البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 11 / 2023  |  1339نَقدٌ لِوُجهَةِ نَظَرِ تيودور نُولدکه حَولَ «ما لا يَتَضَمّنَه القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحَمّد» (نصوص الوحي التي لم تذكر في القرآن وتحدثت عنها الروايات)

د. أصغر طهماسبي بلداجي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية 2022 م / 1443 هـ
نَقدٌ لِوُجهَةِ نَظَرِ تيودور نُولدکه حَولَ «ما لا يَتَضَمّنَه القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحَمّد» (نصوص الوحي التي لم تذكر في القرآن وتحدثت عنها الروايات)

اَلمُلَخَص

اِستَعرَضَ المُستَشرِقُ الأَلمانِي تيودور نُولدكه العَديدَ مِنَ القَضايا المُتَعلقَةِ بِالقُرآنِ وَالنَّبي الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم) فِي كِتابِهِ تاريخ القُرآن. فِي مُعظَمِ الحالاتِ تَعامَلَ نولدكه مَعَ القَضايا القُرآنيّةِ بِتَشَكُّك. عِندَ دِراسَةِ مَوضوعِ الوَحي يَشُكُّ نولدكه فِي مَوضوعِ الوَحیانِیّةِ لِلقُرآنِ ونُزولِ الوَحي عَلَى النَّبي، وَیَذکُرُ شُکوکَاً حَولَ ذَلكَ. وَيُشيرُ فِي قِسمِ «ما لا يَتَضَمَّنه القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحمّد» إلى الوَثائِقِ الرِّوائيّةِ وَالتّاريخيَةِ فِي أَربَعَةِ أَقسام، وَالَّتي بِمَوجِبِها حذفت بَعض الآياتِ القُرآنيّةِ مِنَ المُصحَفِ الكَريمِ. يَستَنِدُ رَأي نولدكه فِي هذا الصَّدَدِ إِلى أَنَّ بَعضَ آياتِ القُرآنِ قَد حُذِفَت مِنَ المُصحَفِ الأَصلي أَو دَخَلَت فِي الحَديثِ النَبوي. وَانطلاقًا من هذا الادّعاء يَتَهِمُّ الرَسولَ الكَريمَ بِالخَطَأ وَالقَلقِ وبِأَنَّه قَد أَخطَأَ فِي التَعرُّفِ عَلَى الوَحي. ويأتي هذا البحث لفَحَص وُجهَة نَظر نولدكه ونقدها، بالاعتماد على المَنهَجِ الوَصفي التَّحليلي. وقد توزّع على أَربَعَةِ مَحاوِرَ؛ أَوّلًا: مَوضوعُ تَحريفِ القُرآنِ مَرفوض بِحُجَجٍ مَرويّةٍ وَعَقلانيّةٍ، لأنَّ صِیانَةَ القُرآنِ مِن كُلِّ تَحريفٍ مُوثّقةٌ بِالقُرآنِ وَالأَدِّلَةِ القاطِعَةِ. ثانِيًا: بِالإضافَةِ إِلى القُرآنِ أُنزِلَ الوَحي لِلنَّبي وَالَّذي يُشارُ إِليهِ بِالوَحي البياني، وَإِنَّ نولدكه قَد ارتَبَكَ فِي تفسيرِ هذَينِ النَوعَينِ مِنَ الوَحي. ثالِثًا: العَديدُ مِنَ التَّقاريرِ السَّرديةِ وَالتّاريخيَّةِ الَّتي اِستَشَهَد بِها نولدکه هِيَ نَفسُ الأخبارِ في هَذَا الصَّدَدِ وَهِيَ ضَعيفةٌ مِن حَيثِ الوَثائِقِ وَالنُّصوصِ. رابِعًا: إنَّ عِصمَةَ الرَّسولِ الكَريمِ فِي نَقلِ الوَحي وَتَفسيرِهِ مِنَ الحَقائِقِ الَّتي يَتِمُّ تَوثيقُها وَإثباتُها بِالحُجَجِ العَقلانيَّةِ وَالسَّرديةِ.

المُقدّمة

يعتَبرُ مَوضوعُ الوَحي مِن أَهَمِّ المَواضيعِ الَّتي قَد نُقِلَت عَنها أَقوالٌ مُختَلَفةٌ حَولَ جودَتِهِ وَكيفيّتِهِ. عَلَى الرغمِ مِنَ الجَدَلِ وَالمُناقَشَةِ بَينَ المُفكِّرين الإِسلاميين، فَإنَّهُم جَميعًا مُتَفقونَ عَلَى نُزولِ الوَحي عَلَی الرَّسولِ الكَريمِ ووَحیانِیّةِ القُرآنِ الكَريمِ؛ إذ إنَّ كُلَّ أَلفاظِ القُرآنِ مِن عِند اللهِ، وَلَم يَتَدَخَل الرَّسولُ فیهِ بِأيِّ شَكلٍ مِنَ الأَشكالِ. بِالإِضافَةِ إِلى القُرآنِ الكَريمِ، فَقَد اِرتَبَطَ الرَّسولُ الكَريمُ بِالوَحي وَأنزِلَ عَلَيهِ فِي أَوقاتٍ مُختَلَفةٍ وَهوَ ما يُسَمّى بِالوَحي البَیاني أَو غَيرِ القُرآني. اِنتَقَدَ المُستَشرقُ الأَلماني نولدكه فِي كِتابِ تاريخِ القُرآنِ مَوضوعَ الوَحي مِن أَبعادٍ مُختلَفةٍ. وقد خصّص الجُزءَ الأَوَّلَ مِن كِتابِهِ لِمَوضوعِ الوَحي بِعُنوانِ "أَصلِ القُرآنِ"، وفيه محوران: اَلمحورُ الأَوَّلُ بِعنوانِ: «فِي نبوَةِ مُحمَّدَ وَالوَحي»[1]، والمِحورُ الثَّاني بِعنوانِ: «فِي أصلِ أجزاءِ القُرآنِ المُفردة»[2]، وفي هَذا المِحورِ يُثيرُ قَضيتينِ؛ هُما: بَحثُ «أجزاء قُرآنِنا الحالِي»[3] وبَحثُ «ما لا يَتَضَمَّنُه القُرآنُ مِمّا أوحی إلی مُحَمَّدَ»[4]، والواضِح مِن عُنوانِ المِحورِ الأَخير لِنولدکه فِي مَوضوعِ الوَحي أَنَّ بَعضَ الآياتِ الَّتي نزلت عَلى النَّبي لَم تَرِد فِي القُرآنِ. ويُشيرُ نولدکه إِلى تَقاريرَ عِدَّة، يَسعَى فيها إِلى إثباتِ شَيءٍ ما فِي كُلِّ قِسمٍ منها. بِالطَّبع، هُوَ يُؤمِنُ بِنَوعٍ آخَرَ مِنَ الوَحي ويَذكُرُ عنوان الأَحاديثِ القُدسیّةِ لِلوَحي غَيرِ القُرآني. لَكِن ما يُؤَكِّدُه نولدكه هو أَنَّه بِسَبَبِ خَطَأِ النَّبي وَتَشَكُّكِهِ حذفَ بَعض آياتِ القُرآنِ مِنَ المُصحَفِ وأطلقَ عليها الحَديثُ النَّبوي. ويَكتُبُ عَن هَذا: «لَعَلَّ النَّبي نَفسَه اِعتَراهُ الشَكُّ أحيانًا وهُوَ عَلی هَذِهِ الأرضيّة المُضطربَةِ. ولَم يَكُن اللّاحِقونَ الَّذين تَولّوا مُهمَّةَ جَمع تَركته أَقَلَّ مِنهُ عَرضةً لِلخَطَأ. لهذا السبب تَمَكَنَّت أقوالٌ عاديةٌ أن تَنالَ بِسُهولَةٍ صِفَةَ "الأحاديث القُدسيَّة"، وتَسَرَّبَت كَوَحي مِنَ الدَّرجةِ الأولَی إلی القُرآنِ. كَذلكَ تَمَكَّنَت بِالمُقابِلِ آياتٌ حَقيقيّة مِنَ القُرآنِ -لم تُضمّ لِسَبَبٍ ما إلی المُصحَفِ- أَن تَدخُلَ الحَديث»[5].

وعليه، تَبحَثُ هذهِ المَقالَةُ فِي وُجهَةِ نَظَرِ نولدكه حَولَ هَذِهِ القَضيّةِ من خلال مَحاوِرَ عدّة، وبَينَما تَنتَقِدُ وُجهَةُ نَظَر فِكرَة تَحريفِ القُرآنِ، فَإنَّها تَفصِلُ بَينَ الوَحي القُرآني وَالوَحي البياني.

أوّلًا: نَظريّةُ نولدكه حَولَ «ما لا يَتَضَمَّنُه القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحمَّد»

فِي كِتابِ تاريخِ القُرآنِ يَتَحَدَّثُ نولدكه بِالتَّفصيلِ عَنِ الوَحي وکیفیّتِهِ. كُلُّ ما يَسعَى نولدکه لِإِثباتِهِ هُوَ القَلقُ فِي أَصلِ وَحیانیّةِ القُرآنِ ونُزولِ الوَحي على الرَّسولِ الكَريم، لِهذا السَّبب فَقَد تَساءَلَ عَن مَوضوعِ الوَحي فِي مَواقِفَ مُختلفةٍ. أَحدُ المَواضيعِ الَّتي یَتَناوَلُها نولدكه تَحتَ مَوضوعِ الوَحي، هو «ما لا يَتَضَمَّنَهُ القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحَمَّد». يَكتُبُ نولدکه فِي بِدايَةِ هذهِ المُناقَشَةِ: «إنَّ السُوَرَ وَالآياتِ الَّتي تَعقبنا حَتّى الآنَ أصلُها مَأخوذَة كُلُّها مِنَ مُصحَفِ المسلمين. لَكِن الحَديثُ يَتَضمَّنُ كَثيرًا مِنَ الآياتِ الأُخرَی الّتي نزلَت عَلَی النَّبي»[6].

يَطرَحُ نولدکه وُجهَةَ نَظَرِهِ فِي مَجالاتٍ عِدَّة مُستَشهِدًا بِالأدلّة المستوحاة من المَصادِرِ السَّرديّة والتّاريخيّة، ويمكن إيرادها بحسب طرحه في النقاط التالية:

النقطة الأولى: يهمُّنا مِنها بِالدَّرَجَةِ الأولی، تلكَ الَّتي ما زالَ نَصُّها مَحفوظًا، والَّتي يَصِفُها الحَديثُ صَراحَةً بِأنَّها أجزاءٌ أصيلةٌ مِنَ القُرآنِ[7].

النقطة الثانية: نملِكُ بَعضَ المَعلوماتِ عَن مَقاطِعَ قُرآنيّةٍ ضاعَت مِن دونِ أن يَبقي لَها أيّ أثَرٍ[8].

النقطة الثالِثَة: نَذكُرُ أحاديثَ مُحَمَّد الَّتي تمثّل بِدَورِها وَحيًا إلهيًا، لَكنَّها لا تُعلنُ صَراحَةً أنّها أجزاءٌ مِنَ القُرآنِ[9].

النقطة الرابعة: لا بُدَّ أَن نَذكُرَ العَدَدَ الضَّخمَ مِنَ الرِّواياتِ الَّتي أطلَقَ فيها مُحَمَّدُ فِي مُختَلَفِ المُناسباتِ تَحذيراتٍ أَو أَوامِرَ، أَو كَشفَ عَنِ الحاضراتِ أو المُقبَلاتِ بِواسِطَةِ وَحيٍ أتاهُ، ويَكفِي أَن نَسوّقَ مِن هَذِهِ المادَّةِ الضَّخمَةِ بَعضَ النَماذِج..[10].

اِستَنتَجَ نولدكه مُستَشهِدًا بِأَدِّلةٍ من المَصادِرِ السَّرديةِ والتَّاريخيَّة أَنَّ هُناكَ وَحيًا آخَرَ لِلنَّبي غَير القُرآنِ.

وبَعدَ الإشارَةِ إِلَى بَعضِ التَّقاريرِ التَّاريخيَةِ یَكتُبُ نولدكه: «يَتَمَتَّعُ هَذَا النَّوعُ مِنَ الوَحي بِقَدرٍ كَبيرٍ مِنَ الثِّقَةِ، كَما يَبدو. ويَكفي لِذِكرِ هذِهِ الأقوال عَدَم تَوفّر نُصوصٍ مُنَزّلةٍ. حَتّى لو اُعتبرَت تلكَ القِصصِ كلّها خُرافات، فَلا بُدَّ مِن أن نَتَمَسَّكَ بِأنَّ هَذهِ الأحداثَ والأقاويل تَرسُمُ عَلَی العُمومِ صُورَةً صَحيحةً عَنِ أمزِجَةِ محمّد أوضاعه النّفسيّة. ومِن صِفَةِ الأنبياءِ، كما يعلّمنا تاريخُ الأديان، أَن يكونوا علی اتّصال شبه دائِمٍ بِالألوهيّةِ ويَرضَخوا إلَی ما تُوحي بِهِ إِلَيهِم، لَيسَ فَقَط عنِدَ القِيامِ بِأعمالٍ عَظيمَةٍ ومُهمّةٍ، بَل أَيضًا فِي أَصغَرِ أمور الحَياة اليَوميَّة التي لا تُحصى. وبناءً عَلَی ذَلكَ، فإنَّ مُحَمدًا شَعَرَ في نَفسه أنّه خاضِعٌ لِتأثير إيحاءات أُخرَی كَثيرة غَير آياتِ القُرآنِ[11].

بَعد ذِكر هَذِهِ الأقوال، يَستَنتِجُ نولدکه ما يَلي: «لَعَلَّ النَّبيّ نَفسَه اعتَراهُ الشَّك أَحيانًا وهو علی هَذه الأَرضيّةِ المُضطَرِبَةِ. ولم يَكُن اللاحِقون الَّذينَ تَوَلّوا مُهِمَّةَ جَمع تَركته أَقَلَّ مِنهُ عَرضةً لِلخَطأِ. لِهذا السَبَبِ تَمَكَّنَت أقوالٌ عادِيَّةٌ أَن تَنالَ بِسُهولةٍ صِفَةَ «الأحاديثِ القُدسيَّةِ»، وحَتّی أن تَتَسَرَّبَ كَوحيٍ مِنَ الدَّرجَةِ الأولی إلی القُرآنِ. كَذَلِكَ تَمَكَّنَت بِالمُقابلِ آياتٌ حَقيقية مِنَ القُرآنِ، لَم تُضم لِسَبَب ما إلی المُصحَفِ أن تَدخُلَ الحَديثِ»[12].

ثانيًا: فَحصُ وُجهَةِ نَظَرِ نولدكه ونقدها

إنّ ما طرحه نولدكه في هذا الصَّدَدِ لا يصمد أمام النقد، ونعرض فيما يلي أربعة مَحاوِر لنقد وجهة نظره:

1- صِیانَةُ القُرآنِ مِنَ التَّحريفِ

أَحَدُ ادّعاءاتِ نولدكه فِي هَذَا الرَأي، هُوَ أَنَّ بَعضَ آياتِ القُرآنِ قَد حُذِفَت، وأنَّ القُرآنَ قَد تَمَّ تَحريفُهُ، ويَستَشهِدُ بِأَدِّلَةٍ، غير أنّها غَيرُ مَقبولَةٍ. إنَّ القُرآنَ الكَريمَ خالٍ مِن أَيِّ تَحريفٍ، وقَد تكَفَّلَ اللهُ حِفظَه، وهَذَا الأَمرُ متَّفقٌ عليه عند المُسلمين. وأيّ رِوايَةٍ فِي هَذا الصَدَدِ، هِيَ خَبر آحاد، وخَبَرُ الواحِدِ غَيرُ مَقبولٍ فِي مُواجَهَةِ نَصٍّ مُتَواتِر.

اَلقُرآنُ الحالِي هو القُرآنُ الَّذي أنزل على الرَّسولِ الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يَكُن فِيهِ نَقصٌ ولا زيادة. يَكتُبُ الشَّيخُ الصدوق عن صِیانَةِ القُرآنِ مِنَ التَّحریفِ قائلًا: «اِعتِقادُنا أنَّ القُرآنَ الَّذي أَنزَلَهُ اللهُ تَعالى عَلَى نَبيِّهِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما بَينَ الدَفّتينِ، وهو ما فِي أَيدِي النّاسِ، لَيسَ بِأَكثَرِ مِن ذَلكَ، ومَبلَغُ سورِهِ عِندَ النّاسِ مائة وأَربَع عَشرة سورةً. وعِندَنا أَنَّ الضحى وأَلَم نَشرَح سورَةً واحِدَةً، ولِإيلافِ وأَلَم تَرَ كَيف سَورة واحِدَةً. ومن نسب إِلَينا أَنَّا نَقولُ إنَّه أَكثَرُ مِن ذَلكَ فَهُو كاذبٌ..»[13].

وبِالإِضافَة إِلى ذَلكَ، فإِنَّ الشيخ الصدوق يفسِّرُ الروايات الظاهرة في التحريف، ويبرّرها بأنّها تُشيرُ إلى الوَحي غَيرِ القُرآني، الّذي أُنزِلَ عَلَى النَّبي الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم).

وبالتالي، فإنّ القُرآنَ الكَريمَ طاهِرٌ ونَقيّ مِن أَيِّ تَحريفٍ؛ لِأَسبابٍ صَحيحَةٍ ومُوَجّهةٍ، مِثلَ:

أ- أَسبابٌ عَقلیّةٌ: قاعِدَةُ قُبحِ العِقاب بِلا بَیانٍ، وقاعِدَةُ اللّطف، وضَرورة اِتمامِ الحُجَّةِ، والعلاقَةُ غَیر المُنفَصَلَةِ بَينَ الإِعجازِ وعَدَمِ تَحريفِ القُرآنِ تعدّ مِنَ الأَسبابِ العَقلیَّةِ على عَدَمِ تَحريفِ القُرآنِ.

فوُجوبُ إِبلاغِ الوَصايا الإِلهيّةِ وإتمامُ الحُجَّةِ عَلَی النّاسِ مِن البَرامِج المُهمّةِ لِلأنبياءِ، الّتي أَكّدها القُرآنُ الكَريمُ، وعَلَى أَساسِ هَذهِ الحِكمَةِ أَرسَلَ اللهُ الأَنبياء لِلهِدایَةِ وإِبلاغِ الرسالات الإِلهيَّةِ إِلَى النّاسِ. ولِلكُتُبِ السَّماويَةِ أَيضًا مِثلَ هَذا الواجِبِ، أَي إنَّها تكملُ الحُجَّةُ عَلَى النّاسِ بِإِبلاغِ أَوامِرِ اللهِ ونَواهيهِ. ولَکِن إذَا اِعتَبَرَ أَحدٌ أَنَّ التَّحريفَ مُمكِنٌ -وإن كانَ مَعناهُ القُصور فِي آياتِ القُرآنِ- وأعطى أَدِّلَةً على ذلكَ، فَقَد شوّه أَصالةَ القرآن وحجیته وشكّك فِي مَكانَتِه القِياديَّةِ. لِذلكَ مَعَ إِمكانِيَةِ التَّحريفِ لَن يَتِمَّ التَشكيكُ فَقَط فِي صِحَةِ القُرآنِ واكتِمالِ حُجَّةِ اللهِ عَلَى النّاسِ، بَل إنَّ استِمرارَ النبُوَةِ وتَحقيق مُهمّةِ الرَّسولِ(صلى الله عليه وآله وسلم) سَيتعثّر أَيضًا، ولِذلک ومِن أَجلِ استِكمالِ الحُجَّةِ عَلَی الشَعبِ، يَجِبُ من اللهِ أَن يُقَدِّمَ ويُرسِلَ نَبيًّا جَديدًا وكِتابًا حَدیثًا وكامِلاً وشامِلاً لِلشَّعبِ مِثلَ الأُممِ السّابِقةِ؛ فِي حينَ أَنَّ مِثلَ هَذَا الأَمرِ مُستَبعِدٌ قَطعًا بَعدَ مُهمّةِ النَّبي الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم). وِفقًا لِهذا، فَمِن وُجهَةِ نَظَر العَقلِ البُرهاني، فَإنَّ إنتِهاءَ مُهمّة نَبيّ الإسلامِ(صلى الله عليه وآله وسلم) تَرتَبِطُ اِرتِباطًا وَثيقًا بِاِستِحالةِ أَيِّ تَحريفٍ فِي القُرآنِ؛ مِن أَجلِ بقاءِ أَصلِ إتمامِ الحُجَّةِ عَلَی النّاسِ وتَوجيهِهِم[14].

ومِنَ الدَلائِلِ ذَواتِ الشَأنِ الدّاحِضَة لِشُبهَةِ التَّحريفِ، هي مسأَلَةُ «ضَرورَةِ كَونِ القُرآنِ مُتَواتِرًا» فِي مَجموعه وفِي أبعاضه، في سُوَرِهِ وآياتِهِ، حَتّى فِي جُمَلِهِ التَركيبيَّة وفي كَلِماتِهِ وحُروفِهِ، بَل وحَتَّى في قِراءَتِهِ وهِجائِهِ، على ما أسلَفنا فِي بَحثِ القِراءاتِ، حيث قُلنا: إنَّ الصَّحيحَ مِنَ القِراءاتِ هي القِراءَةُ المَشهورَةُ الَّتي عليها جُمهورُ المُسلمينَ، وقَد انطَبَقَت على قِراءَةِ عاصِم بِروايةِ حَفص.

وإِذا كانَ مِنَ الضَروريّ لِثُبوتِ قُرآنيَّةِ كُلِّ حَرفٍ وكَلمةٍ ولَفظٍ أَن يَثبُتَ تَواتُرهُ مُنذُ عَهدِ الرِّسالةِ فَإلى مَطاوِي القُرونِ وفِي جَميعِ الطَبَقاتِ، فَإنَّ هَذَا مِمّا يَرفُضُ احتِمالَ التَّحريفِ نهائيًا؛ لِأَنَّ ما قيلَ بِسُقوطِهِ وأَنَّه كانَ قُرآنًا يُتلى، إِنَّما نُقلَ إِلَينا بِخَبَر الواحِدِ، وهو غَيرُ حُجَّةٍ فِي هذا البابِ، حَتَّى ولو فُرض صِحَّة إسنادِهِ.

إِذًا، فَكُلُّ ما وَرَدَ بِهذَا الشَأنِ -بِما أَنَّهُ خَبرٌ واحِدٌ- مَرفوضٌ ومَردودٌ عَلَى قائِلِه.

وهَكَذا استَدَلَّ آيَة اللّهِ جَمال الدِّين أَبو مَنصورُ الحَسَن بنِ يوسُفَ ابنِ المُطَهّر -العلّامة الحلّي- (ت 726) فِي كِتابِهِ «نِهايَة الوُصولِ إِلى عِلمِ الاُصولِ» إذ قالَ رَحِمَهُ اللهُ: اِتَّفَقوا علَى أَنَّ ما نُقِلَ إِلَينا مُتَواترًا مِنَ القُرآنِ فَهُو حُجّةٌ -واستَدَلَّ بِأنَّه سَنَدُ النبوَّةِ ومُعجزتُها الخالِدَةُ فَما لَم يَبلُغ حَدَّ التَواتِرِ لَم يُمكِن حُصولُ القَطعِ بِالنُبُوّةِ- قالَ: وحينَئذٍ لا يُمكنُ التَوافِقُ عَلَى نَقلِ ما سَمِعوهُ مِنهُ -عَلَى فَرضِ الصِّحَةِ- بِغَيرِ تَواتُرٍ، والراوِي الواحِدُ إن ذِكرَهُ عَلَى أَنَّه قُرآنٌ فَهُو خَطَأ، وإِن لَم يَذكُرهُ عَلَى أَنَّه قُرآنٌ كانَ مُتَردّدًا بَينَ أَن يَكونَ خَبَرًا عَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَم أَو مَذهبا لَه (أَي لِلراوي)، فَلا يَكونُ حُجَّةً. وقَد قامَ إجماعُنا عَلَى وُجوبِ إِلقائِهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) عَلَى عَدَدِ التَواتُرِ، فَإنَّه المُعجزةُ الدّالَّةُ عَلَى صِدقِهِ، فَلَو لَم يَبلُغه إِلى حَدِّ التَّواتُرِ انقَطَعَت مُعجزَتُه فَلا يَبقَى هُناكَ حُجَّةً عَلَى نَبُوّتِهِ[15]. لذلك نقل القُرآنُ بِشَكلِ متَواتِرٍ إِلى المُسلمينَ، وتَمَّ نَقلُهُ عَلَى مَرِّ القُرونِ، فَمِنَ المُستَحيلِ أَن تَكونَ آَيَة أَو آيات قَد حُذِفَت أو أُضيفَت إِليه. ويدلّ هَذا بِوُضوحٍ أَنَّ تَواتُرَ القُرآنِ هُوَ مَبدَأ عَقلانِيّ قَويّ لا يُمكِنُ لِأَيِّ خَبَرٍ واحِدٍ أَن يُضعفَ تَواتره.

ب- أسبابُ قرآنيةُ: تُوجَدُ آياتٌ قرآنيةٌ تَرفُضُ صَراحَةَ فِكرَةِ تَحريفِ القُرآن، ومنها:

- آية الحفظ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ[16])

فَإنَّ فِي هَذهِ الآيَةِ دَلالَة عَلَى حِفظِ القَرآنِ مِنَ التَّحريفِ، وأنّ الأَيدِي الجائِرَةَ لَن تَتَمَكَنَ مِنَ التَلاعبِ فِيهِ[17]. وهَذِهِ الآيةُ الكَريمَةُ ضمنَت بقاءَ القرآنِ وسَلامَتَه عَن تَطرّقِ الحَدثانِ عَبرَ الأَجيالِ. وهُوَ ضمانٌ إلهِيٌّ لا يَختَلِفُ ولا يتَخَلّفُ، وَعدًا صادِقًا: (إِنَّ الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)[18]، وهذا هُوَ مُقتَضَى قاعِدَةِ اللُّطفِ: «يَجِبُ عَلَى اللهِ تَعالى -وِفقَ حِكمَتِه فِي التَكليفِ- فِعل ما يُوجبُ تَقريب العِبادِ إِلى الطاعَةِ وبُعدِهِم عَنِ المَعصيةِ»، ولا شَكَّ أنَّ القُرآنَ هُوَ عِمادُ الإِسلامِ وسَندِهِ الباقِي مَعَ بقاءِ الإسلامِ، وهو خاتِم الأديانِ السَّماويّةِ الباقِيةِ مَعَ الخُلودِ. الأمرُ الَّذي يَستَدعي بَقاءَ أساسِهِ ودعامَتِه قَويمة مُستَحكمَة لا تَتَزَعزَعُ ولا تَنثَلِمُ مَعَ‌ عَواصِفِ أَحداثِ الزَمانِ. وأجدر بِهِ ألّا يَقَعَ عرضةً لِتَلاعُبِ أَهلِ البدعِ والأَهواءِ، شَأن كلِّ سَنَدٍ وَثيقٍ يَبقَى، لِيَكونَ حُجَّةً ثابِتةً مَعَ مَرِّ الأَجيالِ. وهَذا الضَمانُ الإِلهيّ هُوَ أَحَدُ جَوانبِ إعجازِ هذا الكِتابِ، حَيثُ بَقاؤهُ سَليمًا عَلَى أَيدِي النّاسِ وبَينِ أَظهرهِم، لا فِي السَّماءِ فِي البَيتِ المَعمورِ فِي حَقائِبِ مَخبوءةٍ وَراءَ السُتورِ، فلَيسَ هَذا إعجازًا، إنَّما الإعجازُ هُوَ حِفظهُ وحِراسَته فِي مَعرَض عامٍ وعَلى مَلَأ الأَشهادِ[19].

- آية نفي الباطل: (لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميد)[20].

فَقَد دَلَّت هَذهِ الآيةُ الكَريمةُ عَلَى نَفي الباطِلِ بِجَميعِ أَقسامِهِ عَنِ الكِتابِ، فَإنَّ النَفي إِذا وَرَدَ عَلَى الطَّبيعةِ أَفادَ العُموم[21]. وهَذِهِ الآيَةُ أكثر دَلالةً مِنَ الآيَةِ الأولَى، فَقَد وَعَدَ تَعالَى صِيانَتَهُ مِنَ الضِّياعِ وسَلامَتَهُ مِن حَوادِثِ الأَزمانِ، مَصونًا مَحفوظَاً يَشقُّ طَريقَه إِلى الأَمامِ بِسَلامٍ.

قَولُهُ:‌ «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ»، فالباطل: الفاسدُ الضائِعُ. أَي لا يَعرضُه فَسادٌ أَو نَقضٌ لا فِي حاضِرِه ولا فِي مُستَقبَلِ الأَيّامِ؛ وذَلكَ لِأنَّه تَنزيلٌ مِن لَدُن حَكيمٍ عَليمٍ، وأنَّ حِكمتَهُ تَعالَى لِتَبعثَ عَلَى ضَمانِ حِفظِهِ وحِراسَتِهِ مَعَ أَبديَّةِ الإِسلامِ. و«حَميد»: مَن كانَ مَحمودًا عَلَى فعالِهِ، فَلا يَخلِفُ المِيعادَ. ويَسبِقُ هَذهِ الآيَةَ قَوله تَعالى: (وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[22]، وهي قرينةٌ على أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت نفسه الكريمة مضطربةً بسبب إمكان إبطال شريعته على يد أهل الفساد، إمّا في حياته أو بعد وفاته‌ (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‌ أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‌ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً)[23]، وفِي هَذِهِ الآيَة أَيضًا تَلميحٌ إِلَى بَقاءِ هَذا الدِّينِ وضَمانِ سَلامَتِهِ من كَيدِ الأَعداءِ. ومن ثَمَّ أَطبَقَ المُفسِّرونَ عَلَى أَنَّ آيَةَ نَفي الباطِلِ هِيَ مِن أَصرَحِ الآياتِ دَلالةً عَلَى نَفي احتِمال التَّحريفِ مِن الكتابِ، فَلا تَناله يد مغيّر أبدًا[24].

- آیاتُ الرَصَدِ الإِلهي: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً  إِلاَّ مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدا)[25].

وِفقَاً لِهذهِ الآياتِ، فَإنَّ اللهَ يَعلَمُ الغَيبَ ولا يُخبِرُ أَحدًا بِالغَيبِ إلّا مَن يُحِبّه وهو الرَّسولُ. يُرسِلُ اللهُ مُراقِبينَ وحُرّاسَ مَعَ الرَّسولِ؛ لِيَعرِفَ فِي مَوقِعِ العَقلِ الحالِي أَنَّهُم نَقَلوا الرِّسالةَ الإلهيّة إلى النّاسِ كافّة، مِن مَرحَلةِ التَّلقي إِلَى مَرحلةِ الاِبلاغِ إِلی جَميعِ النّاسِ فِي جَميعِ العصورِ كانَت وما زالَت تَحتَ إِشراف ورِعاية إلهيّةٍ، وإِمكانيّة الاِقتِرابِ مِنَ التَّحريفِ فِي القُرآنِ يَتَطَلَّبُ أَن تَكونَ هذهِ الرِّعايةُ قَد تَمَت بِشَكلٍ غَيرِ كامِلٍ أَو خارِجٍ مِنَ العِلمِ الإِلهي، ومِنَ المُستَحيلِ اِفتِراضُ مِثلِ هَذهِ الأَشياءِ عَنِ اللهِ[26].

ت- الأسبابُ الرِّوائيّةُ: وَرَدَت رِواياتٌ عَديدةٌ ومُتَتاليةٌ مِنَ المَعصومينَ تَدُلُّ بِشَكلٍ مُباشرٍ وغَيرِ مُباشرٍ علی خُلوِّ القرآنِ مِنَ التَّحريفِ ولَم یَحدُث فِیهِ أَيُّ تَغييرٍ مِن جانِبِ البَشَرِ:

- القُرآنُ هُوَ مِعيارُ قبول الرِّواياتِ

ومن الأَسبابِ الَّتي تَرفُضُ شُبهَةَ التَّحريفِ، مَسألَةُ عَرضِ الروايات على كتاب الله تعالى، فما يتّفِق مع الكِتابِ صَحيحٌ وما يخالفه فَهُو باطِلٌ. يَقول الإمام الصّادق (عَلَيهِ السَّلامُ): قالَ نَبيّ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ ومَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوه‏»[27].  اَلأَمرُ الَّذي يَتَنافَى تَمامًا مَعَ احتِمالِ التَّحريفِ فِي كِتابِ اللهِ، وذلكَ مِن جِهَتينِ؛ الجِهَةُ الأُولَى: أَنَّ المَعروضَ عَلَيهِ يَجِبُ أَن يَكونَ مَقطوعًا بِهِ؛ لأنَّه المِقياسُ الفارِقُ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ ولا مَوضِعَ لِلشَكِّ فِي نَفسِ المِقياسِ. إِذًا، فَلَو عُرضَت رِواياتُ التَّحريفِ عَلَى نَفسِ ما قيلَ بِسُقوطِهِ لِتَكونَ مُوافقةً لَهُ، فَهَذا عَرَض عَلَى المِقياسِ المَشكوك فِيهِ وهو دَورٌ باطِلٌ، وإِن عرضت عَلَى غَيرِهِ فَهِيَ تُخالِفُه، حَيثُ قَولُه تَعالى: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)، وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

اَلجِهَةُ الثّانيةُ: أنَّ العَرضَ لا بُدَّ أَن يَكونَ عَلَى هذا المَوجودِ المُتَواتِرِ لَدى عامَّةِ المُسلِمينَ؛ لما ذَكَرناه - فِي الجِهَةِ الأولَى- مِن أنّ المقياسَ لا بُدّ أَن يكونَ مُتَواترًا مَقطوعًا بِهِ- ورواياتُ التَّحريفِ إذا عُرضَت عَلَى هَذا المَوجودِ بِأَيدينا كانَت مُخالِفةً لَهُ؛ لأَنّها تنفي سَلامة هَذا المَوجودِ وتَدُلُّ عَلى أنَّه لَيسَ ذَلكَ الكِتابُ النازِلُ عَلَى رَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلم، وهَذا تكذيبٌ صَريحٌ لِلكتابِ ومُخالفَةٌ عارِمَةٌ مَعَ القُرآنِ. وهَكَذا استَدَلَّ المُحقّقُ الثّاني قاضِي القُضاة نور الدِّين علي بن عبد العالِي الكركي (ت 940) فِي رِسالَةٍ وَضَعَها لِلرَدِّ عَلَى احتِمالِ النَقيصَةِ فِي القُرآنِ، قالَ فيها: الحديثُ إِذا جاءَ عَلَى خِلافِ الدَّليلِ القاطِعِ مِنَ الكِتابِ والسُنَّةِ المُتَواترَةِ والإِجماعِ ولَم يُمكِن تَأويلُه وجب طَرحه. قالَ: وعلى هذهِ الضابطَةِ إِجماعُ عُلَمائِنا.

ثُمَّ قال: ولا يَجوزُ أَن يَكونَ المُرادُ بِالكتابِ المَعروض عَليهِ، غَيرَ هذا المُتواتِرِ الّذي بِأيدينا وأَيدي النّاس، وإلّا لَزِمَ التَكليف بِما لا يُطاقُ. فَقَد ثَبَتَ وُجوبُ عَرضِ الأَخبارِ عَلَى ‌هَذا الكِتابِ، وأَخبارُ النَقيصةِ إِذا عُرضت عَلَيه كانَت مُخالَفةً لَهُ؛ لِدَلالتِها عَلَى أنَّه لَيس هُوَ، وأَيُّ تَكذيبٍ يَكونُ أَشدُّ مِن هذا؟ ومِثلُه السّيد مُحمَّد مَهدي الطَّباطبائي بَحر العلوم (ت 1155) فِي كِتابِهِ «فَوائِدِ الاُصولِ» قالَ -بِشَأنِ حُجّيةِ الكِتاب-: قَد أطبق جماهيرُ العُلَماءِ مُنذُ عَهدِ الرِّسالَةِ إِلَى يَومِنا هَذَا عَلَى الرُّجوعِ إلى الكِتابِ العَزيزِ والتّمسُّكِ بِمُحكَمِ آياتِهِ فِي الاُصولِ والفُروعِ، بَل أَوجَبوا عَرضَ الأَحاديثِ عليه -كما وَرَدَ فِي مُتَواتِرِ النُّصوصِ- «إنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقيقة وعلى كُلِّ صَوابٍ نور، فَما وافَقَ كِتاب اللهِ فَخُذوهُ وما خالَفَ كِتابَ اللهِ فذروه...».

قالَ: والمُعتبرُ في الحجّية ما تواتر أَصلًا وقراءةً. ولا عِبرَةَ بِالشَواذّ، ولَيسَت كَأَخبارِ الآحادِ لِخُروجِها عَن كونِها قُرآنًا؛ لأنَّ مِن شَرطِهِ التَواتُر، بِخلافِ الخَبَرِ..[28].

- قِراءَةُ سُوَرٍ قُرآنيةٍ فِي الصَّلاةِ

قَد أَمَرَ الأَئِمةُ مِن أَهلِ البَيتِ عَليهِمُ السَّلامُ بِقِراءَةِ سُورَةٍ تامَةٍ بَعدَ الفاتِحَةِ فِي الركعَتَينِ الأَوّليَينِ مِنَ الفَريضَةِ، وحَكَموا بِجَوازِ تَقسيمِ سُورَة تامَةٍ أَو أَكثَرَ فِي صَلاةِ الآياتِ، عَلَى تَفصيلٍ مَذكور فِي مَوضعِهِ. ومن البَيِّنِ أَنَّ هذهِ الأَحكامَ إِنَّما ثَبتَت فِي أَصلِ الشَّريعَةِ بِتَشريعِ الصَّلاةِ ولَيسَ لِلتَقيّةِ فِيها أَثرٌ، وعلى ذَلكَ فَاللازِمُ عَلَى القائِلينَ بِالتَّحريفِ أَلّا يَأتوا بِما يحتَملُ فِيهِ التَّحريفُ مِنَ السُّوَرِ؛ لِأنَّ الاِشتِغالَ اليَقينِي يَقتَضي الفراغ اليَقينيّ. وقَد يَدّعي القائِلُ بِالتَّحريفِ أنَّه غَيرُ مُتَمكِّن من إِحرازِ السُّورةِ التّامَةِ، فَلا تَجِبَ عَلَيهِ؛ لأنَّ الأَحكامَ إنَّما تَتَوَجَّهُ إِلى المُتَمَكِنينَ، وهَذِهِ الدَعوى إنَّما تَكونُ مُسلّمةً إِذا احتُمِلَ وُقوعُ التَّحريفِ فِي جَميعِ السُوَرِ.

أَمّا إِذا كانَ هُناكَ سُورة لا يحتَملُ فِيها ذَلكَ كسورة التَّوحيدِ، فَاللازِمُ عَلَيهِ أَن لا يَقرَأَ غَيرها، ولا يُمكِنُ لِلخَصمِ أَن يَجعَلَ تَرخيصَ الأَئمةِ عَلَيهِمُ السَّلامُ لِلمُصَلي بِقِراءَةِ أيَّةِ سورَةِ شاءَ دَليلًا عَلَى الاِكتِفاءِ بِما يَختارُهُ مِنَ السُوَرِ، وإن لَم يَجز الاِكتِفاءُ بِها قَبلَ هَذا التَّرخيصِ بِسَبَبِ التَّحريفِ، فَإنَّ هذا التَّرخيصَ مِنَ الأَئمةِ بِنَفسِهِ دَليلٌ عَلَى عَدَمِ وُقوعِ التَّحريفِ فِي القُرآنِ، وإلّا لَكانَ مُستَلزِمًا لِتَفويتِ الصَّلاةِ الواجِبَةِ عَلَى المُكَلّفِ بِدونِ سَبَبٍ موجبٍ، كما أنّه إلزامٌ بِقِراءَةِ السورِ الَّتي يَقَعُ فِيها التَحريف.[29]

- رِوایاتُ الثَقَلین وعَدَمُ تَحریفِ القُرآن

أَخبارُ الثَقلين اللَذينِ خَلّفَهُما النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فِي أُمَّتِهِ، وأَخبَرَ أَنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيهِ الحوض، وأَمَرَ الأُمَّةَ بِالتَّمَسكِ بِهِما، وهُما الكِتابُ والعِترَةُ. وهَذهِ الأَخبارُ مُتَظافِرَةٌ مِن طُرُقِ الفَريقَينِ والاِستِدلالُ بِها عَلَى عَدَمِ التَّحريفِ فِي الكِتابِ يَكونُ مِن ناحيَتَينِ؛ الناحِيةُ الأُولَى: إنَّ القَولَ بِالتَّحريفِ يَستَلزِمُ عَدمَ وُجوبِ التَّمَسُكِ بِالكتابِ المُنزَلِ لِضياعِهِ عَلَى الأُمَّةِ بِسَبَبِ وُقوعِ التَّحريفِ، ولَكِن وُجوبُ التَمسكِ بِالكِتابِ باقٍ إِلَى يَومِ القِيامَةِ، لِصَريحِ أَخبارِ الثقلينِ، فَيَكونُ القَولُ بِالتَّحريفِ باطِلًا جزمًا.

وتَوضيحُ ذَلكَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوايات دَلَّت عَلَى اقتِرانِ العِترَةِ بِالكِتابِ، وعَلَى أَنَّهُما باقيانِ فِي النّاسِ إِلى يَومِ القِيامةِ، فَلا بُدَّ مِن وُجودِ شَخصٍ يَكونُ قَرينًا للكِتابِ ولا بُدَّ مِن وُجودِ الكِتابِ لِيَكونَ قَرينًا لِلعِترَةِ، حَتّى يَرِدا عَلَى النَّبي الحَوض، ولِيَكونَ التَمَسُّكُ بِهِما حافِظًا لِلأُمَةِ من الضَلالِ، كَما يَقولُ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فِي هَذَا الحَديثِ. ومِنَ الضَّروري أَنَّ التَّمَسُكَ بِالعِترَةِ إنَّما يَكونُ بِمُوالاتِهِم، واتّباع أَوامِرِهم ونَواهيهِم والسَّير عَلَى هَداهم، وهَذَا شَيءٌ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى الاِتِصالِ بِالإمامِ، والمُخاطَبَة مَعَهُ شَفاها، فَإنَّ الوُصولَ إِلى الإمامِ والمُخاطَبةَ مَعَهُ لا يَتَيَسَّرُ لِجَميعِ المُكلِفينَ فِي زَمانِ الحُضورِ، فَضلًا عَن أَزمِنَةِ الغَيبَةِ، واِشتِراطُ إِمكانِ الوُصولِ إِلَى الإمامِ عَلَيهِ السَّلامُ لِبَعضِ النّاسِ دَعوَى بِلا بُرهانٍ ولا سَبَبَ يُوجِبُ ذَلكَ، فَالشِّيعةُ فِي أَيّامِ الغَيبةِ مُتمسِّكونَ بِإمامِهِم يوالونَه ويَتَّبِعونَ أَوامِرَهُ، ومِن هذهِ الأَوامِرِ الرُجوعُ إِلى رُوّاةِ أَحاديثِهِم فِي الحوَادثِ الواقعةِ، أَمّا التَّمسُكُ بِالقُرآنِ فَهُو أَمرٌ لا يُمكِنُ إلّا بِالوُصولِ إليهِ، فَلا بُدَّ مِن كَونِهِ مَوجودًا بَينَ الأُمَةِ، لِيُمكِنُها أَن تَتَمَسَّكَ بِهِ، لَئِلا تَقَع فِي الضَّلالِ، وهَذا البَيانُ يُرشِدُنا إِلَى فَساد القول بالتحريف[30].

بِاِختِصار إنَّ القُرآنَ الكَريمَ خالٍ مِن أَيِّ تَحريفٍ، واللهُ يَحفَظُ هَذَا الكِتابَ السَّماوي الأَخير مِن أَيِّ تَحريفٍ حَتّى يَومِ القِيامَةِ.

ثالثًا: التَمييزُ بَينَ الوَحي القُرآني والوَحي البياني

نُقطَةٌ أُخرَى يَجِبُ ذِكرُها فِي نَقدِ رأي نولدكه، وهِيَ التَّمييزُ بَينَ الوَحي القُرآنِي والوَحي البياني، وهُوَ ما اختَلَطَ عَلَى نولدكه شَرحه. فالوَحي البياني قَد أنزِلَ عَلَى النَّبي الكَريمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَم مَعَ نُزولِ القُرآنِ. وهو مَجموعَةٌ مِنَ التَّعاليمِ القُرآنيّةِ الَّتي نزلَت عَلَى قَلبِ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مَعَ آياتِ القُرآنِ. ولَعَلَّهُ يُمكِنُ القَولُ إنَّ الوَحي البياني هو المَعارِف البَاطنیّةِ لِآیاتِ القُرآنِ، وهِيَ لَيسَت مِن نَوعِ الکَلامِ وَإنّما نزلَت عَلَى قَلبِ النَّبي المُبارَكِ مَعَ كَلماتِ القُرآنِ. وأما الوَحي القُرآني، فهو نُزولُ آياتِ القُرآنِ (الألفاظ) مِن قِبَلِ جِبرئيلَ عَلَى قَلبِ الرَّسولِ الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تَلاها عَلَی النّاسِ.

وقَد وَرَدَت فِي هَذا الصَّدَدِ آياتٌ ورِواياتٌ عَديدَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّه -بِالإِضافَةِ إِلى آياتِ القُرآنِ- قد نزلَ على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أُمورٌ أُخرَى فِي صورَةِ وَحي مِن عِندِ اللهِ، ومِنها: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرينَ)[31]، وهي مِنَ الآياتِ الّتي تَدُلُّ عَلَى نُزولِ الوَحي غَيرِ القُرآنِيّ عَلَى النَّبي الكَريم(صلى الله عليه وآله وسلم). فعِبارَةُ (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) تَدُلُّ عَلَى أنَّ اللهَ أنزَلَ عَلَى الرَّسولِ الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم) شَيئًا، وهو قَد كلّفَ بِنَقلِهِ، والأَمرُ المُؤكَدُ أَنَّ الشّيءَ الذي أُنزِل لَم يَكُن وَحيًا قُرآنِيًّا، بَل وَحي غَير قُرآنِي. وذَكَرَ البَعضُ أنَّ بَعضَ المَواضیعِ الّتي نزلَت عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كانَت وَحيًا مُطلَقًا لا وَحیًا قُرآنیًّا فَقَط. «وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ ما رُوي فِي ذِكرِ اسمِ عَلي(عليه السلام) فِي هذا المَقامِ بَل وفِي غَيرِهِ إنَّما هُوَ تَفسيرٌ وبَيانٌ لِلمُرادِ فِي وَحي القُرآنِ، بِكَونِ التَّفسيرِ والبَيانِ جاءَ بِهِ جِبرائيلُ مِن عِندِ اللهِ بِعُنوانِ الوَحي المُطلَقِ لا القُرآنِ، «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى»[32].

يَروِي الشَّيخُ الطوسي رِوايةً عَنِ الإِمامَينِ الباقِر والصّادق(عليه السلام) یُشیرُ فِيها إلى الوَحي النازل عَلَی النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في خصوص وِلايَةِ الإمامِ عَلي(عليه السلام)، وهَذا الوَحي هُوَ الوَحي البياني: «قالَ أَبو جَعفرَ وأبو عَبدِ اللهِ: إنَّ اللهَ تَعالَى لَما أَوحَى إلى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أَن يَستَخلِفَ عَليًا كانَ يَخافُ أَن يَشُقَّ ذَلكَ عَلَى جَماعَةٍ مِن أَصحابِهِ، فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى هَذهِ الآيَةَ تَشجيعًا لَهُ عَلَى القِيامِ بِما أَمَرَهُ بِأَدائِهِ»[33].

يَكتُبُ الشَّيخُ الطّوسي فِي تَفسيرِ الآيَةِ: (قُلْ لا أَجِدُ في‏ ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‏ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ)[34] الّذي يَذكُرُ فِيهِ بَعضُ النَواهِي: «بَينَ هُناكَ عَلَى التَّفصيلِ، وَها هُنا عَلَى الجُملَةِ وَأَجوَدُ مِن ذَلكَ أَن يُقالَ: إنَّ اللهَ تَعالَى خصَّ هَذهِ الثَلاثَةَ أَشياءَ تَعظيمًا لِتَحريمِها وبيّن ما عَداها فِي مَوضِعٍ آخَرَ. وقيلَ: إنَّهُ خَصَّ هذِهِ الأَشياءَ بِنَصِّ القُرآنِ وما عَداهُ بِوَحي غَيرِ القُرآنِ»[35] إِنَّ مَعنَى الوَحي غَيرِ القُرآني هُوَ ما أُنزِلَ عَلَى النَّبي الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم).

كما يَستَخدِمُ الطَبَرسي المُصطَلَحَ نَفسَه فِي شَرحِ مُلَخّصاتِ القُرآنِ، ويَستَخدمُ مُصطَلَحَ الوَحي غَيرَ القُرآنِيّ: «خَصَّ هذهِ الأشياءَ بِالتَّحريمِ تَعظيمًا لِحُرمَتِها وبين تَحريمِ ما عَداها فِي مَواضِعَ أخرَ إمّا بِنَصِّ القُرآنِ وإمّا بِوَحي غَيرِ القُرآنِ»[36].

 كَما اِستَخدَمَ بَعضُ المُفَسّرينَ الآخرينَ مُصطَلَحَ الوَحي غَيرِ القُرآني فِي شَرحِ العِباراتِ القُرآنيّةِ[37]. الآية: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[38] هِيَ آيَةٌ أُخرَى تَدُلُّ عَلَى الوَحي؛ وَقَد يَكونُ مَعنَى الذِكرِ مَجموعَ آياتِ القُرآنِ وَتَفصيلِها وَتَفسيرِها الَّتي نُزِلَت عَلَى الرَّسولِ الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم) يَنزِلُ وَيَشرَحُ لِلنّاسِ. اَلآيةُ ... هِيَ آيَةٌ أُخرَى تَدُلُّ عَلَى الوَحي التبياني؛ وَیُمکِنُ أَنّ مَعنَى الذِكرِ هُوَ مَجموعُ آياتِ القُرآنِ وَتَفصيلِها وَتَفسيرِها الّتي نزلَت مَعَاً عَلَى الرَّسولِ الكَريمِ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنَّ النَّبي الكَريمَ(صلى الله عليه وآله وسلم) أَوضَحَ لِلنّاسِ ما أُنزِلَت عَلَيهِ مِنَ الوَحي البياني. الآياتُ: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى‏)[39] هي آياتٌ أُخرَى يُؤخَذُ مِنها نُزولُ الوَحي غَيرِ القُرآنِيّ عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم). اَلضَميرُ «هُوَ» فِي هذهِ الآيةِ المُباركةِ لا يُشيرُ إِلَى القُرآنِ، بَل هُوَ یَرجِعُ إِلَی مَنطِقِ وَأَحاديثِ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم). فَهَذِهِ الآياتُ تَدُلُّ عَلَى أنَّ كَلامَ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وَحيٌ، وَأنَّهُ لَم يَتَأَثَّر بِأَحوالِ الرّوحیةِ فِي الوَحي، وَأنَّ كَلامَهُ مِن عِندِ اللهِ[40]. فِي بَعضِ الرِّواياتِ بَلَغَ مَجموعُ الآياتِ الّتي نزلَت عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سَبعَةَ عَشَرَ أَلف آيةً. «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) قَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ جَبْرَئِيلُ(عليه السلام) إِلَى مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله وسلم) سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ آيَة»[41]. إنَّ مَعنَى هذهِ الرِّوايةِ لَيسَ تَحريفَ بِالنَّقیصةِ لِلقُرآنِ، بَل هُوَ مَجموعُ الوَحي القُرآني وَالوَحي البياني. يَكتُبُ الشَّيخُ الصَدوق فِي شَرحِ هذهِ الرِّوايةِ: «إنّه قَد نَزَلَ الوَحي الّذي لَيسَ بِقرآنَ، ما لَو جمعَ إلَى القُرآنِ لَكانَ‏ مَبلغُه مِقدارَ سَبعَةَ عَشَرَ أَلف آيةً»[42]. ويَرَى الشَّيخُ الصَدوقُ أنَّ مَعنَى هَذِهِ الرِّواياتِ هُو مَجموعُ الوَحي القُرآنيّ وَالوَحي غَیرِ القُرآنِي الَّتي قَد نزلَت عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وفِي ما يَلي يُشيرُ الشَّیخُ إِلَى بَعضِ الرِّواياتِ المَنقولَةِ عَنِ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فِي هَذا الصَدَدِ، وهو أَنَّه بِالإضافةِ إِلَى الوَحي القُرآني أنزلَ عَلَيهِ جِبرئيلُ آياتِ غَيرَ قُرآنيَةِ. عَلى سَبيلِ المِثالِ يستشهدُ بِهذهِ الرِّواياتِ:

«مَا زَالَ جَبْرَئِيلُ يُوصِينِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خِفْتُ أَنْ أُدْرِدَ وَأحفر، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ، ومَا زَالَ يُوصِينِي بِالْمَرْأَةِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي طَلَاقُهَا، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالْمَمْلُوكِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا يُعْتَقُ بِه».

قَوْل جَبْرَئِيل(عليه السلام) لِلنَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)حِينَ فَرَغَ مِنْ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ لَا تُصَلِّيَ الْعَصْرَ إِلَّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ».

قَوْله(صلى الله عليه وآله وسلم): «أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ».

قَوْله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ لَا نُكَلِّمَ النَّاسَ إِلَّا بِمِقْدَارِ عُقُولِهِمْ».

قَوْله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي مِنْ قِبَلِ رَبِّي بِأَمْرٍ قَرَّتْ بِهِ عَيْنِي، وَفَرِحَ بِهِ صَدْرِي وَقَلْبِي، يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَقَائِد الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ»[43].

وبَعد ذِكرِ هَذهِ الرِّواياتِ أَشارَ إِلى القرآن الذي جمعه أَمير المُؤمنينَ(عليه السلام)، والَّذي تَضمّن آياتِ القُرآنِ وتَفسيرَها وَتَأویلَها. «كلُّهُ وَحيٌ لَيسَ بِقُرآن، وَلَو كانَ قُرآنًا لَكانَ مَقرونًا بِهِ، وَموصلًا إِلَيه غَير مَفصولٍ عَنهُ كَما كانَ ‏أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) جَمَعَهُ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ قَالَ: «هَذَا كِتَابُ رَبِّكُمْ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ حَرْفٌ، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ حَرْفٌ».

فَقَالُوا: لا حاجَةَ لَنَا فِيهِ، عِنْدَنَا مِثْلُ الَّذِي عِنْدَكَ. فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ: «فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ»[44]. لِذلِكَ بِالإِضافَةِ إِلى الوَحيِ القُرآنِي، نزلَ وَحيٌ آخرُ عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فَكانَ شَرحُ آياتِه وَتَفصيلُها مِن بَينِ هذا الوَحي.

لِذلكَ فَإنَّ الوَحي القُرآني مُنفَصِلٌ عَنِ الوَحي الَّذي نزلَ عَلَى النَّبي فِي كَثيرٍ مِنَ الأَحيانِ، وَهَذا الوَحي لَم يَكُن عَلَى شَكلِ القُرآنِ. لِذلكَ فَإنَّ وُجودَ وَحي غَير قُرآنِيّ لا یَدُلُّ عَلَی اختِزالِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ، وَلَكنَّهُ يُشيرُ إِلى أَنَّه بِالإضافَةِ إِلى آياتِ القُرآنِ نزلَ عَلَی النَّبي أوحي آخر فِي أَوقاتٍ مُختلفةٍ.

رابعًا: نَقدُ وَثائِقِ نولدکه فِي هَذا الرَأي

العَديدُ مِنَ الوَثائِقِ الَّتي يَستَشهِدُ بِها نولدکه باطِلَةٌ، وغَيرُ مَقبولةٍ. وجَميعُ الرِّواياتِ الَّتي وَرَدَت فِي تَحريفِ القُرآنِ هِيَ من أخبار الآحاد، ووِفقًا لِآراءِ العُلماءِ فَإنَّ خَبَرَ الواحِدِ لَيسَ لَهُ سَندٌ فِي هَذا الصَدَدِ. بِالإضافَةِ إِلَى الأَخبارِ الَّتي تُفيدُ بأنَّ هَذهِ التَّقاريرَ فَريدةٌ مِن نَوعِها، فَالكَثيرُ مِنها لَيسَ لَهُ صَلاحيّةً وَثائِقيّةً أَو نَصيّةً. عَلَى سَبيلِ المِثالِ، يُشيرُ نولدکه فِي الجُزءِ الأَوَّلِ إِلى هَذهِ الرِّوايَةِ عن عُمَر، وفيها إشارة إلى حذف آية من القُرآنِ، وهي: "اَلشَّیخ وَالشَّیخه إذا زَنیا فارجموهما ألبتةً نَکالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزیزٌ حَکیمُ"[45]. وقَد نُقِلَت هَذهِ المَسألةُ فِي ذَیلِ نَسخِ التِّلاوَةِ الَّتي ذَكَرَها العُلَماءُ فِي ذَیلِ تَحريفِ القُرآنِ، وعلى هَذا الأَساسِ فهم لا يَقبلُونَ ذَلكَ، كَما كَتَبَ العَلّامَةُ الخوئي فِي نَقدِهِ لِهذا المَوضوعِ: «قَد اِتَّفَقَ العُلَماءُ أَجمَع عَلَى عَدَمِ جَوازِ نَسخِ الكِتابِ بِخَبرِ الواحِدِ، وَقَد صَرَّحَ بِذلكَ جَماعَةٌ فِي كُتُبِ الأُصولِ وَغَيرِها بَل قَطَعَ الشّافعي وَأَكثرُ أَصحابِهِ، وَأَكثرُ أَهلِ الظّاهِرِ بِامتِناعِ نسخِ الكِتابِ بِالسُّنَةِ المُتَواتِرَةِ، وَإِلَيهِ ذَهَبَ أَحمدُ بنُ حَنبَل فِي إِحدَى الرِّوايَتَينِ عَنهُ، بَل إِنّ جَماعَةً مِمَن قالَ بِإمكانِ نَسخِ الكِتابِ بِالسُنَةِ المُتَواتِرَةِ مَنع وُقوعِهِ وَعَلَى ذَلكَ فَكَيفَ تَصِحُّ نِسبَةُ النَسخِ إِلى النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلّم بِأخبارِ هَؤلاءِ الرُواةِ؟ مَعَ أَنَّ نِسبَةَ النسخِ إِلى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وَسَلّم تنافِي جُملةً مِنَ الرِّواياتِ الّتي تَضَمَّنَت أَنَّ الإسقاطَ قَد وَقَعَ بَعدَهُ. وإن أَرادوا أنَّ النَسخَ قَد وَقَعَ مِنَ الَّذينَ تَصَدُّوا لِلزعامَةِ بَعدَ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فَهُوَ عَينُ القولِ بالتَّحريفِ...»[46].

كَتَبَ العلّامَةُ معرفت أَيضًا فِي نَقدِ هَذا المَوضوعِ: «أَوَّلًا: لا شَكَّ أنَّ رجم المحصن حكمٌ ثابتٌ فِي الشَّريعَةِ وَأَمَرَ بِهِ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولَم يَزَل عَلَيهِ إِجماعُ الفُقَهاءِ فِي القَديمِ وَالحَديثِ. أَمَّا أَنَّ شَريعةَ الرجمِ نَزلت آيَةً مِنَ القُرآنِ، فَهذا وَهُم وَهمه ابن الخطاب، ولَم يُوافِقهُ عَلَى هَذا الرَأي أَحدٌ مِنَ الصَحابةِ رُغمَ إِصرارِهِ عَلَيهِ، وَسَيَأتي شَرحُه.

يُحدِّثنا زيدُ بن ثابت، يَقولُ: سَمِعتُ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) يَقولُ: «إِذا زنى الشَّيخ وَالشَّيخةُ فَارجموهُما اَلبتةً». والمُرادُ مِنَ الشَّيخِ وَالشَّيخةِ هُما الثيّبُ وَالثيّبةُ، كِنايَة عَن المُتزوّجِ وَالمُتزوّجةِ أَيّ المحصنِ. فَهذا حَديثٌ سَمِعَه زَيدٌ عَن رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) لَم يَقُل أنَّه قرآن. لَكِن ابنُ الخَطاب زعمَه وَحيًا قُرآنيًّا، يَقولُ: لَمّا نزلت أَتيت رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه فَقلتُ: اكتبنيها. فَلَم يَجبهُ رَسولُ اللهِ. قالَ راوي الحَديثِ: كَأنَّه كَرِهَ ذَلكَ.

قُلتُ: لَعَلَّ رَسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) اِستَغرَبَ اقتراحَ عمَر آنَذاكَ النّاشى‌ء عَن عَدَمِ تَدَبّرِهِ اللائِقِ بِشَأنِ الكتاب، أَو عَدَمِ إِلمامِهِ بِمَواضِعِ الكتاب مِنَ السُنَّةِ، وَ مِن ثَمَّ سَكَتَ تَأنيبًا لَه.

وأَسوَأ مِنهُ ما فَهِمَه ابنُ حَزم مِن هَذا الحادِثِ، فَحمل كَراهته صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه عَلَى عَدَمِ رَغبتِهِ فِي الثَبتِ فِي المُصحَفِ. وإِذا كانَ حُكمًا قُرآنيًّا ثابِتًا فِي الشَّريعَةِ، فَلماذا لا يثبت سَندُه فِي الكِتابِ؟ الأَمرُ الّذي تغافله ابنُ حَزم، وحبّ الشَي‌ِء يَعمي ويَصُمّ!

ثانِيًا: لا نَسخَ فِي غَيرِ الأَحكامِ -كَما سَلَف- فَضلًا عَن عَدَمِ فائِدةٍ مُتَوَخّاة مِن وَراءِ هَذا النَسخِ غَير المَعقولِ، إِذ ما هِيَ الحِكمَةُ فِي نسخِ آَيةٍ فَيَبقَى حُكمُها ثابِتًا بِلا مُستَنَدٍ مَعَ‌ الأَبَدِ! لَو لا أَنَّهُ اختِلاقُ أَلجأهُم إِلَيهِ ضَيقُ الخناقِ.

والحَقُّ يُقالُ إِنَّ هَذا النَّوعَ مِنَ النَسخِ وإِن كانَ جائِزًا عَقلًا ولَكنَّه لَم يَقَع فِي كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ لأنَّ هَذهِ الرِّواياتِ رواياتُ آحادٍ، والقُرآنُ الكَريمُ لا يَثبُتُ بِرواياتِ الآحادِ مَهما كانَت مَكانَة قائِلِها، ولا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَواتُرِ، كَما أَجمَعَ عَلَيهِ العُلَماءُ قَديمًا وحَديثًا. ولو أَنَّه صَحَّ ما قالوهُ لاشتَهَرَ بَينَ الصَحابَةِ جَميعًا، ولَحفظَهُ كَثيرٌ مِنهُم أَو كَتَبوهُ فِي مَصاحِفِهم. ولَكِن لَم يَرِد شَي‌ء عَن غَيرِ هَؤلاءِ الرُواةِ. فَلا يُمكِنُ القَطعُ بِأنَّ هَذهِ الآياتِ الّتي ذَكَروها كانَت مَسطورَةً فِي عَهدِ النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وفِي صُحُفِ كُتّابِ الوَحي ثُمَّ نسخت بَعدَ ذَلكَ ورفعَت مِنَ المُصحَفِ -كَما رَواهُ بَعضُ الصَحابَةِ- وبَقي حُكمُها لِلعَمَلِ بِهِ. وأَيضًا فَإنَّ الحُكمَ لا يَثبُتُ إِلّا مِن طَريقِ النَصِّ، فَزوالُ النَّصِّ مُقتَضٍ لِزَوالِ الحُكمِ، ولَم يظهر لِزوالِ النَّصِّ وَحدَهُ حِكمَةً مِن عَمَل الحَكيمِ لِأنَّ الحُكمَ ما زالَ قائِمًا لَم يَنسَخ فَأيُّ فائِدةٍ فِي نَسخِ تِلاوَتِهِ؟»[47].

اَلعَديدُ مِنَ الحالاتِ الأُخرَى الَّتي يُشيرُ إِلَيها نولدکه هِيَ مِن نَفسِ النَوعِ، وغَيرِ مَقبولَةٍ مِن حَيثِ المُستَنداتِ وَالنُّصوصِ.

خامسًا: عِصمَةُ الرَّسولِ فِي تَلَقي الوَحي وإبلاغِهِ

يَتَّهمُ نولدكه فِي نَظريّتهِ النَّبيّ بِاِرتِكابِ خَطَأ فِي تَلَّقي الوَحي وإبلاغِهِ، وهَذَا الکَلامُ یَتَعارَضُ مَعَ الحُجَجِ القُرآنيّةِ القاطِعَةِ والأَدِلَةِ السَّردیَةِ حَولَ عِصمَةِ النَّبي. يَقولُ القُرآنُ الكَريمُ:

(ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى‏ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى‏ عَلَّمَهُ شَديدُ الْقُوى‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‏ ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)[48].

تثبتُ هذه الآياتُ عِصمةَ النَّبي العَظيمِ بِطُرُقٍ عدّةٍ:

أوَّلها: أَقوالُ النَّبي وأَفعاله وتَقریرُهُ مُرتَبَطةٌ بِالوَحي. اَلضَميرُ «هو» فِي هذهِ الآيةِ المُبارَكةِ لا يُشيرُ إِلى القُرآنِ، بَل هُوَ یَرجِعُ إِلی مَنطِقِ وأَحاديثِ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم). فَهذهِ الآياتُ تَدُلُّ عَلى أَنَّ أَقوالَ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وَحيٌ، وأنّه لَم يَتَأثَر بِأَحوالِ الروحِ فِي بَیانِ الوَحي وأنَّ كَلامَهُ مِن عِندِ اللهِ. وقَد بَیَّنَ هذا الأمر فِي روايةِ الإمامِ الصّادِقِ(عليه السلام) حَيثُ یَقولُ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) وجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ حَدًّا وجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ الْحَدَّ حَدًّا»[49].

وعِبارَةُ «بَيَّنَه لِرَسولِه» تَدُلُّ عَلَى أَنَّه بِالإضافَةِ إِلى آياتِ القُرآنِ أَنزَلَ عَلَی النَّبي وشَرحَ لَهُ مُحتويات القُرآنِ.

ثانِيها: عِلمُه فِي ظِلِّ تَعلیمِ اللهِ تَعالى، فَعِلمُهُ عِلمٌ لَدنيٌ.

ثالِثها: بَلَغَت قُدرَتُهُ وَطاقَتُهُ نُقطَةً وَصَل فيها إِلى أَقرَبِ مُستَوى روحي إلى اللهِ تَعالى. إنَّ القُربَ مِنَ اللهِ يَتَطَلَّبُ العِصمَةَ والتَّطهيرَ مِن أَيِّ ذَنبٍ وخَطأٍ.

رابِعها: كانَ قَلبُ الرَّسولِ فِي نِهايَةِ الیَقینِ ولَم يَنكر شَيئًا. اليَقينُ عامِلٌ مُهِمٌّ فِي تَأسيسِ واستِقرارِ الفَضائِلِ والمَعارِفِ الإلهيّةِ. بِالإضافَةِ إِلى كَونِهِ أَنزَلَ عَلَى الرَسولِ الكَريمِ، كانَ أَيضًا مُتَأكدًا فِي النِّهايةِ مِن هذا الوَحي، واليَقينُ هُوَ عامِلٌ مُهِمٌّ فِي عِصمَةٍ مِن أَيِّ خَطأٍ وخَطيئةٍ.

هُناكَ رِواياتٌ عَديدةٌ فِي هَذا الصَدَدِ، مِنها ما يَرويه الشَّيخُ الصَدوق فِي الاِعتِقاداتِ: «قَالَ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «أَنَا أَفْضَلُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، وَمِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَنَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وَأَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ»[50].

نَقَلَ الإمامُ عَلي(عليه السلام) کَیفیّةَ نُزولِ الوَحي عَلی النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويَقينَه فِي هَذا الصَدَدِ علَى النَحو التّالي: «ومَا وَجَدَ لِي كذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ولَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر»[51].

قالَ الإمامُ الصّادقُ(عليه السلام) رَدًّا علَى زَرارةَ عَن حَقيقةِ الوَحي وثِقةِ النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بِوَحيانیّةِ كَلمةِ اللهِ: «عَن زرارةَ قالَ قلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ(عليه السلام) كَيفَ لَم يَخَف رسولُ اللّهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يَأتيهِ مِن قِبَلِ اللهِ أن يَكونَ ذَلكَ مِمّا يَنزَعُ بِهِ الشَّيطانُ؟ قالَ: فَقالَ إنَّ اللهَ إِذا اتَخَذَ عَبداً رَسولاَ اَنزَلَ عَلَيهِ السَّكينَةَ وَالوَقارَ وَكانَ يَأتيهِ مِن قِبَلِ اللّهِ مثلَ الَّذي يَراهُ بِعَينهِ‏»[52].

الخاتمة

بِناءً عَلَى ما سَبَقَ، فَإنَّ وُجهةَ نَظَرِ نولدكه حَولَ «ما لا يَتَضَّمَنَه القُرآنُ مِمّا أوحي إلی مُحَمّد» لَيسَت صَحيحةً. فقوله إنَّ بَعضَ آياتِ القُرآنِ قَد حُذِفَت مِنَ القُرآنِ الكَريمِ، فإنّ هَذا الحَذف إمّا أَن يكونَ بسبب النسيان أو بسبب اختلاط الآيات المحذوفة مع الأَحاديثِ النَّبويةِ، إلا أنّه بحَسب آياتِ القُرآنِ (المَذكورةِ فِي المَقالِ) والحُجَجِ العَقلانيَةِ والسَّرديَةِ، فَإنَّ القُرآنَ الكَريمَ خالٍ مِن أَيِّ تَحريفٍ، وآياتُ القُرآنِ الحاليّةُ هِيَ نَفسُ الآياتِ الَّتي نزلَت عَلَى النَّبي الكَريمِ. وما يَستَشهِدُ بِهِ نولدكه فِي تَقاريرِهِ لشبهته هُوَ خَبَرُ الواحِدِ غَيرِ المُعتَمَدِ، فَهَذهِ الأَقوالُ مِن حَیثِ فِقهِ الحِدیثِ وَنَقدِ الحَدیثِ تُعانِي مِن قَلق وضعفِ الوَثيقَةِ والنَّصِّ. ومِن ناحيةٍ أُخرَى، فَقَد نَقَلَ القُرآنُ بِشَكلٍ مُتَواتِرٍ واستَخدَمَه المُسلمونَ بِكَثرَةٍ عَلَى مَرِّ العُصُورِ، مِمّا لا شَكَ فيهِ أَنَّ خَبَرَ الواحِدِ لا مَكانَةَ لَهُ أَمامَ التَواتُرِ، بِالإِضافَةِ إِلى ذَلكَ، فَقَد تمَّ انتِقادُ بَعضِ هَذِهِ التَّقاريرِ ورَفضِها مِن قِبَلِ المُفَكرينَ الإِسلاميين.

الرَّسولُ العَظيمُ مُرتَبَطٌ بِالوَحي، وبِحَسَبِ القُرآنِ، أَقوالُهُ مُرتبِطَةٌ بِالوَحي. ووفقًا لِلآياتِ والأَحاديث الصَّحيحةِ، بِالإِضافَةِ إلى الوَحيِ القُرآني نزلَ عَلَى النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وحيٌ آخَرُ ويُشارُ إِلَيهِ بِالوَحي البياني أَو غَيرِ القُرآني. إنَّ أَهَمَّ فَرقٍ بَينَ الوَحي القُرآنِي والوَحي البياني هُوَ أنَّ الرَّسولَ لَم يَتَدَخَّل فِي کَلامِ الوَحي القُرآني وَنَقلَ للنّاسِ ما أُنزِلَ عَلَيهِ بِالضَبطِ. لَكِن فِي الوَحي البياني، فالمُحتَوى مِن عِندِ اللهِ والكلام والألفاظ مِنَ النَّبي، وهُوَ بِالطَّبعِ الوَحي البياني أعمُّ مِنَ الأحاديثِ القُدسیّةِ. لِذلكَ عَلَى الرُغمِ مِن أَنَّ نولدکه قَد حَدَّدَ هذَا النَوعَ مِنَ الوَحي إلّا أَنّه لَم يَتَمَكَّن مِنَ تمييزه بِشَكلٍ صَحيحٍ من بَين أَنواعِ الوَحي.

ما يُمكِنُ استِنتاجُه مِن طروحات نولدكه، هُوَ أَنَّه لَدَيهِ شُكوكٌ حَولَ وَحي ونبوُةِ النَّبي، وهذا ما دَفَعَه إِلى التَّعبيرِ عَن هَذا الشَكّ بِطُرُقٍ مُختلفةٍ فِي كِتابهِ وفِي مَواقِفَ مُختلفةٍ، لَكِن عِصمَةُ الرَّسولِ فِي القَولِ والعَمَلِ والتَّقریرِ مِن جِهَةٍ، وَعِصمَتُه فِي إبلاغِ الوَحي وتَفسيرِهِ مِن جِهَةٍ أخرَى، مُوَثّقتانِ فِي آياتِ وأَحاديث قَطعیّة الصُّدورِ وهَذا لا يَترُكُ مَجالاً لِلشَّكِّ.

لائحة المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

بلاغي نجفي، محمد جواد، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، قم - مؤسسة بعثت، 1420ق.

تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، تعريب: جورج تامر، الطبعة الأولى، بيروت - مؤسسة كونراد، 2004م.

جوادي آملي، عبد الله، نزاهة القرآن عن التحريف، قم - مرکز نشرا اسراء، 1386ش.

الخوئي، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، قم - مطبعه علمیه، الخامسة، 1394ق.

راوندي، قطب الدين، فقه القرآن في شرح آيات الأحكام، قم - مکتبة آيه الله مرعشي نجفي، 1405ق.

سيد رضي، نهج البلاغة، قم - منشورات هجرت، 1414ق.

صدوق، محمد بن بابويه، الاعتقادات، قم - منشورات مؤتمر الشيخ المفيد، 1414ق.

طبرسي، الشیخ أبو علي فضل بن حسن؛ مجمع البیان فی تفسیر القرآن؛ تصحیح: شیخ أبو الحسن شعراني؛ الطبعه الثالثه، طهران - مكتبة الإسلامیة، 1382ق.

طوسي، أبو جعفر محمّد بن حسن؛ التبیان فی تفسیر القرآن؛ تحقیق: أحمد حبیب قصیر العاملي؛ بیروت - دار إحیاء التراث العربي.

عابدي، أحمد، الوحي القرآني والوحي البياني، مجلة فصلية للفكر الديني الجديد، السنة الرابعة، العدد الثالث عشر، الصيف 1387.

الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - منشورات إسلامية، 1362ش.

المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت - مؤسسة الوفاء، 1403ق.

معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، قم - منشورات التمهيد، 1428ق.

نسائي، أحمد بن شعيب، سنن نسائي، بيروت - دار الكتب العلمية، 1411ق.

----------------------------


[1]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، تعريب: جورج تامر، الطبعة الأولى، بيروت - المؤسسة كونراد، 2004م، ص3.

[2]- م.ن، ص53.

[3]- م.ن ، ص61.

[4]- م.ن ، ص210.

[5]- م.ن ، ص232.

[6]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، م.س، ص210.

[7]- م.ن، ص210.

[8]- م.ن ، ص228.

[9]- م.ن ، ص229.

[10]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، م.س، ص231.

[11]- م.ن.

[12]- نفس المصدر، تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، م.س، ص232.

[13]- صدوق، محمد بن بابويه، الاعتقادات، قم - منشورات مؤتمر الشيخ المفيد، 1414ق، ص85-84.

[14]- جوادی آملي، عبد الله، نزاهة القرآن من التحریف، قم - مرکز نشرا اسراء، 1386ش، ص42-44.

[15]- معرفت، محمد هادی، صيانة القرآن من التحريف، قم - منشورات التمهيد، 1428ق، ج1، ص38-39.

[16]-  سورة الحجر، الآية 9.

[17]- خوئی، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، قم - مطبعه علمیه، الخامسة، 1394ق، ص209.

[18]-  سورة الرعد، الآية 31.

[19]- معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، ص41.

[20]-  سورة فصلت، الآية 42.

[21]- الخوئی، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، ص210.

[22]-  سورة فصلت، الآية 36.

[23]-  سورة آل عمران، الآية 144.

[24]- معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، ص47.

[25]-  سورة الجن، الآیتان 26-27.

[26]- جوادی آملي، عبد الله، نزاهة القرآن عن التحريف، م.س، ص71-73.

[27]- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - منشورات إسلامية، 1362ش، ج1، ص69.

[28]- معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، ص49.

[29]- الخوئي، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، ص216.

[30]- الخوئي، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، ص210.

[31]-  سورة المائدة، الآية 67.

[32]-  بلاغي نجفي، محمد جواد، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، قم - مؤسسة بعثت، 1420ق، ج1، ص29.

[33]- طوسی، ابو جعفر محمّد بن حسن؛ التبیان فی تفسیر القرآن؛ تحقیق: أحمد حبیب قصیر العاملي؛ بیروت - دار إحیاء التراث العربي، ج3، ص588.

[34]-  سورة الأنعام، الآية 145.

[35]- طوسي، محمد بن حسن، التبيان، م.س، ج4، ص303.

[36]- طبرسي، الشیخ أبو علي فضل بن حسن؛ مجمع البیان فی تفسیر القرآن؛ تصحیح: شیخ أبو الحسن شعراني؛ الطبعة الثالثة، طهران: مكتبة الإسلامیة، 1382ق، ج4، ص584.

[37]- انظر: راوندي، قطب الدين، فقه القرآن في شرح آيات الاحكام، قم - مکتبة آيه الله مرعشي نجفي، 1405ق، ج2، ص268.

[38]-  سورة النحل، الآية 44.

[39]-  سورة النّجم، الآيتان 3-4.

[40]- عابدي، أحمد، الوحي القرآني والوحي البياني، مجلة فصلية للفكر الديني الجديد، السنة الرابعة، العدد الثالث عشر، الصيف 1387، ص53.

[41]- كليني، محمد بن يعقوب، كافي، م.س، ج2، ص634.

[42]- صدوق، محمد بن بابويه، الاعتقادات، م.س، ج1، ص85.

[43]- م.ن، ج1، ص86.

[44]- صدوق، محمد بن بابويه، الاعتقادات، م.س، ج1.

[45]- نسائي، أحمد بن شعيب، سنن، بيروت - دار الكتب العلمية، 1411ق، ج4، ص272.

[46]- الخوئي، سيد أبو القاسم، البیان في تفسير القرآن، ص206.

[47]- معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن من التحريف، ص24-28.

[48]-  سورة النجم، الآيات 2-11.

[49]-  الكليني، الكافي، ج1، ص59.

[50]-   صدوق، الاعتقادات، ص90.

[51]- سيد رضي، نهج البلاغة، قم - منشورات هجرت، 1414ق، خطبة 192.

[52]- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت - مؤسسة الوفاء، 1403ق، ج18، ص262.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف