البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 31 / 2017  |  5249الحرب النفسية الإعلامية الأمريكية وتطبيقها على الواقع العراقي

علاء حيدر المرعبي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية نيسان 2017
الحرب النفسية الإعلامية الأمريكية وتطبيقها على الواقع العراقي

تمتد جذور الحرب النفسية الى أزمنة تاريخية قديمة، وبصور متنوعة إذ استخدمت بشكل واسع في بعض المجتمعات فاحتلت مكانة متميزة ومهمة، وخلال نشوء هذه الحرب وتطورها تنوعت أساليبها ووسائلها وتكتيكاتها واختلفت باختلاف نوعها وهدفها، كما اختلفت هذه الأساليب في وقت السلم عنها في وقت الحرب.

ويقول الدكتور عبد السلام السامر: "أن الحرب النفسية وصلت الى "مستوى النشاط الأساسي إلى أن أصبحت أحد فروع الحكومات المعاصرة وأنشطتها" [1].


تمثل الحرب النفسية الاستعمال المخطط والمُمنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء العدو ومشاعره وسلوكياته بطريقة تسهّل الوصول للأهداف. كما أنها وسيلة مُساعدة لتحقيق الاستراتيجية القومية للدولة.

 وتُشن في وقت السلم والحرب على السواء، وتُستخدم فيها كل إمكانات الدولة ومقدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية وغير ذلك من القوى التي تتفاعل مع بعضها لتحدد كيان المجتمع وشكله.

  وتذكر الدكتورة سحر خليفة عند حديثها عن تعريف الحرب النفسية بأنها: (الاستخدام المدبر لفعاليات معينة معدة للتأثير على آراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغيير نهج تفكيرهم وهي تشمل بمعناها الواسع استخدام علم النفس لخدمة الهدف بأساليب الدعاية والإشاعة والمقاطعة الاقتصادية والمناورة السياسية)[2] .

 بينما ترى الدكتورة حميدة سميسم استاذة الحرب النفسية عند تعريفها للحرب النفسية بأنها: (نوع من القتال لا يتجه إلا إلى العدو ولا يسعى إلا إلى القضاء على إيمان المستقبل بذاته وبثقته بنفسه، وبعبارة أخرى هي تسعى لا إلى الإقناع والاقتناع، وإنما تهدف إلى تحطيم الإرادة الفردية..)[3] .

أما الدكتور فهمي النجار فيرى أن: (الحرب النفسية أخطر انواع الحروب، فهي حرب تغيير السلوك، وميدان الحرب النفسية هو الشخصية، ولهذا فإن هذه الحرب تستخدم علم النفس بصفة عامة، وعلم النفس العسكري بصفة خاصة لإحراز النصر)[4] .

وقد اتفقت جميع التعريفات على أن الحرب النفسية هي حرب متميزة بأدواتها وأسلحتها وأهدافها ولها تكتيكاتها واستراتيجيتها، فهي جزء اساس من الصراع بين الدول، وهي حملة شاملة تهدف الى التغلغل لثوابت القيم والقناعات الراسخة وإلى الروح المعنوية عند الجيوش والشعوب على السواء بهدف كسرها وتفتيتها ثم إعادة المواقف والقناعات بما يتلاءم مع أهداف الجهة التي تشن تلك الحرب.. كما اطلقت عليها العديد من التسميات منها: (حرب الأفكار، حرب الكلمات، غسيل الدماغ، حرب المعتقدات، الحرب الباردة، الحرب السياسية، وحرب الاعصاب) وغيرها من التسميات.

وتعدها الدكتورة سحر خليفة أنها اقل الاسلحة كلفة إذا ما احسن استخدامها ولا يقتصر استخدامها في وقت الحرب فقط بل هي عملية مستمرة، كما لا يمكن معرفة نتائجها إلا بعد مدة من الزمن قد تكون لمدة اشهر أو ربما لسنين.

 كما يرى بعض خبراء الدعاية انها استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الاجراءات الإعلامية الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها وطريقة تسهم في تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة للحرب النفسية.

 وقد بذل بول لينباجر - وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية- جهوداً واضحة للوصول إلى تعريف جامع شامل فقال: (إنها استخدام الدعاية ضد العدو مع اجراءات عملية اخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية) ويضيف: (إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية).

 كما يمكن القول إن الحرب النفسية هي حرب تغيير السلوك ومبدؤها هو الشخصية وسلاحها هو الكلمات والأفكار من خلال ما يطلق عليه حديثاً (الدعاية والشائعة وغسيل الدماغ).

 ان الحرب النفسية لا تسعى إلى الإقناع، وإنما تهدف إلى تحطيم الارادة الفردية وتحطيم الثقة في الذات، في مواجهتها لعدو يسعى للحصول على بعض التنازلات إن لم يكن تحطيم المجتمع الذي ينتمي إليه المواطن..

 إن أهم ما يستوقفنا في التعريف هو وصف الحرب النفسية بانها نوع من القتال النفسي ولم يصفه بالقتال المعنوي وفي الحقيقة فإن لكلا المفهومين خصائص مميزة لابد من تحديدها للتفريق بينهما بشكل واضح.

 والحرب النفسية نوع من الحرب يستخدم الدعاية بغرض التوصل إلى اهداف معينة.. ويمكن استخدامها قبل الحرب لمنع وقوع قتال أو أثناء الحرب لكسبها، وتلجأ بعض الدول إلى الحرب النفسية لإقناع اعدائها بأنه ليس باستطاعتهم إحراز النصر وأن عليهم ألا يبادروا بالقتال. وتستخدم دول أخرى الحرب النفسية أثناء القتال لتقنع جنود العدو بأن أهدافهم جائرة ولن تتحقق ولإضعاف ثقتهم في قادتهم، فالغرض هو تثبيط عزيمة العدو عن القتال.

تستخدم الحرب النفسية ضد العدو فقط، كأسلوب داعم للحرب العسكرية في أغلب الأحيان، وكما أن للحروب أهدافاً وغايات، فإن للنفسية منها الأهداف ذاتها التي تسعى عن طريقها إلى تحطيم الاسوار المنيعة للدول والمجتمعات، فتدمر النفس البشرية التي تحمي هذه الاسوار باستهداف معنوياتها وإرادتها لتصبح خاوية من كل قوة وفاقدة للأمل.

 وربّ سائل يسأل: ما الهدف من تحطيم الروح المعنوية للنفس البشرية والقضاء على أمل الشعوب وإرادتها؟

انواع الحرب النفسية

يختلف الخبراء في الحرب النفسية عند تقسيمهم لهذه الحرب إلى انواع متعددة، فصنفوها على اسس وأهداف عدة، إلا إنه عن طريق الاستقراء يمكن لنا حصرها في الأنواع الآتية: 

1- الحرب النفسية المضادة: هي الحرب النفسية التي تأتي كردّ فعل (دفاع) ضد حرب نفسية موجهة إليها من دولة أخرى، وبعبارة أخرى فإنها تعني أن كل هجوم لابد ان يخضع لتخطيط محكم لو اريد له النجاح، فكذلك الهجوم العكسي يجب أن يخضع للمبادئ نفسها لو أريد له أن يضع حداً للهجوم الذي يخضع له، وبقدر الضربة يجب ان تكون رد الفعل.

2- الحرب النفسية الوقائية: هي الحرب النفسية التي تبتدئها دولة معينة تحسباً لحرب محتملة تتوقع التعرض لها من عدو محتمل، فتقوم بعملية إعداد مسبق لمواجهة تلك الحرب. 

 وبعبارة أخرى فإن مفهوم هذا النوع يعني ان دولة معينة تتوقع حرباً نفسية تشنها عليها دولة أخرى، فتقوم بعملية إعداد مسبقة لمواجهة تلك الحرب.

 فهي تمثل البعد النفسي لسياسة الامن القومي في اوسع مفاهيمه، وتقوم على التثقيف السياسي المكثف أولاً وتعميق الكراهية للعدو المحتمل ثانياً، وفي هذا النوع من الحرب النفسية تختلط عملية التثقيف السياسي بالحرب النفسية نفسها، أي ان التثقيف السياسي هو أداتها الأساسية انطلاقاً من مبدأ (الوقاية خير من العلاج)، فهي تعني عملية التحصين الذاتي للمواطن في مواجهة الحرب النفسية المعادية.

أساليب الحرب النفسية

  كما أن للحرب العسكرية اسلحتها وعدتها، فكذلك تستخدم الحرب النفسية أسلحة خاصة للوصول إلى غايتها، ويطلق عليها أساليب الحرب النفسية، ويختلف المختصون في تحديد عددها، فيعدها بعضهم ثلاثة (كما يرى ذلك الدكتور فهمي النجار[5] : الدعاية، الشائعة، غسيل الدماغ. بينما يعدها بعضهم عشرة (كما تصفها الدكتورة سحر خليفة وآخرون) بينما يعدها آخرون أنها غير محددة بسبب تغيرها بحسب الظروف التي تستخدم فيها.

 إلا إننا يمكن أن نتبنى ما ذهبت إليه استاذة الحرب النفسية الدكتورة سحر خليفة، إذ حددت أهم هذه الأساليب بما يأتي:

أولاً: الدعاية

تعرّف الدكتورة حميدة سميسم الدعاية بأنها (النشاط والفن الذي يحمل الآخرين على سلوك مسلك معين ما كانوا يتخذونه لولا ذلك النشاط)، وكذلك يعرفها الدكتور زيدان عبد الباقي بأنه(محاولة التأثير في شخصيات الافراد والسيطرة على سلوكهم بإثارة غرائزهم وتحريك شهواتهم ونشر الاكاذيب والفضائح والتهويل في الاخبار).

وكذلك هناك من عرّفه بأنه (الاستعمال المخطط لأي نوع من وسائل الإعلام بقصد التأثير في عقول وعواطف جماعة معينة أو جماعة صديقة لغرض استراتيجي وتكتيكي).

 وبشكل عام فإن الدعاية تسعى إلى ارساء او نشر افكار معينة من خلال استخدام الرموز والصور والايحاءات والتلاعب بالمشاعر والعواطف ويتضمن ذلك بطبيعة الحال التأثير في الجمهور.

 وتقسم الدعاية من حيث نشاطها إلى انواع عدة منها: الدعاية السياسية، الدعاية الاجتماعية، الدعاية الدينية، الدعاية التجارية، ..الخ.

ثانياً: الشائعات

  يعرفها الدكتور ميشال روكيت في كتابه  (الشائعات) بأنها: صورة من صور التواصل تستخدم القناة غير النظامية من الفم الى الإذن، فالوسيلة هي الفم والاذن وهي تواصل شفوي وشخصي، وهي تقدم مضموناً إعلامياً عن فرد أو حديث، وتعبر عن حاجات الأفراد الانفعالية وتلبيها في الوقت نفسه.

 أما الباحثان (جوردن اولبورت وليوبوستمان) فيعرفان الشائعة بأنها "قضية أو عبارة موضعية نوعية مطروحة للتصديق، وهي تتداول من فرد إلى آخر بالكلمة الشفهية في العادة من دون ان تستند إلى دلائل مؤكدة على صدقها".

 وعرفها الباحث أحمد أبو زيد بأنها "الترويج لخبر مختلق لا اساس له في الواقع، وهي المبالغة في سرد خبر يحتوي جزء ضئيلاً من الحقيقة.

وتعد الشائعة إحدى الأدوات الهامة للحرب النفسية، وتستخدم للقضاء على الروح المعنوية للعدو وشل حركته قبل ضربه وسحقه عسكرياً، كما أنها من وجهة نظر العامة فكرة خاصة يعمل رجل الدعاية على أن يعلم بها الناس.

 وهي تتسم بصفة التناقض، فقد تبدأ على شكل حملات هامسة أو تهب كريح عاصفة عاتية، وقد تكون مسالمة لا تحمل اكثر من تمنيات طيبة للمستقبل، أو مدمرة تحمل بين طياتها كل معاني الحقد والكراهية والتخريب.

 ولها تصانيف وتقسيمات عدة منها: شائعات الاماني، شائعات الخوف، الشائعة الزاحفة، الشائعة الغائصة، شائعة العنف وغيرها.

ثالثاً: التسميم السياسي

يعبر مفهوم التسميم السياسي عن حملة شاملة تستخدم كل الأجهزة والأدوات المتاحة للتأثير في نفسيات وعقول وذاكرة الجماعة أو الامة أو الشعب المحدد، وذلك بقصد تغيير أو تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى محلها تؤدي إلى سلوك يتفق مع مصالح واهداف الطرف الآخر الذي يقوم بعملية التسميم السياسي، وغالباً ما تكون هذه العملية موجهة إلى أمة أو مجتمع أو سلطة أخرى عادة ما تكون معادية.

 ويتوجه التسميم السياسي إلى عقل الإنسان ونفسيته وليس جسده، محاولاً التأثير في ثوابته ومنهج تفكيره، ويعد التسميم السياسي جزءً لا يتجزأ من مفهوم الحرب الشاملة وقد تتم ممارسته قبلها وفي اثنائها وفي اعقابها. وغالباً لا يتم إدراك مدى نجاحه أو اخفاقه إلا بعد سنوات.

 وتتم ممارسة هذه العملية في إطار التسميم السياسي عبر آليتين هما:

- أداة التضليل: الذي يقوم على التوظيف المخالف للواقع السيء للقيم السياسية والدينية.

- أداة الترويض: التي تجعل تلك القيم والمواقف الجديدة ليست مستغربة وإنما مطلوبة ومتسقة مع الأطار أو النظم القائمة بصرف النظر عن طبيعتها الواقعية.

رابعاً: غسيل الدماغ

هي عملية إعادة البناء الفكري للشخص وذلك بتغيير الشخصية عن طريق أساليب فسيولوجية ونفسية، وهي تمثل غرض الحرب النفسية وتعني إعادة تشكيل فكري عند العدو المطلوب استخدامه لغايات سياسية او غيرها.. ولا يوافق عليها قبل خضوعه لهذه العملية.

 ويعرفها الدكتور فخري الدباغ بأنها: كل محاولة للسيطرة على العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرده من ذخيرته ومعلوماته السابقة.

 وبشكل عام يمكن تحديدها بأنها اسلوب من اساليب التعامل النفسي يدور حول الشخصية الفردية بمعنى نقل الشخصية المتكاملة أو ما في حكم المتكاملة إلى حد التمزق العنيف بحيث يصير من الممكن التلاعب بتلك الشخصية للوصول بها إلى ان تصبح مجرد أداة جامدة في ايدي المهيّج أو خبير الفتن والقلاقل كما يرى ذلك الدكتور حامد ربيع استاذ علم الحرب النفسية.

خامساً: الحرب المعلوماتية

ويقصد بها الحرب التي تستهدف المعلومات وسريتها والتحكم بانتقالها من عدمه، وتكون بأشكال متعددة، منها ما يتم عن طريق منع تدفق المعلومات بين قادة الخصم ووحداته، ومنها ما يتم عن طريق تشويه معلومات الخصم في ميدان المعركة، أو باستخدام الوسائل التي تتيح حرمان الخصم من الحصول على المعلومات.

وهناك وسائل عدة لتحقيق ما ذُكر منها:

- تنفيذ إجراءات الحماية الالكترونية الوقائية.

- تطبيق إجراءات الإخفاء والتمويه.

- تطبيق أمن الوثائق والاتصالات والعمليات والحاسبات.

سادساً: الحرب الثقافية

هو مصطلح عسكري تم استخدامه في المجال الثقافي والفكري للتعبير عن ظاهرة فرض ثقافة معينة على أخرى بالضغط المباشر وغير المباشر، والثقافة هنا يقصد بها الافكار والقيم وأنماط السلوك.

 وقد واجه هذا المصطلح كثيراً من الجدل والنقاش في الاوساط الفكرية العربية، فمنهم من اطلق عليه (الغزو الثقافي) أو (التغلغل الثقافي) أو (التبعية الثقافية) أو (الاحتلال الثقافي) أو غير ذلك.

 وهنا يجب ان نسجل نقطة مهمة هي: أنه لا يمكن للغزو الثقافي أن ينجح في بلد من البلدان إذا كانت وسائل الإعلام فيه بيد مختصين مبدعين قادرين على استنهاض الثقافة الوطنية وإعادة صياغة التراث الحضاري للأمة بما يتلاءم مع حاضرها، ولا تترك هذه الوسائل لأنصاف المواهب والطارئين على العملية الإعلامية والوصوليين والسماسرة مما يدفعهم لتدارك عجزهم إلى تبعية أجهزة الإعلام بالثقافة الاجنبية ومحاولة تقليدها تقليداً أعمى.

سابعاً: الحرب السياسية

 الهدف الاساسي لهذه الحرب هو اضعاف العدو.. وإذا أمكن تدميره بوساطة المناورات الدبلوماسية والضغط الاقتصادي والمعلومات الصحيحة والمضللة والاثارة والتخويف والارهاب وعزل العدو عن اصدقائه المؤيدين.

 وتستخدم فيها الافكار للتأثير على السياسات، وهي تعالج الآراء وتنقلها إلى الآخرين، وهي عملية منظمة لإغواء الآخرين بطرق غير عنيفة، على نقيض الحرب العسكرية التي تفرض فيها إرادة المنتصر على الجانب المنهزم إما بالعنف وإما بالتهديد باستخدام العنف.

ثامناً: افتعال الأزمات

 يكون ذلك بالدس والوقيعة واصطناع الأخبار المزيفة أو بالتحريض على أعمال التخريب، وعند افتعال الازمات تستخدم كل جهة كل ما تستطيع من شائعات وحرب نفسية.

 إن افتعال الأزمات متعدد الاشكال والمضامين، فقد يأخذ شكل أزمة اقتصادية كما حاولت ان تفعل الولايات المتحدة الامريكية مع مصر خلال الستينات، إذ امرت بوقف شحن القمح الأمريكي إليها لإحداث أزمة خبز من شأنها أن تؤثر على استقرار النظام.

 ويتخلص الأقوياء من أزمتهم بتصديرها للآخرين واختلاق الأزمات لهم أو بالالتفاف حولها وتجاهلها، أما الضعفاء فتستغرقهم وتجرهم إلى أزمات ومشاكل أخرى يفتعلها لهم العدو لكي لا يفيقوا منها أبداً، فما أن يقوم الشعب من أزمة إلا ويقع في أزمة أخرى، لتهمّش العقول وتركن إلى الخمول وتعود البلاد أعواماً الى الوراء.

تاسعاً: الحروب الاقتصادية

 وهي من أقدم انواع الحروب التي عرفتها البشرية، وهي الحرب التي تقوم كنوع من الصراع على الموارد الاقتصادية وتملك الاسواق الدولية ومصادر الطاقة والماء.

 وقد مثلت اليوم صور الاحتلال الاقتصادي والسيطرة على الاسواق من خلال حركة الواردات ورؤوس الاموال محل القوة العسكرية، وتجلت أعظم صوره فيما يعرف مؤخراً بالعولمة والنظام العالمي الجديد، بآثاره المدمرة ونتائجه الخطيرة بخاصة على الدول النامية، وتتمثل نتائج وآثار الحرب الاقتصادية في البطالة والهجرة وتغير معاني الثقافة وزيادة أعداد الافراد الذين يعيشون تحت خط الفقر.

وتستخدم الحرب الاقتصادية نوعين من الاسلحة هما: المقاطعة الاقتصادية، ويتم من خلالها مقاطعة كاملة لسلع احدى الدول وعدم الاستيراد منها أو التصدير إليها على الاطلاق، وذلك باستخدام المنتجات المنافسة لمنتجات تلك الدول وعدم اعطائها أي فرصة لترويج سلعها التصديرية.

 اما السلاح الثاني فهو الحصار الاقتصادي والعسكري، والتي تعني دخول المقاطعة الاقتصادية نطاقات اوسع لتشمل الحصار الاقتصادي- ومنع دخول وخروج السلع للمنطقة الواقعة داخل الحصار الاقتصادي وذلك من خلال فرض حصار بحري وجوي وبري مثلما حدث مع العراق وليبيا وكوبا.

الحرب النفسية والدعاية

 شهدت المدة اللاحقة للحرب العالمية الثانية ولادة اصطلاحات عديدة كل منها يتداخل مع مفاهيم الاصطلاحات الأخرى بحيث يكاد يستحيل في بعض الاحيان التمييز بينها، وهي (دعاية، حرب نفسية، حرب باردة، حرب ايدلوجية، حرب معلومات، دعوة عقائدية، تسميم سياسي، غسيل مخ، تضليل إعلامي، غزو ثقافي.. الخ)، وهذا التعدد في الاصطلاحات او المسميات لإجراءات التعامل النفسي قد أدى إلى صعوبة في تعريف الدعاية بشكل محدد ودقيق، كما أن هذه المفردات التي تطلق على تقاليد التعامل النفسي تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لموقف الرأي العام من طبيعة التعامل النفسي، ففي فرنسا فقدت لفظة (الدعاية) مكانتها في اللغة الفرنسية، بسبب استعمالها من النازيين وكأنها منهج للإفساد والكذب.

 وفي بريطانيا يصفون النشاط النفسي باسم الحرب السياسية في الوقت الذي يصفه الأمريكيون باسم الحرب النفسية، وقد وصف (روبرت لوكهارت) المدير العام للجنة التنفيذية للحرب السياسية في الحرب العالمية الثانية (الحرب السياسية بأنها عبارة عن تطبيق الدعاية لتخدم حاجة الحرب.. غرضها الرئيس هو تعبيد الطرق أمام القوات المسلحة وتسهيل مهمتها).

 ويرى (فيليب تايلور) أن هناك علاقة وثيقة بين الحرب والدعاية والحرب النفسية، فالحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف والدعاية في جوهرها إقناع منظم بينما تهاجم الاولى الجسد، تهاجم الدعاية والأعمال النفسية جزءً من الجسد لا تستطيع الاسلحة الأخرى أن تصل إليه[6] .

وعلى ضوء ما تقدم نرى في بعض الأحيان ان هناك تداخلاً في استخدام مصطلح (الدعاية) و(الحرب النفسية) بالدلالة والأساليب التي تقرب كثيراً بين المصطلحين، بل وتزيد الدعاية عليها بعشرات الاساليب، وهذا ما ذكرته الدكتورة سحر خليفة في اشارتها إلى أهم الاساليب الدعائية المستخدمة في الدعاية، وتحددها بالآتي: (اسلوب التكرار، اسلوب التشويه، اسلوب الكذب، اسلوب التعتيم، اسلوب اطلاق التسميات، اسلوب إثارة الخوف، اسلوب التحويل، اسلوب الخداع، اسلوب الجوقة، اسلوب الاختلاق، اسلوب التزوير، اسلوب التضليل، اسلوب العدو الاوحد، اسلوب الشائعات، إثارة الانفعالات والعواطف، اسلوب السخرية، اسلوب الإجماع أو اللحاق بالركب، اسلوب الاستمالات العاطفية، اسلوب توظيف العامل الديني، اسلوب المنطاد، اسلوب النكتة، اسلوب الصمت، اسلوب الشعارات، اسلوب الجدل والمناظرة..)[7] .

امريكا وهيمنة الاعلام

 من المعروف ان غالبية المجتمعات تبني وجهات نظرها اعـتمادا على اعــــلام الشــــركات الكبرى - الذي يعبّر بدوره عن وجهات نظر هذه الشركات ومواقفها ويروّج لأعمالها- والذي يعرف بالإعلام المهيمن، ويشمل وسائل الاعلام المختلفة كشبكات التلفزيون الكبرى والمجلات واسعة الانتشار، كما يشير إلى ذلك الاستاذ محمد أحمد الفياض في بحثه الدعاية الأمريكية الموجهة للعراق إذ يقول: (أصبح الاعلام من أهم وسائل الهيمنة وقد تتحول الهيمنة وتتطور وتقوم بتعبئة الرأي العام بحسب تقلبات الأوضاع)، وكذلك (أصبح من التقاليد الاعلامية في أمريكا في وقت الأزمات أن يقدم الاعلام المهيمن وجهات نظر الإدارة القائمة ومواقفها بأفضل صورة متعاطفة ويعتمد الاعلام بشكل خاص خلال الأزمات على المصادر الرسمية، وبهذه الطريقة تستطيع الادارة التلاعب والسيطرة، ويكون ذلك حافزاً مضافاً للاعلام المهيمن لتفضيل رأي الادارة الحاكمة).

 وما يتميز به الاعلام الأمريكي ناتج من تفوّق وسيطرة على إنتاج وتدفق الأخبار والمعلومات، ومن ثم سيطرته على اختيار محتوى هذه الاخبار والمعلومات مما يجعل مسار المعلومات احادي الاتجاه فلا يعطي الفرصة أمام الآخرين لعرض وجهات نظرهم.

 ويؤكد هربرت0أ0 شيللر، في كتابه المتلاعبون بالعقول (ترجمة عبد السلام رضوان/ الكويت) ذلك بقوله: "فامتلاك وسائل الاعلام والتحكم فيها شأنه شأن أشكال الملكية الأخرى متاح لمن يملكون رأس المال، والنتيجة الحتمية لذلك تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف والمجلات وصناعة السينما ودور النشر محكومة جميعاً لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الاعلامية وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزاً تماماً للاضطلاع بدور فعال وحاسم في العملية التضليلية".

الحرب النفسية الأمريكية

تعد امريكا من اكثر الدول التي نجحت في استخدام سلاح الحرب النفسية ليصبح أداة قوية في قبضتها، والأساليب المستعملة فيها كثيرة ومتداخلة، ولكنها كلها تلبي الطموح للأهداف التي وضعتها ورسمتها السياسات العليا في هذا البلد، تنوعت بين الابتزاز والاستعطاف والمناورة والترغيب والترهيب وغيرها من الأساليب.

وقد بقيت حركة التطور في وسائل وأساليب الحرب النفسية في امريكا بشكل مستمر، ولم يقتصر هذا النشاط على قضية التأثير في الرأي العام فقط، بل تمكنت من احتكار هذا المجال عن طريق انشاء مؤسسات إعلامية كبرى، وحملات دعائية وصناعة رأي عام عالمي كبير. 

ومن الواضح أن بروز الحرب النفسية وتطبيقاتها لدى الولايات المتحدة قد ظهر بشكل واضح بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ لم تتوقف عجلة الحرب الأمريكية في يوم من الأيام، حتى بات معروفاً أن كل رئيس أمريكي كان يعرف أن مكانته بين ساسة بلاده وفي تاريخها لا تكتمل الا بان تكون له (حربه الخاصة)، وفي كل هذه الحروب كانت الحرب النفسية والدعائية رديفا للحرب العسكرية، وفي هذا المجال يمكن تسجيل بعض النقاط التي تثبتها الدكتورة سحر خليفة[8]  إذ تقول:

-        يشير الدكتور عبد الستار جواد في كتابه (الاعلام الامريكي: اهدافه واساليبه) أنه في أثناء الحرب الفيتنامية (1965-1973) كانت الحرب النفسية الأمريكية موجهة الى الرأي العام الأمريكي بهدف إقناعه بجدوى الحرب وضرورة كبح جماح الشيوعية التي تصورها عدواً لدوداً للولايات المتحدة ومصالحها، في وقت زجت فيه الولايات المتحدة حوالي نصف مليون من شبابها في حرب لا يعرف عن اسبابها الحقيقية الا قلّة من الشعب، فلقد كانت صورة العدو أو الكراهية واحدة من اهم أساليب التعبئة النفسية في أمريكا.

-        كما يشير الدكتور حسن الحاج علي احمد في كتابه المنشور من قبل مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، 2004م) الذي حمل عنوان (تغير الثقافة باستخدام السياسة/ الولايات المتحدة الامريكية وتجربة العراق في العراق-الاهداف- النتائج- المستقبل) أنه بحلول الحرب الباردة كان على الولايات المتحدة أن تغير أساليبها وخططها العامة على وفق الموازنة أو المرونة التي تتناسب مع التوجهات الجديدة في هذه الحرب، ففي سعيها من اجل كسب الصراع السياسي مع منافسيها عمدت أمريكا الى تنويع أساليبها الدعائية بالاعتماد على استمالة عقول الافراد وقلوبهم في مختلف أنحاء العالم مستخدمة في ذلك شبكة واسعة من وسائل الاعلام المختلفة المدعومة مباشرة أو غير مباشرة من الاستخبارات الأمريكية، يضاف الى ذلك اثر المؤسسات الاعلامية والثقافية والأكاديمية في نشر الثقافة والذوق وأنماط السلوك الأمريكي أو ما أسماه (ناي وأوين) بالقوة الناعمة التي لا تعتمد على بطش الأساطيل والمدافع الحربية وانما تلجأ الى (أسر العقول والأفئدة).

وفي هذا المجال يؤكد الدكتور عبد الستار جواد في كتابه (الاعلام الامريكي: اهدافه واساليبه) على حقيقة مهمة فيقول: أمدت الحرب الباردة المخطط الاعلامي والباحث الدعائي الأمريكي بأساليب متطورة لممارسة العملية الدعائية الموجهة وقد اسهم في ازدياد عنفوان هذه القضية تركز كبريات وسائل الاعلام في الولايات المتحدة وتعدد شبكات اتصالاتها مراسليها مما مكن أمريكا من أن تكون اضخم ماكنة للتدفق الاخباري في العالم.

لماذا استهداف العراق؟

  لا يخفى على المتابعين لسياسات امريكا ان الدافع الاقتصادي الذي تستند عليها الحكومات المتعاقبة على حكم هذا البلد هو الدافع الاساس الذي يرسم سياستها الداخلية والخارجية، ويحدد علاقتها مع دول العالم.

 ونظرتها الى العراق لا تختلف عن تلك الاهداف العامة، وكما يقول الباحثان مايكل اوترمان وريتشارد هيل مع بول ويسلون في كتابهما (محو العراق، خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر، ترجمة انطوان باسيل، لبنان 2011): لن يعاد بناء بلد يضم 25 مليون نسمة- العراق- كما كان قبل الحرب؛ بل سيمحى ويختفي. وستظهر مكانه صالة عرض للاقتصاد القائم على عدم التدخل، يوتيوبيا لم يسبق للعالم أن شهد مثلها قبلاً. وستُعتمد كل سياسة من شأنها أن تطلق على يد الشركات المتعددة الجنسية لتتابع سعيها من اجل الربح: دولة منكمشة، قوة عاملة مرنة، حدود مفتوحة، حد أدنى من الضرائب، لا تعرفات، ولا قيود على الملكية. وعلى شعب العراق ان يتحمل طبعاً معاناة قصيرة الامد: على الدولة أن تتخلى عن الموجودات التي امتلكتها من قبل لتوفير فرص جديدة للنمو والاستثمار ويجب فقدان بعض الوظائف، ومن سوء الحظ أن الاعمال المحلية والمزارع العائلية لن تتمكن من منافسة تدفق البضائع الأجنبية عبر الحدود، غير أن هذه تشكّل لواضعي هذا المخطط ثمناً صغيراً يُدفع في مقابل الازدهار الاقتصادي الذي سيتفجر بالتأكيد مع توافر الظروف المناسبة، وهو ازدهار قوي جداً فيمكن للبلاد ان تعيد عملياً بناء نفسها بنفسها.

 وما اطلع عليه كاتب هذه السطور في كتاب (محو العراق، خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر، مايكل اوترمان وريتشارد هيل مع بول ويسلون، ترجمة انطوان باسيل، لبنان: 2011) يحمل كثيرا من الحقائق التي ينبغي الوقوف عليها في هذا المجال، نذكر منها ما يأتي:

  (بدأ استيلاء الولايات المتحدة على الاقتصاد العراقي قبل وقت طويل على اجتياح العام 2003. وتعود جذوره إلى واقع أن إنتاج النفط الأمريكي بلغ ذروته في سبعينات القرن الماضي، الأمر الذي دفع إلى الاعتماد المتزايد على الإمدادات من دول الشرق الاوسط. وجاء أول القيود على إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة عام 1973 عندما فرضت الأوبيك (منظمة الدول المصدرة للنفط) حظراً على الشحنات، تبعه عام 1978 الحظر النفطي الإيراني الذي أدى إلى زيادة التضخم وارتفاع معدلات الفائدة. ودفعت هذه العوامل –إضافة إلى الغزو السوفياتي لافغانستان واحتلالها- بالولايات المتحدة إلى تبني سياسة استخدام القوة العسكرية لضمان الوصول إلى نفط الشرق الأوسط. وقال جيمي كارتر، في خطابه إلى الأمة في 23 كانون الثاني/ يناير 1980، ان "للمنطقة التي تهددها الآن القوات السوفياتية الموجودة في أفغانستان أهمية استراتيجية كبرى: فهي تحتوي اكثر من ثلثي النفط العالمي القابل للتصدير". فالوصول غير المنقطع إلى نفط الخليج الفارسي يشكّل أهمية قصوى. وشدد كارتر على أن "الجهد السوفياتي للسيطرة على أفغانستان أوصل الجيش السوفياتي إلى مسافة 300 ميل من المحيط الهندي وإلى مقربة من مضيق هرمز، الممر المائي الإجباري لمعظم النفط العالمي". وأضاف: "وليكن موقفنا واضحاً وضوحاً مطلقاً"، شارحاً الخطوط العريضة لما سيُسمّى لاحقاً "مبدأ كارتر":

سيُنظر إلى أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي على أنها هجوم على مصالح الولايات المتحدة الامريكية الحيوية وسيرَدّ مثل هذا الهجوم بكل الوسائل الضرورية بما فيها القوة العسكرية.

 وسّع كارتر من العمليات البحرية الأمريكية في الخليج، وحصل على قواعد جديدة في المنطقة، وشن "حرب الأشباح" الأمريكية على السوفيات في افغانستان.

 وأتبع الرؤساء المتعاقبون ايضاً مبدأ كارتر. ووضع الرئيسان رونالد ريغان وجورج هـ.و. بوش موضع التنفيذ سياسات تجارية وغيرها من الإجراءات لضمان استمرار وصول الولايات المتحدة إلى إمدادات الشرق الاوسط من النفط. وارتبط هذا بأحادية أميركية متزايدة الحدّة صيغت لتقديم المصالح الامريكية في الشرق الاوسط وحمايتها.

وعام 1992 – وقبل بضعة اشهر على حرب الخليج الأولى (التي اقتلعت القوات العراقية من الكويت الغنية بالنفط)- أصدر كبار مسؤولي إدارة بوش توجيه "إرشاد التخطيط الدفاعي"، وهو الوثيقة السياسية التي تعلن أن الولايات المتحدة "ستبقى القوة الخارجية المسيطرة في المنطقة وتحمي وصول الولايات المتحدة والغرب إلى نفطها". وأسهم الكثيرون من واضعي هذا التوجيه من المحافظين الجدد –ديك تشيني، "سكوتر" ليبي، إريك إدلمان وكولين باول- في صياغة مسودة "الزعامة الأمريكية الشاملة" التي يحتويها "إعلان المبادئ" الذي نشره عام 1997 "مشروع القرن الامريكي الجديد"، وهو مركز أبحاث محافظ نافذ. وابرز البيان الذي يستند إلى زيادات مقترحة في الانفاق العسكري وعلاقات اكثر وثوقاً مع الحلفاء في مواجهة الانظمة "المعادية"، "الدور الأمريكي الفريد في الحفاظ على نظام عالمي مؤاتٍ لأمننا وازدهارنا ومبادئنا وتوسيعه".

 فالشرق الأوسط، بالنسبة إلى بول وولفوفيتز وديك تشيني ودونالد رامسفلد وسواهم، هو مكمن التهديد البارز للمصالح الأمريكية، وبخاصة تقلّب النظام العراقي في ظل صدام حسين وما ينتج عنه من تهديد لإمدادات النفط. وفشلت حرب الخليج عام 1991 في إخراج صدام من السلطة وهو، كما سيتبين، ما أعطى الذريعة المثالية لجورج و.بوش وإدارته للمطالبة بتغيير النظام في العراق. وقد صمم بوش الأبن، منذ تاريخ تسلّمه السلطة، على الإطاحة بصدام حسين. وبحسب ما قاله وزير الخزانة بول أونيل لبرنامج "60 دقيقة" أوائل العام 2004: "تكوّن منذ البداية اقتناع بأن صدام حسين شخص سيء ويجب أن يرحل"، وأن الاجتياح شكّل الموضوع الأول على لائحة الاعمال التي ينوي الرئيس القيام بها. ووضعت الخطط العملية لغزو العراق بعد ساعات على هجمات 11/ 9).

 ويشير مؤلفا كتاب (محو العراق..) في صفحة (25) إلى حقائق متعاقبة جاء فيها:

 (أدلى كبار مسؤولي إدارة بوش، في السنتين اللتين أعقبتا 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بما لا يقل عن 935 بياناً عامّاً كاذباً عن التهديد الذي يشكله العراق.

 واجتاحت الولايات المتحدة العراق في آذار/ مارس 2003، واعلن الرئيس بوش –وهو يرتدي في شكل أخرق بِزّة طيّار مُفصلة على قياس جسمه- في الأول من آيار/ مايو 2003، عن متن السفينة الحربية ابراهام لينكولن، "انتهاء الأعمال العدائية".

اتضحت نيات الولايات المتحدة في العراق منذ بداية الاحتلال. فتم تأمين الحماية لوزارتي الداخلية والنفط فحسب، بينما تُركت المتاحف والمكتبات بل وحتى مخازن الذخيرة من دون حماية. وسمح البنتاغون، استناداً إلى ياروسلاف تروفيموف من الوول ستريت جورنال، بعمليات النهب لتقويض الدولة العراقية. واستذكر تروفيموف لاحقاً أن "الكثيرين من القادة العسكريين قالوا لي يومذاك إن النهب أمر جيد.. فالنهب يحرّر؛ والنهب يقوّض النظام القديم".

 ووسط عمليات نهب ممتلكات العراق الثقافية وموارده العامة وبضائعه العسكرية، شرع الحاكم المعيّن حديثاً للعراق (بول بريمر) في تفكيك الدولة العراقية، في انتهاك لقوانين الاحتلال الواردة في اتفاقات جنيف.

تسلّح (بريمر) بسلطات تنفيذية كاسحة فحّلَّ الجيش العراقي –وانتج فيضاناً من الرجال الغاضبين الذين تلقوا تدريباً عسكرياً، وانضموا سريعاً إلى التمرّد- وأصدر أوامر صُممت لإنشاء "نيرفانا" السوق الحرة المتناسبة مع المصالح الأمريكية.

 وسمح القرار رقم 39 على سبيل المثال بتخصيص المؤسسات العراقية المئتين التابعة للدولة، ويحق التملّك الأجنبي الكامل للأعمال العراقية مع تحويلات مطلقة معفاة من الضرائب على كل الأرباح وغيرها من الأموال، وتراخيص ملكية مدتها أربعون سنة.. وعلى ما ذكرته انتونيا جوهاز، كبيرة المحللين في "فورين بوليسي إن فوكوس" ومؤلفة "أجندة بوش: اجتياح العالم، الاقتصاد تلو الآخر"، فإن قراراته الأخرى منعت العراقيين من الحصول على الافضلية في إعادة الإعمار، فيما سمحت للشركات الاجنبية –هاليبورتون وبكتل، على سبيل المثال- بشراء الأعمال العراقية، والقيام بكل الاشغال وإرسال مالهم كله إلى الديار، ومن غير المفروض عليها استخدام عراقيين لإعادة استثمار الأموال في الاقتصاد العراقي. وفي إمكانها في أي وقت سحب استثماراتها مهما بلغت قيمتها.

 ولضمان تطبيق هذه التوجيهات، طالب قرارا بريمر الرقمان 57 و77 "بوجود مدققي حسابات ومفتشين عامين تعيّنهم الولايات المتحدة، مدة ولايتهم خمس سنوات ويمتلكون سلطة كاسحة على العقود والبرامج والموظفين والأنظمة").

ويستمر الباحثان في صفحة (26) بالقول: (سعى بريمر لضمان ضبط السوق الحرة الجديدة، كما يجب، فأصدر القرار الرقم 17 الذي يمنح "المقاولين الأجانب، بما في ذلك المؤسسات الأمنية الخاصة، حصانة كاملة من القوانين العراقية".

 وبحسب جوهاز فإنهم "ولو قتلوا، مثلاً، شخصاً، أو تسببوا بكارثة بيئية لن تتمكن الجهة التي لحقتها الإصابة من اللجوء إلى النظام القضائي العراقي. بل يجب بالأحرى رفع الاتهامات إلى المحاكم الامريكية".

واستشهد تكراراً بالقرار الرقم 17 عقب حال الهياج التي تسببت بها بلاكووتر في 16/ ايلول/ سبتمبر 2007 في ساحة النسور، حيث ادى هجوم إلى مقتل 17 مدنياً عراقياً أعزل... وسمحت قرارات أخرى "للبنوك الاجنبية بشراء ما يصل الى 50 في المئة من البنوك العراقية"، وبخفض شأن في معدّل الضرائب على الشركات، وخفض ضريبة الدخل، وإلغاء "كل التعرفات والرسوم الجمركية ورسوم الترخيص والأعباء الإضافية المماثلة على البضائع التي تدخل العراق أو تخرج منه".

 وأدى هذا، بحسب جوهاز، "إلى إغراق درامي فوري للسوق بالبضائع الاستهلاكية الأجنبية الرخيصة التي اجتاحت المنتجين والبائعين المحليين غير الجاهزين لمواجهة تحدي منافسيهم العالميين الجبابرة".

وعلينا أن نتذكر أن كل هذه القرارات صدرت من جانب واحد عن مسؤول مؤقّت يمتلك سلطات تنفيذية ومن دون أي اعتبار جدّي لحاجات الشعب العراقي ورغباته.

 وتخلص جوهاز إلى القول: أدت نتائج هذه القرارات إلى خلق مناخ اقتصادي مؤات للشركات الأمريكية اكثر من قوانين الولايات المتحدة. وأستبُعدت، نتيجة لذلك الشركات العراقية والعمال العراقيون عن إعادة إعمار العراق.. وفشلت إعادة البناء في توفير الكهرباء اللازمة والغذاء ومعالجة مياه الصرف الصحي، بل وحتى البنزين –سوى أن الشركات الأمريكية استفادت في شكل رائع من إعادة البناء الفاشلة هذه).

 ومما يمكن الافادة منه في بحث اسباب الحرب على العراق ما اشار إليه المسؤولون الامريكيون أنفسهم، إذ يذكر الباحثان مايكل اوترمان وريتشارد هيل مع بول ويسلون: (ان لحرب العراق علاقة كبرى بالنفط.. واستعرض وزير الخزانة السابق بول اونيل في وقت لاحق تركز الإدارة على رغبتها في نفط العراق. ففي 30 كانون الثاني/ يناير، وخلال الاجتماع الاول لمجلس الأمن القومي في عهد جورج و. بوش، يستذكر اونيل أن وزير الدفاع دونالد رامسفلد تحدّث طويلاً عن الإطاحة بنظام صدام وتولّي السيطرة على ثروة البلاد الكبرى من النفط –الاحتياط العالمي الثاني الأكبر بعد السعودية- وقال رامسفلد: "تخيّلوا كيف ستبدو عليه المنطقة من دون صدام ومع نظام يصطّف مع مصالح الولايات المتحدة. من شأن هذا أن يغيّر كل شيء في المنطقة وفي ما هو ابعد منها. وهو ما سيبرهن ما هي عليه سياسية الولايات المتحدة". وفهرست وثائق أعدتها ذلك اليوم وكالة استخبارات الدفاع حقول النفط العراقية، ووضعت ايضا قائمة بالشركات الأمريكية التي تعتقد الوكالة أنها ستهتم باستغلال النفط العراقي)[9] .

الحرب النفسية على العراق

 يذكر دوغلاس كلير انه (مع تجارب أمريكا العديدة في الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي السابق والحرب الفيتنامية وأزمة الرهائن في بيروت والحرب العراقية - الإيرانية وأزمة الطاقة وغيرها التي أمدتها بالكثير من الأساليب والخبرات الدعائية تبقى التجربة الأهم هي حرب الخليج الثانية في (17 /كانون الأول/ 1991) التي جاءت لتعطي دعاة العسكرة فرصة ذهبية لتطوير برنامجهم ودعم ذرائعهم في الحاجة الى التوسع العسكري في هذا العالم المتسم بالخطورة) [10].

ويرى (كلينر) أن (حرب الخليج) هي حرب الدعاية الاعلامية التي نجح خلالها بوش الاب وإدارته بإخفاء الأسباب الجوهرية للتدخل العسكري من خلال نمط خاص للخطاب وفي بعض الاحيان التضليل والاكاذيب لدفع الناس الى الموافقة على سياسات وافعال معينة.

وفهم منطق الدعاية الأمريكية ضد العراق خلال حرب الخليج الثانية يستوجب التمييز بين نوعين من الرسائل الدعائية التي كانت أمريكا توجهها للعراق: الرسالة الدعائية المباشرة التي تعتمد على خلق اتجاه محدد للسلوك والتصرف والتقبل والرسالة الدعائية غير المباشرة التي تستعمل أساليب التمويه والخداع.

بدأت أمريكا حملاتها الاعلامية والدعائية بتصعيد واسع لإظهار العراق بأنه مصدر الخطر المهدد لأمن وسلامة واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وجاء هذا التصعيد بعد الثاني من اب 1990 حينما دخل الجيش العراقي الى الكويت واحتلها ليتطور هذا الحدث فيما بعد الى نشوب حرب كبيرة في 17/1/1991 بين العراق وقوات التحالف التي تكونت من (28) جيشا و(33) دولة على رأسها أمريكا.

ويحدد الدكتور مصطفى الصباغ بعض الأسس النفسية للإعلام الأمريكي في حرب الخليج الثانية/ 1991التي تدور حول محاور عدة هي بمثابة النظريات او الفرضيات الإعلامية وكان أهمها:

1) الاحتكارية الإعلامية: أي هيمنة إعلامية لا تبقى للآخرين حيزاً للحركة الإعلامية.

2) الدكتاتورية الإعلامية: التي تفرض رقابة تامة محكمة على تدفق المعلومات ونوعيتها وتوجيهها بشكل يكاد يكون تاما.

3) الفورية والشمول: وهذا ما كان يتحقق لو لم يتم تحقيق الأساسين الأول والثاني مما هيأ التربة والمناخ لهذا الأساس المهم في حملة إعلامية تواكب اكبر حملة عسكرية شهدها العالم.

التهيئة للحرب على العراق

  بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر استخدمت الولايات المتحدة ما يسمى بالإرهاب الحكومي، فأكثرت في وسائل الاعلام الحكايات المخيفة معتمدة في ذلك على أسلوب الخوف الذي يقوم على أساس قوي لدى الجمهور الأمريكي حول أفعال يمكن ان يقوم بها الإرهاب في المستقبل، فقد تحول شيئا فشيئاً وجه (أسامة بن لادن) الى وجه (صدام حسين) وبدأت وتيرة الحملات الاعلامية والدعائية بالتصاعد لإظهار العراق على انه مصدر الخطر المهدد لأمن وسلامة واستقرار منطقة الشرق الأوسط وبدأت التصريحات تتوالى من أفواه المسؤولين الأمريكان والبريطانيين التي تنادي وتصر على معاقبة العراق لإجباره على التخلص من أسلحته المدمرة.

فقبل مدة من إعلان الحرب على العراق اندلعت حملة دعائية أمريكية مكثفة من اجل الترويج لوهم ان (أمريكا تتعرض للهجوم) ورسمت هذه (الادعاءات) التي تبث ليس فقط عبر وسائل الاعلام واسعة الانتشار، ولكن ايضا من خلال عدد من المواقع الاعلامية على شبكة المعلومات الدولية، وتصف الحرب على انها عمل مشروع للدفاع عن النفس، بينما تخفي بعناية الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية الواضحة للحرب[11] .

وتنمو حملة الدعاية بدورها لتصبح ذريعة للحرب ومبررا لها وشرعية سياسية لشنها تعتمد(الحقيقة الرسمية) التي اطلق عليها بوش في خطاباته بالحرب (الوقائية) او(الدفاعية) وعادة تقوم الدعاية الأمريكية في حروبها على تكتيك اعلامي يتمثل في نفخ العدو وإظهاره بمظهر العدو الذي له جيش متمرس يتطلب قهره جهدا وعتادا، وهذا حدث في الحملة الاعلامية التي سبقت غزو العراق والتي تتحدث عن (الحرس الجمهوري المخيف) و(فدائيي صدام) و(الأسلحة الفتاكة المهابة) الى غير ذلك كما في حرب أفغانستان التي اعتمد فيها الخطاب الأمريكي الإعلامي على التشديد على شراسة المقاومة الأفغانية ودحرها للقوات الروسية من قبل[12] .

وكان للتضليل دور كبير في التهيئة لغزو العراق فالإدارة الأمريكية ومعها الحكومة البريطانية قامتا عن سابق إصرار باختلاق معلومات تعلمان تماما بانها ليست موجودة على الإطلاق في سعيها المحموم لاحتلال العراق[13]   "وتتأكد هذه الحقيقة بما ذكره بول اونيل وزير الخزانة الأمريكي والعضو في مجلس الامن القومي في إدارة الرئيس بوش (الابن) حتى كانون الاول 2003 من ان بوش كان يبحث بنشاط عن عذر للإطاحة بصدام حسين (...) وان لديه مستندات يرجع تاريخها الى ما قبل هجمات 11/أيلول 2001 توضح وجود خطط للعراق في مرحلة ما بعد الحرب وسقوط نظام صدام حسين".

في الجانب الاخر قام مسؤولون في ادارة بوش بترويج الإشاعات ولعبوا لعبة حساسة تعتمد على التلميحات التي تشبه الكذب كما في قصة اجتماع محمد عطا أحد خاطفي الطائرات في 11/أيلول مع المسؤولين العراقيين في براغ، فعلى الرغم من انعدام أي دليل موثوق يؤكد ذلك الاجتماع قد حدث بالفعل، واصل المسؤولون في إدارة بوش ترويج تلك الإشاعة.. هذا الى جانب أسلوب التكرار الذي اعتمدت عليه الدعاية الأمريكية قبل نشوب الحرب بشكل مكثف باعتمادها على تكرار بعض القصص غير المثبتة وقائعها مثل:

ـ شراء العراق اليورانيوم المنضب من كندا.

ـ وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.

ولقد دعمت الدعاية الأمريكية السوداء (أسلوب إطلاق التصريحات) في العلاقات الدولية ففي خلال الأعوام 2001 ،2002 ،2003 امتلأت الصحف وأجهزة الاعلام العالمية بالتصريحات والتلميحات والقرارات التي تمهد وتدعم او تسوق للسياسة الأمريكية الجديدة، وهي سياسة عولمة الحروب[14] .

وجاء في احد تصريحات الرئيس بوش في اجتماع له مع أعضاء الكونغرس: (ان الخطر على بلدنا فادح، الخطر على بلدنا يتعاظم فالنظام الحاكم العراقي يملك أسلحة بيولوجية وكيميائية.. ويسعى هذا النظام الى امتلاك قنبلة نووية وبما لديه من مواد انشطارية يستطيع ان يصنع واحدة في غضون عام) وهكذا نجد ان نوع المعلومات الاستخبارية الذي جرى النفخ فيه والخطابية المثيرة للسخط اللذين قدما للشعب الأمريكي لتبرير حرب مع العراق هو الدليل المبالغ فيه نفسه الذي قدم الى الكونغرس لحصد أصواته لصالح الحرب يوم 11/تشرين الأول/2002  .

ومع بدء الحرب في20/3/[15]2003 بنت وزارة الدفاع الامريكية في العاصمة القطرية (الدوحة) مركزا صحفيا بكلفة 1.5مليون دولار حيث قدم من هناك العميد فنسنت بروكس، قائد قوات التحالف، التقارير الموجزة عن سير العمليات العسكرية، وهو محاط بشاشات البلازما الناعمة الزرقاء، وقد بذلت الشبكات العالمية جهودا عاجلة لاشتقاق الاسماء لتغطيتها الاخبارية(شيلدون رامبتون وجون ستوبر).

وقد تم الحاق (500) صحفيٍ يعملون مع القوات الامريكية على ان يتقيدوا بـ(12) صفحة من التعليمات التي اعطاها البنتاغون من اجل تغطية الحرب وتسمح التعليمات بنشر الصور في شكل مباشر عندما تعدها السلطات الامريكية مناسبة[16] وقد اتسمت التغطية الاعلامية للحرب على العراق بكثافة غير معتادة وتدفق غير مسبوق للأخبار والتقارير والتعليقات والصور، كما ظهرت في هذه الحرب تكنولوجيا متطورة باستعمال التقنية السمعية والبصرية الحديثة من الجانب الامريكي، والاداء المسرحي من الجانب العراقي فكلا الطرفين كان يعطي صورة انتقائية عن الواقع، وكانت انتقائية الجانب الامريكي تتسم بكونها مدروسة وتصدر من الاعلاميين الملتحقين بقوات التحالف، والذين ينقلون ما يتسنى لهم رؤيته ومتابعته وهي في ذلك لا تختلف كثيرا عما كانت تمارسه السلطات العراقية من رقابة على عمل الصحفيين في الاماكن الخاضعة لسيطرتها[17] .

وقد الحق الجانب الامريكي - فضلاً عن الصحفيين الملتحقين بالوحدات العسكرية- المقاتلين العسكريين الذين يعملون كصحفيين وكل منهم مصحوب بطاقم التصوير الخاص به والذي يطلق عليه اسم(الكاميرا المقاتلة).

ومع كل الترتيب الذي قامت به الادارة الامريكية فقد كان هناك افتقار شبه كلي الى المعلومات التي تصدرها القيادتان الامريكية والبريطانية عن الحرب سواء بشان عدد القتلى أم نتائج الحملة الجوية التي شملت حتى التاسع من نيسان نحو 34 الف طلعة منها نحو 13 الف طلعة اغارة و6850 طلعة تزويد للطائرات بالوقود في الجو، و6500 طلعة جسور جوية واكثر من 2250 طلعة مخابرات واستطلاع استراتيجي واطلاق اكثر من 750 من صواريخ كروز وما بين 15 الف و16 الف وحدة ذخيرة دقيقة التصويب و7500 سلاح غير موجه (آمي ورثنغتون واخرون).

الحرب النفسية قبل 2003

وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حربها مع العراق مجالاً خصبا للاستخدام المكثّف والبارز لحملاتها الدعائية والإعلامية فبرز استخدام أساليب عديدة ومتنوعة منها عامة وهي أساليب (الكذب والخداع والتعميم) التي تشكل الثالوث الأخطر والأبرز في معركة الإعلام في حرب الخليج الثانية، وتضم أساليب (التضخيم، التشويه، تحطم ارادة القتال، والتبرير)[18] .

وفيما يأتي توضيح لأبرز الأساليب الدعائية الأمريكية، وكيفية توظيف امريكا لها:

1. الكذب : ويتم ذلك عن طريق نشر خبر أو معلومات غير مؤكدة فمن حين لآخر تقوم الدعاية الأمريكية بنشر معلومات غير مؤكدة حول موضوع يستحوذ في حينها على انتباه الناس وتهدف من ذلك جعل الجمهور في حالة من الذهول والارتباك إما لإضعاف المعنويات أو للتشكيك بالأمور أو قد تقوم بتركيز الأفكار في وقت من الاوقات نحو الحدث (غير المؤكد) لإمرار موضوع أخر خططت له[19]

وكمثال على ذلك: الكذبة التي اطلقتها التي لم يكن هناك ما هو اشد تأثيراً على الرأي العام الأمريكي منها وهو الادعاء بان الجنود العراقيين اخرجوا (312 طفلا من الحاضنات) وتركوهم يموتون على ارض المستشفيات الباردة في الكويت (وبعد انكشاف زيف هذه القصة أصبحت مضربا للمثل في سوء التدبير ضمن مجتمع العلاقات العامة) (مصطفى الدباغ).

2. الخداع: ظهر هذا الأسلوب الدعائي في الحرب في المرحلة التي تلت الهجوم البري الامريكية، حيث ترافق الخداع مع الاساليب الاخرى لتحقيق الاهداف النفسية والدعائية للحملة العسكرية التي قامت بها أمريكا ضد العراق.

3. التعتيم: وذلك من خلال تمرير المعلومات الملائمة وحجب التي لا تخدم أهداف الدعاية وان كان لابد من نشرها وبثها فيمكن التلاعب بها، من خلال التعليقات والتحليل والتحايل لكي تصل الى الجمهور كما يراد لها أن تصل بالضبط.

وأسلوب التعتيم اتبع منذ بدايات الأزمة في التوجه للجمهور الأمريكي فضلاً عن الأساليب الأخرى، فكان حجب الحقائق والمعلومات أسلوبا مهما وضروريا لتمرير قرار الحرب، ثم الاستمرار بها، إذ صار الحديث في مرحلة لاحقة عن متى وكيفية الذهاب للحرب وليس عن موضوع الذهاب الى الحرب نفسه.

كما عمد الاعلام الأمريكي الى التعتيم على أخبار المعارضة للحرب مستخدما عملية (تكميم الأفواه) ومؤكداً أن الأزمة لا يمكن حلها الا بحرب عسكرية، وقد عد النقاد والمراقبون الأمريكيون أن أسلوب التعتيم والتضليل الذي تنتهجه أجهزة الأعلام الأمريكية من اجل تغطية الأحداث ومجريات الحرب في الخليج لا يخدم الا المخطط العسكري للقوات العسكرية فقط، وقد أشار النقاد والمراقبون الى أن هذا الأسلوب غير الامين في نقل الحقائق عن التفاعلات والمواجهات يثير الشكوك لدى الرأي العام الأمريكي، وأن الاعلام المغرض والتصريحات بالانتصارات لن تعمر طويلا لدى المشاهد الأمريكي، كما أن الاعلام الدولي اصبح يحتج على التعتيم الذي يعرض العمليات العسكرية في الخليج[20] .

4. التضخيم: يعد هذا الأسلوب من أهم الأساليب التي حاول الاعلام الأمريكي استخدامه.. من اجل التمويه وتضخيم الأمور بما يخدم السياسة الأمريكية وتحركاتها على الصعيد الدولي معتمدة بصورة أساسية على الخبر، فكان له دور كبير في ذلك من خلال بث أخبار غير مؤكدة، وافتعال الأحداث بما يلائم الخطة الدعائية المعادية، وتمرير المعلومات التي تشوه المواقف و الأمثلة على ذلك كثيرة في هذه الحرب منها الاشاعة بان العراق يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية و الكيماوية فضلاً عن قوة جيشه الذي وصل الى حد إعطائه المرتبة الرابعة بين أقوى الجيوش في العالم وغيرها[21] .

ولا شك أن كل ذلك من مستلزمات توجيه الضربة العسكرية للعراق، وذلك بإعداد الساحة الدولية إعلاميا لقبول هذا العمل.

5. التشويه: عمدت أمريكا الى استخدام هذا الاسلوب من خلال خلق صورة سلبية لحكومة صدام السابقة "باستخدام الأساليب اللفظية والصور والمقارنات مع شخوص الثقافة الشعبية وميتافيزيقا المانوية"( دوغلاس كلينر). التي قدمت حرب الخليج الثانية بوصفها صراعا بين الخير والشر.

فمنذ بداية الأزمة عملت الدعاية الامريكية على جعل النزاع شخصيا وتبسيطيا بين الولايات المتحدة وحلفائها الذين يمثلون (الخير)، والعراق الذي يمثل (الشر) وهذا الاسلوب معروف في الدعايات الامريكية فهي معتادة على خلق الأعداء من خلال تضخيم وتشويه وتبشيع صورة أعدائها.

6. تحطيم إرادة القتال: عمدت الدعاية الأمريكية الى شن حملات دعائية موجّهة الى القوات العسكرية العراقية تهدف الى إضعاف روح القتال، واقناعهم بعدم جدوى المقاومة ودفعهم الى التمرد، كما تم التأكيد على تضخيم النتائج الحربية للعمليات العسكرية الجوية والبرية بهدف تضخيم القدرة الأمريكية والتقليل من شأن المقاومة العراقية حتى لا يظهر العراق بأنه قادر على الحاق الأذى بعدوه الذي يملك اعتى آلات الدمار، وقد عملت من اجل ذلك على إلقاء آلاف المناشير .

7. التبرير: بدأت حملات التبرير منذ فرض الحصار على العراق بقرارات اصدرتها الأمم المتحدة وقدمت المبرر في ان المقصود بالحصار هو صدام حسين وليس الشعب العراقي وفي مرحلة لاحقة تم تبرير استمرار حصار العراق بحجة بقاء صدام حسين في السلطة ومن ثم إعطاء انطباع للرأي العام الامريكي بان الحرب انما هي لمصلحتهم الخاصة وهي من اجل الطاقة، فقامت وسائل الاعلام بإيجاد التبرير النفسي لاقناع الأمريكيين وإعطاء فكرة ان الحرب ستكون مجرد عملية جراحية (أي سريعة وحاسمة وغير مؤذية للمدنيين) كما أن النتيجة ستكون انتصارا سريعا وحاسما حتى أصبحت كلمة (العملية الجراحية) كالنقد المتداول وصار بمثابة مصطلح يستخدم في تلك المرحلة بدلا عن الحرب، وكان يرافق هذا الشعار شعار(الحرب النظيفة) و(الحرب العادلة) واثناء الحرب دأبت شبكة (CNN) الأخبارية على عرض صور وأفلام من بغداد تبين حركة الناس العادية بعد عمليات القصف الوحشية ويقصد منها اعطاء الانطباع للأمريكيين وللرأي العام بان القصف يستهدف الوحدات العسكرية والمراكز الحربية ومراكز الأسلحة الكيماوية والجيولوجية فقط، وان العراقيين يعيشون حياة طبيعية وهذا ما كذبه السيد رامزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق عندما استضافه بيتر ارنت مراسل شبكة (CNN) في بغداد حيث تحدث بصفته شاهد عيان على الدمار الذي لحق بالمدنيين وبالمنشأت المدنية في العراق على حد سواء.

فضلاً عن تلك الأساليب الدعائية العامة والخاصة فهناك أساليب دعائية أخرى اعتمدتها الدعاية الأمريكية خلال حرب الخليج الثانية نذكرمنها:

8. أسلوب التكرار: ولعل اشهر القصص التي تكرر تداولها وسماعها في وسائل الأعلام الأمريكية هي قصة (انتزاع الأطفال الخدج من الحاضنات) فطبقا لقاعدة[22] البيانات(Lexis Mexis) حضيت هذه القصة بما مجموعة (138 اشارة في الأخبار) خلال الاشهر السبعة الممتدة بين احتلال الكويت ونهاية حرب الخليج الثانية، وبعد مدة قصيرة من انتهاء الحرب بدأ الصحفيون بفضح الرواية الحقيقية، وبعد عام (1992) اختفت القصة بشكل كامل تقريبا، ثم عادت للظهور على السطح سريعا في كانون الأول /2002حين عرض تلفزيون (اتشن بي او) دراما وثائقية تستند الى(قصة واقعية) عنوانها (مباشر من بغداد) أعادت الى الأذهان تفاصيل مغامرات بيتر ارنيت ومراسلي (CNN) الاخرين في أثناء الحرب تضمن هذا الفيلم مشاهد مسجلة (لنيرة) وهي تقدم شهادة الزور الشهيرة تاركة الانطباع لدى المشاهدين أن القصة كانت صحيحة، ونتيجة للاحتجاجات اضطرت المحطة الى اضافة تنصل من المسؤولية في نهاية الفلم تعترف فيه ان هذه القصة لم تحدث أبدا (بالطبع لم يقرأ تلك الاشارة التي تتنصل من المسؤولية سوى القليل من المشاهدين)( شيلدون رامبتون وجون ستوبر).

  هناك مثل آخر على الاستخدام الواسع لأسلوب التكرار من قبل الدعاية الأمريكية، فأثناء حرب الخليج الثانية تجنبت إدارة بوش الأولى ذكر حادثه (حلبجة) والمراسلون معها فقد بين البحث في قاعدة بيانات أخبار موقع (Lexis Mexis) أن حلبجة ذكرت في (188) خبرا في أمريكا عام 1988(السنة التي جرت فيها الحادثة). وفي عام 1989 ذكرت في (20) خبرا، وفي عام1991 ذكرت في (20) خبرا وهي السنة التي جرت فيها حرب الخليج الثانية، بين احتلال الكويت في2/8/1990 ونهاية الحرب في 27/2/1991 حضيت بما مجموعه (39) إشارة فقط في وسائل الاعلام، بينما نلاحظ في خلال العقد التالي لم يتجاوز متوسط الإشارات الى حلبجة في الأخبار معدل (16) إشارة في السنة، وفي اثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000 اصبح المعدل (10) إشارات فقط ثم لم تبدأ القصة بالظهور ثانية في أجهزة الاعلام الأمريكية حتى ايلول /2002 عندما بدأت ادارة جورج دبليو بوش بتكثيف جهودها الرامية الى دفع الرأي العام الى تأييد غزو العراق، اذ ذلك بدأت الإشارات بالتزايد بشكل حاد ففي شهر شباط/ 2003 ذكرت (57) مرة، وفي اذار/ 2003 ذكرت (145) مرة.

9. إثارة المخاوف: استخدمت أمريكا أسلوب التخويف او(اثارة المخاوف) عن طريق تضخيم القدرات القتالية للقوات العراقية، وركزت على التكنولوجيا العسكرية حيث أدت هذه الادعاءات الى اثارة المخاوف في نفوس الأمريكيين وهيأتهم لفكرة ضرب العراق.

ولابد من الاشارة الى ان السياسيين والإرهابيين ليسوا الدعاة الوحيدين الذين يستعملون الخوف لقيادة السلوك البشري في الاتجاهات اللاعقلانية، فاحدث استعمال مميز لعامل الخوف في مجال التسويق برز عام1991 في أثناء الحرب فقد ساعدت التغطية التلفزيونية لعربة (همفي) المسلحة وهي تكتسح الصحراء على إطلاق عربة (الهامر)، وهي نسخة استهلاكية من العربة التي صممت في الأصل خصيصا للاستخدام العسكري، فقد ساعدت الحرب على اطلاق هوس واسع النطاق بالعربات الرياضية الكبيرة في الولايات المتحدة تلك العربات تجعل مالكيها يشعرون بالأمان ليس بحمايتهم ولكن بإشباع قواهم ودوافعهم العدوانية[23] .

10. توظيف العامل الديني: لم يغب العامل الديني عن دعاية الأمريكان، ففي حرب الخليج الثانية استمر بوش الأب بالعزف على وتر(الحرب والدين) فقد ذكر بوش خلال الاجتماع السنوي لطائفة المعمدانيين يوم 6/حزيران/1991: انه يتذكر اداء الصلاة في كامب ديفيد قبل إصدار الامر للبدء بحرب الخليج، وجاء في صحيفة نيويورك تايمز يوم 7/حزيران/1991 أن بوش مسح الدموع من عينيه وهو يصف صلاته قبل إعطاء امر القصف الذي بدأ به الحرب ضد العراق فهتف 000 و23 شخص من الحضور الذين هبوا وقوفا وهم يهتفون (أمين) (دوغلاس كلينر).

الحرب النفسية الأمريكية على العراق بعد عام 2003

  يقول الدكتور حامد ربيع عند حديثه عن الاشكال الجديدة للحرب النفسية المستخدمة على النطاق العالمي: يشهد اليوم معنى جديداً للحرب النفسية فهي لم تعد أداة يستخدمها القائد العسكري بل استقلت عن الصراع المسلح بحيث أضحى هذا الاخير عنصراً من عناصرها، فبعضهم يرى فيها صورة من صور القتال السياسي. وبعضهم الآخر يرى فيها تعبيراً عن الحرب الكلية. كل هذا يعكس تطوراً حقيقياً في مفهوم الحرب النفسية وفي وظيفتها وبصفة خاصة بفضل عوامل اربعة فرضت مفهوماً جديداً ووظيفة جديدة لهذه الظاهرة:

أولاً: الالغاء التدريجي للتفرقة التقليدية بين الحرب والسلام، لقد اضحت الحرب النفسية أحد مظاهر المجتمع المتمدن في حالة السلام وليست مرتبطة بالقتال المسلح فقط، لتعد له أو لتنهي نتائجه.

ثانياً: الالتجاء إلى فكرة الطابور الخامس.

ثالثاً: ظهور فكرة إعادة تثقيف العدو المهزوم.

رابعاً: استغلال عملية غسل المخ في نطاق واسع رغم ما يثيره ذلك من اعتراضات اخلاقية [24].

و يشير الدكتور عبد السلام أحمد السامر[25]  إلى إعلان انطلاق المرحلة الجديدة من الحرب النفسية والدعائية على العراق بعد عام 2003 قائلا: (في التاسع من نيسان عام 2003، اعلن عن سقوط بغداد بيد القوات الامريكية وبعد شهرين من الاحتلال قام مسؤولون امريكيون بزيارات إلى العراق من اجل ايجاد مؤسسات إعلامية محلية تروج للخطاب الدعائي الامريكي والسياسة الامريكية في العراق لاسيما وان مرحلة ما بعد 9 نيسان تعد انعطافه مهمة في مسار الدعاية الامريكية التي وجدت نفسها بانها لابد وان تؤسس قاعدة قوية على ارض العراق تنطلق منها إلى العراقيين مباشرة فضلاً عن الرأي العام العالمي.

 وفي البدء ارادت الادارة الامريكية انشاء مؤسسة إعلامية تكون بديلاً عن وزارة الإعلام العراقية التي تم حلها بقرار من الحاكم المدني "بول بريمير" وفي الوقت نفسه تقوم هذه المؤسسة بإعداد خطاب يتوافق مع المرحلة الجديدة من تاريخ العراق السياسي الذي يتوقع ان يشهد انفتاحاً إعلامياً بعد أن كان يعرف مرحلة الإعلام المركزي في ظل نظام شمولي، فأصدر "بريمر" القرار رقم (66) في 23 / نيسان/ 2003 القاضي بإنشاء شبكة الإعلام العراقي لتكون بديلاً عن وزارة الإعلام المنحلة.

 أشرفت على الشبكة شركة امريكية خاصة تدعى (ساينس ابليكيشن انترناشينال كوربيريشن) واسمها المختصر (سايك) والتي تعاقدت مع البنتاغون في شباط 2003، اي قبل شن الحرب بشهر، ومنحت ثلاثة عقود لبناء جهاز إعلامي في العراق بعد الاحتلال، بلغت قيمتها (108) ملايين دولار، وقد بدأت الإذاعة في 10 نيسان 2003 والتلفزيون في 13/ ايار/ 2003 وفي 17/ آيار/ 2003 صدرت جريدة الصباح، وخصص للشبكة ميزانية خاصة بلغت (100) مليون دولار، ومنح البنتاغون في التاسع من كانون الثاني 2004 عقداً جديداً بقيمة (96) مليون دولار لشركة (هاريس كوريوريشن) ومقرها ولاية فلوريدا الامريكية لإدارة شبكة الإعلام العراقي على ان يظل العقد ساري المفعول مع (سايك) وفي كانون الثاني عام 2005 جدد العقد مع هذه الشركة بقيمة (22) مليون دولار ولمدة ثلاثة اشهر من اجل تدريب الملاكات الإعلامية العراقية.

وبذلك اصبحت قدرة الاعلام العراقي في الحقيقة جزءً من عمليات التدخل الامريكي. في مواجهتها السياسية والنفسية والعسكرية كانت الولايات المتحدة الامريكية توجه دعايتها من اماكن بعيدة عن الهدف، من خلال راديو (اوربا الحرة) وراديو (الحرية) باللغة العربية اللتين تبثان من براغ، ووجهت إذاعة (الحرية) الى العراق بعد احداث 1991 واصبح اسمها (إذاعة العراق الحر) بعد عام 1994، وهي من الوسائل الدعائية التي تشرف عليها وكالة المخابرات المركزية الامريكية حتى عام 1972، إذ انتقل تمويلها إلى الكونغرس الامريكي واصبحت ميزانيتها تناقش في المشاورات السنوية لاقرار الموزانات للحكومة الاتحادية.

 ويمكن القول أن اهتمام الولايات المتحدة الامريكية بالعراق وهو يشهد مرحلة جديدة من التغيير كان السبب الرئيس في بث قناة (الحرة عراق) بعد ان تطلب الامر بناء نموذج إعلامي ليبرالي يساعد في نشر المفاهيم المعرفية والحضارية الامريكية، وفي داخل العراق اهتمت قوات الجيش الامريكي بالدعاية، لان تحقيق الهدف لا يتصل دوماً بالتغيير المادي كتحريك الجيوش على سبيل المثال إلا انه يتصل ايضاً بالتغيير النفسي أو تفسير الاحداث تفسيراً يتماشى مع الغايات المستهدفة.

 ولذلك وجدت القوات الامريكية حاجتها للاجهزة الدعائية التي تخدم قواتها العاملة على الارض وتعزز من هيبتها وتدافع عن وجودها العسكري في العراق.

 وانشاء مثل هذه المؤسسات الدعائية في العراق عملية لم يتولّها البنتاغون وحده بل اسهمت الخارجية الامريكية بدور فاعل فيها طالما ان الهدف هو محاولة التأثير في الرأي العام ونقل صورة تخدم الاستراتيجية الامريكية بشكل عام.

فقد ساعدت السفارة الامريكية في العراق الوكالة الامريكية للتنمية الدولية في تمويل مشاريع اعلامية عديدة وذلك محاولة منها لتعزيز وتمرير الخطاب الدعائي الامريكي، كما قامت فرق الجيش الامريكي باصدار صحف خاصة بها باسماء مختلفة كرستها للترويج للنشاطات العسكرية وتسويق صورة ايجابية عن الجندي الامريكي في العراق وتوثيق الصلة بينه وبين المواطن العراقي عن طريق نشر صور متكررة لجنود امريكان يقبلون اطفالاً ويقومون بمساعدة امرأة أو رجل مسن.

إلا ان العبء الدعائي الاكبر يقع على عاتق المركز الصحفي والاعلامي المشترك الذي اطلق عليه اختصاراً اسم (سيبك cipc) الذي تأسس عام 2003 ويقوم بتغطية نشاط القوات الامريكية وقوات متعددة الجنسيات وبث اخبارها وايصال المعلومات إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، ويتولى اصدار البيانات الصحفية، وتسهيل مهمة الصحفيين في ايصالهم إلى مواقع الحدث واطلاعهم على احداث ليس بالضرورة ساخنة وبما يؤكد دور الجيش الامريكي في تقديم المساعدات للعراقيين. ويوفر(سيبك) تسهيلات للصحفيين الراغبين بالمعايشة في مواقع الاحداث لاسيما الساخنة.

 ويؤكد الدكتور علي بن عبد الله الكلباني[26]  ان جذور الحرب النفسية في حرب الخليج الثالثة تعود إلى ما قبل هذه الحرب، فقد بدأت إدارة الرئيس بوش الأب بحملة إعلامية وسياسية ونفسية ضد النظام العراقي، ثم اشتدت هذه الحرب بعد الاجتياح العراقي للكويت، وتركزت جهود الحرب النفسية في المستوى الاستراتيجي على إقناع العالم بمدى الخطورة التي يشكلها العراق على السلم العالمي، وكان نصيب الشعب الأمريكي الجزء الاكبر من هذه الحملة.

 ويضيف: يذكر الكثير من الخبراء والمحللين العسكريين في دراستهم عن الحرب التي دارت بين القوات المتحالفة من جانب والقوات العراقية من جانب آخر أن الحرب النفسية التي خططت لها القوت المتحالفة كانت اشد تأثيراً من الاسلحة النيرانية التي استخدمتها في هذه الحرب، حيث أدت في كافة المراحل إلى انهيار معنوي كامل للقوات العراقية قبل أن يبدا الاشتباك الفعلي والاتصال المباشر للقوات. فقد وصلت آثار هذه الحرب النفسية إلى كافة قوى الدولة العراقية (مدنية وعسكرية)، واصابت الجهاز العصبي والتوازن النفسي لكافة قطاعات الدولة بالعطب والشلل، وحطمت إرادة القتال لدى افراد القوات المسلحة على وجه الخصوص، ووجهت كافة انشطتها إلى الكتلة السكانية باعتبار أنها لو نجحت في تحطيم إرادة القتال لديهم فإنها بذلك تحقق اكبر انتصاراتها دون خسائر في الارواح، وقد تطلب ذلك استخدام كافة الوسائل الاعلامية المهنية والتقنية في التوقيت المناسب.

 أما قبل الحرب فقد ركز الإعلام الامريكي على التفوق العسكري الأمريكي غير المسبوق، وعلى الإمكانات المرعبة لأسلحة امريكية لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل، وكان لهذه الرسالة هدف مزدوج؛ إثارة الرعب في قلوب العراقيين وبث الطمأنينة في قلوب الامريكيين، وتمثلت الرسالة الإعلامية الثانية في صياغة هدف يبدو مشروعاً للقتال، وهو تخليص العالم من خطر امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ومن ثم كفالة الأمن لجيران العراق والعالم، وأيضاً تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري.

 وفي الاحوال كلها يمكننا على ضوء ما تقدم إجمال اهم أساليب الحرب النفسية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق على النحو الآتي:

أولاً: الدعاية

 بدأت الدعاية الامريكية بالظهور منذ اللحظات الاولى لدخول القوات الأمريكية للأراضي العراقية، وهذا ما تمثل في ".. الاتصال الدعائي التكميلي «الاتصال المواجهي».. الذي كان له حضور واضح في الممارسة الدعائية الأمريكية في العراق من خلال عقد المؤتمرات الصحفية لبعض قيادات الجيش الأمريكي في العراق والتي يتم التحدث فيها عن النشاطات العسكرية ويتخللها عرض صور لمواقع العمليات والأسلحة التي يتم العثور عليها بما يشير الى قوة الجيش كأسلوب من أساليب استعراض القوة فضلاً عن صور مواقف إنسانية للدلالة على ما يحمله الجيش الأمريكي من احترام لحقوق الإنسان و بما يتمتع به من قوة يوازيها شعور كبير بالجانب الإنساني وكثيراً ما تنتهي هذه المؤتمرات بتقديم الهدايا الرمزية للصحفيين وهي عبارة عن قرطاسية او أدوات رياضية تحمل علامة اللواء او الفرقة العسكرية او شعارات تدعو الى السلام ومحاربة الارهاب.

والدعاية بذلك اعتمدت الاستثارة العاطفية لاستحالة الجمهور عاطفياً، وعادة ما يلجأ الداعية الى هذا الأسلوب عندما يصعب استعمال الأساليب الموضوعية التي تعتمد على الحقائق المادية في استمالة الرأي العام او مواجهة رأي عام مضاد، وفي سياق ذلك يأتي على سبيل المثال في احد البيانات الأمريكية «في بغداد مات ثلاثة عشر شخصاً بريئاً من العراقيين وجنود التحالف بسبب الأعمال الإرهابية اللوجستية».

ويلاحظ في هذا النص الدعائي ان مصدر الدعاية جعل جنود التحالف من ضمن ضحايا التفجيرات ولم يشر اليهم بشكل منفرد لانه لو ذكر جنود التحالف الذين قتلوا في عملية تفجيرية بشكل منفرد لجاء ذلك في إطار عمليات مقاومة الاحتلال، الا انه تم الإيحاء بان الاستهداف لم يكن بدافع مقاومة الاحتلال طالما انه استهدف معه مواطنين عراقيين أبرياء [27].

ثانياً: الشائعات

يمكن إجزال أهم الفقرات التي حددها الدكتور محمد منير حجاب[28]  في كتابه الشائعات وطرق مواجهتها، بما يتعلق بالشأن العراقي وانتشار الشائعة فيه على النحو الآتي:

- إذا أخذنا العراق في الوضع الراهن من فترة الاحتلال الأمريكي له تتأكد لنا مقولة أحد الضباط العسكريين في الحرب العالمية الثانية "أن نعلن حرباً على قوم خير من أن تنتشر بينهم شائعة واحدة". هذه العبارة التي جسدتها خطورة الشائعة على المجتمع وأثرها النفسي في تقرير نتائج الحروب وانعكاساتها على الأمم، ففي الحالة الراهنة للعراق، حالة الاحتلال وما يتمخض عنها من تداعيات اجتماعية ونفسيه تفشت ظاهرة الشائعات في المجتمع العراقي كبديل للحقيقة وللسيطرة والتلاعب بالشعب العراقي الذى تحول إلى بيئة بلهاء خصبة لتقبل واستيلاء ونشر مقولات لا يدرى أحد من أين تجيء أو كيف تنمو لكنها تفعل فعلها الأكبر في التفكيك والفرقة والانقسام العام.

وقد مهد نظام صدام حسين لهذه البيئة السائدة حاليا وأسس لها، فقد اعتمد نظام صدام حسين على الشائعات والهمسات والقيل والقال إلى أبعد الحدود، لينشر بطشه وهيمنته الكلية على المجتمع العراقي، إخفاء الحقيقة أو تغطيتها أو تحويرها أو مكيجتها أو تجزئتها.. شكلت المبدأ الثابت والممارسة الدائمة خلال اكثر من ثلاثين عاماً.

من الجانب الآخر، اقتات الشعب العراقي على الشائعات، والتهم هذه الأقاويل و(الأسرار) والحقائق الكاذبة إلى حد الإدمان باعتبارها بديلاً عن الحقيقة الغائبة منذ عقود.

واليوم يبدو أن جميع القوى الفاعلة في الواقع السياسي العراقي الراهن - وبضمنهم الإدارة الأمريكية- مدركة تماماً لأهمية الشائعات وغيرا من أساليب الحرب النفسية كبدائل عن الحقائق للسيطرة والتلاعب بالشعب العراقي.

من الواضح أن تغييب الحقائق هي السمات الأبرز في المرحلة الحالية، مما يشيع نظرية المؤامرة حتى بين القطاعات الأكثر عقلانية في المجتمع[29].

فقبل إلقاء القبض على صدام، كان الناس واثقين تماما أنه لن يلقى القبض عليه إلا في منتصف المعمعة الانتخابية الأمريكية. ما أن القى القبض عليه حتى قالوا : (إنه كان تحت يد الأمريكان منذ الصيف الماضي). إلى حد الآن، هناك من لا يعتقد بمقتل عدي وقصي حتى بعد أن نعاهما صدام في رسالة صوتية، إذ يقال أنهما في جزيرة كاريبية تحت رعاية أمريكية.

في بعقوبة وضواح كثيرة من محافظة ديالى يعتقد الكثيرون بأن صداماً لا يزال حراً طليقا ويقود الهجمات ضد القوات الأمريكية، بدليل أن هذه الأخيرة عجزت حتى الآن عن إلقاء القبض على عزة الدوري نائب صدام. أما من شاهده الناس على الشاشات في أنحاء العالم، وزاره ممثلو الصليب الأحمر مؤخراً وأثار الدنيا وشغلها فهو (الشبيه) ليس إلا.

بالطبع، فإن التفجيرات الإرهابية، تحظى بنصيب وافر من الشائعات، فمعظم هذه التفجيرات هي من صنع الأمريكان وهى لزرع الفتنة الطائفية بين المسلمين، وإطالة أمد الاحتلال، لكن كيف؟.. الأمريكان يصنعون الإرهابيين، كيف؟ يأخذون الرجل ويسقونه سائلاً أو محلولا فينام، ليستيقظ في اليوم التالي وقد اصبح انتحارياً مطيعاً للأمريكان.

ويذهب البعض، إلى أن الشرطة العراقية نفسها، ألقت القبض عدة مرات على زارعي قنابل وعبوات ناسفة من الإنكليز والأمريكان، إلا أن الإدارة الأمريكية أطلقت سراحهم ولفلفت الموضوع، وتكتمت عليه أو قد يقال، أن دول الجوار قاطبة تدرب الإرهابيين وترسلهم أفواجاً للانتحار في العراق.

وعندما تحتدم التوترات الطائفية على خلفية الصراعات والمنافسات السياسية لا تتورع كل جماعة عن إلصاق التهم بمليشيات وتنظيمات الجماعات الأخرى.

 بين جموع الشيعة تدور أحاديث عن تكفير السنة لهم، والعكس أيضاً شائع بين جموع السنة. كما تتردد الأحاديث عن استهداف المسيحيين وغيرهم من الطوائف في البصرة والموصل. والآن إلى مجموعة أخرى متفرقة من الشائعات التي تحاول تفسير الأمور بطريقة مختلفة: الأمريكان اغتالوا السيد باقر لم يرغبوا برؤية خميني عراقي، مئات الألوف من الإيرانيين دخلوا العراق لتغيير التوزيع السكاني لصالح الشيعة، اليهود يغزون العراق ويشترون العقارات بأسعار فاحشة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، كما أن معظم البضائع الجديدة الرخيصة الثمن هي من منشأ إسرائيلي علما أنها جميعا مستوردة من دول الجوار- الأحزاب والحركات المؤتلفة في مجلس الحكم، اتفقت على التخلص من السيدة عقيلة الهاشمي لأنها بعثية سابقة، الشيعة يريدون استعجال الانتخابات للهيمنة على الحكومة المقبلة، السنة لا يريدون الانتخابات ويعملون على تفجير الوضع الأمني.

القوات الأمريكية تترك قتلاها في العراء وتتخلى عنهم، الجنود الأمريكان يشترون (الدشاديش) من الأهالي بمئة دولار للتنكر بها والهروب من الخدمة، لكن لماذا.. لان ..المجاهدين يصنعون البطولات والخوارق، ويقتلون يومياً - أو يأسرون - مئات الجنود والمجندات، لذا تلجأ أميركا إلى تشويه سمعة المجاهدين بإلصاقها الأعمال الإرهابية بهم.

النفط العراقي يهرب مباشرة إلى أميركا وإسرائيل، وكذلك (الزئبق الأحمر) الذى ربطت آباره في الناصرية أو العمارة - لا يهم - بشبكة أنابيب مباشرة إلى الأراضي الأميركية.

 لذا حاربت أمريكا صداماً وفتشت الأراضي العراقية شبراً شبراُ.. لان صداماً كان قد نجح في الاستيلاء على صواريخها النووية العابرة للقارات المخبأة في الكويت، وهدد باستخدامها ضد إسرائيل أو ضد القواعد الأميركية في الخليج العربي.

أن ما يسود في العراق، هو نتيجة مباشرة لعقلية نظرية المؤامرة التي غذاها ورعاها نظام (البعث العراقي) على مدى عقود، فالعراق احتل الكويت تجنباً أو استباقا لضربة أميركية أكيدة، أو رداً على إهانة موجهة للمرأة العراقية أو لعزة الدوري. كما شن الحرب على إيران لثمان سنوات منعاً من تصدير الثورة الإسلامية إلى العراق ودول الخليج العربي.. فركش مشروع الوحدة مع سوريا واعدم مئات البعثيين لأنهم تآمروا مع حافظ الأسد ضد صدام وحزبه.

كل شيء كان قابلاً للتبرير والتفسير، أو قد تقوم الجماهير التي أتقنت لعبة (تغييب الحقيقة)  بتقديم التبرير والتفسير اللازم للعقل الجائع والنفس المضطربة. وفى المرحلة الحالية، يستطيع أي مراقب محايد إعادة الشائعات والأقاويل إلى مصادرها الأصلية، وتأويلها أو إعادة قراءتها، على خلفية الصراعات السياسية والتوازنات الطائفية المتحركة، لكنها في كل الأحوال دليل على غياب العقل أو تغييبه نتيجة غياب الحقيقة.

ولهذا التأثير الخطير للشائعات تهتم الكثير من الحكومات والدول بالدراسة المكثفة للشائعات دراسة علمية ومنظمة وهادفة، فنجد علماءها يكرسون جهودهم للبحث عن مختلف العوامل النفسية التي تساعد على انتشار الشائعات وعن الدوافع التي تحركها وعن أنواعها.. الخ وذلك من اجل المحافظة على كيان المجتمع ووحدته.. وحتى تستطيع تلك الدول مواجهة الاعتداءات الخارجية.. نظرا لما تؤدى إليه هذه الشائعات الخارجية من آثار سلبية على الروح المعنوية، وكذلك دراسة الشائعات من الناحية الإيجابية بحيث يمكن استخدامها ضد العدو ولمصلحة الوطن.

ثالثاً: غسيل الدماغ

أجرى مكتب المفوضية العليا للاجئين في الامم المتحدة أواخر العام 2007 مسحاً لتحديد مستوى الصدمة التي اختبرها منذ العام 2003، اللاجئون العراقيون المقيمون في الخارج – بلغ عددهم في ذلك الوقت ما يقارب 2،4 مليون. وعانى كل شخص بين العراقيين (عينة البحث)الذين اجريت معهم المقابلات من حادث صادم في العراق، وجاء في المسح:

 أفاد 77 في المئة من اللاجئين العراقيين الذين اجريت معهم المقابلات عن تأثرهم بالغارات الجوية والقصف أو الهجمات بالصواريخ. وتحدث 80 في المئة أنهم شهدوا عمليات إطلاق نار. وقال 68 في المئة أنهم خضعوا للتحقيق أو للمضايقة على يد الميليشيات أو غيرها من المجموعات، بما في ذلك تلقيهم تهديدات بالموت، فيما تعرض 16 في المئة للتعذيب. وشهد 72 في المئة عملية تفجير سيارة، في حين يعرف 75 في المئة أحد الاشخاص الذين قُتلوا[30]. 

 وتشير احصائيات أخرى إلى أنه في عام 2003 اطلق اكثر من 380 صاروخاً في يوم واحد, وبين 20 آذار/ مارس و2 آيار/ مايو، أي في أسابيع (المعارك الكبرى)، رمى الجيش الأمريكي أكثر من 30000 قنبلة على العراق، بالإضافة إلى 20000 صاروخ كروز دقيقة الهدف –أي 67% من عدد الصواريخ المصنوعة[31].

 إشارة إلى ما تقدم نرى نتائج العمليات النفسية التي قام بها الأمريكيون عن طريق خطة ممنهجة لإجراء عمليات غسيل دماغ واسعة ضد الشعب العراقي بتعريضه إلى صدمات متكررة، إذ " افترض إيوين كاميرون الطبيب النفسي المموّل من وكالة الاستخبارات المركزية الذي حاول أن (يزيل الانماط) من أذهان مرضاه عبر إعادتهم إلى مرحلة الطفولة، أنه إذا كانت صدمة صغيرة قد أفادت هدفه، فإن صدمة أكبر ستكون ذات فائدة أكبر. لذا راح يصدم الذهن بكل الوسائل الممكنة –كالكهرباء أو المواد المهلوسة أو الحرمان والإثقال الحسيّين- وذلك لمحو ما كان موجوداً وتأمين صفحة بيضاء تمكن نطاقاً اوسع في غزو العراق واحتلاله.

فقد استطلع مهندسو الحرب ترسانة الصدمة الشاملة وقرروا اعتمادها كلّها: هجوم عسكري سريع بسلاح الجو والأرض إلى جانب عمليات نفسية معقدة، يليها برنامج المعالجة بالصدمة السياسية والاقتصادية الأسرع والأشمل الذي لم يسبق له مثيل، والذي يتعزّز من خلال جمع المتمردين وإخضاعهم لإساءات لا ترحم لدى مواجهة أي نوع من المقاومة[32] .

   ويعد ما حدث في سجن ابي غريب مثالا جيدا لهذه القضية لتجنيد العناصر المتطرفة التي كان آخرها داعش، وهذا الأخير مثل النموذج الواضح لعمليات غسيل الدماغ التي قامت بها عناصر الاستخبارات المركزية على الجماعات المسلحة والمعتقلين العراقيين[33]  التي استخدمت فيها أساليب ووسائل متنوعة انتجت بمجموعها هجيناً من افكار متطرفة لتنفيذ أهداف معينة تصب في صالح الإدارة الأمريكية في العراق.

 وقد استخدمت خطوات عدة لتحقيق وضع المجموعات الإرهابية الموجهة، يمكن تحديدها عن طريق الإستقراء بما يأتي:

1- الاعتقالات العشوائية للمواطنين وبأعداد كبيرة، وملء السجون بهؤلاء المعتقلين والتعامل معهم بأقسى أنواع المعاملة، تمهيداً لتهيئتهم نفسياً للمراحل اللاحقة.

2- اختيار العناصر الارهابية من أزلام النظام المقبور ممن كانت له سوابق إجرامية ضد المواطنين، وتهيئتهم لمناصب قيادية في التنظيمات الارهابية.

3- استخدام برامج نفسية واستخباراتية مقننة (ضمن عمليات غسيل الدماغ) للتعامل مع العناصر المختارة.

4- تنظيم هذه العناصر بتجمعات نظامية تحت قيادة مسيطر عليها لتنفيذ عمليات محددة.

5- تسليح هذه الجماعات بالأجهزة والمعدات الاتصالية والقتالية والاستخباراتية المناسبة لطبيعة الاعمال التي يقومون بها.

6- إيجاد ملاذ آمن لهذه الجماعات وحمايتهم من الجهد الأمني والاستخباراتي العراقي لضمان تنفيذ الأهداف المطلوبة.

7- توفير غطاء قانوني وحماية هذه الجماعات عن طريق ضمان عدم تعرضهم للاعتقالات أو المساءلة القانونية بحجج وذرائع متعددة ومنها حقوق الإنسان والحقوق الشخصية ونحوها. وفي هذا المجال ايضاً نلاحظ أن قوات الاحتلال الامريكي سعت وبشكل متواصل إلى إيجاد أساليب وطرق خاصة لإخراج البعض من رموز هذه التنظيمات الإرهابية من السجون بعد ادانتهم بتنفيذ عمليات إرهابية واعترافهم بتنفيذ هذه الجرائم.

8- تسليط الدعاية الاعلامية المحلية والخارجية على بعض القادة لهذه المجاميع الإرهابية عن طريق اعطائهم بعض الصفات الخارقة، والعدو الذي لا يقهر[34] .

9- التصفية الجسدية لبعض هذه العناصر بعد انتهاء المهام الموكلة إليهم[35]  أو نقلهم إلى مناطق أخرى لتجميدهم عن أي نشاطات إرهابية فترة من الزمن إلى حين احتياجهم مرة أخرى وللغرض نفسه.

رابعاً: الحرب المعلوماتية

 سعت الإدارة الأمريكية في العراق الى عدم امتلاك الحكومات العراقية المتعاقبة التقنيات والمستلزمات الضرورية من اجل النهوض بواقعها الأمني والاقتصادي والسياسي والذي انعكس بدوره على نواحي الحياة في المجتمع العراقي بأجمعه.

 إذ اننا نلاحظ ان العراق وفي المدة التي شهدت هيمنة الإدارة الامريكية على الواقع السياسي العراقي، لم تجر أية صفقة أو تعاقد فيه لشراء تقنيات حديثة او اسلحة متطورة للجيش العراقي على الرغم من توقيع عقود ضخمة مع الحكومات العراقية على تدريب القوات العراقية وتجهيزها بالأسلحة والمعدات، وإنما اكتفت فقط بالأسلحة والمعدات الكلاسيكية بالإضافة الى السيارات وناقلات الجنود ونحوها.

 وأبلغ صور الحرب المعلوماتية الموجهة تجاه التشكيلات الاستخباراتية العراقية ان الاخيرة لم تستطع ان تخرج من دائرة تحكم الإدارة الأمريكية العسكرية التي راحت تسيطر على تقنيات المعلومات والمراقبة واستخدام الأقمار الصناعية والطائرات الموجهة عن بعد في رصد تحركات الجماعات الارهابية الداخلة عبر الحدود العراقية او المتواجدة في المناطق النائية أو الصحراوية، والتي كان أثرها يظهر عن طريق تغلغل الجماعات المسلحة والإرهابية إلى داخل المدن وفي مراكز حيوية دون أن تكون للقوى الأمنية العراقية دراية بهذه التحركات في الغالب.

خامساً: الحرب الاقتصادية

لقد تعمدت قوات الاحتلال الامريكي ومنذ الساعات الاولى لدخولها الأراضي العراقية السعي إلى تدمير البنى التحتية والاقتصادية للدولة من مصانع ومعامل ومراكز صناعية متعددة، وعلى رأسها النفط العراقي الذي جعلته مستباحاً من جميع الاطراف الداخلية والخارجية "فقضية النفط العراقي المستباح كان حافزاً لإسرائيل على الدخول بقوة في اطار المنافسة على استغلاله، وهذا ما كشفته مصادر عبرية أكدت على أن إحدى الشركات وتدعى شركة بزان ستقوم بشراء (10%) من إجمالي الواردات النفطية الإسرائيلية من العراق، وصرح بذلك يشار مودخاي مدير الشركة نفسها، وأكد على أن الشركة ستقوم بشراء النفط الخام من العراق عن طريق تركيا.. ولم يقتصر الأمر عند مستوى مدير هذه الشركة وتصريحاته بل إن (بنيامين نتنياهو) وزير المالية الإسرائيلي قد أبلغ جمعاً من المستثمرين البريطانيين في لندن بتاريخ (20/6/ 2003م) انه لن يطول الامد قبل أن يتدفق النفط العراقي إلى حيفا وعلى الرغم من انه لم يحدد موعداً لذلك إلا انه أكد على ان الكيان الاسرائيلي يقوم بدراسة المراحل الاولية لإعادة تشغيل الانبوب الذي يخترق الاراضي الاردنية وهو خط (كركوك – حيفا) الذي اغلق منذ عام (1948م))[36] .

 وكان ومنذ اللحظات الأولى لدخول قوات الاحتلال الأمريكي وبعد تدميرها للمنشآت الصناعية الكبيرة، حرصت على عدم إعادة إعمار هذه المنشآت ورفض رجوع العاملين والموظفين إلى هذه المؤسسات حتى بعد استقرار الوضع الامني في بعض المناطق.

 أما بخصوص ما اطلق عليه إعمار العراق فهي عملية ليس الهدف منها سوى إضفاء الشرعية على نهب خيرات هذا البلد واستثمار ثرواته والتحكم السياسي والاقتصادي، وقد برزت المطالبة بمشاركة إسرائيل في هذه العملية داخل الكيان وداخل الولايات المتحدة على السواء، ففي مقابلة اجرتها صحيفة (يديعوت احرنوت) الاسرائيلية بتاريخ (22/6/ 2003م) مع جون تيلور نائب وزير الخارجية الامريكي أكد على ضرورة مشاركة اسرائيل في اعمار العراق وقال: (إن الطريق مفتوح امامها وعليها ان تعرف كيف تستغل الفرصة الكبيرة المتاحة أمامها..) وهذا صحيح فالطريق قد اعد من خلال المراحل السابقة، لكن اسرائيل لا تحتاج إلى النصح في كيفية استغلال الفرص، لأنها مهيأة ومستعدة، ثم يقول تيلور مؤكداً ما ذكره من أن (عملية التشريع في المجالات الاقتصادية التي سيشهدها العراق ستتيح الفرصة أمام شركات اسرائيلية للبدء في تنفيذ مشاريع في العراق والاستثمار فيه..)[37] .

 كما أن الشكل الآخر من تدمير الاقتصاد العراقي هو استهداف المجال الزراعي والقضاء على مقوماته وإيقاف كل المساعي للنهوض به، حتى ان حدود العراق فتحت بمصراعيها أمام استيراد الخضار والمنتجات الزراعية بمختلف انواعها، (حيث قامت قيادة الجيش الامريكي بمنح اسرائيل حق تزويد القوات الامريكية في العراق بالفواكه والخضروات وغيرها من الاغذية في إطار صفقة تجارية تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات ويتم نقل هذه البضائع والمنتجات عن طريق الاردن ثم تقوم شاحنات بنقلها إلى العراق، ويسري الأمر ايضاً على القوات البريطانية وإذا لم تكف المنتجات الاسرائيلية في سد هذه الاحتياجات فإنها ستستوردها من تركيا أو من بعض الدول العربية..)[38] .

سادساً: الحرب الفكرية والثقافية

 وهي من اهم الاساليب المعتمدة للحرب النفسية، تزامنت مع دخول قوات الاحتلال الامريكي إلى العراق، وتمثلت بنقل الأفكار والايدلوجيات الرأسمالية التي تتبناها الثقافة الغربية مضافاً لها حركة التبشير الواسعة والتي قادتها منظمات دينية متطرفة، بالإضافة إلى المؤسسات الاستخباراتية التي دخلت إلى العراق بحجج مختلفة كالدفاع عن حقوق الانسان وحماية الاقليات وحرية المرأة وغيرها.

 ومن الواضح أن هذه المؤسسات قد استمر عملها وجهدها إلى حد الآن عن طريق استحداث منظمات رديفة تحت المسميات نفسها ولتحقيق الاغراض نفسها، وهي تركز جهدها في الوقت الحاضر على طبقة الشباب بدعوى (التنوير) و(مواكبة التطور التكنلوجي) و(إقامة دولة ديمقراطية) ونحوها، والتي تخفي وراءها أهدافاً ومخططات استعمارية توسعية كبيرة.

 ويضاف إلى ذلك إيجاد وسائل وقنوات إعلامية تسعى إلى إيصال الايدلوجيات والافكار الرأسمالية، بالإضافة إلى الخطط والآليات الامريكية في المنطقة والعالم اجمع، ومثالها قناة الحرة عراق وراديو سوا وغيرها[39] .

إشارات ونتائج

  في ضوء ما تقدم، وبعد استعراض الخطورة الكبيرة التي تمثلها الحرب النفسية واستهدافها للعراق بجميع مكوناته، والاضرار التي لحقت بالشعب العراقي بسبب استخدام هذه الاساليب، يجب ان نضع بين يدي المختصين جملة من المستلزمات والمحددات التي يجب ان يلتزم بها أصحاب القرار من مسؤولين ومهتمين بالشأن العراقي للخروج من خطر الوقوع في أزمة الحروب النفسية التي استخدمتها الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية الأخرى لتحقيق مصالحها وأهدافها في العراق بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام، ومنها:

أولاً: انشاء مراكز بحثية عراقية متخصصة في مجال الاعلام والدعاية والحرب النفسية، لتكون قاعدة اساسية في إنشاء أجيال جديدة متحصنة بسلاح العلم والقوة، وأداة يستفيد منها الباحثون في هذا المجال ويعملون على تطويره.

ثانياً: الاستفادة من النتاج العلمي في مجال استخدام اساليب الحرب النفسية العلمية وتوظيفها بشكل علمي دقيق لمواجهة اساليب الحرب النفسية المعادية.

ثالثاً: العمل على اعتماد اساليب نفسية عراقية رصينة في الحروب المضادة تعتمد على تخطيط علمي مسبق من خلال الاعتماد على قوانين العلم بعيدا عن الارتجالية وقرارات من هم خارج التخصص.

رابعاً: اجراء دراسات وبحوث مستمرة في الإعلام والحرب النفسية المتخصصة بالشأن العراقي، والرجوع بهذه الدراسات إلى حقب قديمة للاستفادة من اخطاء الماضي وعدم الوقوع فيها مرة أخرى وبأساليب علمية وموضوعية.

خامساً: . الاعتماد على خبرات علمية وكفوءة في مجال التخطيط للدعاية والدعاية المضادة وعدم الخوض في هذه مجالات بدون دراسة وتخطيط .

------------------------------

[1] ذكر ذلك في رسالة الدكتوراه التي حملت عنوان الدعاية الأمريكية في العراق(1945-1958)/ جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الاعلام، 1998، ص11).

[2]  محاضرة للاستاذة سحر خليفة لطلبة الدراسات العليا/ الإعلام الجامعة العراقية (2016م).

[3]  كتاب (الحرب النفسية للدكتورة حميدة سميسم/2004م).

[4]  كتاب (الحرب النفسية.. اضواء إسلامية للدكتور فهمي النجار /صفحة 66).

[5]  في كتابه الحرب النفسية.. اضواء إسلامية، صفحة 156.

[6]  الدكتورة سحر خليفة، مجموعة محاضرات القيت على طلب الدراسات العليا (الماجستير) في الجامعة العراقية، 2016م.

[7]  أساليب الدعاية الأمريكية والعراقية في حرب الخليج الثالثة، دراسة مقارنة للأساليب المستخدمة، 2005م.

[8]  ذلك في بحثها الموسوم (أساليب الدعاية الأمريكية والعراقية في حرب الخليج الثالثة، دراسة مقارنة للأساليب المستخدمة).

[9]  كتاب (محو العراق خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر، ترجمة انطوان باسيل، لبنان 2011م، في صفحة 63).

[10]  كتاب الحرب التلفزيونية، ترجمة ناصرة السعدون، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1998م).

[11] (ميشيل تشوسوفسكي، الدعاية للحرب/عمليات سرية للتأثير على الرأي العام وصناع السياسات، مجلة المجتمع العدد 1544 في 29/3/2003).

[12]  (الحبيب الغريبي وآخرون، الفضائيات العربية وتغطية الحرب على العراق(حلقة نقاشية)، مجلة المستقبل العربي، العدد (295)، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ايلول2003، ص122).

[13]  (محمد الهزاط واخرون، احتلال العراق: الاهداف- النتائج- المستقبل، سلسلة (32)، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، ص58).

[14]  (سعد حماد، عولمة الحروب.. إلى أين؟ القاهرة،  بلا دار نشر، 2003م).

[15]  (سعد حماد، عولمة الحروب.. إلى أين؟ القاهرة،  بلا دار نشر، 2003م).

[16]  (سعد حماد، عولمة الحروب.. إلى أين؟ القاهرة،  بلا دار نشر، 2003م).

[17]  (سعد حماد، عولمة الحروب.. إلى أين؟ القاهرة،  بلا دار نشر، 2003م).

[18]  الدكتور مصطفى الدباغ في كتابه الخداع في حرب الخليج، (عمان، 1993).

[19]  (مصطفى الدباغ ص33).

[20]  عبد الحميد الجوهري، الخليج العربي وعدوان الحلفاء على العراق، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1994.

[21]   سهام الشجيري، الشرفة.. والمرآة (التغطية الإخبارية في ام المعارك)، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 2001، ص92.

[22]  (أطلق متخصصو الحرب النفسية الامريكية (29) مليون منشور فوق القوات العراقية في الكويت تطالبهم بالاستسلام، واعديهم بمعاملة حسنة ان هم غادروا مدرعاتهم، مهدديهم بالهجمات المقبلة) على القوات العراقية لدفعهم الى ترك مواقعهم(الدكتور مصطفى الصباغ).

[23]   (شيلدون رامبتون وجون ستوبر، أسلحة الخداع الشامل (استخدام الدعاية في حرب بوش على العراق)، بيروت، مركز التعريب والبرمجة، الدار العربية للعلوم).

[24]  نقلاً عن كتاب دراسة في الرأي العام والإعلام والدعاية لمؤلفه رفيق السكري، لبنان: مكتبة مؤمن قريش، 1991، ص143.

[25]  في بحثه المنشور في مجلة الباحث الإعلامي العدد(28) 2015م، بعنوان (اساليب الدعاية الامريكية في العراق).

[26]  في كتابه (الحرب النفسية، حرب الكلمةِ والفكر، عالم الكتب، 2015م).

[27]  عبد السلام أحمد السامر، (اساليب الدعاية الامريكية في العراق)، بحث منشور في مجلة (الباحث الإعلامي/ جامعة بغداد) العدد(28) 2015م، ص 33.

[28]  الشائعات وطرق مواجهتها ، محمد منير حجاب، دار الفجر للنشر والتوزيع: القاهرة، 2007.

[29] يوحنا دانيال: الشائعات المكونة للعقل العراقي:

http://www.alitijahalkhar.com/archive/169/the_opinion.htm.

[30]  مايكل أوترمان وآخرون، محو العراق، خطة متكاملة لاقتلاع العراق وزرع آخر، لبنان: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011، ص42.

[31]  نعومي كلاين، عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث، لبنان: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011، ص458.

[32]  نعومي كلاين، عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث، لبنان: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2011، ص458.

[33]  كان تمويل جماعة – داعش- في البداية وقبل أن تستقل ماليا من دول الخليج وخاصة من السعودية كما يقول الكاتب الأمريكي وليم إنغدال صاحب الكتاب المشهور -قرن من الحروب: السياسة البريطانية الأمريكية والنظام العالمي الجديد-(2011) يقول الكاتب إن الجماعة قد تم تدريبها في معسكر صفوى شمال شرق الأردن والذي تشرف عليه وكالة المخابرات الأمريكية بمشاركة مخابراتية أردنية وتركية (داعش، نشأتها .. قياداتها .. استراتيجيتها في وسائل الاعلام ومراكز الدراسات، ملحق مجلة الرصد/ العدد(4)، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية في العتبة العباسية المقدسة، 2015.

[34]  يمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح عن طريق تتبع سيرة اسامة بن لادن وأيمن الظواهري وابي مصعب الزرقاوي وابي بكر البغدادي ونحوهم.

[35]  وهذا ما شاهدناه بشكل جلي مع اسامة بن لادن وابي مصعب الزرقاوي.

[36]  علي عبد الجليل علي، الحرب على العراق.. رؤية توراتية يهودية، عمان: دار اسامة للنشر والتوزيع، 2004، ص 26.

[37]  علي عبد الجليل علي، الحرب على العراق.. رؤية توراتية يهودية، عمان: دار اسامة للنشر والتوزيع، 2004، ص 27.

[38]  علي عبد الجليل علي، الحرب على العراق.. رؤية توراتية يهودية، عمان: دار اسامة للنشر والتوزيع، 2004، ص 28.

[39]  ينظر إلى الموسوعة الحرة (ويكبيديا)، تحت عنوان قناة الحرة.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف