البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 19 / 2016  |  2386ثورة القمصان البيض بين تدهور المستوى العلمي وطموحات بناة المستقبل

الشيخ كاظم الصالحي المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية اذار 2016
ثورة القمصان البيض بين تدهور المستوى العلمي وطموحات بناة المستقبل

وكالات الانباء: انطلق طلبة جامعة المثنى (السماوة) يوم 25 /2/ 2016 في تظاهرة احتجاجية بوجه وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. حسين الشهرستاني ومنعوه من الدخول الى مبنى الجامعة ساخطين على الواقع العلمي والاداري المتردي في الجامعات, وطالبوا باقالته كما شهدت جامعات اخرى تظاهرات مشابهة في المحافظات الجنوبية والوسطى، وجامعة بغداد والمستنصرية ليشكلوا ما عرف بـ (ثورة القمصان البيض) ثم تظاهر طلبة جامعة المثنى في اليوم التالي احتجاجاً على اعتقال استاذ الجامعة باسم السماوي الذي قاد حملة المطالبة بالاصلاحات , وهددوا  بالاستمرار بتظاهراتهم واعتصاماتهم ، في حال عدم الافراج عنه.

وقد اعلنت تنسيقية طلبة جامعة بغداد، مجمع كليات باب المعظم، في بيان عن تنظيم تظاهرة طلابية سلمية بتاريخ 9 / 3 / 2016 تضامنا مع طلبة الجامعات الثائرة بوجه الفساد, واوضح البيان ان الهدف من التظاهرة هو "اقالة وزير التعليم العالي لفشله الذريع في ادارة ملفات الوزارة واستخدامه لاساليب قمعية في معالجة المشاكل وادخال الجهات السياسية والحزبية في عمل المؤسسة الاكاديمية"و "ايقاف ترهيب الطلبة والاساتذة المنادين بالاصلاح, والتعاطي مع النقد والتقويم بروح ديمقراطية، لأن المؤسسات الرصينة والمحترفة لا تتقدم ولا تزدهر الا بالنقد و التقويم البناء" و" اصلاح المنظومة الادارية للتعليم العالي واقالة القيادات الاكاديمية غير المؤهلة وجذب الكفاءات واعطاءها دورها الفعلي والحقيقي في دفع المسيرة التعليمية للامام" و"اصلاح الحياة الجامعية واحترام الحريات العامة وعدم التضييق على الطلاب وعدم استخدام موظفي الامن في الترهيب والتسلط وضبط اجتهاداتهم الشخصية وعمل دورات تدريبية وورش تمكنهم من ان يكونوا موظفي امن محترفين يجيدون التعامل مع الطلبه". ولفت الطلبة، الى ان من اهداف تظاهرتهم "العمل على صرف منحة الطلبة فورآ لانها حق قانوني ويجب الايفاء به، وتوفير كل ما هو لازم من خدمات لطلبة الاقسام الداخلية".

ان تدهور المستوى العلمي والتعليمي في الجامعات والمراحل السابقة لها الى جانب الفشل الاداري فيها واقعان مؤلمان يعاني منهما الطلبة المخلصون لوطنهم وشعبهم, وقد نشر الكثير من البحوث والمقالات من الاساتذة والمختصين في وسائل الاعلام ودعوا بالاصلاح والتغيير نحو الافضل وجاءت تظاهرات الطلبة الاحتجاجية لتؤكد المطلوب, اراتينا نشر بعض الاراء والافكار حول اسباب هذا التدهور المؤسف وافاق المستقبل في الملف التالي :


ترتيب مخجل للجامعات العراقية عالـمياً وعربياً وآسيوياً 

اظهر اخر تقييم (ويب ماتركس) للجامعات العالمية والعربية والاسيوية الذي تعده هيئة ألبحوث ألعليا في أسبانيا سنوياً، تدنياً مخجلاً في ترتيب الجامعات العراقية على جميع المستويات، حيث كانت جامعة الكوفة (الاولى عراقياً) في الترتيب (7353) عالمياً، من بين (12006) جامعة عالمية. ثم الجامعة التكنلوجية (8519)؛ وجامعة السليمانية (8527)؛ وجامعة دهوك (8860)؛ وجامعة كركوك (9009)؛ جامعة الموصل (9772)؛ وجامعة البصرة (10487) وجامعة بغداد  (10673) عالمياً فيما أحتلت جامعة الملك سعود المركز الاول وعالمياً كانت في المركز (186)، ولم يكن للجامعات العراقية ذكر في المراكز الـ100 عربياً وتصدرت لائحة الجامعات العالمية لأول عشر مراكز الجامعات الامريكية ومن ثم جامعة بريطانية، وكان تسلسل الجامعات العراقية للتقييم السابق في العام الماضي: جامعة الكوفة (77)؛ الجامعة التكنلوجية (86)؛ جامعة السليمانية (91){ من أصل (100) جامعة عربية، ما يعني ان الواقع التعليمي في تراجع كبير ومرحلة عصيبة.

في هذا السياق أكد خبراء عرب مختصون في التعليم الجامعي  أن خروج الجامعات والمراكز البحثية العربية من الترتيب العالمي لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم، أمر طبيعي ومنطقي في ظل "تدني مخصصات التعليم والبحث العلمي، وربط التعيين والترقية بدرجة الولاء للنظم الحاكمة، إضافة إلى استمرار نزيف هجرة العقول العربية للخارج، وسيطرة الأجواء الطاردة للكفاءات والقدرات، مع انخفاض دخول الأساتذة، وعدم تقدير صناع القرار للعلم والعلماء" , وهو دليل على الكارثة التي يعيشها قطاع نشر وإنتاج المعرفة عن طريق التعليم والبحث العلمي والتطوير.

واعتبر الخبراء في حوار مع (سويس انفو )أن العلاج يتلخص في "إطلاق الحريات الأكاديمية، وإبعاد الجامعات عن التسييس، وإدارة ملف الجامعات والمراكز البحثية بشكل أكاديمي وعلمي، مع زيادة الإنفاق على الجامعات والبحث العلمي، والاهتمام بالتعليم ما قبل الجامعي، وربط فلسفة التعليم بالمفهوم الشامل للتنمية، وتهيئة المناخ ليكون جاذبًا، مع المحافظة على الكفاءات والعقول العربية، إضافة إلى "استقلال الجامعات ماديًا وإداريًا، وتقدير الأساتذة، واعتماد ضوابط ومعايير واضحة لترقية الأساتذة، تعتمد على الموضوعية والشفافية والقدرة والكفاءة".

وتنشأ أهمية ترتيب قائمة أفضل الجامعات في العالم – حسب هؤلاء الخبراء- من كونه مؤشرًا على جودة التعليم، ومعيارا مهمة  لقياس مدى تطور أي دولة, ويكشف عن مدى مساهمة الجامعات في البحث العلمي على مستوى العالم، كما أن مكانة الجامعة عالميًا تتحدد بحسب ما تقوم به من نشر أبحاث عالمية جديدة ومفيدة، وهو ما يترتب عليه زيادة الإقبال على هذه الجامعة سواء من الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس، أو العلماء، فيكون لها مصداقية عند صانعي القرار".

والمعايير التي يتم على أساسها ترتيب الجامعات هي: مدى توافر الإمكانات المادية، ومدى المشاركة في إنتاج المعرفة عن طريق النشر العلمي في الدوريات المعترف بها دوليًا"، هذه المعايير تعبر عن مدى تطور أو تأخر البحث العلمي في بلد ما، ومن أهم المعايير المعمول بها في الترتيب العالمي للجامعات: النشر في دوريات علمية موثوق بها, ومن هذه المعايير "المستوى العلمي للجامعي، ومناخ البحث العلمي في الدولة التابع لها الجامعة، وكفاءة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، إضافة إلى مدى الاهتمام بالبحث العلمي".

جذور التعليم العالي وملامح أزمته الحالية:

نستطيع القول أن مستوى التعليم العالي في العراق عند نهاية عقد السبعينيات  كان متقدما مقارنة مع جامعات المنطقة, ولكن الأوضاع السياسية العامة كانت تحمل في طياتها نذير شؤم تجسده سياسات التبعيث والتضييق على الحريات الأكاديمية للأساتذة وتحويل مؤسسات التعليم العالي إلى بؤر للدعاية السياسية للحزب الحاكم, مما اخل بمعايير النزاهة والجودة وأفسد البحث العلمي وغاياته في هذه المؤسسات, تلتها سنوات من الحروب العبثية التي أقدم عليها النظام, وسنوات حصار وتجويع أوقعت هذه المؤسسات في شللية كاملة عن أداء دورها في خدمة المجتمع والبحث العلمي, وفد بدأت في عقد الثمانينات والتسعينات ملامح الهجرة للكادر التدريسي على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية العامة.

ويجب الإشارة هنا إلى أن 80 % من مؤسسات التعليم العالي في العراق تعرضت للتدمير والتخريب والنهب منذ بدء الاحتلال الأمريكي عام 2003 ,وعملية إعادة الأعمار الجارية تشمل فقط 40 % من مؤسسات التعليم العالي, بينما تتواصل هجرة الأساتذة والمعلمين إلى المناطق الأخرى, حيث غادر حوالي 40 % منهم منذ عام 1990 والتي بلغت عشرات الألوف, كما قارب عدد ضحايا الإرهاب والاغتيال منذ سقوط النظام السابق 300 كادر شملت كبار التدريسيين والأكاديميين , وقد تكثفت حملة الإرهاب ضد الأكاديميين في منتصف العام 2005 وبلغت ذروتها عام 2006 ـ 2007 مما أدى إلى هجرة جماعية لعشرات الآلاف من المفكرين والعلماء والفنيين العراقيين وعائلاتهم إلى الخارج.

اسباب تدهور المستوى العلمي والتعليمي

1- الدور التدميري لنظام صدام :                           

  كتب الأستاذ د. عبدعلي كاظم المعموري تحت عنوان (إشكالية التعليم العالي في العراق..الواقع والاتجاهات):

إن عوامل التدهور في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي قد بانت مظاهرها منذ قيام الحرب مع إيران، وبالتحديد عام 1982، إذ شهد هذا القطاع تراجعاً في مجال التخصيصات الممنوحة له على خلفية ازدياد متطلبات الحرب، والتحول الى عسكرة الاقتصاد والمجتمع، وترتب على ذلك كله إهمالاً واسعاً للبنية الأساسية للتعليم العالي، بدءاً من الكتب والمصادر والأبنية وانتهاءاً بالأجهزة والمعدات والمختبرات والأقسام الداخلية، وصولاً الى طريقة اختيار وزير التعليم العالي.

وجرى التوسع في انشاء الجامعات على خلفية الضغط في القبول، ولأغراض بعيدة عن المعايير العلمية الحقيقية، بل هي في مجملها لا تتعدى أن تكون قرارات سياسية.

وفقدت الأوساط العلمية حصانتها المفترضة في ظل الآليات المعتمدة، وهو ما لم يمكن التخلص منه الى الآن، وهو ما لم يتم الاهتمام به لا من الوزارة أو من لجنة التربية والتعليم في البرلمان.

وكتب الباحث عواد احمد : بدأ التعليم في العراق يتدهور منذ استلام صدام حسين للحكم عام 1979 حيث سادت في داخله الايديولوجيا القومية الشعارية والتعبوية السياسية، وتحديدا بدأ التدهور يأخذ بعدا اكثر اتساعا ابان سنوات الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 حيث أولت حكومة صدام اهتمامها على الجانب العسكري تاركة كل الجوانب الاخرى المتعلقة بالحياة العامة كالتطور الاقتصادي والاجتماعي بما في ذلك قطاع التعليم حيث جند صدام كل الكوادر التعليمية والتدريسية من الرجال كجنود في الحرب ضد ايران واستعاض عنهم بكوادر نسائية غير مؤهلة وغير معدة اعدادا جيدا وتفتقر الى الخبرة في مجال العملية التربوية, كما اوقفت الدولة كل متطلبات الانفاق المالي على المدارس والكوادر التعليمية, وفي فترة الحصار الذي فرض على الشعب العراقي 1990-2003 تحطم التعليم تماما ووصل المستوى التعليمي الى احط الدرجات حيث انخفض راتب المعلمين الى ما يعادل 3 دولار شهريا في المتوسط مما انعكس على مستوى الاداء ومستوى التلاميذ العلمي, فاضطر كثير من التلاميذ والمعلمين  ترك المدارس وذلك من اجل اعانة عوائلهم, ولم يعد للتلاميذ او الطلبة اهداف مستقبلية وطموحات تدفعهم الى الدراسة والتحصيل العلمي, اذ توقف تعيين خريجي المعاهد والجامعات واضطروا الى ممارسة اعمال خارجية ليس لها علاقة باختصاصاتهم من اجل كسب لقمة العيش .

ان فترة الحصار شهدت أسوأ تدني للعملية التربوية فقد منع الحصار الثقافي المفروض وصول اخر المنجزات التربوية والعلمية العالمية فبقيت المناهج مقننة ومتخلفة وتجافي الحقائق العلمية والتاريخية, فمثلا امر صدام بتفسير التاريخ تفسيرا قوميا وفق ايديولوجية البعث مما تسبب في قلب كثير من الحقائق التاريخية وتشويه الوعي السياسي والاجتماعي لمختلف الاجيال . وقد فقدت العملية التربوية اعتبارها ووزنها الاجتماعي في نظر شرائح اجتماعية عديدة .

عملية اعداد المعلمين وطغيان الكادر النسوي في العملية التعليمية ادى الى تردي التعليم حيث يتم ادخال الطالبات ذوات المعدلات الواطئة او خريجات المرحلة المتوسطة الى معاهد المعلمات ويتم تدريسهن من قبل مدرسات او مدرسين من حملة الشهادة الجامعية البكلوريوس الذين هم بدورهم ليسوا على دراية وخبرة واختصاص في مجال العلوم التربوية والتعليمية  فضلا عن كون مناهج تدريسهم متخلفة وبسيطة وغير تخصصية .وقد اغلقت معاهد المعلمين الذكور بسبب سياسة العسكرة التي سادت في البلد خلال حقبة حكم صدام  . هذا اذا ادركنا ان  معاهد اعداد المعلمين المحلية في المحافظات والاقضية الموجودة حاليا فشلت فشلا ذريعا في اعداد كوادر تعليمية من الذكور لافتقارها الى ذوي الخبرة والاختصاص من المدرسين والاساتذة المختصين في مجال العلوم التربوية والنفسية وكونها تضم الطلبة الفاشلين دراسيا وقد تم التركيز خلال حقبة صدام ومن جراء ما يسمى الحملة الايمانية التي كان يشرف عليها صدام نفسه على العلوم الدينية وازدادت نسبة المعلمين والمعلمات والمدرسين المختصين في تدريس العلوم الاسلامية ونسبة المشرفين التربويين كذلك وعلى حساب الاختصاصات الاخرى العلمية كالرياضيات واللغة الإنكليزية والعلوم الاجتماعية والفيزياء والكيمياء وعلم الاحياء.

2- الانقطاع عن الثورة المعرفية والمعلوماتية :

كتب د. عامر صالح تحت عنوان( التعليم العالي في العراق.. الهموم والتطلعات)

: فرضت سياسات النظام السابق وطبيعة حكومته ذات الحزب الواحد حصارا على مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي, واعتبرت أن ما يصدر عن الحزب وقيادته الحكيمة هو المصدر الأول والأخير للمعلومات ومصداقيتها في مختلف العلوم, وبهذا كان النظام السابق بمعزل عن الثورة المعرفية المتزايدة وما تفرضه من زخم التحديات والسرعة الفائقة في إنتاج هذه المعرفة وتطبيقها في مناحي الحياة المختلفة, وقد تناسى النظام السابق والأحزاب السياسية الحاكمة اليوم أن امتلاك المعرفة يمثل القوة التي بموجبها تصنف الدول ومستوى رقيها وتقدمها, وان السبق في عالمنا المعاصر مرهون بامتلاك المعرفة, كما أن مجتمع المعرفة يقوم على قاعدتين هما البحث العلمي المبدع والتطبيق التقني المبتكر المتمثل بالعلم والتكنولوجيا.

ان عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وثورة المعرفة يستدعي بالضرورة إلى تعليم يؤدي إلى تطوير وتنمية قدرات الأفراد على قاعدة التعليم المستديم والمستمر مدى الحياة بما يؤدي إلى الوصول إلى المعلومات وتنظيمها وحسن استخدامها والاطلاع عليها في عقر ديارها وحسن استخدامها في التفكير والتعبير والاتصال والعمل وبناء العلاقات, في عصر يتسم بتناقص الموارد غير المتجددة من طاقات وخدمات, وبالتالي فأن على التعليم والعالي منه بشكل خاص أن ينتقل بالمجتمع من الصناعات التقليدية إلى صناعات حديثة, ومن العمالة العضلية إلى العمالة العقلية والتقنية, ومن المركزية إلى اللامركزية, ومن التنظيم الهرمي إلى التنظيم الشبكي, ومن النمطية إلى التميز, ومن الخيار الواحد إلى الخيارات المتعددة, والعراق اليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج إلى هذه الانتقالية لإعادة هيكلته بعد حرمان طويل الأمد من المعرفة العلمية وحسن استخدامها .

3- الانتماءات الحزبية والطائفية والمحسوبية :

اظهرت السنين أن العديد من الانتكاسات والمشاكل في العمل الاكاديمي كان سببها سوء إدارة العمل، وضعف أو خطأ القرار المتخذ، وعدم الخبرة في التعامل مع التدريسيين، وهذا الأمر لا يعود الى وجود مشكلة في الجهاز الوظيفي فحسب، بل لأن هناك مشكلة في عدم قدرة من يشغل الوظيفة ويتحمل مسؤوليتها, وكتب لي استاذ جامعي يعزي فيه تدني المستوى التعليمي الى (منح المناصب الادارية المهمة مثل رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء المجالس العلمية استنادا الى انتماءات حزبية وطائفية ومحسوبية ومنسوبية)، ويشارك هذا الرأي استاذ اخر باعتباره (التغييرات الادارية على مستوى العمداء والمستندة اساسا على تكريس الولاءات الحزبية اولا، وبدون مراعاة لوضع المؤسسة الاكاديمية)، هي اصل البلاء في المؤسسات التعليمية. ويقول أستاذ جامعي آخر: (اصبح هَمْ المسؤول هو ارضاء المسؤول الاعلى والسعي الحثيث وراء الانجاز الشكلي والاعلامي، او انهاء العام الدراسي بدون اثارة اي  مشاكل، او تهدئتها على الاقل، و محاولة ارضاء جميع الاطراف على حساب مبادىء العمل الصحيحة و العادلة). ويقدم احد الاساتذة رأي آخر: (عجبي على بعض الاساتذة الجامعيين حين توليهم المناصب الادارية ينسون انهم أساتذة، ويحاولون ان يضعوا القيود والسلاسل امام كل المقترحات الطموحة للنهوض بكلياتنا بصورة خاصة وجامعاتنا بصورة عامة).

معظم الاتهامات والآراء تفترض ان الاداري الذي استلم منصبه عن طريق ترشيح حزبي بالضرورة هو اداري فاشل وهو سبب تدهور مستوى التعليم الجامعي والبحث العلمي، وتتناسى دور اعضاء هيئات التدريس ومسؤوليتهم في تعليم الطلبة وتدريبهم والنهوض بمستوى جامعاتهم، كما لا تأخذ هذه الاراء والمواقف بنظر الاعتبار مدى تغاير الامكانات الادارية والأكاديمية للعدد الهائل من رؤساء الجامعات والعمداء، ورؤساء الاقسام الذين تعاقبوا على رئاسة المناصب الجامعية والذين لا بد ان يمثلوا بصورة عامة مستوى المعرفة والخبرة لما تفرزه شريحة الاساتذة ومساعدي الاساتذة من حملة الدكتوراه الذين يحق لهم فقط ان يتبوؤا مثل هذه المناصب. وفي ظل التردي الحاصل في مستوى الجامعات منذ استحداث وزارة التعليم العالي عام 1970 وتعاقب المئات من التدريسيين على كراسي المسؤولية يصبح من الصعوبة القاء تبعية هذا التردي على القيادات الجامعية وحدها.

ان اي معالجة موضوعية لمشاكل التعليم العالي- بعيدا عن مجرد تقديم تكهنات او تخمينات لاسباب الفشل -لابد ان تشير الى الدور القيادي والرئيسي للوزارة في وضع السياسات والخطط والاجراءات ومتابعة تنفيذها، بالاضافة الى تدخلها في كل شاردة وواردة متى ما ارتأت ضرورة ذلك، والتي امثلتها كثيرة منها منع لبس الجينز من قبل التدريسيين، والدور الامتحاني الثالث، وقبول ضحايا الارهاب في الدراسات العليا بغض النظر عن كفاءاتهم ودرجاتهم، ومنع الاخوة من العمل في نفس القسم العلمي.

وبما ان نجاح التعليم العالي يتوقف على التاهيل المناسب للطالب في المراحل السابقة كتب الباحث محمد محبوب : تقاسمت الأحزاب الحاكمة في العراق بعد الـ2003، الوزارات ضمن سياسة المحاصة الطائفية والعرقية، وأدى ذلك إلى هيمنة النفوذ الحزبي بإشكاله المتعددة ليفرض رؤاه وخياراته لمدراء المدارس والأقسام التربوية وفق ضوابط خاصة وصفها المختصون بأنها لا علاقة لها بالعمل التربوي والإخلاص والكفاءة وتعتمد على العلاقات الشخصية والتي لا تخلو من الفساد المالي والمتمثل بالرشاوى والهدايا وعلى أعلى المستويات. وكذلك الحال بالنسبة لشكل النظام  الإداري المعتمد في العراق فهو نظام شمولي حتى على صعيد الجامعات التي تنتظر التعليمات من الأعلى، مما افقدها فاعليتها، وهذا ما يجسد حاجة فعلية تتعلق بضرورة أن تكون المؤسسات التعليمية والجامعات مستقلة في بناء سياساتها بصورة مستقلة وعلى وفق المتطلبات العلمية والمهنية... وتحت عنوان تحرير الوظيفة العامة من التسيس والتحزب في مؤسسات الدولة العراقية، تم استحداث كيان جديد معني باعتماد الإستراتيجية العلمية لاختيار المتقدمين للوظائف الحكومية. وهكذا جاء مجلس الخدمة العامة الاتحادي الذي صوت على قانون تأسيسه مجلس النواب العراقي في 19 آذار/مارس 2009.... وكانت وزارة التربية العراقية هي أول من أطلق التعيينات الحكومية مطلع الـ2011، لتكسر القاعدة التي جاء من أجلها مجلس الخدمة الاتحادي باعتمادها مبدأ القرعة في اختيار المتقدمين للوظائف الحكومية، وهكذا بعد ان تخلصت الوظيفة في قطاع التعليم في جزئية اختيار الكادر التدريسي من هيمنة الأحزاب وقعت في شرك القرعة وهو خيار لا يقل سوء عن سابقه ويعيق العملية التعليمية برفدها ربما بالكوادر غير المؤهلة.

4- اداء الهيئة التدريسية:

ويضيف د. الربيعي: يجب علينا عندما نتكلم عن مشاكل التعليم الجامعي ان لا ننسى ان مستوى الجامعة العراقية

 ارتبط تاريخيا بمستوى اداء هيئة التدريس، فالأستاذ كان دائما العامل الاساسي في تحفيز الطلبة على المثابرة والتتبع، ويولد عندهم الفضول للاستمرار في الاستماع والتعلم. ولأن التعليم في العراق تاريخيا وبصورة عامة، يعتمد على قابليات الاستاذ في عرض المادة بصورة واضحة ومثيرة للاهتمام، وعلى دور الطالب الذي ينحصر في الاستماع والتدوين واسترجاع المعلومات عند الامتحان، فالطالب لا يتعلم لحد ما معارف التعلم الذاتي والاعتماد على النفس ومهارات التفكير المبدع والتفكير الناقد، لذا فان الاستاذ كان ولا يزال هو الركن الاساسي الذي تقوم عليه العملية التعليمية في الجامعات، فهو الذي يضع المنهج المعلن ومخارج التعلم ويدرس محتويات المنهج وهو المسؤول عن المنهج الحقيقي الذي تعلمه الطالب، وهو الذي يقّيم تعلم الطالب.

وحتى لو كانت للإداري في الجامعات العراقية صلاحيات كبيرة كتلك التي يتمتع بها الاداري في الجامعات الاجنبية فانه لن يستطيع من إحداث تغيير ايجابي او سلبي من دون تعاون التدريسيين ومشاركتهم في البناء (او الهدم)، هذا طبعا اذا سمحت له الوزارة من القيام بعمله.  يجب ان لا ننسى ان 70% من اعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات العراقية هم من حملة الماجستير ومن ليس لديهم خبرة تدريسية في جامعات اخرى ومعارف تربوية وبحثية رصينة، بالإضافة الى ان اي اجراءات تنظيمية او ادارية يرغب بتحقيقها العميد ورئيس القسم ستفشل عمليا لانعدام المرونة التنظيمية والهيكلية للجامعات والكليات والاقسام، والتي تنعكس سلبيا على اداء الاداري لأنها تتضارب مع مفهوم القيادة والإدارة والتخطيط والعمل بمستوياته المختلفة، وتعتبر عنصرا مهما في ابقاء قبضة الثقافة السائدة (سلبية او مراوغة او انتهازية) واستمرارية القناعات الجاهزة.

ويرى الاستاذ الربيعي ضرورة تبني اسلوب الانتقاء من قبل لجنة منتخبة من قبل اعضاء الهيئة التدريسية للجامعة او الكلية المعنية على اساس المفاضلة لاختيار رئيس الجامعة وعميد الكلية بدلا عن الانتخاب او التعيين المباشر ، وبهذا تضمن العملية صوتا للاستاذ في عملية التعيين عن طريق انتخاب لجنة المقابلة والاختيار، وتضمن تعيين افضل العناصر عن طريق الاعلان والمقابلة وتوفر الشروط، وتضمن للوزير حق التعيين والنقض حيث تعطي العملية للمسؤول الاداري الاعلى حقا مشروعا في نظام دولة لا تتوفر فيه الاستقلالية الكاملة للجامعات. وقد لا يكون هذا النظام هو النظام الأمثل، لكنه بالقطع أفضل كثيرا من النظام المعمول به حاليا، الذى هو استمرار لنظام قديم أخضع الجامعات عنوة لإدارة تسيطر عليها تماما الدولة.

اخيرا، ان وضع الشخص المناسب رئيسا لجامعة يتطلب تنفيذه أن يتمتع بشخصية قوية وجذابة ومتزنة، وبمهارات الاتصال والتواصل، والتمكن من الحديث باللغة الانكليزية، وان تكون له علاقات جيدة بالاجهزة والمؤسسات الخارجية (الوطنية والعالمية) وله سجل ممتاز في كل من البحث العلمي والتدريس، ويؤمن بضرورة تحقيق الاستقلال الاكاديمي للجامعة عن الدولة، ويدافع عن الحرية الاكاديمية، ويسعى لان تكون الجامعة مجالاً خصبا لإيجاد الحلول المناسبة للإشكالات التي تعترض المجتمع بمنهجية علمية، ويهتم بالمعايير الأكاديمية، ويسعى الى الارتقاء بجودة التدريس والبحوث، وبسمعة الجامعة، ويلتزم بقوة بأسس الحكم الجماعي، الذي يجمع مصالح الهيئة التدريسية والعاملين في الجامعة في عملية صنع القرار.

5- قلة الإنفاق : 

لقد اتفق الخبراء  على أن السبب الرئيس لتدني مستوى الجامعات العربية يرجع إلى أن الدول العربية لا تنفق ما يكفي على التعليم بصفة عامة، وعلى التعليم الجامعي، وما فوق الجامعي بصفة خاصة، كما أنها تنفق بتواضع شديد على البحث العلمي"، معتبرين أن "ما يخصص على البحث العلمي هو نسبة تافهة جدًا من ميزانية الجامعات الضعيفة أصلا".

ويكفي الإشارة هنا إلى ضئالة ما ينفق من مال على البحث العلمي في العالم العربي  " استنادا إلى تقرير اليونسكو للعلوم للعام 2010 " ففي الدول العربية الأفريقية وصل ما بين 0.3 و0.4 % خلال السنوات ما بين 2002 و 2007 من جملة الناتج القومي, بينما وصل الإنفاق في الدول العربية الأسيوية 0.1 % في الفترة نفسها, بينما وصل على مستوى العالم كمعدل 1.7 من جملة الناتج القومي, بينما تخصص البلدان التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حوالي 2.2 % لأغراض البحث والتطوير, أما في إسرائيل فقد وصل الإنفاق العالمي على البحث العلمي والتطوير ما بين 4.6 و 4.8 خلال العام 2006 . فإذا كان مستوى الإنفاق هكذا في دول عربية تعتبر مستقرة نسبيا فما هو حال العراق بين هذه الدول, حيث الفساد المالي والإداري وسرقة الأموال التي تفرغ أي نسبة من التخصيصات المالية من محتوى فاعليتها  واستخدامها بشكل صحيح, علما أن هناك إحصائية تؤكد أن ما يصرف على التعليم العالي من أموال " باستثناء رواتب الأساتذة التي تشكل 80 %من الإنفاق " هي أموال ضائعة .

وقد تراكمت المشاكل التي شهدها التعليم مع الدمار الذي تعرضت له أعداد كبيرة من الأبنية المدرسية خلال الغزو الأمريكي للعراق في الـ2003، وفي هذا الصدد كشف تقرير للبنك الدولي  حول التقديرات المشتركة لإعادة البناء والأعمار في العراق والذي صدر في تشرين الأول2003 بأن تكلفة ترميم المباني الدراسية في العراق يقدر بـ4.8 مليار دولار في المدى القصير والمتوسط بدون حساب نفقات التشغيل والصيانة... وظهرت حملات لإعادة الحياة لبعض الأبنية المدرسية لكن تلك الحملات لم تكن بمستوى واقع الحاجة الملحة والضرورية، إذ تمثلت بتغييرات شكلية كالقيام بطلاء جدران مدراس هي بحاجة إلى ترميم كامل مما طبع الكثير من حملات إعادة الأعمار بسمة الفساد وهدر المال العام.

وبقي التعامل مع قطاع التعليم مثله مثل بقية القطاعات في العراق يواجه صعوبات شتى تخص ضعف التنظيم والتخطيط، وجاء التقرير الوطني الشامل لجمهورية العراق الصادر عن وزارة  حقوق الإنسان العراقية ليكشف بأن الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم بالمقارنة مع الناتج الإجمالي زاد من 0.5% في الـ1997 إلى 2.6% في الـ2006 .. وخلال هذه السنة وبالتحديد وما تلاها شهد العراق أعمال عنف مسلحة درجت حينها تحت بند ما يسمى بـ"الحرب الطائفية" .. ومع تفاقم صعوبات الوضع الاقتصادي وخلل الوضع الأمني وحالات التهجير القسري ألقت كل تلك العوامل  بضلالها سلباً على واقع التعليم في العراق.

ومع مرور السنوات تفاقمت المشكلة جراء التعامل معها بعين مجردة من الواقعية والجدية حيث كشف تصريح لوزارة التربية العراقية في الـ2009 عن وجود6690 مدرسة بحاجة إلى ترميم، منها  3469 مدرسة بحاجة إلى ترميم جزئي و 2721 مدرسة إلى ترميم كلي، أما  المدارس غير الصالحة للاستخدام فهي 1879 مدرسة، ونوه التصريح إلى وجود حاجة فعلية لـ 16.000 مدرسة مع التأكيد بأن حملات  الأعمار التي تشهدها البنية التحتية لقطاع التعليم غير كافية.. وفي ظل الحاجة إلى الأبنية المدرسية تعرضت الكثير من المدارس إلى حالات من اكتظاظ الصفوف وسط حاجة تلك المدارس إلى الأثاث .

وبدأت تصريحات المسؤولين مع مرور الوقت تكشف عن وجه الحقيقة، إذ ذكرت وزارة العلوم والتكنولوجيا في العراق بأن ما تحقق على مستوى البنية التحتية في قطاع التعليم، ضئيل جداً، إذ لم يسجل أي تغيير كما كان يتوقع حتى البرنامج الموضوع لبناء المدارس لم يتحقق، وإلى أن المسؤولين عن وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، يفضلون أن يتم إحالة موضوع وضع خطة للقطاع التربوي أو إعداد استراتيجية للتعليم الجامعي إلى المستقبل.

6- هجرة داخلية وأخرى خارجية :

 تعتبر "مشكلة جامعاتنا بالدرجة الأولى تكمن في الاعتماد بشكل أساسي على الميزانية التي تقدرها الدولة، كما أن المناخ في البلدان العربية هو مناخ طارد وغير جاذب"، معتبرًا أن "هجرة العقول العربية أضرت كثيرًا بالجامعات العربية، وأفادت الجامعات الأمريكية والأوروبية. والدول العربية لا تقدر التعليم الجامعي، ولا تهتم به، ولهذا تنصرف الكفاءات المتميزة عنها، بحثًا عن مكان آخر يقدر العلم والعلماء، ولذلك تجدهم يستقرون في الغرب، حيث المناخ الجاذب، أضف إلى هذا أن بعض الأساتذة تركوا محيط العمل الجامعي ليؤسسوا مراكز بحثية خاصة، كما ان مشكلة التعليم بالعالم العربي هي انه غير مرتبط بالمفهوم الشامل للتنمية، ومن ثم يتخرج أجيال من الجامعيين، ولا يجدون فرصة عمل، فيتحولوا إلى عبء على المجتمع، وقنابل موقوتة".

و قد عاشر عشرات الآلاف من الأساتذة والعلماء العرب للغرب، فوجدوا هناك التشجيع المادي والأدبي، فاستقروا هناك وتركوا بلدانهم، كما جذبت الجامعات الخاصة كبار الأساتذة والعلماء، في شتى الفروع والتخصصات، بتقديرها المادي لهم، فضلا عن ظهور مصطلح "أساتذة الشنطة"، للدلالة على الأساتذة الذين يتعاقدون مع أكثر من جامعة للتدريس بها، رغبة في زيادة العائد المادي وقد افتتحت الجامعات الأمريكية والغربية فروعًا لها بالبلدان العربية، فاستقطبت نخبة الطلاب للدراسة، وصفوة العلماء للتدريس.

اضافة الى تدخل جهات من خارج الجامعة من بينها الأمن، في الشأن الجامعي، كما يتم اختيار وتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة والخبرة والتخصص، وخاصة في المناصب العليا كرؤساء الأقسام وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات ومديري المراكز البحثية، إضافة إلى الإصرار على سحق الوضع الاجتماعي لأعضاء هيئة التدريس، لدرجة أنهم باتوا مشغولين بالجري وراء لقمة العيش، على حساب البحث العلمي، فضلا عن غياب حرية البحث العلمي.

7- غياب فلسفة للتعليم العالي:

 كتب د. عبد علي المعموري: لم يجر الركون الى فلسفة واضحة للتعليم العالي في العراق الى هذه اللحظة حتى تتحدد واجباته ومسؤولياته، هل أن التعليم للجميع، وبالتالي تصبح مساءلة هذا القطاع عن محددات كمية وليست نوعية، أم أن هذا القطاع يخضع لسياسة ممنهجة يراد لها أن تصل الى أهداف مرسومة ومحددة، أم أن هذا القطاع يخضع لرؤية علمية وواقعية، تخضع نشاطه وحركته لقضية أساسية، تتبلور في كيفية نهوض هذا القطاع ليقود مسيرة العراق الجديد من خلال توفير قاعدة علمية يستند إليها في عملية نقل العراق الى مصاف الدول التي تجاوزت مرحلة التخلف.

ويتابع الاستاذ المعموري: بالقدر الذي يجب أن نهتم به للتعليم العالي، يستلزم الأمر جهداً منظماً ورصيناً في مجال البحث العلمي المخطط، إذ صادرت كاريزما المجرم(حسين كامل) مجلس البحث العلمي، الذي تم تاسيسه في السبعينات، عندما جرى التعارض بين رؤيته ورؤية رئيس مجلس البحث العلمي آنذاك، فجرى بفعل مكانته إلغاء المؤسسة، وتوزيع كوادرها على الوزارات المختلفة، لتحظى هيئة التصنيع العسكري بحصة الأسد من كوادر هذه المؤسسة.

ويتضح اثر البحث العلمي من خلال مراجعة المنجزات العلمية خلال السنوات من 1980- والى الآن، إذ لم يحصل العراق على أي موقع متقدم أو متوسط في تسلسل الدول التي لها منجزات علمية يعتد بها على مستوى العالم، بل لا يوجد تناسب ما بين عدد الباحثين والعلماء العراقيين وما بين عدد البحوث الأصيلة وذات القدرة على التطبيق على مستوى العالم.

خلال ثلاث سنوات سابقة توسع عدد الجامعات من 19 الى 29 , وللاسف لا تتوفر معلومات عن تحسن مستويات التدريسيين ولا معدل الزيادة في الاجهزة والمعدات والانظمة الالكترونية التي يتوقع ان ترافق الزيادة الهائلة الحاصلة في عدد طلبة الدراسات العليا.

8- الإدارات الجامعية:

يقول د.عبد علي المعموري: ان ظروف انهيار الدولة العراقية بعد سقوط النظام فرضت وضعاً جديداً، اتسم بتقلد المناصب القيادية في مؤسسات التعليم من دون أية مواصفات حقيقية، فتصدر اشخاص اتصفوا بعدم النزاهة والضعف في القيادة والقدرات بجانب عدم الأحقية، خلافاً للشروط المتعارف عليها في الجامعات العراقية والعالمية.

وكان منتظراً أن تلتفت أو تعود الحكومة والأحزاب الى إعادة النظر الشاملة في من شغل هذه المواقع، إلا أن الأوساط الجامعية فوجئت باختيار القيادات الجامعية من اشخاص يتوزعون إما على (منافقين– أو عديمي التجربة تماماً- أو لا يمتلكون أي قدرة في القيادة- أو لا يتصفون بالنزاهة المفترضة).

ان من أكثر الأمور غرابة هو تقلد احد الأشخاص منصب عميد كلية الإدارة والاقتصاد، وله كتاب يدرس الى الآن في أقسام الاقتصاد، عنوانه (النظم الاقتصادية) أفرد فيه فصلين(ص 225 الى نهاية الكتاب) يتغنى فيها بفكر النظام السابق الذي تعده بعض الأحزاب والنخب السياسية (فكراً شموليا أو نازياً) والكتاب موجود في جميع كليات الإدارة والاقتصاد – مجانية التعليم، ويكرم هذا بالتعيين ملحقاً ثقافياً.!

عليه لابد من احداث تغييرات حقيقية في القيادات الإدارية في كل مفاصل التعليم العالي، إذا ما أردنا أن نحفز هذا القطاع على العمل بقوة للمساهمة في بناء العراق الجديد.

9- التوسع الكمي لا النوعي في الجامعات:

كتب أ.د. محمد الربيعي تعليقا على  تقرير عمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال السنوات 2011 – 2013 :

حظي قطاع التعليم العالي منذ عام  2003 باهتمام كبير من أجل زيادة عدد الطلبة المقبولين في الجامعات والمعاهد العالية بناء على فلسفة مفادها ان هناك نقص كبير في حملة الشهادات العالية مقارنة بدول المنطقة، وهي لا تسد حاجة السوق والمجتمع للاختصاصات العلمية لذا فان زيادتها ستنقل المجتمع من التخلف إلى التقدم .

ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، ووزارة التعليم العالي خاصة، والمجتمع بوجه عام. مع هذا فان ستراتيجية الوزارة وحسب ما جاء في التقرير تتركز على زيادة عدد الملتحقين بالجامعات. هل يمكن ان تكون هناك حاجة كبيرة للخريجين في الوقت الذي تتزايد فيه اعداد العاطلين عن العمل من الخريجين؟ هل يكون الدافع هو مجرد اللحاق بالنسب العالمية للملتحقين بالتعليم العالي من دون الاخذ بنظر الاعتبار اضرار هذه السياسة على النوعية.

شهدت الثلاث سنوات السابقة، خصوصاً، توسعاً ملحوظاً في عدد الجامعات حيث ارتفع هذا العدد من  (19) جامعة إلى (29)، وهو رقم تخطى ما رسمته الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق للسنوات 2011 الى 2020. تم قبول 160 الف طالب وطالبة في عام 2013-2014 في الدراسة الصباحية فقط وبزيادة قدرها 22% على عدد الطلاب المقبولين في عام 2010-2011.  كما تم اضافة 96 كلية و217 قسما و48 فرعا في الجامعات العراقية بالإضافة إلى عدد من المعاهد العليا في التخصصات التقنية والطبية المختلفة. وارتفع عدد الطلاب في الدراسات العليا بنسبة 56% في خلال سنتين وارتفع عدد الكليات الاهلية من 26 كلية في عام 2010 الى 39 كلية في عام 2013  تضم اكثر من 105 الاف طالب وطالبة. ويبدو ان عدد الطلبة في الدراسات الاولية من التعليم العالي ارتفع من حوالي 416 الف الى اكثر من 554 الف في غصون ثلاث سنوات (اي بزيادة نسبتها 33%) وارتفع عدد طلبة الدراسات العليا من حوالي 17 الف الى 30 الف (بزيادة نسبتها 76%)، وفي مقابل هذا الارتفاع الكبير لم يرتفع عدد التدريسين من حملة الدكتوراه الا بنسبة 23% (من حوالي 12899 الى حوالي 15915 ) وما يدعو للاسف انه لا تتوفر اية معلومات عن تحسن مستويات التدريسين وزيادة معارفهم خلال هذه الفترة، ولا عن حدوث تغيير ملحوظ في النسبة العالية جدا للتدريسين من حملة الشهادات المحلية، ولا عن معدل الزيادة في الاجهزة والمعدات والانظمة الالكترونية والتي يتوقع ان ترافق الزيادة الهائلة الحاصلة في عدد طلبة الدراسات العليا. وبالرغم من ان التقرير يؤكد على قدرة الوزارة على استيعاب الاعداد المتزايدة من الطلاب توجد ادلة تؤكد العكس وهي تأتي من العمداء ورؤساء الاقسام والذين يؤكدون ان الوزارة تفرض عليهم اضعاف الطاقة الاستيعابية لكلياتهم واقسامهم خصوصا من طلبة الدراسات العليا. ومع الاسف لم يوفر التقرير اية معلومات عن التطوير (او التراجع) الحاصل نتيجة هذه الزيادة في عدد الطلاب في مستويات التعليم والتعلم ومعايير الجودة والاداء خلال فترة الثلاث سنوات. الخطوة الايجابية التي نلمسها في التقرير هو ان الجامعات الجديدة قيد الانشاء والتوسع المستقبلي للجامعات القديمة سيمكنها من استيعاب الاعداد الكبيرة من الطلبة.

بالرغم من معرفتنا الوثيقة بجهود الوزارة الجادة والمهمة في مجال الجودة والاعتماد الدولي لا نفهم عدم اهتمام التقرير بهذا الموضوع الحيوي، فالتقرير لا يتضمن الا معلومات مقتضبة في صفحتين عن ضمان الجودة وتقويم الاداء وهي لا توفر ارقام ومؤشرات كافية تتعلق بالنوعية، مع ذلك نستطيع الاستنتاج اعتمادا على فرضية “كلما زاد الكم نقص الكيف”، ان هذه الزيادة السريعة في عدد الطلاب ومن دون مرافقة زيادة ملائمة في عدد التدريسين المتدربين في جامعات الدول المتقدمة ستؤدي الى انخفاض مستوى المعرفة والتدريب عند الطلاب والخريجين يرافقها زيادة في التركيز على انماط التعليم التقليدية كالتلقين واهمال وظائف التعليم والتعلم الاخرى، وبدورها يمكن ان تؤدي الى التوسع في التعليم النظري على حساب التعليم التطبيقي والتقني.

تؤكد سياسة التعليم العالي على زيادة عدد المقبولين في الجامعات استنادا على مقارنة مع عدد طلبة الجامعات في بلدان عربية واقليمية. هناك مشكلة في هذه الارقام لان طريقة حسابها مبهمة وتعتمد طرق مختلفة فهي من الممكن ان تكون نسبة الطلبة الحاصلين على الشهادة الاعدادية والذين تم قبولهم في التعليم العالي الجامعي والتقني والمهني في سنة محددة او بحساب نسبة المقبولين في هذه المؤسسات والخريجين باجمعهم من مجموع النفوس او لكل مائة الف من السكان، او بحساب نسبة الالتحاق الاجمالية من مجموع السكان في سنة معينة، او كما هي عليه في تقرير الوزارة الذي اعتمد على حساب نسبة الالتحاق بالتعليم العالي الى السكان في الفئة العمرية 18-23.  وفي بعض البلدان تحسب النسبة باعتبار الفئة العمرية 17-30 عاما.

10- الاختلاط في التعليم الجامعي:

قامت الباحثة فاطمة محمد رجاء مناصرة  بدراسة أثر مشكلة الاختلاط على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية فخرجت بالنتائج التالية :

اعتبر75 % من الطلاب والطالبات الاختلاط معيقا في الدراسة ويخلق مشكلات أهم سلبياتها : إثارة الفتنة, التصنع في التصرفات من قبل الجنسين, تعرض الفتيات لمضايقات الشباب, انتشار ظاهرة التبرج, انتشار جريمة الزنا وفساد الأخلاق عند الطرفين ,عدم الحرية في النقاش أثناء المحاضرات، عدم رغبة الطلاب والطالبات بالمشاركة في الدرس خيفة أن يخطأ أحدهم فيحرج أمام الجنس الآخر ، فتشوه صورته أمام من يود كسب رضاه من الجنس الآخر, التغيب عن المحاضرات وعدم الالتزام بحضورها بسبب انشغال كل جنس مع الآخر, صعوبة ممارسة النشاطات الجادة والفاعلة, قتل للوقت لكثرة التفكير بالجنس الآخر, ضعف التحصيل العلمي, وغيرها من التاثيرات السلبية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى العلمي وقابلية الاستيعاب للمادة العلمية وقوة الابداع لدى الطلبة والطالبات. اضافة الى المعاناة من القلق والاضطراب والخوف من الجنس الآخر نتيجة ما يرى من ممارسات خاطئة الصراع الداخلي في نفس الشاب.

لاشك ان هذه النتائج وغيرها تؤثر سلبا على المستوى العلمي للجنسين في الجامعات مهما حاول الطالب او الطالبة تحاشيها ولا فرق في ذلك بين الجامعات والدول فان الانسان هو الانسان نفسه في ميوله ورغباته ومشاعره وطموحاته. 

في هذا السياق  أثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى، وذكرت خبيرة التربية الألمانية الدكتورة (شوستر) أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ بعضهم البعض، وبين التلميذات بعضهن البعض. أما اختلاط الاثنين معاً فيلغي هذا الدافع، إضافة إلى أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد إذا اختلط أبناء الجنسين.

من هنا تعتزم الحكومة البريطانية تشجيع المدارس الحكومية المختلطة على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان، ويعتقد الوزراء البريطانيون أن الصبيان يحرزون نتيجة أفضل، إذا أقامت المدارس صفوفاً منفصلة للصبيان والبنات.

وحسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللواتي درسن في مدارس غير مختلطة أفضل من اللواتي درسن في مدارس مختلطة.

وفي دراسة أمريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأنَّ الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار.

11- ربط الراتب بالشهادة العلمية :

تحت عنوان (آفاق تطور التعليم العالي)  كتب الباحث محمد محبوب: أعتقد أن ربط الراتب بالشهادة العلمية أنتج الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع العراقي، فصار الجميع يسعى للحصول على أعلى شهادة ممكنة ليس بسبب الطموح العلمي وإنما لتحقيق مكاسب مالية شخصية، ومن هنا أدعو الى فك ارتباط الراتب بشهادة الماجستير والدكتوراه حتى ننقذ العلم من حالة التكسب المالي ويكون الطموح والتطلع العلميين هما المعيار الوحيد للشهادة وليس الراتب والامتيازات.

12- اسباب اخرى : 

  واضاف الباحث محبوب: لاحظت تركيز دائرة البعثات والمبادرة التعليمية على التخصصات العلمية فقط، وكأن البلد لا يحتاج الى اختصاصات الفنون والادارة والاقتصاد والقانون والاجتماع، بل بالعكس فإن نهضة الدولة لن تتكامل إلا بوجود الإختصاصات الإنسانية.

  وتمثل خطة الوزارة بارسال 500 تدريسي من خريجي الدراسات العليا في العراق الى الخارج  لمدة شهر واحد كل عام هدراً للأموال حيث لن يستطيع التدريسي تحقيق أية فائدة مرجوة خلال هذا الوقت القصير، وقد أتيح لي خلال وجودي في ألمانيا الإطلاع على ظروف بعض هؤلاء التدرسيين المبعوثين ووجدت عدم جدوى مثل هذه الخطة ولاسيما في حالة عدم معرفة المبعوث بلغة الدولة التي يُرسل اليها، اذ سرعان ما تنقضي فترة الشهر من دون أن تتحقق الفائــدة العلمية المرجوة.

ويجد العديد من المراقبين ان التعليم العالي في العراق يتجه نحو التنظير ويجري اهمال التدريب، فلا أحد يفكر باعداد مدربين للجانب العملي من الدراسة وهي مسألة لا تقل أهميتها عن الدراسة النظرية، فمن المعيب أن يستعين خريج الكلية بعد انخراطه بالوظيفة بعامل فني أو حرفي بهدف معرفة تشغيل أو استخدام هذا الجهاز أو ذاك، من هنا يتعين على وزارة التعليم العالي أن تولي مسألة التدريب وإعداد مدربين مؤهلين في الكليات الأهمية التي تستحقها، كما أن البحث العلمي ينبغي أن يتجه هو الآخر نحو التطبيق ويستجيب لحاجة السوق وحركة التنمية في البلاد.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف