البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 20 / 2017  |  1745المحوران السني والشيعي في الشرق الأوسط

سيما شاين - Sima Shine مركز أبحاث الأمن القومي، التقدير الاستراتيجي - The Institute for Natio 2016 - 2017
المحوران السني والشيعي في الشرق الأوسط

التحرير: يستعرض البحث عناصر القوة والضعف فيما يسميه الصراع السني ـ الشيعي، بغية تكريس المصطلح من جهة وتبيان موقع كل طرف في المعادلة. وتصل الكاتبة إلى ملاحظة أرجحية نسبية للمعسكر الشيعي بسبب وحدته وتمكنه من التكامل مع القوة الروسية الجاهزة لاستخدام التدخل العسكري. وفي النهاية لا سبيل برأي الكاتبة للتخفيف من حدة الصراع إلى بتقارب بين الدولتين العظميين، وفرض الحلول على قيادة المحورين.


من بين السمات المميزة للشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة كان تفاقم الأزمة بين إيران والمملكة العربية السعودية، ومساعي كلا الطرفين من أجل تجميع التحالفات الإقليمية بُغية زيادة نفوذهما الإقليمي. على مدى العقد المنصرم، شهدت المنطقة سلسلة من التطورات الدراماتيكية سببتها عوامل داخلية وخارجية على حد سواء، فيما في الخلفية تكوّن محوران، الأول سني بقيادة السعودية والآخر شيعي بقيادة إيران. من جهة، شهدت المنطقة انهيار بعض الدول العربية نتيجة خيبة أمل مكبوتة لدى سكانها من أنظمة قمعية لم تستطع تلبية حاجات مواطنيها. هذا التطور، إلى جانب فشل القومية العربية العلمانية، عبّد الطريق لصعود الإسلام السياسي وعودة الدين ـ بأرضيته الخصبة ذاتياً للشقاق والطائفية ـ إلى الساحة السياسية في المنطقة. وسمح تعزيز الطائفة السنية، التي افتقرت إلى مركز ديني روحي مُعترف به عالمياً، بتطور مروحة من الجماعات السنية التي تحارب الآن بعضها بعضاً مع استغلال تفسخ بعض الأطراف الرسمية وتغذية الصراع السني ـ الشيعي. ومن جهة أخرى، أدّى كلّ من الاجتياح الأمريكي للعراق وإسقاط النظام السني بقيادة صدام حسين وصعود الأغلبية الشيعية إلى قيام نظام شيعي لأول مرة في بلد عربي وعبّد الطريق أمام دخول إيران الساحة من بابها الواسع. وهكذا تشكّل «الهلال الشيعي» الذي يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان. أما الحرب في اليمن، حيت تساند فيها إيران الحوثيين المتحالفين مع الشيعة، فقد عززت صورة انتشار النفوذ الإيراني من الخليج ومضيق هرمز إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

في قلب التوتر والخصومة المتصاعدين تأتي العلاقة بين إيران والسعودية، علاقة شهدت كثيراً من مراحل الصعود والهبوط على مرّ أربعة عقود تقريباً منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإعلان آية الله الخميني اللاذع بأنه لا بدّ من إسقاط آل سعود. والخصومة العقائدية القوية ما يُميز العلاقة الثنائية، إلى جانب الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط. هذه الصراعات بدأت في الأيام الأولى لتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وتفاقمت مع دعم السعودية لعدوّين لدودين لإيران: صدام حسين، في حربه الطويلة مع إيران؛ وطالبان في أفغانستان، مع بداية الاجتياح السوفييتي لأفغانستان. في الوقت ذاته، رأت إيران أن الوجود الأمريكي على أرض السعودية والدول الخليجية يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فعملت من خلال طرف ثالث (الشيعة في السعودية، لا سيما حزب الله الحجاز وهو منظمة شيعية متطرفة تعمل هناك) ضد الوجود الأمريكي وشنت وفقاً للاتهامات السعودية هجمات إرهابية عام 1996 ضد القوات الأمريكية في أبراج الخبر.

الصراع الإقليمي

ارتفع مستوى التوتر بين إيران والسعودية في الأعوام الأخيرة، مع استخدام وكلاء في سلسلة من التطورات التي وضعت البلدين في مواجهات غير مباشرة على عدد من المسارح الإقليمية. فاعتبر السعوديون أن الانتفاضة الشيعية في البحرين عام 2011 محاولة إيرانية لاستغلال الأحداث في العالم العربي لمهاجمة عائلة آل خليفة الملكية في البحرين. وأدت الانتفاضة إلى حصول رد قوي على غير العادة تمثل بنشر الجيش السعودي على نطاق واسع لأول مرة في البحرين، ومن ثم انضمت قوات خاصة أمريكية وغير أمريكية إلى السعوديين تحت راية مجلس التعاون الخليجي.

من خلال العملية رسمت السعودية خطاً أحمر واضحاً ومُلزماً لإيران، الغاية منه تأكيد أنّه في جميع القضايا ذات الصلة بدول مجلس التعاون الخليجي، السعوديون مستعدون لاستخدام القوة ضد أي اعتداء ملموس على أمنهم القومي. هذه الخطوة السعودية، التي ساعدت النظام البحراني في قمع الانتفاضة المدنية الشيعية بعنف مع انتهاك واضح للحقوق المدنية الأساسية، شكلت معضلة صعبة للولايات المتحدة. فمن جهة، تُعد البحرين والسعودية حليفين هامين للأميركيين حيث يَرسو الأسطول الأمريكي في الخليج في البحرين منذ عام 1946 والبحرين تعقد اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة وهي حليف من خارج حلف شمالي الأطلسي. وأشار الرد السعودي ـ البحراني إلى أن عملهما يجب أن يُصنف على أنه دفاع «عن الوطن» ضد محاولات إيرانية لاستغلال الاضطراب في العالم العربي من أجل تعزيز مكانة المجتمعات الشيعية ونتيجة لذلك مكانتها في المنطقة. ومن جهة أخرى، تضاربت أفعال السعودية مع القيم والمصالح الأمريكية الأساسية. وبيّنت هذه الأحداث الفجوة، التي ستستمر في الاتساع، بين المصالح الأمريكية في حلّ القضية النووية الإيرانية والرغبة في رفع العقوبات، وما اعتبرته بلدان المنطقة ومن بينها السعودية والدول الخليجية أنه تجاهل أمريكي للسياسة الإقليمية العدائية لإيران. 

وفي آذار 2015، أيضاً اختارت السعودية الرد بقوة على انتفاضة الحوثيين، وهم أقلية شيعية زيدية في اليمن كانوا قد أسسوا مليشيا مشابهة لحزب الله وهددوا بالسيطرة على البلاد. واليمن لديه حدود مشتركة مع السعودية تصل إلى نحو 1800 كم ويُطل على باب المندب. فشنت السعودية سلسلة من الغارات الجوية لمنع الحوثيين المدعومين من إيران من السيطرة على اليمن. هذه الخطوة رافقها تأسيس تحالف يشمل أربعة وثلاثين بلداً سنياً، مقره الرياض، ظاهرياً من أجل مكافحة الإرهاب لكن في الجوهر الغاية منه صدّ محاولات إيران الرامية إلى تعزيز قبضتها في المنطقة. ولم يكن أمام الولايات المتحدة أي خيار سوى دعم هذه الخطوات، وحتى إنّها قدمت المساعدة الاستخبارية واللوجستية، في حين أنها حاولت فصل الصراع في اليمن عن المحادثات النووية مع إيران، محادثات أفضت بعد عدة أشهر إلى اتفاق في تموز 2015. بعد ذلك، ساعدت الولايات المتحدة في منع السفن الإيرانية من الوصول إلى اليمن باعتبارها تنقل معدات عسكرية إلى الحوثيين في انتهاك لقرارات مجلس الأمن.

ومثال آخر عن التدخل السعودي يتجلى بالحرب المستمرة في سوريا، مع تقديم السعودية المال والسلاح للجماعات السنية التي تحارب من أجل إسقاط بشار الأسد، حليف إيران. ومصدر العلاقات السيئة بين السعودية وسوريا يعود إلى سنوات سبقت الحرب الأهلية السورية إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وفقاً للزعم على يد مثلث سوريا ـ حزب الله ـ إيران. ونجحت المساعدة السعودية للجماعات السنية المختلفة التي تحارب في سوريا في التسبب بخسائر فادحة في صفوف وحدات الحرس الثوري الإيراني والقوات الشيعية الأخرى التي يجندها الإيرانيون.

كما أن تورط حزب الله العميق في الحرب الحاصلة في سوريا وخطواته السياسية في لبنان وضعت السعودية في مواجهة مباشرة مع التنظيم الشيعي، الذي يعمل بالتنسيق مع إيران ونظام الأسد. لذا، في آذار 2016، دفع السعوديون مجلس التعاون الخليجي لتبني قرار يصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية، واتهمه بارتكاب أعمال الهدف منها إلحاق الضرر بسيادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها. بعد ذلك فوراً، تبنت الجامعة العربية قراراً يصنف حزب الله منظمة إرهابية. إضافة إلى ذلك، في اجتماع قمة حضره ثلاثون رئيس دولة، بمن فيهم الرئيس الإيراني روحاني، مررت منظمة التعاون الإسلامي قراراً يُدين حزب الله لنشاطه الإرهابي في المنطقة، وذلك على الأغلب دون تحبيذ روحاني لذلك. ولاحقاً، مررت منظمة التعاون الإسلامي قراراً يدين إيران لدعمها الإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية البحرينية والصومالية والسورية واليمنية. وأدى رفض لبنان لدعم هذا القرار في الجامعة العربية إلى تراجع السعودية عن التزامها بتقديم مساعدة بقيمة 3 مليار دولار لتسليح الجيش والقوى الأمنية في لبنان، والواضح بلا أدنى شك أن السبب في ذلك يعود لنمو نفوذ حزب الله ومن ورائه إيران في البلاد. في الآن نفسه، أصدرت السعودية والدول الخليجية الأخرى تحذيرات لمواطنيها لمنعهم من السفر إلى لبنان من أجل تقويض السياحة، مصدر الدخل الأساسي في لبنان.

الصراع الثنائي

في حين أن الصراع الأساسي بين إيران والسعودية كانت تخوضه أطراف ثالثة، زادت حدة التوتر المباشر بين البلدين في العام الماضي. ووقع أحد الأمثلة على ذلك في آب 2015 إثر اعتقال الاستخبارات السعودية للشخص الذي خطط للهجوم الذي أودى بحياة جنود أمريكان في مبنى الخبر. والمُتهم هو مواطن سعودي شيعي تربطه علاقات قوية مع إيران وحزب الله وكان قد ألقى السعوديون القبض عليه في بيروت. ومثال آخر يتجلى بإعدام الشيخ الشيعي نمر النمر، خطوة أشعلت غضباً في إيران وأدت إلى إضرام النار بالسفارة السعودية في إيران، ولاحقاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. على الصعيد الاقتصادي، منع السعوديون في نيسان 2016 صدور قرار عن أوبك يقضي بتخفيض حصص تصدير النفط عبر المطالبة بأن يطال القرار أيضاً إيران، التي تحاول مؤخراً رفع حصتها من الصادرات النفطية بعد رفع العقوبات. وفي حال كان قد مُرر القرار، لكان رفع أسعار النفط وهذا يعود بالنفع على إيران. وفي حين أن اجتماعات أيلول أظهرت أن بعضاً من أعضاء أوبك لديهم الرغبة في التوصل إلى تسوية، كانت النتيجة واضحة بعد شهرين. ففي 30 تشرين الثاني 2016، نجح أعضاء أوبك في التوصل إلى اتفاق بخصوص التخفيض العام مع السماح لإيران بتصدير النفط بمستوى التصدير الذي كان لديها قبل فرض العقوبات.

إضافة إلى ذلك، رد السعوديون بقوة على إيران فيما خص الحج. بعد موسم الحج عام 2015، الذي لقي فيه مئات الإيرانيين مصرعهم، طلبت الحكومة الإيرانية مجموعة من المطالب لكن السعوديين رفضوا تلبيتها. في أيار 2016، أقدمت إيران على خطوة غير اعتيادية من خلال إلغاء تأشيرات الحجاج، خطوة أثرت أيضاً في الحجاج الشيعة اللبنانيين. من جانبها اعتقلت سلطات البحرين رجل الدين الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم وجرده النظام من جنسيته وهدد بمحاكمته بتهمة الإرهاب وتبييض الأموال، بعد فرض حظر على الوفاق وهي جماعة سياسية شيعية. هذه التطورات أدت إلى صدور ردود قوية وتهديدات على لسان المسؤولين الإيرانيين. فدعا قائد لواء القدس سليماني إلى إزالة الخطوط الحمر حتى نشر تهديداً ضد العائلة المالكة، محذراً من أنهم «سيدفعون ثمن أعمالهم، ولن يكون الثمن أقل من اجتثاث النظام». كما أشار إلى رعاة تلك الخطوة أي عائلة آل سعود، قائلاً إن الضغط المستمر سيؤدي إلى اندلاع «انتفاضة دامية».

ولكن يبدو أن السعودية لم ترتدع نتيجة تلك التهديدات، بل هي صعّدت حملتها في وجه إيران. واتخذ السعوديون عدداً من الخطوات التي هي مجتمعة تُشير إلى رغبة في التعرّض لاستقرار إيران الداخلي. في تموز 2016، في خطوة غير مسبوقة شارك رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل في مؤتمر في باريس عقده حزب  إيراني معارض ، مجاهدو خلق، وعبّر عن دعمه لجدول أعمال المنظمة، بما في ذلك الدعوة إلى إسقاط النظام الإيراني. ولم يكن ذلك بمثابة عمل غير هام لمسؤول سابق، لأنه من المشكوك فيه أن يجرؤ على الإقدام على خطوة غير عادية كتلك دون إذن المملكة، كما أن التغطية واسعة الانتشار التي وفرتها وسائل الإعلام السعودية للحدث تشير إلى دعم كبير لهذه الخطوة. إضافة إلى ذلك، بعد أسابيع قليلة، اتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير إيران علناً بمسؤوليتها عن هجمات أبراج الخُبر وتوفيرها الملاذ الآمن لزعماء القاعدة داخل إيران عام 2003، حينما أمروا بشن هجمات إرهابية على الأحياء السكنية في الرياض. كما عبّر المسؤولون السعوديون عن مخاوفهم من أن تقدم إيران، بمشاركة حزب الله الحجاز، على تجنيد وتدريب عناصر انفصالية داخل السعودية. من جانبهم، يُلقي الإيرانيون باللوم على السعوديين لدعمهم العناصر الانفصالية في إيران، أغلبهم من الأقلية العربية الذين يعيشون في منطقة الأهواز الغنية بالنفط في محافظة خوزستان. ويتهم الإيرانيون آل سعود بالتورط في النشاط الإرهابي الكردي ضد الحرس الثوري والجيش الإيراني، الأول من نوعه بعد مرور عقدين من الزمن، إضافة إلى النشاط الذي يمارسه أفراد البلوش ضد النظام الإيراني.

كذلك كان للمواجهات عناصر دينية لها دور في الصراع السني ـ الشيعي وتوسيع انعكاساته لتصيب أولئك البعيدين غير المتورطين به مباشرةً. على سبيل المثال، أعلن مفتي السعودية عبد العزيز الشيخ في أيلول 2016 أن الإيرانيين غير مسلمين. وادعى بأنهم ينحدرون من الزرادشتيين وأن «عدائيتهم للمسلمين، خصوصاً السنة منهم، قديمة». في المقابل، يتهم الإيرانيون السعوديين بالخروج عن الإسلام، ويشجبونهم بلغةٍ حادةٍ للغاية.

إضافة إلى ذلك، جاءت الشبهات على لسان مسؤولين إيرانيين كبار، من بينهم المرشد الأعلى الخامنئي، مُعبّرين عن قلقهم مما وصفوه ازدياداً في التعاون بين السعودية وإسرائيل ضد إيران. وفي 1 آب 2016، صرح الخامنئي علناً بأن «المحاولات السعودية لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني هي بمثابة طعنة سكين في ظهر المسلمين وجريمة نكراء وخيانة». هذه التصريحات مباشرة على لسان المرشد الأعلى غير اعتيادية وتعكس تخوفاً إيرانياً حقيقياً من أن تتحالف إسرائيل صاحبة الأدوات البارعة مع السعودية الغنية بالموارد والقريبة جغرافياً من إيران.

من وجهة النظر السعودية، مثّل الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية المُوقّع في تموز 2015 تطوراً يُغير في قواعد اللعبة. لسنوات، استفادت السعودية من العلاقة الإيرانيةـالأمريكية المُترنّحة؛ واجهت إيران تهديدات عسكرية وتآكل اقتصادها نتيجة العقوبات وضعُفت مكانتها على الساحة العالمية. فجأة تغيّرت الصورة، واعتبرت الرياض أن الاتفاق يُعد إنجازاً هائلاً يصب في مصلحة إيران. فهو لم يؤدِ إلى رفع العقوبات الاقتصادية وتخليص إيران من العزلة الدولية فحسب، بل هو يشهد على جانب آخر من العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية المُحسّنة. وبمنظور الرياض، فضّلت الولايات المتحدة إيران على حساب حلفائها في المنطقة، من بينهم السعودية. ومن وجهة النظر السعودية، الرسالة الأساسية المُستقاة من الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران هي الخيانة الأمريكية لالتزامها التاريخي بأمن الخليج. أضف إلى ذلك، صرّح مسؤولون أمريكان ومن بينهم الرئيس أوباما أن لأميركا مصلحة في إقامة التوازن بين السعودية وإيران في الخليج، تصريح يضع حليف أميركا على قدم المساواة مع إيران، التي لفترة ليست بعيدة كانت عدو الولايات المتحدة، في حين أن إيران تقوى نتيجة الاتفاق النووي وأميركا تستمر في الانسحاب من الشرق الأوسط. والرياض قلقة من أن يُملأ أي فراغ بأعمال إيرانية تخريبية ومزعزعة للاستقرار، والتي حسب السعوديين ستكون من أجل غاية واضحة في المنطقة ألا وهي زعزعة استقرار المملكة السعودية.

ورقة التوازن الاستراتيجي

وصلت العلاقات الإيرانية ـ السعودية إلى قعرٍ غير مسبوق، حيث يُحاول كلّ من الطرفين تعزيز مصالحه ونفوذه في الشرق الأوسط والخليج. ويبدو مؤخراً أن التوازن الاستراتيجي يصب قليلاً في مصلحة إيران والمحور الشيعي، المتحد أكثر من المحور السني، سواء بين عناصره المتنوعة أو حول الأهداف التي حددها لنفسه، خاصة في العراق وسوريا. كما أنه استطاع التواصل مع روسيا، القوة العالمية الوحيدة التي لديها الرغبة في اللجوء إلى القوة العسكرية في المنطقة. في الوقت عينه، استطاعت إيران ولو جزئياً السير مع جدول الأعمال الأمريكي والغربي ضد الدولة الإسلامية، وهي التي تُعد جزيرة من الاستقرار في وسط الفوضى التي تعم الشرق الأوسط ـ في العراق وسوريا وليبيا واليمن.

قد تكون السعودية نجحت في الحفاظ على استقرارها خلال الاضطراب الحالي الذي يعم الشرق الأوسط. منذ بداية الحرب في سوريا، كانت الرياض على تعاون وثيق مع الولايات المتحدة حتى إنّها استفادت من الصفقات الهائلة التي شملت أسلحة متطورة، لكن التحالف الذي تحاول قيادته ليس متماسكاً بالقدر الكافي. على سبيل المثال، مصر وتركيا، الحليفتان الأساسيتان للسعودية، لديهما مصالح متضاربة ووجهات نظر مُغايرة في ما يخص سوريا واليمن والمواقف من إيران. فلا ترغب مصر كثيراً في أن تتورط في القتال الدائر في اليمن ووقعت أزمة بخصوص دعم القاهرة لقرار مجلس الأمن الذي اقترحته روسيا. أما تركيا وإيران فتربطهما علاقات معقدة رغم الاختلاف المستمر بخصوص الحلّ في سوريا وتقارب موقف تركيا بهذه القضية من الموقف السعودي. باكستان التي تحظى علاقاتها الخاصة بالسعودية بأهمية كُبرى، تفضل هي الأخرى عدم الانتماء إلى التحالف السني في اليمن بقيادة الرياض.

في الختام، الصراع السعودي ـ الإيراني، الذي يعكس جوانب كثيرة من الصراع السني ـ الشيعي، في أوجه. فكل طرف يجنّد شركاء ويرعى أطرافاً محليين يعتمدون عليه ويتبعون أوامره. وهم بذلك يوسّعون الخلافات الحاصلة ويعمقّونها، ويحثّون على استمرار القتال في مناطق الصراع ويجعلون من الصعب في مكان صوغ اتفاقات في المستقبل القريب. إن الإيرانيين والسعوديين على حد سواء يتقاتلون على المصالح الضرورية لأمنهم ومكانتهم، وفي هذه المرحلة أي من الطرفين لم يُظهر رغبة في إبرام التسوية. وفي المستقبل تحديداً، بعد أن تتغير الإدارة في واشنطن، وفي حال توصّل اللاعبون الدوليون، ولا سيّما الولايات المتحدة وروسيا، إلى اتفاقات واستطاعوا فرضها على جميع الأفرقاء الإقليميين، يمكن للهدوء أن يعود بين المحورين والبلدين اللذين يقودهما.

-------------------------------

سيما شاين : باحثة في المركز وكانت عضواً في وزارة الشؤون الخارجية حيث شغلت منصب نائب المدير العام والمسؤولة عن الملف الإيراني (2009 ـ2015).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف