البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 16 / 2016  |  1618حافة الانهيار "الحملة البرية السعودية في سوريا"

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية شباط 2016
حافة الانهيار "الحملة البرية السعودية في سوريا"

إثر فشل المفاوضات لإيقاف الحرب السورية في مؤتمر (جنيف 3)، اعلنت السعودية مباشرة عن قرارها بإرسال قوات برية لمحاربة داعش في سوريا، وقد رافق هذا القرار ارسال قوات سعودية جوية الى قاعدة "انجرليك" على الحدود التركية السورية، وتحشيد بري كبير عند الحدود السعودية العراقية باسم قوات "رعد الشمال".

وبقدر ما يحمل هذا القرار السعودي من مفاجآت ويفتح اكثر من تساؤل حول الدوافع والمآلات التي يمكن ان يؤدي اليها، يسقط عن الاعتبار احتمال تعمّد السعودية الاصطدام بالقوات الروسية في سوريا لإشعال حرب مباشرة تجر الى صراع بين الكبار، لأنه من البديهي ان لا مصلحة لأحد بنشوب حرب عالمية ثالثة على الاطلاق.

ومع استثناء ان يكون هذا القرار مجرد استعراض للعضلات، فان الاقدام على هذه الخطوة يمكن ان يحقق العديد من المكاسب المهمة بالنسبة للسعودية وحلفائها، وهو ما سوف نبيّنه بإيجاز مدعوما بالمؤشرات والاسباب والنتائج بإذن الله تعالى.

--------------------

تأكيد سعودي وترحيب امريكي

أكدت حكومة السعودية انها عازمة على ارسال قوات برية الى الاراضي السورية إذ صرح العميد أحمد عسيري مستشار مكتب وزير الدفاع السعودي قائلا: (ان المملكة جاهزة لإرسال القوات إلى سوريا بمجرد اتخاذ التحالف قرارا بذلك، مشيرا إلى أن التدخل البري في سوريا تحيطه المخاطر كأي عمل عسكري آخر، لكنه شدد على أن إعلان السعودية المشاركة بقوات على الأرض قرار لا رجعة فيه)[1] .

كما أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير (استعداد بلاده لإرسال قوات برية خاصة إلى سوريا إذا ما قرر التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإقدام على هذه الخطوة)[2] .

وشددت السعودية على أن حملتها البرية هذه ستعمل تحت مظلة حلف الناتو لمحاربة الارهاب، اذ صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قائلا: (إن أي قرار تتخذه المملكة لنشر قوات خاصة في سوريا يرتبط بالقتال الذي يقوم به التحالف بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش)[3] .

وقد لاقى هذا القرار تجاوبا ايجابيا من الجانب الامريكي، فقد رحبت واشنطن بإعلان السعودية استعدادها لإرسال قوات برية لتعزيز مساهمتها في القتال ضد تنظيم داعش في سوريا، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض إن الإعلان السعودي (جاء استجابة لطلب وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر للشركاء في التحالف لزيادة مساهماتهم في قتال التنظيم)[4]  .

ومن الجدير التنويه اليه أن القرار السعودي هذا له سوابق يعود زمنها الى العام الماضي، فقد صرح وزير الخارجية عادل الجبير بتاريخ 15/12/2015 قائلا (ان بلاده ودولا خليجية أخرى تبحث إرسال قوات خاصة إلى سوريا في إطار الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم "داعش"، وأوضح الجبير في تصريح للصحفيين أنه توجد مناقشات "بين دول تشارك حاليا في التحالف مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين بخصوص إرسال بعض القوات الخاصة إلى سوريا، مشيرا إلى أن المناقشات مستمرة وأن الأمر ليس مستبعدا) .

تركيا ودول أخرى على الخط

إثر اعلان القرار السعودي في التدخل البري بسوريا، دخلت على الخط دول اخرى في هذه العملية على رأسها تركيا، فبعد أن وصلت إلى قاعدة "إنجيرليك" التركية قوات ومقاتلات من السعودية تمهيدًا لتدخل بري في سوريا (نقلت تقارير إعلامية عن وزير الخارجية التركي مولود "جاويش أوغلو": أن السعودية أرسلت قوات ومقاتلات إلى قاعدة إنجيرليك تمهيدًا لعملية برية في سوريا... وقال: في كل اجتماع للائتلاف الدولي أبرزنا الحاجة إلى استراتيجية مكثفة موجهة النتيجة في محاربة داعش، وأضاف: إذا كان لدينا مثل هذه الاستراتيجية، يمكن للسعودية وتركيا شن عملية برية، وأكد أن جنودًا مع مقاتلات سعودية أرسلوا إلى قاعدة "إنجيرليك" في أضنة على الحدود مع سوريا)[5] .

وبعد أن أعلنت السعودية عن استعدادها لنشر قوات برية في سوريا من أجل مواجهة داعش، حذت الإمارات العربية المتحدة حذو السعودية في ذلك، وأعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر الجمعة الماضي: (أن الإمارات تستعد لإرسال قوات خاصة لدعم فصائل مسلحة سورية تنوي استعادة مدينة الرقة شمال البلاد من قبضة داعش)[6] .

(من جهتها، أعلنت مملكة البحرين استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا، حيث قال سفيرها لدى بريطانيا الشيخ فواز بن محمد آل خليفة في بيان إن البحرين يمكن أن تسهم بقوات تعمل بالتنسيق مع السعودية)[7] .

هذا وقد شاركت دول ما يسمى بالتحالف الاسلامي الذي شكلته السعودية مؤخرا في مناورات برية واسعة لقوات ما يسمى بـ"رعد الشمال" عند الحدود العراقية، (إذ وصلت إلى السعودية طلائع القوات المشاركة في التمرين العسكري الأكبر في تاريخ المنطقة "رعد الشمال" والذي سيجرى في مدينة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن شمال المملكة، وبحسب وكالة الأنباء السعودية، يعد هذا التمرين المناورة العسكرية الأكبر من حيث عدد الدول، إذ تشارك فيه 20 دولة عربية وإسلامية وصديقة إضافة إلى قوات درع الجزيرة.

والدول المشاركة، السعودية والإمارات والأردن والبحرين والسنغال والسودان والكويت والمالديف والمغرب وباكستان وتشاد وتونس وجزر القمر وجيبوتي وسلطنة عمان وقطر وماليزيا ومصر وموريتانيا وموريشيوس)[8] .

يذكر ان الموقف المصري جاء سلبيا تجاه قرار السعودية بالتدخل البري، فقد أكد مسؤول رفيع المستوى: (أن مصر ترفض مطلقا إرسال قوات برية في سوريا، وأشار إلى أن هذا من شأنه أن يزيد الأزمة تعقيدا لا سيما أن من بين مهام الأطراف الراعية لمفاوضات جنيف إخراج كل القوات البرية الأجنبية من سوريا كأحد الخطوات الأولية لإنجاح المفاوضات)[9] .

تصفية "داعش" أم انقاذ "المعارضة"

بناء على التصريحات التي قدمتها السعودية المتكررة، ستكون منطقة عمليات قواتها البرية المشتركة منصبّة على المناطق التي يحتلها تنظيم داعش في سوريا، وقد جاء تأكيد ذلك على لسان مستشار وزير الدفاع السعودي (الذي نفى وجود أي خطط لتوسيع مهام أي تدخل بري محتمل خارج محاربة تنظيم الدولة)[10] .

لذا فان القوات السعودية المشتركة بدخولها الى مناطق نفوذ داعش في الرقّة وما حولها ستتجنب الاصطدام بالقوات الروسية او الجيش السوري، الذي ينصب اهتمامه على محاصرة القوات المتمرّدة المتمركزة أساسا في حلب.

كما ان دخول الحملة السعودية المشتركة تحت غطاء التحالف الدولي للقضاء على داعش سيعطيها حصانة دولية من اي اعتداء محتمل قد تشنّه الغارات الروسية ضدها.

وهنا يأتي السؤال الاكثر اهمية: هل ترغب السعودية واحلافها حقا بالقضاء على داعش في سوريا، وبخاصة أن لديها جبهة اخرى في اليمن لا تزال مفتوحة من دون نتائج حاسمة؟

والجواب عن هذا السؤال يتّضح بعد ان نعرف بأن القوات التي تدعمها السعودية وتركيا والتي تسمى بـ(المعارضة المعتدلة) على وشك الانهيار [11]، مما يستدعي تحرك السعودية وتركيا سريعا لإيجاد ملاذات آمنة في سوريا لإعادة تمركز (المعارضة المعتدلة) فيها، لأن تلك القوات هي الورقة الاخيرة بيد هاتين الدولتين لإبعاد بشار الاسد عن حكم سوريا نهائيا.

ومن هذا المنطلق كتب عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة (الرأي اليوم) اللندنية قائلا إن (التقدم الميداني الكبير والمحوري الذي حققته قوات الجيش السوري النظامي في منطقة حلب ومحافظة درعا الجنوبية وكسر الحصار عن بلدات مثل نبل والزهراء الذي استمر حوالي ثلاث سنوات وبغطاء جوي روسي، هذا التقدم أقلق المملكة العربية السعودية وحليفها التركي، ودفعهما للتخلي عن ترددهما المستمر منذ خمس سنوات وقبول تحدي المشاركة بريا في الحرب لإسقاط النظام السوري)[12] .

لذا نجد ان القرار السعودي في التدخل البري بسوريا قد رافقته تصريحات رسمية مستمرة تؤكد دعم السعودية "للمعارضة المعتدلة" في سوريا ورفضها القاطع لبقاء الاسد في سدة الحكم.

على أن افضل الملاذات التي يمكن ان تُهيأ لما يسمى بـ(المعارضة المعتدلة) هي ذات المنطقة التي تتمركز فيها قوات داعش اليوم، أي في شرق سوريا وتحديدا في مدينة الرقّة وما حولها.

أما كيف يمكن للقوات السعودية – التركية تفريغ شرق سوريا من داعش لتستبدلها بـ(معارضتها المعتدلة)؟ فهو امر يمكن ان يتحقق عبر احد أمرين: أما بالقوة العسكرية التي يوفرها التحالف الأمريكي الذي يرصد خطوط امداد داعش ويستمكن مراكز قواته منذ العام 2014، أو بالتفاوض مع قيادات داعش بالاستعانة بتركيا التي لها علاقات لا تنكر مع هذا التنظيم، ويمكن استثمار مزيج من الخيارين لتحقيق انسحاب سريع لقوات داعش في أغلب مناطق شرق سوريا، ولا يستبعد أن يتم دمج العديد من عناصر داعش تحت مسمى (المعارضة المعتدلة) برعاية سعودية تركية مباشرة.

تحقيق التوازن مع القوى الشيعية

إن ثاني المكاسب التي يمكن ان تحصدها السعودية من تدخلها البري هذا هو: المحافظة على المكتسبات الجيوسياسية التي حققها داعش منذ احتلاله للمناطق السورية المتاخمة للعراق، إذ أن هذه المناطق تعد ثمينة جدا بالنسبة للسعودية وتركيا[13]  لأنها تمثل منطقة عزل ممتازة بين كل من ايران والعراق من جهة وسوريا ولبنان من جهة اخرى، أي انها تقع بالضبط في منتصف اراضي التحالف الشيعي، وهو ما لا تتمناه السعودية واصدقائها اطلاقا.

فبسقوط منطقة شرق سوريا بيد القوات السعودية سوف يسهل قطع خطوط حيوية من الامدادات بين القوى الشيعية في الدول الاربعة، مما يحقق توازنا مؤثرا ضد تلك القوى لصالح السعودية واحلافها، وليس من المعقول ان تفرط السعودية بهذا المكسب بعد مرحلة "داعش" الذي اخذت ايامه الاخيرة تتسارع.

وعلى هذا الاساس اعتبر محللون أن وصول القوات السعودية لتركيا هو إحدى خطوات تشكيل التحالف السعودي التركي لردع إيران وتحقيق توازن معها وبداية عاصفة حزم في سوريا، فمن جانبه أكد أستاذ العلوم السياسية والباحث في العلاقات الخليجية الإيرانية عبد الله الشايجي: (ان التحالف ضروري كونه يحتوي مشروع إيران التوسعي الذي يتدثر برداء الطائفية ويوظف الشيعة العرب لخدمته على حد قوله.

وبحسب النظرية الواقعية للعلاقات الدولية أكد الشايجي في حسابه في "تويتر" أن توازن القوى يمنع فرض هيمنة دولة على أخرى قائلاً: "إحداث توازن قوى حسب النظرية الواقعية للعلاقات الدولية يمنع دولة معينة من الهيمنة، وفرض مشروعها وأجندتها ويردعها مما يمنع الصراع والتهديد".

وأوضح أن المسؤولية تقع على الدول العربية لتشكيل التحالف، معلّقاً: "الحاجة الاستراتيجية اليوم بسبب الانكفاء الأميركي والتراجع عن لعب دور الزعامة التقليدي وتعويم إيران يفرض مسؤولية مضاعفة على دولنا لتشكل تحالف".

واعتبر الشايجي أن الهدف الحقيقي من وجود التحالف فرض حالة من التوازن، وتابع: "تحالف عسكري واستراتيجي إقليمي هدفه فرض توازن قوى لمنع دولة واحدة من السيطرة والتحكم، وفرض أجندتها ومشروعها على القوى الأخرى بما يضر بأمننا الجماعي"...

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي جمال خاشقجي أن مبدأ السعودية الأساسي رفض انتصار إيراني في سوريا، وأشار في مقال له تحت عنوان "ليل طويل" إلى أن السعودية بقراراتها الأخيرة أعادت اهتمام المجتمع الدولي بالقضية.

وبين خاشقجي أن السعودية بتحركها النشط، كشفت مؤامرة تهدف إلى تصفية الثورة السورية، وستقف بتدخلها لمحاربة "داعش" في صف الثورة وتدعمها.

بدوره، نوّه المفكر محمد مختار الشنقيطي إلى أهمية تدخل القوات التركية والسعودية والقطرية، لإيقاف المذبحة ضد الغالبية السنية العربية، وعدم قطع الصلة بين تركيا وسوريا بحاجز "علوي كردي")[14] .

(وفي صحيفة الغد الأردنية، اعتبر فهد الخيطان أن إرسال قوات سعودية إلى سوريا - وإن كان بذريعة "القضاء على داعش" - هو "انتقال من مرحلة الحرب بالوكالة مع إيران إلى الحرب المباشرة".

وقال الخيطان إنه "في ضوء التسريبات عن حجم وعديد القوات المرشحة للمشاركة في العملية، يبدو جليا أن الهدف من التدخل يتعدى القضاء على داعش وصولا إلى فرض توازن جديد لميزان القوى ميدانيا لصالح قوات المعارضة المحسوبة على الرياض")[15] .

 

امريكا واستعادة زمام المبادرة

يهيئ دخول السعودية وتركيا براً للقضاء على داعش إعادة اعتبار للقوة الامريكية في المنطقة ويعيد اليها زمام المبادرة التي اختطفتها روسيا في سوريا، وبخاصة بعد أن سادت شكوك كثيرة حول جدوى أو جدية التحالف الذي شكلته امريكا للقضاء على الارهاب، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الضربات الجوية الروسية قد اثبتت فاعلية واضحة على الارض في التصدي للجماعات المسلحة في سوريا وقطع خطوط امدادها بفاعلية.

وهنا تأتي اهمية ما طرحه كل من "نيكولاس بيرنز" الأستاذ في جامعة هارفارد و"جيمس جيفري" الزميل في معهد واشنطن قائلين: (أصبح "محور روسيا - إيران - حزب الله" الطرف الأقوى الذي يدعم النظام الوحشي لبشار الأسد من خلال القصف العشوائي والمجاعة التي ترزح تحتها المدن المحاصرة، وبصفتنا دبلوماسيين سابقين نعتقد أن الدبلوماسية هي في معظم الأحيان فعّالة عندما تكون مدعومة بوضوح الهدف والقوة العسكرية، وقد كانت هذه العوامل غائبة بشكل ملحوظ عن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا.

لهذا السبب، كان يتعين على الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات لتعزيز قوة الولايات المتحدة في المفاوضات الصعبة التي جرت في جنيف، وكان يجب عليها أن توسع بشكل كبير من تمويل القوى السنيّة والكردية المعتدلة التي تشكل بديلاً لحكومة الأسد ولتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، مع التأكيد في الوقت نفسه على القيادة النشطة اليومية لائتلاف معزز يشمل تركيا وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والدول العربية السنيّة.

ومع انتهاء المحادثات سيتعيّن على "أوباما" و"كيري" النظر أيضاً في اتخاذ تدابير أكثر قوة لحماية ملايين المدنيين المعرضين للخطر، بما في ذلك إنشاء ممرات إنسانية للوصول إلى أولئك المعرضين لهجمات جوية تشنها الحكومة ولهجمات أخرى من قبل المنظمات الإرهابية على الأرض، والأهم من ذلك، نحن نعتقد أنه سيتوجب على فريق "أوباما" إعادة النظر بما رفضه في الماضي، أي إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا لحماية المدنيين إلى جانب إقامة منطقة حظر جوي لحماية هذه المنطقة.وفي حين يتمتع الجيش الأمريكي بخبرة تخوّله أن يقرر كيفية إنشاء مثل هذه المنطقة، يمكن أن يتمثل أحد الخيارات في تحديد أكثر من 25 إلى 30 ميلاً جنوب الحدود التركية،

مع روابط إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار الأكراد السوريون، وسيكمن هدف هذا الخيار الرئيسي في مساعدة القوات المحلية على طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوفير ملاذ آمن للمدنيين إلى حين إنهاء الحرب.

كما يمكن للبيت الأبيض أن يضغط على روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي للمساعدة في تنظيم المنطقة وحمايتها، إذ ستكون هذه المنطقة أكثر استدامة وموثوقية إذا لقيت دعماً روسياً، أما إذا رفضت روسيا هذا الاقتراح - كما من المرجّح أن تفعل - فإن الإدارة الأمريكية وشركاءها سيكونون في وضع أقوى بكثير لأخذ زمام المبادرة بأنفسهم.

لا بد من الإشارة إلى أن هناك فوائد متعددة للمنطقة الآمنة، إذ ستشكل الطريقة الأكثر فعالية لدعم المدنيين السوريين والحد من تدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة وإلى أوروبا، كما ستعزز من قدرة الولايات المتحدة على العمل بشكل وثيق مع تركيا - حليف واشنطن الإقليمي الرئيسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)- التي طالما دعت إلى مثل هذه الخطوة، ولأول مرة ستقيّد هذه الخطوة العمليات الهائجة لسلاح الجو السوري، وهو أكبر قاتل للمدنيين في الصراع السوري، ومن شأنها أيضاً أن تعيق استخدام القوة العسكرية من قبل روسيا وإيران وحزب الله ضد المقاومة.

ونضيف هنا إلى أننا لا نقلل من الصعوبة الكبيرة التي تكمن في إقامة مثل هذه المنطقة في خضمّ حرب أهلية، إذ أن المهام الشاقة ستتمثل في الدفاع عن المنطقة ومنع رزوحها تحت عبء اللاجئين، وترسيخها من خلال مبرر قانوني مقنع وإبعاد الجماعات الجهادية عنها، وسيتعين على الولايات المتحدة التأكد أيضاً من عدم تعارض عملياتها الجوية مع المصالح الروسية، فعند إنشاء هذه المنطقة لا نعتقد أن روسيا ستتحدى قوات الولايات المتحدة و"حلف شمال الأطلسي" الأقوى منها، لا سيما إن كانت تعمل بشكل أساسي من تركيا.

إن خبرتنا كدبلوماسيين تبين لنا أنه سيتوجب على الولايات المتحدة نشر جنودها على الأرض في الداخل السوري على طول الحدود التركية من أجل تجنيد غالبية الجنود في المنطقة من تركيا وحلفاء آخرين في حلف "الناتو"، ومن الدول العربية السنيّة أيضاً، كما يمكن لهذه الدول أن تساهم أيضاً من خلال القوة الجوية والصواريخ، وبتنظيم من "حلف شمال الأطلسي" من الأراضي التركية، في مراقبة منطقة الحظر الجوي.

إن أخذ زمام المبادرة سيحمل في طياته مخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ولكن يجب على النقاد أن يقيّموا أيضاً مخاطر عدم المبادرة، والتي قد تشمل عدة آلاف آخرين من القتلى والملايين من اللاجئين وانتشار الحرب لتطال حلفاء الولايات المتحدة مثل تركيا والأردن وإسرائيل والانتصار العسكري الروسي-الإيراني.

لقد عملنا نحن الإثنان في إدارات ديمقراطية وجمهورية على حد سواء، ولاحظنا أنه عندما تتولى الولايات المتحدة القيادة بكل ثقة وعزم، وعندما تشكل ائتلافات كبيرة وفعالة، فعندئذ تتمتع بفرصة كبيرة للغاية لتحقيق النجاح في مناطق معقدة مثل الشرق الأوسط)[16] .

  الاقليم السني والمكاسب الاعلامية

ان اقدام القوات البرية السعودية المشتركة على تحرير مناطق داعش سيهيئ لها نصرا اعلاميا كبيرا، مما يدعو الى تحسين صورتها كثيرا أمام الرأي العام العالمي، وبخاصة الغربي الذي أخذ بات ينظر الى السعودية مؤخرا على أنها المصدر الاساس لتفريخ الارهاب وتمويله.

 

وقبل هذا وذاك، فإن التدخل السعودي في سوريا سوف يوفّر دعما قويا واشرافا مباشرا منها على تشكيل اقليم سني في منطقتي غرب العراق وشرق سوريا، وهو ما تؤكد مؤشرات عديدة رغبة الجانب السعودي بتحقيقه لتشكيل قوة موازنة للقوة الشيعية الصاعدة في العراق.

وهذا بالضبط ما اشار اليه الكاتب علاء الرضائي في مقال له واصفا التدخل البري السعودي في سوريا بأنه (مسرحية يراد منها شرعنة الدويلة السنية ـ الاميركية القادمة على اجزاء من العراق وسوريا، لذلك لن تكون هناك معركة مع الارهاب، بل عملية تسليم واستلام لمناطق من الارهابيين "الموسميين" الى ارهابيين في زي جنود نظاميين، والاثنين يمثلون الارادة الاميركية.بالطبع وكجزء من السيناريو ستكون هناك معارك وهمية قد يقتل فيها بعض "الارهابيين الابرياء" وانتصارات "خالدة" يسطرها جنود الكبسة السعوديون والقطريون والاماراتيون (الارهابيون النظاميون)، وهم الذين عجزوا عن ذلك في اليمن الذي تحول الى مستنقع مخيف لهم، جعل حتى مرتزقتهم من (بلاك ووتر) يفرون منه ويلغون عقودهم في الحرب بالنيابة، رغم كل الاغراءات المادية الخليجية..  هذا كله لذر الرماد في العيون، وأكيد هناك "مهابيل" كثيرون يصدقونهم ويرفعون شارة النصر لهم.

لذلك وحسب الخطة الاميركية - والتي يحاول الاميركيون والخليجيون بالاغراءات جر الروس اليها- سوف تتحاشى هذه القوات اي صدام ومواجهة مع الجيش العربي السوري وأي من حلفائه.

 

وهذه الحرب جنودها الحقيقيون هم الاعلاميون ومرتزقة المال الخليجي والمطبلون بريالات ودراهم النفط.. ستزداد الاناشيد الحماسية في الاعلام السعودي والاماراتي -الخليجي بشكل عام- والاردني، وسيكون "استرداد" الموصل والرقة اهم بكثير من تحرير القدس على يد صلاح الدين وفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد، بل لربما اكثر من فتح مكة)[17] .

رحيل الاسد أو "الخطة البديلة"

واخيرا، من الجدير ذكره ان التدخل البري السعودي في سوريا لا يُعد هو الخيار الاول للولايات المتحدة حاليا، وانما هو الورقة الاخيرة في يدها لضمان اخراج نظام بشار الاسد من السلطة، إذ يبدو ان امريكا عازمة على استنفاد خياراتها الاقل مجازفة قبل الاقدام على هذه المغامرة الخطرة. 

فبعد ان أعلنت السعودية عن قرارها بالتدخل البري ورحبت به امريكا، وضع هذا الخيار "كخطة بديلة" لتمرير قرار انتقال السلطة السياسي عبر ما يسمى بالهدنة بين النظام والفصائل المسلحة في سوريا، وفي حال رفضت روسيا هذا الانتقال - ومن المرجّح ان ترفض- فسوف تمضي امريكا بتطبيق "خطتها البديلة" تلك.

لذلك نسمع أن وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" قد حذر من أن بلاده (تدرس "خطة بديلة" للتعامل مع الوضع في سوريا في حال لم تكن دمشق وموسكو جادّتين في التفاوض على الانتقال السياسي".

وقال "كيري" خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أنه أبلغ الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن "الولايات المتحدة لن تنتظر أكثر من أشهر قليلة لترى ما إذا كانت موسكو جادّة بشأن المحادثات".

وأشار كيري إلى أن "هناك نقاش كبير يدور الآن، حول خطة بديلة في حال لم ننجح في عملية التفاوض" ملمّحًا إلى أن مثل هذه الخطوة، تنطوي على زيادة الدعم للجماعات السورية المسلحة.

ولم يكشف كيري عن تفاصيل الخطة البديلة التي سينصح الرئيس الأمريكي باراك أوباما باتباعها في حال فشلت الجهود للتوسط من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، وألمحت مصادر دبلوماسية إلى أن الخطة الجديدة قد تشتمل على تدخل عسكري للولايات المتحدة والتحالف، إلا أن واشنطن لا تزال حذرة جدًّا من الانجرار إلى النزاع بشكل أكبر بحسب "فرانس برس".

وقال كيري: "عندما التقيت الرئيس "بوتين" قلت له بشكل مباشر جدًّا إن التأكد من نجاح هذا الاختبار لن يكون خلال ستة أشهر أو عام ونصف، وهو الموعد المفترض للانتخابات، بل يجب أن نعرف خلال شهر أو اثنين ما إذا كانت العملية الانتقالية جادّة بالفعل".

وفي حال نجاح وقف إطلاق النار فإن "كيري" ونظيره الروسي "سيرجي لافروف" سيدفعان الأسد والمسلّحين إلى التفاوض على عملية انتقال سياسي بانتخابات ودستور جديد.

وأعرب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن تشككهم بشأن الخطة، إلا أن "كيري" أكّد أن "بوتين" لن يرغب في أن يرى القوات الروسية تغرق في مستنقع حرب طويلة إذا رفض حليفه الأسد المشاركة في العملية السياسية)[18] .

وأيا كان الامر، فان خطوة التدخل البري السعودي المشترك في سوريا يمكن ان يعد "حافة الانهيار" بالنسبة لكل الاطراف، فاذا اقدمت السعودية على تنفيذ قرارها بغطاء امريكي ستنهار الآمال بعودة الاستقرار الى المنطقة على المستوى المنظور، كما سيبدأ فصل جديد غير معهود من العلاقات المتوترة بين اللّاعبين الكبار في المنطقة.

أما اذا لم تُقدم السعودية على تنفيذ قرارها هذا، فسوف نشهد تقدما مشهودا للجانب الايراني وحلفائه في المنطقة، وهو ما يعد بداية انهيار الدولة السعودية المعهودة بفقدانها آخر أمل لها لإيقاف الصعود الشيعي في الشرق الاوسط. 

----------------------------------------

[1]  خبر نشره موقع العربية نت تحت عنوان العربية.نت (عسيري: السعودية جاهزة لإرسال قوات إلى سوريا) بتاريخ 11 /2/ 2016.

[2]  خبر للجزيرة نت بتاريخ 9/2/2016 تحت عنوان (السعودية تجدد استعدادها لإرسال قوات لسوريا).

[3]  خبر نشره موقع روسيا اليوم تحت عنوان(توقيت إرسال قوات خاصة إلى سوريا مرتبط بقرار التحالف الدولي) بتاريخ 14/2/2016.

[4]  خبر نشره موقع الجزيرة تحت عنوان (ترحيب أميركي بإعلان السعودية إرسال قوات لسوريا) بتاريخ 6/2/2016.

[5]  خبر لصحيفة الوئام بتاريخ 13/2/2016 تحت عنوان (وصول القوات السعودية لقاعدة إنجيرليك التركية تمهيدًا لتدخل بري في سوريا).

[6]  خبر نشره موقع روسيا اليوم بعنوان (السعودية: توقيت إرسال قوات خاصة إلى سوريا مرتبط بقرار التحالف الدولي) بتاريخ 14/2/2016.

[7]  خبر نشرته صحيفة الغد الالكترونية بتاريخ 6/2/2016 تحت عنوان («تدخل السعودية بريا في سوريا».. تصريحات ما بين «الضغوط» والتحديات).

[8]  خبر نشره موقع شفق نيوز بتاريخ 15/2/2016.

[9]  خبر لصحيفة الغد – مصدر سابق.

[10]  خبر نشرته الجزيرة بتاريخ 6/2/2016 – مصدر سابق.

[11]  نشر معهد واشنطن تقريرا بعنوان (معركة حلب: مركز رقعة الشطرنج السورية) بتاريخ 5/2/2016 جاء فيه: (في 2 شباط/فبراير، نجح الجيش السوري وحلفاؤه في قطع الطريق الشمالية بين مدينة حلب وتركيا والمعروفة بممر أعزاز. وعلى الرغم من أن المعركة كانت عملية محلية شارك فيها عدد صغير نسبياً من المقاتلين، إلا أنها قد تشكّل نقطة تحول في الحرب السورية. وهذا التطور الأخير لا يهدد وجود المتمردين في محافظة حلب فحسب، بل قد يضع الحدود التركية السورية المشتركة بأكملها تحت سيطرة القوات الموالية للأسد في غضون أشهر، أو يدفع القوات الكردية المتواجدة في المنطقة إلى تبنّي خيار التعايش مع الأسد).

[12]  تقرير نشره موقع بي بي سي بعنوان (صحف عربية: قوات السعودية إلى سوريا بين المغامرة والإيجابية) في 8 /2/ 2016.

[13]  لا ننسى أن منطقة الرقة وما حولها تمثل ايضا كنزا اقتصاديا بالنسبة لتركيا، فلم يعد خفيا إفادة تركيا من البترول المهرب من تلك المنطقة عبر القوافل الداعشية التي استهدفها الطيران الروسي مؤخرا في حملته الجوية، لذا فان وضع تركيا يدها على تلك المناطق سوف يفتح لها ابوابا اقتصادية كبيرة، اذ سيكون تهريب النفط من تلك المنطقة بعد السيطرة عليها ميسورا ومحميا بغطاء التحالف الدولي الامريكي.

[14]  تقرير نشره موقع البشير بتاريخ 13/2/2016 تحت عنوان (محللون: وصول قوات سعودية إلى تركيا سيردع إيران ويحقق توازنا في سوريا).

[15]  تقرير لموقع بي بي سي- مصدر سابق.

[16]  مقال نشره معهد واشنطن بتاريخ 5/2/2016 تحت عنوان (الدواعي الدبلوماسية لقيام الولايات المتحدة بإنشاء منطقة آمنة في سوريا).

[17]  مقال نشره موقع العالم بعنوان (القوات السعودية في سوريا.. أنا أرحب) نشر بتاريخ 13/2/2016.

[18]  خبر نشر في موقع البديل بعنوان (كيري يهدد بـ»بديل أمريكي» في حال فشل «الهدنة السورية» بتاريخ 23 /2/ 2016.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف