البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 20 / 2019  |  2757مخطوطات الكتاب المقدس : الأصل والتبديل والضياع

حفيظ سليماني المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية جمادى الثاني 1440هـ 2019م
مخطوطات الكتاب المقدس : الأصل والتبديل والضياع

مقدمة

ما لا شك فيه أن هو المسيحيين يعتقدون بصحة الكتاب المقدس لكونه موحًى به من الله وأن الذين قاموا بتدوينه كان لهم روح القدس مُعِينًا مُرشدًا حتى لا يقعوا في أيِّ خطأٍ، يقول سمعان كهلون: «إن لنا أجلى البراهين وأشدها إقناعًا على أن الأسفار المحوية في الكتاب المقدس هي بغاية الصحة ولا يوجد فيها أدنى خللٍ»[1].

ودون التطرق إلى دراسة النصوص المقدسة ونقدها سأقتصر في هذا المقال على موضوع مخطوطات الكتاب المقدس لمعرفة هل هناك مخطوطاتٌ أصليةٌ للكتاب المقدس؟ أم أنها قد تعرضت للضياع؟ وهل حافظ النُسّاخ على النص الأصلي أثناء عملية النسخ أم لا؟. ومن باب قوة البرهان سأعتمد على ما يؤمن به الآخرُ-  الآخر ليس بالمعنى القدحي- المختلف عنّا عَقَدِيًّا.

من خلال بحثي في هذا الموضوع وانطلاقًا من الكتب المسيحية وجدت العديد من الكُتّاب المسيحيين القساوسة والدكاترة يعترفون بأن المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس قد ضاعت وأن التدخل البشري في النص هو أمرٌ حاصلٌ قام به النُّسّاخ وسأبين في الشق الأول من هذا المقال: اعترافاتهم بضياع المخطوطات الأصلية، وفي الشق الثاني منه سأتطرق لشهادتهم بأن النساخ فعلا قد قاموا بإدخال تبديلاتٍ وتعديلاتٍ على النص المقدس.

أولا: ضياع المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس

يعترف كثيرون من الكُتّاب المسيحيين بأن المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس كان مصيرها الضياع، وسأذكر بعض النماذج منهم لمكانتهم العلمية والكنسية:

- دائرة المعارف الكتابية: «وقد فقدت أصول العهد الجديد –بلا شكٍّ-  في زمنٍ مبكرٍ جدًّا. ومعنى هذا أنه ليس من الممكن أن نحدد بدقةٍ كاملةٍ كلَّ كلمةٍ من الكلمات الأصلية للعهد الجديد على أساس أيِّ مخطوطةٍ بذاتها، ولا سبيل إلى ذلك إلا مقارنة العديد من المخطوطات ووضع أسس تحديد الشكل الدقيق -بقدر الإمكان- للنص الأصلي»[2].

لكن هذا الكلام غيرُ صائبٍ بدليل عدم وجود مخطوطاتٍ متطابقةٍ، والموسوعةُ نفسُها تشهد بهذا: «فإن استنساخ أيَّ عملٍ أدبيٍّ قبل عصر الطباعة يختلف عنه بعد اختراعها، فمن الممكن الآن طباعة أيّ عددٍ من النسخ المتطابقة تماما، أما قديما فكانت كل نسخة تُكتب على حِدةٍ باليد. وفي مثل تلك الأحوال، كان لا بد ألّا تتطابق أيُّ مخطوطتين»[3]. وعلى هذا يكون من المستحيل الوصول إلى النص الأصلي لعدم إمكانية وجود تطابقٍ بين مخطوطتين.

-   القس فهيم عزيز: يطرح هذا القس السؤال ويجيب «كيف كتب النص؟. من الأمور البديهية التي لا ينكرها أيُّ إنسانٍ أن النسخ الأصلية التي خرجت من كتاب العهد الجديد غيرُ موجودةٍ، وأن أقدم مخطوطةٍ وصلت إلى أيدينا تصل إلى النصف الأول من القرن الثاني أي بعد الانتهاء من كتابة كل أسفار العهد الجديد ببضع عشرات السنين، مع العلم أن هذه المخطوطة لا تزيد عن بضعة أعدادٍ قليلةٍ من إنجيل يوحنا»[4].

يقر القس أن النسخ الأصلية الخاصة بالعهد الجديد  غيرُ موجودةٍ وأن أقدم مخطوطةٍ تخصّ أعداداً قليلةً فقط من إنجيل يوحنا.

-   قاموس الكتاب المقدس: «وقد كتبت المخطوطات الأصلية للعهد القديم إما باللغة العبرانية أو باللغة الآرامية، وكتبت المخطوطات الأصلية للعهد الجديد باللغة اليونانية. ولكن لا توجد لدينا هذه المخطوطات الأصلية التي دَوّنها كَتَبةُ الأسفار المقدسة»[5]. إذاً، المخطوطات الأصلية –حسب قاموس الكتاب المقدس- سواءً التي تخص العهد القديم أو العهد الجديد، غير موجودةٍ.

-   مجلة مرقس:»مصير النصوص الأصلية: من المعروف أن النصوص الأصلية للعهد الجديد دُوِّنت بيد كاتبيها على ورق البردي الرقيق المستعمل حينذاك في كتابة الرسائل والكتابات  المتداولة، وأنها كانت موجهةً عند كتابتها إلى كنائسَ معينةٍ. لذلك كان من المحتم أن ترسل إلى الجهة التي كتبت لها ولا تحفظ في مكانٍ خاصٍّ معلومٍ. أما أسفار العهد القديم فقط حفظت في أقدس مكان في الهيكل. فمن البديهي إذاً ألّا نتوقع بقاء هذه الأصول تماماً منذ القرون الأولى للمسيحية بسبب طبيعة الورق الذي كتبت عليه»[6]. مجلة مرقس هي نفسها تقر بضياع النصوص الأصلية للكتاب المقدس.

-   القس الدكتور يوسف رياض يقول متسائلا: «هل فُقدت كلماتُ الوحي أم حفظها الله من الضياع؟ مع أن النُّسخ الأصلية المكتوبة بخط كَتبَة الوحي أو من أُمليت عليهم منهم قد فُقدت ولا يَعرف أحدٌ مصيرها، إلا أن كلمات الوحي ذاتها لم تفقد، فلقد سمح الله بضياع هذه النسخ الأصلية، لأن القلب البشري يميل إلى تقديس وعبادة المخلفات المقدسة، تماماً كما عبد بنو إسرائيل الحية النحاسية التي كانت واسطة إنقاذهم من الموت... وهكذا فقد سمح الرب بفقد هذه المخطوطات الأصلية لئلا يعبدها البشر»[7]. هذا القس على خلاف من سبق ذكرهم قد أرجع ضياع المخطوطات الأصلية إلى أن الله هو الذي سمح بضياعها لئلا يعبدها الناس بحكم عبادتهم لكل ما هو مقدَّسٌ وهذا تبريرٌ لا معنى له ولم يوجد من قال به سوى هو. وأما قوله أن كلمات الوحي لم تُفقد فهو كلامٌ لا دليل عليه بل يوجد ما يُثبت التدخل البشري في النص المقدس لأسبابٍ عقائديةٍ، وسأذكر ذلك بعد قليل. بل هو –القس- نفسه يُقِرُّ بوقوع  الخطأ إذ يقول: «ولقد كانت الأسفار بعد كتابتها تُنسخ مراتٍ ومراتٍ، وهذه العملية وقتئذٍ لم تكن سهلةً، فكان النُّسَّاخ يَلقون الكثير من المشقة، بالإضافة إلى تعرّضهم للخطأ في النسخ»[8]. أي أن المشقة في النَّسخ ليست بالعمل السهل إضافةً إلى تَعرُّض النُّسَّاخ للخطأ، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني ضياع النص الأصلي وبالتالي فالمتلقي سيصله نص تغير بسبب خطأ عمل النساخ وهذا يعني ضياع الأصل.

-   الأب إصطيفان شربنتيه يقول: «هل لدينا النص الأصلي للأناجيل أو للعهد الجديد؟ إلى أيِّ شيءٍ يستند النص الذي نجده في كتبنا المقدسة؟ كثيراً ما يُطرح هذه السؤالُ. ليس لدينا في الواقع، نصوصٌ أصليةٌ للعصور القديمة»[9]. السؤال عن وجود  النص الأصلي سؤالٌ كثيرُ الطرح، إلا أنه في الواقع لا يوجد نصٌّ أصليٌّ. أي أن النص الحالي ليس هو الأصل لأن هذا الأخير قد ضاع.

-   الشماس الدكتور ماهر إميل اسحاق: «أسباب تنوُّع القراءات في المخطوطات الكتابية: ليس بين أيدينا الآن المخطوطات الأصلية، أي النسخة التي بخط يد كاتب أيِّ سفرٍ من أسفار العهد الجديد أو العهد القديم. فهذه المخطوطات ربما تكون قد اُستُهلكت من كثرة الاستعمال، أو ربما يكون بعضها تعرض للإتلاف أو الإخفاء في أزمنة الاضطهاد، خصوصا وأن بعضها كان مكتوباً على ورق البردي، وهو سريع التلف. ولكن قبل أن تختفي هذه المخطوطات الأصلية نُقلت عنها نسخٌ كثيرةٌ. ولكن من يَدرسْ مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية أو ترجماته القديمة يلاحظْ وجود بعض الفروق في القراءات بين المخطوطات القديمة. وهي فروقٌ طفيفةٌ لا تمس جوهر الإيمان في شيءٍ. ومعظم فروق القراءات بين المخطوطات يمكن إرجاعها إلى تغييراتٍ حدثت من غير درايةٍ من الناسخ أو قصدٍ منه خلال عملية النساخة»[10].

هذا الشماس رغم اقراره بفقدان المخطوطات الأصلية إلا أنه يؤمن بعدم وجود ما يمس جوهر الإيمان، وهو حكمٌ عامٌّ لا غير، بدليل أنه هو نفسه يقر بأن بسبب خطأ الناسخ يؤدّي ذلك إلى تغيير المعنى، يقول: «فأحيانا تحدث الفروق بسبب أخطاء العين، كأن يخطئ الناسخ في قراءة النص الذي ينقل عنه فتسقط منه كلماتٌ أو عباراتٌ، أو يكرر نساخة بعضها، أو يحدث تبادلٌ في مواقع الحروف في الكلمات ما يؤدّي إلى تغيير المعنى، أو يحدث تبادلٌ في مواقع الكلمات أو السطور.. وبعض فروق القراءات قد ينتج عن أخطاء الأذن في السماع في حالة الإملاء»[11].

-   المهندس رياض يوسف داود: يقول «فالنصوص بخطّ أصحابها قد ضاعت، ولِنقرِّرَ النص الأول علينا الرجوع إلى نسخاتٍ عنه وصلت إلينا، فهي الشهود الباقية له»[12]..نحن لا نملك نصوص الأناجيل الأصلية، فهذه النصوص نسخت وحصلت أخطاء فيها أثناء النسخ، وغالباً ما نقع على قراءاتٍ متعددةٍ للآية الواحدة عبر مختلف المخطوطات التي وصلت إلينا... لذلك يتحتم علينا الركون إلى علم النقد الأصلي. فعلم نقد النصوص يهدف إلى الوصول إلى أقرب ما يمكن من النص الأول»[13].

في ظل فقدان النص الأصلي يرى أنه للوصول إلى أقرب ما يمكن من النص الأصلي يتحتم الاعتماد على علم النقد الأصلي، لكن هذا المسلك لن يوصل إلى النص الأصلي وبالتالي فما تم التوصل إليه يبقى مبنيّا على الاحتمال لا غير.

ثانيا: علماء المسيحية وتحريف مخطوطات الكتاب المقدس

قبل التطرق إلى شهادات علماء المسيحية في ما يخص تعرض مخطوطات الكتاب المقدس للتغيير سواءً عن قصدٍ أو عن غيرِ قصدٍ، أود في البداية أن أذكر رأي الباب شنودة في ما يتصل بصحة الإنجيل، جاء في كتابه تحت عنوان: «سلامة الإنجيل من التحريف:

سؤال: بماذا نرد على من يقول أن الإنجيل قد حرف؟[14]»

«جواب: يوجد كذلك في المتاحف نسخٌ للإنجيل ترجع إلى القرن الرابع تماماً كالإنجيل الذي بين أيدينا الآن. ونقصد بها: النسخة السينائية، والنسخة الفاتيكانية، والنسخة الآرامية، والنسخة الاسكندرية وكلٌّ منها تحتوي على كتب العهد الجديد التي بين أيدينا، بنفس النص بلا تغييرٍ»[15]. من خلال قول البابا يتضح أن هناك تطابقاً ما بين النصوص القديمة والنصوص الحالية فالأمر كذلك؟ وهذا ما سأبينه في حينه مستعرضاً لأقوال مسيحيين ذوي مكانةٍ علميةٍ محترمةٍ:

- الدكتور وهيب جورجي صاحب كتاب «مقدمات في العهد القديم»، وقد قال الأسقف العام الأنبا موسى عن أهمية الكتاب في التقديم له: «هذه دراساتٌ ثمينةٌ، لأستاذٍ كبيرٍ من أساتذة الكلية الاكليريكية. إنها حصيلة اجتهاد سنواتٍ طوالٍ، في البحث والتنقيب من المراجع المختلفة، لنتعرف على أعماق العهد القديم، الذي كان يحمل في طياته –من سرٍّ جليلٍ-  على بركات العهد الجديد.... إنها دارساتٌ مستفيضةٌ، بل هو كنزٌ يجب أن نقرأه ونحن سجودٌ في محراب العلم الروحي، والوحي الإلهي»[16]. ذكرت هذه الشهادة عن الكتاب ليعرف القارئ قيمة الكتاب  والكاتب.

يقول وهيب جورجي عن نسخ الكتاب المقدس:

-   النسخة الاسكندرية: «تشتمل على كل أسفار العهد القديم، بما فيها الأسفار القانونية الثانية، والعهد الجديد ورسالتا اكليمنضس الأولى والثانية»[17].

وهنا يقال للبابا ومن صار على مذهبه: أين هي رسالتا اكليمنضس الأولى والثانية؟. أليس الإنجيل الحالي لا يحوي هاتين الرسالتين؟.

-   النسخة الفاتيكانية: «تشتمل على كل أسفار العهد القديم، بما فيها الأسفار القانونية الثانية أما العهد الجديد فينقصه رسالتا تيموثاوس الأولى والثانية ورسالة  تيطس وسفر الرؤيا»[18]. أي هناك نقصان عكس المخطوطة السابقة.

-   النسخة السينائية «تشتمل على أسفار العهد القديم كلها، بما فيها الأسفار القانونية الثانية، والعهد الجديد، كاملاً ورسالة برنابا راعي هرماس»[19]. وهنا يطرح السؤال إذا كان العهد الجديد الحالي هو نفسه الذي كان في القرن الرابع، فأين هي رسالة برنابا راعي هرماس؟.

-   الكتاب المقدس (المعروف بالترجمة الرهبانية اليسوعية)، لقد ورد في مقدمة المدخل إلى العهد القديم تحت عنوان: «تشويه النصوص: من المحتمل أن تقفز عين الناسخ من كلمةٍ إلى كلمةٍ تشبهها وترد بعد بضعة أسطر، مهملةً كل ما يفصل بينهما. ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك أحرفٌ كُتبت كتابةً رديئةً فلا يحسن الناسخ قراءتها فيخلط بينها وبين غيرها. وقد يُدخِل الناسخ في النص الذي ينقله، لكن في مكانٍ خاطئٍ، تعليقاً هامشيًّا يحتوي على قراءةٍ مختلفةٍ أو على شرحٍ ما. والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا، بإدخال تصحيحاتٍ لاهوتيةٍ، على تحسين بعض التعابير التي كانت معرَضةً لتفسيرٍ عقائديٍّ خطرٍ»[20]. و هذا الكلام اعترافٌ بأن النُّسّاخ قاموا بإدخال تصحيحاتٍ لاهوتيةٍ، وهذا في حقيقة الأمر يُعد تدخُّلاً بشريّاً في النص المقدس بل إنه تدخلٌ في الوحي الإلهي.

وفي الكتاب نفسه وهذه المرة في المقدمة الخاصة بالمدخل إلى العهد الجديد جاء: «إن نُسَخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلُّها واحدةً، بل يمكن للمرء أن يرى فيها فوارقَ مختلفة الأهمية. واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير. فإن نص العهد الجديد قد نُسخ ثم نُسخ طوال قرونٍ كثيرةٍ بِيد نُسّاخ صَلاحُهم للعمل متفاوتٌ، وما من واحدٍ منهم معصومٌ من مختلف الأخطاء التي تحول دون أية نسخةٍ كانت، مهما بُذل فيها الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه. يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نيةٍ، أن يُصوّبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحةً أو قلةَ دقةٍ في التعبير اللاهوتي. وهكذا أدخلوا إلى النص قراءاتٍ جديدةً تكاد تكون كلها خطأً. ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل إلينا آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عددٍ كبيرٍ من القراءات»[21]. هنا أيضا دليلٌ قويٌّ على تحريف المخطوطات من قِبل النساخ  وعليه فالنص الأصلي قد تعرض للتغيير.

تضيف- الترجمة الرهبانية اليسوعية-: «والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقدّم نصا يكون أقرب ما يمكن من النص الأول، ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه»[22]. أي لا يمكن الوصول إلى النص الأصل وبالتالي فإن ما يمكن الوصول إليه لا يعني أنه صحيحٌ وعليه تبقى المسألة مبنيةً على الاحتمال فقط، ويظل الأصل دائماً مجهولاً.

- رياض يوسف داود: يقول «كان الكِتاب يُنسخ نسخ اليد في بداية العصر المسيحي وكانوا ينسخون بأدواتٍ بدائيةٍ، عن نسخٍ منسوخةٍ، ولقد أدخل النُّسّاخ الكثير من التبديل والتعديل على النصوص وتراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر مُثقلاً بألوان التبديل التي ظهرت في عددٍ كبيرٍ من القراءاتِ؛ فما إن يصدر كتابٌ جديدٌ حتى تُنشر له نسخاتٌ مشحونةٌ  بالأغلاط»[23]. هذا إعلانٌ صريحٌ أنّ النساخ قد أدخلوا ألواناً من التبديل والتعديل على النصوص، وعليه فهذا يُعد تحريفًا وتغييرًا للنص الديني المقدس.

- دائرة المعارف الكتابية: «ونظراً للأعداد الهائلة التي تم نسخها من مخطوطات بعض أو كل العهد الجديد، خلال القرون الاولى، فإن معنى هذا أن العديد من الاختلافات قد وجدت طريقها إلى المخطوطات. عند نسخ أيِّ كتابٍ بخط اليد، لا بد أن تحدث أخطاء عند النقل سواءً سهوًا أو عمدًا – في بعض الأحيان- وعند استنساخ هذه النسخة تنتقل أخطاء النسخة المنقول عنها إلى النسخة الجديدة علاوةً على ما يحدث من الناسخ الجديد من أخطاء واختلافات عند النقال. وهكذا كلما زاد عدد مرات النسخ بين مخطوطةٍ أصليةٍ إلى أن نصل إلى مخطوطةٍ من عصرٍ متأخرٍ، زاد عدد الأخطاء والاختلافات في المخطوطة الأخيرة»[24]. أي سبب كثرة تكثر الأخطاء والاختلافات. والغريب في هو أنّ هناك اختلافاتٍ مقصودةً من قِبل النساخ تضيف دائرة المعارف: «اختلافاتٌ مقصودةٌ: وقعت هذه الاختلافات المقصودة  نتيجةً لمحاولة النساخ تصويب ما حسبوه خطأً، أو لزيادة إيضاح النص أو لتدعيم رأيٍ لاهوتيٍّ. ولكن -في الحقيقة- ليس هناك أيُّ دليلٍ على أن كاتباً ما قد تعمد إضعاف أو زعزعة عقيدةٍ لاهوتيةٍ أو إدخال فكرٍ هرطوقيٍّ»[25].

المهم الذي يخلص إليه من شهادة الموسوعة أنّ هناك اختلافاتٍ مقصودةً من قبل النساخ، وهنا يطرح السؤال من أعطى السلطة والحق للنساخ للتدخل في النص؟ وبالتالي فإن الزيادة المقصودة بلا شكٍّ قد غيّرت النص وبالتالي حصل تغييرٌ لكلام الله.

وأما قول الموسوعة: ليس هناك أيُّ دليلٍ على أن كاتباً ما قد تعمد إضعاف أو زعزعة عقيدةٍ لاهوتيةٍ أو إدخال فكرٍ هرطوقيٍّ، هذا مردودٌ، ومن خلال الموسوعة نفسها، فقد ورد فيها:» وقد حدثت أحياناً بعض الإضافات لتدعيم فكرٍ لاهوتيٍّ، كما حدث في إضافة عبارة « والذين يشهدون في السماء هم ثلاثة «1 يو7:5  حيث إن هذه العبارة لا توجد في أيِّ مخطوطةٍ يونانيةٍ ترجع إلى ما قبل القرن الخامس عشر، ولعل هذه العبارة جاءت أصلاً في تعليقٍ هامشيٍّ في مخطوطةٍ لاتينيةٍ، لا كإضافةٍ مقصودةٍ إلى نص الكتاب المقدس، ثم أدخلها أحد النساخ في صلب النص[26].

إذاً، فهذا النص الذي يعرفه ويحتج به أيُّ مسيحيٍّ على صحة عقيدة التثليث هو نصٌّ أُدخل في الكتاب المقدس، وهنا  يُقال: ما دام علماء المسيحية يعرفون بأن النص ليس بأصلٍ فالأولى هو حذفه نهائيًّا من كل ترجمات الكتاب المقدس.

أخيرًا وليس آخِراً، إن هذا العرض لموضوع مخطوطات الكتاب المقدس لم يأت من باب الترف الفكري ولا من باب النقد، وإنما هو عرضٌ رصينٌ لما حوته كتبٌ مسيحيةٌ لكُتَّابٍ لهم مكانةٌ علميةٌ وكَنَسيةٌ ذاتُ أهميةٍ، حول قضية ضياع المخطوطات الأصلية للكتاب المقدس. ويأتي هذا المقال لكشف حقائق لا تعرفها العامة من مسيحيين ومسلمين؛ لأنه لو سألنا المسيحي هل الكتاب المقدس الحالي هو الكتاب المقدس الموحى به من الله فلا شك أنه ستكون إجابته بالطبع نعم. وإذا سألنا المسلم هل الكتاب المقدس تعرض للتحريف سيجيب بنعم انطلاقًا من الخلفية الإسلامية على اعتبار أن القرآن أخبر بذلك، دون أن يثبت ذلك انطلاقا من مصادرَ ومراجعَ يؤمن بها الآخر المختلف عنه عَقَديًّا. لذلك يأتي هذا المقال كجواب فَيْصَلٍ حول صحة الكتاب المقدس من عدمه، وشهاداتُ الكُتّاب المسيحيين خيرُ حجةٍ على تعرض المخطوطات الأصلية للضياع أضف إلى ذلك التدخل البشري في النص. وكل هذا ينعكس سلبا على الاعتقاد بقدسية التوراة والإنجيل. وصدق القرآن الكريم حين قال: [مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً][27].

-------------------------------

[1]     - مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين، سمعان كهلون، بيروت 1869، ص: 10

[2]     - دائرة المعارف الكتابية، مجلس التحرير: دكتور صموئيل حبيب، القس منيس عبد النور، دكتور القس فايز فارس، جوزيف صابر، المحرر وليم وهبة بباوي، نشر دار الثقافة، م3، ص: 279

[3]     - نفسه

[4]     - المدخل إلى العهد الجديد، فهيم عزيز، إصدار دار الثقافة المسيحية القاهرة، ص:111

[5]     - قاموسٌ الكتاب المقدس. تأليف نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين: الدكتور بطرس عبد الملك - الدكتور جون ألكسندر طمسن - الأستاذ إبراهيم مطر، نشر دار مكتبة العائلة، ص:844

[6]     - فكرةٌ عامةٌ عن الكتاب المقدس، مقالاتٌ من مجلة مرقس، دار مجلة مرقس، ص: 107

[7]     - وحي الكتاب المقدس، يوسف رياض، نشر مكتبة الإخوة، ص: 12

[8]     - وحي الكتاب المقدس، مرجع سابق، ص: 12

[9]     - دليل إلى قراءة الكتاب المقدس، الأب إصطفان شربنتيه، نقله إلى العربية الأب صبحي حموي اليسوعي، دار المشرق بيروت، ط3، ص:234

[10]   - مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية، إميل ماهر إسحق، ص: 19

[11]   - نفسه

[12]   - مدخل إلى النقد الكتابي، المهندس رياض يوسف داود، دار المشرق بيروت، ط1، 1997، ص:24

[13]   - نفسه، ص: 26

[14]   - سنواتٌ مع أسئلة الناس: أسئلةٌ حول الكتاب المقدس، البابا شنودة،  ط1، 2001، القاهرة، ص: 103

[15]   - نفسه، ص: 105

[16]   - مقدمات العهد القديم، وهيب جورجي كامل، ط1، 1985(النص في مقدمة الكتاب)

[17]   - مقدمات العهد القديم، مرجع سابق، ص:27

[18]   - نفسه

[19]   - نفسه

[20]   - الكتاب المقدس- الرهبانية اليسوعية، مدخل إلى العهد القديم، ص: 53

[21]   - الكتاب المقدس- الرهبانة اليسوعية، مدخل إلى العهد الجديد، ص: 12

[22]   - نفسه

[23]   - مدخل إلى النقد الكتابي، مرجع سابق، ص: 23

[24]   - دائرة المعارف الكتابية، مرجع سابق، م3، ص: 279

[25]   - نفسه، م3، ص: 294

[26]     - دائرة المعارف الكتابية، مرجع سابق، م3، ص: 295.

[27]   - سورة النساء، الآية 45

 

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف