البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 18 / 2016  |  2055ما سر اهتمام الجميع بسوريا

جورج فريدمان - George Friedman ولدين إيكونوميكس - Mauldin Economics 19 أيلول 2016 - 19 September 2016
ما سر اهتمام الجميع بسوريا

التحرير: سوريا كانت ولا تزال حرب استنزاف طويلة الأمد، يؤكد الكاتب بشكل مرعب أنها تشبه الوضع الإسباني في الثلاثينيات عندما مهدت الحرب الإسبانية لنشوب الحرب العالمية الثانية، ولكن أهم ما يتردد في المقالة أن الحرب السورية غير قابلة للحسم حتى الآن.


إن الحرب في سوريا مُهمة لسببين. أولاً، يمكن للنتيجة أن تعيد رسم الشرق الأوسط العربي. ثانياً، وربما الأكثر أهمية، سوريا ليست ببساطة قضية تتعلق بالسوريين. فكُلّ من القوات الأمريكية والروسية والإيرانية والتركية والفرنسية تخوض الحرب هناك إضافة إلى داعش والقاعدة والعرب العلمانيين. كما للسعوديين وبقية الممالك العربية نفوذ سياسي واقتصادي في سوريا.

كتبت في الماضي عن كيفية تفاعل الأزمات في أوراسيا على نحو متزايد. وسوريا هي المكان حيث التفاعل أعظم وأكثر عنفاً.

قبل الحرب العالمية الثانية، كانت إسبانيا تعيش حرباً أهلية. فأرسلت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشستية القوات. وفعل ذلك الاتحاد السوفييتي أيضاً. إضافة إلى ذلك، تدفق اليساريون من جميع أنحاء العالم إلى هناك من أجل المشاركة في القتال. رفض الفرنسيون والبريطانيون التدخل، محاولين عدم الانجرار. وقيل إن الحرب الأهلية الإسبانية كانت كأنّها البروفة للحرب العالمية الثانية. وكانت الأطراف الأساسية في الحرب الأوروبية حاضرة ـ رغم عدم مشاركة البعض. فجُربت أسلحة جديدة وانتهت الحرب الأهلية في نيسان 1939، قبل خمسة أشهر من اجتياح ألمانيا لبولندا، الخطوة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية.

سوريا الآن مسرح لعب القوى العالمية والإقليمية. على سبيل المثال، حين تتدخل الولايات المتحدة وروسيا في بلد ما ـ مع أهداف مختلفة ودعم فئات معادية ـ فالأكيد أنه أمر يجب  عدم صرف النظر عنه. على العكس، سوريا لها أهمية قصوى. عدا أي شيء آخر، هي أصبحت محط اختبار قوة القوى على مصالح تتعدى سوريا.

أصل الصراع السوري

ثمة نوع من الصراعات تخبو أهميته مع الوقت. وهناك صراعات تشمل الذبح الشنيع والمعاناة وولادة المؤتمرات والاجتماعات اللانهائية وفرك رجال الدول العالمية أيديهم. لكن يبدو أن هذه الصراعات لا نهاية لها. ويضيع أصلها في سحب الوقت ويصعب فهم الأوضاع في ساحة المعركة وتبدو نتيجتها قليلة الأهمية أمام بقية العالم. يقوم عمال الإغاثة بمهمة بطولية ويحاولون إحراجنا من خلال اهتمامهم وعطائهم لكن في نهاية المطاف يبدو أن كل صراع ليس سوى حرب أخرى في مكان بعيد لا علاقة له بحياتنا.

لكن سوريا أكثر من ذلك بكثير.

أُسِّس النظام الحالي في سوريا على يد حافظ الأسد، جنرال في سلاح الجو، من خلال انقلاب عسكري. وهو ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تُعد جزءاً من المذهب الشيعي في الإسلام. وكان حافظ الأسد علمانياً. كذلك جمال عبد الناصر، ضابط مصري، نفّذ انقلاباً في مصر عام 1952 وأراد تأسيس دولة قائمة على ثلاثة مبادئ: العلمانية والاشتراكية والقومية العربية. وكانت رؤيته مبنية على تأسيس عالم عربي موحد علماني واشتراكي، استناداً إلى الحكم العسكري لا خلافة. وأنظمة كثيرة استهواها هذا الأمر، من بينها نظام الأسد في سوريا.

لكن بعيداً عن الأيديولوجيا، مثّل الأسد الطائفة العلوية، وبنى دولة حول طائفته. أما الطوائف الأخرى فاستُثنيت واضطُهدت وفي أحيان كثيرة تعرضت للقتل. ولكن العلويين لم يمثلوا سوى 12 % من السكان السوريين، وذاك هو سبب الاعتماد بقوة على الأقليات (المسيحيين والشيعة والأكراد والإسماعيليين والدروز) حيث شكلوا جميعاً 40 % من السكان. الأهم من ذلك كله، اعتمد الأسد أيضاً على كثيرين من أهل السنة. وحتى يومنا هذا، لا يزال النظام صامداً لأن كثيرين من السنة لم يثوروا ضد الدولة. رغم ذلك، حافظ الأسد على وحدة سوريا من خلال قمع كل من تحدّاه. بعد موته، بات بشار الأسد مسؤولاً عن إدارة أعمال العائلة.

شكّل الربيع العربي في عام 2011 تحدياً للنظام. وكانت المشكلة أن المعارضة تعاني انقساماً حادّاً. وفي حربها ضد الأسد قضت وقتاً موازياً في محاربة بعضها بعضاً. ولم يكن للديمقراطية أي علاقة بهذا الأمر. وكان للانقسام العلوي ـ السني الحيّز الأكبر في هذا الانقسام. لكن نظام الأسد حظي بكثير من الدعم.

يسود سوء فهم في السياسة الخارجية الأمريكية مبني على أن الطغاة لا يحكمون إلا من خلال التهديد بالعنف. هذا صحيح، لكن من أجل أن يكون لديك تهديد موثوق بالعنف، لا بد أن يكون الناس مستعدين لتنفيذ تلك الأعمال العنفية. ولا بد أن يكونوا موالين لك، وإلا فقد يُحوّلون تلك الأعمال العنفية ضدك. كما أن الطغاة لا يعيشون وحيدين في قصور معزولة. وإن فعلوا ذلك، فلن يُعمّروا طويلاً.

لقد نجح العلويون للغاية تحت حكم آل الأسد. فهيمنوا على الجيش والتجارة والتهريب والأعمال التجارية الداخلية. كانوا مكروهين من قبل كثيرين من أهل السنة، ولا سيما من قبل أولئك الأكثر تديناً. وعرف العلويون أنه في حال سقط الأسد، مكانتهم ستنهار وسيغدون الهدف. لذا، كان لزاماً عليهم مقاومة الانتفاضة، ولأنهم يُسيطرون على الجيش اعتقدوا بأنهم لن يُهزموا. وكان من غير الوارد أن يسقط الأسد من خلال معارضة منقسمة للغاية وضعيفة التسليح والتدريب.

دخول الأمريكان

مثّل آل الأسد مشكلة للولايات المتحدة بطرائق شتى. فقد أرسلوا الأسلحة والامدادات إلى العراق خلال الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 ولغاية عام 2011، وساعدوا في زعزعة استقرار لبنان وخاضوا حروباً عدة مع إسرائيل. وفوق كل ذلك، كانوا جنباً إلى جنب مع الإيرانيين، إخوانهم الشيعة. كما أن حزب اللّه في لبنان، حليف إيران وسوريا، مثّل تهديداً إرهابياً للولايات المتحدة (حتى في عام 2011 حين كان السنة العدو الأساسي). وحينما وقعت الحرب السورية، رأت الولايات المتحدة فرصة للقضاء على الأسد وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة إلى حد كبير وكسر حزب الله.

كانت المشكلة أن الولايات المتحدة لم ترغب في التورط مباشرةً في الحرب، أقله ليس على نحو مُفرط. ولأن أغلبية الجماعات السنية كانت جهادية، كان على الولايات المتحدة أن تجد جماعات معادية للجهاديين وإيران والأسد... ولديها الحافزية على القتال. وكانت الولايات المتحدة تتطلّع إلى العلمانيين غير المنضوين تحت لواء الأسد. ويمكن القول إنه صعُب إيجاد جماعة كهذه. وكان من الصعب أيضاً التأكد من أنهم سيُحافظون على ذاك النوع من الجماعات وأن أفرادها لن يبيعوا الأسلحة التي تُعطى لهم. لكن لا تزال الولايات المتحدة تشعر بأن الكثير يستحق الاستمرار في المحاولة.

في هذه المرحلة، ظهر داعش وسيطر على أجزاء من العراق وسوريا. وهذا وضع الولايات المتحدة في مأزق. إذا ما استطاعت إطاحة الأسد، قد يمتد نفوذ داعش. وإذا هاجمت داعش، ستجعل الأسد يتنفس الصعداء ويقضي على بعض المعارضة (بعضها أراد هجوماً شاملاً ضد الأسد فيما آخرون لم يرغبوا في كبح داعش). فوجدت الولايات المتحدة نفسها غارقة لأخمص قدميها في المستنقع الموحل لكن رغم ذلك كان على أيّ حالٍ من الأحوال لا بد من إيجاد معارضة فعّالة ضد الأسد.

تورط قوى عالمية إضافية

بعدها، أصبح الروس متورطين عسكرياً. كانت الاستخبارات الروسية مقربة من آل الأسد منذ أن أحكموا السيطرة على سوريا. لم ترغب روسيا في رؤية سقوط الأسد، لكنها كانت تعاني مشاكل أكبر من الأسد. أولاً، تعرضت لانتكاسة استراتيجية في دولة فاصلة هامة، أوكرانيا، عندما استُبدلت حكومة موالية للغرب بأخرى موالية لروسيا. ومحاولات إشعال انتفاضة في الشرق فشلت، وكل ما استطاعت روسيا فعله هو إعلان السيطرة على القرم، حيث لها في الأصل وفقاً للمعاهدة المُوقعة قوات أساسية متمركزة هناك.

ثانياً، كان لانهيار أسعار النفط تأثير هائل في اقتصاد يسلك مساراً هرمياً. وعلى أقل تقدير، احتاج الرئيس فلاديمير بوتين إلى إظهار روسيا، باستثناء أوكرانيا، قوة عظمى.

الأهمية العسكرية لقراره القاضي بنشر عدد صغير نسبياً من الطائرات والقوات الخاصة في سوريا جرى تضخيمها بشكل هائل من قبل الروس الذين أرادوا أن تظهر روسيا أقوى مما هي واقعياً ومن قبل الأمريكان الذين أرادوا أن تبدو روسيا معتدية. ساعدت المقاربتان على حد سواء في تصلّب دور روسيا. بعدها، إثر نشر الطائرات والقوات، واجهت روسيا المشكلة ذاتها التي تعانيها أميركا. ولم يستطع الروس إعادة رسم المشهد السوري، خصوصاً مع الرفض الأمريكي.

إنّ كلُاًّ من الولايات المتحدة وروسيا وإيران نشط في سوريا وغير قادر على إنهاء الصراع. ناهيك عن الأتراك الذين يكرهون الأسد وعند بداية تدخّل الروس أسقطوا طائرة حربية روسية، ما تسبّب بمواجهة خطيرة. بعدها، وقعت محاولة الانقلاب في تركيا، وانقلب الأتراك ضد الأمريكان (لاتهامهم إلى حد ما بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة) وتقربوا من الروس. بعد إدراكهم بأن الروس متعنتون بموقفهم في ما يخص الأسد، عاد الأتراك إلى الأمريكان وباتوا مستعدين لمحاربة داعش، لكن في حال تفهم الأمريكان أن لتركيا في الوقت نفسه حرباً جارية مع الأكراد.

لم تجُرّ سوريا اللاعبين ببساطة إليها. بل هي أرسلت أيضاً عدداً هائلاً من المهجرين إلى أوروبا. وهذا أشعل أزمة كبيرة في الاتحاد الأوروبي، فانقسم الرأي بين بلدان تريد وقف الهجرة وأخرى تُشجع على ذلك. ورافق ذلك التوترات الموجودة أصلاً في أوروبا بشأن الاقتصاد. ويمكن القول إن المهاجرين السوريين ساهموا في نتيجة التصويت على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وشجعوا على صعود الجماعات الوطنية المتطرفة في أنحاء أوروبا وأثروا في القضايا الأساسية.

وكان للهجمات الإرهابية في باريس أثر آخر. فأرسل الفرنسيون حاملة طائرات لتنفيذ ضربات جوية في سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة. وكان للمهاجرين السوريين وعدم قدرة القوات الأوروبية على منع تدفقهم أو عدم القدرة على القيام بعمل أُحادي فعّال ضد داعش بعد الهجمات في باريس ومدن أخرى دورٌ ليس في التسبب بتورط عسكري أكبر في سوريا فحسب، بل بالتخطيط طويل الأمد لإدارة تداعيات الصراع.

سوريا كأرض اختبار

سوريا ساحة معركة بحيث تُشارك فيها بازدياد كُلّ من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران. ومن يقف على جوانب الصراع وبصعوبة يُشاهد  الإسرائيليين والسعوديين، فيما الوضع في لبنان ملتبس لا ريب. أما العراق فيتأثر كثيراً بما هو حاصل في سوريا، فيما الأكراد، الذين يواجهون داعش في العراق، يواجهون الآن القوات التركية في تركيا وسوريا. ويتعامل الأوروبيون مع موجة من الإرهاب ويُفكرّون في إعادة التسلّح. كل ذلك سببه سوريا، بلد يبدو أنه غارق في حرب دائمة وغير قابلة للحلّ. لكنه بلد جمع الأصدقاء والأعداء والمتنافسين على السلطة في مكان صغير. فلا يُذكرني ذلك إلا بإسبانيا في الثلاثينيات.

لأول مرة منذ أربعينيات القرن الماضي، كل أوراسيا غير مستقرة. وسوريا ليست محور عدم الاستقرار هذا، بل هي مشهد العرض. ومعظم القوى الأساسية حاضرة هناك أو قريبة من هناك، باستثناء الصينيين.

إن وجهي يشحب حين أسمع بسوريا، مع أنه لا ينبغي ذلك. لأنه يجب أن أُجبر نفسي على رؤية الأهمية المتزايدة لحرب الاختبار هذه.

---------------------------------

جورج فريدمان : خبير في الشؤون الاستخبارية والجيوسياسة الدولية.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف