البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

November / 13 / 2022  |  927قراءة نقديَّة في مفهوم الوحي النبوي بوصفه مرضًا نفسيًّا عند تيودور نولدكه

حمدان العكله المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية 2022 م / 1443 هـ
قراءة نقديَّة في مفهوم الوحي النبوي بوصفه مرضًا نفسيًّا عند تيودور نولدكه

ملخص البحث

الوحي حقيقةٌ ثابتةٌ رافقت سيرورة الإنسانيَّة بمراحلها الدينيَّة المتعدّدة، وللوحي أنواعٌ مختلفةٌ يتجلَّى من خلالها في الواقع، ويرتبط بالنبوّة كدلالةٍ على صدورها من عالم السَّموات إلى عالم الأرض والوجود البشريِّ، لذا فقد كان الوحي موضوعًا رئيسًا عند المستشرقين والمهتمّين بدراسة الحضارة الإسلاميَّة، ويُعدُّ تيودور نولدكه (Theodor Noldeke) أحدهم، والذي قدَّم رؤيةً مختلفةً حول الوحي وآليّة نزوله على نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، ليصل إلى رفض نزول الوحي في أغلب أشكال تجليه في الواقع، ثمَّ ليعتبره ضربًا من ضروب الإلهام العرفانيِّ، وبذلك فقد ساوى بين الوحي المحمديِّ والإلهام أو الخطور النفسيِّ الذي يمتاز به بعض الصالحين والعرفاء، وبالتالي قدَّم رؤيته على أساس المساواة بين النّبيّ وبين المصلحين الاجتماعيين عبر حركية التاريخ، وبذلك شَرَعَ بانتزاع طابع القداسة عن الوحي النبويِّ ونزَّله منزلة الإصلاح، لا سيّما أنّه ادَّعى إصابة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بالمرض النفسيِّ، ممَّا ينزع طابع القداسة عن الوحي النبويِّ.

المقدمة

لا شكَّ أنَّ الاستشراق الألمانيَّ يعدُّ رائدًا في الاستشراق عامَّةً، كما يعدُّ المستشرق الألمانيّ تيودور نولدكه الأبرز من بين المستشرقين عامَّةً، والألمان خاصَّةً؛ إذ عمد مبكّرًا إلى نقل جزءٍ كبيرٍ من التُّراث الإسلاميِّ إلى حيِّز الدِّراسات الاستشراقيَّة، ولا سيَّما في دراسته حول أصل سور القرآن الكريم وتركيبها، وحول ماهيَّة الوحي الذي تلقَّاه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

يقدِّم نولدكه تفسيرًا للوحي النبويِّ على أنَّه حالةٌ نفسيَّةٌ مرضيَّةٌ تنتاب الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، مستندًا إلى الأحاديث النبويَّة التي نقلها رواة الحديث على اختلاف صحَّتها وقوَّتها وضعفها، فهي أحاديثٌ تصف الحالة النَّفسية التي كانت تلازم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء نزول الوحي، مبديًا بذلك رأيه الاستشراقيَّ في مسائل دينيَّةٍ تاريخيَّةٍ ترتبط بالوحي وحالات تجلِّيه عند الأنبياء عليهم السَّلام، مثل رؤيا النبيِّ إبراهيم وتكليم الله لموسى عليهما السَّلام، وغيرها من تجليَّات الوحي وصورها المختلفة؛ إذ أيَّد بعضَ التَّفسيرات ذات المنشأ النفسيِّ، والتي تزعم بأنَّ ما كان يعتري النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء نزول الوحي إنَّما هو حالةٌ نفسيَّة تصل إلى التَّهيج حتَّى الصرع وما يصاحبها من غيابٍ تامٍّ عن الوعي، وهو بذلك يعود أدراجه إلى ما كان يتعرَّض له النبيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من أقاويل لا تستند إلى حجَّةٍ منطقيَّةٍ في زمن النبوَّة، وبذلك فهو لم يستند إلى ما ينتمي إليه من مدرسةٍ نقديَّةٍ تدعو إلى البحث دون التَّسليم بما جاء به الآخرون من اتهاماتٍ باطلةٍ، بمعنى أنَّه سلَّم في بعض الأحيان بما لا ينبغي التَّسليم به مباشرةً، ولا سيَّما أنَّ حالة الصَّرع كانت تتساوى في ذلك الزَّمن مع الجنون حسب ما كان قد توصَّل إليه علم النفس آنذاك، وهذا ما لا يتناسب مع نبيٍّ يحمل رسالةً عالميَّة للبشر، إذ إنَّ ما كان ينتاب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتشابه مع ما يحدث في حالات المرض النَّفسيِّ العاديَّة كما يؤكِّده علم النَّفس اليوم.

يحاول البحث أن يجيب عن السُّؤال الإشكاليِّ التَّالي من خلال مناقشة ونقد ما قدّمه المستشرق الألماني تيودور نولدكه:

ما هي حقيقة مزاعم المستشرق الألماني نولدكه حول تفسير الوحي النبويِّ على أنَّه مرضٌ نفسيٌّ؟ وما تأثير تفسيراته النَّفسيَّة في الفكر الإسلاميِّ؟

أوّلًا: مناقشة الوحي النبويِّ وتداعياته النَّفسيَّة عند النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

يذهب نولدكه إلى البحث في حقيقية الوحي النبويِّ، ومدى مصداقيّته، فيقول في بداية كتابه: «لا يسعنا الإنكار أنَّ كثيرًا من الشُّعوب عرفت ما يشبه النبوّة»[2]، فيربط نولدكه بين الوحي والنبوّة، فالوحي ضرورةٌ منطقيّةٌ للنبوّة؛ إذ إنّ رسالة النبوّة لا بدَّ أن تصل إلى البشريّة جمعاء غير منقوصةٍ، بوصفها رسالةً مقدَّسةً، لذا تطلَّب الأمر تعزيز النبيّ أو المُرسَل بقوّة الوحي؛ إذ «إنَّ الوحي الذي نزل على الأنبياء والمرسلين، هو (الكاتالوج) الذي يحدِّد للإنسان الطريق الذي عليه أن يسلكه ليصل إلى ما ينفعه ويجتنب ما يضره، ويبيِّن له كيف يستثمر طاقاته ومواهبه»[3]، إلا أنَّ الوحي مختلفٌ من وجهة نظر المستشرقين، فلكلٍّ منهم رؤيته الخاصَّة حول معناه وأنواعه، وتجلياته، وسنتطرَّق لذلك بشكل مفصلٍ.

1- حقيقة الوحي المثبتة ونقد منكريه

يُمثِّل الوحي وسيلة الاتصال بين الخالق والأنبياء، بين العالم العلويِّ وبين عالم الموجودات، حيث تكون مهمَّته مرشدًا ودليلًا للأنبياء والرسل، بهدف تبليغ رسالةٍ سماويةٍ يريد من خلالها الخالق إرساءها بين البشر، وبذلك فالوحي قد رافق كلَّ الأديان والرسالات السَّماوية لنشر رسالةٍ تهدف إلى إعلام الشَّرع الإلهيِّ وتتنوّع طرقهُ، وزمانه، ومكانه، في حين أنَّ مصدره واحدٌ، وهو الله تعالى.

وللوحي ضرورةٌ منطقيةٌ وعقليةٌ تفرضها ضرورة الرِّسالة السَّماوية وخصوصيتها، بوصفها رسالةً مقدّسةً لا يجوز التَّغيير فيها، ويتطلَّب من الوحي إيصالها بشكلٍ لا يشوبه أيُّ سوء فهمٍ، وهي الوسيلة المميَّزة للمرسلين عن بقيّة أقرانهم من بني البشر، فكان لا بدَّ أن تحمل هذه الرِّسالة سمة القوَّة والإعجاز، كدليلٍ على صدورها من قوَّةٍ غير بشريةٍ، فإيمان الإنسان بوجود هذه القوَّة الغيبيّة، واستشعاره لعظمتها عبر هذه الرِّسالة تجعله يؤمن بوجودها وبرسالتها الصَّادرة عنها عبر الوحي، فتدل الأدلَّة والبراهين العقليّة على وجود قوّةٍ مسيِّرةٍ ومتحكِّمةٍ بالكون، وغالبيّة الفلسفات توصَّلت عبر استدلالها إلى وجود محرِّكٍ أساسيٍ يتحكَّم بهذا الكون، وقد جاءت جميع الرِّسالات السَّماوية لإثبات هذه الحقيقة، فالعقل سمةٌ إنسانيّةٌ ميَّز بها الخالقُ الإنسانَ عن غيره من الموجودات، وأيَّده بالوحي المُرسل ليكون العقل والوحي بوصلةً ترشد الإنسان نحو الحقيقة، حيث يتكفَّل العقل بمعرفة أصل الوجود والخالق والنُّبوة بوصفه أساس التكليف، ثم يضيف الوحي لهذه المعرفة آلية ممارسة الشعائر الدينيّة وطرقها[4]، إي إنَّ العلاقة بين العقل والوحي علاقةٌ تفاعليةٌ تكامليّةٌ.

أمَّا إثبات الوحي دينيًا فهو مثبتٌ عبر عددٍ كبيرٍ من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة لمن هم يؤمنون بالقرآن الكريم، حيث يقول تعالى:

(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا[5])، وكذلك قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [6]، وغيرها من الآيات التي تشير إلى إرسال الله  الوحي لتبليغ رسالته إلى البشر.

لقد شكَّل الوحي موضوعًا إشكاليًّا منذ بداياته، فقد عانى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في تبليغ الناس برسالته المنزَّلة عليه، على الرغم من معرفة الناس لهُ بصدقهِ وأمانته؛ فقد شكَّل موضوع الوحي مفترق طرقٍ؛ لأنَّ مسألة الإيمان به باتت مسألةً مفروضةً، وأن نكران الوحي يعني رفض الرِّسالة السَّماوية، والدين الجديد. وقد ذهب بعض منكري الوحي إلى نقد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ورفض تصديقه، واتِّهامه بأنَّه كان يتوهَّم، ولم يكن هناك أيُّ شيءٍ من هذا الوحي الذي كان يتنزَّل عليه، فتصديق الوحي يعني القبول بالدين الجديد وبقدسيّته المرتبطة بالوحي، وبالتَّالي سيواجهون تغييرًا في سيرورة التاريخ، وتبدُّلًا في منظومة الحياة التي سوف يصبح الدين هو المسيِّر والموجِّه لها، لذا كان لا بدَّ من رفض هذه الرِّسالة عبر إنكار الوحي وتشويه صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث توالت التُّهم المختلفة والمتنوّعة التي تُنكر هذا الوحي، مثل اتّهام النبيّ عليه السلام بالجنون أو السِّحر أو المرض أو غيرها من التُّهم، وهنا سنكتفي بالحديث عن تهمةٍ واحدةٍ، هي تهمة كون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مصابًا بالصَّرع والمرض النفسيِّ المرافق له، وبالتَّالي يصبح الوحي حالةً من حالات المرض النفسيِّ، وحالةً من الوهم التي تصيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في أثناء تعرُّضه للصرع، فالوحي بادِّعائهم ذو منشأ نفسيٍّ، وليس مصدره الخارج أو عالم الغيب، وبأنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدرك سوى عالم المادة والطبيعة، أي إنَّ هذا «الوحي الذي أخبر به محمد إنَّما هو إلهامٌ كان يفيض من نفس النبي المُوحَى إليه لا من الخارج؛ ذلك أنَّ منازع نفسه العالية، وسريرته الطَّاهرة، وقوَّة إيمانه بالله وبوجوب عبادته وترك ما سواه من عبادة وتقاليد يكون لها في جملتها من التَّأثير ما يتجلَّى في ذهنه، ويحدث في عقله الباطن الرؤى، والأحوال الروحية، فيتصور ما يعتقد وجوده إرشادًا إلهيًا نازلًا عليه من السَّماء بدون وساطة أو يتمثل له رجلٌ يلقِّنه ذلك، يعتقد أنَّه من عالم الغيب... وأنَّ ما تخيّله إنِّما هو نابعٌ من نفسه ومن عقله الباطن»[7]، فالوحي بذلك يكون جزءًا من التَّصورات التي يسعى لها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والتي تعكس ما في داخله، وليست حقيقيّة.

لقد امتاز الوحي بنتاجٍ عقديٍّ وفكريٍّ وتشريعيٍّ منزَّلٍ، ومنظومةٍ علميّةٍ رصينةٍ، وبلاغةٍ وقدرة إعجازٍ بما ضمَّت من أسرار الكون بشكلٍ يؤكِّد أنَّه ليس نتاج عقلٍ بشريٍّ وليس قدرةً بشريةً، وبالتَّالي فإنَّ هذا الوحي ليس نتاج عقلٍ باطنٍ، إذ إنَّ «العقل الباطن على ما يقول علماء النفس، إنَّما يفيض بما فيه في غفلةٍ من العقل الظاهر، ولذلك لا يظهر ما فيه إلّا عن طريق الرؤى والأحلام، الأمراض كالحمى مثلًا وفي الظروف غير العادية، والقرآن الكريم نزل على النبي  وهو في اليقظة، وفي اكتمالٍ من عقله وبدنه، ولم ينزل منه شيءٌ في الرؤى والأحلام»[8].

فالحديث عن الوحي على اعتباره من مخرجات العقل الباطن أو اللاوعي (اللاشعور)، هو حديثٌ ينطلق من تعبير عالم النفس سيغموند فرويد (Sigmund freud)، وكأنَّ الحديث بهذه الصيغة أو هذا التفسير يضفي على الكلام طابع العلميّة أو الموضوعيّة، ولكنَّ حقيقة هذا التفسير -انطلاقًا من نظرية اللاوعي ذاتها- تعني أنَّ هذه العلوم والمعارف قد تمَّ اكتسابها مسبقًا، حتى خرجت في حالة اللاشعور؛ لأنَّ -وحسب تعبير فرويد- منطقة (الهو) التي تحتوي على كلِّ ما يكبته الإنسان وكلِّ ما يحاول إخفاءه في هذه المنطقة اللاواعية يظهر عندما تغفل (الأنا الأعلى) والتي تمثِّل الجدار المانع لخروج ما يوجد في منطقة (الهو)، ففي هذه اللحظة يخرج شيءٌ ممَّا يخفيه، وهذا يحدث في حالات زلَّات اللسان أو أن يكون الإنسان مصابًا بمرضٍ نفسيٍ، أي في حالات يكون فيها بحالة من اللاوعي، وغياب للشعور، وخلال هذه العملية وما يحدث فيها لا يخترع هذا الشخص شيئًا جديدًا من عنده أو لا يقدِّم علومًا ومعارف جديدةً؛ إنَّما هي مكتسبةٌ مسبقًا ولكنَّها قابعةٌ في حالة اللاشعور، وما إن تستغل غياب حالة الشعور حتى تخرج إلى العلن، ما يؤكِّد بطلان فكرة أنَّ الوحي مرضٌ نفسيٌ، وبطلان هذه المزاعم سيدفعنا للحديث عن الوحي وتأثيراته على النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

2- تدرُّج الأثر النفسيِّ للوحي عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبطلان مزوّريه

الوحي شيءٌ خارج المألوف عن الطبيعة البشرية وكينونتها، والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مخلوقٌ بشريٌّ على الرغم من قدراته التي أيَّده الله بها، وعلوّ شأنه وسموّ أخلاقه، أي إنَّه من الطَّبيعي أن يتأثَّر بهذا الحدث الغريب عليه، وبالتالي انعكست هذه الآثار على نفسيّته وهيئته الخارجيّة كنتيجةٍ طبيعيةٍ لتأثير النفس على الجسد، حيث قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)[9]. وهذا دليلٌ قرآنيٌّ على أنَّ للوحي آثارًا على شخصيّة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث اختلفت وتعدّدت هذه الآثار، ونحن هنا سنذكر بعضها، كسماعه دويًّا كدويِّ النحل عند وجهه الكريم، وتغيُّر لون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وغشيانه، حاله مثل حال المحموم، إضافةً إلى تفصُّد جبينه عرقًا حتّى في أيام البرد الشديد، وثقل وزنه. سأل الحارث بن هشام النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه عليَّ، فيفصم عنَّي وقد وعيت عنه ما قال»[10]، والصلصلة صوت الحديد إذا تمّ تحريكه، والمراد به أنَّه صوتٌ ثابتٌ ومدرَكٌ، يسمع بصوت واضح جدًا، أمَّا شدّته على النبير فهو دليلٌ على عدم اعتياده عليه، إلا أنَّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمدَّه الله تعالى بطاقةٍ ليتحمَّل ما يصيبه، فيتغيّر لونه، ويعرق جبينه بشدَّة، لكنَّه يتحمَّل كلَّ ذلك بغية تبليغ الرسالة بأكمل صورةٍ. في هذه الحالة، أي حالة صلصلة الجرس يذهب البعض إلى أنَّها ذاتها دويُّ النحل، لكنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يسمعه بأذنيه كصلصلة الجرس، إلا أنَّ مَنْ حوله يسمعونه كدويِّ النحل.

بالنسبة لتغيُّر وجه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فهو نتيجةٌ طبيعيّةٌ لمَا ينتابه من ضيقٍ وتعبٍ، حيث كان يتربَّد وجهه الكريم، ثم يحمرُّ. عن عبادة بن الصامت، قال: «كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أُنزل عليه الوحي كُرِب لذلك وتربَّد وجهه»[11]، فالآثار السابقة آثارٌ نفسيّةٌ لها انعكاسها على الجسد، أمّا ما يتمُّ تلفيقه من تمدُّد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) على الأرض أو أنَّه كان يعض على شفتيه، أو يغلق عينيه، وغيرها من الأوصاف التي لا تليق بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تمت للواقع بصلةٍ، فهي مجرَّد كلامٍ ليس له أساس من الصِّحة، والهدف منه الطعن بالوحي وبشخصيّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي الطعن بآلية التبليغ والدعوة التي يحملها الوحي.

إنَّ حادثة الوحي حادثةٌ مفاجئةٌ، لا تحدث بشكلٍ أو وقتٍ محدّدٍ، ممَّا يجعل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مرتعدًا لحظة نزوله، فالتغيّرات التي تطرأ عليه لم تكن لتحدث لولا عمليّة النزول، ممَّا يؤكِّد أنّ آثار الوحي والتغيرات المرافقة له على شخصيّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، هي مؤقتةٌ وطارئةٌ وتزول مع انتهاء الوحي، لذا فالوحي ليس أمرًا داخليًّا كما ذهب المستشرقون -ومنهم نولدكه- بل أمرٌ خارجيٌّ، من عالم الغيب، حيث إنَّهم أرادوا من ذلك الطعن في ظاهرة الوحي والنبوة معًا؛ ذلك لأنَّ الوحي هو «أخصُّ مزايا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة، فإذا تخلَّلها شكٌّ فلا تغني أيَّة صفةٍ أو ظاهرةٍ أخرى عنها»[12]، فإرجاع الوحي إلى خللٍ نفسيٍّ في شخصيّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يجعل من الوحي أمرًا غير موثوقٍ به لصدوره عن مختلِّ نفسيٍّ -كما يزعمون- وبالتالي الطعن في مصدره وفي صدقهِ، فالوحي جوهر الدين إذا ما تمَّ التشكيك فيه، يعني التشكيك بالدين كاملًا، إذ إنَّ تلك الممارسات «تمسُّ ركنًا مهمًا من الدين سواء أكان ذلك في عقيدته أم فكره أم سلوكه أم جهاده، فلا يسلم المسلم إذا داخلته شبهةٌ بها»[13]، فنقد السلوك هو نقدٌ لشخصيّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتَّالي هو نقدٌ يهيّئ لرفض الدعوة، حيث تساءل الفيلسوف البريطاني (آرنولد توينبي) في كتابه دراسة التاريخ: أيّ فجوة تحدث لو طُعن في تاريخ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ والوحي أبرز ما جاء في تاريخ الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنَّه الحامل للرسالة السماوية.

إذًا، فالآثار التي كانت تعتري النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في فترة الوحي، هي آثارٌ نفسيّةٌ متدرِّجةٌ حسب نوع الوحي وشدَّته، وهي آثارٌ لها سببها الخارجي (الوحي) وتزول بزواله (ذهابه). وإنّ تهمة الصَّرع أو المرض النفسيِّ غير مقبولةٍ منطقيًّا ولا دينيًّا، فتبليغ الدعوة أو الرسالة السماويّة لا يمكن أن يتمَّ بواسطة مريضٍ نفسيِّ، ولا يمكن أن يقع اختيار الله عز وجل على شخصٍ مصابٍ بمرضٍ نفسيٍّ، أمَّا بطلانها من الناحية المنطقيّة فيمكننا القول بأنَّ مريض الصَّرع لا يتذكَّر ما ينتابه في لحظات الصَّرع، حيث يكون في حالةٍ تامةٍ من فقدان الوعي، في حين أنَّ الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتذكَّر، لا بل ويحفظ بشكلٍ دقيقٍ ما جاء إليه به الوحي، فملكة الشعور والتفكير تتعطل بشكلٍ كاملٍ خلال نوبة الصّرع، «فالصرع يعطِّل الإدراك الإنسانيَّ وينزل بالإنسان إلى مرتبةٍ آليةٍ يفقد أثناءها الشّعور والحسَّ، أمَّا الوحي فسموّ روحيّ اختصّ الله به أنبياءَه ليلقي إليهم بحقائق الكون اليقينيّة العليا كي يبلغوها الناس»[14]، فلا يصحُّ تبليغ رسالةٍ سماويةٍ لما فيها من تعاليم وتشريعاتٍ دقيقةٍ إلا بواسطة إنسانٍ سليمٍ وناضجٍ عقليًّا ونفسيًّا، ولعلَّ هذا السبب الذي يفسِّر تأخُّر نزول الوحي على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى سنّ الأربعين.

ثانيًا: نقد تجلِّيات الوحي النبويِّ وتفسيراتها النفسيَّة عند نولدكه

أمَّا حديث نولدكه عن النبوة الخاصّة بمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ‏فهو موضوعٌ مختلفٌ، فآثارها النفسيّة على ‏النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لها قصةٌ مختلفةٌ، فإنّ الوحي الذي يراه نولدكه ضرورةً  نبويةً إنَّما كان ‏يعني ‏الوحي والنُّبوة السابقة على رسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، دون أن يقصد النبوّة المحمّديّة، بل كان لديه الكثير من الاعتراضات والرفض لها، وللحديث بشكل أكثر تفصيلًا، سنتحدَّث عن آراء نولدكه وموقفه من الوحي.

‏1- إنكار نولدكه لتجليَّات الوحي، ونقد موقفه

يبدأ نولدكه بتعداد أنواع الوحي بلغةٍ تهكّميّةٍ وشكيَّةٍ، حيث يكرِّر دائمًا كلمة (يُقال) وكأنَّه ليس باحثًا علميًّا يستخدم المنطق والمنهجيّة لتقصِّي حقائقه بأسلوبٍ علميٍّ، حيث يصل إلى نتيجة مفادها أنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس سوى شخصٍ مصابٍ بالصَّرع، وترافق صرعه حالةٌ من الاضطرابات النفسيّة الشّديدة، ويذهب إلى تبنِّي الشائعة البيزنطينيّة التي تقول إنَّ الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) مصابٌ بالصَّرع ومريضٌ نفسيٌّ، فهذا التبنِّي لهذه المقولة التاريخية دون أيِّ مرجعيةٍ علميةٍ أو دون دليلٍ على صحتها هو بحدِّ ذاته مأخذٌ على منهجية نولدكه، ودليلٌ على أحكامه المسبقة التي يطلقها قبل أن يقوم بأيِّ عمليةٍ استدلاليةٍ علميةٍ.

يتابع نولدكه حديثه بهذا الأسلوب السردي إلى حدِّ القول بأنَّ حالات الصَّرع التي كانت تنتاب الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) هي ضربٌ من ضروب الجنون، وبأنَّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) حاول أن يتستَّر على هذا الجنون وعلى حالته من فقدانٍ للوعي ونوبات الغيبوبة بتبرير أنَّ ما يحدث له عبارة عن ميزةٍ إلهيةٍ، وتدلُّ على قربه من الله وخصوصيّته عند ربِّه، حيث يقول: «إنَّ العرب، شأنهم في ذلك شأن كلِّ الشعوب القديمة، كانوا يعتبرون من كانت تعتريه حالاتٌ كهذه مجنونًا، لذا يبدو أنَّ محمدًا، الذي كان يشاركهم في البداية هذا الاعتقاد، رأى لاحقًا في ما كان يغشاه تأثيرًا خاصًا عليه من الإله الحقيقي الواحد»[15]، وبالتالي فكلُّ أنواع الوحي وكلُّ تجلياته ما هي إلا نوبات صرعٍ واضطراباتٍ نفسيّةٍ أراد النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) استغلالها ليرفع نفسه فوق البشر، وقد ظهر ذلك جليًّا في حادثة الإسراء والمعراج والتي هي ليست سوى حلمٍ رآه النبي، ويعبِّر عن اضطرابه النفسيِّ وتخيّلاته التي بات ينسج منها قصصًا ورواياتٍ، فالوحي المزعوم -حسب تعبير نولدكه- أغلبه يحدث ليلًا، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنَّه يدلُّ على صحّة الاضطرابات النّفسيّة والتي تكون في الليل «أكثر قابلية لاستقبال التخيّلات والانطباعات النفسيّة عمَّا هي عليه في وضح النهار. ونحن نعلم بالتأكيد أنَّ محمّدًا كثيرًا ما قضى الليل متهجِّدًا (سورة الإسراء 17: 79/ 81) وأنَّه كثيرًا ما صام. وتشتدُّ بالصيام القدرة على مشاهدة الرؤى ... كما اكتشفت الفيزيولوجيا الحديثة مؤخرًا»[16].

هنا يحاول نولدكه أن يسند كلامه إلى الفيزيولوجيا الحديثة -كما يزعم- في حين أنَّ علم النفس المعاصر يؤكِّد أنَّ المريض النفسيَّ يُصاب بتشتتٍ الانتباه بشكلٍ عامٍّ، «من 30 إلى 50 % من مرضى الصَّرع يؤدِّي إلى تدهورٍ في الأداء الأكاديميِّ والاجتماعيِّ، ولا ترتبط هذه العلاقة بنوع الصَّرع أو سنِّ بداية الصَّرع أو أسبابه. التدخُّل العلاجي في حالات (ADHD) -تشتت الانتباه- عادةً ما يكون بالأدوية... وهي غير مناسبة لمرضى الصَّرع؛ لأنَّه من الممكن أن ينتج عنها زيادةٌ في النوبات الصَّرعية»[17]، بينما لم يذكر أحد أنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعاني من مرض نفسيٍّ أو عقليّ نتيجةً لهذا الصَّرع -لو افترضنا جدلًا إصابته- كما أنَّ مصاب الصَّرع -حسب الدراسة السابقة- سيكون غير قادرٍ على التخطيط بشكلٍ جيدٍ أو القيام بالعمليات الذهنية المعقَّدة، وهذا ما لم يذكر أحدٌ بأنَّه قد أصاب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من أعراضه، بل على العكس تمامًا كان يتمتَّع بقدراتٍ عقليّةٍ فائقةٍ وتخطيطٍ عال الدِّقة، شهد بذلك له الأعداء قبل المقرَّبين منه، فالنّبيّ عليه السلام قائدٌ عسكريٌّ ورجل دولةٍ؛ إذ أسَّس أوَّل دولةٍ إسلاميّةٍ، وقام بتنظيمها عبر نظام التعاهد بين المهاجرين والأنصار، فقيام «الدولة على هذه الصورة تعتبر النموذج الأول لقيام الدولة التعاهدية الثيوقراطية في التاريخ حيث يتّفق أطرافها طواعيةً وبدون قهرٍ على قيامها على أساس عقدٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ وعسكريٍّ واقتصاديٍّ قبل أن يعرف العالم نظام الدولة التعاهدية»[18]، ففكرة هجرة المسلمين إلى الحبشة، ثمَّ الهجرة إلى المدينة المنورة التي قام بها المسلمون بطلبٍ من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ونجاحه بإقامة الدولة الإسلامية ثمّ عودته لفتح مكة، وغيرها من المعارك التي خاضها وانتصر فيها ونشر رسالته السماوية التي كانت قد صدرت عبر الوحي الإلهيِّ له، كلُّها علاماتٌ تدلُّ على زيف ادِّعاء نولدكه باضطراب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومرضه الذي زعمه ووافقه عليه عددٌ من المستشرقين.

يذهب نولدكه إلى اعتبار أنَّ صيام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والإكثار من الصيام كان الهدف منه مشاهدة الرؤى، حيث يعزِّز فكرته هذه بالعودة إلى إنجيل متَّى، حيث ورد في إنجيل متَّى في الإصحاح الرابع: «إنَّ الصوم هو سلاح ضدَّ الشيطان، ولكنَّنا نجد هنا أنَّ الصوم أثار الشيطان ضدَّ المسيح فحاربه، فهل نصوم ليحاربنا الشيطان؟ نقول: نعم»[19]، إذ إنَّ نولدكه يرجع للتأكيد بأنَّ حالة الصفاء النفسيِّ تجعل من الرؤية أقرب وأسهل للتحقُّق، وفي ذلك تناقضٌ صريحٌ بين دعوة نولدكه إلى اعتبار الصَّرع والاضطراب النفسيِّ ضربًا من الجنون وبين اعتباره مساعدًا على الخلو النفسيِّ، ما دام الحديث كلّه حول شخصيّةٍ واحدةٍ وهي شخصية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهذا تناقضٌ منهجيٌّ ويحتوي على طغيانٍ لذاتيّة الباحث على نتائجه.

كما أنَّ عودة نولدكه إلى الإنجيل أمرٌ من شأنه التشكيك في مصداقيّته، إذ كيف لباحثٍ تاريخيٍّ أن يستند إلى نصوصٍ من الإنجيل المقدَّس وأن يصدِّقه في حين يذهب إلى رفض آياتٍ من القرآن الكريم بوصفه كتابًا مقدّسًا أيضًا، إذ يتوجَّب على نولدكه أن يرفض وأن يتجرّد من كلِّ إيمان ويبحث بموضوعيّةٍ بعيدًا عن الذاتيّة أو عن أيِّ انتماءٍ دينيٍّ أو أيديولوجيٍّ ليصل إلى نتائجه المنطقيّة.

‏2- المعنى النقديّ لتفسير الوحي بالمرض النفسيِّ والتَّوسع في إنكاره

لم يكن نولدكه يقدِّم طروحاته جزافًا دون البحث عن دليلٍ، بل إنَّه حاول دائمًا الرجوع إلى القرآن الكريم أو إلى المراجع الدينيّة والأحاديث التي نُقلت عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث نجده «يتَّجه أولًا إلى الروايات الصّحيحة الثابتة التي لا تؤيِّد تفسيره، فيشكِّك فيها ليُكسب تفسيره الآتي المرجعيّة الإسلاميّة، فنجده هنا يرفض معظم الروايات التي ورد فيها كيفيّات تلقي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي من الله تعالى مشككًا في ثبوتها، بدعوى أنَّها لم ترد في الحديث الذي ثبت عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ بل قامت على تفسيراتٍ خاطئةٍ للكتاب والسنة، ولا يستبقي منها إلا كيفيّةً واحدةً هي سماعه(صلى الله عليه وآله وسلم) صلصلة الجرس بدعوى أنَّها الوحيدة التي ثبتت عن النبي»[20]، لذا فقد توجَّب علينا العودة إلى الأدلّة المنطقيّة، والبحث في منهجيّة نولدكه، وتبيان حقيقة آرائه وتباينها.

بيَّن نولدكه أنَّ المعنى الحقيقيَّ للوحي لا يقتصر على نزول القرآن وآياته إنَّما يتعدَّى ذلك إلى معانٍ أشمل، فقد ينزل الوحي ليذكِّره بتشريعٍ أو حلٍّ لموقفٍ معيّنٍ، أو لمساندته لقيام الليل، أو نزول الوحي لإرشاد النبيّ الكريم على تصرّفٍ محدَّدٍ، أو لمساعدته بالاختيار بين خياراتٍ عدَّة معروضةٍ عليه، حيث ثبت أنَّ جبريل «جاءه فقال: (يا محمدُ، كُن عجَّاجًا ثجَّاجًا بالتلبية)؛ كما جاءه آمرًا بالشورى في أسرى بدر قائلًا: (خيِّر أصحابك في الأسارى إن شاءوا في القتل وإن شاءوا في الفداء)»[21]، ثمَّ يذهب نولدكه إلى خلط الحقِّ بالباطل، حيث عد ادِّعاءات مسيلمة وطليحة وحيًا، وبالتالي ساوى بين الحقِّ والباطل، وهي منهجيةٌ اتَّبعها لضرب الحقِّ بالباطل ليظهره كلَّه باطلًا، لا سيّما أنَّه يقوم بنقل دراسته إلى بلدانٍ ليست على تماسٍ مباشرٍ مع بلاد المسلمين، ولا تربطها بها رابطةٌ تاريخيّةٌ ولا لغويةٌ ممَّا يسهِّل عليه عملية خلط الحقائق وتشويهها.

فقد زعم أنَّ أنواع الوحي متداخلةٌ وغير مثبتةٍ جميعها، وعَبْر رفضه للإسراء والمعراج رفض الوحي في السَّماء، مع محاولته تقديم الوحي عن طريق شخصيّة دحية الكلبي لكي يسهل عليه رفض ظهور جبريل، وكذلك القول بأنَّه كان كصلصلة الجرس، وذكر شدّته وتأثيره على حالة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من تعبٍ وتصبُّب عرقٍ وغيرها من الحالات التي تشير إلى إرهاقه، حيث كانت غاية نولدكه من ذلك تعزيز فكرة إصابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بمرض الصَّرع وما له من مضاعفاتٍ وآثارٍ نفسيةٍ على شخصيته، وبالتَّالي تحويل الوحي من مسألةٍ موضوعيةٍ خارجيةٍ إلى أمرٍ داخليٍّ وذاتيٍّ خاصٍّ بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) متوقِّف على طبيعته وصحَّته، أي منح الوحي طابعًا شخصانيًّا، ونزع القدسيّة عن الدِّين، وزعم أنَّ الدين الإسلاميَّ عبارةٌ عن اجتهادٍ شخصيٍّ أو مشروع إصلاحٍ اجتماعيٍّ مثله مثل أيِّ دعوة إصلاح تأتي في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وما الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا شخصًا مصلحًا في زمانٍ محدَّدٍ ومكانٍ معيّنٍ، وقد انقضى زمانه في مكانه، ولم يعد صالحًا لزماننا وظروفنا الجديدة المتغيّرة والمختلفة، ويعزِّز هذه الفكرة ما ذهب إليه المستعرب الألماني هوبرت جرين (H. green)، حيث زعم أنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) «لم يكن في بداية أمره يبشِّر بدينٍ جديدٍ، ولكنَّه اقتنع بضرورة إصلاح مجتمعه في مكة الذي يعاني من الفساد، فوضع خطةً لمساعدة ‏الفقراء عن طريق فرض ضريبةٍ على الأغنياء، ولكنَّه أدرك أنَّهم لن يتقبَّلوا هذا الحلَّ بسهولةٍ، فلجأ إلى حلول تحمّل معنى القدسيّة كفكرة الحساب يوم القيامة كوسيلةٍ للضغط على هؤلاء الأغنياء ‏لقبول خطته الرامية إلى الإصلاح الاجتماعيّ في مجتمعه، ففرض عليهم الزكاة لتطهير أموالهم ‏وأنفسهم، أمَّا المستشرق الإنجليزي مونتجمرى وات (‏M.WATT‏)، فهو ينكر الوحي الإلهيّ وأن ‏مصدر القرآن هو الخيال الخلّاق الذي يتمتّع بها لرسول مثل ما تمتّع به بقيّة البشر الممتازين، فهو ‏يرجع إلى اللاوعي الجماعي طبقًا لرأي يونج (C. Jung) وقد حاول التوفيق بين هذين الرأيين إلّا أنّه يؤكّد ‏عدم تفسير الوحي بإصابة النّبيّ بالهلوسة والصَّرع وغيرهما من الأمراض العصبيّة، ويؤكِّد أنّه كان ‏صادقًا ومخلصًا في دعوته، إلا أنَّه نفى الوحي الإلهي طبقًا للنظرية الإسلاميّة، شأنه في ذلك شأن ‏بقيّة أضرابه من المستشرقين»[22].

تبقى الرسالة والدعوة التي دعا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى اتّباعه فيها دعوة إصلاحٍ اجتماعيٍّ وتعايشٍ دون أن تكون هذه الدعوة ذات مرجعيةٍ إلهيةٍ مقدّسةٍ، وأنَّ مهمّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) التبليغ وإيصال رسالة الخالق إلى خلقه، فالمحاولة هنا لإيصال رسالة مفادها أنَّ الامتداد التاريخيَّ للوحي ليس امتدادًا خاصًّا به، وليس حكرًا على الأنبياء والمرسلين، إنَّما يتشارك به كبار المفكّرين والمصلحين عبر التاريخ، حيث يشمل بوذا وكونفوشيوس والحكماء الأفارقة وفلاسفة اليونان... وكلَّ الأصوات التي تجسِّد التجربة الجماعية لجماعة بشريةٍ، وبالتالي إمكانيّة إخضاعه لمناهج النقد الفيلولوجي التاريخي التي تطبَّق على الكتب التاريخية، إذ يعدُّ الوحي ظاهرةً لغويةً خاصة بالعرب، لا سيما أنَّه جاء بلسانٍ عربيٍّ، أو أنَّ الوحي قد ترجم على لسان الرسول العربي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا يتمُّ إدخال الوحي إلى حيِّز الأنسنة على اعتباره خطابًا إنسانيًّا مرتبطًا بزمانٍ ومكانٍ، ويجري على لسان بشر، فكلُّ ما سبق يجعل من الوحي مؤطرًا تاريخيًّا.

3- تعارض الرسالة السَّماوية وشروط النبوّة مع ادّعاء المرض النفسي

أقرَّ نولدكه وعددٌ من المستشرقين بالنبوة، وقالوا بضرورة تلازمها مع الوحي ذلك أنَّ الرسالة السماوية تتطلَّب الدقة والحذر في نقل رسالة الخالق إلى خلقه وتبليغها بعناية، لذا فلا بدَّ أن يكون الرسل والأنبياء أصحَّاء عقلاء وسليمين من أيِّ عيبٍ، وهذا ما حدث فعلًا مع كافَّة الرسل الذين أرسلهم الخالق عبر التاريخ بالرسالات السماويّة، وهذا شيء يؤكّده نولدكه بإقراره صحّة وسلامة الرُسل السابقين على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّ نولدكه يتوقّف عند شخصيّة النّبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ليرمي عليه شتَّى أنواع التهم، فيتهمه بعدم سلامة جسده، وباضطرابٍ في عقله، وبمشاكل نفسيّةٍ ناتجةٍ عن إصابته بالصَّرع ـ كما أسلفنا ـ فما الدلالة الحقيقيّة لهذه الرؤية؟

إنَّ كلمة نبيّ مشتقةٌ من كلمة نبأ أي خبر، فالإخبار هي الوظيفة الرئيسة للنبي، أي إخبار أمته (الناس)، بما أوحي إليه، لذا فإنَّ أخصَّ خصائص النبوة يجب أن تكون الصدق؛ لأنَّ نقل الخبر يتطلَّب هذه السمة بشكلٍ أساسيٍّ، ويتطلَّب أن يتّصف صاحب الخبر بهذه الميزة؛ لأنَّ الخبر أمانةٌ، والنبي مكلَّف بإيصالها فيتوجَّب عليه أن يكون أمينًاعليها صادقًا بها.

وقد عُرف النّبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بلقب الصادق الأمين، وذلك قبل نزول الوحي عليه، وقد وصفه تعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)[23]، ولو كان هناك انفصالٌ بين شخصيّة النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومضامين الوحي لما أنزل عليه الله تعالى رسالته، إذ «إنَّ صدق النبي كان سببًا في وثوق أقرب الناس إليه وهي زوجته خديجة أمُّ المؤمنين رضي الله عنها، وكانت دلالة على صدق نبوته عند المقربين منه»[24]، بل إنَّ زواج السيدة خديجة جاء أصلًا  نتيجة لما وجدته عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من صدقٍ وأمانةٍ أثناء فترة عمله بتجارتها وأموالها.

كما يتوجب على النبي أن يكون طاهرًا نزيهًا غير متبعٍ للفواحش، وهي شروطٌ أساسيةٌ للنبي حتى يتمكَّن من تبليغ دعوته ورسالته إلى أمته، وهي سماتٌ رافقت شخصيات الأنبياء والُرسل في التاريخ، كما اتَّسم بها النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد ذكر تعالى بأنَّ الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان قدوةً، والقدوة لا تصحُّ ما لم يكن قد امتاز بأسمى الصفات، حيث جاء في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[25]، فقد كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) نزيهًا عادلًا حريصًا على نفسه وعلى أمته، مقيمًا للعدل بين الناس دون أيِّ تمييزٍ لأحدٍ على غيره «والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها»[26].

وغيرها من صفات الحلم والشجاعة والتواضع والكرم والزهد والصبر، وما إلى ذلك من الصفات التي يمتاز بها جميع الأنبياء والرسل، وتبقى السمة التي تميّز أيَّ رسالةٍ سماويةٍ هي سمة الإعجاز، وهي دليلٌ واقعيٌ على أنَّ هذه الرسالة ليست رسالةً بشريّةً أو من فكر البشر، ولو ولم تتميّز رسالة النبوّة بسمة الإعجاز لكان قد كَثُر مَنْ يدَّعون النبوة، فالإعجاز هو بمنزلة الدليل القويِّ والمؤكِّد على أنَّ ما يحمل النبي من رسالة هي ليست إلا رسالةً مقدّسةً من الخالق. ونذكر بعضًا من هذه المعجزات التي كانت خاصّة بالنّبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهي على قسمين: الأوَّل منها ظهر في فترة الدعوة، والهدف منها تقوية إيمان المؤمنين والتشجيع على الدين، وإثبات صدق الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، «كانشقاق القمر، ونبعان الماء من بين أصابعه الشريفة، وإشباع الكثيرين بطعام قليل، وتكلم الحيوان والشجر والحجر...»[27]، أمَّا القسم الثاني، فهي المعجزة التي جاء بها النبي الكريم واستمرت على امتداد الزمان هي القرآن ذاته الذي تكفَّل الله بحفظه، حيث جاء في قوله تعالى: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[28].

إنَّ تقدُّم الإنسان لطلب عملٍ ما يتطلّب شروطًا ومواصفاتٍ كثيرةً، ولعلَّ أبسطها سلامة العقل وعدم الاضطراب النفسيِّ أو أن يتمتّع الإنسان بصحّةٍ نفسيّةٍ، والحاكم الذي سيحكم شعبًا ما فإنَّ شروط الحكم ستكون أكثر دقّة؛ لأنَّ هذا الحاكم سيتحوَّل إلى مرآةٍ للشعب أو ممثلًا لهم بين الشعوب الأخرى، فإن كان يعاني من أيِّ عيبٍ لن يقبله شعبه، فما بالك بأن يختار الله عز وجل إنسانًا ليبلغ رسالة الوحي، بالتأكيد سيكون قد امتاز بشروطٍ هي الأسمى والأرفع بين أقرانه من بني البشر، وهذا فعلًا ما كان قد اتَّصف به الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

إنَّ الرسالة السماويّة رسالةٌ كاملةٌ لا يجوز أن تكون منتقَصَةً؛ ذلك لأنَّها رسالةٌ إلى البشريّة جمعاء، مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة، وبذلك لا يصحُّ أن يبلِّغها إنسانٌ غير سويٍّ أو يعاني من أيِّ مشاكل نفسيةٍ، ولو كان فعلًا النبي الكريم مصابًا بمرضٍ نفسيٍّ -كما يقول نولدكه- لما اكتملت الرسالة وفهمها جميع من يريد اعتناقها، وتكاثر أتباعها في جميع أصقاع الأرض مشارقها ومغاربها، ممَّا يؤكِّد صلاحيّة هذا الرسالة السماوية التي أنزلها الله عبر الوحي لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.

الخاتمة

- طغى طابع الذاتيّة على مناقشات موضوع الوحي عند نولدكه، وتغيب الرّوح العلميّة والموضوعيّة في البحث بشكلٍ يظهر من أولى صفحات الكتاب، كما يقتصر على السرديّة التاريخيّة لسلسلةٍ كبيرةٍ من الأحداث والمواقف، وكأنّه يحاول انتزاع المصداقيّة عبر الإكثار من الأمثلة التاريخيّة.

- ضعفت الرّوح العلميّة والموضعيّة في البحث بالشكل الذي يجعله يصل إلى نتائجه دون الترابط المنطقيِّ والحقيقيِّ بين المقدمات والنتائج، ممَّا جعل البحث لا يمثِّل التحيّز للعلم والحقيقة، حيث اعتمد على أحكامٍ مسبقةٍ، فيقوم بإطلاق الحكم والتدليل على صحَّته، حيث تسبق النتائج عملية التَّوصُّل إليها.

- صحيح أنَّه لا يمكننا أن نطلب من نولدكه تصديق ما جاء في القرآن الكريم بوصفه كتابًا مقدسًا، ولا حتَّى تصديق أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أنَّنا نجد بأن نولدكه يعود إلى الإنجيل ليستشهد به، ويصرِّح بصدق ما جاء فيه، فكيف وقع نولدكه بهذا التناقض حيث يؤمن بوجود الأنبياء والرسل والوحي عبر سيرورة التاريخ البشري، وعندما يصل إلى مناقشة الوحي النبوي والرسالة السماوية التي نزلت على محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يرفضها وينكرها بشكلٍ مطلقٍ، دون محاولته التأكد من صحتها بشكلٍ علميٍّ، إذ إنه من المفترض أن يبدأ بالتأكُّد من صحّتها على غرار الرسالات السماويّة السابقة التي يصدّقها وليس العكس.

- إنَّ ادّعاء نولدكه بأنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مصابٌ بالصَّرع وتعتريه اختلاجاتٌ لها آثارٌ نفسيّةٌ عليه هو ادعاءٌ لم يستند إلى أيِّ مستندٍ أو مرجعيّةٍ علميّةٍ، إنَّما كان عبارةً عن سلسلةٍ من التهكمات والادعاءات غير المترابطة بدليلٍ يثبت صحّة هذه المزاعم، ممَّا يجعل كلامه يندرج ضمن الكلام المبني على تخيلاتٍ وتصوراتٍ أيديولوجيةٍ مؤطرةٍ بأطر لا تمتُّ للواقع وروحه بشيء من الصحّة أو الدّقّة، حيث يظهر ذلك بعودة نولدكه إلى البحث في التاريخ وما قد قيل على لسان أعداء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث استشهد -من ضمن استشهاداته- على مرض الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من الادّعاءات البيزنطينيّة التي بدورها رفضت الدعوة النبويّة والوحي آنذاك، وقالت بأنَّه مصابٌ بالمرض النفسيّ والجنون، ممَّا يجعل هذه العودة في عمق التاريخ عودةً غير موفّقةٍ لا سيما أنَّ الزمان الذي يفصل بين نولدكه وتلك الحقبة زمانٌ طويلٌ يُقاس بالقرون، وهي فترةٌ شهدت تطوّرًا كبيرًا في شتّى مجالات العلوم والبحث العلمي، في الوقت الذي يصرُّ فيه نولدكه على العودة إلى تلك الحقبة الزمنيّة ومن دون أيِّ مبرّر علميٍّ أو موضوعيٍّ، بل على العكس تمامًا حيث يعود مكتفيًا بترديد ما قد قيل في تلك القرون دون أي إضافةٍ أو تبريرٍ مقنعٍ.

- قدّم نولدكه مفهومًا خاصًّا بالنبوّة يجعل من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عبارةً عن مصلحٍ اجتماعيٍّ جاء في زمانٍ ومكانٍ ليحدث فيه التغيير مثله بذلك مثل بوذا وكونفوشيوس، وغيرهم من المصلحين عبر التاريخ، «فالنبوة عنده ثوب فضفاض يتسع لكلِّ من يتقمصه ويرتديه، حتى لو كان مهرجًا»[29]، وبذلك قد وسَّع مفهوم النبوة خارج الوحي وترك الباب مفتوحًا لكل ما هبَّ ودبَّ.

لائحة المصادر والمراجع

‏القرآن الكريم.

محمد ممدوح العربي، دولة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988م.

رضا محمد الدقيقي، الوحي إلى محمد بين الإنكار والتفسير النفسي، إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون ‏الإسلامية، قطر، ط1، ‏‏2009م.

محمد رشيد زاهد، موقف المستشرقين من الوحي: دراسة تحليليّة، مجلة دراسات الجامعة الإسلاميّة العالميّة في ‏شيتاغونغ، ‏بنغلاديش، المجلد الثالث، ديسمبر، 2006م.

يحيى معابدة، الرعاية والإعداد الإلهي للنبي قبل البعثة ودورها في نجاح الدعوة الإسلامية، مجلة العلوم ‏الإسلامية، جامعة أغري إبراهيم ‏شيشان، تركيا، 2017م.

إنجيل متَّى.‏

صحيح البخاري.

صحيح المسلم.

تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسسة كونراد- أدناور، ط1، برلين، 2004م.

‏حسن علي حسن مطر الهاشمي، قراءة نقدية في (تاريخ القرآن) للمستشرق ثيودور نولدكه، سلسلة منشورات ‏المركز الإسلامي ‏للدراسات الاستراتيجية العتبة العباسية المقدسة، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2014م.

محمد محمد أبو شهبة، المدخل لدراسة القرآن الكريم، دار اللواء للنشر، الرياض، ط3، 1987م.

نذير حمدان، الرسول‏(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابات المستشرقين، مطبوعات رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، د.ت.

ادوارد وبارجانبيريز، الصرع والحالات النفسية المرتبطة به، ترجمة غالية عادل صالح، مراجعة حنان ‏المزاحي، منشورات ‏الرابطة الدولية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، جنيف، 2012م.

حامد أشرف همداني، مفهوم النبوة وضرورتها للبشرية بمنظور رسائل النور، منشورات مجلة جامعة بنجاب ‏لاهور، د.ت.

-------------------------------


[1]- دكتور في الفلسفة العربيّة-الإسلاميّة من جامعة دمشق.

[2]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسسة كونراد-  أدناور، ط1، برلين، 2004م، ص3.

[3]- حسن علي حسن مطر الهاشمي، قراءة نقدية في (تاريخ القرآن) للمستشرق ثيودور نولدكه، سلسلة منشورات المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية العتبة العباسية المقدسة، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2014م، ص130.

[4]- للتوسع: راجع نظريّة روح المعاني، وهي نظريّة قال بها ابن عربي، ثم ملّا صدرا صاحب الأسفار، والسيد محمد حسين الطباطبائي، حيث تذهب هذه النظريّة إلى أنّه للفظ عدّة معاني، وليس معنى واحد.

[5]- سورة النساء، الآية 163.

[6]- سورة الشورى، الآية 51.‏

[7]- محمد محمد أبو شهبة، المدخل لدراسة القرآن الكريم، دار اللواء للنشر، الرياض، ط3، 1987م، ص90.

[8]- م.ن، ص100.

[9]- سورة المزمل، الآية 5.

[10]- رواه البخاري (2)، ومسلم (2333).

[11]- رواه مسلم (2334).

[12]- نذير حمدان، الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابات المستشرقين، مطبوعات رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، د.ت، ص86.

[13]- نذير حمدان، الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابات المستشرقين، مطبوعات رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، د.ت، ص86.‏

[14]- م.ن، ص114.

[15]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة، جورج تامر، مؤسسة كونراد - أدناور، ط1، برلين، 2004م، ص24.

[16]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة، جورج تامر، مؤسسة كونراد - أدناور، ط1، برلين، 2004م، ص25.‏

[17]- إدواردو بارجان بيريز، الصرع والحالات النفسية المرتبطة به، ترجمة: غالية عادل صالح، مراجعة: حنان المزاحي، منشورات الرابطة الدولية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، جنيف، 2012م، ص5.

[18]- محمد ممدوح العربي، دولة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988م، ص152.

[19]- إنجيل متى الإصحاح الرابع (4: 2).

[20]- رضا محمد الدقيقي، الوحي إلى محمد بين الإنكار والتفسير النفسي، إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ط1، 2009م، ص88.

[21]- م.ن، ص95.

[22]- محمد رشيد زاهد، موقف المستشرقين من الوحي: دراسة تحليلية، مجلة دراسات الجامعة الإسلاميّة العالميّة في شيتاغونغ، بنغلاديش، المجلد الثالث، ديسمبر، 2006م، ص108 (بتصرف).

[23]- سورة القلم، الآية 4.

[24]- يحيى معابدة، الرعاية والإعداد الإلهي للنبي قبل البعثة ودورها في نجاح الدعوة الإسلاميّة، مجلة العلوم الإسلاميّة، جامعة أغري إبراهيم شيشان، تركيا، 2017م، ص107.

[25]- سورة الاحزاب، الآية 21.

[26]- صحيح البخاري، رقم الحديث (4304).

[27]- حامد أشرف همداني، مفهوم النبوة وضرورتها للبشرية بمنظور رسائل النور، منشورات مجلة جامعة بنجاب لاهور، د.ت، ص12.

[28]- سورة الحجر، الآية 9.

[29]- حسن علي حسن مطر الهاشمي، قراءة نقدية في (تاريخ القرآن) للمستشرق ثيودور نولدكه، سلسلة ‏منشورات ‏المركز الإسلامي ‏للدراسات الاستراتيجية العتبة العباسية المقدسة، دار الكفيل للطباعة والنشر ‏والتوزيع، ط1، 2014م، ص148.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف