البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 19 / 2016  |  1168يجب على فرنسا أن تتوقف عن الإنصات إلى المملكة العربية السعودية حول الموضوع السوري

خوان كول - Juan Cole ذا ناشيونال - TheNational 15 تشرين الثاني 2015 - 15 November 2015
يجب على فرنسا أن تتوقف عن الإنصات  إلى المملكة العربية السعودية حول الموضوع السوري

التحرير: أهمية هذه المقالة نابعة أولاً: من كاتبها وهو خبيرٌ ذائعُ الصيتِ ومسموع الكلمة في الدوائر العليا، ودراساته مرجعٌ فيما يخص آسيا عموماً والشيعة فيها خصوصاً. وثانياً: محتواها الصريح الذي يكشف تضارب المصالح بين الغرب والسعودية، ومدى خطأ الرهان الفرنسي على مساهمة السعودية في محاربة داعش.


داعش هي الخطر الأكثر إلحاحاً على الغرب، والمتأتّي من الحرب السورية ويجب أنْ تُدمّر. ويمكن التعامل مع دكتاتوريّة الأسد الإجراميّة بعدها.

يجب على الغرب أنْ يستغلّ هذه الفرصة المريعة المتأتيّة من هجمات باريس من أجل إعادة النظر في رضوخه للأولويّات السعوديّة في سورية والشرق الأوسط. من وجهة نظر الرياض، إنّ الخطر الأكبر المتطاير من الشرق الأوسط هو توسّع النفوذ الإيراني. ولكن من وجهة النظر الأوروبيّة الأميركيّة، يشكّل صعود داعش في سورية والعراق والهجمة الإرهابيّة الّتي تقودها في الخارج الخطر الأكثر إلحاحاً، بالإضافة إلى انتشار مشتقّات القاعدة. وقد ثبَتَ قطعاً بأنّ الملك سلمان مخطئٌ بكلّ بساطة.

أنا أُجادل في الأولويّات، ولا أقترح بأيّ شكلٍ من الأشكال بأنّه يمكن السماح للسفّاح الفعلي بشّار الأسد بأنْ يبقى في السلطة على المدى البعيد. إنّ الإشارة الماكرة للأسد بأنّ فرنسا كانت مخطِئة بدعمها للثائرين ضدّ نظامه سنة 2011، وبأنّه يجب عليها الآن دعم سياساته المعتدلة ليست سوى تضليلٍ صريح. الأسد هو الّذي دفع الثوّار نحو التطرّف من خلال إطلاق قذائف الدبّابات على المتظاهرين السلميّين. كما أنّه تفادى في معظم الأوقات محاربة داعش، آملاً على ما يبدو أنه في حال كانت داعش هي المجموعة المسلّحة الأكثر نجاحاً فلن يكون عندها أمام العالم أي خيار سوى الاصطفاف خلفه. إنّ إشارته بأنّ الباريسيين، بطريقة أو بأخرى، هم الملامون على وقوع الهجمات الّتي استهدفتهم لا تعدو كونها إشارة سخيفة وبشعة. ولكن، من الصحيح أيضاً، أنّ نظامه ليس الخطر الأكثر ضغطاً على دول شمال الأطلسي.

يقال إنّ الانتحاريّين الشباب الّذين أتوا بالظلام إلى مدينة النّور قد تكلّموا عن شكواهم في ما يخصّ الضربات الجويّة الفرنسيّة على داعش في العراق وسورية. وهذه سذاجة واضحة، لقد تمّ غرسُ فكرةٍ غير صحيحةٍ في رؤوسهم. إذ لم تكن داعش أولويّة فرنسيّة تماماً كما أنّها لا تشكّل أولويّة بالنسبة للمملكة العربية السعوديّة. لقد قامت الرياض ببعض المهمّات الجويّة في سورية ضدّ أرض خلافة أبي بكر البغدادي المصطنعة، ولكنّها لم تهاجمها مطلقاً في شمال العراق، وقد توقّفت عن إرسال هذه الطائرات للقيام بمهمّات فوق سورية في الأشهر القليلة المنصرمة لصالح تركيز قوّتها في دعم مجهودها الحربي ضدّ المتمرّدين الحوثيّين في اليمن. ولم تبدأ فرنسا بقصف مواقع داعش في سورية إلّا في شهر سبتمبر، مع أنّه كان قد سبق لها أنْ أرسلت طائراتها في مهمّات قتاليّة فوق العراق طوال العام المنصرم.

نستطيع أنْ نستنتج أنّ مسألة هزيمة الحوثيّين في اليمن بالنسبة للمملكة العربية السعوديّة تعدّ مسألةً أكثر إلحاحاً من مهاجمة داعش. لقد كانت الولايات المتحدة وفرنسا ولا تزالان تدجّجان السعوديّين بالسلاح الثقيل، السعوديّون أنفسهم الّذين لا يكلّفون أنفسهم عناء الانخراط في الحملة ضدّ أكثر الأعداء خطراً على الغرب. يرى الملك سلمان الحوثيّين، الّذين يأتون من الطائفة الشيعيّة الزيديّة في اليمن (يشكّل الزيديّون ثلث سكّان اليمن)، كعملاء لإيران. في الواقع، هم عربٌ أقحاح، مهما كانت أساليبهم وحشيّة، بالإضافة إلى أنّه لا يوجد أيّ دليل على أنّهم قد تلقّوا أي مساعدة هامّة من إيران. لقد قاد سلمان تحالفاً قام بقصف اليمن بكثافة، حتّى الأحياء السكنيّة المدنيّة، بواسطة طائرات كان يتمّ إعادة ملئها بالوقود في الجوّ من قبل طائرات الولايات المتّحدة، في ما يمكن أنْ يُسَمّى مأساة ضخمة غير ضروريّة وتله عن خطرِ الخلافة المصطنعة. ولكي يزيد الطين بِلّة، أخذ فرع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يزداد قوّةً بسبب الفوضى الّتي سبّبتها الحرب السّعوديّة على اليمن.

أمّا في سورية، فأولويّة السعوديّة هي الإطاحة بحكومة بشّار الأسد البعثيّة. إنّ المراكز العليا في حزب البعث يسيطر عليها العلويّون الشّيعة، ولكنّ الحكومة علمانيّة، كما أنّها متحالفة بشكلٍ وطيدٍ مع إيران. يحبّ السعوديّون أنْ يروا سورية تتحوّل إلى نسخةٍ عنهم، أي إلى نظام استبدادي وسنّي أصوليّ متشدّد، ولذلك يريدون بشكلٍ مستميتٍ أنْ يروا الأسد مطاحاً به.

ويبدو أنّ فرنسا، إذا ما أخذنا بعَين الاعتبار تحالفاتها الوطيدة وتجارتها القويّة وارتباطاتها الاستثماريّة مع المملكة العربية السعوديّة ومملكات النفط والغاز الخليجيّة الأخرى، قد سمحَت للسعوديّة تحديد السيّاسة الفرنسية الّتي يجب اتّباعها في الموضوع السّوري. فمنذ سنة 2012، كانت فرنسا الدولة الغربيّة الأكثر هجوميّة في دعم المتمرّدين السّنّة وفي السعي إلى خلع الأسد. ولكن خلال السنتَيْن الأخيرتَيْن، تخلّت العديد من الجماعات، الّتي تلقّت المال الفرنسي لشراء السلاح المتوسّط، عن تطلّعاتها الديمقراطيّة لصالح الأصوليّة الإسلاميّة المتشدّدة. منهم من انقلب وانضمّ إلى داعش، ومنهم من تحالف علناً مع فرع تنظيم القاعدة السّوري جبهة النصرة.

بما أنّ الأولويّة لدى السعوديّة والخليج هي الإطاحة بالأسد وإزاحة أحد حلفاء إيران، فإنهم لم يكونوا قلقين من هذا التحوّل باتجاه التطرّف الأصوليّ بين السّنّة السوريّين. إنّ جماعة أحرار الشام، السلفيّة (أصوليّة متشدّدة) والمنتشرة، هي جماعة مدلّلة عند السعوديّين والأتراك ولكنّها أيضاً متحالفة علناً مع القاعدة. بإشارةٍ من الرّياض، قامت فرنسا بتقديم دعمٍ صلبٍ لمجموعاتٍ تزداد تشدّداً في حلب مثل «لواء التوحيد».

إنّ الحليف المحتمل الأكثر فعاليّةً في مواجهة داعش هو الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. إنّ إدارة أوباما ومجلس الأمن الدّولي التّابع للأمم المتّحدة قد بدآ، من خلال إتمام اتّفاقٍ مع طهران حول ملفّ التخصيب النووي، بإعادتها إلى الحضن الدّولي الدافئ. وكانت فرنسا، الممثّلة لحلفائها السعوديّين في مجلس الأمن الدّولي، الأقل حماسةً لإتمام الاتفاق مع إيران، وحاولت في بعض المفاصل إحباطه (وما إنْ بدا أنّ الاتفاق أصبح أمراً واقعاً، أصبح المدراء التنفيذيّون للشركات الفرنسيّة فجأةً شديدي الرغبة في الاستثمار في ذلك البلد). وما كان العراق ليستطيع استعادة مُدُن تكريت وبيجي الأساسيّة شماليّ بغداد في الأشهرة القليلة المنصرمة لولا المساعدة الإيرانيّة والدّعم الجوّي الأميركي معاً. وفي ربيع 2014، عندما حاولت حكومة العراق المُسَيطر عليها من قبل الشيعة أنْ تحذّرَ حكومة هولاند من أنّ «داعش» كانت تخطّط لهجماتٍ في باريس، قامت وزارة الخارجية الفرنسيّة بالتغاضي عن المعلومة بحجّة أنْ لا أساس لها من الصّحّة.

إنّ المخاطر في سورية يجب أنْ يُنظَر إليها أنّها مركّبة من أربعة أجزاء: داعش والقاعدة والسلفيّون المتشدّدون المعادون للديموقراطيّة ونظام الأسد البعثي. لا يمكن التعامل مع هذه المخاطر بشكلٍ آنيٍّ، إنّما من الأفضل التعامل مع كلّ واحدٍ بدوره. فمن وجهة نظر الغرب، إنّ هزيمة داعش والقاعدة لها بكلّ تأكيد الأسبقيّة على إزاحة الأسد، على الرغم من أنّ لديه الكثير من الدماء على يديْه لدرجة أنّه يجب إجباره في نهاية المطاف على التنحي أيضاً. ولكنّ إطاحة نظام البعث عسكريّاً الآن سيضمن بكلّ بساطة أنْ تقوم داعش أو القاعدة بغزو دمشق والسّيطرة على كامل سورية. إذا استطاعت داعش أنْ تلحق كلّ هذا الضرر بباريس وهي عبارة عن أرض صحراوية ومعزولة ويصل عدد السكان الّذين هم تحت سيطرتها قرابة الثلاثة ملايين، فتخيّلوا مدى خطورة هذا التنظيم في حال امتلك دولةً بأكملها من 20 مليون نسمة وفيها مطارات ومرفأ بحري أساسيّ.

وعلى العكس من ذلك، فإنّ السعوديّين يعطون الأولويّة للإطاحة بالأسد وهم غير خائفين بالمطلق من داعش والقاعدة. وهم يروّجون بنشاطٍ للسلفيّين المتشدّدين المتحجّرين، الّذين يهدفون إلى اضطهاد السّوريّين من العلويّين الشيعة والمسيحيّين والدروز والسّنّة العلمانيّين – أي ما يقارب ثُلْثَيْ سكّان البلاد. إنّ أولويّات الرّياض تشكّل خطراً بكلّ تأكيد على الغرب وكارثة إضافية تنتظر أن تقع في سوريا المنكوبة.

إنّ كذبة داعش بأنّ هجمات باريس حصلت من أجل معاقبة فرنسا بسبب تدخّلها في سورية لا تعدو كونها دعايةً صرفة. كان لدى حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي معلومات استخباريّة عن هذا الهجوم الدّاعشي المخطّط له على العاصمة الفرنسيّة منذ حوالي 18 شهراً، في وقتٍ لم تكن فيه فرنسا مشاركةً حتّى في الحملة على سورية. لا بل يبدو أنّ العكسَ هو الصحيح ـ إذ تدخّلَتْ فرنسا في سورية في أوائل شهر سبتمبر المنصرم، لأنّها أخذت أخيراً بهذه التحذيرات الاستخباريّة، وكانت تحاول ضرب مخيّمات التدريب الّتي قد ينطلق منها هجومٌ على باريس. وكما اتّضحَ، كانت خطّة الهجوم قد تقدّمت في مراحلها بشكلٍ أكبر من أنْ تستطيع الحملة على سورية الّتي كانت مقرّرة في الخريف إيقافها.

وفي ردّه على هجمات باريس في ليل الجمعة، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولّاند بأنّ بلادَه أصبحت في حالة حرب الآن. كان من الأفضل لو أنّه قال: إنَّ بلادَه كانت ضحيّة أعمال عصابة إجراميّة. كما أنّه على باريس أنْ تتوقّف عن الاستماع إلى الرياض حول أيّ طريق ستختاره قدماً، وأنْ تبحثَ لنفسها عن حلفاءٍ فعّالين على الأرض لكَيْ تقدّم لهم المساعدة. وهؤلاء الحلفاء هم الشيعة العراقيّون والأكراد السّوريّون والمعتدلون السّنّة وإيران. وإذا تمّ التمكّن من هزيمة داعش، تصبح القاعدة في سورية هي التّالية على لائحة الأطراف الّتي يجب القضاء عليها. أمّا الأسد، الّذي أنتجَ هذا الاستقطاب والتطرف، اللذان يجتاحان الآن سوريا والمنطقة المتوسّطيّة بأكملها، فيجب عليه الإذعان في نهاية المطاف في انتخاباتٍ حرّة، وكذلك الأمر بالنسبة لأعدائه المتشدّدين السّنّة. ولكنّ الأهمّ فالمهمّ، لذلك يجب التعامل أوّلاً مع هؤلاء الانتحاريّين وقاطعي الرؤوس المجانين في الرّقّة والموصل. وعلى الرغم من المداهنة الكلاميّة السعودية، فإنّها قد أظهرت بأنّها من المستبعد أنْ تُقدّمَ الكثير في تلك المعركة.

--------------------------------

[1] ذا ناشيونال (TheNational) أقدّمَ مجلّة أسبوعيّة لم تتوقّف عن النشر في تاريخ الولايات المتّحدة الأميريكيّة، وهي مكرّسة للسياسة والثقافة، وتصف نفسها بأنّها «قائدة مسيرة اليسار»، وتأسّست في 6 يوليو 1865 في نيويورك. تملك المجلّة مكاتب في واشنطن العاصمة ولندن وجنوب أفريقيا. ولديها أقسام لتغطية موضوعات الهندسة المعماريّة والفنّ والشركات العالميّة والدفاع والبيئة والسينما والمسائل القانونيّة والموسيقى والسلام ونزع السلاح والشعر والأمم المتّحدة.

[2] خوان كول (Juan Cole) وهو أستاذ جامعيّ في التاريخ في معهد ريتشارد ب. ميتشل (Richard P. Mitchell) ومدير مركز الدراسات الشرق أوسطيّة وشمال أفريقيّة في جامعة ميتشيغن. حصّل كول تعليمه المدرسي في عدّة مدارس في عدّة بلدان مثل فرنسا وأريتريا لأنّ والده كان عسكريّاً في الجيش الأميركي، ويقول إنّه أصبح مهتمّاً بالديانة الإسلاميّة في أريتريا عندما كان طفلاً. ونال: سنة 1975: إجازة في تاريخ الأديان وكتبها من جامعة نورثويسترن، وفي سنة 1978: ماجستير في الدراسات العربيّة والتاريخ العربي من الجامعة الأميركيّة في القاهرة. وفي سنة 1984: دكتوراه في الدراسات الإسلاميّة من جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس. شغل مناصب عدة في جامعة متشيغن من سنة 1984 لغاية 2012. اهتماماته الأكاديميّة: مصر الحديثة، الإسلام الشيعي في إيران والعراق والهند، التاريخ الحالي للأحداث، ترجمات جبران خليل جبران، المؤسّسات الدوليّة الأميركيّة النسق والدراسات البهائيّة.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف