البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 14 / 2018  |  1598اللهجات العربية في الفكر الاستشراقي

عبد العالي احمامو المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2018
اللهجات العربية في الفكر الاستشراقي

1 ـ الاستشراق اللغوي:

اهتم العديد من المستشرقين بالجانب اللغوي في دراساتهم لمجتمعات العالم الشرقي، باعتبار أن اللغة هي الجسر الذي يربط المستشرق بالمجتمع قيد الدرس، ولا سبيل للتعرف على تراث وثقافة العالم العربي دون التمكن من لغته ولهجاته. وقبل الخوض في تعريف الاستشراق اللغوي، نشير إلى أننا لم نخلص إلى أي اختلاف بينه وبين الاستشراق في مفهومه العام سوى التمييز في الأهداف حيث جاء الأول مقتصرا على اللغات واللهجات، فيما الثاني تتعدد أهدافه ومجالات دراسته.

ومما لاشك فيه أن الدراسات العربية والإسلامية تحتل منزلة مهمة في الحوار العقلي الدائر بين أوروبا والإسلام، خاصة أن فتوحات العرب الكبرى والمواجهة المسلحة بين الدولة الإسلامية الفتية والإمبراطورية البيزنطية وبين الدول الأوروبية الأخرى فيما بعد؛ لم تتركا للساسة الغربيين متسعا من الوقت كي ينشغلوا بدراسة اللغة العربية، كما يضاف إلى ذلك قيام العالم الإسلامي بالمحافظة على تراث اليونان وغيرهم في مجالات الفلسفة، والرياضيات، والطب، والفلك، والعلوم الطبيعية وبإثرائها، مما حث الأوروبيين على الترجمة من العربية إلى اللاتينية(([1])).

وقد عرفت أوروبا منذ القرن الثالث عشر تحولا في الاهتمام بالعربية خاصة بعد مؤتمر فيينا 1312م، وذلك بعدما اقتنع العديد من الأوروبيين أن الطريقة المثلى للتعامل مع المسلمين هو التعرف عن كثب على أفكارهم ولغاتهم، بعدما كان القضاء عليهم عسكريا هو الحل، وظل هذا الاتجاه يتنامى إلى أن عُقد مجمع فيينا عام 1312م الذي أوصى أن تُدرس العربية في كبرى المراكز العلمية الأوروبية: باريس وأكسفورد وبولونيا وأفينيون وسلامنكا، وتعد هذه الخطوة بداية المحاولات الأوربية رسميا للاهتمام بالعربية([2]).

ومع بداية القرن السادس عشر، فتحت الأوساط الأكاديمية الأبواب لكي تَدْرس وتُدَرِّس اللغة العربية. فإلى جانب كون العربية كانت لغة الكنائس الشرقية؛ كان الشرق في نظر الغرب آنذاك هو الحضارة الإسلامية، حيث اتجهت أولى الاهتمامات الغربية نحو دراسة هذه اللغة، وجاء السبق في هذا المجال من إسبانيا "فقد صدرت أول آجرومية عربية في أوربا على يد بطرس ذي القلعة في غرناطة عام 1505هـ"([3]).

وما اكتفى علماء الاستشراق في أوروبا بدرس اللغة العربية، وادِّخار كتبها، لكنهم انصرفوا منذ عهد اختراع الطباعة إلى طبع الشيء الكثير من تواريخ بلاد العرب وجغرافيتها وتراجم رجالها وأصول شعوبها. هكذا تيسر للأوروبيين أن ينشروا أهم تلك الكتب في مختلف العلوم العقلية والنقلية. ومن جملتها أول طبعة من القرآن باللغة العربية نشرها بابا غانيني في مدينة البندقية، ثم نشر أندريا أريفابن من مانتو أول طبعة للقرآن باللغة الإيطالية، وبعد ذلك طبِع هذا المصحف  بسائر لغات أوروبا([4]).

ويعتبر محمد كرد علي أن كتاب دائرة المعارف الإسلامية، الذي لا يزال يصدر إلى اليوم في مطبعة ليدن الهولندية بلغات العلم الثلاث، الإنجليزية والألمانية والفرنسية، هو أصح كتاب كتب في تاريخ بلاد العرب وجغرافيتها وتراجم رجالها وأصول شعوبها،  "فمن قرأه وعرف أن أمهات كتبنا في الدين والعلم والتاريخ لاتزال تطبع في مطابع الغرب منذ زهاء أربعمائة سنة، أي على أوائل عهد اختراع الطباعة، وأن المطبوع منها بالعناية الفائقة تتألف منه خزانة كتب كبرى تحتوي على كل فن ومطلب، وأن ما طبع من أسفار أسلافنا في أوربا وأمريكا على أيدي المستشرقين من أهل تينك القارتين يبلغ أضعاف أضعاف ما طبع بلغات الشرق كله، من عرف كل هذا يدرك مبلغ عناية الإفرنج بلغتنا ومدنيتنا وتاريخنا"([5]).

كما نقرأ في "أطرب الشعر وأطيب النثر" للأب لويس شيخو "أن المطبوعات العربية وحدها التي تصدر في أنحاء أوروبا فضلا عن بقية اللغات السامية، تنيف كل عام على الألف والثلاثمائة بين التآليف الصغيرة والكبيرة ذات المواضيع المتوسطة والخطيرة، وذلك بلا مراء أقوى دليل يثبت ما في علماء الغرب من الكَلَف بنشر آثار لغتنا"([6]).

وكانت دراسة العربية شائعة في شبه جزيرة إيطاليا، بالنظر إلى أن تعلمها من الحاجات الماسة لكل تجار المدن البحرية "حيث وضع أحدهم سنة 1265م باللغة العربية كتاب المعاهدة التجارية بين تونس وجمهورية بيزا، وظلت العربية مألوفة في عدة أماكن من إيطاليا الجنوبية عقيب احتلال العرب صقلية، فكانت في بلاط نورمانديا وهوهانستوفين وفريديريك الثاني وديمنفروا لغة العلم العالي والشعر والأدب. وكان من سقوط الدولة البيزنطية في القسطنطينية وهجرة علماء من اليونان إلى إيطاليا وكثير من نصارى الشرق، واختراع الطباعة وقيام الإصلاح الديني أن هبت في أرجاء إيطاليا حركة النهضة العلمية التي تجلت أجمل مظاهرها في الدروس الشرقية ولاسيما في دروس العربية والإسلام"([7]).

كما شاعت في القرون الوسطى في أوروبا لغتان فقط من لغات الشرق بين العلماء؛ وهي اللغة العبرانية التي كانت تعتبر لغة الإنسانية الأصلية، واللغة العربية التي كانت مهمة لكثرة البشر الذين يتكلمون بها، ولشهرة فلاسفة الإسلام أمثال ابن رشد وابن سينا وابن زهر والفارابي، لذلك أنشئ في باريس منذ أواسط القرن الثالث عشر للميلاد درس عام لتدريس اللغة العربية([8]).

وفي منتصف القرن السادس عشر ثار جماعة من البروتستانت بزعامة مارتن لوثر الألماني على الكنيسة، للتأكيد على ضرورة العناية باللغات التي أسموها (سامية)، وهي اللغات التي دونت بها النصوص المقدسة؛ كالعبرية والآرامية، "ولما كانت هذه اللغات مندثرة غامضة في كثير من مفرداتها وتراكيبها؛ فقد بات لزاما عليهم أن يستعينوا على معرفة ألغازها وغوامضها بالاستئناس بالعربية، وهكذا أصبحت العربية معينا لهم في معرفة نصوص كتبهم المقدسة، وكانت إلى ذلك الوقت لغة مهمة علميا، إذ كانت وعاء لعلوم مختلفة كالطب والكيمياء، وأهم من ذلك فيما يختص للأوربيين؛ أنها حفظت لهم الفلسفة اليونانية التي ترجمت إلى العربية، وفي هذا يقول آربري: "كان من فخارها (أي العربية) أنها صارت الواسطة التي نقل بها أرسطو وجالينوس اللذان كانا قد آلا إلى النسيان"([9]). 

وتبقى العلاقات السياسية والاقتصادية للقوى الكبرى مع الدول الإسلامية العامل الأكبر وراء الاهتمام باللغة العربية، حيث انتزعت هولندا زمام المبادرة مع بداية القرن السابع عشر لمدة تقارب القرنين، أما بعد نجاح الثورة الفرنسية سنة 1789م في تحقيق أفكارها، انتزعت فرنسا الريادة في مجال الدراسات العربية، فكان نصيب هذه الدراسات من الانتعاش ما شهدته حركة الاستشراق في القرن التاسع عشر ككل وافر([10]).

وبعد أن تطور المنهجين التاريخي والمقارن عند الغرب، وظهرت نتائج الدراسات المقارنة التي قاموا بها، برزت الحاجة إلى دراسة تقارن اللغة العربية بأخواتها اللغات السامية. إذ يترتب على هذا النوع من الدراسات فوائد عظيمة تعود بالنفع على نتائج الدرس المقارن. إذ "إن معرفة اللغات الآرامية وغيرها من اللغات السامية تكون واسطة لحل مشاكل لغوية كثيرة في العربية، وأن معرفة العربية تحل مشاكل أخواتها اللغات السامية"([11])، وفي القرن الثامن عشر بدأت صورة جديدة للشرق تشق طريقها؛ وذلك تماشيا مع عصر التنوير والحركة الرومانسية. فكسبت الدراسات العربية طفرة كبيرة أدت بها في نهاية المطاف إلى الانفصال عن علوم اللاهوت، وقد تزعم ذلك الجيل الكبير من المستشرقين الأوائل؛ كل من: شولتزر ورايسكي وسيلفستر دي ساسي([12]).

والملحوظ أن الاتجاهات الأساسية لاهتمام المستشرقين بالعربية تتميز بعدة خصائص أهمها:

التركيز على النصوص التراثية بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها. وهم لا يتوقفون في ذلك عند عصور الاحتجاج اللغوي، بل يتجاوزون ذلك إلى العصور التالية حتى العصر الحديث. أما النصوص المعاصرة فهي قلما تبحث في هذا النمط من الكتب، ولو درست النصوص المعاصرة فإنها تعد عندئذ استمرارا للنمط القديم. أما النصوص الحديثة فيطلقون عليها اسم (العربية المعاصرة)([13]).

الاعتماد على الكتب العربية النحوية والصرفية والمعجمية، لذا كانت بداية جهودهم في القرن الماضي تنصب على تحقيق كتب التراث بعامة، بما في ذلك الكتب اللغوية، وترجمة بعضها إلى لغاتهم([14]).

ومن جهود المستشرقين اللغوية المبكرة ترجمة دواوين الشعراء، والأعمال الأدبية المهمة؛ مثل كتاب مجمع الأمثال للميداني، ومقامات الحريري، إضافة إلى ترجمة الكتب المهمة في اللغة العربية وطباعتها؛ مثل الكتاب لسيبويه، والمفصل للزمخشري، وشرح المفصل لابن يعيش وغيرها([15]).

كما لا يخفى أثر الاستشراق في تنظيم المعجم العربي، وإسهام  علمائه في تبويبه وترتيبه وتأليفه على السواء، خاصة عندما تجاهل العرب، في غفلة من الزمن، تراثهم اللغوي، وتناسوا تفوقهم المعجمي على العالم بأسره، فإنه  منذ أن ابتدأت حركة الاستشراق عني القائمون بها بدراسة اللغة العربية لتفتح لهم كنوز الثقافة العربية، ولتفتح لهم أسواق بلاد العالم العربي، وفي نفس الوقت تفتح لهم الطرق إلى استعمارها، فأول معجم نسمع عنه ألفه رافانج في القرن السادس عشر، وطبع بعد وفاته في أوائل القرن التاسع عشر عام 1813م([16]).

ومنذئذ واصل المستشرقون إخراج المعاجم العربية القديمة وتنظيمها، وإصدار المعاجم العربية الحديثة كما واصلوا دراستها بجهد واجتهاد، وقد أدى ذلك كله إلى أثرهم في الأدب العربي المعاصر؛ حيث تأثر العرب المحدثون في هذا الميدان بمنهجهم تماما([17]).

2  ـ إسهامات المستشرقين في دراسة اللهجات العربية:

قدم المستشرقون إنجازات كبيرة في مجال الدراسات الشرقية بصفة عامة والدراسات العربية بصفة خاصة، وتنوعت هذه الدراسات حيث قُدمت لمن يريد من الأوروبيين تعلم العربية وإتقانها؛ وشملت تأليف الكتب التي لا غنى عنها؛ مثل كتب القواعد، والمعاجم، وفهارس المخطوطات، وشروح النصوص، إضافة إلى نشر كتب التراث العربي، والعناية بالمخطوطات العربية، ووضع فهارس خاصة لها في المكتبات، وتحقيق المخطوطات النادرة ونشرها.

وما يهمنا من خلال علاقة المستشرقين بالتراث العربي، عنايتهم باللهجات العربية، حيث سنسلط الضوء على الاستشراق اللغوي في شقه اللهجي؛ أي الدراسات التي اهتمت باللهجات العربية، من خلال الأعمال والدراسات  والمناهج المعتمدة في ذلك، إضافة إلى الصعوبات التي يجدها الباحث في تتبع هذه الإسهامات، وأهمية دراستها والهدف منها.

  ولن نطيل في التعريف والنشأة، وإنما سننكب على إسهامات المستشرقين في دراسة اللهجات العربية، والمناهج والوسائل التي اعتمدوها في ذلك، ثم أهم الأسباب والدوافع لدراسة أعمالهم اللغوية.

  لقد ساهم امتزاج الأمم الغربية في البلاد العربية في اهتمام المستشرقين بالبحث في اللهجات العربية حيث تم إدخال تدريس لهجاتها وأصولها وتقلباتها وتطوراتها في جامعاتهم وكلياتهم، وذلك بإنشاء مدارس اختصت بدراسة اللغات الشرقية، وخاصة منها العربية، فعكف الكثير من اللغويين على دراسة اللهجات ووصف أصواتها وصيغها، وضبطها بالاستعانة بأجهزة التسجيل ومختبرات للتجارب الصوتية، كما رسموا خرائط موضحة لكل ظاهرة من ظواهر اللهجة العامية، بل في بعض الأحيان لكل كلمة من كلماتها خريطة تبين دلالتها أو كيفية النطق بها في كل منطقة من مناطق هذه اللهجة، وساهمت هذه الأعمال في تأليف العديد من الأطالس اللغوية في العديد من الجامعات.

  ولا يفوتنا الإشارة إلى أن لدراسة اللهجات أصولا قديمة في التراث اللغوي العربي، إلا أنها لم ترق إلى مستوى العلم أو البحث المستقل، ولا تعدو النظر السريع قصد الإفادة والاسترشاد في تفسير أو تحليل بعض ظواهر الفصحى.

  والجدير بالذكر أن أول الإشكالات، التي نبه إليها إبراهيم الكعاك، في دراستنا للهجات العربية، تتجلى في كون النصوص التي وصلتنا هي مواد لغوية متوارثة، يختلط فيها الفصيح بالعامي والبَيْن بين، لذلك ينصح الباحث بالاستناد إلى المعالجة  والمقاربة العلمية مما راكمته الدراسات اللغوية واللسانية في مختلف مستوياتها وعدم الاعتماد على الفكر اللغوي الكلاسيكي فقط([18]).

  وينتقل الباحث بعد ذلك إلى الحديث عن الصعوبات والعوائق التي تواجه دارس اللهجيات العربية، ويأتي في مقدمتها:

قلة المادة اللغوية.

انعدام الدراسة اللغوية المنهجية للهجيات العربية.

نقص في تنظيم وفرز المادة اللغوية حسب المعايير الجغرافية والإتنية والاجتماعية.

وتتجلى قلة المادة اللغوية عند أحمد مختار عمر في كون " اللهجات العربية القديمة لم يُسجل كثير من سماتها وخصائصها، بل سُجل القليل، وهو ما دخل في نطاق اللغة الفصحى، وترك الكثير وهو ما خرج عنها"([19]).

أما في ما يخص المادة اللهجية، خاصة ما يتعلق بالنوعيات اللسانية للغة العربية، يشير إلى قلة الدراسات المتعلقة بهذا الجانب، اللهم ما سجل في إطار الفكر اللغوي التقليدي، خاصة كتب اللحن التي اهتمت بعلاج الفصحى من اللحن([20]) والخطأ الذي استشرى فيها.

وقد كان للمستشرقين دور كبير في إحياء الدراسة اللهجية، والاهتمام باللهجات العربية دراسة وتحقيقا وتصنيفا وفهرسة، ويمكن هنا أن نشير إلى بعض هذه الأعمال التي اختلفت مناهجها وأهدافها([21]):

أصول اللغة العربية العامية والفصحى، قدمه باللاتينية دي سفاري De Sivarie  سنة 1784 م إلى الحكومة الفرنسية. ونشر الكتاب بعد موت صاحبه سنة 1813م.

الألفاظ اللغوية المشتقة من العربية لسوزا البرتغالي Souza، طبع سنة 1812م.

بحث في لغة نجد الحالية للمستشرق ج. ج هس J.Hess سنة 1912م.

رسالة في اللغة المالطية للمستشرق الألماني جزينيوس Gesenius  المتوفى سنة 1832م.

مفردات الكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية للمستشرقين: دوزي Dozy وأنغلمان Englmann طبع في ليدن سنة 1869م.

كنز المصاحبة والأدب للأنيس والطالب في لغة مصر والمغرب، تأليف يوحنا يوسف مرسل J.J .Marcel ، وقد طبع في باريس سنة 1837م.

مفتاح كنوز النحو والأدب لعلوم العرب، تأليف م برنييه M .Brenier، طبع في باريس سنة 1855م.

كتاب الفوائد في العوائد والقواعد والعقائد، تأليف دسبارمي F .Despermet، طبع في البليدة بالجزائر سنة 1905م.

قواعد باللغة المصرية العامية لفسك Fask  الأمريكي عنونها ب (أجرومية مَصْري مكتُوبَة باللسان المصري ومعها أمثلة).

نصوص عربية في لغة العرائش العامية، لمخيمليانو ا. سنطون Maximiliano X Santon الأندلسي، جمع فيه لغة العرائش في المغرب سنة 1910م، ونشر الأخبار بحرفها المغربي، ورسم لفظها بالحرف الإفرنجي، وترجمها بلغته المعروفة بالقسطيلية، وذيلها بمعجم الألفاظ الصعبة وشرحها.

ومما لاشك فيه حضور عدد مهم من أمثال هذه الدراسات التي وصل إليها الباحثون العرب، أو التي لازالت بحاجة إلى ما يخرجها إلى الوجود بالبحث والدراسة والتمحيص، وذاك سعينا وراء ما خلفه خوصي ماريا لورشندي من دراسة للعامية المغربية.

  أما فيما يخص جهود الغربيين في تدريس العربية، فيمكن اعتبار (مدرسة نابولي للدروس الشرقية)، التي أنشأها الإيطاليون، الأولى من نوعها في تدريس اللغات الشرقية الحية، ولاسيما العربية العامية، وذلك للحاجة إليها وإلى فهمها للتعامل بها والتفاهم مع أهل البلاد التي دخلوها واتجروا فيها([22]).

  أما في ألمانيا، فقد ظهرت دراسة اللغة العربية في مرحلة مبكرة نسبيا ترجع إلى العصور الوسطى، وكان ياكوب كريستمان ( 1554-1613) أول من حاول تدريس اللغة العربية ونشرها في ألمانيا، حيث وضع كراسا لتعليم كتابة الحروف العربية، وترجم أجزاء من الإنجيل إلى العربية للتمرن على القراءة، وصنف فهرسا موجزا لمجموعة من المخطوطات العربية التي كانت في حوزة أحد النبلاء الألمان، ثم ما لبثت الدراسات العربية أن نشطت فيما بعد، وقد كان لكل من فرايتاك، وكاسباري، ونولدكه، وبراجشتراسر، وكارل بروكلمان، وغيرهم دور بارز في تطوير الدراسات العربية في ألمانيا وإغنائها([23]).

  وتجدر الإشارة إلى أن معظم الجامعات الأوربية التي تقوم بتدريس اللغة العربية تبدأ بالفصحى أولا، إذ يتلقى الدارسون قواعد اللغة العربية الفصحى، ويتعلمون قراءة نصوص التراث وتحليلها، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة دراسة اللهجات لمن يريد، والاستثناء الوحيد في ذلك هو جامعة أمستردام في هولندا، إذ تبدأ دراسة اللغة العربية فيها بدراسة اللهجة المصرية لعدد من الفصول الدراسية، ثم بعد ذلك تأتي دراسة اللغة العربية الفصحى([24]).

  أما في باقي الدول الأوربية، فقد تم إنشاء مدرسة للغرض نفسه في فيينا (النمسا) سنة 1754م، وأطلق عليها اسم (مدرسة القناصل)، لأنها كانت تعلم القناصل اللهجات العربية، ثم بعد ذلك أسست مدرسة باريس للغات الشرقية الحية سنة 1751م، وكان أول من عَلّم فيها المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي([25]).

وبعد ذلك، أنشئت مدرسة لازارفLazarev الإكليريكية للغات الشرقية في مدينة موسكو الروسية سنة 1814م، وكانت تعلم العربية ولغات الشرق الأخرى، ومن بين من درس فيها الشيخ محمد عياد الطنطاوي، الشيء الذي ساعد على الاعتناء بالعربية اللهجية، وعقب ذلك تم تأسيس مدرسة همبرغ الاستعمارية لتخريج السياح والتجار والموظفين بلغات الشرق، ومنها العربية العامية، كما أنشأت جامعة لندن، في أوائل القرن التاسع عشر، فرعا لتدريس الفصحى واللهجات العربية، وكان من مدرسيها حبيب أنطون السلموني اللبناني، الذي ألف معجما بالعربية والإنجليزية طبع سنة 1889م، ولما حل فارس الشدياق بلندن اقترحت عليه المدرسة تأليف كتاب بالعربية المحكية، حيث قدّمه باللغة الإنجليزية سنة 1906م([26]).

  كل هذا كان من بين العوامل التي ساعدت على ظهور علم اللهجات الذي يتناول الظواهر اللغوية التي تحدث في لغة من اللغات بسبب اختلاف اللهجات، أو التي يكون اختلاف اللهجات سببا رئيسا فيها، وذلك كالإبدال في اللغة العربية، والفك والإدغام، والهمز، والتسهيل، وقضايا المشترك والمتضاد والمترادف([27]).

  كما يتناول علم اللهجات انقسام لغة ما إلى عدة لهجات مرتبطة بها ، والأسباب التي تؤدي إلى ذلك، والصلة بين اللغة الأم وبين ما تفرع عنها من لهجات، وخصائص هذه اللهجات في مستويات التحليل اللغوية، من أصوات، وبنية، وتركيب، ودلالة، وما يحصل لهذه اللهجات في صراعها وتفاعلها من قوة أو ضعف، وانزواء أو انتشار، وموت وحياء، وقد تتحول إحدى اللهجات إلى لغة، إذ ذاك يتناول علم اللهجات أسباب ذلك، كما يدرس آثار كل لهجة في صاحبتها، ومدى تأثرها بها، ثم استنباط القوانين التي سارت عليها اللغة في ذلك كله([28]).

  ويهدف هذا العلم إلى دراسة اللهجات المحلية التي يتكلمها الناطقون بها دراسة علمية موثقة كما هي في وضعها المنطوق، إذ غالبا ما تُجرى هذه الدراسات على شكل أبحاث ميدانية، يقوم الباحثون بإعداد عدد كبير من التسجيلات الصوتية للناطقين بهذه اللهجة أو تلك، ثم يبدؤون بعد ذلك بدراستها، فيصفون أولا نظامها الصوتي وما فيها من أصوات وحركات، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى دراسة نظامها الصرفي والنحوي وما فيها من ضمائر وأسماء وأفعال وكلمات مميزة لها، وأخيرا يختمون هذه الدراسة بنشر النصوص التي قاموا بتسجيلها وترجمتها إلى لغتهم، ومن ثم إعداد قوائم بالمفردات اللغوية الواردة في هذه النصوص، ويمكن اعتبار الأبحاث الميدانية أهم ما يميز علم اللهجات([29]).

  ومادمنا نتكلم عن علم اللهجات، فالأكيد أنه يتعين علينا التطرق إلى أهم المناهج التي يعتمدها المستشرقون في دراسة الظواهر اللغوية من بينها اللهجات العربية، وهذا ما سنفصل فيه في المبحث الموالي.

3   ـ مناهج المستشرقين:

  تنبع دراسات المستشرقين من بيئات مختلفة وثقافات متعددة، ومن بلدان عديدة، الشيء الذي يساهم في ظهور التباين بين تلك الأعمال، خاصة إذا علمنا أن المستشرقين يتأثرون، وهم يدرسون العربية، بالحركة العلمية والفكرية في بلدانهم، مستعملين وسائلها. وقد سارت بحوث المستشرقين اللغوية، في القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر في ضوء المنهجين التاريخي والمقارن، وفي القرن العشرين مال بحتهم إلى استعمال المنهج الوصفي، كما أنهم "ينطلقون في الغالب من المناهج التي تدرس بها لغاتهم، أو من خلال تأثرهم الكبير بتلك المناهج"([30]).

ويرى محمود عكاشة أن سبب اختلاف مناهج ومستويات التحليل راجع إلى اتجاهات العلماء ورؤيتهم التحليلية للغة، فالباحث يختار المنهج الذي يراه ملائما لتحقيق أهدافه من تحليل اللغة، وتقسيم اللغة على مستويات يخضع أساسا لموقف الباحث من اللغة والمنهج الذي يصطفيه لنفسه من بين مناهج التحليل، ويؤثر في ذلك أهمية مستوى من مستويات التحليل يراه الباحث يستأهل اهتمامه لما به من عناصر غنية البحث([31]).

واشتهر من بين هذه المناهج التحليلية التقسيم الذي وضعه ماريو باي لمستويات التحليل اللغوي، فقد رأى أن دراسة اللغة على ما جرى عليه العرف سواء كان منهجا وصفيا أو تاريخيا، تندرج في أربعة مستويات، وإن كانت الحدود بينها غير واضحة تماما على نحو دقيق؛ فأصوات اللغة مثلا تتأثر كثيرا بالصيغ، والعكس كذلك صحيح. والصوت والصيغة كلاهما يتأثران ـ غالبا ـ بالمعنى. والمستويات الأربع التالية هي التي تشكل بناء اللغة العام([32]):

1ـ مستوى الأصوات Phonology: ويدرس أصوات اللغة من ناحية طبيعتها الصوتية مادة خاما تدخل في تشكيل أبنية لفظية، كما يدرس وظيفة بعض الأدوات في الأبنية والتركيب، وهذا ما يطلق عليه علم وظائف الأصوات؛ أي دراسة وظيفة الصوت اللغوي في الكلام عن طريق زيادة في الكلمة مثل العناصر الصرفية، ومن ناحية تقسيم الكلمة إلى مقاطع صوتية، وصفات كل مقطع أو عن طريق أدائه صوتيا، وما ينتج عن ذلك من نبر وتنغيم ووقفات وطبقة الصوت، وكل العناصر الصوتية التي تشارك في الدلالة وتؤثر في المتلقي.

2ـ مستوى الصرف Morphology، أو مستوى دراسة الصيغ اللغوية وبخاصة تلك التغييرات التي تعتري صيغ الكلمات فتحدث معنى جديدا، مثل اللواحق التصريفية inflectional endings كعلامات الجمع ( "ون" أو "ين" للمذكر السالم، و"ات" للمؤنث السالم)، وياء النسب في (مغربي، فاسي)، والسوابق Prefixes كحروف المضارعة وهمزة التعدية (يكتب، أخرج)، والتغيرات الداخلية كتضعيف وسط الكلمة للتعدية في (كتّب).

3ـ مستوى النحو Syntax: الذي يختص بتنظيم الكلمات في جمل أو مجموعات كلامية؛ مثل نظام الجملة: التي تفيد عن طريق وضع الكلمات في نظام معين أن موسى هو الضارب وعيسى هو المضروب، حيث يقوم النحو بتعيين فاعل الجملة بوضع مفرداتها مرتبة إن التبس المعنى كما في المثال السابق، لعدم وجود قرينة معنوية أو لفظية تعين الفاعل، الشيء الذي استوجب وضع المفردات في ترتيبها المعهود من قواعد النحو: الفعل ثم الفاعل ثم المفعول به، لئلا يلتبس المعنى.

4ـ مستوى المفردات Vocabulary الذي يختص بدراسة الكلمات المنفردة، ومعرفة أصولها، وتطورها التاريخي، ومعناها الحاضر، وكيفية استعمالها. ويدخل تحت دراسة المفردات فرع يسمى بالاشتقاق Etimology  وهو يختص بدراسة تاريخ الكلمات، وفرع آخر يسمى الدلالة Semantics ويختص بدراسة معاني الكلمات، إضافة إلى المعجم وهو فن عمل المعاجم اللغوية، ويستمد وجوده من علم دراسة تاريخ الكلمات وعلم الدلالة، ويضاف إلى ذلك اهتمامه ببيان كيفية نطق الكلمة، ومكان النبر فيها، وطريقة هجائها، وكيفية استعمالها في لغة العصر الحديث.

  وإذا كنا سنقتصر بالحديث على بعض من هذه المناهج، فهذا لا يعني أن ما سنذكره  يلخص كل المناهج والتطبيقات التي استعان بها المستشرقون، لأن ذلك يحتاج إلى بحث مستقل وشامل.

1.3  المنهج الوصفي:

  يعتبر المنهج الوصفي مظلة واسعة ومرنة تتضمن عددا من المناهج والأساليب الفرعية مثل المسوح الاجتماعية ودراسات الحالات التطورية والميدانية وغيرها. إذ أن المنهج الوصفي يقوم على أساس تحديد خصائص الظاهرة ووصف طبيعتها ونوعية العلاقة بين متغيراتها وأسبابها واتجاهاتها وما إلى ذلك من جوانب تدور حول سبر أغوار مشكلة أو ظاهرة معينة والتعرف على حقيقتها في أرض الواقع. والأكيد أن عملية الوصف والتحليل للظواهر تكاد تكون مسألة مشتركة وموجودة في كافة البحوث العلمية لذلك يذهب العديد من الباحثين إلى اعتبار المنهج الوصفي يشمل باقي المناهج الأخرى باستثناء المنهجين التاريخي والتجريبي([33]).

وتستند البحوث الوصفية إلى عدد من الأسس مثل التجريد والتعميم، كما تتخذ أشكالا عديدة مثل المسح Survey النظري أو الميداني، وتحليل المضمون Content Analysis، ودراسة الحالة، ومهما اختلفت أشكال المنهج الوصفي إلا أنها جميعا تقوم على أساس الوصف المنظم للحقائق والخصائص المتعلقة بظاهرة أو مشكلة محددة بشكل عملي ودقيق([34]).

  ونقرأ عند العساف أن المنهج الوصفي هو كل منهج يرتبط بظاهرة معاصرة بقصد وصفها وتفسيرها، فهو إطار عام تقع تحته كل البحوث التي([35]):

  ـ تصف الظاهرة فقط (مسحي).

  ـ توضح العلاقة ومقدارها (ارتباطي).

  ـ تكتشف الأسباب وراء سلوك معين (تحليل).

وارتباطا بدراسة اللغات أو اللهجات، يقوم المنهج الوصفي على أساس وصف مستوياتها المختلفة، أي من نواحي أصواتها، ومقاطعها، وأبنيتها، ودلالتها، وتراكيبها، وألفاظها، أو في بعض هذه النواحي، ولا يتخطى مرحلة الوصف.

وغالبا ما تنصب الدراسة الوصفية على اللغات واللهجات المعاصرة، التي تدخل فيها الدراسات الصوتية أو التركيبية أو الدلالية، ومن بين أبرز الأمثلة على تطبيق المنهج الوصفي نجد الأطالس اللغوية التي لا تعرض علينا سوى الواقع اللغوي مصنفا، دون تدخل من الباحث بتفسير ظاهرة، أو تعليل لاتجاه لغوي هنا أو هناك([36]).

  ومن أكبر الباحثين الذين أثروا في مجال الفصل بين الدراسات الوصفية والتاريخية، فرديناند دي سوسير (1857-1913) الذي وضع حجر الأساس في الدراسات اللغوية البنيوية أو الوصفية، وأثار في كتابه (محاضرات في علم اللغة العام) الذي نشر بعد وفاته سنة 1916م، وجهة نظر جديدة "إذ اعتبر اللغويات الوصفية، لا تقل أهمية عن اللغويات التاريخية، كما حدد وظيفة كل منهج وحدوده"([37]).

  وقد شهد القرن العشرين مدارس لغوية وصفية متعددة([38])، أهمها:

المدرسة اللغوية البنيوية (اللسانيات البنيوية) Structural Linguistics

مدرسة النحو التوليدي - التحويلي Transformational – Generative Grammar.

مدرسة/نظرية الخانات([39]) Tagmemic Analysis .

ويكثر استعمال اصطلاح علم اللغة البنيوي Structural Linguitics مرادفا لعلم اللغة الوصفي، الذي هدفه الرئيسي وصف تركيب اللغة، وقد يستعمل هذا الاصطلاح في معنى أضيق ليشير إلى أعمال مدرسة لغوية معينة من مدارس علم اللغة الوصفي تؤمن بأن أي تغير في اللغة لا يحدث خبط عشواء، أو بصورة فردية، ولكن يؤثر في نظام اللغة وإطارها العام، مع وجود خيط معين يربط التغيرات بعضها ببعض([40]).

  ويعتمد المنهج الوصفي على نظامين، أحدهما خارجي والآخر داخلي. وللنظام الخارجي أسس هي([41]):

أخذ المادة اللغوية عن الناطقين مباشرة، الشيء الذي أدى إلى الاهتمام باللغة المنطوقة، والاحتفاء بدراسة اللهجات.

وحدة الزمان والمكان، لأن الاقتصار على حقبة زمنية، ومساحة جغرافية يعني سهولة وصف اللغة؛ لوضوح خصائصها الموحدة.

أما النظام الداخلي للمنهج الوصفي فيعتمد على الاستقراء، والتصنيف، والاصطلاح، والتقعيد، والموضوعية.

  وقد نتج عن هذه الأسس شروطا يلتزم بها الواصف اللغوي في دراسته، وهي:

أن يتجنب الدخول في تصنيفات سابقة.

أن يستعمل حقائق اللغة في وصفها ودراستها لذاتها وبذاتها.

أن يرتضي معيارا شكليا أو وظيفيا في تقسيمه أو توصيفه، أو كلاهما معا.

وقد أسفرت الدراسات الوصفية للهجات، إلى تقسيم اللغة الواحدة إلى مستويات([42]):

معيارية Standard Language

ولهجية dialect

ولغة العامة slang

ولغة الخاصة Jargon ( التي تشيع في وسط حرفي ما)

والمبتذلة Vulgarisms

ومن المعلوم أن العالم الوصفي يهتم بمفردات اللغة من جانبها الوظيفي، لا من جانبها الاشتقاقي التاريخي، ولا من جانبها الدلالي، ومن ثم فتصور معنى الكلمة من وجهة نظر علم اللغة الوصفي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمورفيم. فمفردات أي لغة تعرف بأنها  "مجموع رصيد المورفيمات وتجمعاتها"([43]).

كما ينتج عن مجهودات العالم الوصفي للغة، أو ما يعرف بالمحلل اللغوي، النحو الوصفي للغة الذي يقدم قائمة دقيقة بالفونيمات الموجودة في اللغة مع ذكر ألوفوناتها([44]) (المتغيرات اللفظية)، وبيان الظروف والملابسات التي بتأثيرها تظهر هذه المتغيرات. هذا بالإضافة إلى وصف الفونيمات فوق التركيبية الموجودة في اللغة (التنغيم ـ النبر ـ المفصل). وعلى أساس هذه البيانات العلمية الدقيقة يصبح من الممكن أن توضع في شكل دروس سلسلة من التمرينات النطقية، والتدريبات التي تأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الصوتية والفونيمية الموجودة في تلك اللغة، مع التركيز على هذه الملامح الخاصة التي قد تسبب بعض المتاعب لأولئك المتعلمين الذين يدرسون اللغة من خلال تصورهم للغة أخرى([45]).

2.3  المنهج التاريخي:

  يَعُدُّ الباحث التاريخي نفسه مسؤولا عن الإجابة عن تاريخ الظاهرة اللغوية: ما أصلها؟ وماذا أصبحت؟ ومتى؟ وإلى أين تتجه؟ حيث يقوم بمراقبة تطور الظاهرة، ويرسم خطها البياني من حيث الاستعمال: قلة وكثرة، حياة وموتا، ثم يحاول أن يتبين القوانين التي تحكم مسار الظاهرة، والعوامل اللفظية والحضارية التي قد أثرت فيها، أو تؤثر فيها، أو سوف تؤثر فيها([46]).

ويتميز علم اللغة التاريخي بفاعلية مستمرة فهو يدرس اللغة من خلال تغيراتها المختلفة، وتغيرها عبر الزمان والمكان، خاصة وأن هذا التغيير يحدث في كل الاتجاهات (النماذج الصوتية، والتراكيب الصرفية والنحوية والمفردات)، ولكن ليس على مستوى واحد، ولا طبقا لنظام معين ثابت. وتعتمد هذه التغيرات اللغوية على مجموعة من العوامل التاريخية، فبينما تمكن دراسة هذه التغيرات دراسة وصفية هي محض تعريف بأشكال التغيرات الحادثة، فإنه لا يمكن عزلها عن الأحداث التاريخية التي تصاحب وجودها([47]).

وإذا ما حاولنا الحديث عن اللغة العربية العامية، التي نتكلم بها اليوم في البلاد العربية، فإن وصف هذه اللغة من نواحيها المختلفة أمر سهل ميسور؛ إذ يقال مثلا: إن الاستفهام يعبر عنه بنبر أحد أجزاء الجملة، وإن النفي يكون بالأداة ( مش) مثلا، وإن ترتيب الجملة فيها: فاعل + فعل + مفعول...إلخ. ولكن معرفة سر وصول هذه النواحي المختلفة من صوتية، وصرفية، وتركيبية، ودلالية، وغيرها، إلى ما وصلت إليه، كان من الممكن أن يظل لغزا، لولا معرفتنا بالفصحى. وكان من الممكن أن يزداد وضوح التطور وأسراره في هذه اللغة العامية، لو أننا توصلنا إلى معرفة حلقات التطور المختلفة، منذ الجاهلية حتى الآن([48]).

وإذا ما كانت الوظيفة الأولى لعلم اللغة الوصفي هي أن يصف، ولعلم اللغة التاريخي هي أن يعرض التغيرات اللغوية، فمن الصعب كثيرا الفصل بين النوعين في مجال التطبيق العملي، وذلك لأن كل المصطلحات التي استعملت تحت العنوان الوصفي قابلة من الناحية العملية للاستعمال كذلك في الفرع التاريخي. فمدلولات المصطلحات: اللغة المعيارية Standard language، واللهجة Dialect، ولهجة الطبقات الدنيا Patois، واللغة الخاصة Jargon، والعامية Slang كلها تدخل في ميدان الدراستين الوصفية والتاريخية، وكذلك في علم اللغة الجغرافي([49]).

فالمنهج التاريخي يدرس اللغة دراسة طولية، بمعنى أنه يتتبع الظاهرة اللغوية في عصور مختلفة، وأماكن متعددة ليرى ما أصابها من التطور، محاولا الوقوف على سر هذا التطور، وقوانينه المختلفة.

ويشير ماريو باي إلى استعمال المصطلحات التالية في الميدان التاريخي على وجه الخصوص([50]):

ـ المصطلح الأول: وحدة الأصل monogenesis، الذي يشير إلى النظرية التي تزعم أن اللغات كلها ترجع إلى أصل واحد مشترك.

المصطلح الثاني: الطبقة السفلى Substratum، ويطلق على الصيغة الكلامية المبكرة التي كانت تستعمل بواسطة السكان الأصليين في منطقة ما.

أما مصطلح الطبقة العليا Superstratum  فهو مصطلح وثيق الصلة بالسابق ويطلق على لغة الغزاة الوافدين التي تدع اللغة الأصلية على قيد الحياة ولكن بعد التأثير عليها وإعطائها شكلا جديدا.

كما يعتمد المنهج التاريخي على أسس، نذكر منها([51]):

1- دراسة حياة اللغة بحقبها المتعددة؛ ولهذا سميت الدراسات اللغوية على وفق هذا المنهج بالدراسات التتابعية أو الطولية.

2- دراسة تغيرات مستويات اللغة كافة، صوتية وصرفية وما إلى ذلك.

3-اهتمامه بدراسة اللغة من خلال الوثائق، والنقوش، والآثار، والمخطوطات.

  وتتجلى أهمية الدراسة اللغوية وفق هذا المنهج في([52]):

كتابة تاريخ دقيق للغة عبر مراحلها الزمنية.

مساهمة المنهج التاريخي في توسيع آفاق فهم اللغة والتغيرات التي تطرأ عليها.

3.3  المنهج المقارن:

  يعد المنهج المقارن جزءا من المنهج التاريخي في دراسة اللغة، وهو يتميز عن المنهج التاريخي في عمومه بأنه يركز على بحث الظاهرة اللغوية في أكثر من لغة، ويركز بشكل خاص على بحث الظاهرة اللغوية التي تنتمي إلى أصل واحد كاللغات السامية أو الحامية أو الهندية الأوروبية. ويكون هدفه من ذلك التأصيل التاريخي؛ كأن يستدل على قِدَم الظاهرة بالتماسها في أخواتها، أو حداثتها بتفرد اللغة المعنية بها من بين أخواتها، بحسب تاريخ تلك اللغة([53])، وهذا ما نجده عند فندريس  الذي يؤكد على أن "المنهج المقارن ليس إلا امتدادا للمنهج التاريخي، في أعماق الماضي السحيق، وينحصر في نقل منهج التفكير، الذي يطلق على العهود التاريخية، إلى عهود لا نملك منها أية وثيقة"([54]).

  كما نقرأ عند ماريو باي "إن منهج البحث التاريخي المقارن ربما امتزج بالمنهج الوصفي حين يأخذ الدارس لغة ما في فترتين زمنيتين معالجا كلا منهما أولا معالجة وصفية (وذلك باستخلاص النماذج الصوتية والتراكيب النحوية والرصيد اللغوي لكل مرحلة من مراحل اللغة) وأخيرا يقارن الاثنتين ليصل من ذلك إلى التغيرات التي طرأت على الظواهر التي يهتم بدراستها"([55]).

ويقدم لنا النحو المقارن نظاما، تصنف فيه اللغات في أسرات تبعا لخصائصها؛ فبمقارنة الأصوات والصيغ تتجلى ضروب التجديد الخاصة بكل لغة في مقابلة البقايا الباقية من حالة قديمة. وقد نجح اللغويون في أن يحددوا ما قبل تاريخ اللغات الهندية الأوروبية، ولكنهم لم يصلوا إلى معرفة من كانوا يتكلمونها([56]).

ويقوم المنهج المقارن على "مقارنة للظواهر الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية في اللغات التي تنتمي إلى مجموعة لغوية واحدة أو عائلة لغوية واحدة"([57]).

  كما تتعدد أهداف المنهج المقارن، ونذكر منها:

محاولة إعادة تكوين اللغة الأم، واستنتاج الخصائص المشتركة بين اللغات المنتمية إلى أسرة واحدة، لينشأ ما يسمى بالنحو المقارن.

تصنيف اللغات إلى أسر وفصائل لغوية على أساس التشابه في الأصوات والصرف والنحو والمعجم.

دراسة التقابلات المطردة: الصوتية والصرفية والنحوية، وبناء المعجم التأصيلي (الاشتقاقي)، مما يهيئ لبناء التاريخ اللغوي لعائلة أو فصيلة أو حتى لغة واحدة.

متابعة ما يعرض للغات العائلة الواحدة من تغيرات تبعدها عن أصلها، مما يؤدي إلى استنباط قوانين التغيّر اللغوي.

بحث الظاهرة اللغوية، ولاسيما الشاذة منها، في أكثر من لغة تنتمي إلى عائلة واحدة؛ لاستنتاج أحكام لا يُتوصّل إليها لو اقتصرت الدراسة على لغة واحدة فحسب.

فمن يلج ميدان الدراسة السامية المقارنة، يدرك على الفور مدى الصعوبة، التي تقابل الباحث، عندما يريد الرجوع بظاهرة ما في هذه اللغات إلى أصلها؛ ذلك لأن هذه اللغات السامية ليست حلقات متصلة في سلسلة لغوية واحدة، يمكن اعتبار إحداها أقدم اللغات، والثانية أحدث منها...وهكذا، بل هي على العكس من ذلك، تعد خلفا للغة واحدة هي ما اصطلح العلماء على تسميته (بالسامية الأم) وهذه اللغة لا وجود لها الآن في صورة وثائق أو نقوش مكتوبة([58]).

ويصير المنهج المقارن ـ أحيانا ـ عديم الجدوى، خاصة إذا ترك لوسائله الخاصة، لأنه يفترض أن تطور اللغات قد وقع بصورة مطردة متصلة لم يصبها عارض خارجي. ومع امتداد للتاريخ، فإنه يتحدى التاريخ، إذ لا يستخدم إلا مقررات نظرية ويتخذ من التاريخ صورة مبسطة تنحصر في سلسلة متتابعة مطردة من الأسباب والمسببات عاطلة من كل ما يخلع التاريخ طابعه الحقيقي، وهو التعقد والتنوع.

وقد يكون هذا المنهج مدفوعا إلى ذلك بضرورة حتمية، لأنه في جهله بالظروف السياسية والاجتماعية التي فيه تطورت اللغة، يبني ما قبل تاريخها بوسائل لغوية([59]).

4.3  علم اللغة الجغرافي:

  ارتأينا أن ندرج علم اللغة الجغرافي ضمن المناهج المعتمدة من طرف علماء اللغة، والباحثين في الظواهر اللغوية لما له من فضل في تطوير الدرس اللغوي، ومثالا على ذلك، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، الأطالس اللغوية التي تعتبر نتاج الاستعانة بالجغرافيا اللغوية "فقد اقتبس علم اللغة، منذ أكثر من نصف قرن مضى، طرق علم الجغرافيا، ليضع حدودا لغوية للهجات المختلفة في خرائط تبين معالم كل لهجة، وتفرق بين لهجة وأخرى، ولا تختلف هذه الخرائط عن خرائط الجغرافيا، إلا في أن ما يدوّن عليها ظواهر لغوية، تطلع القارئ على أدق الفروق في الأصوات والمفردات بين اللغات المختلفة، واللهجات المتباينة"([60]).

ومن بين أبحاث علم اللغة الجغرافي دراسة عوامل مثل: اللغات المحلية area languages، ومجالات النفوذ اللغوي، ولغات السكان الأصليين Indigenous، والاستعمارية Colonial أو superimposed، مع تتبع نفوذ الأخيرة على الأولى حتى بعد زوال الاستعمار. وكذلك دراسة موضوع اللغات الأولية Primary والثانوية Secondary في منطقة معينة، وما يترتب على ذلك من ثنائية اللغة Bilingualism، أو تعددها multilingualism. ويعطي اهتماما أيضا لموضوع إحلال لغة محل أخرى، وموضوع اللغات الناشئة عن الهجرة أو التجنيس. كما يعطي اهتماما للمركز الاجتماعي أو التربوي (لغة رسمية official language، ولغة وطنية national language، ولغة أدبية literary language، ولهجة Dialect، ولهجة شائعة بين أفراد الطبقة الدنيا في المجتمع Patois، ولغة طبقية Class language، ومجموعة من الكلمات أو التعبيرات أو المصطلحات الخاصة بمهنة أو جماعة معينة Jargon، ولهجة عامية Slang). ويهتم إلى جانب هذا كله بمعامل معرفة القراءة والكتابة Literacy Coefficient الذي يوضح مجالات اللغة المكتوبة، وبالمعاملين الوطني Nationalistic coefficien، والديني Liturgical اللذين يؤثران في حياة لغة ما، ومدى فاعليتها. وأخيرا يعطي اهتماما لمشكلة التعايش السلمي بين لغتين (أو أكثر) في مكان واحد، أو احتكاكهما وتبادل التأثير والتأثر بينهما([61]).

  ونقرأ عند خليل عساكر ما ورد عن العالم اللغوي السويسري شتيجر حيث قال في تقرير له : "وبالنسبة للغة العربية، نقول: إن القيام بعمل أطلس لغوي لها، سيحدث ثورة في كل الدراسات التي تعتمد على النصوص القديمة، بكشفه عن التطورات المتعلقة باللهجات، وباللغات الشعبية العصرية. وسيكون لهذا الأطلس الفضل في إطلاعنا على تاريخ الأصوات، التي أصابت اللغة العربية في الأماكن المختلفة التي غزتها، وعن مدى انتشارها وتأثرها بالمراكز الثقافية، وتنوع مفرداتها، إلى غير ذلك من المكتشفات، التي لا يمكن أن تتم، إلا إذا جمعت هذه المواد. إنه سيكون عملا ثقافيا من الطراز الأول، وسيكون تحقيقه عنوان مجد وفخر في تاريخ الثقافة العالمية"([62]).

  ولاشك في أن المسح الجغرافي للهجات العربية المختلفة، في البلاد العربية، له فوائد جليلة، أهمها([63]):

  1ـ دراسة هذه اللهجات لذاتها، دراسة علمية عميقة، لاكتشاف ما فيها من خصائص الصوت والبنية والدلالة والتركيب، ولمعرفة التغييرات المختلفة التي تطرأ عليها من وقت لآخر.

  2ـ إثراء الدراسات في العربية الفصحى نفسها، إذ يتيح لنا ذلك المسح الجغرافي كتابة تاريخ هذه اللغة في عصورها المختلفة، ويمدنا بوسائل علمية لمعرفة أقرب اللهجات العربية صلة باللغة الفصحى، وأبعدها عنها.

  3ـ يمدنا هذا المسح الجغرافي بالمعلومات اللازمة لمعرفة مدى امتداد اللهجات العربية القديمة في الوطن العربي، ويفسر لنا النصوص المبتورة عن هذه اللهجات في تراثنا العربي.

  4ـ يتيح لنا هذا العمل فرص الدراسة المقارنة، لا بين اللهجات واللغة الفصحى فحسب، ولكن بين اللغات السامية المختلفة كذلك، ويساعدنا على الوقوف على مصادر الكلمات الأجنبية هنا وهناك.

4 وسائل المستشرقين :

  أردنا بعد الانتهاء مما تقدم أن نعرج على الوسائل والطرق التي اعتمدها المستشرقون في تقريب وتدريس اللهجات العربية لغير الناطقين بها، حيث وجدناها تعددت واختلفت، فهناك من قدّم أعماله مستعينا بقواعد العربية الفصحى، وهناك من استعمل لغته الأصلية وتقديم أمثلة بالعربية اللهجية قيد الدرس، أو استعمل العربية اللهجية فقط، كما نجد من اعتمد على لغته الأصلية إضافة إلى كتابة العبارات والجمل العربية بحروف لاتينية. وسنفصل في بعض هذه الطرق والوسائل على النحو الآتي:

استعمل J.H. Delporte اللغة الفرنسية في دراسته حول العربية الجزائرية، مستعينا بأمثلة من اللهجة المدروسة([64]):

HALLEB # I Leave

أما Michael Grunberg، فقد اعتمد على تعليم الأجانب كيفية تذكر العبارات والمفردات التي درسوها أثناء استعمالها، بالاعتماد على الصور الذهنية التي يخزنها المتعلم انطلاقا من تشابه نطق الكلمات العربية بالأمثلة المقدمة باللغة الإنجليزية؛ ومثال ذلك([65]):

The Arabic for MILK is HALEEB

Imagine I leave the milk behind.  

 في حين، وظف J.Desparmet العربية الجزائرية من خلال نصوص تعليمية درّس بها اللهجة الجزائرية، ومثال ذلك، ما نجده في النص المعنون ب (مْن الصْغُرْ حَتّى لَلْكْبُرْ): " وَلْدَ الرْضَاعَة يَسَّمَّى صَابِي، بَعْدْ مَا يَكْبَرْ يَرْجَعْ فَ الخَمْسَ سْنِين يْقُولُوا لُه طْفِيَّلْ – وْلُيَّدْ ج وْلِيدَاتْ، بَعْدْ مَا يَرْجَعْ فَ العَشْرَ سْنِينْ يْقولُوا لَه وَلْدْ – طْفَلْ، وَقْتَ الِّي يَرْجَعْ فَ الخْمَسْطَاشَنْ سْنَة وْشَارْبُه يَبْدَا يَخْضَارْ يْقُولُوا لُه شَابْ – عَازَبْ، لَمَّا يَرْجَعْ فَ العُشْرينَ سْنَة يْقَولُوا لُه رَجَلْ، بَاقِي رَجَلْ حَتَّى يْشِيبْ يْقُولُوا لُه شِيبَانِي، حَتَّى يَهْرَمَّ يْقُولُوا فْلاَن شِيخْ كْبِيرْ مَا بْقَاتْ لُه إلأَّ الْمُوتْ.

وْأَمَّا المْرَاة كِي تْكُونْ صْغِيرَة تْكُونْ طْفِيلَة – بْنِيْتَة، وْبَعْدَ العَشْرَ سْنِينْ تَرْجَعْ عَاتَقْ، وْمْنِينْ تَزَّوَّجْ تَسَّمَّى عْرُوسَة، وْلَمَّا تَكْبَرَ شْوِيَة يْقُولُوا لْهَا مْرَاة، وْبَعْدْ مَا تْفُوتْ الرَّبْعِينْ سْنَة تَرْجَعْ عَجُوزَة"([66]).

كما نجد ميخائيل الصباغ قد حاول، في دراسته الوصفية للهجة مصر والشام، أن يستعمل العربية الفصحى مع تقديم أمثلة من اللهجات المدروسة، ومثال ذلك([67]):

" ولما قصدوا التدقيق لتعريف البرهة التي وقع الفعل بها أضافوا على الفعل لفظة عمال ليميزوه أيضا عن الحال...ومثاله: أنا عمّال بَاكُل/ أنت عَمّال بتاكل / هو عَمّال بياكل / إِنتِ عمّالِه بتاكلي / هيِّي عمّاله بتاكل / نحنا عمّالين مناكل / أنتوا عمّالن بتاكلوا / هُمّي عمالين بياكلوا."

ولم تخل طرق تقريب وتدريس اللهجات العربية من تقنية الحوار التي تقرب المادة المدروسة، وتساعد المتعلم على تذكر الألفاظ والمفردات، ومثال ذلك([68]):

مارك : السلام عليكم

الحاج : وعليكم السلام

مارك : واش كاينة شي دار ل الكرا؟

الحاج : واش بغيتي محل كبير ولا صغير؟

مارك : بغيت دار متوسطة، يكون فيها صالون وبيت النعاس والدوش وكوزينة وكتدخل ليها الشمس ويكون السطح ديالي بوحدي.

الحاج : كاينة وحدة ولكن التمن ديالها 20.000 ريال.

مارك : لا بزاف عليا، علحقاش أنا غير بوحدي وما غاديش نقدر نخلص هد التمن.

  وتبقى الإشارة، في الأخير، لضرورة وضع أعمال المستشرقين اللغوية التي اهتمت باللهجات العربية موضعها الصحيح في إطار الدراسات اللغوية الحديثة، والاستفادة من المناهج والنظريات التي اعتمدها المستشرقون، ونقدها والوقوف عند الأخطاء التي وقع فيها الدارسون، مع الابتعاد عن الصراع الفكري والنظرة السلبية للآخر. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة فتح آفاق تدريس الاستشراق اللغوي داخل الجامعات العربية والمغربية على وجه الخصوص، والعمل على ترجمة الأعمال المهمة لكبار المستشرقين لما لذلك من آثر إيجابي على الدرس اللغوي العربي.

-----------------------------

عبد العالي احمامو : باحث بسلك الدكتوراه ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة ابن طفيل ـ القنيطرة ـ المغرب.

*  هوامش البحث  *

 ([1]) يوهان فوك، تاريخ حركة الاستشراق، ترجمة عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، ط 2، 2001، ص 13 .

([2]) إسماعيل أحمد اعمايرة، بحوث في الاستشراق واللغة، ط1، دار البشير، 1996، ص 378-379.

([3]) يوسف جبرا، تاريخ دارسة اللغة العربية في أوربا، مطبعة الشباب، القاهرة، 1929، ص 14.

([4]) محمد كرد علي، غرائب الغرب، ج 1، ط 2، المطبعة الرحمانية، 1923، ص244.

([5]) محمد كرد علي، القديم والحديث، ط 1، المطبعة الرحمانية، مصر، 1925، ص 28.

([6])  لويس شيخو، أطرب الشعر وأطيب النثر، ط2، 1907، ص 209.

([7]) محمد كرد علي، القديم والحديث، ص 30.

([8]) محمد كرد علي، مجلة المقتبس، مجلد 8، 1906، ص 401. للرجوع إلى أرشيف المجلة يرجى زيارة الرابط الآتي:

، الاطلاع بتاريخ 12 مارس 2015.http://shamela.ws/browse.php/book-26523/page-6613#page-2

([9]) للمزيد ينظر: بحوث في الاستشراق واللغة، ص 316. وبشرى حسين علي، الصوتيات النطقية العربية في دراسات المستشرقين، ص 17. وزيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ت فاروق بيضاوي وكمال دسوقي، ط2، ص 37.

([10])  يوهان فوك، المرجع السابق، ص 13-14.

([11])  أحمد محمد هويدي، الاستشراق الألماني تاريخه وواقعه وتوجهاته المستقبلية، مطبعة وزارة الأوقاف القاهرة، 2000، ص 9-10

([12])  كمال رضوان، الاستشراق الألماني: الدراسات العربية والإسلامية بجامعة توبنغن، دار صادر بيروت، 1974، ص 13.

([13]) إسماعيل أحمد عمايرة، بحوث في الاستشراق واللغة، ص 303.

([14])  نفسه.

([15])  أحمد شاكر، أعمال المستشرقين في المعجم العربي، القاهرة، ط2، 1415 هـ، ص 66.

([16])  حسين نصار، المعجم العربي نشأته وتطوره، ج1، دار مصر للطباعة، 1968، ص 94.

([17])  للمزيد أنظر أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، دار المعارف، 1974، ص 574-577.

([18])  ابراهيم الكعاك، نحو العربية اللهجية والازدواجية اللغوية، مختبر اللغة والمجتمع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفبل، القنيطرة،  

2013.

([19])  عمر مختار، تاريخ اللغة العربية في مصر والمغرب الأدنى، عالم الكتب القاهرة1995، ص95.

([20])  يقف إبراهيم الكعاك عند ظاهرة اللحن ويعتبرها سلوكا لغويا ينبغي الاهتمام به ودراسته، وتتبع تطوره عبر مساره التاريخي، الشيء الذي سيساعدنا على الوقوف على أهم خصائص العربية اللهجية لكل منطقة، إضافة إلى أوجه الاختلاف والائتلاف، مؤكدا على أن الدارجة أو العامية ما هي إلا صورة طبق الأصل للطريقة التي كان يتكلم بها العرب إبان القرون الأولى للهجرة.

([20])  للمزيد أنظر: إبراهيم الكعاك، اللغية التقنية للخطأ اللغوي في الثقافة العربية، ورد:

Les techolectes / langues spécialisé en contexte

، 2014.Rabat net، مطبعة CNRST-URAC56، تنسيق: ليلى المسعودي وآخرين. القنيطرة، منشورات مختبر اللغة والمجتمع plurilingue

21 عيسى اسكندر المعلوف، اللهجة العربية العامية، مجلة مجمع اللغة العربية الملكي، ج3، القاهرة، المطبعة الأميرية، 1937، ص 368 .

([22])  عيسى اسكندر المعلوف، مرجع سابق، ص 368 .

([23])  ظافر يوسف، جهود المستشرقين الألمان في دراسة اللهجات العربية المحكية وتحديات العولمة، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 83، الجزء 4، ص 853.

([24])  نفسه ، ص 854 .

([25])  نفسه.

([26])  عيسى اسكندر المعلوف، مرجع سابق، ص 370.

([27])  ظافر يوسف، مرجع سابق، ص 857.

([28])  محمد أحمد خاطر، في اللهجات العربية، مطبعة الحسي الإسلامية، القاهرة، 1979،  ص5.

([29])  ظافر يوسف، نفسه.

([30])  إسماعيل أحمد عمايرة، مرجع سابق، ص18.

([31])  محمود عكاشة، التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة، ط 1، دار النشر للجامعات، مصر، 2005، ص 13.

([32]) ماريو باي، أسس علم اللغة، ترجمة أحمد مختار عمر، ط 8، عالم الكتب، 1998، ص 44.

([33]) ذوقان عبيدات، البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه، دار مجدلاوي، عمان، 1982، ص103 .

([34]) نفسه.

([35])  صالح حمد العساف، المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية، ط 4، الرياض، 2006، ص 189.

([36])  رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1997، ص 182.

([37])  ماريو باي، لغات البشر – أصولها وطبيعتها وتطورها، ترجمة صلاح العربي، ط 1، الجامعة الأمريكية، القاهرة، 1970، ص 74.

([38])  للاطلاع على خصائص هذه الدارس يُنظر: رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، ص 183 – 195.

([39])  نظرية للغوي البنيوي الأمريكي كينيث بايك، ترمي إلى مقابلة تحليلين للسلوك النطقي، والتي ترى أن الجملة قالب يتكون من خانات لكل منها

نوع خاص من الكلمات أو العبارات تشغلها.

ومصطلح (القالب) أو (الإطار) الذي تستخدمه هذه المدرسة هو عبارة عن ارتباط بين موقع وظيفي وفئة من الوحدات التي تشغل هذا الموقع، مؤلفة من وظيفة وشكل. للمزيد، ينظر: مبارك مبارك، معجم المصطلحات الألسنية، ورمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة والمناهج.

([40])  ماريو باي، أسس علم اللغة، ص 36.

([41])  إسماعيل أحمد عمايرة، مرجع سابق، ص 22.

([42])  نفسه،  ص 110.

([43])  ماريو باي، مرجع سابق، ص 120.

([44]) " في اللغة s تستعمل بمعنى متغير تركيبي للوحدة الصوتية، فهو تغيير تَلفُّظ حرف من الحروف بحسب وقوعه في الكلمات، مثل حرف "

 كما في اللهجة المصرية.« G »، ونجد في العربية حرف الجيم يلفظ "ج" كما يلفظ "د+ج"، ويلفظ « Z » و « S »الفرنسية حيث يلفظ

للمزيد ينظر: مبارك مبارك: معجم المصطلحات الألسنية، ص 20.

([45])  ماريو باي، مرجع سابق، ص 129.

([46])  إسماعيل أحمد عمايرة، مرجع سابق، ص 23.

([47])  ماريو باي، مرجع سابق، ص 139.

([48])  رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، ص 196.

([49])  ماريو باي، مرجع سابق، ص 138.

([50])  نفسه، ص139.

([51])  رمضان عبد الثواب، مرجع سابق، ص 196.

([52]) نفسه.

([53])  اسماعيل أحمد عمايرة، مرجع سابق، ص 42.

([54])  جوزيف فندريس، اللغة، ت: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية،1950،  ص 375.

([55])  ماريو باي، مرجع سابق، ص 59.

([56])  جوزيف فندريس، مرجع سابق، ص 375.

([57])  مبارك مبارك، معجم المصطلحات الألسنية، دار الفكر اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1995، ص53.

([58])  رمضان عبد التواب، مرجع سابق، ص 200.

([59])  جوزيف فندريس، مرجع سابق، ص 376-377.

([60])  رمضان عبد التواب، مرجع سابق، ص 147.

([61])  للمزيد: ينظر ماريو باي، أسس علم اللغة، ص 65 ـ ص 192.

([62])  خليل عساكر، الأطلس اللغوي، مجلة مجمع اللغة العربية، المجلد السابع، القاهرة، 1953، ص 379.

([63])  رمضان عبد التواب، مرجع سابق، ص 149

([64]) J. H. Delporte fils, principes de l’idiom arabe en usage a Algér, Alger, 1834, page 57-58.

([65]) Michel Grunberg, survival linkword arabic, Austin seal, 1982, page 6.

([66]) J. Desparmet, enseignement de l’Arabe dialectal d’apres la methode directe, 2eme  edition, alger, 1907, p 78.

([67]) Mihail Sabbag’s, Grammatik der arabichen umgangssprache in Syrien und Aegypten, Strasburg, 1986, p30.

([68])  هيئة السلام الأمريكية – المغرب، الدارجة المغربية، 2011، ص 126 .

***

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف