البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 26 / 2020  |  2879هل تقود الصين حقبة ما بعد الغرب؟! عصر ما بعد العولمة هو عصر نهاية الهيمنة الغربية

مصطفى النشار المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية خريف 2019 م / 1441 هـ
هل تقود الصين حقبة ما بعد الغرب؟! عصر ما بعد العولمة هو عصر نهاية الهيمنة الغربية

هل تصبح الصين القوة الأولى في العالم بين عامي 2020 و2030؟

سؤال تجيب عنه الدراسات والأبحاث المختلفة التي تدرس بعمق الهجوم الاقتصادي الصيني الساحق في السنوات الأخيرة، ما حمل علماء الاقتصاد ومنظّري السياسة والاستراتيجيا في العالم على الاعتقاد بأن عصر ما بعد العولمة هو عصر نهاية الهيمنة الغربية، نتيجة عوامل التفكُّك الداخلية للمجتمع الأميركي وقوته السياسية والعسكرية والاجتماعية، بالإضافة إلى الانتصارات المتوالية والتقدم المطَّرد لاقتصاديات دول شرق آسيا بقيادة الصين.

تعمل هذه المقالة للباحث والأكاديمي المصري البروفسور مصطفى النشار على إجراء رصد تحليلي لحقبة ما بعد العولمة ليخلص إلى التساؤل المحوري عمَّا لو كانت الصين هي التي ستقود حقبة ما بعد الغرب في العقد المقبل.

المحرر


لا شك في أنَّ كمًا هائلًا من الحوار والنقاش دار في الماضي ومازال يدور في المراكز البحثية والاستراتيجية الدولية والمحلِّية حول التنافس الحضاري المحتدم عالمياً الآن بين الشرق والغرب.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه فلاسفة الحضارة والتاريخ الغربيون منذ أوزوالد شبنغلر (توفِّي سنة 1936م) وأرنولد توينبي (توفِّي سنة 1975م) وحتى الآن، عن قرب انهيار الحضارة الغربية والتبشير ببَدءِ دورةٍ حضارية جديدة هي دورة ما بعد العولمة أو ما بعد الغرب. لا أدري سببًا واضحًا لمحاولاتنا الدائبة في اللهاث وراء التجربة الغربية، أوروبية كانت أو أميركية، في التقدم الحضاري ألَّلهم إلا أننا لا نزال متأثرين كدول وشعوب بالمرحلة الاستعمارية التي كان من نتائجها الخطيرة ربط عجلة الإقتصاد في الدول المستعمَرة بالدول المستعمِرة من جانب، وانسحاقنا في تقليد النموذج الثقافي الغربي في كل شيء، إذ لا نزال، رغم التحرر والاستقلال، نشعر بالدونيَّة تجاه هذا النموذج، ومن ثم نحاول تقليده واستنساخه وكأنه لا يوجد طريق للتقدم والنهوض إلا عبر هذا النموذج. والغريب أننا لا نزال نحاول ولا نلقى سوى الفشل من جانب، ونقد الآخرين لنا وتعاليهم علينا من جانب آخر!

أقول هذا الكلام بعد مرور خمسة عشر عامًا على صدور كتابي “ما بعد العولمة” (عام 2002م)، وعشرين عامًا على صدور كتابي الأسبق منه “ ضد العولمة “(عام 1998م). وقد نبَّهت في الأول إلى خطورة انسياقنا وراء دعوات العولمة التي كان ظاهرها الدعوة إلى تحقيق التقارب والتعاون بين الدول والشعوب بينما كان باطنها فرض الرؤية الغربية الثقافية والاقتصادية على شعوب العالم، وقولبتها على حسب الهوى الغربي، وبما يحقِّق المصالح الغربية في الهيمنة على الاقتصاد العالمي، وفرض الوصاية على كل الشعوب عن طريق القوة الناعمة وليس عن طريق القوة الخشنة التي فات أوانها بتخلص الشعوب من كل صور الاستعمار المباشر باستثناء فلسطين المحتلة!

العولمة كتوظيف استعماري ما بعد غربي

ولمَّا كانت العولمة كأنها قدر العالم المقدور، وفرضت الهيمنة الاستعمارية غير المباشرة على العالم تحت دعوى أن العالم أًصبح أشبه بقرية واحدة، وأن ثمة ثقافة واحدة ونمطًا اقتصاديًا واحدًا يسودان العالم، فقد برزت سوءاتها للقاصي والداني، وأصبح العالم يعاني منذ نهايات القرن الماضي من الهيمنة والاستبداد الغربيَّين اقتصاديًا وسياسيًا، وكثرت الأزمات الاقتصادية تحت وطأة هيمنة نموذج الرأسمالية الخشنة التي لم تستهدف يومًا تحقيق العدالة، بل سمحت بكل بساطة بأن ينقسم العالم إلى الخُمس الثري (متمثلاً في أصحاب رؤوس الأموال وملَّاك الشركات الكبرى في العالم ودولها)، والأربعة أخماس الفقراء، وها نحن نرى أن الأثرياء يزدادون ثراءً، وتنتقل رؤوس أموالهم بين قارات العالم، ويؤسِّسون شركاتهم عبر دول العالم المختلفة مصطنعين التشريعات التي تحمي رؤوس أموالهم والعلامات التجارية الخاصة بهم، وهاهم في سبيلهم لأن يمتلكوا العالم كله ويستحوذوا على ثرواته!

من هنا، كان التنبُّؤ بأن هذه المرحلة العولمية المفروضة من قبل نمط ثقافي واقتصادي معيَّن لن تستمر لأن التاريخ علَّمنا أن غرور القوى الأمبراطورية العظمى، ورغبتها الدائمة في التحكُّم والسيطرة وفرض الأمر الواقع على الآخرين، والتمدُّد غير المبرَّر لفرض الهيمنة والسيطرة، كل ذلك يؤدي حتمًا إلى الانهيار والسقوط. وفي ضوء هذا الأمر، تنبأ الكثيرون من فلاسفة الغرب ومؤرِّخيه بانهيار هذا النموذج الحضاري الغربي ذي البُعد الواحد رغم كل المحاولات اللَّاهثة لإصلاح بعض هفواته والكثير من عيوبه. وفي إطار ذلك، كان كتابي الثاني “ما بعد العولمة” الذي اعتبر أن العولمة بكل تداعياتها هي مجرد مرحلة من مراحل التاريخ البشري روَّجت لها القوى المسيطرة الآن، وهي حتمًا ستنتهي بنهاية سيطرة هذه القوى. ومن ثم فعلينا أن نتساءل: ماذا بعد العولمة؟! وما هي القوة التي ستهزم هذه القوة المسيطرة حاليًا وتحل محلَّها في قيادة الدورة الحضارية الجديدة؟. وكانت إجابتنا في هذا الكتاب أن التفاعل الحضاري الجاري الآن يقود حتمًا إلى أن السيطرة ستكون لبلاد الشرق الآسيوي بقيادة الصين؛ لأن ما درسناه عن الانتصارات المتوالية والتقدُّم المطَّرد لاقتصاديات هذه البلاد، بالإضافة إلى    عوامل التفكُّك الداخلية للمجتمع الأميركي وقوَّته السياسية والعسكرية والاجتماعية، كل ذلك نتيجته الحتمية أن عصر ما بعد العولمة هو عصر نهاية الهيمنة الغربية على العالم وستقوده الصين باعتبارها القوة المنافسة الأولى للولايات المتحدة الأميركية، وستصبح في المستقبل القريب الذي حدَّدته الدراسات المختلفة بين عامي 2020 و2030م، القوة الأولى في العالم.

قلت آنئذٍ: إن علينا، ونحن نحافظ على الخيط الرفيع الذي يربطنا بالثقافة الغربية، والذي يجعلنا قادرين على صون هويتنا الحضارية واستقرارنا الاجتماعي والاقتصادي، علينا أن ننظر بعين الاعتبار والاهتمام إلى التجربة الآسيوية في التقدُّم والنموِّ، وهي تجربة مختلفة ولها استقلاليتها ونموذجها المتفرد. باختصار، كانت رؤيتي في ذلك الوقت وإلى الآن: أن علينا أن نحافظ على علاقتنا المتوازنة مع القوى الغربية حتى لا نصبح أعداء لها، ومن ثم نصبح هدفًا لقوتها الغاشمة ورغبتها الدائمة في تفتيت قوَّتنا واستنفاد مواردنا، وفي الوقت ذاته، علينا مدُّ الجسور مع دول الشرق الآسيوي وشعوبه باعتبارها الأقرب حضاريًا إلينا، وباعتبار أن الصين كذلك هي القوة المستقبلية التي ستقود الدورة الحضارية القادمة.

الأسئلة المطروحة الآن: هل تحقَّقت هذه التنبُّؤات؟ وهل أصبحت الصين هي القوة القادرة على قيادة الدورة الحضارية القادمة؟! وما هي عوامل نهضتها الحضارية والأسس التي بنت عليها تجربتها التقدمية، وكيف يمكننا الاستفادة منها؟

المثل الصيني في رؤى الفلاسفة والمؤرخين:

كل ما تواجهه الصين من تحدِّيات وصعوبات تتمثَّل في أنه ليس من السهل تحقيق تحديث كامل في دولة بهذه الكثافة السكانية الضخمة وعلى هذه المساحة الشاسعة من الأرض، مع كل ذلك نجحت خلال الثلاثين عامًا الماضية في القضاء على الفقر، كما نجحت في تحديث كل مفاصل الدولة إلى الدرجة التي سمحت لاقتصادها بأن يحقِّق أعلى معدل نمو في العالم، وهي تشهد الآن صعودًا مذهلاً في كل مجالات الحياة.

ولعل المفارقة اللَّافتة هي أن الصينيين، رغم كل ما يحقِّقونه من إنجاز وتقدم مذهل بالمقاييس العالمية بما فيها المقاييس الكمية الغربية، لا يزالون غير راغبين في الإعلان عن ذلك. وهذا ما عبَّر عنه الفيلسوف المعاصر البروفسور تشانغ وي وي في كتابه “ الزلزال الصيني – نهضة دولة متحضرة “ الذي أصدره عام 2011م، وتمَّت ترجمته إلى العربية مؤخرًا[1]، حينما قال : “ إن الصين لا ترغب في الإعلان رسميًا عن نهضتها.. ولا تزال تدَّعي أنها دولة نامية.. وهي غير راغبة في استخدام فكرة النموذج الصيني “[2]. والواقع أن الحقائق التي عبَّر عنها في كتابه بداية من عنوانه “ الزلزال الصيني “ تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن حرص الصينيين على عدم التسرع في الإعلان عن أن تجربتهم تجربة نهضوية مذهلة وقادرة على هزيمة كل المنافسين، قد تضاءل الآن إلى أدنى مستوياته، وهذا ما يكشف عنه تشانغ وي نفسه حينما يقول: “إن نهضة الصين بالفعل مذهلة بالنسبة إلى العالم الخارجي بجميع المقاييس”.

من جانبها، عبَّرت روبين ميريديث مراسلة الشؤون الخارجية لمجلة “فوربس” في كتابها “الفيل والتنين”[3] عن ثورة الصين النهضوية المعاصرة قائلة: “ دمَّرت ثورة ماوتسي تونغ الثقافية البلاد، وسحقت قدراتها الفكرية والعلمية والفنية، وقضت على نظامها التعليمي، وخرَّبت اقتصادها، وبعدما مات ماوتسي تونغ مخلِّفًا وراءه أمة مفلسة من الفلاحين، أما الآن فإن الصين بزعامتها الجديدة، بتغيير كامل ومفاجئ شمل كل نواحي الحياة، وارتبط تدريجيًا بالاقتصاد العالمي، وتحرك في اتجاه اقتصاد السوق، ويقود الأمة على طريق ثورة صناعية، وأخذت الدخول تتصاعد، وعادت الروح الصينية إلى الظهور. لقد انتشل النهج الجديد الذي التزمته الصين أكثر من مائة مليون نسمة من مهاوي الفقر وتضاعف متوسط الدخول خلال عقد من الزمن “[4].

ثورة الصين الثقافية الجديدة – في نظر هذه الباحثة – تتجلى بإنجازاتها يومًا بعد يوم على امتداد طريق وحيد عبر ساحة صناعية ممتدة بطول وعرض إقليم بوردنغ بشنغهاي، فهناك ترى عشرات الألوف من  العمال يسجلون أسماءهم في وقت حضورهم في مصانع تمتلكها شركات “ريكو” و”إن بي سي” و”سيمتر” و”شارب” وغيرها من الشركات الأجنبية...” [5].

في السياق عينه، يؤكد دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا، وهما من كبار المستشارين الاقتصاديين في الولايات المتحدة الأميركية – في كتابهما “ التنين الأكبر- الصين في القرن الحادي والعشرين” - يؤكدان الشيء نفسه حيث يحسمان الجدل بين المضاربين بالصعود الصيني ونقادهم بالقول أن “ المعجزة الاقتصادية الصينية الجديدة قد استقرَّت ورسخت، وأن الصين عمدت من دون تردُّد وبلا كلل إلى السير قُدمًا على طريق الإصلاح الاقتصادي، واستحداث بعض آليات السوق، والانفتاح على العالم الخارجي والاندماج فيه. ويمكن تأكيد أن السياسة الاقتصادية الصينية تحركت بثبات واطِّراد نحو مجموعة من الأهداف المتمايزة على مدى العشرين عامًا الأخيرة أكثر من الأهداف التي سعت إليها السياسة الاقتصادية الأميركية “[6].

يتوقّع هذان الكاتبان أن الصين ستصبح بحلول عام 2022م وهو عام التنين في تقويمها السنوي، قادرة على تحقيق حلمها الكبير باعتبارها القوة المهيمنة على الاقتصاد الآسيوي، ومن ثم العالمي، عبر توافق المصالح الصينية - اليابانية ومن حولهما عشرة نظم اقتصادية آسيوية التي تسمى بالنمور الآسيوية الصغيرة، مما سيجعل القرن الحادي والعشرين قرن آسيا[7]. ولقد أكد الكثير من التنبؤات لكبار علماء الاقتصاد العالميين بالفعل بأن اقتصادها سيتجاوز الاقتصاد الأميركي، وسيصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030م على الأكثر[8].

يكشف ما كتبه البروفسور تشانغ وي عن “ الزلزال الصيني “، يكشف للمرة الأولى عن أن الصينيين لم يعودوا كما كان الأمر في ما سبق متواضعين وحذرين وكأنهم يطبِّقون المثل الشائع لدينا “ داري على شمعتك تضيء “، بل راحوا يتساءلون: وماذا بعد؟! كيف ينبغي أن تتصرف الصين على المسرح العالمي؟ وكيف ستؤثر على تطور العالم في المستقبل؟!. مما لا شك فيه أنها تحتاج إلى الوعي بمفهوم دولة كبرى جديدة، إلى حكمة أكبر، واستراتيجيات أعظم، وإحساس أكبر بالمسئولية، وينبغي أن يكون خطابها عقلانيًا، وأن ترفض التعصب للدولة الكبرى مع السعي لتقديم إسهامات أكبر للبشرية “[9].

فهل بدأ القادة الصينيون يعدُّون العدة لذلك اليوم الذي ستصبح فيه الصين هي القوة الأكبر في العالم؟!

آليات السيادة الثقافية وتنامي القوة العسكرية:

من معاينات الخبراء يتبين أن الصين بدأت فعلياً في شق الطريق نحو السيادة الاقتصادية العالمية. فهي تدرك جيدًا آليات التنافس الحضاري، ولم تتوقف حدود التطوُّر الإقتصادي المذهل ووصول اقتصادها إلى المرتبة الثانية فى العالم، بل اهتمت بأن يتوازى مع هذا التقدم التقني والاقتصادي انتشار نموذجها الثقافي حتى يمكن أن يكون بديلًا للنموذج الثقافي الغربي. جرى ذلك عبر آليات عديدة لعل من أبرزها الاهتمام بتأسيس ودعم إنشاء أقسام اللغة الصينية وآدابها فى مختلف دول العالم، وقد ابتدع خبراؤها ذراعاً قويًا لنشر ثقافتهم عبر العالم هو “معهد كونفشيوس” الذي جرى تأسيسه العام الماضي 2018م، ثم انتشر 548 معهدًا بهذا الاسم  في 154 دولة ومنطقة حول العالم، ويعمل فيها 45700 مدرسًا صينيًا إلى جانب 1193 “فصل كونفشيوس” في المدارس الابتدائية والمتوسطة فى أنحاء العالم،  كما تم إحصاء 810 آلاف شخص انتظموا فى الدراسة في “كونفشيوس” على الإنترنت. وقد شهد عام 2018 م تأسيس وافتتاح 30 معهدًا جديدًا حول العالم[10]. بالطبع، إن هذه المعاهد وتوابعها من الفصول العادية والانترنتية تعمل ليس فقط على تعليم اللغة والآداب والثقافة الصينية، بل تعمل على تعزيز مكانتها في العالم وتعزيز التبادل والشراكة والاتصال بالحضارات العالمية المختلفة. وتحرص الصين على الالتقاء بمؤسسي ومديري هذه المعاهد حول العالم فى مؤتمرات دورية، وقد حضر المؤتمر الذي عقد في 2018م نحو 1500 رئيس جامعة وممثل عن معاهد كونفشيوس من أكثر من 150 دولة ومنطقة[11].

يتوازى مع هذا المد والانتشار الثقافى المدعوم باتفاقيات للتبادل الثقافى والتعاون العلمي والبعثات المشتركه التى تنفق عليها الصين بسخاء الاهتمام بالجيش الصينى وتعزيز القدرات العسكرية للصين، وإذا كان البعض لايزال يتصور أن القدرات العسكرية الأميركية لاتزال متفوقه عن القدرات الصينية فإن هذا الأمر أصبح مشكوكا فيه ؛ إذ رغم تباهي الولايات المتحدة الأميركية بامتلاكها ترسانة حربية لاتضاهى، فقد حذر تقرير حديث أصدرته لجنة شكلها الكونجرس الأميركي من الحزبين الحاكمين  من “ تراجع خطير” فى القدرات العسكرية الأميركية مؤخراً، وفى مفاجأة صادمة للأميركيين رجَّح التقرير خسارة الولايات المتحدة لأي حرب قد تخوضها ضد الصين أو روسيا مشيراً إلى “ معاناة الجيش الأميركي من خسائر فادحة فى الحرب العالمية  المقبلة”[12]، وقد توصلت اللجنة إلى أن التوازن العسكري لم يعد فى صالح الولايات المتحدة فى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، كما حذَّرت اللجنة من أن تباطؤ الخطوات الأميركية في الاستجابة للمتغيِّرات الجارية على الساحة الدولية، وتطوُّر المنافسين، قد يقود إلى مزيد من التراجع بالنسبة إلى الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة بالتزامن مع حرص الصين وروسيا على بناء قوات دفاعية موجَّهة بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة[13].وفي مقابل هذا التقرير، يؤكد الخبراء أنه فى خضم السباق العسكري الأميركي الصيني المحتدم تعمل الصين حثيثًا على تطوير أسلحة جديدة تهدِّد التفوق الأميركي. وترى إلسا كانيا الزميل المساعد فى مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد “أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك الهيمنة المطلقة فى المجال العسكري”[14]، وأن الجيش الصيني ربما تفوَّق على نظيره الأميركي فى بعض نقاط القوة العسكرية[15].

وقد تم رصد خمس نقاط قوة محددة تهدد التفوق الأميركي من جانب الصين وهي:

1- المدفع الكهرومغناطيسي؛ حيث أنها تختبر مطلق قذائف مغناطيسيًا يحمل على السفن ويمكنه إطلاق قذائف بسرعة  تعادل 7 أضعاف سرعة الصوت.

2- السفن الحربية المتطورة ؛ حيث كشفت عن أحدث سفنها العسكرية من طراز  055 وهي مدمرة تصل حمولتها إلى 12 ألف طن، وستدخل الخدمة بشكل كامل هذا العام، وأطلقت هذه السفينة الجديدة بعد ثاني حاملة طائرات صينية وهي من طراز 001A البالغ وزنها 65 ألف طن، ويمكنها حمل 35 طائرة مقارنة بـ 24 طائرة للحاملة الأولى. وهي تعمل حاليًا على تطوير حاملة طائراتها الثالثة من طراز 002 التي يبلغ وزنها 80 ألف طن، وستحمل 40 طائرة ومزوَّدة بتقنيات حديثة تسمح بحمل طائرات أكبر حجمًا وأكثر سرعة.

3- الطائرات المقاتلة؛ حيث أعلنت مؤخرًا عن إطلاق أول طائرة مقاتلة محلَّية الصنع “شينجدو جي 2” أطلق عليها إسم “النسر الأسود”، وبذلك كسرت احتكار أميركا لصناعة الطائرات الشبح، وتعمل حاليًا على طائرة أخرى يطلق عليها إسم “شينيانغ جي31”، يعتقد أنها ستضعها على طريق مزاحمتها في تصدير المقاتلات، كما تعمل على تطوير الطائرة “واي 20” التي تعد أكبر طائرة عسكرية ناقلة فى العالم.

 4- المركبة المنزلقة فائقة السرعة؛ حيث أجرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أول اختبار على المركبة المنزلقة “دي إف 17” وتبلغ سرعتها 5 أضعاف سرعة الصوت، وتحمل صواريخ، وهي تنفرد بهذا عن أميركا وروسيا.

5- الذكاء الاصطناعي في الصناعات العسكرية؛ حيث أعلنت في تموز/يوليو من العام الماضي عن خطة لاستثمار 150 مليار دولار فى تطوير الذكاء الاصطناعي فى المجال العسكري بحلول 2030، وفي الشهر ذاته نجحت إحدى شركاتها في إطلاق سرب من 119 طائرة من دون طيار كوَّنت أشكالًا فى السماء. ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي العسكري الصيني سيدخل مجالات الحرب الإلكترونية والطائرات من دون طيار التي بإمكانها ضرب أهداف أميركية[16].

العقل الصيني وطموحات السيادة:

مما لا شك فيه أن قادة الصين يدركون هذه الحقائق جيدًا، ورغم نهجهم المتواضع بإصرارهم على أنهم ما يزالون في طور الدولة النامية، إلا أنهم يرون كما يعبر عن ذلك الرئيس الحالي شي جين بينغ أنهم وحزبهم “ قد حوَّلوا الصين القديمة الفقيرة والمتخلفة إلى الصين الجديدة المتجهة إلى الازدهار والقوة يومًا بعد يوم مما أظهر مستقبلاً مشرقا للنهضة العظيمة للأمة الصينية “. لقد أصبح الهدف الآن لديهم هو مواصلة الجهود والكفاح حتى  “تقف الأمة الصينية بين صفوف الأمم العالمية شامخة الرأس وبثبات وقوة أعظم لتقديم إسهام جديد أعظم للبشرية “[17].

لقد عبَّر الرئيس بينغ عن تلك الرؤية في مناسبات عديدة وبصور مختلفة؛ فقد قال في أحد خطاباته أمام المؤتمر 17 لأعضاء أكاديمية العلوم في حزيران/ يونيو 2014م: “أنه بعد جهود دامت سنوات عديدة ارتفع المستوى العام للعلوم بالتكنولوجيا ارتفاعًا كبيرًا، ودخلت بلادنا في مقدمة الركب العالمي.. وبدأ يتغير وضعها بدلًا من كونها “المُلاحق” سابقًا إلى كونها “ المتماشي مع “ أو “القائد” في بعض المجالات “2. وهو لا يرضى بديلاً عن ضرورة تحقيق المبادرة والإمساك بزمامها التنافسي كضمانة كلية لأمن الاقتصاد الوطني والدفاع الوطني بل لأمن الدولة نفسها، كما لا يرضى طريق التقليد أو الاعتماد على الغير، ويعبِّر عن ذلك بلغة حاسمة وقوية حينما يقول للمختصين: “ إن الاعتماد على النفس هو أساس قيام الأمة الصينية في غابة الأمم، والابتكار الذاتي هو طريق لابد منه إذا أردنا أن نصعد إلى قمة العلوم والتكنولوجيا في هذا العالم.. ولن ننفصل عما حولنا من دون التفات إليه، بل سوف نبادر في التبادل الدولي في كافة المجالات مستفيدين من خبرات الداخل والخارج “[18].

في الشهر نفسه والسنة نفسها صرّح بينغ خلال اجتماع عقد مع القادة العرب استهدف إعادة إحياء طريق الحرير، وتعميق التعاون الصيني العربي: “إن الصين دخلت مرحلة حاسمة لتحقيق هدفها المتمثل في بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل. ويعد تحقيق هذا الهدف خطوة جوهرية لتحقق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة الصينية “[19]. وقبل أن نتساءل عن رؤيته لتحقيق ذلك الهدف قال: “ وضعنا تخطيطًا شاملًا لتعميق الإصلاح على نحو شامل، وأحد مضامينه الرئيسية هو تطوير التعاون الدولي من كل الأبعاد والمستويات تحت نظام إقتصادي منفتح أكثر تكاملًا وحيوية لتوسيع المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة مع الدول والأقاليم المختلفة “[20]. وهو يعتبر أن تطوير روح طريق الحرير من شأنه أن يعزِّز التعلم المتبادل بين الحضارات إذ لا توجد حضارة جيدة وأخرى سيئة، تصبح الحضارات المختلفة ثرية ومتنوعة بالتدريج بفضل التبادلات المتساوية، وذلك كما قال فيلسوف صيني: “إختلاط الألوان المتنوعة يسفر عن جمال أكبر، وامتزاج أصوات الآلات الموسيقية يخلق لحنًا منسجمًا متناغمًا “[21].

لقد أوضح الرئيس الصيني في الفقرة السابقة الأسس التي تراها بلاده لبناء دورة حضارية جديدة عبر التعاون المشترك على كل الأبعاد والمستويات انطلاقاً من إيمان بالتكافؤ الحضاري الذي يعزِّز التعلم المتبادل والتبادلات المتساوية. وتختلف هذه الرؤية عما هو قائم الآن في عصر العولمة، عصر الهيمنة الحضارية للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم على فرض الرؤية والمصالح الغربية على ما عداها! لقد استخدم بينغ عبارة “روح طريق الحرير” وكشف في الخطاب نفسه عن أن خصائص هذه الروح تحترم خيار كل الأمم بطريقها التنموي الخاص مع ضرورة التمسك بروح التعاون والفوز المشترك إذ أن ما تسعى إليه الصين هو التنمية المشتركة بعد إحلال السلام عبر الحوار وتبادل المنافع والنظرة المستقبلية البعيدة التي تقف على أرض صلبة. وقد شرح معنى الوقوف على أرض صلبة بقوله إن معناه العمل على جني الثمار في أسرع وقت، واستشهد بالمثل العربي الشهير “ خير القول ما صدقه الفعل”[22].

حريٌّ القول أن رمزية اصطلاح “ تطوير روح طريق الحرير “تتشابك مع رمزية ما أطلق عليه الرئيس الصيني في الخطاب نفسه: تنمية الحزام والطريق”، إذ يؤكدان معًا أن الصين وقادتها الحاليين يدركون جيدًا موقعهم من التنافس الحضاري القائم، ويعدُّون العدة لقيادة الدورة الحضارية الجديدة بروح شرقية – صينية خالصة تأخذ من الحوار وتبادل المنافع الاقتصادية والتشاور والاستفادة المتبادلة بين الثقافات والحضارات على قدم وساق، أسسًا لهذه الدورة الحضارية الجديدة، إذ أن بلاده الآن وفي المستقبل تنتهج نهجًا سلميًا، وتتخذ من هذا النهج أساسًا للصعود السلمي ومن دون الدخول في صراعات مسلحة مع القوى الأخرى وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. كذلك  أكد في إطار لقاء عقده مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في السابع من حزيران/يونيو 2013م على ذلك حينما ثمَّن الجهود المشتركة لبناء علاقات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون والفوز المشترك سعيًا وراء إسعاد شعبي البلدين[23].

تبدو الصين – كما يبيِّن حديث رئيسها – حريصة، وهي في طريق صعودها لقيادة دورة حضارية جديدة، على تبنِّي “النهج السلمي” القائم على التعاون المثمر بين دول العالم وشعوبه، الحريص على تبادل المصالح والمنافع في إطار عادل يضمن التقدم للجميع وليس لها فحسب.

هذا هو حلم الصين الذي يكاد، بعد سنوات قليلة، يصبح هو الواقع الجديد الذي سيشهده العالم. والسؤال الآن: كيف حقَّقت هذه الطفرة النهضوية وهل ثمة دورس يمكن تعلمها منها؟

طموحات السيادة ومدى تحقُّقها في الواقع:

في هذا الصدد يكتب توماس إل فريدمان الكاتب الصحفي الأميركي الشهير في جريدة “نيويورك تايمز”، بعد حضوره الألعاب الصينية الأولمبية في بكين عام 2008م، مقالاً بعنوان “ سبع سنوات مقدسة “، متسائلاً: كيف قضت أميركا والصين السنوات السبع الماضية؟ مقارنًا بين ما فعله الصينيون في إطار استعدادهم لاستضافة الدورة الأولمبية من تقدُّم مذهل في المجالات كافة، وما كان يفعله الأميركيون في الوقت ذاته من تجهيزات ذات طابع عسكري وتنظيمي للإضرار بالعالم، وانتهى قائلاً بسخرية: “ لا أريد أن أخبر بناتي أن عليهن الذهاب إلى الصين لرؤية المستقبل “[24].

هذه الملاحظة من فريدمان تعكس مدى تركيز الصينيين على صنع التقدم الحضاري بمعناه الحقيقي، مظهراً، في المقابل، ما تصنعه أميركا للتعجيل بنهاية امبراطوريتها عبر محاولة مد سيطرتها وهيمنتها على العالم بحروب مباشرة أو غير مباشرة.

إن قوة النموذج الصيني تكمن - كما كشف تشانغ وي -  في حقيقة أنه فور التوصل إلى إجماع وطني وتحديد الأهداف يعمل بكفاءة أكبر من النموذج الغربي[25]. إن هذا النموذج يعد فريدًا باعتبار أن الصين دولة حضارية عريقة معروفة بتاريخها الطويل الاستثنائي الذي يقوم على الوحدة رغم التعدُّد، وسمات تحضُّرها عديدة لكن أهمها تلك الكثافة السكانية الهائلة التي تمثِّل عامل قوة وليس عامل ضعف، وأرض ذات مساحة شاسعة، وتقاليد ذات تاريخ طويل، وثقافة شديدة الثراء بصورة هائلة ذات لغة فريدة وسياسة فريدة ومجتمع فريد.

من المفيد القول أن صنَّاع التقدم هم الأشخاص الذين تجمعهم هذه السمات، والصينيون تجمعهم خصائص ثقافية وسلوكية واحدة ذات مبادئ أخلاقية تمثل قواعد عامة للسلوك وليست مجرد مبادئ يحفظونها من دون عمل بها، وهذه المبادئ هي: أن تحمل دائمًا نوايا حسنة تجاه الآخرين، الاعتماد على النفس، أن تكون دؤوبًا في العمل ومقتصدًا، أن تبذل جهودًا متواصلة لتطوير الذات، ألَّا تتوقف أو تكل من التعلم، أن تتعاون في وقت الشدائد[26].

إن هذه المبادئ، أو بالأحرى القواعد السلوكية، هي الدافع الأعظم لصنع التقدم والإصرار عليه كجماعة يحمل كل واحد من أفرادها نيَّة حسنة تجاه الآخر رغم، اعتماده على نفسه وتطوير إمكانياته الذاتية.

وإلى جانب هذه المبادئ، امتلكت الصين ثقافة سياسية تتَّسم برؤية طويلة المدى، ونظرة شمولية لفهم السياسة الداخلية والخارجية. من هنا لم تقبل بنمط الديموقراطية الفردية الغربية، ذلك يعود إلى أن كل السلالات الحاكمة المزدهرة في تاريخها ارتبطت بوجود دولة قوية ومستنيرة. وهذا ما تتمثله الآن في قيادة حزبها (CPC)، الذي ليس حزبًا بالمفهوم الغربي، بل هو – على حد تعبير تشانغ – يواصل التقليد الطويل لكيان  الحكم الكونفوشي الموحد الذي يمثل أو يحاول تمثيل مصالح المجتمع ككل[27].

هذا النمط السياسي الفريد يرتبط به أيضًا نظام اقتصادي فريد لم يكن “اقتصاد سوق” على وجه التحديد بل هو “اقتصاد إنساني” بمعنى آخر – وعلى حد تعبير تشانغ أيضًا – كان اقتصادًا سياسيًا أكثر منه اقتصادًا بحتًا. فهو دائمًا ما يربط بين التنمية الاقتصادية بالحكم السياسي وتحسين معيشة الأفراد بالاستقرار العام للدولة، و”محور التنمية دائمًا هو الإنسان، وتلبية مطالب الشعب، وتحسين مستوى معيشته، ولو لم يفعل حكام الصين ذلك بشراكة مع الشعب فسيفقدون قلوب وعقول الشعب ومن ثم “ عناية السماء “ أيضًا “[28]!

إن النموذج الصيني للتقدُّم والتنمية قام في كل المجالات على لاءات ثلاث أطلقها الزعيم الشهير دنغ شياو بينغ وهي “ لا تقلِّدوا الغرب، ولا تقلِّدوا الدول الاشتراكية الأخرى، ولا تتخلَّوا أبدًا عن مزاياكم “. ومن ثم بني هذا النموذج على ثمان خصائص:

الأولى: المنهاج الفكري القائم على الممارسة، وهو البُعد الفلسفي المميز للنموذج الصيني الذي يستخلص الحقائق من الواقع.

الثانية: الدولة القوية المركزية ذات الحكومة المركزية التي تعدُّ رمزًا ودعمًا لوحدة البلاد.

الثالثة: إعطاء الأولوية دائمًا للاستقرار فهذا النموذج يقوم على “ المئات من الدول في دولة واحدة “ كونه ينطوي على تنوع ثقافي وعرقي هائل، ومع ذلك فهو عامل استقرار وقوة وليس عامل فرقة وصراع، وهذا هو الموروث منذ أن وحد البلاد الأمبراطور تشين شي خوانغ في عام 221 قبل الميلاد.

الرابعة: الاهتمام بمستوى معيشة الشعب، فالنموذج الاقتصادي الصيني، كما قلت في ما سبق، هو الاقتصاد الموجِّه للشعب باعتباره أساس الدولة، وعندما يكون الأساس ثابتًا تكون الدولة في سلام.

الخامسة: الإصلاح التدريجي إذ لا يعتمد الإصلاح الصيني على الإصلاح الجذري، أو ما يطلق عليه الإصلاح بالصدمة، كما في النموذج الغربي، بل يعتمد على التدرج الذي يقوم على التقدم المتواصل والتصحيح الذاتي المستمر، ويتحقق بتراكم العديد من المبادرات. ولا يعني التدرج هنا البطء لأن هذه الاستراتيجية في الإصلاح التدريجي يتم تنفيذها بكفاءة عالية في منطقة بعد أخرى.

السادسة: التمييز الصحيح للأولويات، فقد تم الإصلاح من خلال الانفتاح التدريجي وبتسلسل واضح حيث بدأ بإصلاح المناطق الريفية أولاً، ثم المناطق الحضرية، ثم إصلاح المناطق الساحلية الإصلاح الاقتصادي، والسياسي ثانيًا. ومعظم مبادرات الإصلاح لم تكتمل من المرة الأولى بل كانت الوتيرة غالبًا “خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء”، ومع ذلك ظل الإصلاح مستمرًا، وتم الانتهاء منه تمامًا بتراكم العديد من مبادرات الإصلاح وتجريب تنفيذها.

السابعة: الاقتصاد المختلط الذي يجمع - كما هو معروف - بين النظام الاشتراكي الذي اشتهرت به الصين والنظام الرأسمالي، وهي تعبِّر عن هذا الخليط باقتصاد “اليد الخفية” و” اليد الظاهرة “، وهو خليط من اقتصاد قوى السوق مع سلطة الدولة، واندماج لمبادئ اقتصاد السوق مع الاقتصاد الانساني كما سبق أن أوضحناه.

الثامنة: الانفتاح على العالم الخارجي وهذه خاصيِّة لها فرادتها في التقاليد التاريخية منذ توحيد الصين عام 221 قبل الميلاد، ثم جرى تحديثها على يد الزعيم المعاصر دنغ شياو بنغ الذي تبنى الانفتاح الشامل على العالم الخارجي[29] في إطار ما سمِّي بالإصلاح التدريجي وتمييز الأولويات.

 خاتمة:

لقد حقَّق هذا النهج، عبر هذه الخصائص الثماني، الأهداف الكبرى، وأصبح الحلم الصيني بدولة قوية مستقرة قادرة على التقدم المطَّرد متجهة إلى تحقيق السيادة والريادة في دورة حضارية جديدة تأمل في قيادتها عبر سياسة هادئة قوامها يستند على الرؤية الكونفوشيوسية  القديمة، سياسة الانسجام والاعتدال، أو بتعبير الكونفوشيين أنفسهم “الانسجام مع وجود الاختلاف”، فهل سيشهد المستقبل القريب تتويجًا لهذه السيادة؟. وماذا نحن فاعلون إزاء ذلك؟، وهل يمكن أن نأخذ دروسًا حقيقية من التجربة الصينية التي لخَّصها تشانغ وي في جملة “ نهضة دولة متحضرة”؟!

 لا ريب في أننا نملك في العالمين العربي والإسلامي السمات والمقومات نفسها تقريبًا، كما نملك الإمكانات المادية والبشرية والتقنية، ولكننا نفتقد أمرين: الاستقلالية وإرادة الفعل، فهل آن أوان سدِّ النقص والسير قُدُمًا نحو بناء “ نهضة دولة متحضِّرة “ جديدة في تاريخ الإنسانية؟! وما نقصده هنا هي الدولة القادرة على المنافسة والشراكة الحقيقية فى بناء التفاعل الحضاري للبشرية - في ما بعد انتهاء عصر الهيمنة الغربية - وهي تتمثل في تكتُّل وحدوي يجمع الأمَّتين العربية والإسلامية، وينبغي أن يفكر فيه العرب والمسلمون ويسعون إلى تحقيقه على الصعيدين النظري والعملي.

-------------------------


[1]-قام بترجمته عن الإنكليزية محمود مكاوي وماجد شبانة- وقام بمراجعته على الأصل الصيني أحمد السعيد- ونشرته دار «سما للنشر والتوزيع» بالقاهرة- 2016.

[2]- المرجع السابق: ص29.

[3]-قام بترجمته شوقي جلال- ونشر في سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية- كانون الثاني/يناير 2009م.

[4]- المرجع السابق: ص216.

[5]- المصدر نفسه.

[6]-دانييل بورشتاين وأرنيه دى كيز: «التنين الأكبر- الصين فى القرن الحادي والعشرين» – ترجمة: شوقي جلال- نشر في سلسلة «عالم المعرفة» – الكويت- تموز/ يوليو 2001م، ص215.

[7]-نفسه: ص419.

[8]-تشانغ وي: المرجع السابق- ص48-50.

[9]-نفسه: ص50.

[10]- أنظر: Arabic.china.org.cn/archive/chandong/node_7070945.htm,p.1

وأيضا:Arabic. News.cn/ 2018-12/06/c_137654897.htm,p.1

[11]- أنظر : Ibid.

[12]- انظر:https://www.skynewsarabia.com/world/1199673,p.1.

[13]- أنظر : Ibid , p. 2.

[14]- نقلًا عن : https://www.skynewsarabia.com/world/1023452-5-, p.1.

[15]- Ibid.

[16]-الرئيس الصيني : شي جين بينغ : حول الحكم والإدارة- الترجمة  العربية، دار النشر باللغات الأجنبية- بكين، الصين 2014م- ص24.

(2) نقلًا عن المرجع السابق، p. 2-6.

[17]- الرئيس الصيني : شي جين بينغ : حول الحكم والإدارة- الترجمة  العربية، دار النشر باللغات الأجنبية- بكين، الصين 2014م- ص24.

(2) نفسه: ص134.

[18]- الرئيس الصيني : شي جين بينغ : حول الحكم والإدارة- الترجمة  العربية، دار النشر باللغات الأجنبية- بكين، الصين 2014م- ص135.

[19]-نفسه: ص335.

[20]-نفسه: 336.

[21]-نفسه.

[22]-أنظر: المرجع نفسه- ص336-340.

[23]- أنظر: المصدر السابق - ص229-300.

[24]- نقلاً عن تشانغ وي: المرجع نفسه، ص21-22.

[25]-نفسه: ص26.

[26]-نفسه: ص93.

[27]-نفسه: ص94.

[28]-نفسه: ص101.

[29]-أنظر: المرجع السابق- ص134-135.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف