البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (4)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : January / 12 / 2022

عدد زيارات المقطع : 229

حجم الملف الصوتي : 19.297 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 331

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
نموذج من الطريق العلمي

ذكرنا أنّ هناك طرقاً متعددة في إثبات وجود الله تعالى، ويحمل كلّ واحد من هذه الطرق نماذج متعدّدة يمثّل كلّ نموذج منها دليلاً مستقلاً على إثبات أن هناك وجوداً ماورائياً هو المسؤول عن الوجود الكوني والحياتي.

ومن هذه الطرق كان الطريق العلمي، وحيث إنّنا لا نسع بحث جميع هذه الطرق وبيان تفصيلاتها -والا خرجنا عن مختصر هذه المحاضرات- اخترنا هذا الطريق وبينّا السبب في اختياره، ونريد الآن أن نتعرّف عمّا يمتاز به هذا الطريق عن بعض الطرق الأخرى؟ وما هي أهم الخطوات المتّبعة فيه؟ وكيف له أن يثبت الوجود الإلهي رغم أنّه طريق يعتمد على الملاحظات والتجريبيات؟

  وسوف نختار كما أشرنا سابقاً من نماذج الطرق العلمية، ذاك النموذج المعتمد على حساب الاحتمالات، وهو منهج في الحساب يعتمد على التراكم الاحتمالي إزاء محور واحد حتى تحصل عندنا درجة من الاعتقاد بنسبة ٧٠٪ ثم ٨٠٪ ثم ٩٥٪ وهكذا حسب وفرة الشواهد والمعطيات المؤدية الى الدرجة التصديقية المناسبة. وهذا المنهج هو نفسه المنهج المعتمد في العلوم الطبيعية والانسانية وفي مجالات الحياة العامة، في قبال المناهج العقلية المختصة بتحقيق بعض العلوم كعلم الرياضيات وبعض أقسام الفلسفة ونحوها.

مميزات المنهج العلمي

يمتاز هذا المنهج ببعض الأمور نذكر منها:

١- إنّ مقدّمات الاستدلال التي يوظّفها اتباع هذا المنهج من أجل الوصول إلى النتيجة هي عبارة عن المعطيات الحسيّة المسمّاة بـ(الملاحظة)، والمعطيات التجريبية المسماة بـ(التجربة).

والفارق بين الملاحظة والتجربة أنّ الأولى هي رصد حسّي للظواهر الواقعة كرصد ظاهرة البرق في السماء مثلاً، وأمّا التجربة فهي معطى حسي يحصل عليه الإنسان من خلال تدخّله وصنعه من قبيل صنع ظاهرة البرق في المختبر. وكلٌ من الملاحظة والتجربة تعتبر أساسا للمقدّمات التي يستفيد منها الباحث عند توظيفه المنهج العلمي.

٢- إنّ المنهج المعتمد منطقياً في الطريق العلمي الذي نحن بصدده هو المنهج الاستقرائي - بمعنى أنّ الباحث يستقري ويستقصي المعطيات (المقدّمات) التي لها دور في تصعيد القيمة الاعتقادية (التصديقية) أو الإعاقة منها حسب طبيعة هذه الشواهد من ناحية كونها مؤيدة أو معاكسة، ويعتمد في هذا المنهج الاستقرائي على طريقة التراكم الاحتمالي في حساب الاحتمالات.

٣- إنّ النتائج التي نحاول إثباتها في طريق المنهج الاستقرائي الاحتمالي (تارة): تكون مسائل شخصية كمعرفة أنّ فلاناً هو المجرم القاتل من خلال تجمّع الشواهد على إثبات ذلك. (وأخرى) تكون النتائج كلية مثل: (إثبات أن كل حبة أسبرين [وليس هذه الحبة بالخصوص] تعالج الصداع) وأيضاً يتمّ ذلك من خلال تجميع الشواهد والاختبارات التجريبية المؤكدة.

٤- إنّ أعلى درجة تصديقية يمكن أن تحصل عليها من خلال تطبيق المنهج العلمي هي درجة (٩، ٩٩٪) على رأي هو المشهور بين علماء حساب الاحتمالات. أو هي درجة ١٠٠٪ على رأي الشهيد الصدر (قده). وهو الرأي الصحيح.

٥- إنّ مجال تطبيق المنهج العلمي هو العلوم الطبيعية والإنسانية باتفاق، كما ويُطبّق هذا المنهج في الدراسات الدينية في علم الفقه والأصول والرجال وبعض مسائل علم الكلام، وأيضاً يمتد مجال تطبيقه على إثبات بعض الموجودات الميتافيزيقية مثل وجود الله سبحانه أو المناصب الماورائية كمنصب النبوة والإمامة وغير ذلك. هذا أهم ما يمتاز به المنهج العلمي القائم على أساس حساب الاحتمالات، وفي بعض هذه الأمور وقعت جملة من التحليلات والتحقيقات.

خطوات المنهج العلمي

ونشرع الآن في بيان خطوات المنهج العلمي التي ينبغي ان يسير على وفقها الباحث إذا ما أراد إثبات قضية من القضايا العلمية، علماً أن هناك وجهات نظر مختلفة في ترتيب هذه الخطوات وفي ضرورة اعتماد بعضها؛ والخطوات هي:

١- الملاحظة: والمقصود منها رصد الظاهرة الطبيعية بإحدى الحواس الخمس من قبيل رصد ظاهرة الزلازل أو ارتفاع درجة حرارة البدن أو ظاهرة العزوف عن الزواج أو نحو ذلك من الظواهر التي يرصدها الباحث بحسه وملاحظته،  ويتوجب أن يكون الملاحظ (الباحث) مستقلاً ومحايداً بأن لا يتدخل -حين ملاحظته- العنصر الذاتي الذي يحرف وضوح الملاحظة، حيث قد تتسرّب بعض الأوهام في نفس الملاحظ فيتصورها جزء من الملاحظة الحسية، مثلاً: إذا لاحظنا أن الطلاسم وضعت بجنب مريض وشفي بعد أسبوع مثلاً، فالعنصر الذاتي هنا قد يؤثّر على الملاحظ ويوهمه أن هذا الطلسم -المرتب برموز فارغة لا محصل لها- هو الذي شفي به المريض.

كما يجب في الملاحظة أن تقبل التكرار -وهو شرط- وضعه كثير من علماء أصحاب المنهج العلمي وإلا الحالات التي تحصل مرة واحدة ولا تحصل مرة أخرى فلا تنفع في الحساب الاحتمالي.

٢- الفرضية: وهي الخطوة الثانية من خطوات المنهج العلمي وتعني الفرضية (تفسير مؤقت محتمل) للظاهرة التي لاحظها الباحث في الخطوة الأولى وعادة ما تكون هناك عدة فرضيات إزاء الظاهرة الواحدة. وقد شرطوا في هذه الخطوة بعض الشروط:

(منها): أن يكون التفسير المعتمد واضحاً يمكن التعامل معه إثباتاً ونفياً لا من التفسيرات الغامضة والخفية، فمثلاً الذي أصيب بمرض الهلوسة البصرية وغيرها لا يصحّ أن يقال بشأنه: إنّ سبب ذلك وتفسيره هو وجود كائنات خفية مسؤولة عمّا يصدر عنه من دون أن نعرف ما هو المقصود من هذه الكائنات.

(ومنها): أن يكون التفسير معقولاً ومقبولاً من الناحية العلمية فمثلاً أن فرضية (كون حروف الأسماء التي وضعت لنا من قبل الآباء لها دخالة في مسيرة حياتنا) هي فرضية غير علمية وزائفة وذلك لعدم معقوليتها علمياً وعقلائياً.

(ومنها): ألّا يصطدم التفسير المحتمل (الفرضية) مع الحقائق الثابتة علمياً، فكل علم له حقائقه الثابتة كما في الكيمياء والفيزياء والأحياء وغيرها.

إنّ أي خرق لبعض هذه الشروط سوف يؤدي إلى استبعاد الفرضية وتصنيفها على أنها فرضية زائفة (غير علمية) سواء صدرت من بعض الأديان كفرضية تفسير الشر من خلال الاعتقاد بإلهٍ خاص للشرور أو صدرت عن بعض العلماء الطبيعيين من قبيل ما صدر من الفلكي الأمريكي (كارل ساغان) في كتابه (الكون صفحة / ٣٤٥-٥٤٦) من إمكانية وجود عوالم وأكوان أخرى متعددة في داخل الأجسام دون الذرية.

٣- الاختبار التجريبي: وهو الخطوة الثالثة من خطوات المنهج العلمي حيث يقوم الباحث باختبار الفرضية العلمية ويخضعها للتحقيق وعندئذ إما أن تثبت ويترجح الاعتقاد بها أو يفشل إثباتها، وفي هذه الخطوة بالذات يحصل تجميع الشواهد وحساب الاحتمالات ليرى الباحث مدى إمكانية إثبات الفرضية.

فرضية الإله فرضية علمية

 بعد أن تعرّفنا على مميزات المنهج العلمي وخطواته، نحاول الآن أن ندخل في موضوعنا الرئيسي وهو مسألة إثبات وجوده سبحانه عبر المنهج العلمي وفق الخطوات الآنفة الذكر، والسؤال الأساسي هنا هو، هل فكرة وجود الله سبحانه فكرة علمية؟

والمقصود من السؤال: هل تنطبق على هذه الفكرة خطوات المنهج العلمي مع شرائطها أو لا؟ فإن قيل: نعم، إنّ جميع خطوات وشروط المنهج العلمي تنطبق على فرضية الإله كفرضية لتفسير نشوء الكون مثلاً، فتكون الفرضية هذه فرضية علمية، وهذا الرأي هو السائد في هذا الزمان في الفكر الغربي لا سيّما الاتجاهات الإلحادية منها.

وممّن اختار هذا الرأي في الوسط الديني هو الشهيد الصدر (رحمه الله).

 وأما إن قيل: إنّ فكرة وجود الإله ليست فكرة علمية، بمعنى أن خطوات وشرائط المنهج العلمي لا تنطبق عليها، وإنما هي فكرة عقلية إذا ما قدر إثباتها، فإنما تثبت من خلال الطرق الفلسفية أو أنّها فكرة فطرية أو أخلاقية أو نحو ذلك من الطرق المذكورة في إثبات وجوده سبحانه. وقد اختار هذا الطريق عموم الفلاسفة التقليديين.

 والصحيح هو الرأي الأول وقد أصبح من الواضحات في هذا الزمان.

ولكن كيف يمكن أن تكون فرضيتنا فرضية علمية؟ وكيف يمكن تطبيق خطوات المنهج العلمي عليها؟

والجواب: أما الخطوة الأولى (الملاحظة) فقد يقال: إنّها لا تنطبق على فرضيتنا بوضوح لأن الملاحظة المقصودة هي الملاحظة الحسية في حين أن الوجود الإلهي وجود غير حسي مما يعني أن هذه الفرضية لا تخضع للمنهج العلمي من رأس، وهذه إشكالية مشهورة مطروحة من قبل الفلاسفة الإلهيين وبعض علماء الكلام.

ومن أجل أن نتعرّف على صحة هذه الإشكالية أو خطئها لا بدّ من بيان المقصود من (الملاحظة) فإنّ المراد منها باتفاق علماء المنهج العلمي: ما يشمل (الملاحظة الحسية بين أمرين كلاهما محسوس) كما في المسائل الطبيعية و(الملاحظة الحسية بين أمرين أحدهما حسّي والآخر غير محسوس)، أي إنّه لم يقع تحت دائرة الحس، والذي لم يقع تحت دائرة الحس أعم من أن يكون مادياً، مثل فرضية وجود كوكب في هذا الموضع من قبيل كوكب نبتون ومن ثم اكتشف بعد ذلك عمليا أو مثل (بوزون هيغز) الذي اكتشف من قبيل الفيزيائي الاسكتلندي (بيتر هيغز) رياضياً عام (١٩٦٤م)  وعملياً عام (٢٠١١م) أو أن يكون غير مادي، فما دام أن كلاً منهما له مؤثرية على وجود الظاهرة الحسية فيدخل في مجال الملاحظة.
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف