البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 18 / 2022  |  1648شبهات "أوري روبين" حول مصدر القرآن الكريم ونقدها -دراسة تحليليَّة نقديَّة لنماذج مختارة من تعليقات ترجمة روبين العبريَّة لمعاني القرآن الكريم وهوامشها-

أحمد صلاح البهنسي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية خريف 2021 م / 1442 هـ
شبهات "أوري روبين" حول مصدر القرآن الكريم ونقدها -دراسة تحليليَّة نقديَّة لنماذج مختارة من تعليقات ترجمة روبين العبريَّة لمعاني القرآن الكريم وهوامشها-

ملخّص

حاز «القرآن الكريم» مكانةً مهمَّةً وبارزةً من بين الاهتمامات والموضوعات المختلفة التي اعتنى الاستشراق الإسرائيليّ بدراستها والتعرُّض لها بالترجمة، والتحليل، والدراسة، والنقد. وهذا ما ظهر جليًّا في إعداد ترجماتٍ عبريَّةٍ مطبوعةٍ وكاملةٍ لمعاني القرآن الكريم صدرت في الكيان الإسرائيليّ، مضافًا إلى كثيرٍ من الكتب والأبحاث والدراسات والمقرَّرات الدراسيَّة حول القرآن الكريم. لذا، لم يكنْ غريبًا وجود عددٍ من المستشرقين والباحثين الإسرائيليِّين المختصِّين في مجال الدراسات القرآنيَّة، حَرَّكَتهم الدوافع الدينيَّة والأيديولوجيَّة وحتَّى العلميَّة، ولعلَّ في مقدِّمتها محاولة تشكيك المسلمين في دينهم وعقائدهم الأساس، ومحاولة الردّ على النقد الإسلاميّ الموجَّه للانحرافات التي شهدتها الديانات الأخرى على أيدي أصحابها[2]؛ إذ كان الدفاع عن العقائد اليهوديَّة التي كانت موضعًا للنقد القرآنيّ، والهجوم على الإسلام وعلى مصادره الرئيسة والتشكيك فيها، ومحاولة إثبات صلته باليهوديَّة من أهمِّ هذه الدوافع[3].

وقد برز من بين هؤلاء المستشرقين الإسرائيليِّين في هذا المجال المستشرق: «أوري روبين»، في ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة العبريَّة، التي تحتوي على نقد وتعليقات على معظم الآيات القرآنيَّة، وهو ما دفع الباحث إلى ترجمتها ونقدها.

المحرِّر


مقدّمة

تكمن أهميّة ترجمة مقدِّمة «أوري روبين» لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة العبريَّة[4]، في احتوائها على كثيرٍ من التعليقات والهوامش مضافًا إلى ملحقين، تحتوي جميعها على نقد وتعليقات على معظم الآيات القرآنيَّة، شملت جميع سور القرآن عدا سورتي «الضحى والعصر»، وبلغ عدد صفحاتها 543 صفحة؛ لذلك فنحن أمام مجلَّدٍ عن القرآن الكريم يحتوي على ترجمةٍ لمعانيه إلى العبريَّة، ونقدٍ لآياته من وجهة نظرٍ استشراقيَّة إسرائيليَّة، من خلال التعليقات الهامشيَّة على الآيات القرآنيَّة، وهو ما جعل من الضروريّ نقد هذه التعليقات والحواشي المليئة بالفرضيَّات؛ للتمييز بين ما هو علميّ وموضوعيّ، وما هو غير ذلك منها.

إلى التعليقات والهوامش الموجودة في حواشي ترجمة «روبين»، فقد جمعت بين كونها تعليقات تفسيريَّة توضح مرئيَّات المترجم، وكونها تعليقات شارحة مكمِّلة للترجمة، حاول من خلالها المترجم شرح عددٍ من الألفاظ والآيات القرآنيَّة والتعليق عليها.

ورد في تعليقات «روبين» وهوامشه عددٌ من الشبهات حول الآيات القرآنيَّة، تمحورت حول ردِّ الآيات القرآنيَّة إلى مصادر خارجيَّة غير أصيلة؛ هي المصادر اليهوديَّة والنصرانيَّة والوثنيَّة، وهي الشبهة الأساس المتعلِّقة بمصدر القرآن الكريم، والتي صاحَبَهَا بشبهات أخرى تتعلَّق بإسقاط «روبين» لمفاهيم سياسيَّة وفكريَّة معيَّنة على الآيات القرآنيَّة، تخدم أيديولوجيَّته الاستشراقيَّة الإسرائيليَّة.    

وفي ما يأتي نقدٌ لشبهات «روبين» حول عددٍ من الآيات القرآنيَّة التي تمَّ اختيارها؛ لتحليلها ونقدها بشكل علميّ وموضوعيّ، وذلك على النحو الآتي:

أوَّلًا: شبهة «روبين» بردِّ القرآن الكريم إلى مصادر «يهوديَّة» ونقدها:

1. شبهة «روبين» بردِّ قصص القرآن الكريم إلى مصادر يهوديَّة ونقدها -قصَّة آدم وزوجه أنموذجًا-:

تعرَّض «روبين» لقصَّة آدم وحوَّاء، من خلال تعليقاته على عدد من الآيات القرآنيَّة الواردة في كلٍّ من: سورة البقرة، سورة الأعراف، وسورة طه؛ إذ ردَّ أجزاء من هذه القصَّة إلى أجزاء واردة في التوراة والأجادا[5]. فعلَّق على الآية 31 من سورة البقرة ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، بردِّها إلى كتاب الأجادا، 11 (من خلال بسيكتا ربتي، 14 ومدراشيم أخرى)[6] :“قال الحاخام أحاي: في الوقت الذي كان يخلق فيه الربّ آدم، جمع الملأ الأعلى، وقال لهم: سأخلق إنسانًا. قالوا له: وهذا الإنسان ما طبيعته؟ قال لهم: حكمته ستكون أكثر منكم. ماذا فعل الربّ بعد ذلك؟ جمع كلَّ البهائم الحيَّة والطيور أمام الملائكة. قال لهم: ما أسماء هؤلاء؟ ولم يعرفوا. وبعد أن خلق الإنسان الأوَّل “آدم” جمع كلَّ البهائم الحيَّة والطيور أمامه. قال له: ما أسماء هؤلاء؟ قال “آدم” هذا من المستحسن أن يُدعى ثورًا، وهذا حمارًا، وهذا حصانًا، وهذا نملًا، وهذا أسدًا، وهذا نسرًا، وهكذا لكلِّ البهائم والطيور. ثمَّ قال له الربّ: وأنت ما اسمك؟ قال له: أنا من المستحسن أن أُدعى آدم، ولماذا؟ لأنَّني خُلقت من أديم الأرض. وأنا ما اسمي؟ قال له: أنت من الأفضل أن تدعى “سيدي” ولماذا؟ لأنَّك أنت سيِّد كلّ مخلوقاتك”. 

أمَّا الآية 35 من السورة نفسها ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾، فقد ردَّها «روبين» إلى سفر التكوين، 2/ 17، مضيفًا أنَّ المفسِّرين المسلمين يقولون: إنَّ المقصود هو القمح أو نوعٌ آخر مثل العنب أو الليمون أو التين، رادًا ذلك إلى كتاب الأجادا، 16- 17 (من خلال براشيت ربا، 16)[7]: “شجرة الحياة هي الشجرة المتجذِّرة بها كلّ صنوف الحياة، قال الربّي يهودا بر العاي: شجرة الحياة كلّ مياه الخلق تتجمَّع وتخرج من تحتها”.

كما علَّق على الآية 36 من السورة نفسها أيضًا ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، بالقول: «إنَّ هناك مَنْ يُفسِّرون أنَّ النداء أيضًا لإبليس، أي إنَّ العداء سيكون بين الشيطان وبين بني الإنسان، كما قيل في سفر التكوين، 3/ 15 على العلاقة بين الإنسان والحيَّة[8] (وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ). 

أمَّا الآية 19 من سورة الأعراف ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْها حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، فقد ردَّها إلى التعليق الوارد على الآية 35 من سورة البقرة[9]. وكذلك ردَّ الآية 24 من السورة نفسها
﴿قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ إلى التعليق على الآية 36 من سورة البقرة[10].

وبالنسبة إلى الآية 123 من سورة طه ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾، فقد أحالها «روبين» إلى التعليق الوارد على الآية 36 من سورة البقرة[11].

ويمكن تقسيم تعليقات «روبين» على الآيات القرآنيَّة التي وردت فيها قصَّة آدم وحواء ومناقشتها والردّ عليها، على النحو الآتي:

خلق آدم وتعليمه الأسماء:

يشمل هذا القسم تعليق “روبين” على الآية 31 من سورة البقرة، فعلى الرغم من اتِّفاق الآية القرآنيَّة مع نصِّ الأجادا الذي ردَّه “روبين” إليها، في تعليم آدم للأسماء من قبل الذات الإلهيَّة، لكنَّنا نلحظ فرقًا واضحًا ومتكرِّرًا بين الآيات القرآنيَّة والنصوص الدينيَّة اليهوديَّة، يتمثَّل في استغراق الأخيرة في التفاصيل، في حين أنَّنا نجد الآيات القرآنيَّة دائمًا ما توجز وتُجمل للوصول إلى الفائدة والعظة المرجوَّة، من دون الدخول في تفاصيل غير مفيدة.

ويلاحظ -أيضًا- أنَّ نصَّ الأجادا تُسيطر عليه ما يسمِّيه علماء الكتاب المقدَّس بأسطورة الأصل myth of origin)) أو الأسطورة التعليليَّة التبريريَّة
 (a etiological myth)[12]، وهي الظاهرة الموجودة بقوَّة في نصوص العهد القديم (المقرا)، لكن من خلال تحليل هذا النصّ من الأجادا يمكن القول -أيضًا- إنَّها موجودة في الأجادا وبقوَّة؛ إذ إنَّ النصَّ يورد تفسيرًا أو تحليلًا لكثير من الأسماء المطروحة فيه؛ فمثلًا نجد أنَّ آدم سُمِّي بهذا الاسم لأنَّه خلق من האדמה  أي أديم الأرض[13]. وفي المقابل لا توجد هذه الظاهرة سواء في الآية القرآنيَّة محلّ المقارنة، أو في القرآن الكريم عمومًا. 

الأكل من الشجرة وخروج آدم من الجنّة: 

يشمل هذا القسم تعليقات “روبين” على الآيتين 35 و 36 من سورة البقرة والآية 19 من سورة الأعراف، والآية 123 من سورة طه.

ونجد -أيضًا- الملاحظة المتكرِّرة نفسها المتمثِّلة في استغراق النصّ الدينيّ اليهوديّ في التفاصيل مقابل الإيجاز في النصّ القرآنيّ.

كما يُلاحظ -أيضًا- استغلال “روبين” للإسرائيليَّات الواردة في عددٍ من التفاسير التي اعتمد عليها في تعليقاته على الآيات القرآنيَّة؛ وذلك بهدف نسبة عددٍ من الآراء والتفسيرات الواردة في التعليقات إلى المفسِّرين المسلمين؛ بما يظهر وجود تطابقٍ بينها وبين المصدر اليهوديّ الذي يردُّ إليه الآية القرآنيَّة. والمثال على ذلك تعليقه على الآيتين 35 و 36 من سورة البقرة؛ إذ نسب إلى المفسِّرين أنَّ الشجرة الواردة في الآيتين هي شجرة الخطيئة أو الليمون أو التين، وهي معلومات وردت في الإسرائيليَّات في هذه التفاسير وتطابقت مع بعض ما جاء في المصادر الدينيَّة اليهوديَّة[14].

وعلى العموم، فإنَّ القصَّة القرآنيَّة عن آدم وزوجه تختلف في صياغتها ودلالاتها عن القصَّة نفسها الواردة في التوراة والأجادا، وذلك على الرغم من التشابه بين القصَّتَيْن في خطوطهما العريضة[15].

فالقصَّة القرآنيَّة تبدأ قبل خلق الله لآدم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[16]، ولم تهدف إلى إثبات خطيئة آدم التي أقرَّتها التوراة[17] وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ أَذْعَنْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ، وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا، فَالأَرْضُ مَلْعُونَةٌ بِسَبَبِكَ وَبِالْمَشَقَّةِ تَقْتَاتُ مِنْهَا طَوَالَ عُمْرِكَ».

كما أنَّ القصَّة القرآنيَّة تذكر -أيضًا- الأفضليَّة التي وهبها الله -عزَّ وجلّ- لآدم بتعليمه الأسماء كلها ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَة فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[18]، وهو ما لم نجد له أثرًا في القصَّة التوراتيَّة، وكان ذلك هو السبب في أن يلجأ «روبين» إلى نصٍّ ديني يهوديٍّ آخر؛ وهو الأجادا؛ حينما لم يجد ما يتشابه مع النصِّ القرآنيّ في هذه الجزئيَّة من قصَّة آدم من بين نصوص العهد القديم (المقرا)، فلجأ إلى الأجادا التي هي متأخِّرة من حيث تاريخ ظهورها وجمعها وتدوينها عن القرآن الكريم؛ ما يعني أنّ احتمال تأثَّرها وأخذها من النصِّ القرآنيّ أكبر بكثير من احتمال العكس. 

ونلاحظ -أيضًا- أنَّ قصَّة آدم القرآنيَّة تنتهي بوعيه لأخطائه وتحمُّله لمسؤوليَّاته، وهما  أساس تصالحه مع ربِّه ورضا الله عنه[19]: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[20]، و﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولًا﴾[21].

وأمَّا بالنسبة إلى القصَّة في التوراة، فيُلاحظ عليها أنَّ ثمّة تناقضًا حول قصَّة خلق آدم بين الإصحاحين الأوَّل والثاني من سفر التكوين؛ ففي الإصحاح الأوَّل يَرِد أنَّ الله خلق في اليوم السادس كثيرًا من الكائنات الحيَّة التي تعيش على الأرض أو في الماء أو في الهواء، ثمَّ خلق آدم وحواء، أمَّا في الإصحاح الثاني فنجد أنَّ الله خلق الإنسان أوَّلًا، ثمَّ خلق صنوف الحيوانات، وبعد ذلك حواء. ومن هنا، فإنَّ النظام الذي خُلِقت عليه الكائنات معكوس بين الإصحاحين، وهو ما يفسِّره عالم الإنثروبولوجيا «جيمس فريزر» في كتابه «الفولكلور في العهد القديم» بأنَّ التوراة استخدمت مصدرين مختلفين، ثمَّ تمَّ الجمع بين القصَّتين في سفر التكوين دون مواءمة بينهما[22].

ولعلَّ هذا التناقض في الرواية التوراتيَّة للقصَّة يثير تساؤلًا حول حقيقة اقتباس النصِّ القرآنيّ بنصٍّ توجد فيه تناقضات واضحة وبارزة حول قصَّة واحدة، أو تأثُّره به، في حين أنَّ النصَّ القرآنيَّ يعتمد روايةً واحدةً؛ ما يؤشِّر إلى أصالته واستقلاليَّته وخصوصيَّته واستمداده واعتماده على مصدر واحد.

وفي نهاية هذا الجزء، تجدر الإشارة -كذلك- إلى أنَّ ثمّة اختلافًا كبيرًا بين القصص في القرآن الكريم؛ سواء من حيث المفهوم أو العناصر أو السمات[23]، عن القصص في العهد القديم؛ سواء في عناصرها أو في أغراضها[24].

وبهذا يتَّضح أنَّ القصص القرآنيّ يتَّسم ويتميَّز وينفرد عن القصَّة التوراتيَّة بأنَّ القصَّة القرآنيَّة تمتزج بموضوعات السورة التي ترد فيها امتزاجًا عضويًّا لا مجال فيه للفصل بينها وبين غيرها من موضوعات السورة، بحيث لو حذفنا القصة من موقعها الوارد في السورة لاختلَّ المعنى؛ لأنَّ القصَّة تسهم في بيان مضمون النصّ وإيضاحه للقارئ، فلو حذفنا -على سبيل المثال- قصّة الغراب التي وردت في أثناء الحديث عن قصَّة ابني آدم (قابيل وهابيل) لما استقام المعنى؛ لأنّ الغرض من ذكر الغراب كان لحكمة إلهيَّة في بيان حكمة دفن الموتى[25].

كما تمتاز القصَّة القرآنيَّة بالبداية المشوِّقة، والميل إلى اختيار الألفاظ القليلة ذات المعاني والدلالات الكثيرة، وتنوُّع الصيغ، واستخدام التعليقات التي تلخِّص مغزى القصَّة التي تسبق سرد أحداث القصَّة، أو تلحق السرد، أو تأتي خلاله؛ لتفسِّر أسباب تلك الأحداث[26].

ويختلف نوع القصص في القرآن الكريم عن أنواع القصص في التوراة (العهد القديم)؛ ففي القرآن الكريم تنقسم القصص إلى ثلاثة أنواع؛ هي:

- قصص الأنبياء

- قصص تتعلَّق بحوادث غابرة

- قصص تتعلَّق بحوادث وقعت زمن الرسول[27].

 أمَّا القصص التوراتيَّة (قصص العهد القديم)، فتنقسم إلى أربعة أنواع؛ هي:

- القصَّة التاريخيَّة

- القصَّة السببيَّة

- قصص المعجزات

- القصص الأخلاقيَّة[28]

وأبرز ما تتَّصف به القصَّة القرآنيَّة وتتميّز به عن القصَّة التوراتيَّة أيضًا؛ هو أنَّ القصَّة القرآنيَّة تتناسب مع غايات التنزيل الإلهيّ، وهي غايات كثيرة، لكنَّها تتلخَّص في إثبات الوحي الإلهيّ ووحدانيَّة الله وقدرته[29]، في حين أنَّ القصص التوراتيَّة جاءت لتبرز أنماط حياة الآباء وسلوكيَّاتهم وأخلاقيَّاتهم، حتّى يقتدي بها اليهود[30].

ومن حيث الأهداف، فإنَّ القصَّة القرآنيَّة تهدف إلى بيان قضايا دينيَّة بحتة وإثباتها، وعلى رأسها إثبات الوحي الإلهيّ والرسالة الربّانيَّة والتأكيد على حقّانيّة تعاليمها[31]. أمَّا القصَّة التوراتيَّة فتهدف إلى التعليم والممارسة، مضافًا إلى الأهداف التربويَّة والتعليميَّة وإثبات أنَّ حياة الإنسان تسير بين النجاح والخطأ[32].

كما يوجد اختلاف واضح في «السرد» بين القصَّة القرآنيَّة وبين القصَّة التوراتيَّة؛ فالسرد في القصَّة القرآنيَّة يضع القصَّة في إطارٍ دينيّ، تنفذ معه أشعّةٌ روحيَّةٌ إلى النفوس ببيان العبرة الأخلاقيَّة والتربويَّة التي من أجلها أنزل الله القصَّة. أمَّا السرد في القصَّة التوراتيَّة فيغرقها في كثيرٍ من التفاصيل والأحداث المسْهَبِ فيها دون فائدة[33].

كما أنَّ الهدف من «تكرار» القصَّة في التوراة يختلف عن الهدف من تكرارها في القرآن الكريم؛ فالقصَّة التي تتكرَّر في التوراة يُلاحظ أنَّها تُقدِّم خبرًا يُناقض الخبر في القصَّة الأولى، ومن أمثلة ذلك قصَّة موطن إبراهيم، وقصة إنقاذ يوسف، وكذلك قصَّة بيعه. أمَّا التكرار في القصَّة القرآنيَّة، فيختلف باختلاف الأسلوب الذي تتكرَّر فيه القصَّة، لكنَّه لا يخرج عن الغرض الدينيّ[34].

2. شبهة ردّ «عقائد» القرآن الكريم و «تشريعاته» و «ألفاظه» إلى مصادر يهوديَّة ونقدها:

أ. العقيدة -القضاء والقدر أنموذجًا-

علّق «روبين» على الآية 39 من سورة الرعد ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، بالقول: «إنَّ المفسِّرين يفسِّرونها بمعنى محو اسم الإنسان من كتاب المصائر السماويّ مع موته، أي إنَّ الله يحدِّد مَنْ يُحكم عليه بالموت ومن يستمرّ بالحياة»، رادًا ذلك إلى سفر الخروج (32/ 32): «فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ»[35].

يتركَّز التشابه بين الآية القرآنيَّة والفقرة التوراتيَّة في أنَّ كليهما يتعرَّض لموضوعٍ مرتبطٍ بالعقيدة؛ فالآية القرآنيَّة تؤكِّد على ترسيخ عقيدة سيطرة الله على القدر، ومقدرته على محو ما يشاء أو إثبات ما يشاء. وكذلك تتعرَّض الفقرة لعقيدة قدرة الإله على قبض روح الإنسان، وتأتي في إطار الحديث عن انحراف عقديّ لدى قوم موسى بعبادتهم إلهًا من ذهب وتركهم عبادة الربّ[36].

لكنْ على الرغم من هذا التشابه، ثمّة اختلافٌ واضحٌ في سياق كلٍّ من الآية القرآنيَّة والفقرة التوراتيَّة؛ فالآية القرآنيَّة تأتي في سياق الحديث القرآنيّ عن الكتب السماويَّة التي ينزلها الله ويتحكَّم هو فيها، وعن استحالة تدخُّل الرسل من تلقاء أنفسهم فيها[37]. أمَّا الفقرة في سفر الخروج، فتأتي في سياق عبادة قوم موسى لإلهٍ من ذهب، ومحاولة موسى الاستغفار لهم[38].

ويُلاحظ -أيضًا- أنَّ تعليق «روبين» على الآية اعتمد على تفسيرٍ واحد، محاولًا مواءمته أو موافقته مع الفقرة التوراتيَّة، فمن بين الأقوال الكثيرة التي ذكرت في تفسير الآية، اختار القول الذي يفسِّر الوحي بالموت، وهو التفسير الذي يتواءم أو يتَّفق مع نصٍّ الفقرة التوراتيَّة التي ورد فيها «מחני־נא" (امحني)، والتي تعني أنَّ المحو هو الإهلاك أي الموت؛ فقد ذكر ابن الجوزي في تفسير زاد المسير -وهو من التفاسير التي اعتمد عليها "روبين" كما ذكر في مقدِّمة ترجمته- أنَّ المفسّرين اختلفوا على ثمانية أقوال حول تفسير "يمحو ويثبت" الواردين في الآية، وكان القول الخامس من بين هذه الأقوال هو أنّ المقصود به الموت وتحديد الآجال[39].   

وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ معنى الموت في القرآن الكريم مختلف تمامًا عمَّا أورده "روبين" في تعليقه، فالمتتبِّع للآيات التي وردت فيها المعاني المختلفة للموت في القرآن الكريم لا يجد بينها ما يعني أنَّه المحو من الكتاب[40].

من ناحية أخرى، نجد أنَّ تفسير "المحو من الكتاب" الوارد في هذه الفقرة التوراتيَّة هو في الأساس تفسيرٌ نصرانيٌّ وليس تفسيرًا يهوديًّا[41]. هذا، مضافًا إلى أنَّ مفهوم الموت في العهد القديم لا يَرِدُ بمعنى المحو من الكتاب؛ إذ إنَّ له معاني أخرى مختلفة تمامًا[42].

من خلال ما سبق، يمكن استنتاج أنَّ شبهة "روبين" هذه مبنيَّةٌ في الأساس على وجود تشابهٍ لفظيٍّ بين "يمحو" و "أمّ الكتاب" في الآية القرآنيَّة، وبين (מחני־נא) أي "امحني" و (ספרך) أي "كتابك" الوارد في الفقرة التوراتيَّة، وهو الأمر الذي يُمثِّل سمة شائعة من سمات منهج "روبين" في تعليقاته على الآيات القرآنيَّة.     

وبوجه عامّ، يمكن القول إنَّ البناء العقديّ في اليهوديَّة يتشابه في أساساته وأصوله مع البناء العقديّ في الإسلام، من حيث توحيد الإله ومفهوم الوحي الإلهيّ، ولكنَّ العقيدة اليهوديَّة شابها كثيرٌ من الانحراف المتمثِّل بعبادة الأوثان؛ مثل: عبادة العجل؛ مضافًا إلى فكرة حلول روح الربّ في الأنبياء؛ باعتباره وسيلة للوحي، وهي فكرة لا وجود لها في القرآن الكريم، ومرفوضةٌ إسلاميًّا[43].

ويذكر -أيضًا- أنَّ البناء العقديّ في اليهوديَّة تعرَّض لتطوُّر كبير على أيدي أحبار اليهود وفلاسفتهم، وكان هذا التطوّر منقسمًا إلى نوعين: منه ما هو على الصعيد الذاتيّ اليهوديّ، ومنه ما هو على صعيد المؤثِّرات الخارجيَّة المادِّيَّة والثقافيَّة[44]، ومن أهمِّها التأثيرات البابليَّة؛ وذلك بعدما مكث اليهود في السبي البابليّ ما بين 50-70 سنةً، كانت كفيلة بترك أثرٍ واضحٍ في العقيدة اليهوديَّة، وكان من أهمّ مظاهرها: عبادة الآلهة الوثنيَّة البابليَّة، ودمج الحسّ العقديّ بالحسّ السياسيّ[45].

ب. التشريعات -تحريم أكل الدم أنموذجًا-

تعرَّض “روبين” إلى تشريع تحريم أكل الدم في الإسلام من خلال تعليقه على الآية 173 من سورة البقرة: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾؛ إذ علَّق على كلمة «الدم» بالقول: المقصود الدم الذي ينزل من الأعضاء التي فيها دم، فقد قيل إنَّ عبدة الأصنام اعتادوا على جمع الدم في أواني طهي وطبخه، لكنّ تحريم الآية القرآنيَّة لا ينطبق على الدم المختلط بالأعضاء الداخليَّة؛ مثل الكبد والطحال. ويشبه ذلك الفرض المقرائيّ[46] لسكب الدم الخاصّ بالقرابين على الأرض وعدم أكله (مثلًا: سفر التثنية، 12/ 16، 23-25)[47]، وفي موضع آخر: «16 وَأَمَّا الدَّمُ فَلاَ تَأْكُلُوهُ، بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الأَرْضِ كَمَا تَسْكُبُونَ الْمَاءَ»، وكذلك قال: «23 لَكِنْ إِيَّاكُمْ وَأَكْلَ الدَّمِ، لأَنَّ الدَّمَ هُوَ النَّفْسُ، فَلاَ تَأْكُلُوا النَّفْسَ مَعَ اللَّحْمِ. 24 لاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ بَلِ اسْكُبُوهُ عَلَى الأَرْضِ كَمَا يُسْكَبُ الْمَاءُ. 25 لاَ تَأْكُلُوهُ، لِتَنْعَمُوا أَنْتُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ بِالْخَيْرِ، إِذْ صَنَعْتُمُ الْحَقَّ فِي عَيْنَيِ اللهِ».

يُلاحظ بالفعل أنَّ ثمّة تشابهًا كبيرًا وقويًّا بين الآية القرآنيَّة ومضمونها التشريعيّ، والنصوص التوراتيَّة وما تحتويه من أحكام تشريعيَّة تتعلَّق بتحريم أنواعٍ معيَّنةٍ من الأطعمة.

ولا شكَّ في أنَّ هذا التشابه ينبع بالأساس من وجود تشابهٍ عامّ بين الإسلام واليهوديَّة في ما يتعلَّق بتشريعات الأطعمة الحلال والحرام؛ إذ إنَّه لا اختلاف يُذكر بين تشريعات الديانتين إلَّا في الجمل والأرنب والوبر والضبّ، وقد حرَّمتها اليهوديَّة وأحلَّها الإسلام، في حين تتشابه شريعتا الديانتين في بقيَّة المحرَّمات؛ ويأتي في مقدّمتها تحريم أكل الدم، وهو ما يتَّضح عند عقد مقارنة بين النصوص التوراتيَّة الواردة فيها تشريعات الأطعمة الحلال والحرام[48]، والتشريعات الإسلاميَّة حول الأطعمة الحلال والحرام الواردة في النصوص القرآنيَّة[49].

بالنسبة إلى تحريم أكل الدم تحديدًا، فقد ورد في القرآن الكريم في أربعة مواضع[50]. أمَّا في العهد القديم فقد ذُكر في الإصحاح 12 من سفر التثنية، وفيه تشريع تحريم أكل الدم، وتعليل ذلك بأنَّ الدم لا يؤكل بل يُسفك لأنَّ الدم هو النفس.

انطلاقًا ممَّا سبق، وعلى الرغم من تشابه التشريعات الإسلاميَّة واليهوديَّة في الأطعمة المحرَّمة، لكنْ ثمَّة اختلافات عدَّة في تحريم أكل الدم تحديدًا؛ فالتشريع الإسلاميّ الوارد في القرآن يحتوي على استثناء الاضطرار الذي يلغي التشريع، ويحلّ أكل هذه المحرَّمات في هذه الحالة الاستثنائية، وهو ما يغيب عن التشريع اليهوديّ. كما أنَّ التوراة حرَّمت أكل الدم بعلِّة أنَّه النفس، وهو ما يتناقض مع ما توصَّل إليه العلم الحديث من أنَّ الحياة وسببها لا يكمن في الدم؛ وإنَّما في الماء؛ ذلك أنَّ أيّ خليَّة حيَّة مهما كانت صغيرة، مثل الأميبا، تتكوَّن من الماء بنسبة تتراوح ما بين 15% إلى 70%[51]. وهذه الحقيقة العلميَّة نجدها متوافقة تمامًا مع ما جاء في القرآن الكريم ﴿وجعلنا من الماء كلَّ شيء حي﴾[52].

ومن ناحية أخرى، أوردت الموسوعة المقرائيَّة في مادَّة «الدم» أنَّ مساواة الدم بالنفس ليس مفهومًا إسرائيليًّا خالصًا أو أصيلًا، بل كان منتشرًا بين الشعوب القاطنة في الشرق الأدنى القديم (الآشوريِّين، البابليِّين، العرب)، وأنَّ هذا المفهوم كان شائعًا -في الأساس- في عديدٍ من الأساطير البابليَّة التي تتحدَّث عن خلق الإنسان من دم، مثل أسطورة الإله مردوخ الذي قطع رأس أوب كنجو ومن دمه السائل خلق الإنسان. كما أنَّ النصوص الدينيّة البابليَّة والآشوريَّة تتحدَّث عن أنّ سفك الدم هو رمز للموت؛ وهو ما يمكن مقارنته بالنصوص حول كهنة البعل في سفر الملوك الأوَّل، 18 –21 [53].

تضيف الموسوعة تحت العنوان نفسه، أنَّ تشريع تحريم أكل الدم عند الإسرائيليِّين جاء -في ما يبدو- اعتراضًا على عادات الكنعانيِّين باستخدام الدم وتجميعه للسحر[54].

يُلاحَظ كذلك أنَّ التشريع القرآنيّ حول تحريم أكل الدم اتَّسم بسمتين: التدرُّج والإضافة، ولم يرد أو ينزل دفعة واحدة. فكلّ آية من آيات تحريم أكل الدم جاءت بإضافة جديدة على الرغم من أنّها تتشابه في تحديد المحرَّمات من الطعام، فالآية 145 من سورة الأنعام وصفت الدم المحرَّم بأنَّه المسفوح، في حين أنَّ الآية 173 من سورة البقرة جاءت باستثناء الاضطرار، بينما ذكرت الآية 3 من سورة المائدة تفصيلًا للمحرَّمات ومن بينها الدم[55]. أمَّا في التشريع اليهوديّ فلا نجد مثل هذا التدرُّج والإضافة.

تجدر الإشارة -أيضًا- إلى أنَّ تشريع تحريم أكل الدم لم يكن موجودًا عند اليهود فقط، بل كان موجودًا -أيضًا- عند الصابئة والأحناف الذين كانوا منتشرين في شبه الجزيرة العربيَّة أيضًا[56]، ولدى ديانات وحضارات أخرى في شبه الجزيرة العربيَّة؛ وهو ما يطرح تساؤلًا عن سبب اتِّهام القرآن على وجه الخصوص بالتأثُّر أو باقتباس هذا التشريع من الشريعة اليهوديَّة تحديدًا على الرغم من عدم كونه أصيلًا بها؟!

ج- على مستوى اللغة ـكلمة «حطَّة» أنموذجًا ـ

ردَّ «روبين» أصول سبع كلمات قرآنيَّة إلى اللغة العبريَّة التي تعدُّ اللغة الأكثر تعبيرًا وارتباطًا باليهوديَّة؛ إذ كانت اللغة الأساس التي كتب بها كلٌّ من العهد القديم والتلمود[57]، ومن بينها كلمة «حطَّة»؛ إذ أشار -في ثنايا تعليقه على الآية 58 من سورة البقرة: ﴿وَإِذ قُلنَا ٱدخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلقَريَةَ فكُلُواْ مِنهَا حَيثُ شِئتُم رَغَدًا وَٱدخُلُواْ ٱلبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغفِر لَكُم خَطَـٰيَـٰكُم‌ وَسَنَزِيدُ ٱلمُحسِنِينَ﴾- إلى أنَّ كلمة «حطَّة» تظهر في العربيَّة كصورتها في العبريَّة[58].

وبهذا نجد روبين يذهب مذهب كلٍّ من (Hirscfeld) و (Leszynsky) و (Sacy) الذين اقترحوا أصلًا عبريًّا للكلمة[59].

يمكن القول إنّ هذا الكلام يجانبه بعض الصواب في حال اعتبار معنى الكلمة “قولوا أخطأنا”؛ أي من باب الاعتراف بالذنب الذي يثابون عليه بالغفران، وهو ما يتَّفق مع سياق الكلمة في الآية الكريمة، وعندئذٍ تكون اللفظة تعريبًا للفظة العبريَّة חֵטְא، والتي لا تخصّ العبريَّة وحدها، بل تعدُّ من المشتركات بين اللغات الساميَّة[60]، بل قد أشار اللغويّ اليهوديّ الشهير أبرهام بن شوشان في معجمه للّغة العبريَّة أنَّ للكلمة صورة هي חִטָא، وهي كلمة عربيَّة الأصل[61].

هذا، مضافًا إلى أنَّ الكلمة في جذرها تعدُّ من الكلمات العربيَّة الأصيلة المنسوبة إلى "العربيَّة الشماليَّة"؛ فـ "حِطْطَة" على وزن "فِعْله" من حطّ الشيء يحطّه إذا أنزله وألقاه، وجاءت في النصِّ القرآنيّ اتِّساقًا مع معنى أنَّه قيل لبني إسرائيل قولوا "حطَّة"؛ كي يحطّوا بها أوزارهم؛ فتحطّ عنهم[62].

ثانيًا: شبهة «روبين» بردِّ القرآن الكريم إلى مصادر «نصرانيَّة ووثنيَّة» ونقدها

1. شبهة ردِّ «قصص» القرآن الكريم إلى مصادر نصرانيَّة ووثنيَّة ونقدها -قصَّتا مريم والخضر-

أ- قصَّة مريم

ردَّ «روبين» -خلال تعليقه على عددٍ من الآيات القرآنيَّة- أجزاءً من قصَّة مريم إلى مصادر نصرانيَّة مختلفة؛ منها ما ذكرها صراحة وحدَّدها، ومنها ما لم يذكرها ولم يُحدِّدها؛ فقد أشار «روبين» في تعليقه على الآية 35 من سورة آل عمران ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، إلى أنَّ قصَّة ولادة مريم موجودة في مصادر نصرانيَّة غير متضمَّنة في العهد الجديد، وأنَّ اسم أمّ مريم هو «حنّة»[63].    

أمَّا الآية 44 من السورة نفسها ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾، فقد أشار «روبين» إلى أنَّها رمز لقصَّة نصرانيَّة غير متضمَّنة في العهد الجديد أيضًا، وأنَّها قُصَّت -أيضًا- من قِبَل المفسِّرين المسلمين، ووفقًا لها -أي القصَّة الواردة لدى المفسِّرين المسلمين- فإنَّ المتنافسين على حقّ تبنِّي مريم ألقوا بعصيّهم إلى مياه نهر الأردن، وكان الفائز صاحب العصا التي طفت على سطح الماء[64].

كما علَّق «روبين» على الآية 45 من السورة نفسها -أيضًا-: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾، بردِّها إلى لوقا، 1/ 26-56[65] الوارد فيه: «26 وَفِي شَهْرِهَا السَّادِسِ، أُرْسِلَ الْمَلاَكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ قِبَلِ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ بِالْجَلِيلِ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ، 27 إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ، مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28 فَدَخَلَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهَا: «سَلاَمٌ، أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! الرَّبُّ مَعَكِ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ بَيْنَ النِّسَاءِ». 29 فَاضْطَرَبَتْ لِكَلاَمِ الْمَلاَكِ، وَسَاءَلَتْ نَفْسَهَا: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ!» 30 فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، فَإِنَّكِ قَدْ نِلْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ! 31 وَها أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32 إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33 فَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَنْ يَكُونَ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ...».

أمَّا الآية 50 من سورة المؤمنون: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾، فقد علَّق «روبين» على كلمة «ربوة» بالإشارة إلى أنَّها ربَّما تكون رمزًا لقصَّة نصرانيَّة حول هروب عيسى وأمّه، لكن هناك من ينسبون الربوة إلى القدس أو دمشق[66].  

لمناقشة تعليقات «روبين» ونقدها، يمكن تقسيمها إلى قسمين:

- الأوَّل: يتضمَّن الآيتين 35 و 44 من سورة آل عمران، والآية 50 من سورة المؤمنون.

- والثاني: يتضمَّن الآية 45 من سورة آل عمران.

في القسم الأوَّل نجد أنَّ «روبين» قد كرَّر فيها -أيضًا- إشكاليَّة عدم تحديد مصدر نصرانيّ معيَّن يمكن الوقوف عليه للتثبُّت من صحَّة آرائه، بل إنَّه أطلق الكلام على عواهنه دون تحديدٍ، ما يتناقض مع أصول الموضوعيَّة العلميَّة.

أمّا القسم الثاني من تعليقات «روبين»، فبمقارنةٍ بين الآية القرآنيَّة ونصّ إنجيل لوقا، نجد أنَّ ثمّة عدَّة أوجه شبه واختلاف بينهما.

أمّا أوجه الشبه فيمكن إجمالها في الآتي:

- ذكر الآيات القرآنيَّة والنصّ الإنجيليّ لحمل زوجة زكريا على الرغم من أنَّها كانت عاقرًا؛ فقد جاء في النصّ القرآنيّ: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء 38 فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّن اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًا مِّنَ الصَّالِحِينَ قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَال كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾[67]، وجاء في إنجيل لوقا: «5 كَانَ فِي زَمَنِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا، مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَزَوْجَتُهُ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. 6 وَكَانَ كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، يَسْلُكَانِ وَفْقاً لِوَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ كُلِّهَا بِغَيْرِ لَوْمٍ. 7 وَلكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا وَكِلاَهُمَا قَدْ تَقَدَّمَا فِي السِّنِّ كَثِيرًا... 13 فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَزَوْجَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يُوحَنَّا...»[68].

- اتِّفاق سياق القرآن[69] مع سياق النصِّ الإنجيليّ[70] في الحديث عن بشارة مريم بالحمل بجنين واستنكارها هذا؛ نظرًا إلى أنَّها ليست على علاقة مع أيِّ رجل، وأنَّ هذا المولود سيكون له شأنٌ عظيم.

أمَّا أوجه الاختلاف، فهي جوهريَّة للغاية، وتتلخَّص في:

 - ذكر النصّ الإنجيليّ أنَّ هذا المولود سيكون هو ابن الربّ «35 فَأَجَابَهَا الْمَلاَكُ: «الرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُدْرَةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. لِذلِكَ أَيْضًا فَالْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ»[71]. وهو ما لم يُذكر في النصّ القرآنيّ، بل إنَّه يتنافى تمامًا مع الرؤية القرآنيَّة والإسلاميَّة لعيسى(عليه السلام) ولعقيدة النصارى في تأليهه أو جعله ابنًا للإله أو ثالث ثلاثة من الآلهة: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ...﴾[72].

- ذكر النصّ الإنجيليّ أنَّ مريم كانت مخطوبة لشخصٍ يُدعى يوسف «27 إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ، مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ»[73]، وهو ما لم يظهر في الآيات القرآنيَّة.

- تحديد النصّ الإنجيليّ للملاك الذي بشَّر مريم، بأنَّه الملاك جبرائيل «26 وَفِي شَهْرِهَا السَّادِسِ، أُرْسِلَ الْمَلاَكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ قِبَلِ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ بِالْجَلِيلِ اسْمُهَا النَّاصِرَةُ»[74]. أمَّا الآية القرآنيَّة فذكرت أنَّها ملائكة: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ...﴾[75] من دون تحديد.

- انفراد النصّ الإنجيليّ في ذكر أنَّ عيسى سيكون له ملك داوود ويعقوب «32 إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيَمْنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33 فَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَنْ يَكُونَ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»[76]. وهو ما يتنافى مع الواقع التاريخيّ؛ إذ لم يتبوَّأ المسيح أيَّ ملك، بخلاف داوود الذي كان ملكًا، كما أنَّ المسيح لم يملك على بيت يعقوب؛ أي بني إسرائيل تمامًا[77].

بوجه عامّ، نجد أنَّ العهد الجديد والقرآن الكريم يتَّفقان على وضع مريم العذراء في مكانةٍ خاصَّة بين نساء العالمين، ويتَّفقان -أيضًا- على عدم تحديد ميلادها، وعلى أنَّها حملت بالمسيح وولدته وهي عذراء، كما يتَّفقان على عدم ذكر شيءٍ عن وفاتها[78]. ومع ذلك فإنَّ العهد الجديد والقرآن الكريم يختلفان حول مريم في عدَّة أمور، يمكن إجمالها في الآتي:

- يعدّ العهد الجديد مريم من نسل داوود، ويعدّها القرآن من آل عمران، وعلى الرغم من قرابة النسلين؛ فإنَّ ثمّة اختلافًا في عدد الأجيال وترتيب الأشخاص.

- يذكر القرآن قصَّة نذر أم مريم لها عندما كانت حاملًا بها، وهو ما لم يُذكر في العهد الجديد.

- يذكر القرآن قصَّة تعبُّدها؛ باعتباره جزءًا من سيرتها الذاتيَّة (قبل البشارة)، أمَّا العهد الجديد فلا يشير إلى ذلك، باستثناء تلميحٍ بسيطٍ للغاية؛ وهو زيارتها لنسيبتها (أليصابات).

- حدَّد العهد الجديد مكان بشارتها باختيار الله لها في الناصرة، في حين أنّ القرآن لم يحدِّد مكانًا، واكتفى بذكر أنَّه وراء حجاب ومكان شرقيّ.

- مكان ولادة وليدها (المسيح)؛ يذكر العهد الجديد أنَّه كان بيت لحم، أمَّا القرآن الكريم فيقول إنَّه كان مكاناً قصيًا.

- يذكر العهد الجديد أنَّها هاجرت إلى مصر نتيجة الاضطهاد السياسيّ في حينه، أمَّا القرآن الكريم فلم يُشِر إلى ذلك.

- يذكر القرآن معجزات لمريم لم يذكرها العهد الجديد، مثل الأكل من النخلة اليابسة.

- لم تذكر الأناجيل الأربعة المعتمدة شيئًا عن نشأة مريم في صغرها، في حين تعرَّضت الأناجيل غير الرسميَّة لهذا الموضوع، أمَّا القرآن فذكر أنَّ مريم كرَّست شبابها للعبادة[79].

ب- قصَّة الخضر:

علَّق «روبين» على الآية 60 من سورة الكهف ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾، بالقول: «إنَّ الباحثين المعاصرين يجدون في هذه القصَّة حول رحلة موسى إلى مجمع البحرين، عناصر شبيهة بتلك الموجودة في أسطورةٍ حول الإسكندر الأكبر الذي خرج للبحث عن عين الحياة ومعه طبَّاخ حمل معه أسماك مالحة، والتي عادت للحياة بمجرّد أن لمست مصادفة ماء العين وبعدها اختفت ولم يصل الإسكندر نفسه لعين الحياة»[80].

يُلاحظ -أيضًا- أنَّ «روبين» لم يحدِّد هويَّة هذه الأسطورة، وكذلك لم يُحدِّد من هم الباحثون المعاصرون الذين تناولوها وطرحوا هذه الشبهة حولها، وعلى الرغم من ذكره لتفاصيل هذه الأسطورة، فإنّ ذلك لم يساعد على الوصول إليها وتحديدها، خصوصاً مع عدم إسناد واضح من «روبين» إلى مصدرٍ محدِّد لها. 

2.  شبهة ردّ «ألفاظ» القرآن الكريم إلى مصادر نصرانيَّة ووثنيَّة ونقدها -الجبت والزكاة-:

أ- الجبت:

علَّق روبين على كلمة «الجبت» الواردة في الآية 51 من سورة النساء ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلًا﴾، بالإشارة إلى أنَّها كلمة مفردة وربَّما تكون من أصلٍ حبشيّ[81].

إنَّ تصدير «روبين» لرأيه بـ «ربَّما» التخمينيَّة يتنافى مع الموضوعيَّة العلميَّة في طرح الآراء البحثيَّة، وهو بذلك قد انحاز إلى ما رجَّحه -أيضًا- جيفري، نقلًا عن نولدكه؛ وهو أنَّ اللفظة حبشيَّة (gebate)، وفقًا لما ذكره السيوطي في الإتقان و(Leslau) ولودلف أيضًا[82].   

خلاصة القول: إنَّ اللفظة من «الدخيل» على العربيَّة من الحبشيَّة؛ وذلك لأسباب عدَّة، أبرزها: التقاء التاء والجيم في كلمة واحدة، وهو ما لا يحدث في العربيَّة؛ كما ذكر الجوهري[83]، مضافًا إلى أنَّ اللفظة في العربيَّة تعني «صنم»، وهو المعنى نفسه الذي رجَّحه كلٌّ من جيفري و (Leslau) للكلمة في الحبشيَّة[84].

والحبشيَّة[85] لغة ذات صلة قرابة وثيقة بالعربيَّة، وهي تشترك معها في مجموعة اللغات الساميَّة، وتربطها بالعربيَّة صلة قرابة جغرافيَّة قويَّة؛ إذ ينتميان لفرع اللغات الساميَّة (الجنوبيَّة) من بين المجموعة الساميَّة الشاملة[86]؛ وبالتالي، فإنَّ احتمال وجود ألفاظٍ دخيلة بين اللغتين أمرٌ واردٌ بقوَّة.

أضف إلى ذلك أنَّ بعض النظريّات التي تحدَّثت عن اللغة الساميَّة الأم (ProtoSemitic) قد رجَّحت أنْ تكون العربيَّة القديمة هي تلك اللغة؛ ما يعني أنَّ ما دخل من الحبشيَّة إلى العربيَّة هو في الأساس دخيل من العربيَّة القديمة إلى الحبشيَّة، والتي هي إحدى صور تطوُّر اللغة الساميَّة الأم (العربيَّة)؛ فثمّة كثيرٌ من الأدلَّة الدينيَّة واللغويَّة والأثريَّة في كلٍّ من اليمن (جنوب شبه الجزيرة العربيَّة) والحبشة، التي تثبت وجود قرابة دمويَّة ولغويَّة وتاريخيَّة وثيقة بين القبائل اليمنيَّة العربيَّة والساميِّين الأحباش[87].

هذا، ومن المعروف أنَّ عدد المفردات الحبشيَّة التي قام العرب بتعريبها قبل الإسلام كانت أكثر من عدد المفردات التي تمَّ تعريبها من اللغات الأخرى؛ مثل: القبطيَّة المعرَّبة أو البربريَّة (الأمازيغيَّة) شمال إفريقيا[88].

ب- زكاة:

أشار روبين في تعليقه على الآية 43 من سورة البقرة ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، إلى أنَّ لفظة «زكاة» تقابل لفظة זכותָא    zakutā الآراميَّة[89].   

بهذا اتَّفق “روبين” مع ما نقله جيفري عن (Frankel) من أنَّ اللفظة مأخوذة من الآراميَّة[90]؛ بمعنى صفاء، نقاوة، طهارة[91]. أضف إلى ذلك ما ذهب إليه المستشرق سخاو (Sachau) الذي كتب مقالةً عن لفظة “زكاة” أشار فيها إلى أنَّه لا يوجد لهذه اللفظة اشتقاق عربيّ مقنّع، ويردّها إلى الآراميَّة، قائلًا: “إنَّ محمَّدًا قد عرفها من اليهود، لكنْ بمعنى أوسع من استعمال اليهود للّفظة الآراميَّة”[92].

وبالنظر إلى جذر اللفظة في العربيَّة نجد أنَّها من “زكا”؛ وهو جذر ساميّ مشترك ورد  -مضافًا إلى العربيَّة- في العبريَّة والآراميَّة التوراتيَّة والسريانيَّة والأكَّاديَّة والحبشيَّة بالمعنى نفسه وباللفظ نفسه تقريبًا. وعليه؛ فالأرجح أنَّها أقرب إلى العربيَّة، وليست مستعارة من الآراميَّة، فـ “الزكاة” على وزن “فَعَلْه” كالصدقة، فلمَّا تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها انقلبت ألفًا[93].

يؤيِّد ذلك أنَّ معنى اللفظة الذي عُرف في الإسلام؛ وهو ما يخرجه الإنسان من حقِّ ماله نقدًا إلى الفقراء[94]، لا نجده في الآراميَّة ولا حتَّى في السريانيَّة؛ بل هو ما انفردت به العربيَّة، أضف إلى ذلك أنَّ العرب لم يعرفوا معنى الكلمة قبل الإسلام إلَّا بمعنى” النماء”[95]، ولمَّا نزل القرآن أضاف إليها معنىً خاصًّا تميَّزت به الكلمة بعد الإسلام.

خاتمة

تعرَّضت هذه الدراسة بالتحليل والنقد لتعليقات وهوامش أحدث ترجمة عبريَّة لمعاني القرآن الكريم، من إعداد “أوري روبين” أحد أبرز المستشرقين الإسرائيليِّين المعاصرين.

فنَّدت الدراسة شبهات “روبين” حول ردِّه عددًا من الآيات القرآنيَّة إلى مصادر يهوديَّة ونصرانيَّة ووثنيَّة؛ وذلك عن طريق إثبات وجود أوجه شبه واختلافاتٍ على مستويات عدَّة رئيسة وجوهريَّة، بين الآيات التي اشتملت على القصص أو التشريع أو العقيدة من جهة، والنصوص اليهوديَّة والنصرانيَّة والوثنيَّة المردودة إليها من جهةٍ أخرى.

ومن خلال تحليل بعض النماذج المختارة ونقدها، كان أبرز ما توصَّلت إليه هذه الدراسة هو اعتماد “روبين” في شبهاته على مجرَّد تشابهات لفظيَّة، أو شكليَّة، أو سطحيَّة، بين ما جاء في القرآن الكريم وما جاء في المصادر الأخرى غير الإسلاميَّة، وهو التشابه الذي لا يمكنْ أن يكون مبرِّرًا علميًّا أو موضوعيًّا أو حتَّى منطقيًا للقول بوجود اقتباسٍ قرآنيٍّ من كتبٍ دينيَّةٍ أخرى.

كما توصَّلت الدراسة إلى خصوصيَّة النصوص القرآنيَّة، وتفرُّدها عن أيّ نصوصٍ أخرى؛ سواء أكانت يهوديَّة أم نصرانيَّة أم وثنيَّة، واتّساقها مع العقل وأغراض الوحي القرآنيّ، أضف إلى ذلك وجودها ضمن سياقٍ متكاملٍ يوضّح الحكمة الإلهيَّة، في حين أنّ نصوص المصادر الدينيَّة الأخرى تفتقد إلى هذه الخصوصيَّات، بل غالبًا ما تكون متأثِّرة بعوامل خارجيَّة وأسطوريَّة مختلفة تبعدها عن أغراضها الدينيَّة والإلهيَّة.

وبيَّنت الدراسة -أيضًا- بطلان زعم “روبين” برجوع بعض الألفاظ القرآنيَّة إلى لغات أخرى، مؤكِّدة في الوقت نفسه على أنَّ اللفظ القرآنيَّ لفظٌ عربيٌّ أصيلٌ في مبناه ومعناه، حتَّى وإن وجدت له تشابهات في لغات ساميَّة أخرى؛ فإنَّ ذلك التشابه هو على سبيل ما يعرف بـ “المشترك في الساميَّات”، وهي ظاهرة لغويَّة موجودة في اللغات الساميَّة المختلفة ومنها العربيَّة؛ إذ توجد أكثر من لفظة في أكثر من لغة ساميَّة متَّحدة المبنى والمعنى معًا، أو متَّحدة في المبنى مختلفة في المعنى.

لائحة المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمَّد: زاد المسير في علم التفسير، ط1، بيروت، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 2002م.

إدريس، محمَّد جلاء: الاستشراق الإسرائيليّ في الدراسات العبريَّة المعاصرة، لا ط، القاهرة، مكتبة الآداب، 2003م.

أشقر، أحمد: مريم العذراء في العهد الجديد والقرآن الكريم الائتلاف والاختلاف، لا ط، فلسطين، الجمعيَّة الفلسطينيَّة الأكاديميَّة للشؤون الدوليَّة (باسيا)، 2003م.

الباش، حسن: القرآن والتوراة أين يتَّفقان وأين يفترقان، لا ط، دمشق، دار قتيبة، لا ت، ج2.

البهنسي، أحمد: «مقدِّمة ترجمة أوري روبين العبريَّة لمعاني القرآن الكريم»، مجلَّة القرآن والاستشراق المعاصر، السنة الأولى، العدد 3، صيف 2019م.

البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمَّد الشيرازي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لا ط، القاهرة، المكتبة التجاريَّة الكبرى، لا ت، ج1.

تفسير قصَّة آدم وحوَّاء في التفاسير التي اعتمد عليها روبين: السمرقنديّ، نصر بن محمَّد بن أحمد بن إبراهيم: بحر العلوم (المعروف بتفسير السمرقنديّ)، تحقيق: محمود مطرجي، لا ط، بيروت، دار الفكر، 1998م، مج1، ج1.

التونجي، محمَّد: المعرب والدخيل في اللغة العربيَّة وآدابها، بيروت، دار المعرفة، 1997م.

حسن، محمَّد خليفة: «المدرسة اليهوديَّة في الاستشراق»، مجلَّة رسالة المشرق، القاهرة، المجلَّد 12، الأعداد 1-4، 2003م.

حسن، محمَّد خليفة: تاريخ الديانة اليهوديَّة، لا ط، القاهرة، لا ن، 1996م.

حول تاريخ اللغة العبريَّة وارتباطها باليهوديَّة، انظر: رابين، حاييم: تاريخ اللغة العربيَّة، ترجمة: طالب القريشيّ، مراجعة: رضا الموسويّ، لا ط، بغداد، بيت الحكمة، 2010م.

الخطيب، عبد الكريم: القصص القرآنيّ في منطوقه ومفهومه مع دراسة تطبيقيَّة لقصَّتي آدم ويوسف، لا ط، القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1974م.

خليفة وآخرون، محمَّد حسن: المدخل إلى تاريخ الحبشة واللغة الحبشيَّة.

خليفة، محمَّد حسن: رؤية عربيَّة لتاريخ الشرق الأدنى القديم وحضارته، لا ط، القاهرة، دار قباء، 2000م.

خليل، إبراهيم: الدم في العلم والتوراة والإنجيل والقرآن، ط1، القاهرة، الزهراء للإعلام العربيّ، 1996م.

خوري، بسَّام: الشريعة الإسلاميَّة، نظرة تاريخيَّة - بحث في الموروث التشريعيّ للجزيرة العربيَّة قبل الإسلام وعلاقته بتشكيل الثقافة التشريعيَّة العربيَّة، لا ط، دمشق، ابن قتيبة، 2001م، ج1.

دبّور، محمَّد عبد الله عبده: أسس بناء القصَّة من القرآن الكريم دراسة أدبيَّة ونقديَّة، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة الأزهر، كلِّيَّة اللغة العربيَّة، 1996م.

الذهبيّ، محمَّد حسين: التفسير والمفسِّرون، لا ط، القاهرة، مكتبة وهبة، لا ت، ج1.

الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمَّد: مفردات القرآن الكريم، تحقيق: صفوان بن عدنان داوودي، لا ط، لا م، لا ن، لا ت.

صفيَّة، وحيد أحمد: الألفاظ القرآنيَّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة عين شمس، كلِّيَّة الآداب، 2002م.

العودات، أرحام سليمان سليم: سفر الخروج في توراة اليهود عرض ونقد، رسالة ماجستير غير منشورة، غزَّة، الجامعة الإسلاميَّة، كلِّيَّة أصول الدين، 2010م.

عوض، محمَّد عبد الرحمن: معجزات المسيح في الإنجيل والقرآن، لا ط، القاهرة، دار البشير للنشر والتوزيع، 1990م.

فريزر، جيمس: الفولكلور في العهد القديم، ترجمة: نبيلة إبراهيم، لا ط، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1974م.

المجذوب، أحمد علي: أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن، لا ط، القاهرة، الدار المصريَّة-اللبنانيَّة، 1989م. 

المحلَّى، جلال الدين؛ السيوطيّ، جلال الدين: تفسير الجلالين، لا ط، بيروت، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 2001م.

مطاوع، سعيد عطيَّة: قصص الأنبياء في العهد القديم في ضوء النقد الأدبيّ، لا ط، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2007م.

هويدي، أحمد محمود: «الردّ على شبهات المستشرق اليهوديّ أبراهام جايجر حول قصص الأنبياء في القرآن الكريم»، مجلَّة كلَّيَّة الآداب، جامعة القاهرة، مجلَّد 60، عدد 4، أكتوبر 2000م.

المواقع الإلكترونيّة

الصعبي، إبراهيم: «القصَّة في القرآن الكريم....الخصائص والدلالات»، بحث منشور على موقع www.islamnoon.com للدرسات القرآنيَّة على شبكة الإنترنت.

درباله، إسلام محمود: «القصص في القرآن الكريم»، بحث منشور على موقع www.islamnoon.com للدراسات القرآنيَّة على شبكة الإنترنت.

فوّاز، عماد: «قصَّة أبي البشر آدم بين التوراة والقرآن»، مجلَّة الحوار المتمدِّن، العدد 161، 2/ 9/ 2006م. على الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=74345

عبد السلام، علي الطاهر: «القصص القرآنيّ؛ دراسة لأسلوب القصص القرآنيّ»، دراسة منشورة على موقع «تفسير» www.tafsir.com على شبكة الإنترنت، ص11.

لائحة المصادر بالأجنبيّة

Jeffery, Arther :The Forreign of The Qura’n, Oriental Institute Baroda, 1938. 

لائحة المصادر بالعبريّة

ח.נ. ביאליק ו י.ח. רבניצקי.האגדה מבחר האגדות שבתלמוד ובמדרשים: הוצאת דביר תל - אביב 1936: כרך ראשון עמ׳ יז.

דם، אינציקלופידיה מקראית (אוצר הידיעות על המקרא ותקופתו)، הוצאת: מוסד ביאלק، ירושלים 1968، כרך 2، עמ׳ 657.

אברהם אבן שושן، מלון עברי־עברי، הוצאת קרית ספר בע״ם ־ירושלים،כרך שני، עמ׳746

--------------------------------


[1]*- باحث متخصِّص في الاستشراق الإسرائيليّ، من مصر.

[2]- إدريس، محمَّد جلاء: الاستشراق الإسرائيليّ في الدراسات العبريَّة المعاصرة، لا ط، القاهرة، مكتبة الآداب، 2003م، ص22-23.

[3]- حسن، محمَّد خليفة: «المدرسة اليهوديَّة في الاستشراق»، مجلَّة رسالة المشرق، القاهرة، المجلَّد 12، الأعداد 1-4، 2003م، ص41.

[4]- انظر: البهنسي، أحمد: «مقدِّمة ترجمة أوري روبين العبريَّة لمعاني القرآن الكريم»، مجلَّة القرآن والاستشراق المعاصر، السنة الأولى، العدد 3، صيف 2019م، ص31-39.

[5]- هي المادَّة المتنوِّعة الموجودة في التلمود والمدراش، وهي مشتقَّة من الفعل הגיד؛ بمعنى يقول أو يروي، والمصطلح المرادف المستخدم في المصادر التي اكتشفت في أرض كنعان هو הגדה، والذي لا نجد له تفسيرًا واضحاً. تعدّ الأجادا كذلك أحد أنواع الإنتاج الأدبيّ لليهود في فلسطين وبابل حتَّى عصر الهيكل الثاني تقريبًا، والتي تنوَّعت واتَّخذت أشكالًا عديدة بعد استيلاء الإسكندر الأكبر على فلسطين عام 333 ق.م وحتَّى عام 322 ق.م، وصارت شكلًا أدبيًّا مستقلًّا على مدى أكثر من ألف سنة إلى أن فتح العرب المسلمون فلسطين. وبالتالي فهي تجمّع نتاج موروث تاريخيّ يهوديّ كبير مختلط ومتأثِّر بالكتب الدينيَّة اليهوديَّة خاصَّة التلمود.

يصعب تحديد طبيعة الأجادا وجوهرها في التلمود، فنحو ربع مادَّة  التلمود البابليّ من الأجادا من حيث المضمون، أمَّا التلمود الأورشليميّ فنسبة الأجادا فيه أقلّ، لكنَّها تحظى فيه بمكانة مميَّزة. وتنقسم الأجادا إلى: 1- توراتيَّة، 2- تاريخيَّة، 3- أخلاقيَّة- تعليميَّة، 4- رمزيَّة، 5- قصص الحاخامات، 6- لاهوتيَّة. (انظر: التلمود..أصله وتسلسله وآدابه، ترجمة: شمعون مويال، تقديم: ليلى إبراهيم أبو المجد، مراجعة: رشاد الشامي، لا ط، لا م، الدار الثقافيَّة للنشر، 2009م).

[6]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 5.

[7]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳، 5.

[8]- שם، עמ׳، 5.

[9]- שם، עמ׳، 125.

[10]- שם، עמ׳، 125.

[11]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳، 258.

[12]- انظر: حسن، محمَّد خليفة: تاريخ الديانة اليهوديَّة، لا ط، القاهرة، لا ن، 1996م، ص22-23.

[13]- ח.נ. ביאליק ו י.ח. רבניצקי.האגדה מבחר האגדות שבתלמוד ובמדרשים: הוצאת דביר תל - אביב 1936: כרך ראשון עמ׳ יז.

[14]- انظر: تفسير قصَّة آدم وحوَّاء في التفاسير التي اعتمد عليها روبين: السمرقنديّ، نصر بن محمَّد بن أحمد بن إبراهيم: بحر العلوم (المعروف بتفسير السمرقنديّ)، تحقيق: محمود مطرجي، لا ط، بيروت، دار الفكر، 1998م، مج1، ج1، ص70-73؛ ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمَّد: زاد المسير في علم التفسير، ط1، بيروت، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 2002م، ص55؛ البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمَّد الشيرازي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لا ط، القاهرة، المكتبة التجاريَّة الكبرى، لا ت، ج1، ص295-297؛ المحلَّى، جلال الدين؛ السيوطيّ، جلال الدين: تفسير الجلالين، لا ط، بيروت، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 2001م، ص45. وما يؤكِّد أنَّ هذه الروايات هي من الإسرائيليَّات -أيضًا- هو أنَّ الباحثين في التفاسير أكَّدوا أنَّ البيضاوي اعتاد في تفسيره تصدير روايات الإسرائيليَّات بـ «قيل» و «روي» إشعارًا منه بضعفها (انظر: الذهبيّ، محمَّد حسين: التفسير والمفسِّرون، لا ط، القاهرة، مكتبة وهبة، لا ت، ج1، ص213)، وهو ما يوجد في روايات البيضاوي حول هذه القصَّة.

[15]- لمزيد من الاطّلاع، انظر: فوّاز، عماد: «قصَّة أبي البشر آدم بين التوراة والقرآن»، مجلَّة الحوار المتمدِّن، العدد 161، 2/ 9/ 2006م. على الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=74345

[16]- سورة البقرة، الآية 30.

[17]- سفر التكوين، 3/ 17.

[18]- سورة البقرة، الآية 31.

[19]- نقلًا عن: فوَّاز، «قصَّة أبي البشر آدم بين التوراة والقرآن»، م.س.

[20]- سورة البقرة، الآية 37.

[21]- سورة الأحزاب، الآية 72.

[22]- انظر: فريزر، جيمس: الفولكلور في العهد القديم، ترجمة: نبيلة إبراهيم، لا ط، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1974م، ص55.

[23]- لمزيدٍ من الاطِّلاع، انظر: الخطيب، عبد الكريم: القصص القرآنيّ في منطوقه ومفهومه مع دراسة تطبيقيَّة لقصَّتي آدم ويوسف، لا ط، القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1974م.

[24]- لمزيدٍ من الاطِّلاع، انظر: مطاوع، سعيد عطيَّة: قصص الأنبياء في العهد القديم في ضوء النقد الأدبيّ، لا ط، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2007م.

[25]- انظر: الصعبي، إبراهيم: «القصَّة في القرآن الكريم... الخصائص والدلالات»، بحث منشور على موقع

www.islamnoon.com للدرسات القرآنيَّة على شبكة الإنترنت.

[26]- انظر: م.ن.

[27]- انظر: درباله، إسلام محمود: «القصص في القرآن الكريم»، بحث منشور على موقع www.islamnoon.com للدراسات القرآنيَّة على شبكة الإنترنت.

[28]- انظر: مطاوع، قصص الأنبياء في العهد القديم في ضوء النقد الأدبيّ، م.س، ص32-51.

[29]- انظر: دبّور، محمَّد عبد الله عبده: أسس بناء القصَّة من القرآن الكريم دراسة أدبيَّة ونقديَّة، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الأزهر، كلِّيَّة اللغة العربيَّة، 1996م، ص23-25.

[30]- انظر: مطاوع، قصص الأنبياء في العهد القديم في ضوء النقد الأدبيّ، م.س، ص32.

[31]- انظر: المجذوب، أحمد علي: أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن، لا ط، القاهرة، الدار المصريَّة-اللبنانيَّة، 1989م، ص23. 

[32]- انظر: مطاوع، قصص الأنبياء في العهد القديم في ضوء النقد الأدبيّ، م.س، ص120-121.

[33]- انظر: عبد السلام، علي الطاهر: «القصص القرآنيّ؛ دراسة لأسلوب القصص القرآنيّ»، دراسة منشورة على موقع «تفسير» www.tafsir.com على شبكة الإنترنت، ص11.

[34]- انظر: هويدي، أحمد محمود: «الردّ على شبهات المستشرق اليهوديّ أبراهام جايجر حول قصص الأنبياء في القرآن الكريم»، مجلَّة كلَّيَّة الآداب، جامعة القاهرة، مجلَّد 60، عدد 4، أكتوبر 2000م، ص141.

[35]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 204.

[36]- انظر: سفر الخروج، 32.

[37]- انظر: سورة الرعد، الآيات 35-39.

[38]- انظر: سفر الخروج، 32.

[39]- انظر: ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، م.س، ص736-737.

[40]- انظر: الباش، حسن: القرآن والتوراة أين يتَّفقان وأين يفترقان، لا ط، دمشق، دار قتيبة، لا ت، ج2، ص235-239.

[41]- انظر: العودات، أرحام سليمان سليم: سفر الخروج في توراة اليهود عرض ونقد، رسالة ماجستير غير منشورة، غزَّة، الجامعة الإسلاميَّة، كلِّيَّة أصول الدين، 2010م، ص30.

[42]- انظر: حول هذه المعاني، انظر: الباش، القرآن والتوراة أين يتَّفقان وأين يفترقان، م.س، ج2، ص239-245.

[43]- انظر: العودات، سفر الخروج في توراة اليهود عرض ونقد، م.س، ص21-126.

[44]- انظر: الباش، القرآن والتوراة أين يتَّفقان وأين يفترقان، م.س، ج2، ص259.

[45]- انظر: م.ن، ص259-260.

[46]- نسبةً إلى العهد القديم الذي يُعرف في اليهوديَّة بالمقرا.

[47]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 22.

[48]- انظر: سفر اللاويين 11؛ سفر الخروج  22؛ سفر التثنية 12.

[49]- انظر: سورة البقرة، الآية 173؛ سورة المائدة، الآيات 3-5؛ سورة المائدة، الآية 96؛ سورة الأنعام، الآية 145، سورة النحل، الآية 115.

[50]- سورة البقرة، الآية 173؛ سورة المائدة، الآية 3؛ سورة الأنعام، الآية 145؛ سورة النحل، الآية 115.

[51]- انظر: خليل، إبراهيم: الدم في العلم والتوراة والإنجيل والقرآن، ط1، القاهرة، الزهراء للإعلام العربيّ، 1996م، ص66-68؛ 130-131.

[52]- سورة الأنبياء، الآية 30.

[53]- דם، אינציקלופידיה מקראית (אוצר הידיעות על המקרא ותקופתו)، הוצאת: מוסד ביאלק، ירושלים 1968، כרך 2، עמ׳ 657.

[54]- שם ، עמ׳ 658.

[55]- انظر: خليل، الدم في العلم والتوراة والإنجيل والقرآن، م.س، ص93-94.

[56]- انظر: خوري، بسَّام: الشريعة الإسلاميَّة، نظرة تاريخيَّة - بحث في الموروث التشريعيّ للجزيرة العربيَّة قبل الإسلام وعلاقته بتشكيل الثقافة التشريعيَّة العربيَّة، لا ط، دمشق، ابن قتيبة، 2001م، ج1، ص43؛ 90.

[57]- حول تاريخ اللغة العبريَّة وارتباطها باليهوديَّة، انظر: رابين، حاييم: تاريخ اللغة العربيَّة، ترجمة: طالب القريشيّ، مراجعة: رضا الموسويّ، لا ط، بغداد، بيت الحكمة، 2010م.

[58]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 7.

[59]- Jeffery, Arther :The Forreign of The Qura’n, Oriental Institute Baroda, 1938, p110.

[60]- انظر: صفيَّة، وحيد أحمد: الألفاظ القرآنيّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة عين شمس، كلِّيَّة الآداب، 2002م، ص79.

[61]- אברהם אבן שושן، מלון עברי־עברי، הוצאת קרית ספר בע״ם ־ירושלים،כרך שני، עמ׳746

[62]- انظر: صفيَّة، الألفاظ القرآنيّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، م.س، ص79.

[63]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 47.

[64]- שם، עמ׳ 48.

[65]- שם، עמ׳ 48.

[66]- שם، עמ׳ 280.

[67]- سورة آل عمران، الآيات 38-40.

[68]- إنجيل لوقا، 1/ 5-24.

[69]- انظر: سورة آل عمران، الآيات 44-47.

[70]- انظر: إنجيل لوقا، 1/ 26-38.

[71]- إنجيل لوقا، 1/ 35.

[72]- سورة المائدة، الآيات 72-75.

[73]- إنجيل لوقا، 1/ 27.

[74]- إنجيل لوقا، 1/ 26.

[75]- سورة آل عمران، الآية 45.

[76]- إنجيل لوقا، 1/ 32-33.

[77]- انظر: عوض، محمَّد عبد الرحمن: معجزات المسيح في الإنجيل والقرآن، لا ط، القاهرة، دار البشير للنشر والتوزيع، 1990م، ص47-84.

[78]- انظر: أشقر، أحمد: مريم العذراء في العهد الجديد والقرآن الكريم الائتلاف والاختلاف، لا ط، فلسطين، الجمعيَّة الفلسطينيَّة الأكاديميَّة للشؤون الدوليَّة (باسيا)، 2003م، ص10.

[79]- انظر: سورة آل عمران، الآية 37.

[80]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳242.

[81]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 74.

[82]- Jeffery, Ob, cit, pp99.

[83]- انظر: صفيَّة، الألفاظ القرآنيّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، م.س، ص363.

[84]- انظر: م.ن، ص363.

[85]- تنسب اللغة الحبشيَّة إلى أسرة اللغات الساميَّة التي لها صلة بأسرة اللغات الحاميَّة، نحو لغات شمال أفريقيا البربريَّة واللغة المصريَّة القديمة التي اشتقَّت منها القبطيَّة، ولغات شمال أفريقيا الكوشيَّة. لقد ارتفع شأن الحبشيَّة لتصبح اللغة الأساس في الحبشة بعد قدوم النصرانيَّة وانتشارها فيها، فأصحبت لغة النصرانيَّة المعبِّرة عن ديانة الأحباش وعبادتهم الرئيسة. ويؤكِّد ذلك ما ذهب إليه ولفنسون من أنَّ تاريخ الحبشة قبل النصرانيَّة يكاد يكون مجهولًا، وأنَّ كلَّ ما وصل إلينا من هذا التاريخ هو بعض نصوصٍ من مصادر مصريَّة قديمة وبعض نقوشٍ أخرى. وهذا يعني أنَّ الحبشيَّة أصبحت هي اللغة الأساس والأكثر سيطرة وانتشارًا مع دخول النصرانيَّة الحبشة.

[86]- انظر: خليفة وآخرون، محمَّد حسن: المدخل إلى تاريخ الحبشة واللغة الحبشيَّة، ص103-104.

[87]- لمزيد من الاطّلاع، انظر: خليفة، محمَّد حسن: رؤية عربيَّة لتاريخ الشرق الأدنى القديم وحضارته، لا ط، القاهرة، دار قباء، 2000م، ص162-174.

[88]- انظر: التونجي، محمَّد: المعرب والدخيل في اللغة العربيَّة وآدابها، بيروت، دار المعرفة، 1997م، ص67.

[89]- ע״ע، אורי רובין، עמ׳ 6.

[90]- هي لغة ساميَّة شرق-أوسطيَّة، انطلقت مع قيام الحضارة الآراميَّة في وسط سوريا، وكانت لغة رسميَّة في بعض دول العالم القديم ولغة الحياة في الهلال الخصيب، كما تُعدُّ لغةً مقدَّسةً تعود بدايات كتابتها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، لكنَّها أصبحت اللغة المسيطرة في الهلال الخصيب بدءاً من القرن الخامس قبل الميلاد بعد هزيمة المملكة الآشوريَّة. ارتبطت الآراميَّة منذ نشأتها بالتراث الوثنيّ الدينيّ وغير الدينيّ منه. فمن المعروف أنَّ الآراميَّة انتشرت في معظم أنحاء الشرق الأدنى القديم حتى إنَّها تحوَّلت في فترة من الفترات إلى لغة المملكة الفارسيَّة.

[91]- Jeffery, Ob, cit, pp153.

[92]- صفيَّة، الألفاظ القرآنيّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، م.س، ص101.

[93]- انظر: م.ن، ص102.

[94]- انظر: الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمَّد: مفردات القرآن الكريم، تحقيق: صفوان بن عدنان داوودي، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ص238.

[95]- انظر: صفيَّة، الألفاظ القرآنيّة التي قيل بأعجميَّتها - دراسة مقارنة في ضوء اللغات الساميَّة، م.س، ص102.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف