البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 11 / 2020  |  1451استغراب ما بعد الغرب فلسفة التفكيك كنموذج نقدي

جميل حمداوي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية خريف 2019 م / 1441 هـ
استغراب ما بعد الغرب فلسفة التفكيك كنموذج نقدي

كيف تجري التحوّلات المعرفية الغربية في حقول الفلسفة وعلم الاجتماع والفكر السياسي حيال فكرة ما بعد الغرب؟ هذا السؤال سوف يتولى فتح السجال على واحدة من أبرز الطواهر في نقد البنية الثقافية والحضارية للمجتمعات الغربية المعاصرة.

يتناول الكاتب هنا ظاهرة التفكيكية كتيار فكري ذاع أمره في خلال العقود المنصرمة، وكان له أثر بيِّن في تفعيل ساحات التفكير في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ومع أننا نجد الكثير من الملاحظات على النظرية التفكيكية التي قدمها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا حيث النسبية والعدميّة والفوضى، إلا أنّ أهميتها انها ساهمت ولا تزال في تسليط الضوء على الطابع الاستبدادي للمركزية الغربية وسعت الى تقويضها فلسفياً وحضارياً والدعوة الى فلسفة الاختلاف والتعدد، وفسح المجال للآخر وإعطائه الحق في الظهور، ولكن مع هذا تبقى هفوات التفككية ونقدها بحاجة إلى دراسات مستقلّة.

 المحرر


لم يعد الاستغراب مقتصراً على المفكَّرين العرب والمسلمين وكتَّاب الجنوب فحسب، بل امتد ليشمل أيضاً بعض المفكِّرين الغربيين الذين ثاروا على الحضارة الغربية جملة وتفصيلاً، بنقد عقلها المغلق الذي قيَّد الإنسان وعلَّبه في رموز ومعادلات وبُنى تجريدية محضة، والسعي الجادّ من أجل الثورة العارمة على المركزية الغربية الأنَوية التي أقصت الآخرين ظلماً وعدواناً وعِرقية، وهمَّشت كل من يخالف ثوابتها في الفكر والمعتقد. ويعتبر ميشيل فوكو من جهة، وجاك ديريدا من جهة أخرى، من بين الذين ثاروا على الحضارة الغربية من الداخل بنقدها وتقويضها وتسفيهها، وباستخدام علم الاستغراب «الغربي» لا «الشرقي».

 1 - مفهوم مصطلح التفكيك

استعمل جاك ديريدا (Jack Derrida) مصطلح (التفكيك/Déconstruction) للمرة الأولى في كتابه (علم الكتابة/ الغراماتولوجيا/ De la grammatologie)، مـتأثراً في ذلك بمصطلح التفكيك لدى مارتن هايدغر (Heidegger) الذي استخدمه في كتابه (الكينونة والزمان)[1]. وإذا كانت كلمة التفكيك في القواميس الفرنسية بمعنى الهدم والتخريب، فإنها في كتاباته بالمعنى الإيجابي للكلمة، أي بمعنى إعادة البناء والتركيب، وتصحيح المفاهيم، وتقويض المقولات المركزية، وتعرية الفلسفة الغربية التي مجَّدت لقرون طوال مفاهيم مركزية، كالعقل، والوعي، والبنية، والمركز، والنظام، والصوت، والانسجام... في حين أن الواقع قائم على الاختلاف، والتلاشي، والتقويض، والتفكك، وتشعُّب المعاني، وتعدُّد المتناقضات، وكثرة الصراعات التراتبية والطبقية. يعني هذا أن ديريدا يعيد النظر، عبر مصطلح التفكيك، في مجموعة من المفاهيم التي قامت عليها الأنطولوجيا والميتافيزيقا الغربية تثويراً وتقويضاً وتفجيراً. وعليه، لا يحمل مصطلح التفكيك معنى الهدم السلبي، ولا معنى النفي أو الرفض أو التقويض أو العدمية أو الإنكار كما في فلسفة نيتشه، بل هو معنى إعادة البناء والتركيب، وتصحيح الأخطاء، وفضح الأوهام السائدة.

على الرغم من خصائص التقويض هذه، يصرُّ ديريدا على عدم ارتباط مشروعه بالهدمية والعدمية، بل يرى قراءته التقويضية عملية إيجابية (على ما تنطوي عليه هذه الإيجابية من مفارقة). والقراءة التقويضية هي قراءة مزدوجة تسعى لدراسة النص (مهما كان) دراسة تقليدية لإثبات معانيه الصريحة، ثم تسعى لتقويض ما تصل إليه من نتائج في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معانٍ تتناقض مع ما يصرِّح به.

تهدف القراءة التقويضية إلى إيجاد شرخ بين ما يصرِّح به النص وما يخفيه، حيث يقوم التقويض بقلب كل ما كان سائداً في الفلسفة الماورائية سواء كان ذلك هو المعنى الثابت، أم الحقيقة العملية، أو المعرفة، أو الهوية، أو الوعي، أو الذات المتوحدة. إنه باختصار، كل الأسس التي يقوم عليها الخطاب الفلسفي الغربي. ويمكن القول أن ديريدا يسير على أثر كل من نيتشه وهايدغر، لكنه تجاوز ما كانا قد ناديا به حينما وجده لايختلف عما قالت به الميتافيزيقا الغربية عبر تاريخها»[2].

في هذا السياق، لابد من القول: ليس مفهوم التفكيكية في البنيوية والسيميائية بمعنى التفكيك في فلسفة ديريدا، فلا يراد من التفكيك البنيوي والسيميائي سوى تشريح النص، وتحديد بُناه العميقة، واستخلاص القواعد المجرَّدة والثنائيات المنطقية التي تتحكم بتوليد النصوص اللامتناهية العدد بالاحتكام إلى العقل، والمنطق، واللغة.

بيد أن تفكيك ديريدا هو تشريح للنصوص من أجل هدم المقولات الثابتة، وتقويض البُنى الثنائية، والتشكيك في فعاليتها الفلسفية والإجرائية، بمعنى أن التفكيك البنيوي والسيميائي هو تفكيك إيجابي ومنهجي وفعَّال في قراءة النصوص الفلسفية والأدبية، وطريقة عامة لفهم الخطاب وتفسيره علمياً، بينما تفكيك ديريدا، في الحقيقة، هو تفكيك تقويضي سلبي يقوم على التضادِّ والاختلاف، وهدم تلك الثوابت البنيوية تشكيكاً وفضحاً وتعرية لأوهامها الإيديولوجية بالمفهوم السلبي والعدمي للتقويض والتفكيك. ومن ثم، فإن فلسفته في مجال التفكيك قريبة جداً، بشكل من الأشكال، من فلسفة النفي لدى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (Friedrich Wilhelm Nietzsch).

كل هذا يعني أن ديريدا تأثر كثيراً بفلسفة بمارتن هايدغر من جهة، وفلسفة نيتشه من جهة أخرى، بثورته على الميتافيزيقا الغربية، وإعلان موتها وإفلاسها، ونفي الحقيقة مادامت تعتمد على المجاز والاستعارة والأوهام الظنِّية، والثورة على فلسفة الثنائيات، ورفض منطق اللوغوس الصوتي، وتعويضه بخطاب الكتابة، والاعتراف بقيمة الأدب المبني على التخييل، ومساواته بالفلسفة التي تعتمد على اللغة التخييلية والاستعارية. ناهيك بثورته على فلسفة التماسك والاتّساق والانسجام كما عند البنيوية اللسانية، باستخدام سلاح التقويض والتشكيك والاختلاف. واللافت أن ديريدا الذي حارب الميتافيزيقا الغربية كان يمارس الميتافيزيقا نفسها عندما حول تصوُّراته الفلسفية إلى تأملات ماورائية ملغَّزة وغامضة، ولم يقدم لنا طرحاً فلسفياً ميتافيزيقياً آخر يكون بديلاً لذلك الخطاب النوميني.

 وعلى الرغم من فعالية التقويض وقدرته على زعزعة المسلَّمات التقليدية الميتافيزيقية الغربية إلا أنه يصل في النهاية إلى نقطة محيِّرة: فديريدا لم يقدم بديلاً عن مسلَّمات الميتافيزيقا الغربية بعدما قوَّضها. بل إن البديل نفسه، كما يرى، سيتَّسم بسمات الميتافيزيقا لامحالة، ولذلك اكتفى بممارسة التقويض فقط. كما أشار كثير من النقاد والفلاسفة إلى أن تقويضه يدين بمنهجيتها ومسلَّماتها لممارسات التفسير التوراتي اليهودي وأساليبه، وكل ما فعله هو نقل الممارسات التأويلية للنصوص اليهودية المقدَّسة وتطبيقها على الخطاب الفلسفي. وعليه، فإنه في نقده للميتافيزيقا الغربية التي يرى أنها تتَّسم بالطلاسم الماورائية، يرسي دعائم طلاسم ماورائية لاهوتية مألوفة. ولقد استحوذ التقويض على اهتمام المشهد الفكري النقدي الأميركي حتى قيل: إنه إنتاج أميركي بحت، إذ إن شهرة ديريدا واستراتيجيته نمت في الجامعات الأميركية، بينما لم تمتلك الأهمية نفسها في فرنسا. كما أن كثيراً من الأميركيين كيَّفوا تقويضه حتى يتواءم مع توجهاتهم النقدية والفكرية ضمن خيوط الثقافة الأميركية العامة، ومنهم على سبيل المثال جوزيف هيللس ميلر وريتشارد راند. كما أن هذا الاستقبال الحافل لم يمر من غير منازعات وتحديات، بل إن التقويض في أميركا ترعرع وسط معمعة من الاتهامات والاتهامات المضادة، ولعله ينمو في الأوساط السجالية القتالية»[3].

خلاصة القول أن ديريدا ترك تأثيراً كبيراً في الجامعات الأميركية بفلسفته التقويضية من جهة، وفلسفته الاختلافية من جهة أخرى. في حين، لم يترك بصماته في الفلسفة الفرنسية بشكل واضح وجلي. ويبرز هنا ميشيل فوكو الذي تمثل، بدوره، فلسفة التفكيك والتقويض من خلال ثورته على المؤسسات الغربية التي تمثل السلطة والانضباط والتأديب؛ فانتشرت فلسفته في الولايات المتحدة أكثر من انتشارها في فرنسا بالذات.

2 - التصوُّر النظري للتفكيكية

من المعلوم أن التفكيكية تيار فلسفي وأدبي ظهر في ستينيات القرن العشرين، وهي منهجية لمقاربة الظواهر الفلسفية والتاريخية والأدبية تشريحاً، وتفكيكاً، وتشكيكاً، وتقويضاً. ولقد ارتبطت بالفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا (Jacques Derrida)[4] الذي تأثر بهايدغر(Heidegger)، وهوسرل (Edmund Husserl)، ونيتشه (Neitsze). كما اقترنت بتشريح اللغة والفلسفة والنصوص الأدبية. لقد تسلّح ديريدا بالتفكيكية لتقويض المقولات المركزية للسانيين، وإعادة النظر في ثنائياتهم المزدوجة كالدالّ والمدلول، والصوت والكتابة، والسانكرونية والدياكرونية، واللغة والكلام، والتضمين والتعيين، والمحور الاستبدالي والمحور التركيبي، والحضور والغياب...

ومن أهم الكتب التي ألَّفها ديريدا لعرض نظريته التفكيكية (علم الكتابة)، و(الكتابة والاختلاف)، و(الصوت والظاهر (الفينومين))، وقد صدرت هذه الكتب الثلاثة سنة 1967م، وأعقبها كتاب آخ سنة 1969م، هو(التشتيت) (La dissémination)...

لقد قوَّض دريدا فلسفة الدالّ الصوتي الذي هيمن لسانياً على الثقافة الغربية لقرون عدة، منذ أفلاطون إلى فرديناند دي سوسير، ليعوِّض بالدالّ الكتابي وآثاره الباقية. ويعني هذا كله أن فلسفة الدالّ التي هيمنت على ثقافة الغرب كانت بمثابة ميتافيزيقا مثالية ليس إلَّا. ومن هنا، يشكِّل الصوت فلسفة الحضور والوجود والكينونة الأنطولوجية. أي أنه رمز وجود الجسد، وحضور المتكلمين في الزمان والمكان، وعلامة على حضور الوظيفة التواصلية، والمقصدية التداولية، وتعبير عن الوعي والتفكير والروح.

 بتعبير آخر، الصوت إشارة إلى حضور الذات، والغير، والمادة، والمعنى، والوعي. في حين أن الكتابة ليست أداة للتعبير عن الفكر، بل علامة العلامة، ويتموقع خارج الكلام الحي المرتبط بالمتكلم والسامع. علاوة على ذلك، قوَّض ديريدا الصوت والدالّ الكلامي، وأعطى الأسبقية للكتابة على الصوت. إنها مقاربة منطقية جديدة للإضافة، ومن ثم، تحيل الكتابة على المؤسسة والنظام المستمر الذي يعد شبكة من الاختلافات. وبهذا، يكون المدلول مجموعة من الاختلافات، بمعنى أنه ليس هناك مدلول واحد، بل مدلولات متعددة ومختلفة.

وللتوضيح أكثر، فإذا كان دوسوسير يرى أن العلامة مكونة من الدالّ والمدلول، وليس هناك سوى مدلول واحد متفق عليه، فإن ديريدا يرى أن هذا المدلول ليس واحداً، بل هو متعدد ومختلف ومتناقض. وهكذا، تحيل كلمة الماء على معانٍ متعددة ولامتناهية ما يعطي الحيوية للدالّ. فالماء قد يعني كأس ماء، أو قطرات من الماء، أو المطر، أو البحر، أو البحيرة... ويعني هذا وجود دلالات غير محددة ومختلفة. بمعنى أنه ليس هناك مركزية ولا بداية، وتؤدي كل علامة إلى علامة أخرى في شكل سلسلة لامتناهية من الاختلافات المتضادة والمتناقضة مع نفسها، وعلامة العلامة هي الكتابة. ومن ثم، يعلن ديريدا غياب الأصل والجذر والبداية، مادام هناك ما يسمَّى بالتناص، وتداخل النصوص، وتعدد المعاني ووفرتها.

 في ما يتعلق بأولوية الصوت على الكتابة، يبدأ ديريدا بمساءلة الفرق أو الاختلاف بينها (أي السمة التي يأخذها الفكر الغربي كمسلَّمة لايرقى إليها الشك). فلو كان اللفظ سابقاً للكتابة ومختلفاً عنها (كما يزعم كل من تعامل مع الكتابة كنقيض للفظ مثل أفلاطون، وروسو، وسوسير)، لكان من الصعب (معرفياً) أن تكون الكتابة مجرد تمثيل للأصوات الملفوظة، بل سيتعذر علينا فهمها بالطريقة نفسها التي نفهم بها اللفظ لأنهما سيكونان حتماً نظامين مختلفين. وعلى الرغم من أن الفكر الغربي يرى أن الكتابة نظام مختلف عن اللفظ إلا أنه دائماً يعود ليمثّل للفظ بالكتابة. من هذه المفارقة (التي تتكرر عند عموم  فلاسفة الغرب الذين تناولوا اللغة بالدرس) يخلص ديريدا إلى أن الكتابة بحرفيتها التمثيلية لاتختلف عن اللفظ، وهذه الحقيقة هي سبب عودة الفكر الغربي إلى الكتابة دائماً حتى يستطيع تمثيل اللفظ أو الصوت. هذا بطبيعة الحال لايعني أن الكتابة الحرفية أهم من اللفظ أو الصوت، وإنما يعني أنها هي واللفظ لاعلاقة لهما باللغة، وإنما هما مواد، كما يقول سوسير، تستخدمهما اللغة. فاللغة ومن ثم المعرفة والفهم، تتأسس أولاً وأخيراً على الاختلاف، وليست على شيء خارج علاقات الألفاظ بعضها ببعض في نظام نحوي. فما الذي يجعل من هذا النظام تابعاً ومتبوعاً غير الرغبة في الوصول إلى منشأ أولي يتوحد فيه اللفظ والمعنى؟ يتعذر الرجوع إلى مثل هذه الحالة الأولية، ونحن نستخدم الإشارة التي تعتمد أصلاً وأولاً على الفصل الحاد بين الإشارة وما تشير إليه! في البدء، إذاً، كان الانفصال والاختلاف الوجودي ولا شيء يسبق هذا الاختلاف الأصلي الذي هو أساس اللغة، وبدونه لا وجود لها. ديريدا يسمِّي هذا الاختلاف الأولي الكتابة الأصل، وعندما يقارن الكتابة بمفهومها المألوف يجد أنها تجسد الاختلاف أفضل مما يجسده النطق، ولو لم يكن الفكر الغربي منحازاً إلى التمركز المنطقي/اللفظي لأدرك تهافت تفضيل الصوت على الكتابة من أفلاطون إلى  اليوم[5].

أما في مجال الأدب، فلقد انتقد ديريدا فكرة الكتاب التي تحيلنا على فكرة الانسجام، وفكرة الكلية العضوية المحددة، وأحادية المدلول البنيوي. ويعني هذا أنه يرفض فكرة التأويليين كبول ريكور(Paul Ricoeur)، فيعتبر أن الكتاب الحقيقي هو الذي لايرتبط بمبدعه أو مؤلفه أو كاتبه، أو لايحمل هويته الفردية أو الإبداعية، بل هو الذي تنعدم فيه الكلية، وتغيب فيه الدلالة، وتكثر فيه الاختلافات وعلامات العلامات.

 لم يقتصر مشروع ديريدا على قلب علاقة اللفظ بالكتابة، بل امتد أيضاً إلى قضية الفلسفة والأدب. لقد اعتمدت الفلسفة على مغالطة محيِّرة حينما جعلت نفسها تمتاز على الأدب باعتمادها على اللغة، زاعمة أن لغتها تتّسم بالدقة والرصانة والعلمية، بينما اعتمدت لغة الأدب على المجاز. في هذا السياق يقوم ديريدا بدراسة الاستعارة والمجاز في الخطاب الفلسفي الغربي منذ أفلاطون ليثبت أن مثل دعوى الفلسفة هذه تقلب الفلسفة ومزاعمها رأساً على عقب؛ وأن أصل اللغة هو الاستعارة والمجاز، خصوصاً أن الاختلاف يعزل الدالّ عن المدلول: فكيف تزعم الفلسفة أن لغتها تستبعد المجاز وأنها توحِّد بين الدالّ والمدلول؟ إنها لا تستطيع إلغاء هذه الحقيقة إلا بتناسي هذا الأصل وتوظيف التناسي نفسه لخدمتها في تأكيد امتيازها على أنها لغة الحقيقة بينما الأدب هو لغة الخيال والوهم[6].

يجدر القول هنا انه على الرغم من هذا التصور الإقصائي للمرجع الخارجي، والتشكيك في الإبداع الفردي، فإن التفكيكية هي خطة استراتيجية في القراءة، تعنى بالجزئيات المتشذِّرة، وتهتم بكل ماهو معقد ومتناقض في النص، وقد انتقلت هذه القراءة التفكيكية من الفلسفة إلى الأدب تنظيراً وتطبيقاً وتأويلاً مع جماعة ييل (Yale) الأنغلوسكسونية. ومن ثم، فمن الصعب بمكان تحديد القراءة التقويضية بشكل دقيق نظراً لغموض فلسفة الاختلاف عند ديريدا، وصعوبة استيعاب دلالات مفاهيمها التصورية والذهنية والنظرية، واختلاف الدارسين والباحثين في تفسير نظريتها بشكل من الأشكال.

ويعلم المتخصصون ما تثيره كلمة الاختلاف (Différance)، ترجمة ومعجماً، من مشاكل معقَّدة في تعيين دلالاتها الحقيقية من ثقافة إلى أخرى. فليست التفكيكية - إذاً- بحثاً عن المقصدية أو المبدع أو المؤلف أو الهوية الذاتية، ولا بحثاً عن الانسجام، بل هي تلك القراءة التي تؤمن بالغياب الكلّي للانسجام، وهي في الجوهر تقويض للنص، وهدم له، وتشتيت لدلالاته، وتفجير له، وإدخاله في صراع اختلافي مع ذاته.

من هنا، فإن التفكيك هو إثارة التعارض، ومساءلة الذات والموضوع، وتعرية التفاوت الاجتماعي، وانتقاد التراتب السياسي والطبقي، واستخلاص التناقضات والاختلافات التي تؤشِّر عليها قشور السطح، وهي كذلك لاتقتصر على التشريح والشرح والتأويل فحسب، بل تعمل أيضاً جاهدة لرد الاعتبار للهامش والمدنّس والمخفيّ والمقصيّ. علاوة على ذلك، فالتفكيكية هي رفض للهوية والأصول والكينونة، ونفي لهيمنة الأنا على الغير. ومن ثم، فهي - بصفة عامة - ضد الأنطولوجيا والميتافيزيقا والمثالية وفلسفات الهوية.

 بناء على ماسبق، تهتم التفكيكية، على مستوى التأويل، بإبراز التضادّ، والتشديد على التعارض والتناقض والاختلاف. ومن ثم، فهي منهجية لاتهتم باستخلاص البنى الثابتة كما تفعل البنيوية والسيميائيات واللسانيات، بل تستكشف مواطن الاختلاف والصراع والتضادّ، وكيف تتلاشى المعاني غياباً وانتظاراً وتأجيلاً، وتتضافر الاختلافات تضادّاً وتناقضاً وتقويضاً وتشتيتاً؟!!

وهكذا، يرى جاك دريدا أن التفكيكية ليست فلسفة، ولا منهجية، ولا تقنية، ولا مجموعة من القواعد أو الإجراءات النظرية والتطبيقية نحتاج لتعلمها من أجل تطبيقها. ويعني هذا أنها فكر إشكالي يطرح السؤال حول السؤال منذ أفلاطون إلى مارتن هايدغر.

وإذا كانت البنيوية اللسانية مع فرديناند دوسوسوير تركّز على الدالّ الصوتي، وتهمّش الكتابة، فإن ديريدا يركّز بشكل بارز على الكتابة البصرية. من هنا، يميز رولان بارت (Barthes) بين النص القرائي والنص الكتابي، فالأول «هو ما يسمح للقارئ فقط بأن يفهم بشكل محدَّد سلفاً. أما الثاني، فهو ما يجعل القارئ منتجاً للمعنى الذي يريد. ومن الواضح، أن بارت يفضّل النوع الثاني، وهذا النص المثالي هو عبارة عن مجرَّة من الدالَّات، وليس هيكلاً من المدلولات. ومن الممكن للقارئ تطبيق عدد لاحصر له من التفسيرات له. وليس من الضرورة أن يحتاج أي منها إلى أن يكون جزءاً من وحدة شاملة.»[7].

وإذا كانت البنيوية تعترف بوجود بُنى ومقولات مركزية، فإن التفكيكية ترفض التمركز، والتبنين، والمعنى الأحادي، والبُنى الثابتة، مادام هناك الاختلاف والتلاشي والتفكيك والتأجيل. ويعني هذا أنها تقرُّ بغياب البنية والمركز واللوغوس. ومن ثم، هي ترفض التعارضات الثنائية البنيوية كلَّها (الدالّ والمدلول/ الروح والجسد/ الثقافة والطبيعة...)، لتؤمن بفكر التعدُّد والتهجين البوليفوني، وتمثِّل شرعية الاختلاف والتنوع.

تأسيساً على ما سبق، يرفض ديريدا الفلسفة الميتافيزيقية الغربية على غرار مارتن هايدغر، مادامت هذه الفلسفة الماورائية مبنية على اللغة والعقل والمنطق والصوت والحضور. كما يرفض الخطاطة السوسيرية التي تميز بين الدالّ والمدلول، وبين الصوت والكتابة. ويرفض أيضاً كل ثنائية زوجية أو تعارض ثنائي يذكّرنا بفلسفة الثوابت والنواميس.

3 - السيـاق التاريخي للتفكيكية

ظهرت التفكيكية سنة 1960م رد فعل على البنيوية، وهيمنة اللغة، وتمركز العقل، وهيمنة اللسانيات على كل حقول المعرفة. وأصبحت ابتداء من سنة 1970م منهجية نقدية أدبية في الثقافة الأنغلوسكسونية، وآلية للبلاغة والتأويل. وقد ظهرت هذه المنهجية في سياق ثقافي خاص يتمثّل في تقويض مقولات اللسانيات الغربية، وهدم المرتكزات البنيوية، في إطار ما يسمّى بـ(ما بعد الحداثة) (Post Modernism)، وظهور جماعة تيل كيل وجماعة ييل (Yale) الأميركية. كما تندرج فلسفة التفكيك في إطار حركة اليسار التي جاءت لتقوِّض دعائم المؤسسة الرأسمالية باسم الثورة، والهدم، والرفض، والتشكيك، والتقويض. ولاننسى أيضاً أن فلسفة جاك ديريدا هي فلسفة جيل الثورة والرفض والانتفاضة، والتمرد عن قوانين العقل والمنطق والمؤسسة السياسية. ويعني هذا أنها فلسفة عدمية قائمة على الهدم والتقويض، وإزاحة الثوابت العقلية التي انبنت عليها الميتافيزيقا الغربية ؛ تلك الميتافيزيقا القائمة على التمركز والبنية والعلامة والعقل. انطلاقاً من ذلك، ينبغي القول أن التفكيكية أتت في سياق الفلسفات اللاعقلانية الثائرة على الوعي والعقل والنظام والانسجام والكلِّية.

على أي حال، فإن أهم عامل قد ساهم في إفراز الفلسفة التفكيكية هو تنوُّع المناهج الفلسفية والأدبية، واختلاف تصوُّراتها النظرية، وتعدُّد خلفياتها الإبستمولوجية، مثل: البنيوية اللسانية، والسيميوطيقا، والهيرمونيطيقا، والأنتروبولوجيا، والفينومينولوجيا... وفي هذا السياق، يقول عبد الله إبراهيم: « لقد وصفت الأرضية التي انبثق منها التفكيك، إذ هي مرحلة من مراحل جدل المنهجيات وصراعها. وإذا كانت المنهجيات التقليدية، وكذلك المنهج البنيوي، تطمح إلى تقديم براهين متماسكة لحل الإشكال، إن في عملية وصف الخطاب أو الاقتراب إلى معناه، فإن التفكيك يبذر الشك في مثل هذه البراهين، ويقوِّض أركانها، ويرسي على النقيض من ذلك دعائم الشك في كل شيء. فليس ثمة يقين، ويكمن هدفه الأساسي في تصديع بنية الخطاب، مهما كان جنسه ونوعه، وتفحُّص ما تخفيه تلك البنية من شبكة دلالية. فهو من هذه الناحية ثورة على الوصفية البنيوية، ويذهب إلى أن لاضابط قبل التفكيك، ولا ضابط في ظله، فهو رحلة شاقة، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولا يتوفر له أدنى عامل من عوامل الأمان، في أودية الدلالة وشعابها، من دون معرفة، أو دليل، أو ضوابط واضحة. وكشوفاته ذاتية، فردية، لاغيرية، جماعية، حقلها الدلالة، وتعويم المدلول المقترن بنمط ما من القراءة. أي أنه استحضار المغيب، وهذا يقود إلى تخصيب مستمر للمدلول بحسب تعدد قراءات الدالَّ. وعليه، فإن تنازع القراءات في ما بينها للخطاب، يفضي إلى متوالية لانهائية من المدلولات، لايمكن لأحدها أن يستأثر بالاهتمام الكلِّي من دون الآخر، فنقطة بدء القراءة ووجود الدالّ واحدة، لكن لا خطَّ لنهاية الرحلة، ولا ضوابط رياضية توقف هدير المدلولات التي تستنفرها القراءات، وهكذا نبدأ بالشكل كالأجنة، مكونة بؤراً دلالية، وحقولاً شاسعة لا يمكن تثبيت حدودها»[8].

 التفكيكية، إذن، هي نتاج ثورة على اللسانيات البنيوية، والسيميوطيقا، والتأويلية (الهيرمينوطيقا)، والظاهراتية. كما ظهرت باعتبارها ثورة مضادة على الميتافيزيقا الغربية ذات الطابع العقلي والمنطقي، كما جاءت نقيضاً لفكر اليمين والرأسمال الغربي.

4 - مرتكزات المقاربـــة التفكيكيـَّــة

 تنبني المقاربة التفكيكيَّة على مجموعة من المبادئ والمرتكزات النظرية والتطبيقية هي التالية:

* الثورة على العقل أو اللوغوس:

ثار جاك ديريدا على مجموعة من المقولات المركزية الكبرى، ولاسيما مقولة العقل أو اللوغوس، حيث يقول: «أما بالنسبة إلى نقد هايدغر، فهذا ما كنت أقوم به في الواقع منذ البداية. ففي جوانب كثيرة من عمله، وجدته لا يزال حبيس الرؤية الميتافيزيقية، هناك لديه أولاً استمرار لتمركز اللوغوس أو العقل»[9].

ويعني هذا أن ديريدا، كما مارتن هايدغر ونيتشه، قد ثار على العقل الذي سيطر لأمد طويل على التفكير الغربي. وعمل على تقويض المنطق مستبدلاً إياه بالاختلاف والتقويض واللاعقل. ويعطي التمركز العقلي مجموعة من الدلالات، كالحضور، والانسجام، والوحدة، والهوية، وتمركز الدالّ الصوتي... ويهدف ديريدا من ورائه إلى «تحطيم تلك المركزية المعينة وجودياً بوصفها حضوراً غير متناهٍ، جاعلاً من هذه المقولة دليلاً لنقد مفاهيم التمركز، وهادفاً إلى معاينة نظم المقولات المعتمدة على الحضور، وداعياً إلى ضرورة التفكير بعدم وجود مركز، فالمركز لايمكن لمسه في شكل الوجود، بل ليس له خاصّية مكانيّة، كما أنه ليس مثبتاً موضعياً ووظيفياً، إنه، في حقيقة الأمر، نوع من اللّامكان، وبغيابه، أو تقويضه، يتحول كل شيء إلى خطاب، وتذوب الدلالة المركزية أو الأصلية المفترضة أو المتعالية، وينفتح الخطاب على أفق المستقبل دونما ضوابط مسبقة، وتتحول قوة الحضور، بفعل نظام الاختلاف، إلى غياب الدلالة المتعالية، وإلى تخصيب الدلالة المحتملة»[10].

وهكذا، تثور فلسفة جاك ديريدا على كل المدارس العقلية التي تشيد بالعقل والمنطق على حد سواء، وتدعو إلى التقويض من أجل تفكيك هذا التمركز الذي تحكم في الفكر الغربي لمدة طويلة.

تقويض الميتافيزيقا:

أعلن ديريدا نهاية الميتافيزيقا على غرار مارتن هايدغر وفريدريك نيتشه. وفي هذا السياق، يقول: إن ديني لهايدغر هو من الكبر، بحيث أنه سيصعب أن نقوم هنا بجرده، والتحدث عنه بمفردات تقييمية أو كمية. أوجز المسألة بالقول: «إنه من قرع نواقيس نهاية الميتافيزيقا، وعلمنا أن نسلك معها سلوكاً استراتيجياً يقوم على التموضع داخل الظاهرة، وتوجيه ضربات متوالية لها من الداخل. أي: أن نقطع شوطاً مع الميتافيزيقا، وأن نطرح عليها أسئلة تُظهر أمامها، من تلقاء نفسها، عجزها عن الإجابة، وتفصح عن تناقضها الجوانية. إن الميتافيزيقا، كما عبرت عنه في موضع آخر، ليست تخماً واضحاً، ولا دائرة محددة المعالم والمحيط يمكن أن نخرج منها ونوجه لها ضربات من هذا الخارج. وليس هناك من جهة ثانية خارج نهائي أو مطلق. إن المسألة مسألة انتقالات موضعية، ينتقل السؤال فيها من طبقة معرفية إلى أخرى، ومن معلم إلى معلم، حتى يتصدع الكل، وهذه العملية هي ما دعوته بالتفكيك».[11]

يتضح من هذا أن ديريدا يطعن في الميتافيزيقا الغربية المبنية على المنطق، واللغة، والحضور، والتمركز العقلاني الذي يشكل معيار الحقيقة والبداهة واليقين... وهكذا، فلقد وظف» قدرته الحوارية العالية، مستعيناً بمقولة التمركز العقلي للعمل على إنشاء هيكل نظريته الشاملة، بمواجهة التراكم الهائل للميتافيزيقا الغربية، فبعدما أفلح بتجزئة الألفاظ والفرضيات الأساسية، ثم تطوير الأبنية التناقضية والحجج التناقضية التي تنطوي عليها هذه الألفاظ والفرضيات، انتقل إلى صلب موضوعه، ألا وهو تفكيك النظم العامة للفكر الغربي، بدءاً بأفلاطون، فأرسطو، وروسو، وديكارت، وفرويد، وصولاً إلى معاصريه من الفينومينولوجيّين، هؤلاء الذين نشأ معهم على إفرازات تلك النظم الفكرية من أمثال: هايدغر وهوسرل. لقد قاده الاستقراء والوصف التفكيكي إلى نسف الزعم بوجود معنى موحد له هوية أو تطابق ذاتي ؛ لأن عمله الذي نهض على التعارض وكشف الأبنية المتناقضة تبين له وجود تعارض صميمي في هيكل تلك النظم، وهو ما أمدَّه بوسائل متطورة لتفكيك تلك النظم من الداخل بوساطة إعادة قراءتها من جديد».[12]

من هنا، ثار ديريدا على الفكر الميتافيزيقي الغربي المبني على المعنى، والهوية، والانسجام، واللوغوس، والاتساق، ولم ينبن على الاختلاف، والتعارض، والتضاد، والتقويض، والتشتيت، والتناقض...

نقد فكرة الهوية والخصوصية والجذور الأصلية:

يرفض جاك ديريدا التمركُّز العقلي، ويمقت كل انطواء على تسييد العِرق أو الجذر، أو التبجُّح بالخصوصية المركزية، أو الإيمان بهيمنة عنصر على آخر. ومن ثم، يرفض أسطورة الأصل، كأن ندافع عن الرجل الأبيض ضد الرجل الأسود، أو نرجِّح كفة العِرق الغربي أو العِرق الآري على حساب الأعراق الأخرى كما فعل المستشرق الألماني رينان، أو نتعصّب لقومية جنسية مَا، كما فعل مارتن هايدغر عندما تعصّب للقومية الألمانية الجرمانية. فعن طريق التفكيك والتقويض والتشتيت، يحارب كل فكر عِرقي، ويجابه كل تمركز سائد مهيمن.

تفكيك مفهوم التاريخ:

يرفض ديريدا التاريخ الكلاسيكي القائم على الصوت الواحد المهيمن، ويدعو إلى تاريخانية جديدة متعددة الأصوات، تهتم بالشعوب التي تعيش على الهامش، وتهتم كذلك بالثقافات المقصية. وفي هذا السياق، يقول:»أما عن نسيان التاريخ، فقد أوضحت مراراً وتكراراً أنني تاريخاني بصورة كاملة، وأن ما يهمني دائماً هو الانحدار التاريخي لجميع المفهومات التي نستخدمها، وجميع حركاتنا، وأنه إذا كان هناك شيء لايمكن نسيانه فهو التاريخ.

إلا أن ما شجَّع على إطلاق هذه التهم أو غذَّاها، هو كون مفهوم التاريخ بقي مستخدماً لدى الكثير من الفلاسفة والمؤرخين ومؤرخي الفلسفة، وسواء أتعلَّق الأمر بالمثالية أم المادية، ولدى هيغل أم لدى ماركس، ضمن نزعة غائيَّة بدت لي هي الأخرى ميتافيزيقية، مما جعلني أقف منها موقف المتحفِّظ، أو المحترس باستمرار، ولكن ليس باسم لا- تاريخية أولاً- زمنية، وإنما باسم فكر آخر للتاريخ»[13].

بهذا، يرفض ديريدا التاريخ المبني على التمركز العقلي، وهيمنة الصوت الواحد، وتسييد العِرق الواحد. فالمرأة المثقفة المعاصرة - مثلاً- ترفض التاريخ؛ لأن ذلك التاريخ قد سطَّره الرجل، كما يرفض الرجل الأسود تاريخه؛ لأنه من صنع الرجل الأبيض.

أسبقية الكتابة على الصوت:

يعتبر جاك ديريدا أن الكتابة هي أصل النشاط الثقافي الإنساني[14]، وليس الصوت أو الدالّ الصوتي. ويعني هذا أسبقية الثقافة (الكتابة) على الطبيعة (الصوت). وإذا كان فرديناند دوسوسير قد أعطى الأهمية الكبرى للصوت أوالفونيم باعتباره يمثل المنطق والعقل على حد سواء، فإن ديريدا قد أعطى أهمية كبرى للكتابة باعتبارها تعني التعدُّد، والتشتُّت، والاختلاف. ويخلص إلى أن» أحد أكثر السبل تأثيراً التي نهض عليها التمركز العقلي في الفلسفة الأوروبية، هو اهتمامها بالكلام على حساب الكتابة. فالتمركز المنطقي هو في حقيقة الأمر تمركز صوتي، ويرجع جذر هذا الاهتمام إلى أفلاطون الذي عبَّر عن الحقيقة قائلاً:» إنها حوار الروح الصامت مع النفس».

إن هذا التأكيد هو إحدى الدعائم الأساسية لحضور المتكلم مع نفسه. فالحقيقة، بحسب أفلاطون، هي المباشرة الصريحة للنفس، كما يتمثَّل حضور التمركز الصوتي في الحوار بين متحدثَّين يجمعهما زمان واحد، ومكان واحد، وما سوف يرشح عن حديثهما من معنى أو مقصد حول ما قالاه بالضبط، أو ما قصداه بقولهما على وجه الدقة»[15].

إذاً، يفضِّل ديريدا الكتابة على أساس أنها رمز للاختلاف والتقويض، من جهة، وعلامة مضادة ومقوِّضة للحضور الميتافيزيقي الغربي المتمركز المبني على الصوت واللوغوس والمنطق، من جهة أخرى.

تقويض الكلية والانسجام:

يعمل جاك ديريدا على تقويض مفهوم الكلّية والانسجام في الحقل الثقافي، ولاسيما في مجال تحليل النصوص الأدبية والفلسفية. وفي هذا النطاق، يقول: «أنا لا أتعامل مع النص باعتباره مجموعاً متجانساً. ليس هناك من نص متجانس.هناك في كل نص، حتى في النصوص الميتافيزيقية الأكثر تقليدية، قوى عمل هي في الوقت نفسه قوى تفكيك للنص.هناك دائماً إمكانية لأن تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد على استنطاقه، وجعله يتفكك بنفسه»[16].

بناء على ذلك، إذا كانت البنيوية السردية والسيميوطيقا تبحثان عن كل مظاهر الانسجام الدلالي، وتسعيان إلى إبراز التشاكل العضوي داخل النص أو الخطاب من أجل إزالة الغموض والالتباس، وتسهيل عملية القراءة الفعلية، فإن ديريدا جاء ليقوِّض فكرة الانسجام، محولاً النص أو الخطاب إلى عالم من اللانسجام والصراع الداخلي الذاتي، فيتصارع النص مع نفسه عن طريق آليات التفكيك والتقويض والتشتيت، وكشف مواطن التضادّ، والتشتيت، والتقويض، والاختلاف، والتناقض.

تفكيك النصوص والخطابات:

يعتمد ديريدا على آلية التفكيك في تقويض النصوص، وتشريح الخطابات، سواء أكانت أدبية أم فلسفية، وما يهمه في القراءات التي يحاول إقامتها «ليس النقد من الخارج، وإنما الاستقرار أو التموضع في البنية غير المتجانسة للنص، والعثور على توترات، أو تناقضات داخلية، يقرأ النص من خلالها نفسه، ويفكِّك نفسه بنفسه...وأن يفكِّك النص نفسه، فهذا لايعني أنه يتبع حركة مرجعية- ذاتية، حركة نص لايرجع إلَّا إلى نفسه، وإنما هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزئته...»[17].

ويعني هذا أن ديريدا يستبعد الخارج النصي، ويتموقع داخل النص أو الخطاب ليمارس لعبة الهدم والتفكيك والتقويض بغية الإطاحة بالطابوهات والمحرَّمات الموروثة، ونقد المقولات المركزية السائدة في الثقافة الغربية، وفضح الأوهام الإيديولوجية، ولاسيما إيديولوجية الدولة المهيمنة ومؤسساتها الحاكمة. لكن التفكيك الذي يمارسه ليس بالمفهوم البنيوي والسيميائي الذي يعقبه التركيب، وإعادة البناء بالمفهوم الإيجابي، فالتفكيك لديه دمن أجل التفكيك والتقويض والاختلاف. أي: باسم الهدم السلبي والتشتيت المتنافر.

تعدد اللغات والمعاني والنصوص:

يعرف جاك ديريدا التفكيكية على أساس أنها فلسفة الاختلاف والتقويض والتشتيت التي لاتؤمن بلغة واحدة؛ بل تؤمن بلغات متعددة عبر آليات الاختلاف، والتناقض، والحوار، والتقويض، والتناص. ويعني هذا التشديد على التعددية اللغوية والدلالية والثقافية. ويمكن القول أن تفكيكيته هي تفكيكية تعددية اختلافية، لاتؤمن بمنطق الوحدة، والانسجام، والكلية، والعرقية، والخصوصية، كما تأبى منطق الهيمنة والتمركز والتثبيت...

لقد أصبح التناص، ولاسيما مع جوليا كريستيفا وجماعة ييل الأنغلوسكسونية، من أهم التصورات النظرية والتطبيقية التي اغتنت بها التفكيكية بصفة خاصة، و(مابعد الحداثة) بصفة عامة، ولاسيما أن التناص يعبِّر عن تعدُّد المعاني، واختلاف الدلالات، وتكرار النصوص والخطابات تناسلاً وتوالداً. وبتعبير آخر، لم يقف التفكيك عند هذه الحدود، فقد اغتنى إثر اكتشاف التناص، ولم تعد آفاق الدلالة منظورة، فضلاً عن ذلك، إن اكتشاف التكرارية من قبل ديريدا قد ألغى الفواصل بين النصوص الأدبية، ولما كانت النصوص متداخلة مع غيرها، يصبح مستحيلاً حصر دلالاتها. في هذا الإطار، يقوم ليتش (Leitch) بتنظيم التكرارية ضمن نظرية طريفة، فيقول:   «إن تاريخ كل كلمة في النص مضروباً في عدد كلمات ذلك النص، يساوي مجموع النصوص المتداخلة مع النص الأخير، قيد القراءة، ولتعذُّر تحديد تاريخ كل كلمة في النصوص السابقة، فإن النصوص المتداخلة لاحصر لها، ومن ثم، فإن دلالاتها لايمكن الوقوف عليها لسعتها وتعددها»[18].

من هنا، تؤمن التفكيكية بفكرة التهجين الثقافي. وبالتالي، تنافح عن التلاقح الفكري، كما تدافع عن التعدد الدلالي والأنساق الثقافية المتعددة، وبوليفونية اللغة، وحوارية الخطاب الأبي والفلسفي...

مبدأ الاختلاف:

يتحدد المعنى في النصوص والكتابات المعطاة - بحسب جاك ديريدا- نتيجة تعدد المدلولات بين الكلمات المختلفة. ويعني هذا أن الاختلاف ميسم إيجابي في منهجيته، فالمعاني تتعدد بتعدد الاختلافات. وإذا كان فرديناند دوسوسير يرى أن للمدلول معنى اتفاقياً واحداً، فإن ديريدا يرى أن لذلك المعنى مدلولات مختلفة لامتناهية ومتعددة. وبهذا، يكون الاختلاف ملمحاً إيجابياً يسهم في إثراء اللغة والنص الأدبي أو الفلسفي. ولتوضيح هذا النوع من الاختلاف الإيجابي، استنبت ديريدا مصطلح (différance) المقابل للمصطلح السلبي لمفهوم الاختلاف الكلاسيكي (différence). وفي هذا النطاق، يقول مميزاً بين الكلمتين: أعتقد أن القلق حول ترجمة هذه المفردة يتجه إلى صميم الشكل. فهي ليست غير قابلة للترجمة إلى العربية فحسب، وإنما أيضاً إلى الإنكليزية وسواها من اللغات، وحتى إلى الفرنسية بمعنى ما، من حيث أنها تتعارض مع الكلمات المنحدرة من الميراث اللاتيني، كما أنها، في اقتصادها نفسه، غير قابلة للإبدال بمفردة أخرى. ولكن يمكن بالطبع أن نوضح استخدام هذه المفردة، وأن نقيم خطاباً حول استخدامها، وحول، مايعبِّر عن نفسه فيها بصورة اقتصادية، أو مقتصدة. إنني أكتب في الحقيقة على هذا النحو، وأعتبر أنني أكتب حقاً حين أذهب في اللغة إلى الحدود التي تصبح معها شبه عصية على الترجمة.هذه طريقة في عدم نسيان أننا نكتب دائماً داخل لغة معينة.

أما حول دلالات هذه المفردة، فأعتقد أنها تتضح من خلال سلسلة من المفردات الأخرى التي تعمل معها. الكتابة مثلاً، أو الأثر أو الزيادة أو الملحق، وهي جميعاً كلمات مزدوجة القيمة، أو ذات قيمة غير قابلة للتعيين: الأثر هو ما يشير وما يمحو في الوقت نفسه. أي: ما لا يكون حاضراً أبداً. والزيادة هي ما يأتي ليضاف، وما يسدُّ نقصاً. و(Hymen)، مثلما لدى ملارميه، تدل في الوقت نفسه على غشاء البكارة الذي يمنع من النفاذ، ويصون

العذرية، وعلى الالتحام في الزيجة. و«الفارماكون»، هذه المفردة، الأفلاطونية، تدل في الوقت نفسه، على السم والترياق، الخير والشر (وجهَيْ الكتابة) إلخ. إنها، إجمالاً كلمات ليست كلمات، ولا مفهومات، وليست قابلة للفصل عن اللغة، وهي تقوم بعمل مماثل للـ«Différance» الاختلاف بحسب التسمية الدريدية، وإن كانت مختلفة عنها أيضاً.إنها، إذاً، سلسلة تتمتع كل حلقة منها باستقلالها النسبي، ولكن تتكرر فيها الحلقة المجاورة»[19].

ويعني هذا أن الاختلاف يقوم على تلاشي المعاني، وتعدد المدلولات، ووفرة المعاني الناتجة من التشتيت والتضادّْ والتناقض.

الحضور والغياب:

ينبني الاختلاف على فلسفة الحضور والغياب، فيحضر هذا المعنى، ويغيب ذاك. وبهذا، تتناسل الاختلافات، وتتعدد المدلولات توالداً وتلاشياً وتفكيكاً وتأجيلاً وتشتيتاً. ويعني هذا كله أن ثمة وحدات تحضر ووحدات تغيب في الوقت نفسه. ويؤكد هذا انبناء فلسفة التفكيك على فلسفة التقويض، وآلية تشتيت المعاني وبعثرتها.

نقد الثنائيات والثوابت البنيوية:

تنبني فلسفة التفكيك على نقد جميع الثوابت البنيوية التي انبنت عليها البنيوية، كاللغة، والصوت، والدالّ وغير ذلك من المفاهيم والمقولات العقلية والثنائيات البنيوية. ومن هنا، يرى ديريدا «أن الفكر الغربي قائم على ثنائية ضدّية عدائية تتأسس عليها ولا توجد إلا بهذه الثنائية، كثنائية: العقل/ العاطفة، والعقل/الجسد، والذات/ الآخر، والمشافهة/ والكتابة، والرجل/ المرأة، وما إلى ذلك. وأن هذا الفكر دائماً يمنح الامتياز والفوقية للطرف الأول، ويلقي بالدونية والثانوية على الطرف الثاني. هذا الانحياز للأول على الثاني هو ما يسمِّيه ديريدا بالتمركز المنطقي، وهو يفيد من مقولات الخطاب الألسني خصوصاً ماتوصل إليه فرديناند دوسوسير. فهذا الأخير توصل إلى نتيجة حاسمة حين تبنى المعرفة اللغوية على الاختلاف. فمعرفة الكلمة وما تعني ليست سمة قارَّة فيها، بل الكلمة تعني وتقبل الإدراك لأنها تختلف عمَّا سواها، وما المعنى إلا نتيجة بناء كلمات على نحو معين وتحت شرط علاقات تقوم بينها تخضع لقوانين وقواعد ثابتة. في الوجهة اللغوية لا امتياز لكلمة على أخرى، ولا لحرف على آخر؛ وكذلك لا أسبقية للمعنى على تركيب الجملة، وإنما هو نتيجة ناجمة عن اكتمال البناء النحوي. إن الأسبقية أو الامتياز الذي يضيفه الفكر الغربي على المعنى هو ما يسمّيه ديريدا التمركز المنطقي. أي أن المعنى وظيفة المتحدث، وسابق على اللغة التي هي مجرد وسيلة ناقلة له من موقع أصلي إلى محطة أخرى. ومن أسبقية المعنى، تتحدد أسبقية القصد والوعي وما إلى ذلك من سمات هذا المنطق المركزي. من هنا أضفى الفكر الغربي سمة الأولوية والامتياز على حضور اللفظة لدى ناطقها، وامتاز الصوت على الكتابة والخط الذي يقبل الانعزال والبعد عن مصدره (غياب). لكن ديريدا يأتي ليقلب هذه المقولة بالذات، فهو يرى أن الأسبقية، إن كان لا بد منها، هي أسبقية الكتابة على اللفظ، وعلينا أن نعي أن الكتابة عنده لاتعني الكتابة بمفهومها المألوف الذي يرى فيها مجرد تصوير وتمثيل للأصوات المنطوقة، وإنما هي مرادف للاختلاف. يتتبع ديريدا امتياز صوت المتكلم على الكتابة منذ أفلاطون حتى عصرنا هذا ليثبت أن الكتابة كانت دائماً تخضع لهيمنة اللفظ؛ مما جعل التمركز المنطقي عنده مرادفاً دقيقاً للتمركز الصوتي. وهو يركِّزعلى هذا الخطاب ليثبت أن المشروع الغربي يتناقض دائماً حين يجعل الكتابة مشتقَّة من اللفظ وتابعة له ومضافة إليه»[20].

 إنطلاقاً من ذلك، تبدو التفكيكية بنيوية وغير بنيوية في الوقت نفسه. ومن ثم، تتأرجح بين الداخل والخارج، بين البداية والنهاية، بين البنية واللَّا بنية. وفي هذا السياق، يقول ديريدا: «كانت البنيوية يومذاك مهيمنة. وكان التفكيك ذاهباً في هذا الاتجاه مادامت المفردة تعرب عن انتباه معيَّن إلى البنى، التي ليست، ببساطة، أفكاراً ولا أشكالاً، ولا تركيبات ولا حتى أنساقاً. كان التفكيك هو الآخر حركة بنيوية، أو بأية حال، حركة تضطلع بضرورة معينة للإشكاليات البنيوية. ولكنه أيضاً حركة ضد بنيوية، وهو يدين بجانب من نجاحه لهذا اللبس. كان الأمر يتعلق بحل، بفك، بنزع رواسب البنى اللغوية، وتمركزية لوغوسية، وتمركزية صوتية، بما أن البنيوية كانت يومها خاضعة بخاصة إلى نماذج لغوية (نماذج علم اللغة أو الألسنية المدعوة بالبنيوية)، ونماذج اجتماعية مؤسساتية وثقافية وفلسفية»[21].

تأسيساً على ماسبق، فإن الفلسفة التفكيكية جاءت لتقوِّض جميع الثوابت البنيوية والثنائيات التي قامت عليها، خصوصاً ثنائية الصوت والكتابة، وثنائية الدالّ والمدلول...

التأويل المتناقض والمختلف:

يستند الفكر التفكيكي إلى التأويل المبني على الاختلاف والتناقض، وخصوصاً في مجال الأدب والنقد كما عند الأنغلوسكسونيين؛ لأن ديريدا حصر التفكيك، بداية الأمر، في مجال الفلسفة ليس إلَّا. في حين توسَّع التفكيك مع جماعة ييل ليشمل البلاغة، والسيميوطيقا، وقراءة النص الأدبي، كما هو الحال مع بول دومان، وهارولد بلوم، وجيوفري هارتمان، وهيليز ميلر...

 وعليه، تستعين التفكيكة بقراءة تقويضية همُّها الأول هو كشف التناقضات والاختلافات الفكرية، وترجيح الهامش على المركز، والاهتمام بالمدنَّس على حساب المقدَّس. ومن ثم، فالقارئ هو الذي يمارس القراءة التفكيكية. ومن المعلوم أن التأويل لايوجد داخل النص أو في مرجعه، بل يمارسه القارئ بطريقة ممتعة لاستكناه الدلالات المتناقضة في ما بينها اختلافاً وتلاشياً وتصادماً. ومن هنا، فليس هناك دلالة معينة داخل النص، بل يحلل القارئ النص في ضوء تجربته الشخصية، وفي ضوء تجربة قراءته المعينة. في هذا المجال، يرى الباحث المغربي محمد مفتاح أن التيار التفكيكي يعتمد على أسس فلسفية رافضة للثنائيات القديمة، وعلى مفاهيم سفسطائية وتراث قبالي وفلسفة عدمية. ومنطلقه الأساس «أن كل نص لايقبل أو لايحتوي تأويلات مختلفة فقط، ولكنه يقبل تأويلات متناقضة يلغي بعضها بعضاً». وقد تفرَّعت عن هذا المبدأ العام تعاليم عدة يمكن إجمالها في ما يلي:

¯ النص يجب أن يُهدم حتى يتهاوى نسيجه التعبيري.

¯ النص لايتحدث عن خارجه (مرجعه)، بل لايتحدث عن نفسه، وإنما تجربتنا في القراءة هي التي تحدثنا عنه.

¯ النص يمكن أن يُقرأ بتجاوز لمعناه التواضعي والاصطلاحي، وهذه القراءة هي نوع من اللعب الحر. وعلى هذا الأساس، فإن تأويلات النص وتعدُّداتها متعلقة أساساً بمؤهلات القارئ، فالنص بمثابة بصلة ضخمة لاينتهي تقشيرها، وإن السياق العام ومساق النص لا أهمية لهما في التأويل، لأن المقصود ليس الوصول إلى حقيقة ما يتحدث عنه النص، وإنما الهدف تحقيق المتعة، ولذلك، فإنه لا اعتبار للتأويلات الأخرى التي ليست إلا إركامات ممنوحة من قبل النقاد للنص ليلائموا بينه وبين قيمهم».

تلك هي خلفيات التفكيكيِّين... وهي خلفيات تستقي من تيارات فلسفية تهدف إلى تحطيم البنيات العتيقة بمختلف أشكالها وأنواعها، وإلى تفضيل الشكل، وإلى الأخذ بنسبية مطلقة قد تصل إلى العدمية[22].

نفهم من هذا كله غياب الدلالة والحقيقة، ورفض المعطى الخارجي (صاحب النص، وظروفه، وسياقه، وعتباته..)،  والتخندق داخل النص بين الانفتاح والانغلاق، والتلذُّذ بالنص في أثناء عملية القراءة.

5 - التفكيكية منهجية في القراءة والكتابة

من المعلوم أن التفكيكية مدرسة وفلسفة ومنهجية في تحليل الكتابات الأدبية والفلسفية والصحفية. وتنتمي هذه المقاربة إلى الفلسفة المعاصرة، أو فلسفة (ما بعد الحداثة). وتستهدف تحصيل المعاني القائمة على التلاشي والاختلاف. أي: تستكشف تلك المعاني المختلفة الموجودة في ثنايا النصوص أو الكتابات. وهناك من يقول : إن التفكيكية ليست طريقة أو منهجية فلسفية أو أدبية، بل هي تطبيق وممارسة فعلية. لكن ديريدا لايعتبرها منهجية، والدليل على ذلك صعوبتها، واختلافها عن المنهجيات الأخرى. ولوكانت منهجية لخضعت للتنظير، وكانت لها لغة خاصة بها، وقواعد إجرائية معينة، وهذا ماترفضه التفكيكية التي تثور على القواعد والبنى الثابتة والمقولات المركزية. فاللغة التي نستعملها ونعبِّر بها - بحسب هايدغر، وديريدا، ونيتشه- قيدت جميع المفكرين والدارسين ونقَّاد الأدب، وسيَّجتهم في قوالب معينة ثابتة، وأغرقتهم في عوالم التخييل والمبالغة والمجاز الكاذب. ويتأرجح ديريدا منهجياً بين الانفتاح والانغلاق، وبين البنيوية وضد البنيوية. ومن ثم، فلابد من تفجير اللغة في أثناء الكتابة، وتثويرها بشكل جذري.

ويجدر القول هنا أن التفكيكية هي بناء إبداعي قائم على التثوير، والتقويض، والتشتيت، والتشديد على الأمل والمستقبل. وإذا كانت قد انطلقت من أوروبا فإنها اغتنت وانتشرت، بشكل من الأشكال، في أميركا الشمالية، وخصزوصاً في الولايات المتحدة. ويعني هذا أن لها نسخة أوروبية من جهة، ونسخة أميركية من جهة أخرى.

وهي لم تظهر في الثقافة الأنغلوسكسونية باعتبارها منهجية نقدية أدبية لمقاربة النصوص الإبداعية، إلا في سنوات السبعين (1970م) من القرن العشرين، مع مجموعة من النقاد الأميركيين، أمثال: بول دو مان (Paul De Man)، وهيليس ميلر (J.Hillis Miller)، وهارولد بلوم (Harold Bloom)، وجيوفري هارتمان (Geoffrey hartmann)، وهؤلاء شكَّلوا ما يسمَّى مدرسة ييل (Yale).

يهدف التأويل التفكيكي إلى استكشاف الاختلاف، واستِكناه المعاني المتضاربة والمختلفة في ما بينها. وما يهم في التشريح والتحليل هو الاهتمام باختلافات الدليل وتقويضها، واستخراج العلامات والسمات الاختلافية.  أما تقنية ديريدا الفعلية فهي التركيز على النقاط في نص تكون فيه التناقضات واضحة (نقاط عرضية)، حيث تتابع الآثار المترتبة على هذه النقاط، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض أو تفكيك البنيان كله[23].

وتنبني منهجية الاختلاف على نقاط أساسية هي:

¯ رصد مظاهر الاختلاف والتقويض، ومواطن التناقض والتضادّ في نص أو خطاب ما.

¯ تعيين العناصر المهمشة، وإبراز البنى والهوامش المقصية. والتركيز على نقطة معينة لتطويقها اختلافاً وتناقضاً، والإحاطة بها تقويضاً وتضادَّاً وتشتيتاً.

¯ التعرُّض لهذه النقاط المهمَّشة بآليات تفكيكية من أجل استكشاف مظاهر الاختلاف والتناقض والتضادّ.

¯ إقصاء الخارج النَصّي من مؤلف، وسياق، وتحقيب تاريخي، وتصنيف أدبي وأجناسي ومدرسي...

¯ الاهتمام بالتناص والتكرار وتداخل النصوص...

¯ ممارسة لغة التشكيك والتقويض والتشتيت والاختلاف حين التعامل مع الأفكار والمعاني والرسائل المباشرة وغير المباشرة.

¯ الانتقال من الدلالات الظاهرية الصريحة إلى الدلالات الإيحائية العميقة الثاوية وراء السطح.

¯ الاهتمام بالمختلف والمتناقض والمتضادّ والهامش والمدنَّس...

¯ إعادة الاعتبار للكتابة كالوشم، والأطراس، والآثار وغيرها...

¯ إستعمال مجموعة من المفاهيم المصطلحية والآليات الإجرائية، مثل: التشريح، والتفكيك، والتقويض، والتشتيت، والفضح، والتعرية، والهدم، والبناء...

¯ تعتمد التفكيكية على القراءة الاستكشافية الداخلية للنص والخطاب، وزحزحة الإشكالات الأساسية، وتشغيل قراءة الحفر والتعرية. وبتعبير آخر، تقوم على اكتشاف الأجزاء المهمشة والمخفية والمطموسة في نص أو خطاب ما، وفرز هذه الأجزاء المخفية بعد نبشها ونشرها على طاولة التشريح والتحليل والتقويض لمعرفة كيف تمارس دورها ضمن البنية العامة للفكر. و«من ثم، معرفة نقاطها الضعيفة والقوية، الصالحة والطالحة. وعنذئذِ، نتوصل إلى إمكانية أكبر وفعالية أكثر في نقد شروط إنتاج ثقافة معينة والوظائف التي تملؤها هذه الثقافة، وتقوم بها. إن الهدف الأقصى للتفكيك يتمثل بإتاحة معرفة أفضل للظواهر البشرية والاجتماعية والتاريخية، ومعرفة كيف تشكَّلت وانبنت. كما أنه يقوم بوظيفة تحريرية وتطهيرية مؤكدة»[24].

كل هذا يعني أن التفكيكية تعتمد على خطوتين إجرائيتين هما: أولاً، التفكيك التشريحي القائم على رصد الاختلافات والمتناقضات والمعاني المتعددة اللامتناهية، وثانياً، إعادة تركيبها ليس في ثوابت مقولاتية، أو في شكل قواعد صورية، أو بنيات مجردة كما تفعل البنيوية السردية والسيميوطيقا، بل تتم إعادة البناء بتقويض الدلالات كلها، وتشتيتها تفكيكاً وتأجيلاً.

6 - رواد التفكيكية في العالمين الغربي والعربي

لقد تمثَّل مجموعة من الفلاسفة ونقَّاد الأدب فلسفة الاختلاف أو المقاربة التفكيكية منهجاً للبحث والقراءة والدراسة، وتشريح النصوص والخطابات الفلسفية والأدبية والتاريخية والنصوص الدينية المقدَّسة، وذلك كله من أجل إضاءة بعض النقاط المعتمة، وتقويض الأدلة والمدلولات بغية هدم المقولات المركزية المهيمنة، وإعادة النظر في ما هو هامشيّ ومقصيّ ومستبعد من الفكر الإنساني. ومن ثم، فالرواية النسائية - مثلاً- نموذج للتفكيكية حيث تشخِّص الصراع المضادّ للعادات والتقاليد الموروثة، وتنقد سلطة الرجل وسلطة المؤسسة البطريركية.

ومن أهم التفكيكيين الغربيين مارتن هايدغر(Heidegger)، ونيتشه(Neitsze)، وجاك ديريدا(Derrida)، ورولان بارت(Barthes)، وجان لوك نانسي(Jean-Luc Nancy)، وفيليب لاكو لابارث(Philippe Lacoue-Labarthe)، وجوليا كريستيفا(Julia Kristeva)، وهيلين سيكسو(Hélène Cixous)، وبرنارد شتايكلير(Bernard Stiegler)، ولويس دي ميراندا(, Luis de Miranda)، وريشارد روتي (Richard Rorty)، وأفيتال رونيل (Avital Ronell)، وفرانسوا نول (François Nault)، وجورج شتاينر(George Steiner)، وإيفيس سيطون(Yves Citton)، وجاك إيرمان(Jacques Ehrmann)، وتيودور أدورنو(Théodore Adorno)...

ومن أهم روَّادها في الثقافة الأنغلوسكسونية بول دو مان(Paul De Man)، وهيليس ميلر
(J.Hillis Miller)، وهارولد بلوم(Harold Bloom)، وجيوفري هارتمان (Geoffrey hartmann)، وقد شكَّلوا جميعاً يسمَّى مدرسة ييل(Yale).

أما التفكيكيون العرب فيمكن الحديث، في مجال الفكر والفلسفة، عن إدوارد سعيد في كتابه   (الاستشراق)[25]، وعبد الكبير الخطيبي في مجموعة من كتبه، ولاسيما (النقد المزدوج)[26]، و(في الكتابة والتجربة)[27]، و(الاسم العربي الجريح)[28]، ومحمد أركون في كتابه (الفكر الإسلامي: قراءة علمية)[29]، وعبد السلام بنعبد العالي في كتابه(أسس الفكر الفلسفي المعاصر)[30]، ومحمد نور الدين أفاية في كتابه (الهوية والاختلاف)[31]، وفتحي التريكي في كتابه (قراءات في فلسفة التنوع)[32]، وعلي حرب في كتابيه (نقد النص)[33]،و(هكذا أقرأ مابعد التفكيك)[34]، ومطاع صفدي في كثير من مقالاته المنشورة في مجلة «الفكر العربي المعاصر»[35]، ومحمد أحمد البنكي في كتابه (ديريدا عربيا/ قراءة في الفكر النقدي العربي)[36]، وعلي أومليل في كتابه (شرعية الاختلاف)[37]...

أما التفكيكيون العرب في مجال الأدب والنقد، فهم: عبد الله الغذامي في كتابه (الخطيئة والتكفير: من البنيوية إلى التشريحية[38])، ومحمد مفتاح في كتابه (مجهول البيان)[39]، وكتابه (تحليل الخطاب الشعري)[40]، وعبد الله إبراهيم في كتابه(التفكيك: الأصول والمقولات)[41]، وهشام الدركاوي في كتابه(التفكيكية:التأسيس والمراس)[42]، وسعد البازعي في كتابه (استقبال الآخر(الغرب في النقد العربي الحديث)[43]، وكتابه (الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف)[44]، وكتابه مع ميجان الرويلي(دليل الناقد الأدبي)[45]، وعبد العزيز حمودة في كتابه(المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية)[46]، وعبد الملك مرتاض في كتابه (دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة» أين ليلاي» لمحمد العيد)[47]، وبسام قطوس في كتابه (إستراتيجيات القراءة ـ التأصيل والإجراء النقدي)[48]، وخالد أمين في كتابه (الفن المسرحي وأسطورة الأصل)[49].

7 - قيمة التفكيكيـة

أصبحت التفكيكية منهجية مطبَّقة في الفلسفة والأدب والفن وجميع حقول الثقافة، ولاسيما في الثقافة الأنغلوسكسونية. وقد تم ترحيلها من حقل الفلسفة واللاهوت إلى حقل الأدب والبلاغة والتأويل مع جماعة ييل.

وقد تعرضت التفكيكية لانتقادات عنيفة، سواء في شقها الأدبي أم الفلسفي، ولاسيما في شعب الأدب في جامعات الولايات المتحدة الأميركية. فما يلاحظ عليها أولاً أنها رؤية فلسفية غامضة في طرحها النظري والمنهجي، وأن مقولاتها ومفاهيمها أكثر تعقيداً وصعوبة وإبهاماً، ولو أخذنا - مثلاً- مصطلح التفكيك عند ديريدا، لرأيناه مختلفاً عن مفهوم التفكيك عند البنيويين، فهو عنده يعني الهدم، والتقويض، والتشتيت، وبعثرة الدلالات المختلفة بشكل عدمي وسلبي، في حين أنه عند البنيويين إيجابي يحترم ثوابت العقل والمنطق واللغة الكلامية. وهو يعترف بذلك شخصياً حينما يقول: «إن صعوبة تحديد مفردة التفكيك، وبالتالي ترجمتها، إنما تنبعان من كون جميع المحمولات وجميع المفهومات التحديدية وجميع الدلالات المعجمية، وحتى التمفصلات النحوية التي تبدو في لحظة معينة وهي تمنح نفسها لهذا التحديد وهذه الترجمة، خاضعة هي الأخرى للتفكيك وقابلة له، مباشرة أو مداورة، إلخ... وهذا يصح على كلمة التفكيك وعلى وحدتها، مثلما على كل كلمة...»[50].

كما تختلف النسخة الأميركية من التفكيكية عن النسخة الأوروبية الدريدية في كثير من المبادئ والأفكار. والسبب في هذا التباعد هو الترجمة لأفكار ديريدا من الأصل الفرنسي إلى اللغة الإنكليزية؛ مما أفقد هذه الأفكار دلالاتها الاصطلاحية الأصلية، ومفاهيمها العميقة. فالترجمة - كما قيل- خيانة، وخير دليل على ذلك ترجمة مصطلح الاختلاف الذي أثار كثيراً من سوء الفهم في الثقافة الأنغلوسكسونية والثقافة اليابانية.

ومن المعلوم أن التفكيكية - باعتبارها إيديولوجية راديكالية- متشبعة بأفكار كارل ماركس الثورية. لذا، تحسب هذه النظرية الفلسفية الجديدة على سياسة اليسار، وفكر (مابعد الحداثة)، كما أن ديريدا محسوب على اليسار الفرنسي. وهنا، ننبِّه إلى أن لا علاقة للتفكيكية بفشل ثورة الطلاب في فرنسا سنة 1968م؛ لأن ديريدا كتب أفكاره في سنوات الخمسين وبدايات الستين من القرن الماضي. ومن ثم، فإن مدرسة ييل الأميركية مختلفة سياسياً وإيديولوجياً عن سياسته؛ لأن المدرسة تدافع عن سياسة أميركا الليبرالية ذات الطابع الرأسمالي. وهناك من يتهم التفكيكية و(ما بعد الحداثة) بأنها ترعى جيلاً بلا مواطنة، وذا وعي ثوري رافض وعدمي، وذا تفكير سلبي.

وهكذا، فهي في جوهرها، ضد الأفكار السياسية ذات الطابع المؤسساتي. لذا، تحارب التفكيكية البنيوية والسيميائية. من هنا، يطالب ديريدا بتعرية الخطاب الرسمي، وفضح مقاصده الإيديولوجية؛ لأن الإيديولوجيا تتخفى وراء الخطاب. ويستخدم خطابه التفكيكي التقويضي لمناهضة الديمقراطية الرأسمالية، واستبدالها بديمقراطية مستقبلية ستحل يوماً ما.

في هذا الإطار، يرى كثير من الباحثين والدارسين أن التفكيكية قد ابتعدت كثيراً عن أفكار جاك ديريدا كما طرحها في أصولها الحقيقية. ولم يلتزم أصحابها بوعوده، ولم يتقيدوا بشروطه النظرية والتوجيهية.

وإذا كان ديريدا يرفض أن تتحول التفكيكية إلى منهجية أو طريقة نقدية لقراءة الأدب، فإن التفكيكيين في الولايات المتحدة حوَّلوها إلى طريقة في التأويل النقدي، وقراءة النصوص الأدبية كما هو حال بول دومان. وبهذا، أصبحت طريقة في القراءة والتأويل وتشريح النصوص والخطابات كيفما كان نوعها.

والخلاصة أنّ ما يميز التفكيكية أن صاحبها جاك ديريدا قد مارس علم الاستغراب التقويضي من أجل نقد الحضارة الغربية من الداخل، بنقد مركزيتها الأَنَوية، والتسفيه بغطرستها وتبجُّحها وغرورها المبالغ فيه، بالدعوة إلى حضارة الكتابة من جهة، وحضارة التعدُّد من جهة أخرى.

-------------------------

[1]-Heidegger 1927, تtre et Temps, Paris, Gallimard, 1964, (trad. Rudolf Boehm et Alphonse de Waelhens); Paris, Gallimard, 1986, (trad. François Vezin).

[2]- ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة 2007م، ص: 108.

[3]- ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، ص:111.

[4] - جاك ديريدا ألَّف مجموعة من الكتب حول النظرية التفكيكية منها:

-De la grammatologie, Paris, Minuit, 1967.

-L’écriture et la différence, Paris, Seuil, 1967.

-La dissémination, Paris, Seuil, 1972.

-Marges de la philosophie, Paris, Minuit, 1972.

-Memoires for Paul de Man, New York, Columbia.Univ.Press, 1986.

[5]- ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، ص:109-110.

[6]- المصدر نفسه، ص:110.

[7] - ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ترجمة: د. باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:112.

[8] - عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:44-45.

[9] - جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة: كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:47.

[10] - عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:61-62.

[11] - جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ص:47.

[12] - عبد الله إبراهيم: نفسه، ص:65-66.

[13] - جاك ديريدا: نفسه، ص:52.

[14]- Christopher Norris. Deconstruction.theoty and practice, p: 32.

[15] - عبد الله إبراهيم: نفسه، ص:63.

[16] - جاك ديريدا: نفسه، ص:49.

[17] - نفسه، ص:47.

[18] - عبد الله إبراهيم، وسعيد الغانمي، وعواد علي: معرفة الآخر، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:130-131.

[19] - جاك ديريدا: نفسه، ص:53.

[20]- ميجان الرويلي وسعد البازعي:نفسه، ص: 108-109.

[21] - جاك ديريدا: نفسه، ص: 59-60.

[22] - محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:101-102.

[23] - ديفيد كارتر: نفسه، ص:119.

[24] - هاشم صالح: (بين مفهوم الأرثوذكسية والعقلية الدوغمائية)، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، محمد أركون، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م، ص:10.

[25] - إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة: كمال أبوديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، سنة 2005م.

[26] - عبد الكبير الخطيبي،النقد المزدوج، دار العودة، بيروت، لبنان، طبعة 1980م.

[27] - نفسه: في الكتابة والتجربة، ترجمة: محمد برادة، دار العودة، بيروت، لبنان، طبعة 1980م.

[28] - نفسه: الاسم العربي الجريح، دار العودة، بيروت،لبنان، الطبعة الأولى 1980م.

[29] - محمد أركون: الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، طبعة 1987م.

[30] - عبد السلام بنعبد العالي: أسس الفكر الفلسفي المعاصر: مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 1991م.

[31] - محمد نورالدين أفاية: الهوية والاختلاف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.

[32] - فتحي التريكي: قراءات في فلسفة التنوع، دار التنوير للنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1988م.

[33] - علي حرب: نقد النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، طبعة ثانية 1995م.

[34] - نفسه:هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2005م.

[35] - مطاع صفدي: (في الذات الحي بعد كل تفكيك)، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان:152-153، السنة 2010م، ص:4-21.

[36]- محمد أحمد البنكي في كتابه:دريدا عربيا/ قراءة في الفكر النقدي العربي،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.

[37] - د.علي أومليل: في شرعية الاختلاف، المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1991م.

[38]- عبد الله الغذامي:الخطيئة والتكفير: من البنيوية إلى التشريحية، نظرية و تطبيق، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 2006م.

[39] - محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، ص:101.

[40] - نفسه: تحليل الخطاب الشعري(إستراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1985م.

[41] - عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م.

[42] -هشام الدركاوي: التفكيكية: التأسيس والمراس، دار الحوار، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2011م.

[43] - سعد البازعي: استقبال الآخر(الغرب في النقد العربي الحديث)،المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2004م.

[44] - نفسه: الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2008م.

[45] - ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2000م.

[46] - عبد العزيز حمودة :المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية، سلسلة عالم المعرفة، العدد:232، السنة 1998م.

[47] - مرتاض، عبد الملك: دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة (أين ليلاي) لمحمد العيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الأولى سنة 1992م.

[48]- قطوس، بسام: استراتيجيات القراءة ـ التأصيل والإجراء النقدي، دار الكندي، إربد، الأردن، 1998م.

[49] - خالد أمين: الفن المسرحي وأسطورة الأصل، مطبعة ألطوبرس، طنجة، المغرب، الطبعة الثانية، 2007م.

[50]- جاد ديريدا: نفسه، ص:62.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف