البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

July / 18 / 2018  |  1631السعودية حصان جيواستراتيجي خاسر

دوغ بانداو - Doug Bandow ناشونال إنترست - National Interest 20 آذار 2018 - 20 March 2018
السعودية حصان جيواستراتيجي خاسر

التحرير: المراهنة على السعودية فاشلة على جميع الصعد، خاصة في عهد ابن سلمان، ولذلك يجب الضغط على السعودية بدل تشجيعها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات سواء في الداخل أو الخارج.


يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً، الغرب سعياً لشراء الأسلحة وتشجيع الاستثمار. وكان إلزامياً المرور على واشنطن.

كان الحاكم الفعلي للمملكة السعوديّة مشغولاً في إلحاق الضرر دولياً ومعاقبة الخصوم السياسيّين محلياً وتخفيف القيود الاجتماعيّة داخليّاً وتحسين صورته خارجياً. وفي حين أن المعارضة تتصاعد نتيجة المجزرة التي ترتكبها السعودية في اليمن، يبدو أنّ إدارة ترامب تتخلى عن مخاوف الانتشار النووي في سعيها لبيع المفاعل النووي ـ حتى في خضم شكوتها تجاه طموحات إيران النووية المفترضة.

يتربع محمد بن سلمان على رأس سلطة دينية سلطوية شديدة التعصّب، لكنه ليس بالأمر الهامّ. فابتكاراته الاجتماعيّة الحديثة ـ أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارات وفتح دور السينما أمام الجميع ـ رسمت له صورة المجدد الغربي الذي يحظى بثناء الجماعات الليبراليّة مسلوبة العقل، كالكاتب في صحيفة نيويورك تايمز طوم فريدمان.

تعد الدولة السعودية نتاج العسكرة والإمبرياليّة الغربيّة، دولة وُلِدَت من رحم زوال الإمبراطورية العثمانيّة بعد الحرب العالميّة الأولى. وقد استطاع عبد العزيز بن سعود في نهاية المطاف تحقيق مسعاه الدؤوب لتوحيد شبه الجزيرة. ومنح اكتشاف النفط في عام 1983 بلاده أهميّة دوليّة غير مسبوقة.

قبل أربعة عقود دفعت الثورة الإسلاميّة في إيران، التي ألهمت الشيعة في المنطقة الشرقيّة من المملكــة، وسيطـرة المتطــرّفين الإسلاميّين على المسجد الحرام في مكّة إلى تبنّي السلطة الدينيّة في المملكة توجّهاً استبداديّاً. ففرضت العائلة الحاكمة التفسير المتشدّد لرجال الدين الوهابيّين للإسلام مقابل تقديم ولائهم للدولة السعوديّة. بالتالي، مزج الأمراء الحكّام الليبراليّة الخاصّة بالتقوى العامة وعاملوا النساء على أنّهنّ أقلّ قدراً ومنعوا المعتقدات غير الإسلاميّة ونشروا المطوّعين أو الشرطة الدينيّة. كما قدّموا الدعم الحكوميّ واسع النطاق لنشر الوهابيّة في الخارج من خلال المساجد والمدارس والأساتذة والكتب.

فكانت النتيجة حكماً بالياً فاسداً على رأسه مُسنّون يقوّض عمليّاً كلّ قيمة ومصلحة غربيّة. ولكنّ المملكة الخرفة التي تربّع على عرشها أبناء ابن سعود المسنّون امتلكت النفط والثروة الطائلة. وهذا منح النظام الكثير من التأثير في الغرب، وخصوصاً الولايات المتّحدة.

ولم تمر المملكة بتغييرات تّذكر إلّا لغاية كانون الثاني 2015 حين رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وتوج سلمان بن عبد العزيز آل سعود البالغ من العمر 81 عاماً ملكاً. في غضون عامين، انتهك الملك الأعراف ونصّب ابنه المُفضّل محمّد بن سلمان وليّاً للعهد. أحكم محمّد بن سلمان سيطرته، ساحقاً بوحشية أي معارضة مُحتملة. وحوّل المملكة غير الفعّلة إنّما الجماعيّة إلى إدارة أكثر تشدّداً وعاجزة. لكن لغاية الآن لم يؤدّ الإخفاق السائد إلّا إلى تشجيع محمّد بن سلمان على الإقدام على مزيد من إلحاق الضرر بكلّ مَن لا يُعدّ مؤيداً مِن دائرته في الأسرة الحاكمة. ولغاية الآن ـ طبعاً مع بقاء والده رسميّاً ملكاً ـ يمكن وصف حكمه بالطيّب والشرس والخبيث.

الطيّب هو الإصلاح الاجتماعيّ. فقد قلّص محمّد بن سلمان سلطة الشرطة الدينيّة واستهدف التطرّف الدينيّ وألغى القيود على النساء، بما في ذلك قيادة السيارات، وبدأ بالمقابل بتخفيف القيود الاجتماعيّة. كما سعى إلى إصلاح النظام الماليّ في المملكة بما يتناسب مع أسعار النفط المنخفضة. فقلّل الدعم الحكوميّ بعضَ الوقت، قبل أن يتراجع عن ذلك بسبب استياء العامّة التي ترعرعت بالاعتماد على الدولة. مقابل هذه الجهود، حصد المديح، لكنّه لم يكدْ ينال الأوسمة لكونه مُجدداً حالماً.

الشرس فعلاً سيّء: الاضطهاد السياسيّ والدينيّ المحلّيّ. تجد جماعات حقوق الإنسان باستمرار أنّ المملكة السعوديّة واحدةٌ من أكثر الدول استبداداً في العالم. على سبيل المثال، تعتبر فريدم هاوس أنّه لا وجود للحرّيّة في المملكة. «المملكة تفرض القيود على جميع الحريّات السياسيّة والمدنيّة من خلال المزج بين القوانين الاستبداديّة واستخدام القوّة»، حسبما تورد فريدم هاوس. ويعتمد الحكّام على «المراقبة الشاملة وتجريم المعارضة وتبنّي الطائفيّة والإنفاق العامّ المدعوم من العائدات النفطيّة للحفاظ على السلطة».

وتصل منظّمة العفو الدوليّة إلى نتيجة مماثلة: «تقيّد السلطات بشدّة حرّيّة التعبير والتجمّع. وقد اعتُقل كثيرون من المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين وحُكِم على بعضهم بالسجن مدى الحياة بعد محاكمات ظالمة. وأُعدِم عدد من النشطاء الشيعة وحُكم على عدد أكبر بالإعدام بعد محاكمات جائرة على نحو صارخ». وتحدّثت منظّمة العفو الدوليّة عن التعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسيّ وغيرها من الممارسات بحقّ المعتقلين.

وأورد تقرير حقوق الإنسان المؤلّف من 57 صفحة والصادر عن وزارة الخارجيّة «افتقار المواطنين إلى القدرة والوسائل الشرعــيّة في اختيار حكومتهــم؛ والقيود على الحقوق العالميّة مثل حرّية التعبير بما في ذلك استخدام الانترنت وحرّية التجمّع والحراك والدين؛ والتمييز الشائع بين الجنسين والافتقار إلى الحقوق المتساوية التي تؤثّر في معظم جوانب حياة المرأة». وليس هناك استقلاليّة قضائيّة أو إجراءات قانونيّة. وهناك «تدخّل تعسفيّ بالحياة الخاصّة والمنزل والارتباط» وأكثر من ذلك بكثير.

وأولئك الذين يُعارضون النظام يهابون العقاب. في كانون الثاني 2016 أعدمت المملكة السعوديّة 27 شيعيّاً، أغلبهم من الذين تظاهروا ضدّ الاضطهاد السنّيّ في عام 2011. وكان من بينهم رجل الدين الشهير نمر النمر الذي دعم المتظاهرين. واتُهموا جميعاً «بالإرهاب»، أي معارضة الحكم الملكيّ السنّيّ المُطلق. واعتُقل رجال الدين والكتّاب وأصحاب المُدوّنات في العام الماضي فقط لأنّهم ببساطة لم يقولوا شيئاً يدعم هجوم النظام على قطر.

وكان رائف بدوي ضحيّة شهيرة أخرى، وهو صاحب مدوّنة معارض انتقد الاضطهاد الدينيّ وسوء معاملة النساء فحُكم عليه في عام 2014 بالسجن مدّة عشر سنوات وألف جلدة بالسوط. وحُكم على محاميه لاحقاً بالسجن مدّة 15 عاماً وهربت زوجته إلى كندا.

وقائمة ضحايا محمّد بن سلمان طويلة. على سبيل المثال، في كانون الثاني حُكم على مؤسّسي الاتّحاد لحقوق الإنسان، عبد الله العطوي ومحمّد العتيبي، بالسجن مدّة 7 سنوات و14 سنة على التوالي. وعلى نطاق أوسع، أوردت هيومن رايتس ووتش أنّه في العام الماضي «استمرّت السلطات السعوديّة باعتقالاتها التعسفيّة للمعارضين السلميين ومحاكمتهم وإدانتهم. ولا يزال العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء يقبعون مدّة طويلة في السجن بسبب انتقادهم السلطات أو تأييد الإصلاحات السياسيّة والدفاع عن حقوق الإنسان. وتستمرّ السلطات في سياساتها التي تتبنّى التمييز بحقّ النساء والأقلّيّات الدينيّة».

في كانون الأوّل، أوردت منظّمة العفو الدوليّة أنّه «في الأشهر التي تلت تعيين وليّ العهد، كثيرون اعتقدوا أنّ انفتاحه لا يغدو كونه أكثر من مناورة علاقات عامّة ماكرة. في الواقع، السجلّ الحقوقيّ الأليم في البلاد لم يتحسّن. بل شهد استمرار موجة الاعتقالات التي شملت الصحفيّين والنقّاد وعلماء الدين. فعليّاً، إنّ جميع نشطاء المجتمع المدنيّ والمدافعين عن حقوق الإنسان البارزين، وكثيرون من بينهم رفعوا الصوت ضدّ الفساد، حاليّاً وراء القضبان. تماماً كأسلافه، يبدو أنّ وليّ العهد مُصمّم على سحق أيّ تحرّك لحقوق الإنسان داخل المملكة».

حتّى النخب صاحبة الامتيازات لم تُستثنَ. في الخريف الماضي، حوّل محمّد بن سلمان فندف ريتز ـ كارلتون إلى سجن واعتقل مجموعةً من السعوديّين البارزين، من بينهم قريبه محمّد بن نايف الذي نُحّي قبل ذلك عن منصب وليّ العهد. وكان ثمن حرّيتهم توقيعهم على التخلّي عن حصص كبيرة من ممتلكاتهم. وتعرّض الكثيرون منهم لاعتداءات جسديّة واحتاجوا إلى الرعاية الطبيّة. وعلى ما يبدو توفّي أحدهم أثناء اعتقاله. ولا يزال بعضهم معتقلاً لكن ليس في فندق فاخر. ومُنع آخرون من السفر ووُضعوا تحت المراقبة الشديدة. برّر محمّد بن سلمان عمليّة الابتزاز بأنّها حملة ضدّ الفساد. لكنّه في الوقت عينه دفع نصف مليار دولار ثمن يخت وثلاثمئة مليون دولار مقابل قصر فرنسيّ، وأُشيع أنّه المشتري المجهول للوحة ليوناردو دا فينشي التي بلغ ثمنها أربعمئة وخمسين مليون دولار في العام الماضي. يبدو أنّ المناورة بأكملها ليست إلّا إعادة توزيع لبضائع مسروقة.

ولم يُستثنَ مَن يعيش خارج البلاد من رحمة «العدالة» السعوديّة. فقد أوردت صحيفة الغاردين وقناة بي. بي. سي. عن اختطاف ما لا يقلّ عن ثلاثة أمراء معارضين يعيشون خارج السعوديّة. كان لهؤلاء الثلاثة تأثير سياسيّ ورفعوا الصوت الانتقاديّ لكنّهم اختفوا داخل السعوديّة، ولم يُسمع عنهم قطّ.

وليس هناك أيّ حرّية دينيّة في المملكة السعوديّة. تقول وزارة الخارجيّة: «الحرّية الدينيّة ليست متوفّرة وفقاً للقانون ولا تعترف الحكومة بحرّية اعتناق أيّ دين غير الإسلام علناً». ويُجرّم النظام الكثير من الأفعال، «من بينها العبادة العامّة غير الإسلاميّة والإظهار العلني للرموز الدينيّة غير الإسلاميّة واعتناق المسلم أي دين آخر والتبشير عند غير المسلمين. واعتُقل علماء الدين والنشطاء الشيعة الذين دعوا إلى المعاملة المتساوية للمسلمين الشيعة». ووصفت وزارة الخارجيّة المملكة بأنّه «بلد مُثير للقلق».

ترعى المملكة مركز حوار بين الأديان ـ في فيينا وأستراليا. وخلال زيارته للمملكة المتّحدة أوائل هذا الشهر، قال رئيس الأساقفة في مدينة كانترباري إنّ محمّد بن سلمان «أعلن عن التزام قويّ بتعزيز وضع أولئك الذين يعتنقون معتقدات دينيّة مختلفة والحوار بين الأديان داخل المملكة وخارجها». لكن ليس في السعوديّة أيّ كنيسة أو كنيس أو معبد أو دور عبادة غير إسلاميّة. حتّى التجمّعات الخاصّة تعيش خطر مداهمتها من قبل القوّات الأمنيّة ويُهدّد الأفراد بالاعتقال. وكانت هيومن رايتس ووتش قد نشرت تقريراً في أيلول الماضي فصّلت فيه «خطــــاب الكراهية الشامل للحكومة، ولا سيّما خطاب العلماء التابعين للدولة وفي الكتب المدرسيّة في البلاد»، خصوصاً ضدّ الشيعة.

البشع هو الأكثر إثارة للقلق في أنحاء العالم. خلال العقود الثلاثة الماضية، أنفقت الرياض حوالى مئة ألف مليار دولار لنشر الوهابيّة في أنحاء المعمورة. هذه السلالة من الإسلام متعصبة، وتسيء إلى سمعة الآخرين وأفراد المعتقدات الأخرى والمسلمين الأقلّ تعصّباً. بالتالي، هي تخصّب الأرض التي تُزرع فيها البذور الإرهابيّة. ولغاية الآن التزام محمّد بن سلمان المُفترض بالاعتدال الدينيّ والحوار لم يُغلق حنفية التطرّف تلك.

علاوة على ذلك، أطلق محمّد بن سلمان حملة متهوّرة وعدوانيّة لتوسيع النفوذ السعوديّ في الشرق الأوسط، حملة أثبتت أنها أخطر من نشاطات إيران. بغضّ النظر عن ذرائع طهران، البلد مُحطّم: فهو عاجز اقتصاديّاً ومُنقسم سياسيّاً ومعزول دوليّاً. والإمبراطوريّة الشاسعة التي من المفترض أن إيران تعمل حسب الزعم على إقامتها هي أكثر كلفة من المنفعة: سوريا مُدمّرة ويمن مُخرّب ولبنان عاجز وعراق ضعيف. فلم يرد أيّ أحد تحمّل مسؤوليّة قائمة كهذه؟

لكنّ السعوديّة تزعزع بنشاط استقرار المنطقة فيما تعزز فعليّاً الاضطهاد والاستبداد. في مصر، أمّنت السعوديّة ديكتاتورية السيسي، التي تُعدّ أكثر وحشيّة من نظام مبارك في أسوأ أحواله. فالرئيس عبد الفتاح السيسيّ يعتقل أفراد الإخوان المسلمين ويقتلهــم ويُلقــي نشطاء الديمقراطيّة والمتظاهرين والصحفيّين والطلّاب المتظاهرين في السجون ويُغلق المنظّمات غير الحكوميّة المصريّة والأجنبيّة ويُخفي النشطـــاء السياسيّين ويعتقل النقّاد الأجانب ويعذّبهم، حتّى إنّه قتل طالباً إيطاليّاً كان يُجري تحقيقاً بشأن ممارسات النظام. ويدعم السعوديّون بسخاء هذه الديكتاتوريّة، وكان الجزاء التخلّي عن جزيرتين لطالما كانا موضع نزاع.

شجّع الربيع العربيّ في عام 2011 نشطاء الديمقراطيّة في البحرين، بلد ذو أغلبيّة شيعيّة تحكمه ملكيّة سنيّة. فردّ النظام بالقمع والعنف ودعمته القوّات السعوديّة. برغم كلّ ذلك تشجب المنامة التدخّل المزعوم لإيران، الذي بات مُمكناً نتيجة رفض الأسرة الحاكمة البحرانيّة قبول حتّى المعارضة السلميّة.

في عام 1975، غرق لبنان في حرب أهليّة كارثيّة. في مرحلة ما، تدخّلت الولايات المتّحدة وسط مجموعة من الفئات العسكريّة المتنازعة، فكانت النتائج كارثيّة. حتّى بعد انتهاء الصراع في عام 1990، بقيت البلاد هشّة مع تنازع الأطراف المسيحيّة والسنّيّة والشيعيّة على السلطة من خلال توزيع طائفيّ واضح للمناصب السياسيّة. ولكن في العام الماضي، استدعى محمّد بن سلمان رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، زعيم الطائفة السنّيّة المتحالف مع المملكة، إلى الرياض لكن جرى اعتقال الزعيم اللبنانيّ وأُجبر على الاستقالة، في محاولة شاذّة من قبل الحكومة السعوديّة للضغط على حزب الله، القوّة الشيعيّة شبه الحكوميّة المتحالفة مع إيران. فأدّى ذلك إلى صدمة عالمية ـ حتى الحكّام السعوديّين غير مسموح لهم اختطاف زعماء أجانب. نتيجة الضغط أُطلق سراح الحريري، وعاد عن استقالته. من المفارقة، تعزّزت مكانة حزب الله مع اتّحاد اللبنانيّين وراء مطلب عودة الحريري.

 انــضمّت الــرياض إلى الإمارات العربيّة المتّحدة في عزل قطر لأسباب مشكوك فيها على نحو مماثل. وعزت السعوديّة ذلك لارتباط الدوحة المزعوم بالإرهابيّين، لكنّ ذلك منذ زمن طويل كان تخصّص السعوديّين. كانت الرياض أكثر استياءً بشأن علاقة قطر بإيران، التي تربطها بالقطريّين علاقة مشاركة ملكيّة حقل غاز طبيعيّ. وتستضيف قطر أيضاً الحركات السياسيّة غير الشعبيّة، مثل حماس وطالبان والإخوان المسلمين، التي انتقدت الحكّام السعوديّين والأنظمة العربيّة الأخرى (من المفارقة أنّ الإمارات العربيّة المتّحدة سعت أصلاً إلى أن يكون لديها سفارة لطالبان). كما استاءت الرياض من قناة الجزيرة التي تدعمها قطر، قناة تحظى بالشعبيّة في أنحاء العالم العربيّ ومستعدّة دائماً لتسليط الضوء على الانتهاكات السعوديّة. أتت حملة محمّد بن سلمان بنتائج عكسيّة، دافعةً قطر إلى التقرّب أكثر من إيران وإحضار تركيا إلى الشؤون الخليجيّة.

وتدخل السعوديون أيضاً في سوريا، في معظم الأحيان من أجل دعم القوّات الجهاديّة ضدّ حكم الأسد. ولم يكن الجيش السعوديّ فاعلاً وما لبث أن تورّط في اليمن. ووقفت السعوديّة إلى جانب الإسلاميّين المتطــرّفين المؤيّدين للتعاليم الوهابيّة ولم تساند «المعتدلين» المُفترضين الذين تفضّلهم واشنطن. ولو أنّ السعوديّة نجحت لانتهى المطاف بسوريا ذات نظام إسلاميّ متطرّف آخر معادٍ لأميركا.

أخيراً، محمد بن سلمان هو المهندس الأساسي إلى جانب الإمارات العربية المتحدة للهجوم الكارثي في اليمن. هذا البلد يعاني حرباً أهلية مستمرة وصراعاً طائفياً يمتدّ نصف قرن. وفي مرحلة ما، تدخّل الجنود المصريّون والسعوديّون لدعم طرفين متنازعين. وفي عام 2014، انضمّ الحوثيّون المُشاكسون منذ مدّة طويلة إلى خصمهم السابق الذي فقد الحكم مؤخّراً، الرئيس عليّ عبد الله صالح، لإسقاط عبد ربو منصور هادي. ولم يكن لإيران دور يُذكر في الملحمة اليمنيّة.

أما السعوديّون فكانت رغبتهم تشكيل حكومة تابعة لهم في صنعاء وتدخّلوا لمصلحة هادي. منذ ذلك الحين، اختلفت أهداف الرياض وأبو ظبي، مع تخلّي الإمارات العربيّة المتّحدة عن هادي ودعم انفصال ما كان يُعرف سابقاً باسم دولة اليمن الجنوبيّ. كانت إدارة أوباما قد تدخّلت لدعم السعودية، موفّرة الذخيرة والتزوّد بالوقود جوّاً وتحديد الأهداف. لكنّ الصراع تحوّل إلى كارثة بشريّة. فتعتبر الجماعات الإنسانيّة أن التحالف بقيادة السعوديّة مسؤول عمّا لا يقلّ عن ثلاثة أرباع القتلى المدنيّين، المُقدّر عددهم بحوالى عشرة آلاف ضحيّة. ودمّرت الرياض وأبو ظبي نظام الرعاية الصحيّة في اليمن وسبّبتا انتشار وباء الكوليرا وسوء التغذية والجوع على نحو واسع النطاق. وكمناورة علاقات عامّة، تقدّم المملكة «المساعدة» للبلاد التي دمّرتها على نحو منهجي.

مرة أخرى، أتت سياسة محمد بن سلمان بنتائج عكسيّة. قدّمت طهران الدعم المتواضع للحوثيين، فغرقت السعودية في المستنقع ولا تزال تُستنزَف، واكتشفت أنّ عشرات مليارات الدولارات التي أنفقتها على الأسلحة المتطوّرة لم توفّر لها الكفاءة العسكريّة المطلوبة. يقول بيتر ساليسبوري من معهد تشاثام هاوس: «كان الهدف من الحرب في اليمن إظهار قدرة السعوديّة على دحر دور إيران في المنطقة. لكنّ ما حصل هو العكس». فقد تضرّرت سمعة السعوديّة دوليّاً لارتكابها المجازر بحق المدنيّين العُزّل من دون تحقيق أيّ هدف جيوسياسي جدي.

فلم تستمر واشنطن في دعم الحكّام السعوديّين؟ إنّ علاقاتها بالسعوديّة مُحرجة وذات نتائج عكسيّة وغير ضروريّة. وأميركا تتخطى السعوديّة على صعيد انتاج النفط. وثمة موارد جديدة في أمكنة أخرى تقلّص دور المملكة التي كانت ذات مرة المصدّر المهيمن للنفط. ويمكن لإسرائيل والدول الخليجيّة أن تقوّض بسهولة دور إيران من دون الدعم الأميركي.

هذا لا يعني أنّ الولايات المتّحدة يجب أن تتعامل مع الرياض على أساس أنّها عدوّ. بل يجب أن يتعامل الأميركيّون مع المملكة على نحو ملائم من دون الحاجة إلى ادّعاء الصداقة. وينبغي لواشنطن أن تنتقد بحرّية ما يُعتبر واحداً من أكثر الأنظمة قمعاً في العالم، مع تطبيق المعايير نفسها التي تُطبّق على إيران. وتشير سارة ليه ويتسون من منظّمة هيومن رايتس ووتش قائلةً: «إنّ صورة محمّد بن سلمان التي يُنفق عليها كثيراً كي يظهر على أنه إصلاحيّ تتشوّه نتيجة الكارثة الإنسانيّة في اليمن وعشرات النشطاء والمعارضين السياسيّين القابعين في السجون السعوديّة بتهم زائفة».

يجب أن تعكس السياسة الأميركيّة حقيقة أنّ محمّد بن سلمان طائش ومتهوّر ومتسلّط، برغم رغبته في تحرير الحياة الاجتماعيّة السعوديّة. فإن كان جدّيّاً بخصوص الإصلاح، يجب أن يتضمّن جدول أعماله السماح بحرّية أكبر للتعبير والعبادة الدينيّة لغير المسلمين وتغليب حكم القانون على حكم الرجال وكبح جماح المغامرة الدوليّة. وقتذاك، تكون المملكة السعوديّة صديقة لأميركا وتتوافق مع المبادئ والمصالح الأميركيّة.

----------------------

دوغ بانداو : باحث رفيع المستوى في معهد كاتو ومساعد خاصّ سابق للرئيس رونالد ريغين.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف