البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مشروعيّة الحكم على أساس الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة - القسم الثاني

الباحث :  الشيخ لبنان حسين الزين
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  55
السنة :  السنة الرابعة عشر خريف 1430هجـ 2009 م
تاريخ إضافة البحث :  June / 8 / 2015
عدد زيارات البحث :  1316
مشروعيّة الحكم على أساس الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة
القسم الثاني

الشيخ لبنان حسين الزين (*)

بعد أن تعرّضنا في مقالٍ سابق لمشروعيّة الحكم على أساس الشرعيّة الإلهيّة المُباشرة ومعالمها العامّة وأدلّتها، وبعض الإشكاليّات النقديّة عليها، فإن ما سوف نسعى إليه في هذا المقال ـ استكمالاً للبحث ـ لبيان مشروعيّة الحكم على أساس الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة ومعالمها العامّة وأدلّتها، وبعض الإشكاليّات النقديّة عليها. ليُصار في الختام إلى تقويم النظريّتين وما تمّ التوصّل إليه من نتائج في هذا الصدد.
أولاً: معالم الشرعيّة الإلهيّة الشعبيّة
للتعرّف على معالم الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة، لابدّ من تناول بعض النقاط التي تكشف عن المقصود من هذه الشرعيّة، وما هو المراد منها:
معنى الشرعيّة الشعبيّة: يُراد منها أنّ الشعب هو صاحب القرار في اختيار الحاكم وانتقاء الدستور، بحيث تستمدّ الحكومة شرعيّتها وسيادتها من الشعب فقط.
وقد اختلف أصحاب هذه النظريّة في تفسير منشأ هذا الحقّ للشعب، وكيفيّة
________________________________________
(*)كاتب في الحوزة العلمية، من لبنان.

[الصفحة - 143]


قيام الدولة، حيث برزت توجّهات خاصّة تتّفق في أصل الشرعيّة الشعبيّة، وتختلف في تفاصيل هذا الأصل وكيفيّة نشوئه، ونشأة الدولة.
وأمّا أبرز تلك النظريات، فيمكن تقسيمها بلحاظين:
النظريّات العقديّة:أو ما يسمّى بالعقد الاجتماعيّ أو السياسيّ؛ وتقوم على أساس رؤية الدولة كظاهرة إداريّة؛ جوهرها توافق أفراد المجتمع، وتنازلهم عن بعض حقوقهم الطبيعيّة أو كلّها للهيئة الحاكمة، التي تقوم بتمثيل الشعب، بحيث تستمّد مشروعيّة حكمها من خلال رضا الشعب، وتتقيّد استمراريّتها بدوامه.
وقد اختلف أصحاب هذه النظريّات في كيفيّة نشؤ الحكم وآليّته، حيث ذهب جماعة إلى أنّ الدولة تقوم على أساس تنازل الشعب عن سلطتهم وبعض حقوقهم الطبيعيّة أو كلّها لصاحب السيادة؛ الذي يقوم بتمثيل الشعب، والعكس صحيح (1).
وذهب آخرون إلى أنّ الدولة ناشئة بفعل العقد الاجتماعيّ، حيث إنّ أفراد الشعب يتنازلون عن حقوقهم للمجتمع كلّه، فيكون كلّ فرد جزءً لا يتجزّأ ولا ينفكّ من الكلّ الحاكم، وتتمّ عمليّة الحكم من خلال نيابة هيئة جماعيّة عن الشعب تسمّى باسم المدينة، وهي الآن تحمل اسم الجمهوريّة. ويرى أصحاب هذه النظريّة بأنّ شكل الحكومة غير منحصرٍ بنمطٍ معيّن؛ تبعاً للأوضاع المحليّة المكانيّة والزمانيّة (2).
النظريّات غير العقديّة:وترى أنّ الدولة أو الحكومة تقوم على أساس عوامل واعتبارات غير العقد الاجتماعيّ، وغير التوافق الناشئ من عمليّة الاختيار الحرّ بين الشعب والسلطة.
وقد اختلف أصحاب هذه النظريّات في تفسير نشوء الدولة والحكم، حيث ذهب جماعة إلى اعتبار الدولة نتاجاً لقوّة ماديّة بالدرجة الأولى، كالحرب التي لا تتّصف فحسب بكونها أداة لقيام الدولة، بل هي التي تدفع العقل البشريّ نحو
________________________________________
(1)يُراجع: نصر، محمد عبد المعزّ: في النظريّات والنظم السياسيّة، ط1، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1973م، ص17-27. فنسنت، أندرو: نظريّات الدولة، ترجمة مالك شهيوة ورفيقه، ط1، دار الجيل، بيروت، 1997م، ص86.
(2)يُراجع: شكر، زهير: الوسيط في القانون الدستوريّ، ط1، مجد، بيروت، 1994م، ص 24. الغزال، إسماعيل: القانون الدستوريّ والنظم السياسيّة، ط1، مجد، بيروت، 1989م، ص81-82.

[الصفحة - 144]


التطّور والإبداع؛ لتتولّد بعد ذلك الدولة التي تستمّد قوّتها واعتبارها من هذه القوى والعوامل الماديّة. (3)
واعتبر آخرون أنّ الدولة وليدة التطّور التاريخيّ، واكتشاف الإنسان للحاجة إلى المجتمع السياسيّ الأوسع، فكانت بذلك الدولة تنتقل طوراً بعد طور من العائلة إلى القرية أو المحلّة، فالمدينة، فالمجتمع؛ تبعاً لاتّساع نطاق حاجيّات الإنسان، وعدم مقدرته بفرديّته على تلبيتها؛ فنشأت بذلك الدولة المشتركة بين أفراد البشر لتلبية حاجيّات أبنائها (4).
وذهب آخرون إلى كون الدولة وسيلةً ابتكرها فكر الطبقة المالكة لأدوات الإنتاج، بحيث تكون أداةً يُمارس من خلالها أصحاب الطبقة الاقتصاديّة الحاكمة سياسة الإكراه الطبَقيّ على الطبقة المُنتِجة. فمع زوال الطبقات وبروز المجتمع اللاطبقيّ تصبح عندها الحاجة إلى الدولة منتفيَة (5).
ثانياً: معنى الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة:
إنّ شرعيّة الحكومة الإسلاميّة مستمَدّةٌ من الله تعالى والناس، من خلال كون الحاكم الاسلاميّ حائزاًً على صفات وخصائص معيّنة قد بيّنها الشارع؛ ليكون مؤهّلا ً لقيادة الأمّة، فإذا ما اجتمع الناس حوله واختاروه لحكمهم، أصبح بذلك مستمِّدا ً للمشروعيّة في الحكم، ومتى ما اختلّت بعض الصّفات الخاصّة بالحكم أو أعرض الناس عنه سقطت مشروعيّته.
ومع توافق أصحاب هذه النظريّة على كون الحاكم مستمدّاً لجزءِ مشروعيّته من الله تعالى، من خلال استحواذه على الصّفات التي بيّنها الشارع، إلا أنّهم اختلفوا في تفاصيل هذه الصفات، حيث ذهب جماعة إلى كون الفقيه غير متعيّن التصدّي لحفظ النظام العام، وإقامة الدولة الإسلاميّة، إذ يكفي إذنه وإمضاؤه لمن تنتخبهم الأمّة من الأفراد؛ ليكون عملهم صحيحاً ومشروعاً، ولا يلزم فيمن يتصدّى لهذه الأمور أن يكون مجتهداً، بل يلزم أن يكون خبيراً ومطّلعاً على الميادين الحياتيّة
________________________________________
(3)يُراجع: نصر، م.س، ص701. شكر، م.س، ص26-27.
(4)يُراجع: شكر، م.س، ص72-82.
(5)يُراجع: م.ن، ص28. فنسنت، م.س، ص222.

[الصفحة - 145]


المختلفة في عصره، عالماً بالسياسة والحقوق، بعيداً عن الأطماع الشخصيّة والمآرب، غيوراً على الدّين والدولة والإسلام (6).
وقد ذهب آخرون إلى اعتبار الفقيه هو المؤهّل لقيادة الأمّة، شرط انتخاب الناس له ونيله لرضاهم(7)؛ فالحكومة قائمة على أساس تعاقد بين طرفين: الشعب والحاكم، بنحو كونه ضمن إطار الشرع وتحديداته (8).
وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا دور الفقيه ـ الجامع للشرائط والمنتخب من قبل الناس ـ إرشاديّاً وإشرافيّاً ليس إلاّ؛ حتَّى يتسنّى للأمّة النضوج والوعي بمسؤوليَّاتها؛ لتتحمّل عندها مهمّة حكم نفسها (9).
وعلى الرغم من كون معظم القائلين بهذه النظريّة يرون أنّ المعصوم هو المصداق الأبرز والاكفأ لتولّي مهام القيادة وتدبير الشؤون العامّة لدولة الإسلام، إلاّ أنّ بعضهم يرى أنّ هذه المهام ليست معهودة التأدية بالأصالة إلى الإمام (عليه ‏السلام)، إذ لا دليل على أنّ تدبير شؤون المجتمع الإسلاميّ وأموره العامّة هي من لوازم النبوّة والإمامة؛ وبذلك يثبت فحوى كون ذلك ليس من مهام نوّابهم الخاصّين أو العامّين (10).
هذا بالنسبة إلى الصفات المُتعيّن توافرها في الحاكم الاسلاميّ، أمّا في كيفيَّة اختيار الناس له، فقد اتّفق القائلون بهذه النظريّة على أصل كون الناس ممّن ثبت لهم الحقّ الشرعيّ في إضفاء المشروعيّة على الحاكم، واختلفوا في كيفيّة اختيار الناس له، فذهب بعضهم إلى القول بالانتخاب المباشر أو غير المباشر عبر مجلسٍ من الخبراء يتمّ انتخابهم مباشرةً من قِبَل الشعب، على أن يكون هذا المجلس مكوّناً من أعضاء مؤهّلين للقيادة؛ باستحواذهم على صفات القيادة ومؤهّلاتها، مع إمكانيّة تضمين الدستور شرط القيادة المحدّدة بسقفٍ زمنيّ يُعزل الحاكم بعد انتهائه تلقائيّاً(11).
وذهب آخرون إلى كون اختيار الحاكم قائماً على أساس الوكالة، حيث
________________________________________
(6)يُراجع: النائينيّ: تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة. نقلاً: كديور، ص 135-137.
(7)يُراجع: السبحانيّ، جعفر: مفاهيم القرآن، ط4، مؤسسة الإمام الصادق، بيروت، ج2، ص224-225.
(8)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص523-526.
(9)(9) يُراجع: الصدر، محمد باقر: الإسلام يقود الحياة - خلافة الإنسان-، ط2، مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر(قده)، لا.م، 1424هـ.ق، ص50-51.
(10)يُراجع: الحائريّ، مهدي: الحكمة والحكومة. نقلاً عن: كديور، م.س، ص200-201.
(11)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص574-576.

[الصفحة - 146]


اعتبروا الحاكم وكيلاً عن الناس ـ بكونهم مالكي المشاع الشخصيّين في الدولة الإسلاميّة ـ ، ضمن عقد وكالة مُبرَمٍ بين طرفين، هما: الحاكم والشعب (12).
واعتبر آخرون أنّ المُنتخَب من قِبَل الناس هو المرجعيّة المؤسّساتيّة الصالحة، لا الفرد الذي يتمّ انتخابه من قِبَل مجلس المرجعيّة، حيث إنّ الناس يتولّون انتخاب المرجعيّة المؤسَّساتيّة بشكلٍ مباشر؛ لكي تقوم هذه المؤسّسة بمسؤوليّاتها ومهامِّها، ضمن توجيهات رئيس المجلس المنتخب والمختار من قِبَل أعضاء المجلس (13).
وعلى ذلك يُمكن القول بأنّ المراد من الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة، هو كون الحاكم مستمِدَّاً للمشروعيّة في الحكم من الله تعالى؛ باستحواذه على الصّفات التي بينّها الشارع المقدّس، ومن الناس باجتماعهم حوله واختيارهم له.
ثالثاً: نوع الحكومة
يتّفق القائلون بهذه النظريّة إجمالاً على تحديد نوع الحكومة، إذ يعتبرونها مشروطةً ومقيّدةً بالشريعة وأحكامها؛ حيث إنّ الحاكميّة أصالةً لله تعالى: {إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِله } (الأنعام، 57)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ... فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ... فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة، 44ـ 47) ، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا ... فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ... وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ } (المائدة، 48ـ 49).
ولذلك كانت الحكومة حكومة القانون الإلهيّ، وعبَّر عنها جماعة بالحكومة الثيوقراطيّة في قبال الحكومة الديمقراطيّة (14).
واعتبر آخرون أنّ الحكومة الإسلاميّة في عصر الغيبة هي حكومة الفقيه الجامع للشرائط، والأقدر بين أفراد الأمّة على قيادة المجتمع، ولا يحقّ للأمّة انتخاب غيره. وبذلك قُيِّدَت الحكومة ضمن إطار الشرائط الخاصّة اللازم توافرها
________________________________________
(12)يُراجع: الحائريّ، الحكمة والحكومة، م.س، نقلاً عن: كديور، م.س، ص197.
(13)يُراجع: الحائريّ، كاظم: مقدمة مباحث الأصول - ترجمة حياة السيد الشهيد- . نقلاً عن: كديور، م.س، ص151.
(14)يُراجع: منتظري، م.س، ج1، ص538.

[الصفحة - 147]


في الحاكم، فلا انتخاب حرّ ومطلق للناس (15).
وأفاد آخرون بأنّ الحكومة مقيّدة فقط بالقانون الإسلاميّ وتشريعاته، وأعطوا الحريّة للناس في انتخاب من له لياقة القيادة من المرشّحين ممّن يرتضيه الناس، دون شرط كونه الأفضل على جميع الأصعدة؛ بما في ذلك شرطيّة الأفضليّة في الاجتهاد، والجامعيّة للفضائل (16).
وبذلك يُمكن القول بأنّ نوع الحكومة الإسلاميّة، حسب ما ورد في كلمات أصحاب هذه النظريّة هو حكومة القانون الإلهيّ، النابعة منه، والمقيّدة بتشريعاته وتحديداته، وإن اختُلِفَ في تفصيلات هذه التحديدات كما تقدّم.
رابعاً: شكل الحكم والحكومة
لم يرد تحديد من قِبَل الشارع المقدّس لشكل الحكومة المطلوب توافره في الحكومة الإسلاميّة، وقد تُرِك اختيار شكل الحكم تبعاً للزمان والمكان؛ وتناسباً مع حفظ النظام وتطبيق الأحكام الشرعيّة، بحيث يُعتمد الشكل الذي يُسهم في تهيئة الأرضيّة المناسبة والملائمة لتنفيذ الأحكام، وضمان سعادة المجتمع والأفراد، وبذلك يكون تحديد شكل الحكومة بالتناسب مع المعايير المتقدِّمة (17).
خامساً: كيفيّة انتخاب الحاكم
اتّفق أصحاب هذه النظريّة في أصل حقّ الشعب في انتخاب الحاكم واختياره، واختلفوا في تفاصيل العمليّة الانتخابيّة، فذهب جماعة إلى اعتبار الانتخاب المباشر، بحيث يقوم الناس بانتقاء الصالح للقيادة، ضمن عقد شرعيّ يُوكِل فيه الناس أمر الحكم للحاكم أو للهيئة الحاكمة، على أن يكون بيدهم عزل ذلك الحاكم، أو تحديد مدّة زمنيّة لحكمه مُضَمَّنة في عقد الوكالة (18).
واعتبر آخرون أنّ طريقة الانتخاب قد تكون مباشرةً أو غير مباشرةٍ؛ عبر انتخاب الشعب للحاكم مباشرة، أو قيامهم بانتخاب مجلس الخبراء، ومن ثمّ قيام المجلس بانتخاب الحاكم، شرط أن يكون الحاكم وأعضاء مجلس الخبراء
________________________________________
(15)يُراجع: م.ن، ص538. الصدر، م.س، ص192-196.
(16)يُراجع: الحائريّ، الحكمة والحكومة، م.س. نقلاً عن: كديور، م.س، ص198201. مغنيّة، محمد جواد: الخمينيّ والدولة الإسلامية، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1979م، ص6571. شمس الدين، محمد مهدي: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ط1، المؤسّسة الدوليّة، بيروت، 1415هـ.ق/ 1995م، ص 419. السبحانيّ، م.س، ص257.
(17)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص548. معاونيّة العلاقات الدوليّة في منظّمة الإعلام الإسلاميّ، م.س، 14-16.
(18)يُراجع: الحائريّ، الحكمة والحكومة، م.س. نقلاً عن: كديور، م.س، ص197198.

[الصفحة - 148]


المُنتخبون من قِبَل الشعب ممّن تتوافر فيهم لياقات القيادة والعضويّة في المجلس وأهليّاتهما، وفي حال عدم مشاركة أكثر الشعب في الانتخاب يُعتبر رأي الأقليّة نافذاً، ويحقّ للفقيه التصدّي مع عدم الانتخاب من باب الحسبة؛ لأداء مسؤوليّاته، التي لا يرضى الشارع بتركها؛ حفظاً للنظام العامّ والدّين والشريعة (19).
وذهب آخرون إلى أنّ انتخاب الحاكم يكون عن طريق ترشيحه وتذكيته، من خلال أكثريّة أعضاء مجلس المرجعيّة، واستحواذه على رضا غالبيّة أهل الخبرة الدينيّة، وذلك في إطار الدستور، ومع تعدّد المرشّحين تُعيّن الأمّةُ بالانتخاب المُباشر المرجعَ المؤهّل للقيادة (20).
سادساً: مواصفات الحاكم
وقع الاختلاف في تحديد المواصفات التي ينبغي توافرها في الحاكم المُنتَخب؛ تبعاً لاختلاف القائلين بهذه النظريّة في فهم التحديدات الشرعيّة لشخص الحاكم، فذهب جماعةٌ إلى اعتبار الحاكم ممّن ينبغي أن تتوافر فيه ـ على ضوء الكتاب والسنّة والعقل ـ ثمانية شروط هي: العقل الكامل، والإسلام والإيمان، والعدالة، والاجتهاد، بل الأعلميّة، والتدبير والإدارة، وعدم البخل والحرص والطمع، والذكورة وطهارة المولد (21).
واعتبر آخرون أنّ الحاكم لا يلزم أن يكون مجتهداً وفقيهاً، إذ لا يجب على الفقيه التصدّي للأمور العامّة بنفسه، بل يكفي إمضاؤه وإذنه لمن تنتخبه الأمّة؛ لكي يكون عمله شرعيّاً (22)، ويُشترط في الحاكم أن يكون لديه خبرة في السياسة والحقوق الدوليّة والعامّة، وأن يعيَ متطلّبات العصر، وأن يبتعد عن الأطماع الخاصّة، وأن يكون غيوراً على الوطن الإسلاميّ والمسلمين، ومحبّاً للخير العامّ (23).
سابعاً: صلاحيّات الحاكم وحكومته
يتّفق أصحاب هذه النظريّة على كون صلاحيّات الحاكم وحكومته مقيّدة بالدستور العامّ للدولة الإسلاميّة، ويختلفون في تفاصيل هذه الصلاحيّات، فذهب
________________________________________
(19)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص548، 578، 562572.
(20)يُراجع: الصدر، م.س، ص28-33.
(21)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص407، 277، 489.
(22)يُراجع: النائينيّ، م.س. نقلاً عن: كديور، م.س، ص135.
(23)يُراجع: م.ن، ص137-138.

[الصفحة - 149]


جماعة إلى اعتبار دور الحاكم مجرّد إشرافيّ وشهاديّ؛ بحيث يتولّى مجلس المرجعيّة مهمَّة الإشراف على عمل الهيئات التنفيذيّة الحكوميّة، ومراقبة تطبيق الأحكام والقوانين (24)، ولا يُمارس الحاكم صلاحيّاته بشكل فرديّ وشخصيّ، بل من خلال مجلس المرجعيّة، الذي يترَأسه الفقيه العادل الجامع لشرائط الحاكميّة (25).
واعتبر آخرون أنّ الحاكم هو شخص الفقيه العادل الجامع لشرائط الحاكميّة، والمنتَخب من قِبَل الشعب، والمخوّل التصدّي للحكم، حتَّى في جانبه التنفيذيّ، شرط عدم الخروج عن دستور الدولة؛ لإنّ صلاحيّات الحاكم مقيّدة بالدستور، وبالمدّة الزمنيّة المحدّدة فيه لولايته (26). ويقوم الحاكم بالإشراف على السلطات الثلاثة، التي تمارس دورها وأعمالها تحت إشرافه، ويُرشّح الحاكم عدداً من الأفراد؛ ليُصار إلى انتخاب رئيس السلطة القضائيّة منهم بواسطة نواب الشعب أو الخبراء(27).
وعليه يمكن الخروج بنتيجةٍ أُشِيَر إليها سابقاً، وهي أنّ الحاكم مقيّد الصلاحيّات بالدستور الموضوع للدولة، فلا حكم له خارج إطار الدستور ولا مشروعيّة لحاكميّته.
ثامناً: علاقات الحاكم والشعب وطبيعتها:
ويمكن تصويرها ضمن إطارين:
الأوّل: علاقة الحاكم بالشعب وواجباته تجاههم
تختلف العلاقة باختلاف الصلاحيّات والأدوار المُعطاة للحاكم، حيث اعتبر جماعة أنّ الحاكم مكلّفٌ بإبلاغ الرسالة الإلهيّة وحفظها، ومراقبة الهيئات التنفيذيّة، والإشراف على سير عملها وتقويمها، والعمل على أخذ التدابير الوقائيّة لحماية المجتمع وضمان استمراريّة المسيرة الإلهيّة (28).
________________________________________
(24)يُراجع: الصدر، م.س، ص28-33.
(25)يُراجع: الحائريّ، مقدمة مباحث الأصول، م.س. نقلاً عن: كديور، م.س، ص151.
(26)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج1، ص576، ج2، ص2526، 3137.
(27)يُراجع: م.ن، ج2، ص63، 114.
(28)يُراجع: الصدر، م.س، ص164-165، 193.

[الصفحة - 150]


وذهب آخرون إلى كون الحاكم مسؤولاً أمام الشعب ومكلّفاً بتطبيق الدستور، والالتزام بما جاء فيه، وعدم فرض شيءٍ عليهم ممّا هو خارج الدستور أو هو مُقيِّد لحياتهم الشخصيّة الخاصّة، وأن يتعهّد عمليّة الالتزام بالتوعية والهداية والتربية والتعليم لكافّة الناس، وتأمين الأرضيّة الملائمة؛ لتثمير الطاقات البشريّة، وتوفير الإمكانات اللازمة لها (29).
الثاني: علاقة الشعب بالحاكم وواجباتهم تجاهه
يتّفق أصحاب هذه النظريّة في علاقة الشعب بالحاكم وطبيعتها، حيث يرون أنّه مع قيام الفقيه بأمر الحكم، يجب على الناس إطاعته فيما يتعلّق بتثبيت دعائم حاكميّته (30)، ضمن إطار الدستور القائم في الدولة الإسلاميّة، دون الموارد التي تخرج عن حدّ الدستور، وعلى الشعب أن يُساعد الحاكم في تطبيق الدستور، وحفظ النظام، وتنفيذ الأحكام الإلهيّة، ومنع تعطيلها.
تاسعاً: طبيعة الدستور الذي تقوم عليه الحكومة
اعتبر جماعة أنّ الدستور بمثابة الرسالة العمليّة الفقهيّة في أبواب العبادات والمعاملات والأحوال الشخصيّة (31)، حيث إنّ حفظ النظام يتوقّف على وجود دستور مقنَّن ومحدَّد؛ ليتمّ من خلاله تحديد صلاحيّات الحاكم وحكومته، وعدم السماح باستيلاء أحد على السلطة واستخدامها لتحقيق مصالحه الشخصيّة، وضبط سلوك المتصدّين للحكم (32).
واعتبر آخرون أنّ الدستور يشتمل على ثلاث مناطق تشريعيّة:
الأولى: منطقة الأحكام الشرعيّة الثابتة، التي لا خلاف فيها بين الفقهاء، وقد يكون غير مُصرّح بها في الدستور؛ تبعاً لارتباطها بالحياة الاجتماعيّة.
الثانية: منطقة الأحكام الشرعيّة التي تتعدّد فيها وجهات النظر الفقهيّة، بحيث تقوم السلطة التشريعيّة بانتقاء الحكم المناسب لواقعة ما من بين تلك الوجهات، مع مراعاة المصلحة العامّة.
________________________________________
(29)يُراجع: منتظريّ، م.س، ج2، ص25-26، 3137.
(30)يُراجع: السبحانيّ، م.س، ص223.
(31)يُراجع: النائينيّ، م.س. نقلاً عن: كديور، م.س، ص136.
(32)يُراجع: م.ن، ص136-137.

[الصفحة - 151]


الثالثة: منطقة الفراغ، وهي المنطقة التي لم يَرِد من الشارع تحديدٌ مباشرٌ لها، بل تُرِكَ أمرها للمكلّفين، ويتمّ تحديد أحكام هذه المنطقة على أساس المصلحة العامّة، من خلال السلطة التشريعيّة، شرط عدم التعارض مع ثوابت الدستور، التي هي بجوهرها ثوابت الشريعة (33).
أدلّة الشرعيّة الإلهيّة ـ الشعبيّة
النوع الأوّل: الأدلّة الشرعيّة
استُدِلَّ لإثبات مدخليّة الشعب في إضفاء المشروعيّة على حاكميّة الحاكم الإسلاميّ بعدّة أدلّة، استُفيد منها ضرورة كون الولاية والحاكميّة بالمشوَرة، وعدم مشروعيّة الحكومة الإسلاميّة التي لا تنطلق من إرادة الشعب واختياره، وتنحصر هذه الأدلّة بالقرآن الكريم والسنّة والعقل:
أولا: القرآن الكريم: وقد ورد فيه بيان لأصل المشورة في إقامة الحكومة الإسلاميّة وتوقّف مشروعيّتها عليه، وحقّ الشعب في انتخاب الحاكم:
النصّ الأوّل:قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }(الشورى، 38).
يُستفاد من ظهور الآية كون الولاية والحاكميّة ثابتةً بالمشورة، حيث إنّ كلمة «الأمر» منصرفةٌ إلى الحكومة، أو هي على الأقلّ القدر المتيقّن منها، والمشورة في الآية يُراد منها المشورة في أصل الولاية والحاكميّة، لا في إجراء الولاية وإنفاذها بعد ثبوتها. إضافة إلى أنّ إطلاق الآية يُفيد كون المشورة في الأمر تشمل أصل الولاية وإجرائها وتنفيذها.
كما لا يقال بأنّ الآية مختصّة بالرسول الأكرم (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، إذ إنّ المورد لا يخصّص الوارد، وكون الرسول الأكرم (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) المصداق الأبرز للآية الكريمة لا يمنع من إنعقاد إطلاق الآية ونظر حكمها إلى غيره ممّن له الحاكميّة، حتَّى ولو بالانتخاب من قِبَل الأمّة.
________________________________________
(33)يُراجع: الصدر، م.س، ص26-28.

[الصفحة - 152]


وقد يُقال بأنّ موضوع الآية هو الأمور المضافة إلى المؤمنين، وعليه فإنّ المشورة في الأمر أجنبيّة عن مقام الحكم والحاكميّة؛ لكون الولاية هي عهد الله تعالى، نظير قوله تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (البقرة، 124). بينما المشورة في الأمر في آية الشورى هي عهد المؤمنين.
ويردّه أنّه لا منافاة بين الأمرين، إذ إنّ آية الشورى هي إعطاء المؤمنين حقّ انتخاب وليّ الأمر الذي يستمدّ مشروعيّته من الله ومن مشورة الناس؛ بارتضائهم لحاكميّته.
وعلى أساس ذلك يُستفاد كون الشعب ممّن له دخالة في إضفاء المشروعيّة على الحاكم إلى جانب المشروعيّة الإلهيّة؛ ذلك أنّ حقّ الانتخاب للحاكم من قِبَل الشعب هو حقّ مُعطىً لهم من الشارع، فلا مشروعيّة لحاكم إذا لم يرضَ عنه الشعب ويلتفّ حوله.
ولكن قد يُناقش في الاستدلال بالآية على اعتبار حقّ الشعب في إضفاء المشروعيّة على الحاكم، بأنّه على فرض ثبوت هذا الحقّ للشعب، يلزم أن يكون ذلك شاملاً لعصر النبيّ (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)؛ لأنّ عصره هو القدر المتيقن لها؛ كونه مورد نزولها، وعليه يكون للناس الحقّ في إضفاء المشروعيّة على حاكميّة الرسول الأكرم (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، وهو معلوم البطلان؛ حيث ندرك جزماً ويقيناً بأنّ الناس لم يكن لهم أيّة دخالة في مشروعيّة حكم النبيّ (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)؛ لثبوت كون الرسول الأكرم (صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع أمور معاشهم من دون نقاش في هذا المجال.
وعليه يمكن أن يُقال بأنّ غاية ما تدلّ عليه الآية هو حثّ المجتمع الإسلاميّ على التوافق والتشاور في قضاياهم الشخصيّة؛ لأنّ التشاور بينهم يعزّز تماسكهم كمجتمعٍ متجانسٍ ومتكاتفٍ، وهو ما يريده الله تعالى منهم؛ تناسباً مع وحدة سياق الآية، حيث ورد فيها إرادة الله تعالى للمجتمع أن يكون متحلّياً بالصفات الحميدة والإطاعة له تعالى والإنفاق في سبيله. ولذلك فإنّ إرادة الله
________________________________________

[الصفحة - 153]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف