البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

January / 2 / 2016  |  909الشراكة مع إيران : جدول أعمال أوروبي

إيلي جيرانماييه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يوليو 2015
الشراكة مع إيران : جدول أعمال أوروبي

التّحرير: تأخّرت أوروبا في إنجاز ملفّات العمل مع إيران لمرحلة ما بعد الاتّفاق النّوويّ، مع أنّها الأقرب جغرافيًا والأولى بالتّفكير بكيفيّة تطوير التّعاون مع الجمهوريّة الإسلاميّة في مجالات الطّاقة والأمن الإقليميّ والتّجارة الدّوليّة. تقترح الكاتبة هنا على أوروبا ديناميّاتٍ أكثر طموحًا للعمل المشترك، وبلغةٍ صارمةٍ نسبيًّا فيها الكثير من الموجبات، تحاول أنّ تذلّل العقبات  أمام علاقاتٍ شابها الكثير من التّوتّر وضعف الثّقة المتبادل.


يقدّم الاتّفاق النّوويّ المعلن عنه مع إيران، فرصةً لابتعاد أوروبا عن سياسة الاحتواء الممارسة ضدّ طهران، باتّجاه تبنّي شراكةٍ بنّاءةٍ كوسيلةٍ أكثر فعاليّةً لتأمين المصالح الأوروبيّة. إنّ التّركيز الغربيّ  المتمحور حول الملفّ النّوويّ على مدى العقد الماضي قد ساهم في إحداث اختراقٍ دبلوماسيٍّ في مسألة حظر الانتشار النّوويّ، ولكنّه شلّ القدرة الأوروبيّة على تطوير سياسةٍ شاملةٍ تجاه إيران، على الرّغم من دورها المتنامي ـ والمثير للمشاكل أحيانًا ـ في منطقةٍ ذات أهميّةٍ استراتيجيّةٍ.

تحتاج أوروبا إلى جدول أعمالٍ ذي معنًى يهدف إلى الانخراط مع إيران في حلّ الصّراعات في الشّرق الأوسط، خاصّة في ضوء الأولويّة الّتي أصبحت المنطقة تشكّلها، والموارد الّتي يتمّ استثمارها فيها بعد صعود ما يُسَمّى الدّولة الإسلاميّة (داعش)، وازدياد التّهديدات لأمن الأراضي الأوروبيّة. إذا كانت أوروبا ملتزمةً بخلق منطقةٍ أكثر استقرارًا في جوارها، فيجب عليها إدراك المواقف الّتي يتّخذها اللّاعبون الإقليميّون الأساسيّون، ويجب أن تشركهم جميعًا بشكلٍ عاجلٍ، ومن ضمنهم إيران كمساهمين في خلق نظام أمنٍ إقليميٍّ.

إنّ سياسات إيران تسبّبت في بعض الأحيان  بإضعاف الغرب في المنطقة وإشعال عدم الاستقرار فيها. ومع ذلك سيكون النّظر إلى طهران على أنّها دائمًا ما تعمل ضدّ المصالح الغربيّة تبسيطًا للأمور. لقد تصدّر الرّئيس باراك أوباما القيادة في هذا الإطار، من خلال الاعتراف الهادئ بأنّ خدمة الأهداف الإقليميّة لإدارته قد تصبح أفضل من خلال الشّراكة مع إيران بدل احتوائها.

الأخصّ في ما يتعلّق بعمليّة بناء استراتيجيّةٍ لمكافحة داعش في العراق. كان لدى أوباما فرصةٌ محدودةٌ لمفاتحة إيران حول المسائل الإقليميّة، بسبب السّياسة الدّاخليّة الأميركيّة والعداء التّاريخيّ للولايات المتّحدة مع الجمهورية الإسلاميّة، وهذان العاملان يمثّلان عقبتَيْن خطيرتَيْن أمام تطبيع علاقات الولايات المتّحدة مع طهران. ولكن للمفارقة، فعلى الرّغم من أنّ تعميق علاقات أوروبا بطهران يُعَدّ أمرًا أكثر قبولًا  من النّاحية السّياسيّة، وهو أيضًا ضرورةٌ لأوروبا بناءً على مجاورتها للاضطراب الحاصل في الشّرق الأوسط. إلّا أنّ الأوروبيين لم يحضّروا ملفًّا متماسكًا كما فعل الرّئيس الأميركيّ حول مدى الشّراكة الّتي يجب الوصول إليها مع طهران.

إنّ خطّة العمل المشتركة الشّاملة، الّتي أعْلِنَ عنها في 14 يوليو 2015 بين الدّول الأوروبيّة الثّلاث والدّول الثّلاث الأخرى، من المرجّح أن يتقدّم العمل بها في مرحلة التّوقيع والتّنفيذ، على الرّغم من أنّه لا بدّ لمطبّاتٍ أن تظهر على طريق تنفيذها. سيخفّض هذا الاتّفاق من ارتفاع عتبة المدخل إلى التّعاون مع إيران، ولكنّ قدرة أوروبا على العمل مع الجمهوريّة الإسلاميّة ستكون محصورةً بسبب الانقسامات الدّاخليّة والعجز اللوجيستي. هذا بالإضافة إلى حقيقة أنّ حلفاء أوروبا الإقليميين التّقليديين لا يزالون متمسّكين بسياسة احتواء النّظام الإيرانيّ، الّذي ينظرون إليه على أنّه يعتزم فرض سطوته على المنطقة. إنّ هذه العوامل قد منعت أوروبا مسبقًا من أن تكون قادرةً على صياغة موقفٍ جريءٍ حيال طهران، أو على الأقلّ صياغة موقفٍ أكثر ترقّبًا كما كان يُؤمَل بعد الاتّفاق النّوويّ المؤقّت الّذي تمّ توقيعه في 24 نوفمبر 2014. 

النّتيجة المباشرة لخطة العمل المشتركة: إنّ شراكةً أعمق مع طهران ستصبح أكثر تعقيدًا في حال قام الحلفاء الإقليميّون برفع وتيرة سياسة الصدّ المعادية لإيران على امتداد ساحات الحروب بالوكالة في المنطقة.

إنّ السّياسة المعتمدة حاليًا لم تستطع القيام بالكثير لتغيير سياسة إيران الخارجيّة حيال المنطقة أو لعرقلة قدراتها. لذلك، يجب على أوروبا أن تتخطّى هذه الاستراتيجيّة لصالح الشّراكة مع إيران، ونتيجةً لذلك، يمكن مواجهتها حيال المسائل الخلافيّة. لقد أدركت القيادة الإيرانيّة منافع التّعاون مع أوروبا في تنمية اقتصادها، والهرب من وضعها كدولةٍ منبوذةٍ من خلال إعادة الاندماج مع المجتمع الدّوليّ. إنّ هذا الإدراك من قبل طهران، بالإضافة إلى إتمام الاتّفاق النّوويّ، يجب أن يشكّلا حافزًا لأوروبا لاستكشاف مفاتيح جديدةٍ للشّراكة مع إيران وفرص القيام بمقايضاتٍ معها.

من الآن فصاعدًا، يجب ألّا تكون سياسة أوروبا تجاه طهران مرتكزةً ببساطةٍ على معارضة المصالح الإيرانيّة وسلوكها الإقليميّ، خاصّةً في الجوانب الّتي تستطيع فيها الأنشطة الإيرانيّة أن تقوّي الأولويّات الاستراتيجيّة الأوروبيّة. بل على العكس، يجب أن تتطوّر هذه العلاقة على صعيد التّعاملات المباشرة، وأن تتوسّع لدرجة ألّا يبقى أيّ موضوعٍ ذو أهميّةٍ مشتركةٍ خارج حدود التّباحث. بينما يتمّ في نفس الوقت استكشاف خياراتٍ أكثر طموحًا حول كيفيّة معالجة الملفّات الإقليميّة الشّائكة.. فلا يمكن لأوروبا أن تتجاهل انخراط إيران الفاعل في مشهدٍ إقليميٍّ مشتعلٍ وتتعامل معها حصرًا في الملفّات غير الخلافيّة. العمل مع إيران في المسائل الخلافيّة الّتي تتعارض فيها المصالح كما هو الحال في سوريا، يمهّد للبدء بحوارٍ صادقٍ حول الخيارات الواقعيّة لتخفيف حدّة التّصعيد، مّما سيخفّف من عدائيّة إيران العلنيّة تجاه المصالح الغربيّة. 

الأهميّة الاستراتيجيّة لإيران

 أبعد من الملفّ النّوويّ، فإنّ العلاقات مع إيران هي ذات أهميّةٍ بالنّسبة لأوروبا، خاصّةً بسبب بصمة إيران الواضحة تقريبًا في كلّ أزمةٍ تحصل في هذه المنطقة ذات الأهميّة الاستراتيجيّة. يجب على الأوروبيين أن يواجهوا تداعيات تفكّك الدّولة العراقيّة بعد الاجتياح الّذي حصل سنة 2003 بقيادة الولايات المتّحدة، وتداعيات الحسابات الخاطئة  للولايات المتّحدة عن سرعة سقوط بشار الأسد في سورية، وأيضًا تداعيات ازدياد التّطرف على امتداد المنطقة. إنّ صعود داعش قد أكّد أكثر على الطّبيعة المتطايرة للمخاطر المحدقة بأوروبا من التّطرف الدّاخليّ وردّة الفعل العنيفة عليه المتمظهرة على شكل الإسلاموفوبيا. ومن العودة المحتملة لمواطنين يقاتلون حاليًّا في سورية إلى أوروبا، ومن الإرهاب، ومن الثّمن البشريّ المرتفع النّاتج عن الأزمات الإقليميّة. لقد واجهت أوروبا هذه السّنة تدفّقًا هائلًا للّاجئين الهاربين من سورية، بينما تمّ القيام بهجماتٍ إرهابيّةٍ في باريس وكوبنهاغن على يد منضوين في تنظيم القاعدة وداعش. كلّ ذلك يشكّل إنذارًا قويًّا بأنّ أوروبا لا تملك ترف الاستدارة بعيدًا عن الاضطراب الحاصل في الشّرق الأوسط. 

إنّ الأثمان الّتي ستدفعها أوروبا من المتوّقع أن ترتفع في ضوء تأثيرات الأزمات على شمال أفريقيا ولبنان ودول مجلس التّعاون الخليجيّ، الّتي تعاني أساسًا من مجتمعاتٍ شديدة الاستقطاب، ممّا يجعلها عرضةً لمخاطر استغلال وضعها من قبل داعش وجماعاتٍ متطرّفةٍ أخرى.
 إيران دولةٌ شاسعةٌ تقع بين منطقة الشّرق الأوسط المشتعلة وأفغانستان المضطربة. إنّ اتّصالها الجغرافيّ بالمنطقتَيْن، بالإضافة إلى علاقاتها التّاريخيّة العميقة بالمنطقة، قد عزّز نفوذها في البلدان من أفغانستان والعراق إلى لبنان وسورية واليمن. إنّ نتائج احتلال أفغانستان سنة 2001 وبعدها العراق سنة 2003 قد قدّمت لإيران فرصًا لتوسيع نفوذها في في مناطق عانت فجأةً من فراغٍ في القيادة أو السّلطة. الفراغات في السّلطة منحَتْ فيلق القدس في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ فرصة المناورة للحصول على تأثيرٍ في المنطقة، بالرّغم من النّتائج المتأتّية عن العقوبات الغربيّة غير المسبوقة، والأزمة الاقتصاديّة الدّاخلية لمدّة عقدٍ من الزّمن. إنّ فيلق القدس قد نفّذ سياسة طهران الخارجيّة من خلال عمليّاتٍ أضرّت بالمصالح الغربيّة إلى حدٍّ ما؛ ولكن في حالاتٍ أخرى،  قام بدفع الأولويّات الغربيّة بشكلٍ عامٍّ إلى الأمام، على الرّغم من أنّ أفعاله كانت مسبّبةً للمشاكل.

وعلى الرّغم من الفوضى الإقليميّة، فإنّ إيران تُعَدُّ من الدّول القليلة في المنطقة الّتي تمتلك دولةً وأمنًا وجهاز مخابراتٍ فعّالين إلى أقصى درجةٍ، مّما حمى إيران من أيّ تهديدٍ جدّيٍّ من قِبَلِ داعش، وحافظ على مستوياتٍ دنيا لمخاطر التّطرّف الدّاخليّ، خاصّةً إذا ما تمّت مقارنتها بأماكن أخرى من المنطقة. لقد عانت إيران وحلفاؤها من نكساتٍ شديدةٍ في سورية، وكان عليهم أن يتقبّلوا الأثمان الاقتصاديّة والمعنويّة النّاتجة عن دعم الأسد. ولكنّ توقّعات طهران حيال الأزمات الإقليميّة المتزامنة، وطريقة تعاطيها معها، قد عزّزا من ثقتها بنفسها على نطاقٍ واسعٍ. كما أنّ استراتيجيّتها لصدّ داعش قد زادت من الدّعم الشّعبيّ الدّاخليّ لقوّات الحرس الثّوريّ الإيرانيّ.

 ويُعَدّ أمن الطّاقة واحدًا من المخاوف الأوروبيّة الأخرى حيال المنطقة، إذ تشكِّل الدّولُ المجاورة لإيران مصدرًا وممرًّا لجزءٍ كبيرٍ من واردات الطّاقة إلى أوروبا، وسيتمّ تقويض هذا الوضع إذا ما ازداد عدم الاستقرار الإقليميّ. إنّ واردات الطّاقة الأوروبيّة قد تلقّت في الأصل ضربةً قاسيةً بسبب الحرب الأهليّة في ليبيا، وتعقّدت المسألة أكثر بسبب المواجهة مع روسيا حول أوكرانيا، وبالتّالي أيّ هزّةٍ جديدةٍ سينتج عنها أذًى أكثر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مصادر الطّاقة، والبنى التّحتيّة الصّناعيّة، والنّسبّة العالية من الشّباب المتعلّم في إيران ستوسّع من خيارات أوروبا في تحقيق هدفها بتنويع مصادر الطّاقة. 

ما الّذي تستطيع أوروبا الحصول عليه من إيران

 يأمل معظم الأوروبيين بأنّ النّجاح الدّبلوماسيّ حيال الملفّ النّوويّ سيكون له تأثيرًا جانبيًّا يسمح بشراكةٍ أوسع مع إيران حول الملفّات الإقليميّة. لقد تبنّت أوروبا على امتداد العقد المنصرم سياسة الاحتواء تجاه إيران. وقد تمّ تنفيذ هذه السّياسة من خلال مزيجٍ من العقوبات، والتّهديد بالضّربات العسكريّة من قبل الولايات المتّحدة وإسرائيل، وأيضًا التّجميد الدّبلوماسيّ معها حيال النّزاعات الإقليميّة. لقد أعطت هذه السّياسة فعاليةً لأوروبا في المفاوضات النّوويّة، وبنفس الوقت سمحت بتخفيف المخاوف الاسرائيليّة، ومنعت خطر وقوع مواجهةٍ عسكريّةٍ طويلة الأمد وباهظة الثّمن مع إيران. ولكنّ الإقصاء المتعمّد لإيران قد شكّل مفعولًا عكسيًّا على الأهداف الاستراتيجيّة لأوروبا حيال الملفّات الإقليميّة. فالغياب البارز لإيران عن مؤتمرات جنيف حول سورية، قد قلّص خيارات أوروبا حيال إحراز تقدّمٍ بنّاءٍ ووقف المعارك فيها. وفي بعض الحالات، فاقمت سياسة الاحتواء من مخاوف طهران وارتيابها حيال وجود مؤامرةٍ غربيّةٍ لتغيير النّظام فيها، ممّا دفع الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، كنتيجةٍ لذلك، إلى تكثيف عمليّاته الإقليميّة المعادية للغرب. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب غياب البدائل، أُجْبِرَت أوروبا على الانحياز باستمرارٍ إلى حلفائها الإقليميين التّقليديين، حتّى عندما ثبت أنّ مقترحاتهم هي أقلّ فاعليّةً من مقترحات إيران أو أنّها تؤدّي إلى تشظّي المنطقة.

إنّ «سياسة الاحتواء الضّيّقة»، جعلت من الصّعب على اللّاعبين السّياسيين الأوروبيين أن يفكّروا خارج نطاقها حول أيّ دورٍ ممكنٍ لإيران في المسائل غير النّوويّة. كما وأنّ الأمر كان سيصبح غير ذي جدوى بناءً على وجهة علاقات أوروبا مع إيران المتمحورة حول الملف النّوويّ.   ستحتاج أوروبا خلال عمليّة تكوين التّوقّعات حول الأمن الإقليميّ أن تأخذ بعين الاعتبار أولويّات طهران بالإضافة إلى الوقائع الجيوسياسيّة الحاليّة. إنّ أولويّة إيران الإقليميّة تتمثّل بخلق الاستقرار اللّازم لكي تمنع أيّ هجماتٍ مباشرةٍ على حدودها من قِبَلِ الجماعات المتطرّفة الّتي قد تهدّد نظام الدوّلة الإيرانيّ وغالبية سكّان البلاد الشّيعة، بينما تعمل في نفس الوقت على زيادة تأثيرها في الخارج. إنّ إيران قلقةٌ أوّلًا وقبل أيّ شيءٍ حيال جارَيْها العراق وأفغانستان، وهي تسعى في الحدّ الأدنى ألّا يشكّل قادة هاتَيْن الدّولَتَيْن تهديدًا لها، وإلى حدٍّ ما أن يكونا معتمدَيْن على الدّعم الإيرانيّ. أمّا في موضوع حدودها مع باكستان، فإنّ إيران تهاجم بفعاليّةٍ المتطرّفين السُّنّة العدائيين وتعمل على منع «طلبنة باكستان». وتريد إيران أن تحافظ على محور المقاومة في وجه ما تعتقد أنّه مخطّطٌ أميركيٌّ وإسرائيليٌّ يهدف إلى تغيير النّظام في طهران، ولذلك يصبح من المهمّ لهذه الاستراتيجيّة الحفاظ على طرق الوصول إلى حزب الله، وبالتّالي، الحفاظ على نظامٍ أمنيٍّ مخلصٍ في سورية ولبنان.

أصبحت إيران متورّطةً في معركةٍ لا رابحةً ولا خاسرةٍ، مع قوًى إقليميّةٍ أخرى كجزءٍ من نتائج عمليّة تنفيذ أولويّاتها وتوسيع نفوذها في المناطق ذات الفراغات في السّلطة. بعد وصول الملك السّعوديّ الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى الحكم في المملكة السّعوديّة، اتّخذت المملكة موقفًا شديد الحزم مع فكرة التّوحّد في «جبهة سنيّة»، تتضمّن تركيا، بهدف إسقاط ما تعتبره المملكة أهداف إيران في الهيمنة، وبالأخصّ في سورية. ممّا وضع طهران وآل سعود في حالة حربٍ بالوكالة أكثر عنفًا من أيّ وقتٍ مضى. وأصبح من المتوقّع أنْ تمرّ سنواتٌ قبل أن يحصل أيّ تقاربٍ مهمٍّ بين إيران والمملكة السّعوديّة؛ في الواقع، من المتوقّع أن تتدهور العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب بعد خطّة العمل المشترك (الاتّفاق النّوويّ). حتّى أنّ صعود داعش، بما تمثّله من تهديدٍ وجوديٍّ للمنطقة، لم تعطِ الدّفع اللّازم للطّرفَيْنِ كي يتخلّيا عن مقاربتَيْهما الحالية من أجل مواجهة تهديدٍ مشتركٍ. إنّ كلّ ما ستقدّمه إيران واقعيًّا سيتمّ رفضه في أغلب الظنّ من السّعوديّة على أنّه قليلٌ جدًّا، والعكس هو الصّحيح أيضًا. بناءً على موقف إيران القوي نسبيًّا بعد تبنّي خطّة العمل المشتركة، تفضّل أوروبا أنْ ترى طهران تقوم بمحاولة مدّ اليد الجادّة تجاه الرّياض، وإن لم يكن مباشرةً، فلمَ لا عبر دولٍ أوروبيّةٍ غير متحيّزةٍ أو عبر سلطنة عُمان.

إنّ الحرب بالوكالة بين إيران والسّعوديّة كان لها تأثيرٌ سامٌّ على الوضع في سورية. إنّ مسألة مستقبل الأسد، حليف إيران منذ فترةٍ طويلةٍ، ستشكّل الجبهة الدّبلوماسيّة الأكثر تحدّيًا والأبطأ في إحراز أيّ تقدّمٍ فيها مع إيران. إنّ دعم طهران للأسد قد مدّ شريان حياةٍ لدمشق ساعدها على الاستمرار في محاربة جماعات المعارضة المعتدلة والمتطرّفة، الأمر الذّي نتج عنه أثمانٌ بشريّةٌ خطيرةٌ على الشّعب السّوريّ وأدّى إلى دمار البلد. وعلى الرّغم من أنّ إيران تلعب دورًا حسّاسًا في سورية، إلّا أنّها لم تدع أو تشترك في المسارات السّياسيّة المتعلّقة بوساطة الأمم المتّحدة لأنّها كانت تحمل شرطًا مسبقًا يقضي بالقبول برحيل الأسد. سيكون من الصّعوبة بمكانٍ بالنّسبة للدّول الّتي دعمت جماعات المعارضة السّورية أن تتخلّى عن الشّرط المسبق، القائل بإزاحة الأسد من أجل قبول ضمّ إيران إلى هذا النّوع من المحادثات. 

حتّى الآن، لم يختبر الأوروبيّون بدرجةٍ كافيةٍ ما إذا كانت إيران تستطيع أن تدفع نظام الأسد لتغيير سلوكِه كخطوةٍ أولى لتسويةٍ سياسيّةٍ شاملةٍ. يجب التّحقّق من إمكانيّة تنفيذ هذا الأمر بعد حصول اتّفاقٍ في الملف النّوويّ، وإنّ مع وجوب وجود فهمٍ بأنّ أيّ تقدّمٍ على هذا الصّعيد قد يحتاج إلى حصول مقايضاتٍ، وفي أغلب الظنّ سيتمّ تدريجيًّا في أحسن الأحوال. توجد طريقةٌ واحدةٌ فقط للتّأكّد ما إذا كانت إيران تستطيع أنْ تؤمّن للأمم المتّحدة ممرّاتٍ إنسانيّةً في سورية وإلى أيّ حدّ، وذلك من خلال إعطاء التّعليمات لقوّات حزب الله وأفراد قوّات الحرس الثّوريّ المتواجدين على الأرض بأن يسمحوا بمرور المساعدات. كما وأنّ الأوروبيين يريدون رؤية إيران تمارس الضّغط على دمشق من أجل إيقاف استخدام البراميل المتفجّرة والطّرق الفاضحة الأخرى الّتي يستخدمها النّظام ضدّ المناطق الآهلة بالمدنيّين. قد يكون من الممكن إقناع إيران، كجزءٍ من حوارٍ استكشافيٍّ حول تفاهمٍ سياسيٍّ أوسع في سورية، بأن تضيّق أهدافها إلى حدّ التّركيز فقط على الحفاظ على طرق الوصول الاستراتيجيّة إلى لبنان، وعلى حماية العتبات الشّيعيّة المقدّسة والمناطق العلويّة كطريقةٍ لتخفيف التّوتّرات الطّائفيّة مع السّنّة.

إنّ ضمّ إيران إلى أيّ مبادرةٍ دبلوماسيّةٍ جادّةٍ حول سورية قد يوسّع آفاق حصول حلٍّ طويل الأمد للأزمة، ولكن يوجد عاملانِ يستطيعانِ أن يعقّدا أيًّا من هذه الجهود. يرتبط العامل الأوّل فيما إذا كانت طهران مستعدّةً للتّعاون في جهودٍ جزئيّةٍ دون الاتّفاق على تسويةٍ سياسيّةٍ شاملةٍ. الصحيح أنّ إيران ستؤجّل في أغلب الظّنّ مسألة مصير الأسد الكبرى حتّى تتأكّد أنّ أيًّا من الجماعات المسلّحة المعادية لإيران مثل داعش أو جبهة النّصرة أو جيش الفتح لن تحتلّ دمشق، أو أيًّا من طرق إمداد حزب الله الحسّاسة. ولكن بعد أربع سنواتٍ من القتال، لا يزال الأوروبيون منقسمين حيال إنهاء اللّعبة في سورية، وغير قادرين على تقديم تعهّداتٍ نيابةً عن مجموعات المعارضة المتطرّفة لإيران. 

أمّا العامل الثّاني فهو أنّه على الرّغم من إمكانيّة إيران وقدرتها على إيقاف المساعدات الحسّاسة الّتي تقدّمها لسورية، إلّا أنّ نفوذها على دائرة النّخبة الّتي تصنع القرار في النّظام السّوريّ لا يزال بعيدًا كلّ البعد عن أن يكون نفوذًا مطلقًا ـ خاصّةً عندما تكون القيادة في دمشق تصبّ كلّ جهودها في وعاء البقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، يعتبر البعضُ هذا الطّرح مسارًا سياسيًّا يستحقّ إعادة طرحه في ضوء الضّربات الأخيرة الّتي تلقّاها النّظام السّوريّ، كما وأنّه توجد إشاراتٌ على أنّ إيران قد تكون مستعدّةً للقبول بتبديل الأسد في نهاية المطاف بشخصيّةٍ غير معادية لطهران بهدف الحفاظ على الجهاز الأمنيّ الحليف لطهران في سورية.

إنّ الحملة العسكريّة ضدّ داعش في العراق قد أنتجت مقاربةً إيرانيّةً أكثر براغماتيّةً تجاه الغرب، شبيهةً الى حدٍّ ما بتعاونهم التّكتيكيّ في هزيمة القاعدة وطالبان بعد احتلال أفغانستان سنة 2001. ينخرط بعض دول الاتّحاد الأوروبيّ في التّحالف الجوّيّ المعادي لداعش بقيادة   الولايات المتّحدة، بينما تقوم دولٌ أخرى بتقديم التّدريب والأسلحة للجيش العراقيّ الرّسميّ وقوات البشمركة الكرديّة. يقول المسؤولون الغربيّون في الغرف المغلقة، أنّ إيران كانت ولا تزال الطّرف الأكثر رغبةً والأكثر فعاليةً في عمليّة تنسيق عمل القوّات الأرضيّة مع حملة التّحالف الجويّة ضدّ داعش. كان الأوروبيون ليفضّلون قوّةً أمنيّةً عراقيّةً قويّةً تستطيع أن تعمل باستقلالٍ عن إيران، ولكنّهم يعرفون أنّه لا يوجد أيّ لاعبٍ عراقيٍّ أو أجنبيٍّ لديه الشّهيّة أو القدرة على الحلول محلّ إيران.

ولكن، يواجه الغرب معضلةً حقيقيّةً في موضوع التّعاون مع إيران حول استراتيجيّة محاربة داعش، إذ إنّ دور إيران القاضي بتحشيد الميليشيات الشّيعيّة وتحريكها كان أساسيًّا في استعادة الأراضي الّتي احتلّتها داعش ومنع أيّ إنتصاراتٍ إضافيّةٍ لها، ولكنّ التّجاوزات الّتي قامت بها الميليشيات الشّيعيّة قد أدّت إلى صبّ الزّيت على نار مناصرة داعش من قبل السُّنّة. وافقت طهران على إزاحة رئيس الوزراء العراقيّ المسبّب للخلافات نوري المالكي، الأمر الذي شكّل خطوةً إيجابيّةً باتّجاه الاستجابة للمطالب المشروعة للمجتمعات السّنّيّة. ولكنّ التّغيير في الإدارة لم يؤدِّ إلى تغييراتٍ كافيةٍ في سياسة الدّولة لتقليص الصّراع الطّائفيّ. إنّ الانتهاكات الّتي تقوم بها مجموعات الميليشيات الشّيعيّة بعد دخولها إلى المناطق المتواجدة تحت سيطرة داعش كانت ولا تزال تشكّل عاملًا أساسيًّا في دفع بعض قادة العشائر السّنّيّة إلى إعلان الولاء لداعش. أمّا المسألة المقلقة الأخرى فهي إمكانيّة أنْ تصبح قوّات الحشد الشّعبيّ، الّتي يأمرها مستشارون من قوّات الحرس الثّوريّ الإيرانيّ يومًا ما، قوّة مقاومةٍ لسلطة الدّولة مثل حزب الله في لبنان. هذا سيزيد من قدرة إيران على الاستفادة من أيّ فجواتٍ أمنيّةٍ مستقبليّةٍ في العراق على حساب بغداد.

تستطيع أوروبا أن تتقبّل وأن ترحّب، إلى حدٍّ ما، بعمليّات إيران ضدّ داعش طالما أنّها لا تضعف الحكومة المركزيّة في العراق أو تشعل الانقسامات المذهبيّة. تتلقّى وحدات الحشد الشّعبيّ، نظريًّا، أوامرها ورواتبها من بغداد؛ ولكن، عمليًّا، قوّات الحرس الثّوريّ هي تنظّم تحرّكاتها. وبهدف الإجابة على المخاوف العراقيّة والغربيّة، ستستمرّ إيران بدعم دمج الميليشيات الشّيعيّة العراقيّة في وحدات الحشد الشّعبيّ، الّتي تحتوي الآن على قوّاتٍ سنّيّة. إذا كان هناك قدرةٌ على دمج الميليشيات الشّيعيّة بشكلٍ كاملٍ بوحدات الحشد الشّعبيّ وعلى إبقاء ولائها لبنية الدّولة، ستتقلّص قدرة هذه الميليشيات على تحدّي القوّات الأمنيّة المركزيّة. بالإضافة إلى ذلك، تريد إوروبا أن ترى إيران تلعب دورًا أكثر فعاليةً في مواجهة التّوتّرات المذهبيّة الحاليّة والمتصوَّرة المرتبطة بدورها في العراق. هناك طريقةٌ واحدةٌ قد تكون مقبولةً بالنّسبة لإيران وهي اتّباع المثال الذّي ضربه رجل الدّين العراقيّ آية الله العظمى السّيّد علي السّيستاني عندما أدان الأعمال الطّائفيّة، والعمل مع بغداد على تشكيل تمثيلٍ سياسيٍّ جامعٍ يشمل السُّنّة والأقليّات الأخرى.

 قيام حزب الله، بتوجيهٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، بزيادة تورّطه العسكريّ في العراق وسورية،  أثبت إخلاصه في تنفيذ سياسات إيران الإقليميّة. وعلى الرّغم من أنّ الحزب قد عانى من خسائر واضطرّ إلى توسيع نطاق عمله في سورية، إلّا أنّه يرى أنّ المعركتَيْنِ اللّتَيْنِ يخوضهما في العراق وسورية جوهريّتَان بالنّسبة لحفظ نفسه وبالنّسبة لمصلحته الذّاتيّة في منع تدفّق داعش أو المجموعات المتحالفة مع القاعدة إلى لبنان. إنّ الأوروبيين قلقون من التّورّط الإقليميّ الواسع لحزب الله وبالأخصّ حيال الخطر الّذي يشكلّه على الأمن الإسرائيليّ. كانت أوروبا في بدايات العقد الأوّل من هذا القرن قد أطلقت نقاشًا صريحًا مع إيران حول تقليص دعمها للجناح العسكريّ في حزب الله؛ فقامت إيران في ذلك الوقت، كما تذكر التّقارير، بتقديم عرضٍ سرّيٍّ للبيت الأبيض يقضي بإيقاف دعمها لحزب الله، ولكنّ إيران لن تدخل حاليًّا في نقاشٍ مع أوروبا حول خفض درجة علاقتها بحزب الله، في حين أصبح الإثنان معتمدَيْنِ على بعضهما بعضًا في إدارة الصّراعات الإقليميّة المتوازية.

غير أنّ إيران ستحاول في أغلب الظنّ تفادي إثارة أيّة مواجهةٍ عسكريّةٍ جديدةٍ في المنطقة؛ ولكي تحقّق ذلك، قد تكون مستعدّةً لضبط سياسة تبادل ضربات العين بالعين الّتي يعتمدها حزب الله مع اسرائيل، خاصّة في مناطق الجولان الخاضعة للسّيطرة السّوريّة، طالما يستطيع أيّ طرفٍ آخر أن يضمن الضّبط العكسيّ على الجانب الإسرائيليّ. سيكون على إيران أن تمنع هجمات حزب الله من أن تتمّ داخل الأراضي الأوروبيّة كشرطٍ لاستكمال الشّراكة مع أوروبا. أمّا في المسار السّياسيّ، فإنّ إيران وأوروبا لديهما مصلحةٌ مشتركةٌ في تقوية الدّولة اللّبنانيّة من خلال دعم الجناح السّياسيّ لحزب الله لكي يصبح مندمجًا أكثر في العمق في المؤسّسات الرّسميّة، وبالتّالي زيادة القدرة على مساءلته. أغلب الظّنّ أنّ إيران ستستمرّ  في مساعدة حزب الله على تقوية قاعدة قوّته داخل المؤسّسة السّياسيّة اللّبنانيّة، وفي حفظ الأمن من خلال العمل مع تحالف 14 آذار المدعوم سعوديًّا. لقد دعم الأوروبيون بشكلٍ عامٍّ الطّرفَيْنِ.

 إنّ أيّ تغييرٍ في عدائيّة حزب الله تجاه إسرائيل لن يحصل قبل أن يقع تغييرٌ عامٌّ في العلاقات الإسرائيليّة _ الإيرانيّة و في سياسات إسرائيل، ولكن هذا الأمر من المستبعد أن يحصل في المدى المنظور. أمّا الآن فإن الإدارة الإيرانيّة ستستمرّ _على الأرجح _ في النّأي بنفسها عن الانكار المثير للعجب للمحرقة اليهوديّة من قبل الرّئيس السّابق محمود أحمدي نجاد، ذلك  الانكار الّذي تسبّب بإنهيار العلاقات الإيرانيّة مع أوروبا. كما أنّها  قد تؤيّد أيّ تطوّراتٍ إيجابيّةٍ مستقبليّةٍ حيال المصالحة الفلسطينيّة أو أيّ مبادرة سلامٍ صادرةٍ عن الجامعة العربيّة. وللمفارقة، إذا ما اشتعلت أيّ أزمةٍ بين حزب الله وإسرائيل، قد يتمّ تشجيع إيران من قبل الغرب لكي تلعب دور الكفيل الخارجيّ لحزب الله ـ عمليًّا الحلول محلّ دمشق ـ الّتي لعبت دورًا مشابهًا في إنهاء عمليّة عناقيد الغضب سنة 1996. 

يشكّل اليمن السّاحة الّتي اندلعت فيها آخر الحروب بالوكالة ضمن سياق العداوة بين إيران والمملكة السّعوديّة، وقـد وصلت التّوتــرّات إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ منذ آذار 2015 كنتيجةٍ للضّربات الجويّة الّتي ينفذّها التّحالف الّذي تقوده السّعوديّة. رأى الكثير من النّاس بأنّ هذه المهمّة كانت ردّة فعلٍ متعجّلةٍ ردًّا على السّيطرة على صنعاء من قبل المعارضة الحوثيّة المتحالفة مع الرّئيس السّابق علي عبدالله صالح، لأنّ هذه الجماعة بدأت منذ فترةٍ بتعميق إرتباطاتها بإيران. إنّ بعض الدّول الأوروبيّة قد أعربت عن قلقها بسبب الآفاق الضّيقة لهذه الحملة الجويّة والأثمان البشريّة النّاتجة عنها، ولكن الآخرين إمّا أنّهم غضّوا الطّرف أو كانوا شركاء في سلوك السّعوديّ. إنّ الأطراف المتحاربة في اليمن أصبحت الآن شديدة البعد عن العودة إلى المسار السّياسيّ، وفي ذات الوقت يربح تنظيم القاعدة في الجزيرة العربيّة أراضيَ وقواعد في اليمن، فيما هو من أكثر تنظيمات القاعدة ضررًا بالمصالح الغربيّة. 

على خلاف ما هو الوضع في سورية والعراق، لإيران مصالح على المحكّ في اليمن، ولذلك فإنّها قد تكون مستعدّةً لمساعدة الجهود الغربيّة لحلّ الصّراع، ممّا قد يشكّل سابقةً ذات جدوى.  
إنّ الحوثيين بعيدون عن أن يكونوا أتباعًا لإيران، على الرّغم من أنّ قادتهم لديهم علاقاتٌ جيّدةٌ معها  وقد سعوا للحصول على مساعدةٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، ولكن هذا لا يعني أنّهم أصبحوا أتباعًا بالضّرورة. تستطيع إيران أن تلعب دورًا بنّاءً في الضّغط على الحوثيّين للموافقة على وقف إطلاق نارٍ دائمٍ وللقبول بنتيجةٍ سياسيّةٍ وسطيّةٍ إذا ما استطاع الغرب دفع المملكة السّعوديّة إلى أن تقوم بالمثل. على المدى البعيد قد تستطيع إيران تشجيع الحوثيّين على الاندماج في المسار السّياسيّ الهادف إلى مأسسة تقاسم السّلطة في اليمن. لقد حصل تلاقٍ أصلًا بين أوروبا وإيران في عمليّة التّنسيّق لإيصال المساعدات الإنسانيّة إلى اليمن وذلك لمنع المزيد من  التّوتّر مع المملكة السّعوديّة. 

ما الذي تستطيع أوروبا أن تقدّمه لإيران؟

بناء على الوقائع في المنطقة، فإنّ أوروبا لديها تأثيرًا محدودًا على حسابات إيران الإقليميّة. ولكنّ الأخيرة ترى فائدةً في خلق علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ واقتصاديّةٍ أكثر إيجابيّةً حيال نطاقٍ واسعٍ من القضايا مع أوروبا، الّتي كانت سياستها مختلفةً دائمًا عن سياسة الولايات المتّحدة. 

أمّا حول الأمن الإقليميّ، فقد تجد إيران في التّقارب الأوروبيّ مع دول مجلس التّعاون الخليجيّ فرصةً مفيدةً لاستخدام النّفوذ الأوروبيّ لتسهيل أيّ حوارٍ مستقبليٍّ بين اللّاعبين الإقليميين.  إنّ إدارة الرّئيس حسن روحاني قد تأكدّت من الحاجة للتّواصل مع المملكة السّعوديّة، ولكنّها فشلت في تقديم عرضٍ صادقٍ للتّقارب يكون مقبولًا من آل سعود. إنّ فعاليةَ عمل الحرس الثّوريّ الإيرانيّ  أفضل بكثير من القوّات المدعومة من مجلس التّعاون الخليجيّ في المنطقة، ولكنّ المخاطر في ارتفاعٍ بالنّسبة لإيران: فمواردها العسكريّة تمتدّ على عدّة جبهاتٍ وقد سقط قادةٌ كبارٌ من فيلق القدس قتلى. وخطر التّصعيد وانتقال عدوى المذهبيّة والتّطرّف حقيقيّان، خاصةً في لبنان. إنّ وقوع أيّ نوعٍ من التّطوّرات في هذا السّياق قد يرهق الحرس الثّوريّ الإيرانيّ ويهدّد ارتباطات إيران بحزب الله، ويزيد من المخاطر المباشرة على إيران. قد تقتنع طهران بالقيام بخطواتٍ بنّاءةٍ حيال الملفّات الإقليميّة، إذا ما تمّ طرحها في حوارٍ بوساطةٍ أوروبيّةٍ من أجل الوصول إلى حلولٍ دبلوماسيّةٍ وسطيّةٍ مع دول مجلس التّعاون الخليجيّ. ولكن قبل أيّ تقاربٍ سيكون على إيران والمملكة السّعوديّة أن تصلا إلى عتبات المواجهة؛  قبل ذلك الحين لن يلتفت أحدٌ إلى الأوروبيين طالبًا المساعدة في الابحار بعيدًا عن العداوات الإقليميّة العنيفة.

أمّا على الجبهة الإقتصاديّة، فقد خسرت أوروبا بشكلٍ واسعٍ النّفوذ الإقتصاديّ الّذي كانت تملكه قبل أن تفرض عقوباتٍ على قطاعَي النّفط والمصارف في إيران من جانبٍ واحدٍ. فقد تراجعت أوروبا من كونها الشّريك التّجاريّ الأوّل لإيران إلى الموقع السّادس. كما أنّ الإتّحاد الأوروبيّ قد وصل بشكلٍ عامٍّ إلى الحدّ الأقصى للعقوبات  الّتي يمكن للدّول الأعضاء فرضها كرد فعلٍ على السّلوك الإقليميّ الحاليّ لإيران. ولكن هناك فسحة من الوقت بعد خطّة العمل المشتركة الشّاملة ستكون أوروبا فيها ذات وزنٍ إقتصاديٍّ بالّنسبة لإيران على مستوى دول الإتّحاد فرادى وعلى مستوى الإتّحاد الأوروبي ككّل، الّذي سيفتح أسواقه أمام إيران ويقدّم التّعاون في مجال الطّاقة. في هذه المرحلة الإبتدائيّة، سيكون القطاع الخاصّ في أوروبا شديد الحذر حيال الموافقة على صفقات عملٍ ضخمةٍ أو طويلة الأمد في إيران. قبل القيام بهذا النّوع من الصّفقات، سيرغب أربابها  في رؤية خطواتٍ إيجابيّةٍ في تطبيق الإتّفاق النّوويّ، والتأكّد من عدم استغلال آليات العودة عن قرارات إلغاء العقوبات من قبل الكونغرس الأميركيّ أو الرّئيس الأميركيّ المقبل.

إنّ هذا الانفتاح سيعطي لأوروبا فرصة ربط المناقشات حول التّنمية الاقتصاديّة مع إيران برفع درجة الاستقرار الإقليميّ، الأمر الّذي سيسمح  ببدء التّعاون والتّجارة  في مجال الطّاقة. ستقوم إيران  على الأرجح برفض الشّروط المسبقة المرتبطة بالمحفّزات التّجاريّة في بداية الأمر، ولكنّ إيران تعي أيضًا أنّها إذا أرادت الاستفادة من الأسواق الاقتصاديّة العالميّة يجب عليها أن تندمج من جديدٍ في الفلك السّياسيّ الدّوليّ. إنّ التّجارة مع أوروبا ستدفع دون شكّ الأولويّات الاقتصاديّة الإيرانيّة قُدُمًا مّما يدعم النّظام السّياسيّ في طهران داخليًّا. كما أنّ العلاقات الاقتصاديّة بين أوروبا وإيران ستبني الثّقة في المجال الدّبلوماسيّ. بالإضافة إلى ذلك، السّماح بوصول إيران إلى الأسواق المفتوحة، سيجعل ضرب المصالح الغربيّة و حلفاء الغرب مباشرةً، بطريقةٍ تهدّد الوصول إلى هذه الأسواق في المستقبل أمرًا باهظَ الثمن.

إحدى الطّرق الّتي يستطيع من خلالها الاتّحاد الأوروبيّ استغلال هذا الانفتاح الأوّليّ هو اقتراح مفاوضاتٍ مع إيران حول اتفّاق تعاونٍ في مجال الطّاقة. سيكون لأوروبا نفوذًا كبيًرا في هذه الصّفقة بما أنّ إيران بحاجةٍ شديدةٍ للتّكنولوجيا الغربيّة لمساعدتها في استكشاف وتصدير مقدّراتها الضّخمة من النّفط والغاز بكفاءةٍ. إنّ التّكنولوجيّات الرّوسيّة والصّينيّة لم تستطع أن تكون مكافئةً للخبرة الأوروبيّة في مجال الطّاقة، ولا يزال متعذّرًا حاليًّا دخول الولايات المتّحدة وإيران في أيّ شكلٍ من أشكال التّعاون. سيجد الاتّحاد الأوروبيّ إيران  تواقّةً للتّعاون حول العلاقات في مجال الطّاقة الّذي لا يُعَدّ مجالًا حسّاسًا للتّعاون مع الغرب، بعكس المجالات الأخرى.

لقد قامت المفوضيّة الأوروبيّة سابقًا بترتيباتٍ مشابهةٍ حول التّعاون في مجال الطّاقة مع دولٍ أخرى غنيّةٍ بالموارد. ستستطيع أوروبا خلال عمليّة التّفاوض حول هذا الاتّفاق أن تشدّد على الحاجة إلى الاستقرار في الجوار الإيرانيّ والحاجة إلى تخفيف المخاطر الّتي قد تُعَكّر طرق الامداد بالطّاقة من أجل جذب الاستثمار الأوروبيّ بشكلٍ أفضل. إنّ هذه المحادثات ستلعب أيضًا دورَ التّمرين على بناء الثّقة، الّتي قد تكون أساسيّةً في وقتٍ لا تزال فيه شركات الطّاقة الأوروبيّة متردّدةً في القيام باستثماراتٍ ضخمةٍ في إيران. ستستطيع إدارة روحاني، في غضون ذلك، أن تسوّق خطّة العمل الشّاملة المشتركة على أنّها المسبّب للازدهار الاقتصاديّ للإيرانيين.  وعندما يتمّ التوصّل إلى شراكةٍ فعليّةٍ في مجال الطّاقة، ستكون احتياجات أوروبا من الطّاقة قد تأمّنت، وتكون أوروبا وصلت إلى أهدافها في تنويع مصادر وارداتها منها، كما أنّ هذه الشّراكة سترفد أوروبا بحصّةٍ في السّوق الإيرانيّ الصّاعدة وستعزّز الحماية للمستثمرين الأوروبيين.

أمّا على مستوى الدّول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبيّ فبإمكانها تقديم محفّزٍّ فوريٍّ لإيران ألا وهو دعم طلب طهران المعلّق منذ زمنٍ طويلٍ لكي تصبح عضوًا دائمًا في منظّمة التّجارة العالميّة.

يشكّل الأمر خطةً غير مكلفةٍ بالنّسبة لأوروبا لتطبيع علاقاتها بإيران، ولكنّها خطوةٌ مهمّةٌ جدًّا بالنّسبة لطهران. تسعى إدارة روحاني إلى نفخ روحٍ جديدةٍ في جسد الطّلب الإيرانيّ المقدّم منذ سنة 1996 للانضمام إلى منظّمة التّجارة العالميّة؛ وإذا ما أرادت القيام بذلك، سيكون عليها مواجهة جماعةٍ صغيرةٍ ولكنّها قويّةٌ في الدّاخل، من ضمنها الذّراع الاقتصاديّة للحرس الثّوريّ، الّتي تحتكر بعض القطاعات التّجاريّة، والّتي تعارض النّظم الدّوليّة لأنّها تقلّل من هوامش أرباحها. إنّ عضويّةً كاملةً لإيران في منظّمة التّجارة العالميّة سيفيد الشّركات الأوروبيّة على المدى البعيد من خلال إجبار إيران على تعزيز الحماية للمستثمرين الأجانب وتحرير أسواقها وتقليص التّعريفات المفروضة على قطاع التّجارة.

إدارة الشراكة

إنّ إطار العمل المتألّف من الدّول الأوروبيّة الثّلاث زائد روسيا والولايات المتّحدة والصّين سيتمّ إيقاف العمل به قريبًا كبنيةٍ سياسيّةٍ تهدف إلى الحفاظ على اتّصالاتٍ نشطةٍ مع إيران. ستحتاج أوروبا إلى خلق منصّةٍ لتطبيع علاقاتها مع إيران ولمناقشة الأولويات الاستراتيجيّة الّتي غالبًا ما اختلفت عن أولويّات الولايات المتّحدة وروسيا والصّين خلال المفاوضات النّوويّة. هذا لا يعني أنّه على أوروبا ألّا تلتفت إلى تطوّر العلاقات الأميركيّة _ الإيرانيّة أو أن تبني حلفًا جديدًا مع طهران، ولكن يجب على العلاقة بين أوروبا وإيران أن تتبع خطوطًا مشابهةً للعلاقات القائمة مع دولٍ أخرى لها مصالح متقاربةٌ ومتعارضةٌ مع أوروبا. 

شراكات سابقة

خلال صياغة هذه العلاقة الجديدة، وبدل عودة العجلة إلى الوراء، تستطيع أوروبا أن تختار ما يحلو لها من بين ثلاث شراكاتٍ سابقة مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران:

الأولى هي مرحلة الحوار الأساسيّ الّذي أطلقه المجلس الأوروبيّ سنة 1992، والّذي ركّز في النّقاشات مع إيران على الإرهاب وحقوق الإنسان والتّعاون في مجال الطّاقة. إنّ الدّول الأعضاء في الإتّحاد قد انخرطت مع إيران على الصّعيد الثّنائيّ حيال مسائل مشابهةٍ. لقد نتج عن هذه الشّراكة القليل من النّتائج الصّلبة، ولكن التّبادلات الّتي حصلت كانت مفيدةً في السّماح للمسؤولين الأوروبيين والإيرانيين بوضع موقفهم جانبًا والإستماع لبعضهم بعضًا حيال أمورٍ جوهريّةٍ. 

الثّانية، كانت بعد إنتخاب الرّئيس محمد خاتمي سنة 1997 ومدّ اليد غير المسبوقة تجاه الغرب من قبله، تبنّى الإتحاد الأوروبيّ حوارًا شاملًا مع إيران. لقد أوجب هذا الأمر حوارًا عامًّا حيال مسائل دوليّةٍ (من ضمنها الإرهاب والأسلحة النّوويّة وأفغانستان وعمليّة السّلام في الشّرق الأوسط) وحقوق الإنسان والتّجارة والطّاقة. وقد أدّت تفاعلاتٌ أكثر عمقًا وأكثر تواترًا بين طهران وأوروبا على مستويَي الإتحاد الأوروبي والدّول الأعضاء إلى فتح كوّاتٍ في المسائل الشّائكة مثل حزب الله وحقوق الإنسان. بدأت مفاوضاتٌ رسميّةٌ بين إيران والإتّحاد الأوروبيّ سنة 2002 حول تطبيع العلاقات من خلال صفقةٍ تتمحور حول التّجارة والتّعاون في مجال الطّاقة بالإضافة إلى اتّفاقٍ حول القيام بحوارٍ سياسيٍّ. ولكنّ هذه المفاوضات وهذا الحوار الشّامل تمّ إيقافهما بعد إنتخاب أحمدي نجاد؛ ومنذ ذلك الحين، طغى الملف النّوويّ على كلّ الملفات الأخرى المتعلّقة بإيران. 

 أما المرحلة الثّالثة في العلاقات الأوروبيّة مع إيران، فقد وُلدَت من رحم المخاوف النّاتجة عن برنامجها النّوويّ. إنّ الممثّل الأعلى للإتّحاد الأوروبيّ خافيير سولانا، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بلوروا صياغة معادلةٍ جديدةٍ للحوار مع إيران تركّز على منع الإنتشار النّوويّ. وقد تطوّرت هذه المجموعة فانضمّ كلٌّ من روسيا والولايات المتّحدة والصّين إليها. لقد حافظت الدّول الأعضاء، على امتداد عقدٍ من الزّمن، بعد قيام المجموعة المذكورة ، على علاقاتها الثّنائية مع إيران بدرجاتٍ متفاوتةٍ، ولكنّ المحادثات النّوويّة وإطار العمل المتعلّق بالعقوبات قد حدّدا مستوى العلاقات. تستحقّ أوروبا الثّناء على تبنّيها سياسة «التّعدديّة الفعّالة»، الّتي تمّ رسمها في إستراتيجيّة الأمن الأوروبيّة سنة 2003، من أجل إيجاد حلٍّ دبلوماسيٍّ لواحدة من أكثر المفاوضات النّوويّة تعقيدًا في التّاريخ. ولكنّ أوروبا حرمت نفسها من المعرفة والخيارات الّتي تحتاجها للتّعاطي في مجالاتٍ أخرى ذات أهميّةٍ إستراتيجيّةٍ، وذلك عمليًّا من خلال تعليق كلّ قنوات التّواصل غير النّوويّة مع إيران. 

القيود على التطبيع

إنّ الحدّود الّتي تستطيع أوروبا أن تعمّق شراكتها إليها مع إيران بهدف قيام علاقةٍ طبيعيّةٍ، والسّرعة الّتي تستطيع استخدامها للقيام بذلك، تتحكّم بها عدّة عوامل. في النّتائج المباشرة لخطة العمل الشّاملة المشتركة، قد تضطرّ بعض الدّول الغربيّة الرّائدة إلى تشديد مقاربتها العدائيّة تجاه إيران حيال الملّفات الإقليميّة، وذلك للتّعويض على الحلفاء الغاضبين، وتخفيف حدّة المخاوف القائلة بأنّ الإتّفاق النّوويّ يعني بأنّ الغرب بدأ يبدّل تحالفاته الإقليميّة. أو أنّه عبارةٌ عن جائزةٍ لإيران على سلوكها الإقليميّ. بدا ذلك واضحًا في سلوك الولايات المتّحدة وفرنسا والمملكة المتّحدة تجاه العمليّة العسكريّة للمملكة السّعوديّة في اليمن، في الوقت الّذي كانت فيه الدّول الغربيّة تحاول إقناع حلفائها الخليجيين بقبول المتغيّرات السّياسيّة النّاتجة عن الإتّفاق النّوويّ النّهائيّ الّذي تمّ التّوافق عليه في 2 أبريل 2015. إذا ما زاد الغرب من موقفه العدائيّ تجاه إيران، فستردّ طهران  على الأرجح بالمثل. هذا الأمر قد يهدّد التّعاون حتّى في المجالات غير الخلافيّة وسيزيد من عدم استقرار الشّرق الأوسط. 

   إنّ بعض صنّاع القرار في إيران وأوروبا يقفون ضدّ تطبيع العلاقات، ففي كلتا الجهتَين مَن ينظر إلى الآخر نظرة عداءٍ وعدم ثقة. كما يوجد في الطّرفَيْنِ أشخاصًا يشكّكون في قدرة وإرادة الآخر على الوفاء بوعوده حيال أيٍّ من الملفّات الإقليميّة بما يؤدّي إلى تقدّمٍ بنّاءٍ، إمّا بسبب موقفٍ عدائيٍّ متصاعدٍ تجاه طهران من قبل الولايات المتّحدة واللّاعبين الإقليميين، أو بسبب خلافٍ بنيويٍّ في الرّؤية العالميّة. في الواقع، ليس هناك ما يؤكّد بأنّ إيران أو اللّاعبين الإقليميين الآخرين سيريدون تغيير مواقفَهم حيال نقاط الخلاف الحسّاسة، على الأقلّ في المدى المنظور.

ما أنّه ليس من المؤكّد أنّ فرنسا والمملكة المتّحدة ستغيّران من شروطهما المسبقة لإدخال إيران في المحادثات حول سورية. إذا ما تأخّر الغرب في الحوار مع إيران حيال المسائل النّزاعيّة، فإنّه سيخسر الفرصة للإستفادة الكاملة من الفرص المستقبليّة لحلّ الصراعات.

إنّ قدرة أوروبا على الشّراكة مع إيران يقوّضها الخلاف الدّاخليّ بين الدّول الأعضاء حول حدود الإستفادة من هذه الشّراكة. فعلى سبيل المثال، يبقى النّظام السّياسيّ الفرنسيّ أساسيًّا لناحية ترجيح القيام بالتّأسيس لعلاقاتٍ مع الجمهوريّة الإسلاميّة، وفرنسا لا تزال غير توّاقةٍ لتطبيع العلاقات. ولكن من ناحيةٍ أخرى، فإنّ ألمانيا وإيطاليا كانتا قد تواصلتا وتعاونتا بشكلٍ مباشرٍ مع إيران حول تثبيت الاستقرار في أفغانستان، وهما متحمّستان لاستطلاع إمكانيّات التّعاون حول مسائل أخرى. تخاف بعض الدّول الأعضاء من «الضّرر الّذي يصيب أوّل المتحرّكين»؛ فهي تقلق من أن يُنظَر إليها على أنّها كانت الأولى في محاولة العمل مع إيران فيتمّ معاقبتها تلقائيًّا في علاقاتها التّنافسيّة مع دول الخليج وبدرجةٍ أقلّ مع اسرائيل. ولكنّ قيام علاقةٍ أكثر براغماتيّةً ومتوازيةٍ وطبيعيّةٍ مع إيران سيزيد من مرونة أوروبا وخياراتها في حماية مصالحها على المدى البعيد ، ممّا قد يقوّي من نفوذها عند اللّاعبين الإقليميين الّذين يتنافسون على الشّراكة معها.

إنّ سجلّ حقوق الإنسان في إيران بالنّسبة لبعض الدّول الأعضاء، مثل الدّنمارك والسّويد وهولندا، سيكون أكثر العوامل أهميّةً في العمل معها، وسيمثّل تحدّيًا جديًّا على هذا الصّعيد. لقد أعلنت إدارة روحاني عن جاهزيّتها للدّفع بملفات الحقوق المدنيّة والسّياسيّة قُدُمًا، ولكنّ التقدّم سيكون في أغلب الظنّ بطيئًا ويخضع لأهدافٍ اقتصاديّةٍ. على أيّ حالٍ، فإنّ أوروبا تملك مجالاً لمناقشة مسائل حقوق الإنسان بشكلٍ صريحٍ مع إيران، أكبر من الّذي تملكه مع دولٍ أخرى في المنطقة؛ وبالتاّلي، كما هو الحال مع تلك الدّول، فإنّ الاهتمامات حيال حقوق الانسان يجب أن لا تمنع العمل مع إيران حول المسائل المستعجلة الأخرى. 

في عمليّة توسيع العلاقات الاقتصاديّة مع إيران، ستواجه أوروبا صدًّا من قِبَلِ إسرائيل ودول مجلس التّعاون الخليجيّ، الّتي تؤمن جميعها بأنّ إعادة دمج إيران في الأسواق العالميّة لن يزيد فقط من التّمويل المتاح لتنفيذ سياستها الإقليميّة المثيرة للمتاعب، بل سيدفع باتّجاه التّغاضي عن سلوكها. لقد حاولت الإدارة الأميركيّة فعلًا أنْ تهدّئ من هذه المخاوف من خلال الإشارة إلى أنّ سياسات إيران الأكثر إيذاءً، مثل الإمدادات الّتي تقدّمها لحزب الله أو التّدريب الّذي تقدّمه للميليشيات في سورية والعراق، لم تتأثّر بالعقوبات. فبدل إيقاف العمل مع إيران، تستطيع أوروبا، مثل الولايات المتّحدة، التّعاطي مع هذه المخاوف بطريقةٍ أكثر فعاليّةً من خلال تقديم مساعدةٍ مُعَزَّزَةٍ لاعتراض عمليّات إيران الخفيّة وتدعيم القدرات الدّفاعيّة لحلفائها الإقليميّين. في حين أنّ الإدارة الإيرانيّة من جهتها ستكون مدفوعةً للتّعاون بسبب حاجتها إلى تلبية المطالبات الشّعبيّة بالنّموّ الاقتصاديّ وخلق فرص العمل.

إنّ غياب العمل الجدّيّ المشترك مع إيران على امتداد العقد الماضي قد خلق فجوةً لدى الطّرفَيْنِ في فهم آليّات صناعة القرار عند بعضهما بعضًا. إذ يصطدم المسؤولون الإيرانيّون بالدّور الّذي تلعبه مؤسّسات الاتّحاد الأوروبيّ في بناء الإجماع الأوروبيّ وفي خلق سياسةٍ خارجيّةٍ مُوَحّدةٍ؛ وعلى نحوٍ مماثلٍ، يواجه الأوروبيون مصاعبَ في تحديد صنَّاع القرار داخل النّظام السّياسيّ المبهم لإيران. فتكون النّتيجة المَيْل إلى المبالغة في إعطاء أهمّيّةٍ للسّياسات المتشدّدة، وإلى التّقليل من أهميّة خيارات العمل المشترك.

إنّ الحصيلة المباشرة لتبنّي روحاني خطّة العمل الشّاملة والمشتركة هي ازدياد الضّغط الدّاخليّ على الأرجح. إذ سيكون على الرّئيس أن يتعامل مع ردّ فعل المتشدّدين بالإضافة إلى التّوقّعات الشّعبية الطّامحة لحصول انتعاشٍ إقتصاديٍّ سريعٍ. كما أنّ التّسابق السّياسيّ هو أمرٌ محتملٌ، فقد يسعى الحرس الثّوريّ الإيرانيّ إلى زيادة سيطرته على الملفات الإقليميّة كدليلٍ على أنّه لم يتمّ إضعافه بالمقارنة مع المجلس الأعلى للأمن القوميّ. ولكن، حتّى لو استمرّ الحرس الثّوريّ بالسّيطرة على السّياسات الإيرانيّة حيال الجبهات في الخارج، فإنّ روحاني قد يتمتّع بوثبةٍ إلى الأمام ناتجةٍ عن الاتّفاق سيكون لها تأثيرًا مهدّئًا في المدى البعيد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الحرس الثّوريّ ليس مُصَمِّمًا بشكلٍ دائمٍ على العداء مع الغرب. وعلى الرّغم من أنّ الخطاب المعادي لاسرائيل وأميركا لا يزال واسع الانتشار، إلّا أنّ كبار مسؤولي الحرس الثّوريّ قد دعموا المفاوضات النّوويّة المباشرة مع الولايات المتّحدة بشكلٍ عمليٍّ. وقد أشار المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، في تعليقٍ نادرٍ، إلى أنّه في حال وصلت المحادثات النّوويّة إلى نتيجةٍ إيجابيّةٍ، فإنّ ذلك سيكون بمثابة «تجربةٍ تُظهِر أنّه من الممكن التّفاوض مع (الغرب) حول مسائلَ أخرى». قد تكون المسألة السّوريّة ـ وهي شائكةٌ بشكلٍ خاصٍّ ـ اختبارًا أوليًّا، حيث يبدو أنّ الاختلافات الاستراتيجيّة بين إيران وأوروبا لا يمكن تذليلها كما حصل في الملفّ النّوويّ.

 إنّ الخطط التّنظيميّة للعمليّات، إضافةً للهيئات الإداريّة الضّروريّة لقيادة عمليّة شراكةٍ بين أوروبا وإيران ليست جاهزةً بعد.  فبعد الاتّفاق النّوويّ المرحليّ، لم يتمّ عمليًّا في أيٍّ من مؤسّسات الاتّحاد الأوروبيّ أو بين الدّول الأعضاء  رسم أيّ جدول أعمالٍ للنّقاش حول مسارٍ يمكن أن تتّخذه خارطة طريقٍ مع إيران بعد الوصول إلى خطّة العمل الشّاملة المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الموارد المحدودة والأولويّات المتزاحمة ستقلّل من حيّز الدّبلوماسيّة عند الطرفَيْنِ. إنَّ الوقت الطّويل والالتزام السّياسيّ اللّذين قدّمتهما أوروبا وإيران للوصول إلى خطّة العمل الشّاملة المشتركة، ربّما أشارا إلى ميلٍ من الطرفَيْن للتّخلّص من الدّبلوماسيّة الحادّة. إنّ أيَّ تواصلٍ جدّيٍّ حول المسائل الإقليميّة سيحتاج إلى هيكلٍ سياسيٍّ رسميٍّ يقوده ويدفعه إلى الأمام مسؤولون أوروبّيون ملتزمون مع وجود دعمٍ وتدخّلٍ مباشرٍ من أعلى المستويات عند الحاجة.

الشراكة دون محرمات

منذ انتخاب روحاني والإتّفاق المرحليّ على المسألة النّوويّة، قدّم الأوروبّيون مقترحاتٍ سياسيّةً يمكن البناء عليها لشراكةٍ أعمق مع إيران. لقد قام وزراء خارجيةٍ أوربيون بسبع عشرة رحلةً إلى إيران؛ لقد تمّت أوّل زيارة من قبل الممثّل الأعلى للإتحّاد الأوروبيّ ومن ثمّ من قبل كاثرين آشتون، كما ذكرت التّقارير وصول 103 بعثاتٍ تجاريّةٍ أوروبيّةٍ إلى إيران منذ ذلك الحين. لقد اشترط الأوروبّيون حصول علاقاتٍ سياسيّةٍ وإقتصاديّةٍ مستقبليّةٍ مع إيران مقابل الإتّفاق النّوويّ وإلغاء العقوبات. إنّ خطّة العمل الشّاملة المشتركة تخلق بداياتٍ جديدةً للعمل مع إيران، ولكنّها ستحتاج إلى الوقت وإلى إجراءاتٍ مكثّفةٍ لبناء الثّقة من أجل بلوغ درجة التّطبيع الّتي تمّ التوصّل إليها خلال مرحلة «الحوار الشّامل» ـ وخاصّةً الآن بما أنّ المنطقة أكثر اضطرابًا وتملؤها الصّراعات. من أجل التّوصّل إلى إطارٍ سياسيٍّ أوروبيٍّ عامٍّ، ستحتاج الدّول الأعضاء في الإتّحاد الأوروبيّ إلى الإتّفاق على أدنى قاسمٍ مشتركٍ للشّراكة مع إيران. ولكنّ المعيار المختار لا يمكن أن يكون متدنيًّا جدًّا لكي يصبح معيارًا سطحيًّا. خلال «الحوار الشّامل» مع إيران تناول الأوروبّيون المسائل الإقليميّة جنبًا إلى جنبٍ مع مجموعةٍ من المسائل الثّنائيّة. اليوم، وبناءً على التّغيرات الزّلزاليّة في المنطقة، فإنّ هذه الملفّات باتت ذات أهميّةٍ قصوى ولا يمكن التّعامل معها بنفس الوزن كما يحصل من تَعاونٍ في المناطق المستقرّة.

تحتاج أوروبا إلى صياغة جدول أعمالٍ مبنيٍّ على أسلوب التّبادل التّفاوضيّ للشّراكة مع إيران، دون أن يعيقها أيّ من محرّمات الماضي. يجب أن تكون العلاقة التّالية عملانيّةً تسمح للطّرفَيْنِ بالقيام بالمقايضات في مروحةٍ من المجالات، خاصّةً الأكثر خلافيّةً. بناءً على دور إيران الحسّاس في أزمات المنطقة، سيكون من غير الحكيم لأوروبا أن تحدّ من شراكتها مع إيران وحصرها بملفّاتٍ متفرّقةٍ غير خلافيّةٍ مثل مكافحة تهريب المخدرات من أفغانستان أو تخفيف التغيّر المناخيّ. يجب أن يتمّ تشجيع المشاريع ذات الفائدة المشتركة من أجل خلق سجلٍّ للإنجازات الإيجابيّة، ولكن إذا ما أرادت أوروبا تطوير أهداف أمنها الإقليميّ فإنّها بحاجةٍ إلى مقاربةٍ أكثر طموحًا.

 تملك أوروبا حاليًّا الفسحة السّياسيّة للدّخول بحوارٍ صادقٍ ومنتظمٍ مع إيران حول الملفّات الإقليميّة المتوتّرة حتّى لو كان التقدّم بطيئًا أو يبدو مستحيلًا في البداية. أن تلعب أوروبا هذا الدّور هو أكثر ضرورةً في وقتٍ تبقى فيه الولايات المتّحدة محدودةً في قدرتها على الشّراكة مع إيران، حتّى أنّها قد تبدأ بالإنسحاب من المنطقة في المدى المتوسّط. يجب أن يكون لأوروبا خمس أولويّاتٍ حيال إيران:

أوّلًا: أن تجد أوروبا طرقًا لتخفيف الإحتقان بين إيران والمملكة العربيّة السّعوديّة وتلافي أيّ إستفزازاتٍ إضافيّةٍ بسبب اليمن.

ثانيًا: أن تعمل أوروبا على تأسيس مسارٍ سياسيٍّ في سوريا والدّفع باتّجاه وقف التّصعيد في حرب الوكالة هذه بين الأعداء الإقليميين، الأمر الّذي يجب أن يحصل قبل أن تستطيع الفصائل السّوريّة أن تنهي خلافها بنفسها. 

ثالثاً: في ما يخصّ العراق يجب أن تحاول إيران وأوروبا زيادة التّعاون بطريقةٍ علنيّةٍ وسريعةٍ في الحملة ضدّ داعش و القيام بخطواتٍ إيجابيّةٍ باتّجاه حكومةٍ أكثر شموليّةً في بغداد.
رابعاً: على أوروبا أن تطرح الدّور العسكريّ والسّياسيّ المستقبليّ لحزب الله للنّقاش. 
 خامسًا وأخيرًا: على أوروبا أنْ توضح لإيران الخطوط العريضة لمخاوف إسرائيل المشروعة.

صيغة الشراكة

إذا أرادت أوروبا أن تعمّق شراكتها مع إيران وأن تتناول مجموعة من المسائل الاستراتيجيّة والتّقنيّة، فعليها أن تطبّق الخطوات التالية:

(1) إنشاء إطار عملٍ حول الأمن الإقليميّ مؤلّفٍ من ممثّل أعلى للاتّحاد زائد ممثّلين عن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا (الدّول الثّلاث الّتي كانت طرفًا في الاّتفاق النّوويّ).

 على أوروبا أن تطلق محاولة تواصلٍ مع الأطراف المعنيّة الإقليميّة المؤثّرة، ومن بينهم إيران،  ومن خلال هذه الخطوة تدفع باتّجاه وقف التّصعيد وحلّ الصّراعات. بدايةً، يجب أن يكون الهدف منع الأعداء الإقليميين من إثارة المخاوف الموجودة أصلًا، ومحاولة احتواء الأزمات في المنطقة. يجب تبنّي نموذجٍ من التّواصل عالي المستوى ومكثّفٍ جدًّا مشابهٍ لذلك الّذي استُخدِمَ في الحوار حول البرنامج النّوويّ الإيرانيّ. على أيّ إطارٍ سياسيٍّ مناسبٍ أن يضمّ الممثّل الأعلى للاتّحاد الأوروبيّ، فيديركا موغيريني، بالإضافة إلى ممثّلين عن الدّول الأوروبيّة الثّلاث المذكورة سابقًا، وهي الدّول الّتي تملك التّأثير الأكبر على اللّاعبين الإقليميين. إذ تملك فرنسا وبريطانيا أقوى القنوات السّياسيّة والتّقارب الاستراتيجيّ لدفع عمليّة المشاركة الإقليميّة إلى الأمام، وخاصّةً مع المملكة العربيّة السّعوديّة ، بينما دور ألمانيا الأفضل يقضي بقيادة التّواصل مع إيران.

إنّ توليفةً تضمّ ممثّلًا أعلى للاتّحاد إيطاليّ الجنسيّة بالإضافة إلى ممثّلين عن الدّول الأوروبيّة الثّلاث المذكورة سيعزّز النّظرة الأوروبيّة الموحّدة، ويجعل أوروبا تصل إلى الحدّ الأقصى من القدرة على إيصال وجهة نظرها إلى حاملي الأسهم الإقليميين. إنّ مظلّة الاتّحاد الأوروبيّ ستشكّل راحةً للدّول الأعضاء الّتي تخشى أن تعاقبَ على الشّراكة مع إيران من خلال مفهوم «الضّرر الّذي يصيب أوّل المتحرّكين» أو تلك الدّول الّتي اتّخذت موقفًا جدليًّا شديد الاختلاف عن موقف طهران حيال النّزاعات الإقليميّة. كما أنّ الاتّحاد الأوروبيّ يملك موقعًا جيّدًا لتسهيل حوارات الأمن الإقليميّ وعقدها لأنّه لا يمثّل الضّرر السّياسيّ على إيران المرتبط ببعض الدّول الأعضاء أو بالولايات المتّحدة.

وظيفة الممثّل الأعلى للاتّحاد يجب أن تقضي بفحص وتنسيق المواقف بين مجموعة الدّول الأوروبيّة الثّلاث حيال الملفّات الإقليميّة ووضع جدول أعمالٍ للشّراكة مع اللّاعبين الإقليميين.  الملفّ السّوريّ هو الأكثر استعجالًا، ولكنّه أيضًا الأكثر جدليّةً. لهذا السّبب، قد يكون من الأفضل بدء المحادثات من خلال جدول أعمالٍ ذي نطاقٍ أوسع تحت مظلّة «الأمن الإقليميّ للاتّحاد الأوروبيّ». على الممثّل الأعلى للاتّحاد وممثّلي مجموعة الدّول الثّلاث (يُفضّل أن يكون التّمثيل بمستوى وزراء الخارجيّة) أن يزوروا طهران والرّياض على التّوالي لإجراء المشاورات ولتقديم الدّعم للعمل قُدُمًا على البدء بحواراتٍ حول الأمن الإقليميّ. مهمّة أوروبا أن تشجّع إيران والمملكة العربيّة السّعوديّة على تخفيف خطابهما العدائيّ وتلافي تضخيم أدوار بعضهما بعضًا في أيّ سياقٍ يتمّ طرحه. وفي سياق المشاورات، يجب  عقد اجتماعاتٍ مع ممثّلين من إيران ودودين للعرب، مثل الرّئيس السّابق أكبر هاشمي رفسنجاني والأمين العام الحاليّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي شمخاني. إنّ التّواصل الأوروبيّ سيكون مسارًا منفصلًا عن المهمّات الإقليميّة للأمم المتّحدة، ولكن يجب أن يتمّ التّنسيق بين المساريَنْ بتبصّرٍ. من أجل تحقيق هذه الغاية يمكن لهيئة العمل الخارجيّ الأوروبيّة أن تخلق دورًا جديدًا لممثّلٍ خاصٍّ حول الشّؤون الإقليميّة يملك تفويضًا واسعًا للإشراف على الاستراتيجيّة الإقليميّة لأوروبا بعد الاتّفاق النّوويّ.

(2) جعل بنية الشراكة وجدول الأعمال أمرين رسميين

يجب أن تحضّر أوروبا هيئةً إداريّة للشّراكة مع إيران تقوم على أسس القنوات الطّبيعيّة الّتي تستخدم للقيام بالأعمال مع معظم الدّول. إنّ موقع الإتّحاد الأوروبيّ هو الأفضل للتّأشير لأنّ هذا القرار السّياسيّ قد اتُّخِذ، ويمكن بعده للدّول الأعضاء أن تقوم بتطوير علاقاتها مع إيران بشكلٍ طبيعيٍّ. على امتداد الأشهر القادمة، ستكون إدارة روحاني مشغولةً بتسويق خطّة العمل الشّاملة المشتركة في الدّاخل الإيرانيّ ـ وبالتّالي سيكون موقع الممثّل الأعلى للإتّحاد الأوروبيّ أفضل من موقع المسؤولين الإيرانيين للقيام بالخطوة الأولى الضّرورية من خلال اقتراح حوارٍ سياسيٍّ رسميٍّ على وزير خارجيّة إيران محمد جواد ظريف.

 سيحتاج الإتّحاد الأوروبيّ إلى زيادة وتقوية قدرته على الشّراكة مع إيران. إحدى الخطوات الّتي يمكن القيام بها هو إنشاء مجموعةٍ جديدةٍ تعمل على الملفّ الإيرانيّ وتتمركز في هيئة العمل الخارجيّ الأوروبيّة، وتجمع الخيوط المختلفة والخبراء الّذين يعملون على ملفّ إيران حاليًّا على امتداد منظومة الإتّحاد الأوروبيّ (من ملفّ حقوق الإنسان إلى الإقتصاد والتّجارة وحتّى مكاتب المعلومات الجغرافيّة). إنّ وظيفة مجموعة البحث هذه يجب أن تأخذ على عاتقها تنسيق تواصل الإتّحاد الأوروبيّ مع إيران والمساعدة على تشكيل المواقف التّكامليّة بين الدّول الأعضاء. 

على الإتّحاد الأوروبيّ أن يستخدم الصّناديق الماليّة الموجودة أصلًا من أجل إنشاء بعثةٍ دائمةٍ في طهران في أسرع وقتٍ ممكنٍ. في هذه الأثناء يمكن للإتّحاد الأوروبيّ أن يطلب من السّفارات الأوروبيّة على الأرض هناك أن تقدّم التّقارير وأن تقدّم النّصائح حول أفضل «بروتوكول» للشّراكة مع الحكومة الإيرانيّة وشبكات المجتمع المدنيّ في مجالاتٍ قد تكون أصبحت أكثر استثمارًا في السّندات خلال العقد الماضي منذ آخر مرّةٍ كان فيها الإتّحاد الأوروبيّ نشطًا في إيران.

على مجموعة البحث حول إيران أن تستشير نظرائها في طهران حيال إنشاء جدول أعمالٍ وتحديد المشاريع المُجْدِية للتّعاون، بالإضافة إلى تقييم كيفيّة المشاركة للدّول الأعضاء. قد تكون أوروبا وإيران بحاجةٍ إلى تبنّي سلوك «تكلّم واستمع» في المجالات المختلف عليها، مثل مسائل حقوق الإنسان، بينما يتشاركان بمشاريع صغيرةٍ ولكنّها ذات أهميةٍ ويستفيد منها الطّرفانِ. إنّ التّعاون النّاجح في هذه الملفات سيؤدّي إلى بناء الثّقة وتعزيز الإتّصالات الرّسميّة المنتظمة وبناء شراكةٍ أعمق حيال عددٍ أكبر من المسائل الشّائكة. كما يجب على الإتّحاد الأوروبيّ وإيران أن يعملا على إرساء تفاهمٍ تعاقديٍّ رسميٍّ لكي يحكم تعاونهما السّياسيّ والتّجاريّ مستخدمَين مفاوضاتهما في بدايات العقد الماضي كسابقةٍ يمكن البناء عليها. 

(3)عمولات رمزية للحوافز الإقتصاديّة

ما إن تصبح الأمور عمليّةً بعد توقيع خطّة العمل الشّاملة المشتركة، يجب على الإتّحاد الأوروبيّ أن يبدأ بالتّفاوض حول مذكّرة تفاهمٍ بالشّراكة في مجال الطّاقة مع إيران. يقدّر أنّ التّفاوض حول هكذا تفاهمٍ قد يأخذ مدّة سنتَيْنِ تقريبًا؛ خلال هذا الوقت ستكون إيران قد حصلت على حوافز إضافيّةٍ للإلتزام بخطّة العمل الشّاملة المشتركة، بينما سيكون الإتّحاد الأوروبيّ قد اطمأنّ من خلال سجلّ التّطبيق الإيجابيّ للخطّة. أمّا على مستوى الدّول الأعضاء، الّتي تملك إهتماماتٍ إقتصاديّةً كبيرةً في إيران، فيجب أن تخبر الإدارة الإيرانيّة بشكلٍ سرّيٍّ بأنّها ستدعم بشكلٍ علنيٍّ طلبها للإنضمام كعضوٍ في منظمّة التّجارة العالميّة. إنّ هذا الدّعم سيشكّل إجراءً بخس الثّمن قد يحمي في نهاية المطاف المصالح الأوروبيّة ويدفعها قُدُمًا. خلال هذه المحادثات التّجارية مع إيران، يؤكّد الإتّحاد الأوروبيّ والدّول الأعضاء، أنّ الإستقرار الإقليميّ ضروريٌّ من أجل تأمين التّعاون المستقبليّ في مجال الطّاقة وخطوط التّدفّق التّجاريّة. ثمّ تستخدم التّبادلات الإقتصاديّة كمنصّةٍ لبناء الثّقة بهدف تشجيع العلاقات المحسّنة بين إيران وأوروبا في مجالاتٍ أخرى.

(4) التّخطيط لهندسةٍ مستقبليّةٍ للأمن الإقليميّ

على أوروبا أن تبدأ مع نظرائها في الولايات المتّحدة وروسيا، التّدريب على التّخطيط المستقبليّ، حول كيفيّة مساهمة كلّ الأطراف مع اللّاعبين في الشّرق الأوسط ودعمهم في عمليّة تصميم هندسة أمنٍ إقليميٍّ والاستحواذ عليه. إنّ أيّ نتيجةٍ ناجحةٍ قد تحصل في المدى البعيد، ولكنّ الأوروبيون يملكون تجربةً وخبرةً لكي يقدّموها للّاعبين الإقليميين في هذا المجال. تقتضي وظيفة المجلس الأوروبيّ إنتاج تقريرٍ للجنة العلاقات الخارجيّة حول الدّور الّذي يمكن أن تلعبه أوروبا في وضع إتفاقٍ للأمن الإقليميّ. كما يجب أن تتمّ استشارة القوى الإقليميّة المعنيّة والمؤثّرة على المستويات الرّسميّة وغير الرّسميّة كونها طرفًا في هذه المسألة.

الخلاصة

على الأوروبيين أن يبدأوا محادثاتٍ عميقةً بين بعضهم بعضًا من جهة، وبينهم وبين إيران  من جهةٍ ثانيةٍ حول مستقبل العلاقة الإيرانيّة ـ الأوروبيّة. وأن يستطلعوا الطّرق الّتي تستطيع أوروبا من خلالها أن تساهم في الوصول إلى نظامٍ في منطقةٍ متشظّيةٍ تقع على عتبات القارّة الأوروبيّة. إنّ الابتعاد عن سياسة الاحتواء حيال إيران سيسمح لأوروبا بالعمل مع طهران على قاعدة المصالح وجعل هدف حلّ المشاكل الإقليميّة أولويّةً بدل مواصلة المواجهة الأيدولوجيّة الشّاملة. إنّ قيام علاقةٍ أكثر طبيعيّةً بين أوروبا وإيران سيسمح للتّعاون والتّنافس أن يتعايشا في مختلف المجالات.

ذا الأمر سيضع أوروبا في موقفٍ أفضل لتشجيع جميع الأطراف الإقليميّة المؤثّرة، من بينهم إيران ودول مجلس التّعاون الخليجيّ، لكي يتمكّنوا من وقف التّصعيد في الصّراعات الحاصلة في منطقتهم بطرقٍ أصبحت ضروريّةً بشكلٍ متزايدٍ، ومع ذلك لا تزال غائبةً بشكلٍ فاضحٍ. هذا الأمر سيكون بمثابة وضع حجر الأساس لتسويةٍ إقليميّةٍ مدعومةٍ أوروبيًّا بشراكة جميع الأطراف الإقليميّة المؤثرّة ـ حتّى لو أخذت هذه التّسوية وقتًا طويلًا لكيْ تتحقّق.

بهدف الوصول إلى هذه المرحلة، سيكون على أوروبا أن تخلق مؤسّسةً سياسيّةً رسميّةً وأن تضع أساسًا لدعمٍ تنظيميٍّ للمضي قُدُمًا في الشّراكة مع إيران. إنّ توقّعات أوروبا المنتظَرة من إيران يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحقائق الجيوسياسيّة وأولويّات إيران. لا يمكن إقناع إيران في الظّروف الحاليّة بتعديل استراتيجيّة أمنها الإقليميّ أو بإيقاف دعمها للّاعبين المحلّيّين مثل حزب الله، كما أنّه لن ينتج عن أيّ عملٍ جادٍّ بين أوروبا وإيران أيّ تحالفٍ إقليميٍّ جديدٍ. ولا يجب على أوروبا أن تتجاهل الدّرجة الخطيرة من المشاكل الّتي تواجه الطّرفَيْنِ في المنطقة، لذلك يجب على علاقة أوروبا بإيران أن تتخطّى كونها تعاونًا مؤقّتًا مرتبطًا فقط بالمجالات ذات المصالح المشتركة. فعلى الرّغم من الحاجة إلى الوقت وبناء الثّقة للوصول إلى وضعٍ أكثر تطبيعًا، إلّا أنّ أوروبا تملك الآن الحيّز السّياسيّ للعمل مع إيران حيال المسائل الأكثر خلافيّةً ـ حتّى لو جرى التقدّم ببطءٍ.

تعطي خطّة العمل الشّاملة المشتركة لصنّاع القرار الحريّة بالخروج عن الرّؤية المتمحورة حول الملفّ النّوويّ في العلاقة مع إيران وبالإضاءة على مجالاتٍ تستطيع أوروبا الاستفادة منها من خلال الشّراكة مع طهران، وخاصّةً في ملفّ الأمن الإقليميّ. وحتّى لو كان الأمر صعبًا، ومن أجل القيام بأكبر مساهمةٍ في تأسيس نظامٍ إقليميٍّ، يجب على أوروبا أن تبتعد عن الوقوف في صفّ طرفٍ دون الآخر في الصّراعات الإقليميّة، وأن تسمح باللّيونة القصوى في اختيار السّياسات من خلال التّفكير بخيار التّعامل بفعاليّةٍ مع إيران حيث يخدم الأمن الأوروبيّ بأفضل طريقةٍ.

لقد لمّحت الإدارة الأميركيّة أنّها تودّ أن تأخذ هذا المسار، الأمر الّذي سيدفع أوروبا إلى أن تضع شراكتها مع إيران على نارٍ حاميةٍ. خلال السّنة القادمة، ستنفق الولايات المتّحدة رصيدها السّياسيّ على بيع الاتّفاق النّوويّ وتطبيقه والتّأكّد من تطبيقه أساسًا كجزءٍ من إرث أوباما. كما أنَّ أوروبا تملك حاليًّا القدرة على تحمّل دورٍ أكثر طموحًا وأكثر حساسيةً في إعادة دوزنة المقاربات حيال الأمن الإقليميّ بعد الاتّفاق النّوويّ.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف