البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 22 / 2016  |  1174بعد هجوم جرابلس إلى أي مدى ستغير تركيا سياستها تجاه سوريا

سونر كاغابتاي - Soner Cagaptay معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى - The Washington Institute For Near Ea أيلول 2016 - September 2016
بعد هجوم جرابلس إلى أي مدى ستغير تركيا سياستها تجاه سوريا

التحرير: ستستمر تركيا في دعم المتمردين ضد نظام الرئيس الأسد ما دامت السعودية وقطر مستمرتين في دعمهم، حتى ولو حصلت خطوات ملموسة في التقارب مع موسكو. وقد يتطور الأمر إلى بناء جيب للمعارضين في الشمال.. وكل هذه الأمور متوقفة على تحقيق أردوغان لأهدافه الداخلية بإرساء نظام دستوري يكرسه كرئيس تنفيذي، وهزيمة الأكراد في الخارج والداخل.


يبدو أن محاولة الانقلاب في 15 تموز، التي كشفت عن تباينات داخل الجيش التركي، مصحوبةً باللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 9 آب، والتوغل التركي داخل سوريا في 24 آب، كلها تدل على تغيّر في مسار السياسة التركية تجاه سوريا. فمنذ أن خلع أردوغان رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو من منصبه في أيار 2015، تتجه تركيا نحو بعض التبدلات الهامة في السياسة الخارجية، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل والرغبة في إصلاح العلاقات مع روسيا.

وربما الأهم من ذلك، في 24 آب، دخلت القوات التركية إلى شمالي غرب سوريا، مُنتزعةً جرابلس من سيطرة الدولة الإسلامية ومنشئةً جسر عبور للمتمردين المناوئين للنظام والمدعومين من أنقرة هناك. في الواقع، إن أهداف تركيا الثلاثة من الحرب الأهلية في سوريا قد وجدت أرضية مشتركة الآن في هجوم جرابـلس: التوغـل يسمــح لأنقرة بإبعاد الدولة الإسلامية عن الحدود التركية ومنع حزب الوحدة الديمقراطي الكردي من السيطرة على المنطقة. أضف إلى ذلك، يُؤدي الهجوم إلى تأسيس «معقل صغير» للمتمردين ضد الأسد في شمالي غرب سوريا. في ضوء هذه التطورات، إلى أي مدى وفي أي اتجاه ستغير تركيا المسار في الحرب الأهلية السورية؟ هذا الأمر يعتمد على ثلاثة تطورات مستقبلية:

استمرار تركيا وروسيا بتطبيع العلاقات، مع رأب الخلافات بينهما في ما يتعلق بسوريا.

توصّل موسكو وواشنطن إلى صفقة تنهي الحرب السورية- مع إذعان قطري وسعودي.

تغيير أردوغان لجدول أعماله المحلي، بما في ذلك إنهاء معركته مع حزب العمال الكردستاني، وبصورة أوسع الصراع مع حزب الوحدة الديمقراطي الكردي الذي يُعد الامتياز السوري لحزب العمال الكردستاني.

حتى ذلك الحين، قد يكون على أولئك الذين يتوقعون من إدارة أردوغان أن تُعدّل بالكامل من سياستها تجاه سوريا وتصبح صديقة لنظام الأسد الانتظار وقتاً طويلاً.

سياسة خارجية تركية فاشلة

خالف حزب العدالة والتنمية في تركيا عقيدة السياسة الخارجية للبلاد منذ توليه السلطة في عام 2002. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول إنه بدلاً من العمل مع الغرب، تركيا يجب أن تصبح قوة قائمة بذاتها بحيث إنّها تصعد كنجم شرق أوسطي ـ حجة دعمها أحمد داوود أوغلو، بروفسور في السياسة الدولية دخل المعترك السياسي كمستشار لأردوغــان، ثم أصبــح وزيـــراً للخارجية في عام 2009، وترأس الحكومة التركية في آب 2014.

من المفارقة، أنّ لم يفشل فريق أردوغان ـ أوغلو بجعل تركيا نجماً شرق أوسطياً فحسب، بل هو أوجد مشاكل في السياسة الخارجية لتركيا أكثر مما شهده التاريخ المعاصر للبلاد. مع لعب أوغلو دور صانع المفهوم، حاول الاثنان جعل تركيا قوة قائمة بذاتها في العقد المنصرم عبر القطيعة مع الولايات المتحدة عند الضرورة، ولعب دور فعّال في الصراعات الإقليمية. لسوء الحظ، تلك السياسة فشلت تقريباً على كل الجبهات وأضرت بعلاقات تركيا مع مصر وإسرائيل وروسيا وسوريا.

لنأخذ سوريا مثالاً. منذ الأيام الأولى للانتفاضة في تلك البلاد، قدّمت أنقرة الكثير من الدعم للمتمردين، فدخلت في مواجهة مع روسيا، خصمها التاريخي، وإيران الطامحة للهيمنة الإقليمية. وبعد الفشل في الحصول على دعم صلب من حلفائها مثل حلف شمالي الأطلسي والولايات المتحدة، قبل الشروع بهذه السياسية، هي عرّضت البلاد لتهديدات جسيمة. هذه التهديدات تضمنت انهيار علاقاتها مع روسيا فترة ليست بالبعيدة وانتقام نظام الأسد الذي يرتبط أقله بهجوم ارهابي واحد في تركياـ تفجير ريحانلي عام 2013 الذي أودى بحياة 51 شخصاً.

 في الوقت نفسه، فشلت السياسة التركية في سوريا في تكهّن التهديدات. على سبيل المثال، بدءاً من عام 2012 غضت أنقرة الطرف عن الجهاديين الذين كانوا ينتقلون إلى سوريا لمحاربة نظام الأسد، وتجاهلهم عمداً كان من أجل هدفها الأساسي ألا وهو إسقاط النظام. على الأغلب لم تكن لدى تركيا نيّة في دعم الجهاديين، بل أنقرة اعتقدت (ولا تزال تأمل) أن الأســد سيسقط، وسيتسلّم «الأشخاص الجيدون» وهؤلاء الأشخاص سيُطهّرون البلاد من «الأشخاص السيئين». بالطبع، هذا لم يحدث. في هذه الأثناء، على الأقل بعض الأشخاص السيئين الذين عبروا إلى سوريا انضموا إلى صفوف الدولة الإٍسلامية.

تركيا الآن غارقة بالحرب الأهلية الدائرة في سوريا، مُقدمة الدعم للمتمردين الذين يسحقهم نظام الأسد وحلفاؤه الإقليميون وإيران وروسيا. كما تواجه أنقرة تهديداً تمثله الدولة الإٍسلامية من سوريا، إضافة إلى صراعها مع الأكراد. من جانبها، استهدفت الدولة الإسلامية تركيا عدداً من المرات في الأشهر الماضية عبر تنفيذ هجمات تخريبية، من بينها هجوم وقع في مطار أتاتورك في اسطنبول وأدى إلى مقتل 45 شخصاً وجرح أكثر من 250 آخرين. علاوة على ذلك، في 21 آب ، استهدف انتحاري من الدولة الإسلامية عرساً في مدينة عينتاب التركية في الجنوب، فقُتل 54 شخصاً، أكثرهم من الأطفال. بالاجمال، ما يُقارب الـ400 تركي لقوا حتفهم إثر هجمات الدولة الإسلامية.

السياسة الخارجية التركية لا تواجه المشاكل في سوريا فحسب، بل في أنحاء المنطقة. كافة فقد وجدت أنقرة نفسها غير مُرحّب بها في بغداد نتيجة مغازلة الأكراد العراقيين والعرب السنة، ما أسهم  أيضاً في إضعاف العلاقات مع طهران. كل ذلك ترك تركيا مع أصدقاء قلة في الشرق الأوسط، باستثناء كردستان العراقي وقطر والسعودية. فنظراً لكون الدوحة والرياض تدعمان أيضاً المتمردين الثائرين ضد الأسد، أصبحتا من أقرب الحلفاء لتركيا في سوريا.

لكن يبقى التهديد الأكبر فترة ليست ببعيدة معارضة أنقرة لروسيا في سوريا. منذ تشرين الثاني 2015، بعد أن أسقطت القوات التركية طائرة حربية تشارك في الحملة العسكرية لروسيا هناك، بات أردوغان في مواجهة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والقوات الروسية تحاصر الآن تركيا بفاعلية إثر وجودها في أرمينيا والقرم وسوريا.

أدى عقد من المغامرات الدراماتيكية في السياسية الخارجية على يد أردوغان وأوغلو، إلى شعور بالعزلة والإخفاق لتركيا في الشرق الأوسط. وزاد رغبة أنقرة في تحسين علاقاتها مع مختلف جيرانها. ورغم أن التصالح سيكون معركة شاقة، بعد إجبار أوغلو على الاستقالة، لدى أردوغان الآن مساحة كبيرة للمناورة من أجل نجاح حيلته الإقليمية. وفرص نجاحها الفعلي تختلف وفقاً للبلد الهدف. فالمسعى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل يأخذ مساره، لكن من المحتمل أن تستمر أنقرة بعلاقاتها المنغلقة مع إيران التي تتجلى بتحسين الروابط الاقتصادية فيما يبقى الخلاف بشأن القضايا الإقليمية، مثل الحرب السورية. أمّا العلاقات التركية ـ المصرية، التي تعرّضت لانتكاسة في عام 2013، فمن المحتمل أن تبقى محدودة جراء الكراهية المتبادلة بين أردوغان والرئيس عبد الفتّاح السيسي. وفي سوريا، أي تبدّل في العلاقات يعتمد على عدد من العوامل، بدءاً من العلاقات مع روسيا ووصولاً إلى جدول أعمال أردوغان المحلي لهزيمة حزب العمّال الكردستاني في الداخل. حتى ذلك الحين، من غير المحتمل أن تُعدّل أنقرة سياستها بالكامل تجاه سوريا وتصل إلى حد الصداقة مع نظام الأسد.

تطبيع العلاقات مع روسيا

يرجع تطبيع العلاقات التركية ـ الروسية جزئياً إلى التاريخ، حيث ألحقت روسيا الهزيمة بالعثمانيين نحو عشر مرات في الماضي.  وعودتها كخصم لم يُشعر أردوغان وحده بالقلق بل جماعة صناع السياسة الخارجية في أنقرة أيضاً.

هذا القلق كان الحافز لقرار أردوغان، بعد خلع أوغلو من منصبه، للتعبير علناً عن الأسف لموسكو في 27 حزيران نتيجة إسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت مجال تركيا الجوي. وكان ذلك بعد خمسة أيام على كلام رئيس الوزراء المُعيّن حديثاً بن علي يلدريم الذي أعلن فيه أن «تركيا ستعمل على توسيع التعاون مع إيران»، مُضيفاً أن العلاقة لها «أهمية خاصة عند الحكومة التركية» وأن «كل الطاقات يجب أن تُستغل من أجل التقدم في العلاقات بين البلدين».

ساعد الانقلاب الفاشل في 15 تموز على تسريع عملية التطبيع، فدفع الإدراك المتنامي بمسؤولية الولايات المتحدة عنه إلى تساؤل البعض في أنقرة، لأول مرة في التاريخ المعاصر، عن جدوى بقاء تركيا في حلف شمالي الأطلسي ومناقشة ما إذا كان يجدر بالبلاد أن تتجه نحو إبرام علاقة «صداقة» مع روسيا.

كان الانقلاب على الأغلب، الحدث السياسي الأكثر صدمة في تركيا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. مع استهداف أردوغان نفسه، والنجاة فقط لأنه غادر الفندق بعد أن مكث فيه خمس عشرة دقيقة قبل أن يصل فريق الاغتيال. أما قصف أنقرة، بما في ذلك استهداف البرلمان، فشكل صدمة كبيرة لسكان المدينة، وواقعاً في البلد كله: العاصمة التركية لم تتعرّض لهجوم عسكري منذ عام 1402 عندما احتلتها جيوش تيمورلنك. واسطنبول هي الأخرى عاشت عدم الاستقرار إلى حد كبير جراء تحليق طياري الانقلاب بطائرات الأف 16 ـ على علو منخفض وسرعة كبيرة فوق المدينة، الأمر الذي أدى إلى خرق حاجز الصوت ما دفع إلى الإيهام بأن مدينة الـ15 مليون نسمة تتعرّض للقصف. صدمة أساسية أخرى ناتجة عن المؤامرة الخيالية تجلت بالاستهانة بالمفاهيم الراسخة للهرمية في الجيش التركي وتاريخ الانقلابات الدامية. فكان من المسلم به أن الجيش لا يطلق النار أبداً على شعبه، لكن المتآمرين هذه المرة فعلوا ذلك، فقتلوا أكثر من مئتي مواطن؛ وقُتل معهم كثير من الانقلابيين.

بناءً عليه، بات المزاج في البلاد عصبياً وغاضباً ومظلماً. وكثيرون في العاصمة يعتقدون بأن واشنطن تقف وراء محاولة الانقلاب لأن رجل الدين المسلم التركي فتح الله غولن يعيش في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تركيا لم تقدّم لغاية الآن الدليل إلى واشنطن بأن غولن نفسه أصدر أمر الانقلاب، مُحلّلون كُثر يوافقون على أن الضباط المنحازين لغولن شكلوا العصب أو العمود الفقري للانقلاب. في الوقت ذاته، صحفيون بارزون مؤيدون لحزب العدالة والتنمية الحاكم نشروا ادعاءات حول دور أمريكي، وعلى الأقل عضو واحد في المجلس الوزاري، وزير العمل سليمان سويلو، اتهم الولايات المتحدة علناً بوقوفها وراء الانقلاب الفاشل. تحت هذه الظروف، من المتصوّر أن يُقدم أردوغان الذي لديه في الأصل نبضات أوراسية في السياسة الخارجية، على إدارة الظهر لحلف شمالي الأطلسي والتوجه نحو روسيا، خصوصاً لأن الجيش التركي-الرابط الأقوى بين الحلف وأنقرة- أصابه التشويه بعد مؤامرة الانقلاب.

روسيا اقتنصت الفرصة. في 29 حزيران، تحدث أردوغان وبوتين هاتفياً لتهدئة التوترات المتفاقمة بعد إسقاط الطائرة، وفي النهاية التقى الاثنان في 9 آب في موسكو، ما يدل على رغبة لدى الطرفين بتطبيع العلاقات بين بلديهما. وعلى الرغم من موافقة بوتين على رفع العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها على تركيا بعد حادثة الطائرة، إلا أنه ليس واضحاً ما إذا كانت أنقرة وموسكو ستتوصلان إلى تفاهم كامل في ما يخصّ الحرب الأهلية السورية حيث يدعم كل منهما طرفاً مُعادياً للآخر. في الوقت عينه، إزاحة أولئك الجنرالات الأتراك المتورطين في المؤامرة من مناصبهم ـ حوالى الثلث ـ قيّد من قدرة البلاد على بسط النفوذ في سوريا في المدى القريب.

في ضوء هذه التطورات، وأخذاً بالحسبان سياستها الخارجية المبنية على الحيلة، هل من المحتمل أن تخضع تركيا لروسيا وتقبل بصفقة أمريكية ـ روسية محتملة، مُبدّلة مساراً انتهجته في سوريا حيث كان لأنقرة هدف سياسي واحد منذ عام 2011- وهو إسقاط نظام الأسد مهما كلف الأمر؟

ما الدافع إلى سياسة أنقرة تجاه سوريا؟

لأسباب عدة، تتسم سياسة تركيا تجاه سوريا بالفوضى. إنّ الغارات الجوية الروسية تنهك المتمردين الذين تدعمهم أنقرة ضد نظام الأسد، والدولة الإسلامية قتلت وجرحت المئات من الناس إثر الهجمات الإرهابية التي نفذتها في تركيا في الأشهر الأخيرة. وتركيا تحارب أيضاً حزب العمال الكردستاني، حليف وثيق لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي الذي يساعد الولايات المتحدة في محاربة الدولة الإسلامية في سوريا. إن لتركيا نظرة قاتمة من تعاون أميركا وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي، وتبقى هذه القضية نقطة عالقة في العلاقات الأمريكية ـ التركية. مؤخراً، بعد التوغّل التركي والسيطرة على جرابلس، اندلعت اشتباكات بين القوات التركية والمتمردين الذين تدعمهم تركيا ووحدات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي، ما زاد من التخوف لدى واشنطن من خطورة احتمال اندلاع مواجهة شاملة بين الأكراد السوريين وتركيا.

يرسم أردوغان بصورة عامة خيارات تركيا في وجه نظام الأسد وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي. ويبدو أن مفهوم الرئيس حول نتائج تورط تركيا في الحرب الأهلية في سوريا صالح عموماً وغير قابل للانتقاد. فتعتبر النُخب في حزب العدالة والتنمية أن دعم المسلمين السنة والحركات الإسلامية السياسية (مثل الإخوان المسلمين) أو المتمردين السوريين الإسلاميين (أحرار الشام) ليس مجرد خيار سياسي بل أخلاقي أيضاً. في تشرين الأول 2013، عندما كان داوود أوغلو وزيراً للخارجية، قال إن تورط تركيا في الأزمة السوررية هو عبارة عن فعل «الأمر الصحيح على الصعيد الأخلاقي» من خلال السعي من أجل «الديمقراطية لمصلحة شعب عربي مجاور». أردوغان هو الآخر غلّف ملاحظاته في إشارات أخلاقية. وكان قد قال في عام 2014: «تركيا مع الشعب ومن بين الصالحين في الشرق الأوسط». هذا الانصهار يجعل من الصعب جداً على حزب العدالة والتنمية أن يتراجع بالكامل عن دعمه للمتمردين السنة في سوريا (أو حركة الإخوان المسلمين في أنحاء الشرق الأوسط). من وجهة نظر الحزب، القيام بهذا أقرب إلى فعل الشرّ أو أقله الخطيئة.

وجهة النظر الأخلاقية ـ السياسية هذه في السياسة الخارجية شوّهت سياسة تركيا تجاه سوريا. عندما بدأت الانتفاضة السورية في عام 2011، لم تبن تركيا الجسور مع الجماعات العرقية والسياسية المختلفة المشاركة في القتال عند حدودها. لم يكن لها حلفاء سنة سلميون في سوريا، ولا أصدقاء بين الأقليات العلوية أو المسيحية أو الكردية أو الدروز. كان وكلاء تركيا في سوريا يتألفون من المقاتلين السنة، وكثيرون منهم لهم ارتباطات بحركة الاخوان المسلمين منذ عام 2011. وتطوّر الصراع في سوريا ليتحوّل من انتفاضة تطالب بالديمقراطية إلى حرب أهلية يُشارك فيها الجهاديون الذين يستهدفون تركيا مباشرة؛ ولا يزال هدف تركيا، الراسخ في رؤيتها الأخلاقية، إسقاط نظام الأسد.

أثر هذه السياسة التي عفا عليها الزمن تمثّل في تقوية الإسلاميين، بعضهم بات من الجهاديين المتطرفين، ولا سيّما في سوريا. منذ أن بدأت الانتفاضات العربية في عام 2010، دعمت أنقرة الأحزاب المرتبطة بالاخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس. هذه الأطراف خرجت من السلطة في مصر، خسرت الانتخابات في تونس وهمشت على يد الجهاديين في ساحة المعركة في ليبيا. لقد راهنت أنقرة بشدة على فئة واحدة في الشرق الأوسط وخسرت مراراً وتكراراً. لقد هجّر الصراع ملايين السوريين وتركيا تستضيف الكثير من أولئك اللاجئين.

وأردوغان هو أيضاً مَن يرسم خيارات تركيا تجاه حزب الوحدة الديمقراطي الكردي. كرئيس في النظام السياسي التركي الحالي، يرى أردوغان قيوداً على مستقبله؛ وفقاً لدستور البلاد، هو رئيس الدولة لكن ليس رئيس الحكومة. منذ أن أصبح رئيساً في عام 2014، كان لا بد من أن يغادر حزب العدالة والتنمية الحاكم امتثالاً للشرط الدستوري القاضي بأن يكون الرئيس شخصية غير حزبية. ولتعديل الدستور، يريد أردوغان أن يفوز باستفتاء شعبي أو يتخطى حزب العدالة والتنمية عتبة الـ50 % في انتخابات مُبكّرة، أيّ الخيارين من شأنه أن يسمح له بإجراء تعديلات على دستور البلاد كي يكون رئيساً تنفيذياً وحزبياً وبذلك يثبت دعائم حكمه.

حزب العدالة والتنمية وصل مرتين إلى نسبة 49.5 % في انتخابات عام 2011 و2015. ولتخطي عتبة الـ50 % بارتياح، فإن أردوغان بحاجة إلى توسيع قاعدة الحزب ومن أجل هذه الغاية يضع نصب عينيه المُقترعين لمصلحة حزب العمل القومي، حزب من الجناح اليميني مثل حزب العدالة والتنمية. وتحقيقه لنصر عسكري ضد حزب العمال الكردستاني من شأنه أن يجعله يُحقق الشعبية لدى مقترعي حزب العمل القومي، وبذلك يجلب بعضهم لدعمه وإلى أحضان حزب العدالة والتنمية. في المقابل، من شأن ذلك أن يضمن له الفوز بالاستفتاء أو تحقيق النصر بتخطي عتبة الـ50 % في انتخابات مبكرة، هو بحاجة إليها كي يُعبّد حزب العدالة والتنمية الطريق أمام رئاسة تنفيذية وحزبية. ولهذه الغاية، يحتاج أردوغان أن يهزم حزب العمال الكردستاني في الداخل، وبصورة موسعة حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا.

اجتماع الأهداف التركية

بنظر أردوغان، «موقف تركيا في سوريا ينقذ الكرامة المشتركة للبشرية»، كما صرّح في شباط. ومن غير المحتمل أن يؤدي خروج داوود أوغلو من الحكم إلى زعزعة مفهومه بأن لتركيا أخلاقاً عالية في دعمها للمتمردين السنة في وجه نظام الأسد. بناءً عليه، أولويات تركيا في سوريا تبقى على النحو التالي:

ـ إسقاط نظام الأسد

ـ منع حزب الوحدة الديمقراطي الكردي من إحراز أي تقدم

ـ إبعاد الدولة الإسلامية عن الحدود التركية

ولكن التوغل التركي الأخير داخل سوريا، يوحي بأن أنقرة تتطلع إلى السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية. فيما تحاول قطع الطريق أمام تقدمات حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في الشمال السوري، مُعتبرةً ذلك هدفاً مهماً يُضاهي سقوط الأسد. ومن خلال إرسال القوات إلى معبر جرابلس في شمالي غرب سوريا، تضمن أنقرة أيضاً أن لا يُسيطر حزب الوحدة على هذه المنطقة، تطور من شأنه أن يسمح للأكراد السوريين بربط منطقتي كوباني ـ الجزيرة الموحدتين شرقي جرابلس مع معقلهم في عفرين، الواقع غربي أعزاز. وبالتالي، تؤدي سيطرة حزب الوحدة على مسافة بطول 400 ميل تقريباً إلى إنشاء حزام صديق لحزب العمال الكردستاني يلف تركيا من الجنوب. كما أن التوغل التركي يهدف إلى السماح لأنقرة بإنشاء موطن صغير للمتمردين المدعومين من تركيا في شمالي غرب سوريا، حيث يمكن استخدامهم ضد نظام الأسد. بمعنى آخر، جميع الأهداف التركية الثلاثة اجتمعت الآن تحت «هجوم جرابلس».

هل يمكن لتركيا أن تقبل بصفقة أمريكية ـ روسية مُحتملة في سوريا؟

يدفع الدبلوماسيون الأجانب باتجاه تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا، وكثيرون يقبلون ببقاء الأسد في السلطة هناك. حدس تركيا الأول لن يخضع لالتزام تام جراء صفقة تُبقي نظام الأسد. بل إن النخبة في تركيا ستدعم علنا صفقة تؤيدها أميركا معترفةً بحصة روسيا والمكاسب التي حققها نظام الأسد، فيما خلف الستار ستستمر في جهودها لتسليح المتمردين المعارضين للأسد. في الوقت عينه، من غير المحتمل أن تكفّ تركيا جهودها لمنع تقدمات حزب الوحدة الديمقراطي الكردي؛ سوف تقوم أنقرة بكل ما أمكنها لمنع حزب الوحدة من ربط كنتون كوباني-الجزيرة بعفرين فيما في الوقت نفسه ستبذل كل جهد لإبعاد الدولة الإسلامية عن حدودها.

كما ذُكر آنفاً، موقف تركيا يحاول بفاعلية تجاهل الخطر الجهادي في سوريا؛ رغم ذلك، بالنسبة لأردوغان والنخب الأخرى في حزب العدالة والتنمية المتجانسين مع الإسلام السياسي، فهم على حق. وما لم تقنع واشنطن كُلاً من الداعمين القطريين والسعوديين للمتمردين السوريين بوقف الدعم المالي والانصياع الكامل للصفقة،  من غير المحتمل أن تمتنع تركيا، الموجّهة بإحساسها على أنها «تقوم بالأمر الصحيح أخلاقياً»، عن تقديم دعم كهذا للمتمردين (وهذا هو الوضع بالتحديد إذا ما نجحت الجهود التركية الرامية إلى إحكام السيطرة على معبر أعزازـ جرابلس). سوف يكون للسعودية نظرة قاتمة بشأن أي صفقة أمريكية ـ روسية في سوريا، معتبرةً أن الصفقة تُسلّم سوريا إلى الإيرانيين («الشيعة»). حتى إن قبل المسؤولون في الرياض بصفقة أمريكية ـ روسية محتملة، فمن غير المحتمل أن تحظى بدعم كامل من النخب السعودية المتبلورة. على الأقل، سيبقى البعض على دعمه للمتمردين السوريين بهدف تقويض نظام الأسد وراعيه إيران. في المقابل، هذا سيسمح لتركيا بمواصلة إدخال بعض الأسلحة والمال إلى المتمردين، في انتهاك لروح أي صفقة أمريكية ـ روسية.

الزاوية الكردية وبركة روسيا ورئاسة أردوغان

بعيداً عن أي مصلحة ناجمة عن صفقة أمريكية ـ روسية محتملة في سوريا، لأردوغان أسبابه الخاصة التي تدفعه لإبرام واحدة مع روسيا لها علاقة بالأكراد. إن الدعم الروسي العسكري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي يُهدد بإعاقة أجندة أردوغان السياسية، ما يُقلقه بشدة.

يعرف أردوغان أنه من أجل إلحاق الهزيمة بحزب الكمال الكردستاني لكي يُصبح رئيساً بسلطة تنفيذية، لا بد أن يفك الارتباط بين روسيا وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي. ويعي أردوغان أن المسألة ليست «في حال» بل «متى» ستنتهي الأسلحة الروسية المُقدمة إلى حزب الوحدة إلى أيدي حزب العمال الكردستاني. وعندما يُصبح حزب الكمال الكردستاني زبوناً أمنياً، سيصبح من المستحيل لأردوغان أن يلحق الهزيمة بالجماعة. ومسعاه من أجل فصل روسيا عن الأكراد سيحظى بدعم مجتمع صنع القرار غير الحزبي في أنقرة، بما في ذلك صاحب التوجه العلماني والخصم السابق لأردوغان، الجيش التركي. فأصحاب القرار في أنقرة بمجملهم يريدون هزيمة حزب العمال الكردستاني، وهم يعون أن ذلك غير ممكن إن حظيت الجماعة بدعم روسيا.

القضية هنا أن تركيا لا يمكنها فعلاً إرسال قوات إلى سوريا بعد حادثة الطائرة في تشرين الثاني، حيث أعلنت روسيا إثر الحادثة بفاعلية أن شمالي سوريا منطقة حظر جوي. وقد نصبت موسكو أنظمة دفاع جوي في هذه المنطقة، في إشارة إلى أنها جاهزة لإسقاط أي طائرات تركية أو قصف قوات برية تدخل شمالي غرب سوريا. بناءً عليه، خلال اجتماعه في 9 آب مع بوتين في بطرسبورغ، يبدو أن أردوغان حظي ببركة روسيا للتوغل التركي باتجاه جرابلس. ويبقى أن توافق روسيا على على فك ارتباطها عن حزب الوحدة الديمقراطي الكردي مقابل أن توافق تركيا على تخفيف دعمها للمتمردين ضد الأسد الذين يُخوضون معركة حلب، إضافة إلى أولئك الموجودين قرب محافظة إدلب.

قد يرد ّبوتين بالمثل على المبادرات التركية بهدف المصالحة. منذ انتهاء الحرب الباردة، بقيت السياسة الروسية تجاه أنقرة مبنية على مبدأ توجيهي واحد: عدم الاستعداء الكامل لأنقرة. ومنذ صعود بوتين إلى السلطة، كانت استراتيجية روسيا مستندة على إبقاء تركيا قريبة من موسكو وبعيدة عن حلف شمالي الأطلسي. ويعرف بوتين أن مزيداً من الاستعداء مع تركيا في هذه المرحلة سيدفع البلاد إلى التقارب أكثر مع حلف شمالي الأطلسي.

ويعلم بوتين أيضاً أن روسيا ستعاني أكثر من تركيا مع وجود نظام عقوبات روسية مستمرة. فلدى تركيا كثير من الزبائن لسلعها الرخيصة إنما عالية الجودة، والروس الذين يعانون بالأصل جراء العقوبات الأوروبية والأمريكية وانهيار أسعار النفط، يحتاجون في نهاية المطاف إلى الولوج إلى الأسواق التركية.

لذا في القادم من الأيام، سوف تقدم روسيا مزيداً من الإشارات، بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عقب حادثة الطائرة. ومن المحتمل أن يعرض بوتين على أردوغان حوافز مالية مرتبطة بصفقات لتعزيز السياحة والتجارة والبناء ومد أنابيب الغاز، ما من شأنه أن يساعد الرئيس التركي في تثبيت دعائم سلطته الاقتصادية في الداخل. وربما في توقّع لخطوة بوتين القادمة، بادل أردوغان بالمثل، مُعرباً خلال اللقاء عن دعم «السيل التركي»، مشروع غاز تركي ـ روسي مشترك كان قد عُلّق العمل به بعد حادثة الطائرة. وإعادة إحياء هذا المشروع، الذي يسمح لروسيا بالاستغناء عن أوكرانيا من أجل تصدير الغاز، ستكون أساسية في إعادة الدفء للعلاقات التركية ـ الروسية.

ولكن سوف يبقى مدى التغير في العلاقات التركية ـ الروسية في سوريا نتيجة التطورات الأخيرة غير واضح لبعض الوقت. على سبيل المثال، قد تقرّر روسيا أنها بحاجة إلى مساعدة مليشيا حزب الوحدة الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب لإبقاء غربي حلب تحت سيطرة نظام الأسد والتحرك ببطء أكبر مما تتوقع تركيا للتخلي عنها. وبالمثل، قد يرزح أردوغان تحت ضغط محلي للتخلي عن المتمردين المناوئين للأسد الذين يُكابدون من أجل الحفاظ على شرقي حلب. ومن أجل استمالة أردوغان، قد يستخدم بوتين بطاقة غولن، عارضاً مساعدة الاستخبارات الروسية ضد حركة غولن ومستغلاً نفوذه على جمهوريات آسيا الوسطى كي يُغلقوا الشبكات الأقدم والأقوى المؤيدة لغولن خارج تركيا.

الخاتمة

يعرف أردوغان أنه إذا ما أراد معاقبة الدولة الإسلامية في سوريا، ووقف تقدم حزب الوحدة الديمقراطي الكردي هناك، وهزيمة حزب العمال الكردستاني في الداخل، وإلحاق الضرر بغولن في الخارج، هو بحاجة إلى القيام بكل خطوة ضرورية من شأنها أن تساهم في تطبيع العلاقات مع روسيا، بما في ذلك الخطوات في سوريا. ومن جانبها، سترحب الولايات المتحدة بعلاقات أفضل بين بوتين وأردوغان لأنها ستساعد أولاً في الحملة العامة ضد الدولة الإسلامية وثانياً في إدارة المفاوضات السياسية الحاصلة حالياً بين نظام الأسد والمعارضة السورية.

في النهاية، ما إْن يهزم أردوغان حزب العمال الكردستاني عسكرياً ويؤمّن انتصار حزب العدالة والتنمية في انتخابات مبكرة أو الفوز باستفتاء ـ في كلتا الحالتين يعود الفضل إلى المقترعين القوميين ـ من المحتمل أن تصبح تركيا أقل عدائية تجاه حزب العمال الكردستاني ومن ورائه حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا. في هذه المرحلة، من الممكن أن يُعيد أردوغان تنشيط محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني من خلال زعيم الجماعة المعتقل عبد الله أوجلان، إضافة إلى اتخاذ موقف أقل عدائية تجاه التعاون الأمريكي مع حزب الوحدة ووحدات حماية الشعب.

إن التطبيع مع روسيا سيأتي بشرط لا غنى عنه: إجبار تركيا على وقف أو على الأقل تخفيض دعمها للمتمردين ضد الأسد في سوريا. ومن شأن أي صفقة أمريكية ـ روسية في سوريا أن تساعد في استهلال تطبيع العلاقات التركية- الروسية. لكن في نهاية المطاف، بناء على موقف أردوغان العقائدي من الحرب الأهلية السورية، ما لم تتمكّن واشنطن من إقناع قطر والسعودية على إنهاء دعمهما بالكامل للمتمردين ـ وهو سيناريو غير وارد ـ ستستمر تركيا في السماح للمساعدة بالتدفق إلى أيدي المتمردين مع الوقوف رسمياً وراء صفقة أمريكية ـ روسية، ولا سيما في حال استطاع التوغل التركي في شمالي غرب سوريا أن يؤدي إلى قيام موطن صغير للمتمردين المدعومين من أنقرة ضد نظام الأسد. 

--------------------------------

سونر كاغابتاي : مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن وله مقالات تتعلق بالشأن التركي تنشر في ول ستريت جورنال وواشنطن بوست ونيويورك تايمز وفورين أفيرز وأتلانتيك.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف