البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 24 / 2016  |  1194الإعلام الغربي.. ومملكة الدم.. هل تخلى الحليف عن حليفه..؟

فائق الشمري المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية كانون الثاني 2016
الإعلام الغربي.. ومملكة الدم.. هل تخلى الحليف عن حليفه..؟

مع نهاية العام 2015 سجل الإعلام الغربي وبشكل غير مسبوق عاما حافلا بالأحداث الدموية للسعودية.. حربان في اليمن وسوريا، موسم حج دموي ابتدأ بسقوط الرافعة واختتم بتدافع منى الممنهج والمميت، إعدامات بحد السيف، تفجيرات في المساجد، تلاعب بأسعار النفط ... وغيرها.

وفي غمرة احتفالات العالم باستقبال العام الجديد والأمنيات بأن يكون عام خير وأمان استقبلت السعودية عامها الجديد في 2016 بالدم بإعدامها لرجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر فجر يوم السبت الموافق 2 /1/ 2016 لتصدم العالم بكارثة إنسانية وبداية محبطة لعام جديد باستهدافها لرجل عالم ومحب للسلام، كان يدعو دائماً إلى توحيد الأمة، بقرار أرعن لا يتسم بالحكمة السياسية، وفي توقيت غير مناسب، ساهم بإشعال الفتنة الطائفية المتأججة بالفعل.

ولكل هذه الأحداث الدراماتيكية يقف حلفاء مملكة الدم بحيرة من أمرهم فالسياسة الرعناء تحرجهم، والانتقاد لحفظ ماء الوجه يغضب شيوخ البترول، حتى قيل ان البرود يخيم على العلاقة الحميمة بين البقرة الحلوب والراعي..

فهل سيتخلى الحليف عن حليفه؟.. وكيف سيكون مستقبل العلاقة بين السعودية و الغرب..؟. وبماذا يفسّر هذا التكثيف الإعلامي الغربي وسيل الانتقادات اللاذعة للحليف المدلل..؟

------------------------------------------

السياسة السعودية .. تخبط وضياع..

تبدو المراهقة واضحة في السياسة السعودية على الرغم من كهولة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز"80 عاما"، فرقاص بوصلة السياسة السعودية للعام الأول من حكم العاهل السعودي لم يكن هادئا على الإطلاق، وما فتئ بالاهتزاز وعدم الثبات بمغامرات تورط بها من خلال حروب غير مدروسة، وإدارة فاشلة لموسم الحج، وتصفية للمعارضين، والتلاعب باقتصاد العالم من خلال إغراق السوق بالنفط بإدارة غير ممنهجة لاقتصاد البلد النفطي..وغيرها، ومع كل هذه الأحداث، ينذر المستقبل بتداعيات خطيرة تعكس بظلالها على المنطقة برمتها ولا تختص بالسعودية فقط.

صحيفة "الصانداي تايمز" نشرت موضوعا لافتا تتصدره صورة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تحت عنوان "هل سيدمر هذا الملك بيت آل سعود" ؟ في إشارة واضحة للتخبط الذي يمارسه هذا الرجل ولعبه بالنار في منطقة غارقة بالبترول، مهددا المصالح الغربية التي يمكن أن تضيع وسط هذه المغامرات غير المدروسة.

وتضيف الجريدة انه لم تمر سنة كاملة حتى الآن على تولى الملك سلمان منصبه ورغم ذلك تعد هذه السنة واحدة من أسوأ السنوات في تاريخ المملكة، وتشير الى ان العالم الغربي اصبح يدرك حاليا ان الفكر الوهابي الذي بنيت عليه المملكة هو سبب التطرف الذي يجتاح المنطقة، فبعد مرور شهرين من تولي سلمان الحكم، قادت السعودية تحالفا من عشر دول لخوض حرب في اليمن أثارت جدلا كبيرا، ولا تزال مستمرة حتى الآن.. وكان هذا بمثابة انفصال كبير عن السياسة الخارجية للسعودية التي ظلت لفترة طويلة سياسة غير صدامية، لكنها اليوم تعكس نهجا جديدا يتسم بالعدائية في أعلى هرم السلطة.

كما مثل إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر مفاجأة محرجة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد من أكبر حلفائها الدوليين، رغم تحذير البيت اﻷبيض الرياض، مسبقا، من المخاطر التي قد ينطوي عليها هذا القرار.

وحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية: أكد جوش أرنست، المتحدث باسم البيت الابيض، إن واشنطن أبلغت الرياض قبل يومين مخاوفها من إعدام النمر الذي أشعل ضفتي الخليج وعجل بقطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، قبيل اجتماع حاسم لمصير سوريا، ومع ذلك تجاهلت السلطة في المملكة هذه التحذيرات.

وأوضحت "لوموند" أنه منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى السلطة، تشهد العلاقات بين الرياض ونيويورك فتورا بانتظام، حتى وإن تظاهر الجانبان بغير ذلك.. وأشارت إلى أن الرياض وضعت حكومة الرئيس باراك أوباما أمام اﻷمر الواقع لأول مرة في 25 مارس الماضي، عندما قررت تنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين في اليمن.

ومن جانب آخر أثار الصعود السريع لنجل العاهل السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة حالة من القلق في أوساط أجنحة معينة من العائلة المالكة السعودية الكبيرة، بسبب محاباته له وتقليده لمنصب وزير الدفاع رغم ان سنه لم يتخط الثلاثين عاما وتعيينه وليا لولي العهد وأمينا عاما للديوان الملكي السعودي، وأصبح الموجّه للسياسة الخارجية الجديدة للقيادة السعودية التي تتميز بالصرامة (والبعض قد يصفها بالعدائية)، بالإضافة إلى مسكه لزمام الملف الاقتصادي من خلال توليه لإدارة اكبر شركة نفط بالعالم هي شركة أرامكو التي تأسست عام 1962، وتتولى إدارة احتياطيات نفط تربو على 261 مليار برميل واحتياطيات غاز طبيعي بنحو 234 تريليون قدم مكعب. ويبلغ متوسط إنتاج الشركة للنفط الخام 9.3 ملايين برميل يوميا، وتبلغ حصتها من الطاقة التكريرية 2.6 مليون برميل يوميا.

ولكل هذه الأمور تأتي نبوءة كبير كُتاب صحيفة "الجارديان" للشؤون الخارجية "ديفيد هيرست" الذي كتب مقاله في 24 يناير 2015 عند تولي سلمان لكرسي الحكم بعد أخيه غير الشقيق عبد الله، متنبأ بحدوث سقوط وانهيار سريع للأسرة السعودية، لعدة احتمالات أهمها إصابة الملك الجديد بالزهايمر ومعاناته من الخرف وهو لا يقوى بذلك على ادارة دفة بلد مثل السعودية مركزي القرار حيث لا توجد مؤسسات أو أحزاب سياسية أو حتى سياسة وطنية.

الأهم من ذلك، أن الملك الجديد سلمان، حاول تأمين الجيل الثاني لحكمه من خلال إعطاء ابنه محمد البالغ من العمر30 سنة لمنصب وزارة الدفاع بجانب منصب أمين عام الديوان الملكي، كل هذه التغييرات تم الإعلان عنها قبل دفن الملك عبد الله.. لذا يرى "ديفيد هيرست" ان أفضل حماية للسلطة السعودية هو بقيادة إصلاح سياسي ملموس وحقيقي داخل المملكة، عبر إطلاق سراح المعتقلين، والسماح بالديمقراطية والانتخابات والمشاركة السياسية..

في حين نرى ان السعودية وبعد عام من مقالة "هيرست" تسير عكس المطلب؛ اذ همشت الإصلاحات واختزلت بنجل الملك المراهق، وتم إعدام المعارضين، كما تم تقييد الحريات وتكميم الافواه للتع8بير عن الآراء السياسية، إضافة الى مغامرات عسكرية وحروب غير مبررة لم يكن ليتوقعها أفضل المتشائمين..

الفاشية الدينية..!

لا يختلف اثنان أن السعودية اكبر مصدر للبترول والإرهاب الوهابي، والتي قسمت العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الكفار، وأن من واجب المسلم محاربة الكفار إلى أن يعلنوا إسلامهم وبالمذهب الوهابي.. والكفار في قاموس الوهابيين لا يقتصر على غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم، بل صار يشمل حتى المسلمين من الشيعة "الروافض"، والسنة "المرتدين" الذين يخالفون نهجهم الإرهابي، فيعدونهم منحرفين عن الإسلام "الصحيح" وقتلهم واجب !.

مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor نشرت دراسة تحليلية للسفير الأميركي السابق لدى كوستاريكا ( كورتين وينزر) والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية".. وكيف حاولت السعودية تصديرها عندما خصص فقرة بعنوان "تصدير الكراهية".. يشرح فيها كيف ان السعودية صرفت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية خارج المملكة واصفا السعوديين بـ"طليعة الفاشية الدينية".

إذ يؤكد وينزر" بعد قيام المملكة العربية السعودية في العام 1932م منح رجال الدين الوهابيون اليد الطولى في إدارة الشؤون الدينية والتعليمية، وظلت الوهابية محصورة في الجزيرة العربية حتى الستينات من القرن الماضي عندما نزح إليها عدد من الأخوان المسلمين من أتباع سيد قطب هربا من بطش نظام جمال عبد الناصر ونشأ حينذاك التحالف السلفي- الوهابي وتبنيه "الجهاد" ضد الحكومات العلمانية "الكافرة".

ويقول وينزر "إن التلاقح بين الوهابية المحافظة اجتماعيا وثقافيا بالقطبية (سيد قطب) السياسية الراديكالية أنتج الإسلام السياسي الوهابي الذي بدوره أنتج تنظيم القاعدة".. ويشير وينزر إلى تميز الوهابية عن باقي الاتجاهات الإسلامية الراديكالية بالتشدد في تطبيق الشريعة وإنكار الحريات الفردية وحقوق المرأة والتكفير والتقليل من أهمية الحياة الإنسانية والتحريض بالعنف ضد "الكفار".

كما مثل ظهور داعش إلى الساحة الإرهابية وليدا غير شرعيا للوهابية، فهذه العصابة تمثل امتدادا أيديولوجيا للفكر الوهابي، وتعمل لتدمیر الدول الإسلامیة على ید المسلمین أنفسهم، وصبغ الأرض بدماء الأبریاء من النساء والأطفال والشیوخ والشباب، بقطع رؤوسهم وأحيانا بإحراقهم وهم أحياء في عمل ممنهج لتشويه الإسلام وإضفاء روح العدائية عليه، والأسوأ من كل هذا، ان هذه المجموعة الإرهابية  تطلق على نفسها اسم "الخلافة الإسلامية".

اللافت ان الرأي العام العالمي الغربي بدأ يدرك خطورة الفكر الوهابي وبدأ يحدد التقارب بين الفكرين وانهما وجهان لعملة واحدة، فقد نشرت "الاندبندنت أون صنداي" مقالا لروبرت فيسك حول موضوع أعدام السعودية لمعارضين سعوديين بحد السيف وبعنوان: "الإعدامات في السعودية مثل تصرفات تنظيم الدولة الإسلامية فماذا سيفعل الغرب؟".

يقول فيسك إن ما حدث من اعدام 47 شخصا بهذا الشكل في المملكة العربية السعودية يعد تصرفا مشابها لممارسات تنظيم "الدولة الاسلامية".

ويضيف فيسك ان قيام المملكة باستخدام مقاطع من القرآن لتبرير هذه الاعدامات يؤكد انها تستخدم نفس اسلوب التنظيم.. ويقارن فيسك بين التصرف السعودي وتنظيم "الدولة الاسلامية"، قائلا إن التنظيم ايضا يقطع رقاب من يرى انهم مرتدون من السنة ورقاب الشيعة والمسيحيين في العراق وسوريا على حد سواء.

ويؤكد فيسك أن الاجراءات السعودية ضد النمر هي نفسها التي كانت ستستخدم ضده لو كان في قبضة التنظيم.. فماذا سيفعل الغرب..؟

إعدام النمر.. أزاحة الأقنعة..!

أثار إعدام آية الله الشيخ نمر النمر موجة من ردود الأفعال الحكومية والشعبية في العديد من دول العالم والمنطقة فضلا عن كبريات الصحف الأجنبية البارزة.. التي استنكرت تجرؤ السلطات السعودية على قتل أحد الرموز الدينية في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية في السعودية.

وأسقطت بذلك كل الشعارات التي ترفعها السعودية الخاص بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.. ومن جانب آخر مثل نقطة تحول في مسار الأحداث فوق المعمورة، وكشف الوجه القبيح للنظام السعودي أمام العالم .

الأمم المتحدة كانت أول المنتقدين على لسان أمينها العام بان كي مون بالقول: (إنه شعر "بفزع شديد" بسبب إعدام الشيخ النمر و 46 شخصا آخرين في السعودية).

وأعربت ألمانيا عن قلها من تنفيذ السلطات السعودية لحكم الإعدام بحق الشيخ النمر، مؤكدةً من خلال مسؤول من وزارة الخارجية الألمانية : (إن إعدام نمر النمر يذكي مخاوفنا الحالية من زيادة التوتر وتعميق الخلافات في المنطقة).

كما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إثر إعدام السعودية الشيخ النمر، فيما حذرت من أن هذه الخطوة التي أثارت غضب الأوساط الشيعية "تهدد بتأجيج التوترات الطائفية" على حد وصفها.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي في بيان إن : (الولايات المتحدة تحث حكومة السعودية على السماح بالتعبير عن الاحتجاج بطريقة سلمية) مطالبا الرياض بـ "احترام وحماية" حقوق الإنسان.. ودعا مسؤولي المنطقة إلى "مضاعفة جهودهم لتخفيف حدة التوترات الإقليمية".

كما كانت هناك وقفات احتجاجية في إيران، والهند و الباكستان و العراق ولبنان.. وفي سوريا قال المفتي العام للجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، إن : (العالم الإسلامي فوجئ باستشهاد علامة دعا إلى السلام والمحبة والإخاء، والذي ما حمل سلاحاً بيده يوماً إلا سلاح كلمة الإيمان الخيرة).

ولفت حسون إلى أن الشيخ النمر استشهد على يد دولة تدعي أنها تحارب الإرهاب وإنها: (أقامت حلفا لمحاربة الإرهاب ثم تقوم بأشد أنواع الإرهاب وهي قتل عالم من علماء الأمة).

وعلى الرغم من ان المملكة المتحدة لم تبد أي موقف رسمي لإعدام النمر تساءلت الاندبندنت البريطانية عن موعد زوال هذا الكابوس من خلال عنوان مقالتها: (متى ينتهي حكم آل سعود؟!)..

مشيرة إلى أن السعودية وعلى مدى العام الماضي، قطعت رؤوس ما يقرب من ١٥٨ معتقلا، أغلبهم من المعارضين السياسيين وهذا ما أوضحه شريط فيديو مسرب، طريقة الإعدام كانت بقطع الرؤوس وهذه الثقافة تناغمت مع تعاليم الوهابية التي تتخذها " داعش" نهجاً لها.

منتقدة صمت رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على ما أسمته جرائم السعودية.. وكتبت الصحيفة على غلافها إن المملكة المتحدة فشلت في اتخاذ موقف أخلاقي ضد النظام الحاكم في السعودية وتعتبر الصحيفة هذا الصمت "مخجلا".

من جانبه حدد أوين جونز في صحيفة "الغارديان" البريطانية العلة من خلال مقال له بالقول: "للقضاء على الإرهاب، على بريطانيا إنهاء دعمها للسعودية"، مؤكدا إنه: (بعد رفع الحكومة البريطانية درجة التنبيه إلى الإرهاب إلى مرحلة "الخطر"، واقتراح قوانين لمكافحة الإرهاب، علينا التأمل في الـ 13 عاماً الكارثية الماضية، إذ أن هناك حلقة مفقودة ألا وهي علاقة الغرب مع الديكتاتوريات في الشرق الأوسط التي لعبت دورا خبيثاً في صعود الإرهاب الأصولي الإسلامي).

أمريكا منزعجة وتلوح بالخصام

لوحت الإدارة الأمريكية من خلال حركة دبلوماسييها ممنهجة لحليفها المترف والمدلل "السعودية"  بالخصام، حيث بدأت تحرجها من خلال التصرفات الرعناء لسياسييها خصوصا ان الملك الجديد يعيش بحالة فقدان التركيز بسبب مرض الزهايمر وكذلك تقريبه لولده الشاب محمد وهذا الأخير لا يتمتع بالحنكة السياسية الكافية لإخفاء العلاقة الحميمة بين الاثنين منذ عقود كما نجح أسلافه.

لذلك بدأ الغرب بالتبرؤ من هذه التصرفات ولم يخف مسؤولون أمريكان امتعاضهم منها كما لم تتريث الصحف الغربية عن توجيه اللوم لكابينة القيادة السعودية بذلك في محاولة لذر الرماد في العيون وركوب الموجة..

الإندبندنت البريطانية كتبت معبرة عن وجهة النظر تلك بمقالة للكاتب الصحفي باتريك كوبيرن بعنوان: الأمير السعودي الذي "يلعب بالنار" مشيرة الى أن الاستخبارات الألمانية نشرت مُذكّرة نهاية العام الماضي توضح "الخطر" من ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان.. وأضاف كوبيرن أن المذكرة ورد فيها أن "السعودية تعتمد سياسة متهورة في الآونة الأخيرة".

وقال كوبيرن إن "وكالات التجسس لا تقوم بالعادة بالكشف عن مثل هذه المعلومات والوثائق لوسائل الإعلام وتنتقد فيها حليفا قويا ومقربا لها كالسعودية".

وأوضح كوبيرن أن "تحذيرات وكالة الاستخبارات الألمانية تعد إشارة على زيادة المخاوف من أن السعودية أضحت ورقة غير مضمونة".

وفي مقابلة أجراها كوبيرن مع وزير سابق في الشرق الأوسط - طلب عدم الكشف عن اسمه - قال إن "السعودية كانت تعمد في السابق إلى إبقاء جميع اختياراتها مفتوحة، وكانت حذرة".. وقال تقرير وكالة الاستخبارات الألمانية إن "السعودية أضحت تنتهج خيارات أكثر عدوانية وسياسة محبة للحروب، كالحرب في سوريا واليمن".. وختم كوبيرن بالقول إن "المغامرات الخارجية التي بدأها الأمير محمد لم تكن ناجحة وليس هناك أي بوادر تشير إلى نجاحها لاحقاً".

على ان كل هذه التصرفات الرعناء تجعل الغرب يقف حائرا  أمام الحليف المدلل الذي يلعب بالنار لدرجة انه سيحرق نفسه ومن معه، خصوصا أن الإرهاب الذي تموله السعودية وتغذيه أيديولوجيا تعدى الحدود وأصبحا وحشا خارج السيطرة، كما أن الغرب لا يمكن له ان يستغني عن الصفقات السعودية في السلاح وغيرها، ففي عام 2013 تصدرت السعودية تلك القائمة بصفقات أسلحة بلغت قيمتها 56 مليار دولار وفي العام التالي تصدرتها بأسلحة بلغت قيمتها 64 مليار دولار وعندما قادت العدوان على اليمن عقدت صفقات أسلحة بمبالغ تفوق ما أنفقته على السلاح في العامين الماضيين.

يقول مكتب خبراء “آي إتش إس جينس” من مقره في لندن إن كُلّ 7 دولارات تصرفها دول العالم على شراء الأسلحة يكون نصيب السعودية منها دولار واحد، بما يعني أن دول العالم مجتمعة تنفق ما معدله 6 دولارات للسلاح والسعودية وحدها تنفق دولاراً.

وعلى الرغم من أن السعودية تعاني ولأول مرة في تأريخها من عجز في الموازنة بلغ 150 مليار دولار بالإضافة إلى استنزاف عشرات المليارات من احتياطاتها اضطرها لإجراءات تقشف لكنها عقدت صفقات أسلحة هذا العام مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا بلغت قيمتها لحد الآن أكثر من 160 مليار دولار.

من هنا نلاحظ ان التكثيف الغربي لانتقاد الرياض من قبل وسائل الإعلام يخدم الطرفين من خلال:

1. تهدئة الرأي العام الغربي وامتصاص غضب الشارع من الانتهاك الواضح لحقوق الإنسان الذي تمارسه مملكة الدم السعودية داخليا وخارجيا، لدرجة ان رائحته أزكمت الأنوف ولا يمكن التغاضي عنها.

ولكن ما أعمى بصيرة الحكومات الغربية هو الطمع والجشع في الاستثمار السعودي والخليجي، فغضوا النظر عن الدور القذر الذي تلعبه السعودية وقطر وغيرهما من الحكومات الخليجية في دعم الإرهاب، فالعمليات الإرهابية منذ هجمات  11 سبتمبر 2001 في أمريكا، ومروراً بحوادث قطارات الأنفاق في لندن عام 2005، وإلى جريمة باريس الأخيرة، كلها تمت على أيدي عصابات من المسلمين الوهابيين خرجي مساجد ومدارس ممولة من قبل السعودية وقطر. ومع ذلك تحاول الحكومات الغربية إيجاد المبررات السخيفة الواهية لتبرئة ساحة هاتين الدولتين الشريرتين، بل و تختلق لها مبررات محلية مثل تهميش السنة في العراق وسوريا، وصراع فارسي –عربي...الخ.

2. ممارسة الضغط من خلال الرأي العام على الإدارة السعودية لضبط النفس والتصرف بعقلانية أكثر حيال مصالحها ومصالح حلفائها، فضلا عن إرسال رسائل موجهة بالتلويح بالمقاطعة والبحث عن حلفاء جدد، خصوصا بوادر التقارب من العدو اللدود للسعودية إيران وتوقيع الغرب للاتفاقية النووية معها فضلا عن رفع العقوبات والتهافت اللافت للشركات الغربية للاستثمار في ايران.

وبهذا الصدد نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، مقالا تحليليا للكاتب جيرمي شابيرو، العضو السابق في برنامج التخطيط السياسي لدى كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجي، والمستشار السابق لوزير الخارجية الأمريكي، قال فيه : (أن الوقت قد حان كي تتخلى الإدارة الأمريكية عن الأخذ بيد المملكة السعودية. وعلى واشنطن إرسال رسالة صريحة وواضحة المضمون إلى دول مجلس التعاون الخليجي مفادها: ”أننا أصدقاء مصلحة ولسنا أحبّة دائمين”.

من هنا يمكن ان نفسر السر وراء تكثيف "نيويويرك تايمز" حملتها ضد السعودية، حيث ابتدأت بنشر افتتاحيتها التي هاجمت فيها الإعدامات السعودية، ووصفتها بالبربرية، ونشرت في صفحة مقالات الرأي، المفروض أن تكون مخالفة لرأي افتتاحيتها، مقالة هجومية أخرى ضد الرياض بعنوان "لعبة السعودية الطائفية الخطيرة". ثم قام مراسل "نيويورك تايمز" في "البيت الأبيض" دايفيد سانغر، بكتابة مقالة حمّل فيها السعودية مسؤولية توتر المنطقة، واحتمال انفراط عقد المفاوضات السورية المقررة في جنيف.

أما في صفحة "مساحة للنقاش"، التي يفترض أن تقدم وجهتي نظر متضاربتين، قدمت "نيويورك تايمز" أربعة مقالات بقلم الباحثة الإيرانية المعروفة هالة أسفندياري، والمعارض السعودي علي الأحمد، والفلسطيني إياد بغدادي الذي سبق طرده من الخليج. المقالة الرابعة، وكانت الأقل حدة تجاه المملكة، جاءت بقلم مسؤول أوباما السابق في الملف الإيراني دنيس روس.

ومع انحسار الحديث عن الأزمة السعودية-الأميركية في الإعلام الأميركي، فسحت "نيويورك تايمز" المجال أمام وزير خارجية إيران جواد ظريف، ليكتب مقالة بعنوان "تطرف السعودية الأهوج".. وقد خرقت "التايمز" الشروط المعروفة للكتّاب الزائرين، إذ لا يجوز أن يكتب وزير إيراني عن السعودية، لأنه يفترض أن يقدم رأي بلاده في قضايا إيرانية فقط، من دون الهجوم ضد خصوم لا رأي لهم في سطور المقال.

كذلك خرقت "نيويويرك تايمز" شرطاً آخر يتعلق بالمهلة الزمنية للكاتب، التي يجب ان لا تقل عن سنة كاملة على نشر ظريف في الصحيفة ذاتها، حيث كتب في اقل من تسعة شهورمقالة رأي بعنوان "رسالة من إيران" حاول فيها، قبل توقيع الاتفاق النووي في فيينا، تسويق تسوية إقليمية بعنوان "الخليج الفارسي الأوسع"، الذي يتضمن بحسب ظريف، اليمن وساحل المتوسط.

3.  استدرار الامول السعودية من خلال زيادة سقف المطالب السعودية بإحاطتها من كل جانب بالمشاكل، كما صرح ترامب لأكثر من مرة صراحة وقال على السعودية أن تدفع لنحميها خصوصا ان جارتها اللدود أصبحت ضمن نادي النووي العالمي..

لذلك نقلت  الـ BBC وصف المرشح للرئاسة الأمريكية الملياردير دونالد ترامب ، السعودية بالبقرة الحلوب، التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الامريكي، مطالباً النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.

واعتبر ترامب، الذي يعتبر أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية، أن آل سعود يشكلون البقرة الحلوب لبلاده، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها او نطلب من غيرنا بذبحها او نساعد مجموعة اخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها اصدقاء امريكا واعدائها وعلى راسهم ال سعود.

وخاطب المرشح الامريكي النظام السعودي قائلاً: " لا تعتقدوا ان مجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الانسان وتدمير الحياة ستقف الى جانبكم وتحميكم فهؤلاء لا مكان لها في كل مكان من الارض الا في حضنكم, وتحت ظل حكمكم لهذا سياتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم ".

وأختصر ترامب المسألة معلقا لـCNN في حديث له بعد إعدام النمر:

إيران تريد الاستيلاء على السعودية.. واذا كنا سنحمي المملكة من طهران فعليهم "الدفع".

4. ابقاء الباب مفتوحا لعودة الابن الضال من خلال التحكم بايقاع الرأي العام فبعد ان هاجمت الصحف الغربية، والبريطانية خاصة، السعودية على إعدامها الشيخ النمر وآخرين من المعارضين للسياسة السعودية واعتبروا أن طريقة تنفيذ أحكام الإعدام في المملكة تشبه تصرفات داعش، في قتله لضحاياه.

وفجاة تتراجع عن هذا الهجوم اللاذع حيث نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن صحيفة الإندبندنت، تقريرا يفيد بأن بريطانيا استبعدت السعودية من قائمة تضم 30 دولة تنفذ أحكام الإعدام.

وأكدت الصحيفة اللندنية، بأن صحف بريطانيا تراجعت عن موقفها المهاجم للسعودية بسبب اشتمال قائمة المعدمين على عادل الضبيطي الذي ثبت قتله للمصور البريطاني في شبكة "بي بي سي"، سيمون كامبرز، وإصابة الصحفي فرانك جاردنر بعد إطلاق النيران عليه.

وسارت "الجارديان" على نهج نظيراتها من الصحف الأخرى بتخفيف حدة النقد للسعودية على إعدام النمر، من خلال تصريح السفير البريطاني السابق في السعودية جون جنكنز بأن جميع الأحكام المنفذة لها مبررات وأسباب.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف