبه ذلك...
وقد أجار معن بن زائدة رجلاً يطلبه المهدي، فغضب المهدي، فذكّره معن بخدماته لبني العباس، فعفا عن الرجل، فقال له معن: "فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله فيكون قد أحياه وأغناه، فعل، قال: قد أمرنا له بخمسين ألفاً، قال: يا أمير المؤمنين، إن صلات الخلفاء تكون على قدر جنايات الرَّعية... قال: أمرنا له بمائة ألف. قال: فتعجلها يا أمير المؤمنين، فإن خير البر عاجله، فأمر بتعجيلها.. (233)
أما من كان يحظى بمعظم الأعطيات، فهم الشعراء، فقد أعطى المهدي هشاماً الكلبي، الذي ردّ على مهاجمة صاحب الأندلس للمهدي، منديلاً فيه عشرة أثواب من جياد الثياب
________________________________________
(226) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 3، ص171 - 172
(227) الطبري، مذكور سابقاً،ج2، صـ 281ـ
(228) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 3، ص121
(229) الطبري، مذكور سابقاً،ج2، ص327ـ
(230) الخطيب البغدادي، مذكور سابقاً، ج3، ص11ـ
(231) الطيري، مذكور سابقاً، ص366ـ
(232) المسعودي، مذكور سابقاً، ص295ـ
(233) ابن عبد ربه، مذكور سابقاً، ج1، ص159ـ

[الصفحة - 105]


وعشرة آلاف درهم وبغلة بسرجها ولجامها (234) ، وأعطى المفضل الضبي ثلاثين ألف درهم مقابل مديحه (235) ، كما أعطى الحسين بن مطير سبعين ألف درهم وحصاناً (236) . وأعطى الأصبحي ثلاثين ألف درهم (237) وأعطى مروان بن أبي حفصة على قصيدة من مئة بيت مئة ألف درهم، كما عفا عن شخص تاركاً له عشرين ألف دينار ثم وصله بألفي دينار وبخلع من العريش والخز والسواد والبياض وأمر له بجارية (238).
وعاقب المهدي أبا العتاهية، ثم ندم فأعطاه عشرين ألف درهم (239) . وقد عرض مروان بن أبي حفصة في شعر له بالطالبيين مؤيداً العباسيين فمنحه المهدي سبعين ألف درهم (240).
وسار موسى الهادي على النهج نفسه، فقد وعده هارون بتقديم أولاده على الأمين والمأمون، فسرّ منه ثم أمر خادمه أن "احمل إلى أخي الساعة ألف ألف دينار" (241) كما أمر لصاحب شرطته بعد عتاب معه بأربعماية بغل محمّلة دراهم على أن يحتفظ له بالبغال. (242) وأمر لبدوي فسر له بعض الكلمات بمائة ألف درهم (243) وأمر لرجل من الحديث والمفاكهة بثلاثين ألف درهم بعد أن استخلصه لنفسه (244).
أما الشعراء والمغنون فنالوا نصيباً كبيراً، فقد أمر بإدخال إبراهيم الموصلي إلى بيت مال الخاصة ليأخذ ما يشاء فأخذ ثلاثين ألف دينار (245) . وقد أبهجته أبيات نُقلت إليه فأمر بأربعين ألف درهم، عشرة للقائل والباقي للأبيات (246).
وغناه يوسف الصيقلي فخرج بسبعماية ألف درهم (247) . كما وضع الهادي بين يديه الصمصامة، سيف عمرو بن معد يكرب، ودعا الشعراء ليقولوا فيه الشعر، فأعجبه شعر ابن يامين البصري، فأعطاه مكتلاً مملوءاً بالدنانير، والسيف ثم اشتراه منه بخمسين ألفاً (248).
أما الرشيد فبلغ، هو الآخر ذروة التبذير، فقد أعفى رجال قريش من ديونهم لمال الصدقة (249) . وسأله قريب له "بالقرابة والخاصة دون الخلافة والعامة، فأعطاه وأجزل إليه (250) ، كما أعفى ديراً في الرقة من خراج سبع سنين، لأنهم أكرموه (251) ، وفي سنة 170 حج ففرّق في أهل الحرمين مالاً جليل (252) . وأعاد الكرة سنة 174 (253) . وفي سنة 186 وزع مليون وستماية ألف دينار على أهل الحرمين (254) . وقد توسط جعفر البرمكي لعبد
________________________________________
(234) الطيري، مذكور سابقاً، ص395ـ
(235) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 14، ص116
(236) المرجع نفسهـ
(237) المرجع نفسه، ج15، ص6ـ
(238) المرجع نفسه، ج20، ص27ـ
(239) المسعودي، مذكور سابقاً، ج3، ص295ـ
(240) الطيري، مذكور سابقاً، ص402ـ
(241) المسعودي، مذكور سابقاً، ص319ـ
(242) الطيري، مذكور سابقاً، ص431ـ
(243) المرجع نفسه،ص430ـ
(244) المرجع نفسه، ص434ـ
(245) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، ص16
(246) الطيري، مذكور سابقاً، ص437ـ
(247) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 439ـ
(248) المسعودي، مذكور سابقاً، مـ2، صـ 319ـ
(249) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 13، صـ 107ـ
(250) ابن عبد ربه، مذكور سابقاً، صـ273ـ
(251) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 124ـ
(252) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 444ـ
(253) المرجع نفسه، صـ 448ـ
(254) المرجع نفسه، صـ 473ـ

[الصفحة - 106]


الملك بن صالح الهاشمي، لدى الرشيد، فأعطاه الرشيد أربعة ملايين درهم وزوّجه أخته العالية وولاّه مصر (255).
وقد نال المغنون مالاً عظيماً، فقد نال إبراهيم الموصلي ألفي ألف درهم على غنائه شعر ذي الرمة. وغنى إبراهيم بن المهدي الرشيد صوتاً، فمنحه ثلاثماية ألف درهم.. وقال ابن مكي ان أباه غنى الرشيد فأطربه فأمر له بما في أحد البيوت، فإذا فيه خمسماية ألف درهم وأشياء أخرى(256) . كما وصل حكم الوادي (المغني) بثلاثماية ألف درهم، ودفعت أم جعفر للمغني ابن جامع أربعماية ألف درهم فعوّضها الرشيد إياها (257) ، وسجن الرشيد إبراهيم الموصلي، ولكنه احتاجه للغناء، فأتى به فغنى مقيداً، فأمر بفك قيوده وبتغطيته بالخلع وأعطاه ثلاثين ألف درهم (258) . كما أطربه عبدالله بن عباس الربيعي، فأمر له بعشرة آلاف دينار وثلاثين ثوباً من فاخر الثياب وعيبة مملوءة طيباً (259).
ولم تكن حصة الندماء قليلة، فقد أصاب الرشيد من تركة محمد بن سليمان بالبصرة ستين مليوناً، فوزعها على المغنين والندماء (260) ،، كما أعطى أبا مريم المدني " وكان مفاكهاً له يضحكه، في إحدى الليالي، مائة ألف درهم" (261).
ولم ينس الرشيد الإغداق على الجواري، فقد خرجت عليه علية بنت المهدي وأم جعفر ومعهن حوالى ألفي جارية مغنية، فطرب وقال: " يا مسرور، لا تبقين في بيت المال درهماً إلاّ نثرته، فكان مبلغ ما نثر يومئذ ستة (ملايين) درهم (262) " كما وهب يوماً المغنية دنانير ثلاثين ألف دينار (263).
وقد بلغ من تبذيره أن أخذ وزيره يحيى بن خالد يتهرب من الدفع (264).
ولما ملك الأمين "وجّه إلى جميع البلدان في طلب الملهين وضمهم إليه، وأجرى لهم الأرزاق، ونافس في ابتياع أفرزة الدواب، وأخذ الوحوش والسباع والطير وغير ذلك... وقسم ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجواهر في خصيانه وجلسائه ومحدّثيه، وحمل إليه ما بالرقة من الجواهر والخزائن والسلاح، وأمر ببناء مجالس لمتنزهاته ومواضع لهوه ولعبه، بقصر الخير والخيزرانية وبستان موسى. وقصر عبد ربه وقصر المعلّى ورقة بكلواذي وباب الأنبار زنبارى والهوب، وأمر بعمل خمس حراقات (مراكب) في دجلة على خلقة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس، وأنفق في عملها مالاً عظيماً... وابتنى سفينة
________________________________________
(255) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 118ـ
(256) المرجع نفسه، جـ 6، صـ23ـ
(257) المرجع نفسه، صـ 77ـ
(258) المرجع نفسه، صـ 3ـ
(259) المرجع نفسه، جـ 17، صـ 124ـ
(260) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 447ـ
(261) المرجع نفسه، صـ 532ـ
(262) الأغاني، مذكور سابقاً ، جـ صـ 88ـ
(263) المرجع نفسه، جـ 16ـ صـ 139ـ
(264) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 320ـ

[الصفحة - 107]


عظيمة أنفق عليها ثلاثة آلاف ألف واتخذ أخرى على خلقة شيء يكون في البحر يقال له الدلفين"(265).
أما المغنون فلم يحرموا من عطائه، فقد غنّاه إبراهيم بن المهدي فطرب فقال: "أوقروا زروقه ذهباً" (266) . وغناه ليلة أخرى، فأعطاه ثلاثماية ألف دينار، وقال له إبراهيم: يا أمير المؤمنين قد أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف ألف درهم (267) . وبذل ثمن جارية لجعفر بن موسى عشرين ألف ألف درهم (268) وأعطى عبدالله بن أيوب التيمي الذي غناه وهو مغموم، حمل ثلاثة بغال دراهم (269).
أما المأمون فلم يكن أقل كرماً ، فقد وعظه العباس بن العباس العلوي، بعد قتله ابن عائشة، فأمر له بثلاثماية ألف درهم (270).
واستطاب المأمون أكلة فمنح الطباخ أربعة آلاف دينار (271).
كما أعطى شخصاً شامياً استقدمه لمنادمته خلعة وخمسين ألف درهم (272).
ولم يبخل المأمون على المغنين، فقد غناه علوية لحناً لإبراهيم الموصلي، وكان في زورق، فوهبه له بما فيه، فباعه بمايتين وخمسين ألف درهم (273) . كما غنّاه علوية مرة أخرى فأعجب به وأعطاه عشرة آلاف وخلعه ثلاثة أثواب، ثم أمره بالإعادة وهكذا في كل مرة يعطيه عشرة آلاف وثلاثة أثواب، حتى بلغ مائة ألف درهم وثلاثين ثوباً (274).
وأتاه وفد من الكوفة، فأعرض عنهم، فاعتذر شيخ منهم بلسان فصيح، فقال" يا عمرو، نعم الخطيب خطيبهم اقضِ حوائجهم، فقضيت" (275).
وأنشده أحد الشعراء، ويدعى ابن وهيب، خمسين بيتاً فأعطاه ألف درهم بكل بيت (276) . ومدحه رجل من تميم بأرجوزة، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار (277) ، ويعطي أبا العتاهية على قصائد عشرة آلاف وعشرين ألفاً ويخصص له راتباً مقداره عشرون ألفاً (278) . وأنشد النصر بن شميل أشعاراً له بخمسين ألف درهم، كتب له بها إلى الفضل بن سهل، فأعطاه الفضل إياها وثلاثين ألفاً من عنده(279).
أما المعتصم فقد توّج "الأفشين وألبسه وشاحين بالجوهر، وصله بعشرين ألف ألف درهم، منها عشرة آلاف ألف صلة وعشرة آلاف ألف درهم يوزعها في أصل عسكره،
________________________________________
(265) المصدر نفسه، صـ 102ـ
(266) المصدر نفسه، صـ 110ـ
(267) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ 71ـ
(268) المرجع نفسه، جـ 15، صـ 145ـ
(269) المرجع نفسه، جـ 18، صـ 119ـ
(270) المسعودي، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ 425ـ
(271) المصدر نفسه، جـ2، صـ 407ـ
(272) الطبري، مذكور سابقاً، صـ215ـ
(273) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ2، صـ 128ـ
(274) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 14، صـ 38ـ
(275) المسعودي، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 399ـ
(276) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 163ـ
(277) الطبري، مذكور سابقاً، صـ215ـ
(278) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ152ـ
(279) المرجع نفسه، ج 5، صـ21ـ

[الصفحة - 108]


وعقد له على السند، وأدخل عليه الشعراء يمدحونه، وأمر للشعراء بصلات (280).
ويتشارط المعتصم مع إسحاق الموصلي فيقول له: إن أصبت فلك مائة ألف، مائتا ألف، ثلاثماية ألف (281) . ويكاتب الحسين بن الضحاك فيأتيه وينشده شعراً، فيملأ فمه جواهر (282) ، وفي مرة أخرى، اقطعه داراً في سامراء وألف دينار لنفقتها (283).
أما المغنون فلم يبخسوا نصيبهم، فإسحاق الموصلي يغني المعتصم من شعر أبي العتاهية، فيأمر له بثلاثين ألفاً ولأبي العتاهية بعشرين (284) . ويكف إسحاق عن الغناء، لكن المعتصم يسقيه فيغنّيه، فيأمر له بمائة ألف درهم (285) . ويطلب أبو دلف من أحد المغنين أن يغني المعتصم، فيطربه، فيعطي أبا دلف عشرين ألف دينار (286) . وأخيراً يغنيه إبراهيم بن المهدي "ثلاثة أصوات" فيعطيه بكل صوت جاماً من الدنانير ودراهم، ثم قوارير عنبر (287).
والواثق لا يقصر عن أسلافه، فقد امتدحه عمارة بن عقيل الخطفي بقصيدة، فأمر له بثلاثين ألف درهم وبعير (288) . غير أن نصيب المغنين كان الأوفر، فقد غنّاه إسحق الموصلي مرات كان يعطيه في كل منها مائة ألف (289) . وغنّاه مرة ثلاثة أصوات أشاد به فيها، فأمر له بثلاثماية ألف درهم (290) ، وأعطاه مرة أخرى، كان يشرب، على غنائه ثلاثماية ألف أيضاً. حتى قال إسحاق: "ما وصلني أحد من الخلفاء بمثل ما وصلني به الواثق، وما كان أحد منهم يكرمني إكرامه..."(291) واشترى الواثق جارية مغنية من صالح بن عبد الوهاب بعشرة آلاف دينار (292).
أما أرقام المتوكل فلم تكن معقولة، "فقد كانت له أربعة آلاف سرية وطئهن كلهن" (293).
وكان إنفاقه على المهرجين يفوق الخيال، فقد أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة مليون درهم (294) . وعندما بنى الماحوزة "وحضر أصحاب الملاهي، فوهب لهم ألفي ألف درهم" (295).
وعقد المتوكل لولاة العهد من ولده... وأذن للناس فدخلوا إليه، فلما تكاملوا بين يديه، مثل إبراهيم بن العباس... فقال (شعراً) فأمر له المتوكل بمائةوعشرين الف درهم، وأمر له ولاة العهد بمثلها(296) كما مدحه أبو السمط مروان الأصغر ومدح ولاة عهده فأمر له
________________________________________
(280) الطبري، مذكور سابقاً، صـ263ـ
(281) الأغاني، مذكور نفسه، جـ 5، صـ 117ـ
(282) المرجع نفسه، جـ 6، صـ 174ـ
(283) المرجع نفسه، صـ204ـ
(284) المرجع نفسه، جـ 5، صـ 98ـ
(285) المرجع نفسه، صـ 122ـ
(286) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 156ـ
(287) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 58ـ
(288) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 335ـ
(289) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5ـ صـ 92 و94 96 و118 و122ـ
(290) المرجع نفسه، جـ 8، صـ 163ـ
(291) الأغاني، مذكور سابقاًً، صـ 167ـ
(292) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 340ـ
(293) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 504ـ
(294) المرجع نفسه،
(295) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 382ـ
(296) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ 32ـ

[الصفحة - 109]


بمائة وعشرين الف درهم وخمسين ثوباً وفرساً وبغلة وحماراً وقبّله (ضمنه) ضيعة باليمامة بدرهم سنوياً وأقطعه ضياعاَ (297) . وكان أمر له مقابل قصيدة بوفاء دين كان عليه بستة آلاف دينار.
ومدحه مرة وهجا الشيعة ( الرافضة!) فعقد له على البحرين واليمامة وخلع عليه أربع خلع، وأمر له بثلاثة آلاف دينار ونثر على رأسه عشرة آلاف درهم (298).
ويخون أحد العمال المال فيسترضي مسؤوله المتوكل بشعر فيه فيسامحه (299).
ويستمر الكرم العباسي بعد ضعف الخلافة، فالمعتز يأمر لرئيس دير بخمسماية ألف درهم مقابل خدمته له (300) والمعتمد تغنّيه شارية المغنّية فيأمر لها بألف ثوب من الثياب الفاخرة (301).
أما الراضي فكان جالساً على آجرة (لبنة) وأتاه رجال فطاب إليهم الجلوس فجلس كل على آجرة، فصدف أن وجد أحدهم آجرتين ملتصقتين، فلما أراد الانصراف، أمر لكل منهم بوزن آجرته دنانير أو دراهم (الشك من الراوي)، فكان نصيب صاحبي الآجرتين مضاعفاُ (302).
وأخيراً كان الخليفة المنتصر بالله يأمر بـ" أن يفرش له بفرش ديباج مثقل بالذهب" (303).
على أن في ألوان الطعام التي كانت تقدم للخلفاء ما يكمل الصورة ربما، فقد "تقشف" القاهر (320 ـ 322)، واكتفى "بفواكه بدينار، وكان يؤتى بفواكه بثلاثين ديناراً، ومن الطعام، بإثني عشر صنفاً، وكان يؤتى الخلفاء ثلاثين صنفاً" (304).
تبذير كبار رجال الدولة: وإذا كان الناس على دين ملوكهم، فإن كبار رجالات العصور العباسية كانوا يبذّرون كخلفائهم.
فالفضل بن يحيى البرمكي يمدحه مروان بن أبي حفصة فيأمر له بمائة ألف درهم (305) . كما يهب لإبراهيم بن جبريل خراج سجستان بعد أن جباه ويزيده خمسماية ألف (306) . ويترك لإبراهيم نفسه سبعة ملايين قيمة غنائم حصل عليها من كابل، وأربعة آلاف من الخراج (307) . ولما قدم من خراسان إلى بغداد، استقبله الرشيد وبنو هاشم، فراح يصل الواحد بالألف ألف
________________________________________
(297) المرجع نفسه، جـ 11، صـ 4، والطبري، مذكور سابقاً، صـ 399ـ
(298) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 397ـ
(299) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 9، صـ29ـ
(300) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ 186ـ
(301) المرجع نفسه، جـ 14، صـ 113ـ
(302) الخطيب البغدادي، مذكور سابقاً، جـ2، صـ 113ـ
(303) المصدر نفسه، صـ 119ـ
(304) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، الصلة، صـ 128ـ
(305) المصدر نفسه، جـ 6، صـ 462ـ
(306) المرجع نفسه، صـ 463ـ
(307) المرجع نفسه، صـ 464ـ

[الصفحة - 110]


والخمسماية ألف، وكان يعطي البدر (وفي كل منها عشرة آلاف) مختومة (308).
وطلحة بن طاهر بن الحسين يهب، بعد توليته، لأحمد بن أبي خالد ثلاثة (ملايين) درهم وعروضاً بألفي ألف، كما وهب لإبراهيم بن العباس، كاتب أحمد بن أبي خالد، خمسماية ألف درهم (309).
ولما تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، أقام عنده "سبعة عشر يوماً يعدّ له كل يوم ولجميع من معه (من القواد والكتاب والوجوه والجنود، وحتى المكارين والحمالين والملاحين وسائر المرتزقة) كل ما يحتاجون إليه، وأن الحسن خلع على القواد على مراتبهم ووصلهم. وكان مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم، وقد نثر الحسن على سائر الناس الدنانير والدراهم ونوافج المسك وبيض العنبر، وكانوا يتحدثون "أن الحسن بن سهل كتب رقاعاً فيها أسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم، فمن وقعت في يده رقعة منها فيها آسم ضيعة بعث فتسلمها. فأمر المأمون بمجمل خراج فارس وكور الأهواز إلى (الحسن) سنة (كاملة)" (310).
وفي عهد المأمون، سار إسحق الموصلي خلف جارية تركب حماراً وعليها الحلل. فإذا هو في بيت، فغنّت وأصلح لها وعرّف عن نفسه، فطلب إليه صاحب البيت أن يقيم عنده شهراً يغنيه، ثم يأخذ الجارية والحمار، بما عليها وعليه ففعل (311).
واستمر تبذير الخلفاء والسلاطين والأمراء حتى بعد ضعف الدولة والخلافة، إلى أن ضاق الناس ذرعاً فثاروا. ففي سنة 320 إبان خلافة المقتدر ووزارة الفضل بن جعفر بن الفرات، في جمادى الأولى، اجتمع أهل الثغور والجبال إلى دار السلطان، واستنفر الناس ببغداد، وذكروا لهم ما ينالهم من الديلم والروم. وأن الخراج إنما يؤخذ منهم، وساروا إلى الجامع بمدينة المنصور، واقتحموه ومنعوا من الخطبة، ورجموا الخطيب، حتى أدموه وسلخوا وجهه، وجروا برجله. وقالوا: يا فاجر، تدعو لرجل لا ينظر في أمور المسلمين، قد اشتغل بالغناء والزنى، عن النظر في أمور الحرمين والثغور، يفرّق مال الله في أعداء الله ولا يخاف عقاباً ولا ينتظر معاداً (312).
لقد كانت تلك دعوة حق، كان يجب أن تطلق منذ قيام الدولة، حيث كانت تنزع الغنائم من المغلوبين ويجمع الخراج والجزية والصدقات وغيرها بالإكراه غالباً، لتوزّع على جيوش
________________________________________
(308) المرجع نفسهـ
(309) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 170ـ
(310) المصدر نفسه، صـ 179، المسعودي، مذكور سابقاً، جـ2، صـ 419 و420ـ
(311) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 127ـ
(312) المرجع نفسه، الصلة صـ 121ـ

[الصفحة - 111]


الغزو، أو على الأقارب والمحاسيب والأزلام، أو على المتملقين من الشعراء والمداحين، أو على المغنين أو على الجواري اللواتي كن يعاملن غالباً معاملة الدمى.
عربدة الخلفاء: انتشرت معاقرة الخمرة والسكر على أوسع نطاق في العصر العباسي، ورافق ذلك معاشرة الجواري بالجملة، وكذلك اللواط عند أكابر الدولة. وفي ما يأتي نماذج من ذلك:
فالمهدي كان لا يستسيغ شرب الخمر، ومع ذلك كان يضطر إلى الشراب مع أصحابه، كان يشرب تحرّجاً ولا يشتهيه، ويشرب بمرأى منه وعنده أصحابه: عمر بن بزيع والمعلّى مولاه والمفضل و(سائر) مواليه، ثم تاب (313).
والهادي، عندما قدم إلى بغداد لتسلم الخلافة، دخل على جاريته "فأقام عندها يومه وليلته، قبل أن يظهر لأحد من الناس" (314).
والمأمون يشرب وسط بحر من الجواري، إذ دعا إسحاق الموصلي المغني وعنده إبراهيم بن المهدي وفي مجلسه عشرون جارية ، قد أجلس عشراً عن يمينه وعشراً عن يساره (315).
وقاضي المأمون يحيى بن أكثم يشرب ويسكر، ويعمل له شبه القبر من الرياحين ويدفن فيه إلى أن أفاق. ويغازل هذا القاضي الحسن بن وهب وكان غلاماً، فيقول فيه الشعر، ويعيّره المأمون باللواط، بقوله: "قاضٍ يرى الحد في الزنا ولا يرى على من يلوط من باس" (316).
والخليفة المعتمد "توفي... وكان شرب على الشط في الحسني يوم الأحد شراباً كثيراً، وتعشى فأكثر فمات ليلاً" (317) ، وكنا مررنا على نماذج من مماليك المعتصم ومن جواري المتوكل، فلن نعيد.
حق الناس في الحياة الخاصة: لقد شدّد الإسلام على حرمة الحياة الخاصة بشكل استثنائي كما عرفنا. إلاّ أن هذه الحرمة قد انتهكت في العصر العباسي على نطاق واسع، بواسطة استقصاء أخبار الناس في بيوتهم، واقتحامها وغير ذلك من الأساليب.
فالمنصور يعلن: "أذكيت العيون (الجواسيس) على الناس حتى أتتني أخبارهم وهم في منازلهم"(318) . ولم يكن الوحيد الذي يفعل ذلك، بل هو سن سنة لمن سيخلفه.
________________________________________
(313) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 386ـ
(314) المصدر نفسه، صـ 408ـ
(315) الأغاني، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 59ـ
(316) ابن عبد ربه، مذكور سابقاً، جـ 4، صـ 37ـ
(317) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 5، صـ 164ـ
(318) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 329ـ

[الصفحة - 112]


والهادي يتحدث عن جاريتين كلّف من يتجسس له عليهما فيقول: "بلغنا أنهما تتحابّان، قد اجتمعتا على الفاحشة، فوكلت هذا الخادم بهما، ينهي إلي أخبارهما..." وانتهى الأمر بمقتلهما (319).
أما "كبس البيوت" وترويع الناس فكان سياسة ثابتة في كل عصور الدولة العباسية، فأثناء حصار بغداد، أمر الأمين "زريحاً غلامه بتتبع الأموال... وأمر الهرش بطاعته، فكان يهجم على الناس في منازلهم، ويبيّتهم ليلاً، ويأخذ بالظنة (320) . واستمر هذا الأسلوب حتى آخر الدولة العباسية. ففي سنة 290 في خلافة المكتفي اختفى كاتب الحسين بن عمرو... فطلب وكبست منازل جيرانه...(321) . وكان هذا ديدن الأتراك والبويهيين وسائر قواد الدولة وأمرائها، ولا ضرورة للتوقف أكثر عند حوادث بعينها خوف التكرار الممل.
الحقوق الاجتماعية والاقتصادية: لم تحمل المصادر الكثير عن هذه المسألة، التي اهتم بها الإسلام، وقد رأينا كيف كانت تجبى الأموال من الناس وتبذّر، فهل كان هناك فضل للاهتمام بهذا الأمر. قد يكون بعض المسؤولين أولوا هذه المسألة شيئاً من عنايتهم، عندما كانوا يجدون فائضاً، بعد نهب الأموال العامة من قبل الكبار. إلا أن مسألة، ربما كانت وحيدة حملتها كتب التاريخ، هي أن المهدي أمر سنة 162 بأن يجرى على المجذّمين وأهل السجون في جميع الآفاق (أي يعطون حداً أدنى) (322) وإذا كان الإنفاق على المرضى المزمنين مسألة عرفها التاريخ الإسلامي، فإن الإنفاق على السجون، بما يتجاوز المأكل والمشرب، مسألة ربما كانت جديدة.
القانون الإنساني: كان القانون الإنساني، كما أوضح أحكامه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، معروفاً في العصر العباسي. وقد ذكر ذلك أحد قادة بني العباس، وهو إسماعيل بن علي. بعد أن قاتل مهلهلاً الحروري في بلاد فارس " وهزم عسكره وأسر من أصحابه أربعمائة، واقترح عليه أخوه عبد الصمد أن يضرب أعناقهم، فأجاب: إن أول من علّم قتال أهل القبلة، علي بن أبي طالب، ولم يكن يقتل أسيراً، ولا يتبع منهزماً ولا يجهز على جريح" (323).
وقد تمسك بهذه الأحكام بعض الثائرين كمحمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. فقد أوصى إبراهيم مقاتلين أرسلهم إلى بعض العباسيين،
________________________________________
(319) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 435ـ
(320) المصدر نفسه، جـ 7، صـ 64ـ
(321) المرجع نفسه، جـ 8، صـ221ـ
(322) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 373ـ
(323) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 323ـ

[الصفحة - 113]


إبان ثورته، قائلاً: "إياكما أن تبداهما بقتال " (324) وهذا مبدأ لشد ما تمسك به علي بن أبي طالب(عليه السلام)".
وإبان القتال مع جيش المنصور، قال أحد معاوني إبراهيم له: إن هؤلاء القوم من مصبحوك بما يسدُّ عليك مغرب الشمس من السلاح الكراع وإن ما معك رجال عراة من أهل البصرة. فدعني أبيته (أفاجئه ليلاً)، فوالله لأشتتن جموعه، فقال: "إني أكره القتل، فقال المعاون، تريد الملك وتكره القتل!" (325) وقال: إني أكره البيات. وقد أشار عليه أحد أصحابه ألا يظهر دعوته في الكوفة، كيلا يرسل إليهم أبو جعفر خيلاً فيطأ البريء والنطف والصغير الكبير (326) فتكون قد تعرضت لمأثم ذلك، ولم تبلغ منه ما أملت، فقبل مشورته (327).
فعندما انهزمت جيوش العباسيين بقيادة عيسى بن موسى أمام جند إبراهيم بن عبدالله، وتبعتهم رايات إبراهيم، فنادى منادي إبراهيم: "ألا لا تتبعوا مدبراً، فكرت الربات راجعة، ورآها أصحاب عيسى، فخالوهم انهزموا فكرّوا في آثارهم، فكانت الهزيمة.
إضافة إلى هذا كان محمد وإبراهيم يمتنعان عن اخذ المال من دون وجه حق. فقد ترك محمد بن محمد العقيلي صفوف محمد بن عبدالله ليلحق بالجيش العباسي، فأخذ محمد بن عبدالله مركوبهم. "فأتاه عمر بن محمد فقال: أنت تدعو إلى العدل ونفي الجور، فما بال إبلي تؤخذ، فإنما أعددتها لحج أو عمرة، فدفعها إليه، فخرجوا من تحت ليلتهم فلقوا عيسى" (328).
أما إبراهيم فقد أتاه "قوم من الدهجرانية أصحاب الضياع، فقالوا: يا بن رسول الله، إنا قوم لسنا من العرب وليس لأحد علينا عقد ولا ولاء، وقد أتيناك بمال، فاستعن به. فقال: من كان عنده مال فليعن به أخاه،، فأما أن آخذه، فلا. ثم قال: هل هي إلاّ سيرة علي بن أبي طالب" (329).
أما العباسيون، فربما كان المأمون هو من تذكّر، ولو لمرة، مبادئ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، إذ كان يقول: "أخّر الحرب ما استطعت، فإن لم تجد منها بداً، فاجعلها في آخر النهار"(330).
وفي مقابل ذلك، ضرب العباسيون عرض الحائط بكل هذه الأحكام، فغدروا وقتلوا الأسرى وقتلوا النساء والأطفال ودمّروا.
________________________________________
(324) الأصفاني، مقاتل الطالبيين، مذكور سابقاً، صـ 323ـ
(325) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ259ـ
(326) المرجع نفسه، صـ258ـ
(327) المرجع نفسه، صـ ؟؟؟؟ـ
(328) المرجع نفسه، صـ206ـ
(329) الأصفهاني، مذكور سابقاً، صـ 333ـ
(330) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 397ـ

[الصفحة - 114]


ففي سنة 128 وقبل قيام دولة العباسيين، يأمر إبراهيم بن محمد أبا مسلم الخراساني بقوله: "... فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله" (331) . وفي سنة 134 أحرق خازم بن خزيمة (من قادة المنصور) بيوت أصحاب الجنيدي (من الخوارج الأباضية)، وفيها نساؤهم وأولادهم، فلما انشغلوا، أمعن فيهم قتلاً، فقتل عشرة آلاف بعث برؤوسهم إلى المنصور (332) . وفي سنة 151 هاجم عقبة بن مسلم البحرين فقتل سليمان بن الحكم العبدي وسبى أهل البحرين وبعث ببعض من سبى منهم وأسارى إلى أبي جعفر، فقتل منهم عدة.... (333) . وفي سنة 153 غزا الصائفة (غزوة الصيف) معيوف بن يحيى، فصار إلى حصن من حصون الروم ليلاً وأهله نيام، فسبى وأسر من كان فيه من المقاتلة، ثم صار إلى اللاذقية ففتحها وأخرج منها ستة آلاف رأس من السبي الرجال البالغين (334).
وفي عهد المنصور نفسه سنة 150، أسر خازم بن خزيمة من أهالي سجستان أربعة عشر ألفاً، فضرب أعناقهم (335) كما غزا الأهواز فاستولى عليها وأباحها ثلاثة أيام (336).
وبعد قتل محمد بن عبدالله بن الحسن، قبضت أموال بني حسن كلها، فأجاز ذاك أبو جعفر (337).
أما المأمون فقد قطع قائده طاهر الغذاء والماء عن بغداد حيث أعداؤه، وانتزع ضياع من بقي مع الأمين (338) . وفي عهد المأمون أخذ بعض القادة عيال آذين، أحد قواد بابك الخرمي، ووصلوا ببعض النساء إلى الأفشين (339) . وفي أيام المعتز، كان يبذل الأمان للمتمردين، وعندما يستسلمون تضرب أعناقهم، فعل ذلك بغطيف القلبي (340) وبأشوط بن حمزة (341).
أما في أيام المستعين، فقد أسر جماعة من أصحاب يحيى بن عمر و"لم يكن في ما روي، قبل ذلك من الأسارى أحد لحقه ما لحقهم من العسف وسوء الحال. وكانوا يساقون وهم حفاة، سوقاً عنيفاً، فمن تأخر ضربت عنقه... (342).
أما الزنج، فقد لحقهم من سوء المعاملة ما لم يلحق أي فئة قبلهم، فقد قاتلهم أبو أحمد الموفق 14 سنة و4 أشهر "يقتل الصغير والكبير والذكر والأنثى، ويحرق ويخرب. وقد كان يأتي بالبصرة، في وقعة واحدة، على قتل ثلاثماية ألف من الناس (343) ، وكان الأسرى دائماً تضرب أعناقهم(344).
________________________________________
(331) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 15ـ
(332) المرجع نفسه، صـ 115ـ
(333) المرجع نفسه، صـ294ـ
(334) المرجع نفسه، صـ296 و302ـ
(335) المرجع نفسه، صـ287ـ
(336) المرجع نفسه، صـ255ـ
(337) المرجع نفسه، صـ225ـ
(338) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 74ـ
(339) المرجع نفسه، صـ241ـ
(340) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 416ـ
(341) المرجع نفسه، صـ 454ـ
(342) الأصفهاني، مذكور سابقاً، صـ 645ـ
(343) المسعودي، مذكور سابقاًن جـ2، صـ 577ـ
(344) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 8، صـ2 و84 و131 و651ـ

[الصفحة - 115]


وقد داهم رشيق، من قادة أحمد بن المتوكل، جماعة من الأعراب، سنة 268، من تميم، كانت تحمل طعاماً إلى الزنج فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم، وهم تجار... فحمل الأسرى والرؤوس... فأمر الموفق، فعلّقت الرؤوس في (المراكب) وصلب الأسارى هناك (345).
ولم يكن ما نال القرامطة أقل فظاعة، فقد قاتلهم سنة 316، هارون بن غريب، فقتل منهم في واسط خلقاً كثيراً وحمل مايتي أسير إلى بغداد حيث قتلوا أو صلبوا (346).
أما القاسم بن سليمان، فقد أدّعى أن بني العليص ومواليهم سيهاجمون الناس في الرحبة يوم عيد الفطر، لذلك كتب يقول: "فإني أوقعت عليهم الحيلة، حتى قتلت منهم وأسرت خمسين ومائة نفس، سوى من غرق منهم في الفرات وإني قادم بالأسرى... وبرؤوس من قتل منهم (347).
وفي سنة 318، في خلافة المقتدر، أمّن علي بن يلبق إسحق الكردي، ولما تمكن منه قتله وهاجم جماعته فقتل منهم خلقاً كثيراً وأسر جماعة (348).
وفي أيام المقتفي، سنة 541 اغتال السلطان مسعود السلجوقي عباساً صاحب الري. وكان عباس قتل خلقاً كثيراً من "الباطنية" وبنى برؤوسهم منارة بالري وحصر قلعة ألموت، ودخل قرية من قراهم "فألقى فيها النار، فأحرق كل من فيها من رجل وامرأة وصبي وغير ذلك" (349).
التمثيل: عرف التمثيل في الدولة العباسية منذ بداية تأسيسها، لاسيما في عصر المنصور، واستمر حتى نهاية الدولة، فأبو جعفر يوفد أبا سويد الخراساني إلى أسد بن المرزبان، أحد قادته، وكان شك به، فقطع أطرافه ثم قتله (350).
ويأمر بنصب رأس إبراهيم بن عبدالله في السوق (351) . كما يأمر بقطع يدي ورجلي عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي، عامله على خراسان، ثم يقتله (352) . كما أمر "موسى بن دينار، حاجب أبي العباس الطوسي، بقطع أيدي بني أخي أبي أيوب (المورياني) وأرجلهم وضرب أعناقهم(353) . كما قبض عامل المنصور على البصرة على عمرو بن شداد عامل إبراهيم بن عبدالله على فارس، فقطع يديه ورجليه وضرب عنقه وصلبه في مربد البصرة (354).
وعيسى بن موسى، ولي عهد المنصور المفترض، سمع قصيدة أبي نخيلة في تأييد بيعة
________________________________________
(345) المرجع نفسه، صـ 97ـ
(346) الطبري، الصلة، صـ 95ـ
(347) المرجع نفسه، جـ 8، صـ232ـ
(348) المرجع نفسه، الصلة، صـ 102 و103ـ
(349) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 9ـ صـ 15ـ
(350) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ294ـ
(351) المرجع نفسه، صـ263ـ
(352) المرجع نفسه، صـ 150ـ
(353) المرجع نفسه، صـ297ـ
(354) المرجع نفسه، صـ 300ـ

[الصفحة - 116]


المهدي... فوجه عيسى في طلبه، فلحق في طريقه، فذبح وسلخ وجهه" (355).
وفي أيام المهدي، وكان يعد خليفة عادلاً، خرج يوسف بن إبراهيم في خراسان، فلما ظفر به، أدخل عليه ووجهه إلى ذنب البعير، فأمر المهدي هرثمة بن أعين، فقطع يدي يوسف ورجليه، وضرب عنقه وأعناق أصحابه، وصلبهم على جسر دجلة الأعلى" (356).
وخرج بشير بن الليث على الرشيد، فقال إنه سيقتله شر قتلة. "ثم أمر ففصل عضواً عضواً"(357) . وقتل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي، وصادر جميع أمواله، وقطّع جثته، وصلب كل قطعة على حدة من دون ذكر لذنب ارتكبه (358).
أما المأمون، فقد قطع قادته رأس أخيه الأمين وأرسلوه إليه مع محمد بن الحسن بن مصعب "فأمر له بألف ألف" (359) . وفي عهد المعتصم، قبض على بابك الخرمي، بعد أن دوّخ الجيوش العباسية، فأمر المعتصم بتجريده " فسلبه الخدام ما عليه من الزينة، وقطعت يمينه، وضرب بها وجهه ، وفعل مثل ذلك بيساره، وثلّث برجليه، وهو يتمرغ في النطع بدمه... وأقبل يضرب ما بقي من زنديه وجهه... وأمر المعتصم السيّاف أن يدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه، أسفل من القلب، ليكون أطول لعذابه، ففعل، ثم أمر بحز لسانه، وصلب أطرافه مع جسده ، ثم حمل الرأس إلى مدينة السلام (بغداد) ونصب على الجسر وحمل إلى خراسان بعد ذلك... وحمل أخوه عبدالله مع الرأس إلى مدينة السلام ففعل به إسحق بن إبراهيم أميرها، ما فعل بأخيه بابك في سامراء(360).
وفي عهدي المعتصم والواثق اتخذ الوزير محمد بن عبد الملك الزيات "للمصادرين والمغضوب عليهم تنوراً من الحديد، رؤوس مساميره إلى داخل قائمة مثل رؤوس المسال... فكان يعذب الناس فيه. فأمر المتوكل بإدخاله في ذلك التنور" (361).
وفي أيام المستعين ثار أهل حمص بواليهم. فاحتلها موسى بن بغا "وأباحها ثلاثة أيام، فانتهبت وطرحت النار في منازلها، وانتهبت أموال التجار" (362).
ولقد كان المعتضد أشد الناس وحشية. ففي نهاية خلافة المعتمد وبداية خلافة المعتضد "لم يزل إسماعيل بن بلبل يُعذّب بأنواع العذاب، وجعل في عنقه غلّ فيه رمانة حديد، والغل والرمانة مائة وعشرون رطلاً، وألبس جبة صوف (مغموسة في مرق) الأكارع، وعلق معه رأس ميت، ولم يزل على ذلك حتى مات (363).
________________________________________
(355) المرجع نفسه، صـ283ـ
(356) المرجع نفسه، صـ 359ـ
(357) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 349ـ
(358) الطبري، مذكور سابقاً، صـ 491ـ
(359) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 85ـ
(360) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 444ـ
(361) المرجع نفسه، مذكور سابقاً، صـ 462ـ
(362) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 462ـ
(363) المسعودي، مذكور سابقاً، صـ 595ـ

[الصفحة - 117]


وكان المعتضد إذا غضب على القائد، أمر أن تحفر له حفيرة بحضرته، ثم يدلّى على رأسه فيها، ويطرح التراب عليه، ونصفه الأسفل ظاهر (فوق) التراب، ويداس التراب، حتى يموت، و"كان يأخذ الرجل فيكتّف، ويقيّد ويؤخذ القطن فيحشى في أذنه وخيشومه وفمه، وتوضع المنافخ في دبره، حتى ينتفخ، ويعظم جسمه ثم يسد الدبر بشيء من القطن، ثم يفصد... وربما كان يقام الرجل في أعلى القصر مجرداً موثقاً، ويرمى بالنشاب حتى يموت... (364) وقبض في أيام المعتضد، سنة 289، على ابن أبي الفوارس، رئيس القرامطة، فأمر به المعتضد فقلعت أضراسه، ثم خلعت إحدى يديه، في ما ذكر، وعلّقت في الأخرى صخرة، وترك على حاله تلك من نصف النهار إلى المغرب، ثم قطعت يداه ورجلاه من غد ذلك اليوم، وضربت عنقه، وصلب بالجانب الشرقي، ثم حملت جثته بعد أيام، إلى الياسرية فصلب (365) . كما عُذّب أسرى من القرامطة، قدم أربعة وثلاثون منهم. و"كان يؤخذ الرجل، فيبطح على وجهه، فتقطع يمنى يديه، (ويرمى بها) إلى أسفل ليراها الناس، ثم تقطع رجله اليسرى ثم يسرى يديه، ثم يمنى رجليه، ويرمى بما قطع منه إلى أسفل... ثم قدم (قائد) فضرب مايتي سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، وكوي فغشي عليه، ثم أخذ خشب، فأضرمت فيه النار، ووضع في خواصره وبطنه، فجعل يفتح عينيه ثم يغمضها، فلما خافوا أن يموت، ضربت عنقه، ورفع رأسه على خشبة..." (366).
وفي أيام الراضي، سنة326، يعذب بجكم التركي أهل الأهواز لانتزاع المال، فيضع طشتاً فيه نار على بطون بعضهم (367) . وفي السنة نفسها قطعت يدا الوزير ابن مقلة، ثم قطع لسانه (368).
وفي عهد الخليفة المتقي، بدأت تتردد أخبار سمل الأعين، من قبل الحمدانيين وغيرهم، وقد أعمى ابن توزون المتقي نفسه (369).
وفي عهد المقتدي، سنة 475، كان لدى السلطان ملكشاه، رجل فكاهي يدعى جعفرك، يحاكي الملك ويذكره في خلواته مع السلطان، فبلغ ذلك جمال الملك (ابنه)... فأمر بالقبض على جعفرك، وأمر بإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات..." (370).
وفي عهد المستظهر، سنة 507 "توفي الملك رضوان بن تاج الدولة... وكان قتل أخويه أبا طالب وبهرام" (371) . كما قبض إرسلانشاه ملك غزنة على إخوته سنة 508 وقتل بعضاً
________________________________________
(364) المصدر نفسهـ
(365) الطبري، مذكور سابقاً, جـ 8، الصلة، صـ207ـ
(366) المرجع نفسه، صـ231ـ
(367) ابن الأثير، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ263ـ
(368) المرجع نفسه، صـ265 و266ـ
(369) المرجع نفسه، صـ289 و310ـ
(370) المرجع نفسه، جـ 8، صـ؟؟؟؟
(371) المرجع نفسه، صـ267ـ

[الصفحة - 118]


منهم وأعمى آخرين، دون خروج منهم على الطاعة" (372).
وفي سنة 510 احتل السلطان جاولي كازرون، وحاصر أبا السعد محمد بن مما في قلعته... وراسله جاولي في الصلح، فقتل الرسول، فأرسل إليه قوماً من الصوفية، فأطعمهم الهريسة والقطايف (من الحلوى) ثم أمر بهم، فخيطت أدبارهم وألقوا في الشمس فهكلوا" (373).
الغدر ونكث العهود: لم يكن معظم الخلفاء العباسيين وقادتهم، يقيمون وزناً للعهود التي يقطعونها على أنفسهم، فكثيراً ما أمنّوا وغدروا، لا يستثنى من ذلك إلا خليفة أو خليفتان في حالات معينة. وإذا كان بعضهم، يبحث عن مبررات لنكثه، كما فعل الرشيد في موضوع أمانه ليحيى بن عبدالله بن الحسن (374) حين جمع الفقهاء، وحصل من أبي البختري على ذلك التبرير، فأعطاه مليون وستماية ألف درهم وولاّه القضاء، فإن العادة درجت منذ بداية الدولة على ألاّ يقام أي وزن للكلام المعطى. وقد وقعنا في هذا البحث على نماذج متفرقة عن ذلك. ولا بد من أمثلة مركّزة أكثر.
ولعل أخطر الأمثلة ما عرفه عهد أبي جعفر المنصور. فقد ثار عبدالله بن علي أيام السفاح ثم عفي عنه أيام المنصور، وكتب المنصور إلى ابنيه، سليمان وعيسى ابني عبدالله، وبذل لهما من الأمان ما أرضاهما، فلما قدم عليه عبدالله، قتل بعض أصحابه وحبسه وحبس الآخرين (375) . كما أمر المنصور عيسى بن موسى، وكان يريد إزاحته كيلا يتولى الخلافة، أن يقتل عبدالله بن علي، (وهوعم المنصور)، فيقتله بعدها به فتظاهر عيسى بن موسى أنه فعل. ثم حرّك المنصور أعمامه ضد عيسى بن موسى، وادعى أنه طلب منه حبس عبدالله فقتله. ولما أرادوا قتل عيسى بن موسى أنبأهم أنه حي، وأعاده إلى المنصور فاغتاله (376).
كما كان المنصور حنث بوعده للسفاح الذي عهد إليه وإلى عيسى بن موسى من بعده، فخلعه من ولاية العهد وعهد إلى ابنه المهدي (377).
وموسى الهادي، أراد النكث في أمر تولية الرشيد ليولي ابنه جعفراً، لولا أن يدرك الأمر هرثمة بن أعين الذي أخرج الرشيد في الليلة التي توفي فيها موسى الهادي، وأجلسه للخلافة، فدعا هارون يحيى بن خالد البرمكي وكان محبوساً وقد عزم موسى الهادي على قتله وقتل هارون الرشيد في تلك الليلة (378).
والرشيد خدع الهادي، الذي كان وعده بتقديم أولاده على الأمين والمأمون، فلما تولى
________________________________________
(372) المرجع نفسه، صـ270ـ
(373) المرجع نفسه، صـ274ـ
(374) راجع فقرة، تردي القضاءـ
(375) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 6، صـ 145ـ
(376) المرجع نفسه، صـ271ـ والمسعودي، مذكور سابقاً، جـ 3، صـ289 و290ـ
(377) الطبري، مذكور سابقاً، صـ271ـ
(378) المرجع نفسه، صـ 441ـ

[الصفحة - 119]


الخلافة، عهد إلى الأمين ثم المأمون ثم القاسم.
والأمين، نكث بما عهد به أبوه الرشيد من أن يكون المأمون ولي عهده وحاول خلعه ليجعل العهد لابنه وانتهى الأمر بقتله وتولى المأمون (379).
أما المستعين، فيخلع نفسه للمعتز، بعد أن يستوثق لنفسه، وينتهي الأمر بقطع رأسه وحمله إلى سامراء (380) . والمعتز وجه محمد بن الوليد إلى فلسطين، فلما صار في حمص، وكان تغلّب عليها غطيف الكلبي، دعاه إلى الطاعة وأعطاه الأمان، فاستجاب له. فلما صار في يده، ضرب عنقه (381) . ولو أردنا استقصاء كل عمليات نكث الخلفاء، لطال الموضوع. لكن لا بد من الإشارة إلى أن القادة والأمراء كان دينهم كما الخلفاء، الغدر والنكث على أوسع نطاق. فقد كان نجاح بن سلمة على ديوانٍ للمتوكل، فاتهم عاملين، هما الحسن بن مخلد وموسى من عبد الملك، بخيانة المال وكتب إلى المتوكل "أن يأخذهما بأربعين ألف ألف درهم" ولكن وزير المتوكل دبّر مكيدة ضد نجاح بن سلمة لينقذ العاملين بأن نصحه أن يتراجع عن اتهامه، ، فتراجع، فصادر المتوكل عندها أملاكه وتسبّب بقتله (382).
وفي سنة 334، خرج إلى نوح بن نصر الساماني، عمّه إبراهيم وأخوه محمد، مستأمنين، مظهرين الندم، بعدما تحركا ضده. فقبلهما وقربهما ووعدهما، وكان حينها في سمرقند، وعاد إلى بخارى في رمضان، فقتل طغان الحاجب، وسمل عمه إبراهيم وأخويه محمد وأحمد (383).
وفي سنة 369، في خلافة الطائع، "سيّر عضد الدولة (البويهي) جيشاً إلى الأكراد الهكارية، من أعمال الموصل فأوقع بهم، وحصر قلاعهم... فأرسلوا يطلبون الأمان، فأجيبوا إلى ذلك، وسلّموا قلاعهم ونزلوا مع العسكر إلى الموصل... (غير) أن مقدّم الجيش غدر بهم وصلبهم على جانبي الطريق، من معلثايا إلى الموصل نحو خمسة فراسخ، وكف الله شرهم عن الناس" (384).
وفي سنة469، كان وَرْدُ، من قادة الروم، اقتتل مع حكام بلاده، وهرب إلى ديار بكر، واستنجد بعضد الدولة المستولي على العراق. فأجابه إلى ذلك، ووعده بالنصر. إلاّ أن الملكيين (ورثة عرش الملك أرمانوس)، راسلا عضد الدولة، واستمالاه". فكاتب أبا علي التميمي ـ وهو حينئذ ينوب عنه بديار بكر ـ بالقبض على وَرْد وأصحابه فشرع يدبر الحيلة
________________________________________
(379) المسعودي، مذكور سابقاً، جـ2، صـ 541ـ
(380) المرجع نفسه، ص551و552ـ
(381) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 466ـ
(382) الطبري، مذكور سابقاً، جـ 7، صـ 384ـ
(383) ابن الأثير، مذكور سابقاً، صـ 319ـ
(384) المرجع نفسه، جـ 7، صـ 102ـ

[الصفحة - 120]


عليه وانفض أصحاب ورد لشكوكهم، بموقف عضد الدولة، فطمع به أبو علي التميمي، وراسله في الاجتماع، فأجابه إلى ذلك. فلما اجتمع به، قبض عليه وعلى ولده وجماعة من أصحابه، واعتقلهم بميافارقين ثم حملهم إلى بغداد" (385).
بين حقوق الناس وحِلم الخليفة: يتبّين مما تقدم أن خلفاء بني العباس لم يكونوا، في الأعمّ الأغلب، يعترفون للناس بحقوق، لأن الحكم حق من حقوقهم، منحهم إياه الله، بقرابتهم من الرسول، إلاّ أننا لاحظنا أحياناً أن الخليفة يتحمل النقد ويعفو أحياناً أخرى، وهناك أمثلة على عفو المهدي وعفو المأمون.
فقد مرّ ملاّح في دجلة والمأمون على الشاطئ، وكان يقول بأعلى صوته: أتظنون أن هذا المأمون نبيل في عيني وقد قتل أخاه، فما زاد المأمون على أن تبسّم وقال: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عيني هذا الرجل الجليل (386).
وكان الفضل بن الربيع، وقف مع الأمين، وهرب عندما قدم المأمون إلى بغداد، فصادر أملاكه، لكنه عاد إلى بابه طالباً الأمان، فأعطاه الأمان وأحضره ليلة وسأله قائلاً: "هبك تعتذر في محمد (الأمين) بأنه كانت له بيعة في عنقك من الرشيد، فما عذرك في ابن شكلة (وهو مدعٍ للخلافة أيده الربيع)... على ما خرج إليه من خلعي بعد أن صارت بيعتي في عنقك (فاعتذر اعتذاراً شديداً) فأمسك عنه، وردّ عليه ضيعة من ضياعه تكفي لقوته وقوت عياله (387).
وقد تحرك ضد المأمون بشر بن داود المهلبي، فأرسل المأمون إليه الجيش ومعه قريب للمهلبي، فضمنه ثم أعطى الطاعة، ولما قدم إلى المأمون ومن معه من آل المهلب، أطلقهم جميعاً وأحسن إليهم (388).
كما أسر حمّاد الخادم، من قادة المأمون، الثائر محمد بن محمد العلوي وأبا السرايا، فقتل المأمون أبا السرايا وعفا عن محمد (389).
لقد كان الخلفاء في هذه الحالات وما أشبهها، يعدون هذا حلماً وتفضلاً، لا حقوقاً للناس.
________________________________________
(385) المرجع نفسه، صـ 111ـ
(386) الخطيب البغدادي، مذكور سابقاً، صـ 186ـ
(387) اليعقوبي، مذكور سابقاً، صـ 409 و410ـ
(388) المرجع نفسه، صـ 414ـ
(389) المرجع نفسه، صـ 401ـ

[الصفحة - 121]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف