البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 31 / 2016  |  1261غاية السعودية دحر إيران

آراش رايسنزاد - Arash Reisinezhad ذا ناشونال إنترست - The National Interest 4 أيلول 2016 - 4 September 2016
غاية السعودية دحر إيران

التحرير: التحالف مع الإرهاب لدحر النفوذ الإيراني يلخص السياسة السعودية اليوم، ولكن المنظمات الإرهابية لا تعتبر السعودية مثالا لها بل مجرد مصرف مالي، ما يعزز الشكوك بأن هذه السياسة سترتد على صانعها.


في 9 تموز، على نحو غير مسبوق حضر الأمير تركي الفيصل، المدير السابق للاستخبارات السعودية، اجتماعاً لجماعة المعارضة الإيرانية المشهورة والمعروفة باسم منظمة مجاهدي خلق ودعا إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران. وما لبثت أن استُتبعت ملاحظاته في 30 تموز بلقاء جمع زعيمة مجاهدي خلق مريم رجوي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في باريس. وقبل ذلك، أي في آذار الفائت، الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لم يرفع السلاح ضد إيران منذ ما يُقارب العشرين عاماً شنّ فجأةً تمرداً شرساً ضد طهران، ما أدى إلى وقوع اشتباكات دامية بين الحرس الثوري والبشمركة الكردية الإيرانية في شمالي غرب إيران.

هذه الأحداث المتتابعة شكلت حقبة جديدة في المواجهة بين طهران والرياض.

التصاعد المتنامي بين طهران والرياض ذُكر في بعض الأحيان في سياق «لعبة كبيرة» جيوسياسية جديدة. إذ خاض البلدان لعقود منافسة استراتيجية على الهيمنة الإقليمية في منطقة تمتد من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط وبحر العرب. وتدعم القوتان أطرافاً مختلفة في سوريا والعراق والبحرين ولبنان وأخيراً في اليمن.

في حقبة مــا قبل أحـــداث 11 أيلول، انبرت السعودية إلى احتواء إيران إقليمياً، وسياستها الخارجية المستندة إلى «تصدير الثورة» عبر الوقوف إلى جانب نظام البعث في بغداد، ولاحقاً مع طالبان في كابول. ورغم الاختلافات العقائدية العميقة، دعم المسؤولون في الرياض صدام حسين في حربه الدامية التي استمرت ثماني سنوات مع إيران. وإلى جانب انغماسهم في الدعم المالي لنشر الوهابية في باكستان إبان حكم الملك فيصل ومن ثم دعم المجاهدين الأفغان خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان (1979-1989)، كان للسعوديين أيضاً دور في تأسيس طالبان المتشددة في كابول. وفي أواخر التسعينيات، وصلت مساعي السعودية لاحتواء إيران إلى ذروتها.

فأدت أحداث 11 أيلول وتبني الرئيس بوش للحرب العالمية ضد الإرهاب إلى سقوط النظامين في كابول وبغداد. ومع سقوط نظامي البعث وطالبان، فقدت الرياض أوراقها التقليدية الاستراتيجية  الرابحة في احتواء التهديد الإيراني المزعوم. وفي أعقاب الاجتياح الأمريكي للعراق، خلص الفراغ في السلطة داخل العراق إيران من التهديدات الإقليمية المباشرة. ولاحتواء القوة المتنامية لإيران في المنطقة، ضخمت الرياض وحلفاؤها الإقليميون حجم الهيمنة الإقليمية الوشيكة لطهران في الشرق الأوسط. وفي أواخر عام 2004، صاغ عبد الله ملك الأردن عبارة مُثيرة للجدل لا تزال تهيمن على قلب الجعرافيا السياسية الشرق أوسطية: الهلال الشيعي. أعادت صحيفة واشنطن بوست صياغة النص: «إذا ما وقعت الحكومة العراقية تحت هيمنة الأطراف أو السياسيين الموالين لإيران، يمكن لهلال جديد من الحركات أو الحكومات الشيعية المهيمنة الممتدة من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان أن تهدد ميزان القوة التقليدي بين الطائفتين الإسلاميتين الأساسيتين وتشكل تحديات جديدة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها». بنظر الرياض، اعتبرت إيران أن الهلال الشيعي المزعوم حجر الأساس لقوتها الإقليمية المُستجدة، هادمةً نظاماً إقليمياً سائداً منذ مدى طويل ومُشكلةً تهديداً وجودياً لأمن الأنظمة العربية في المنطقة.

وممّا زاد الطين بلّة البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. فقوة شيعية فارسية، وبحوزتها قنابل نووية، ستغير ترتيب القوة في المنطقة على حساب النظام العربي السني، حسب اعتقاد الرياض. ومع حثّ البيت الأبيض «لقطع رأس الأفعى»، رحّبت الرياض بتشديد العقوبات الدولية التي تشكل أميركا رأس الحربة فيها ضد إيران. رغم ذلك، تفادى القادة السعوديون المواجهة المباشرة مع المتشددين في طهران. وعلى رغم الخطاب المتشدد لأحمدي نجاد ضد إسرائيل والغرب، بقيت السعودية «سلبية»، مُعتمدة كثيراً على السياسة الأمريكية.

شكّل الربيع العربي مؤشر التحوّل الأخير في السياسة الإقليمية للسعودية. أدت ثورة التحرير ومساندة الرئيس أوباما الضمنية للثوار المصريين إلى حرمان الرياض من أحد حلفائها القُدامى في القاهرة. ووصلت موجات زعزعة الاستقرار الناتجة عن هيجان الربيع العربي إلى البحرين، ما دفع الأغلبية الشيعية هناك إلى تهديد المملكة المدعومة من السعودية. ورغم أن الجيش المدعوم من السعودية استطاع سحق الحركة السلميّة بوحشية هناك، تهشمت شرعية المملكة الاستبدادية إلى حد كبير. وفي سياق قمع الحركة البحرينية، صوّر القادة السعوديون الثوّار بأنهم طابور إيراني خامس بُغية نزع شرعية المطالب المُحقة للبحرانيين المنادية بوقف التمييز الاجتماعي ـ السياسي والاقتصادي.

ولكن رد فعل السعودية لم يحصر حملتها المناهضة لإيران وحدها برفع حدة نبرتها طويلة الأمد بشأن «الإيرانفوبيا». ففي ضوء وجود إدارة أوباما المترددة، أدى صعود إيران إلى حصول تغيّر كبير في سياسة السعودية الإقليمية تجاه إيران، لتتحوّل من الاحتواء إلى دحر صعود إيران.

قدّم اندلاع التمرّد المناهض للأسد في سوريا فرصة فريدةً للرياض وحلفائها لقطع يد طهران الممتدة إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وبدعم مباشر من الرياض، إضافةً إلى الدوحة وأنقرة، باتت سوريا غارقة في حرب أهلية دامية. في الوقت نفسه، سعت السعودية، كزعيمة للمعسكر السني، إلى بناء تحالف سني مع مصر وتركيا لموازنة التهديد الشيعي المزعوم في اليمن. وبدأ الجيش السعودي بتنفيذ عمليات عسكرية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، مستخدماً قوةً غاشمةً لمواجهة التهديد الإيراني المزعوم. فكانت النتيجة النهائية تلوين الرياض مواجهتها الإقليمية مع إيران بفرشاة الطائفية نفسها.  

الأهم من كل ذلك، اتخذت الرياض مقاربةً جديدةً في مواجهتها مع إيران عبر نسج علاقات مع الجماعات المتشددة بُغية دحر نفوذ إيران. ويبدو أن سياسة السعودية العدائية الجديدة تتضمن مواجهة التهديدات الإقليمية ـ المحلية من خلال إقامة علاقات مع الجماعات السياسية ـ العسكرية ما وراء حدودها. وتستند السياسة السعودية الجديدة الآن على الاشتباك مع إيران في سلسلة من المعارك بالوكالة لتقويض قوة إيران الإقليمية ودحرها.  وفي الوقت الذي تجري فيه المصارعة بشكل صارخ مع إيران حول المنطقة، يواجه القادة السعوديون الشباب التهديد الإيراني المزعوم خارجياً وداخلياً على حد سواء.

تعتمد سياسة الرياض الخارجية الرامية إلى دحر إيران على دعم الجماعات الجهـاديــة ـ السلفية، ما يُهــدّد الأنظمة التي تدعمها طهران في المنطقة. وفي خضم دعمها القوي للمتمردين السوريين، سواء كانوا في جبهة النصرة أو داعش أو جيش الإسلام أو الجيش السوري الحر، اعتبرت السعودية أن النظام في دمشق هو ورقة إيران الاستراتيجية الرابحة. في الوقت نفسه، كانت الرياض تحاول توسيع الهوّة الشيعية ـ السنية عبر دعم العناصر السنية في العراق. ومن خلال التأثير في سوريا والعراق، تسعى الرياض إلى الضغط على طهران من أجل قبض الثمن في أجزاء أخرى في المنطقة، مثل اليمن. كما أن زيادة الضغط على دائرة النفوذ الإيرانية وحدودها الغربية يدخل في هذا المضمار.

داخلياً، تحاول سياسة السعودية العدوانية الجديدة فرض تهديدات على إيران عبر تنشيط جماعات عدة في المعارضة، بما فيها منظمة مجاهدي خلق إضافة إلى الجماعات العرقية في كردستان إيران وبلوشستان. وهذا هو الجانب الداخلي من سياسة السعودية الجديدة الرامية لدحر إيران.

مع ظهور الأمير تركي في مؤتمر 9 تموز لمنظمة مجاهدي خلق المنفيّة ودعوته إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية، تكون الرياض قد خطت خطوة كبيرة في سياستها الجديدة لدحر إيران. ومنظمة مجاهدي خلق، التي أُسِّست في عام 1965، كانت عبارة عن مجموعة معارضة مسلحة خلال حقبة الشاه، مع ايديولوجيا انتقائية تجمع ما بين الماركسية والإسلام.  كما أنها نفّذت عدداً من الهجمات ضد جنود أمريكان في إيران، ولاحقاً بعد سنوات أُدرجت على لائحة الإرهاب لوزارة الخارجية الأمريكية. في أعقاب الثورة، نحى النظام الثوري منظمة مجاهدي خلق جانباً، ومن ثم اعتبرتها طهران منظمة إرهابية منذ ثمانينيات القرن الماضي. حاربت المنظمة إيران إبان اجتياح صدام حسين ثم ساعدت صدام في ما بعد على قمع الانتفاضتين اللتين قام بهما الشيعة والأكراد في العراق. في اجتماع منظمة مجاهدي خلق في باريس، وجّه الفيصل انتقادات حادّة للجمهورية الإسلامية ولا سيما مؤسسها آية الله روح الله الخميني، لـ«تصديرها» الثورة.

وذاك يُعـد تجليــاً لسياســة الرياض الجديدة الرامية لدحر إيران، مع تخلي القادة السعوديين عن الغموض والسعي إلى سياسة تغيير النظام في إيران بشفافية أكبر.

تحوّل جذري كهذا في السياسة السعودية استتبعه لقاء آخر مثير للجدل في باريس بين مريم رجوي، زعيمة منظمة مجاهدي خلق ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. لم تكن العلاقات بين السلطة الفلسطينية ومنظمة مجاهدي خلق بالشيء الجديد، فمليشيات المنظمة تدربت في القواعد العسكرية لفتح في جنوبي لبنان لمواجهة نظام بهلوي في طهران. والمثير للاهتمام أن المجموعتين على حد سواء قاتلتا إلى جانب الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين خلال الحرب بين إيران والعراق. ولكن اللقاء مع عباس اعتُبر على الفور تماهياً مع السياسات الهجومية للسعودية في المنطقة. وكمُموّل أساسي للسلطة الفلسطينية، سهّلت السعودية حصول الاجتماع. وكانت تلك كأنّها إهانة رمزية لإيران. منذ الثورة عام 1979، تساعد إيران مجموعات المقاومة الفلسطينية أكثر من أي بلد عربي آخر.

انتقد المسؤولون الإيرانيين الاجتماع بشدة. فقال حسين شيخ الإسلام، مستشار وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إن منظمة مجاهدي خلق مدعومة من الولايات المتحدة وإسرئيل والسعودية ووصف محمود عباس بأنه «دُمية بيد أميركا». بل أكثر من ذلك، اتهم عباس بأنه عميل لوكالة الاستخبارات المركزية وادعى أن «محمود عباس تربطه علاقات سرية بالجماعات الإرهابية والإسرائيليين، والآن هذه العلاقات تُكشف». بدورهم، صعّد القادة السعوديون حملتهم ضد إيران عبر دعم الجماعات العرقية المتشددة في إيران. في أعقاب العدائية المتنامية بين طهران والرياض، أعلن مصطفى هجري، الأمين العــام للحــزب الديمقراطي الكردســـتاني الإيراني، أن حزبـــه سيرسل البشمركة التابعة له والكوادر السياسيين إلى كردستان إيران. فما كان من إيران إلا أن ردّت بسرعة مُعلنةً أن بلداناً إقليمية، ولا سيما إسرائيل والسعودية، تقف وراء عودة النشاط الكردي. وتتميز علاقات تل أبيب بالأكراد بتاريخ طويل. فكان الإسرائيليون يدربون البشمركة الكردية منذ التمرد الكردي العراقي، بقيادة الملة مصطفى البرزاني، في عام 1961. في أعقاب الثورة الإسلامية، تلقى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، ومقرّه في كردستان العراق، الدعم المالي من تل أبيب. وفي إشارة إلى حاجة الأكراد الإيرانيين إلى الدعم الإسرائيلي، قال مصطفى هجري: «نحن (إسرائيل والأكراد) لدينا أعداء مشتركون».

لكن وقوف السعودية إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني يُعد نقطة تحوّل جديدة. نتيجة خيبتهم في منع صعود الشيعة في العراق، عبّر المسؤولون في الرياض مؤخراً عن رغبتهم في تأسيس كردستان مستقل في شمالي العراق. وفي اجتماع مشترك غير مسبوق مع الدبلوماسي الإسرائيلي دوري غولد، أعلن الجنرال أنور ماجد عشقي عن هذا التحوّل. ومن شأن جمهورية كردية مستقلة بالقرب من إيران أن تهدد الوحدة الوطنية في البلاد وتُسدد صفعة لحلفاء إيران في دمشق وبغداد. وتضخمّ امتداد التهديد المتنامي للانفصال الكردي مع دعم السعودية للمسلحين الأكراد الإيرانيين. فرغم إنكار السعودية لرعاية مماثلة، حذّر المسؤولون الإيرانيون الرياض بلغة قاسية. قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي، صرح في مقابلة مع التلفزيون الإيراني الرسمي في تموز قائلاً «إن القنصلية السعودية في أربيل أقامت قاعدة تدريبية هناك وأسست مكتبين بالقرب من حدودنا». وفعلاً، قام عدد من الوسائل الإعلامية السعودية، مثل العربية، بتغطية النشاطات الإرهابية للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى حد غير مسبوق.

ومثل القادة في الرياض، كان الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من بين المعترضين الإيرانيين الأساسيين  على التسوية النووية التي وُقعت بين إيران ومجموعة الـ5+1. في أعقاب المحادثات النووية، زار هجري واشنطن حيث التقى أعضاء محافظين في الكونغرس ومحلّلين من مراكز الأبحاث للاعتراض على الصفقة مع إيران. وفي مقابلة مع غلوبال بوست، قال هجري: «إذا ما رُفعت العقوبات، فسوف تحظى إيران بالموارد التي تخولها الاستمرار في دعم الإرهابيين والديكتاتوريات التي ترعى الإرهابيين أمثال بشار الأسد. سوف تحصل على مزيد من الموارد لتشعل المزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط». هذه التعليقات كررت المخاوف التي تخرج على لسان السعوديين والإسرائيليين.

بحثّ من الرياض، شنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني حملةً جديدةً، داعياً إلى إسقاط النظام في طهران وتفسّخ الدولة الإيرانية. وفي تموز، كتب هجري مقالة في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، دعا فيها المجتمع الدولي إلى العمل مع الأقليات العرقية في إيران من أجل التوصّل إلى سلام واستقرار إقليميين افتراضيين. كما أعلن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني انضم إلى الأقليات من منظمات عربية وآذرية وبلوشية وتركمانية لتشكيل ما يُسمى «مجلس القوميات في إيران الفدرالية». أخيراً، ختم قائلاً «إننا نعتقد بوجود تقارب استراتيجي بين مصالح القوميات داخل إيران والأطراف الأساسية في المنطقة (أي السعودية وإسرائيل) من شأنه أن يؤدي إلى نظام جديد للشرق الأوسط بحيث يمكن إيجاد قاعدة لبسط الأمن والسلام الدائم». ومُدعياً أن إيران «ضعيفة»، أعلن هجري أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني غيّر هدفه ليتحوّل من الاستقلالية داخل إيران إلى تغيير النظام لأنه، وفقاً لهجري، «يجب على الجمهورية الإسلامية أن تزول، وإلا فالشرق الأوسط لن ينعم أبداً بالسلام». وهذا لاءم السياسة الهجومية الجديدة للسعودية ولغتها الشرسة ضد إيران.

اتهم المسؤولون في طهران الرياض بأنها تدعم الحزب الكردي. ومنذ منتصف حزيران، زاد عدد الاشتباكات التي وقعت بين البشمركة التابعة للحزب والحرس الثوري، ما يُنذر ببدء حقبة جديدة من المنافسة الإقليمية بين الرياض وطهران.

إلى جانب ذلك، الرياض مُتهمة بتقديم الدعم للجماعات البلوشية المتشددة، ولا سيما جندالله، في جنوبي شرق إيران. وتحظى جندالله السلفية ـ الجهادية، التي تشن الهجمات ضد النظام المركزي في إيران، بدعم مالي من السعوديين، وفقاً للأدميرال علي شمخاني، أمين سر المجلس القومي الأعلى في إيران. وإلى جانب منظمة خلق والجماعات العرقية المتشددة ، تدعم الرياض أيضاً عدداً من الشخصيات الإيرانية المنفية التي تعمل تحت عباءة حقوق الإنسان. ويؤيدون كل جهد يرمي إلى إسقاط النظام في طهران، حتى ولو بالحرب الشاملة مع إيران.

وسط المواجهة الدامية مع إيران، يدخل تأسيس السعودية لجبهــة جديــدة مــن الــوكلاء الخـارجيين والـــداخليين ضمـن سياستها لدحر إيران. رغم ذلك، في لجوء السعودية إلى الوهابيين، يمكن لاستخدام الوكلاء السلفيين أن يكون خطوة استراتيجية فاشلة بالكامل. فرغم تقليد إيران في اعتمادها في سياستها الخارجية على استثمار الوكلاء المتشددين، يمكن للعداء المستحدث عند السعودية تجاه إيران أن ينهار وبذلك لا يُحقّق نتائجه المرجوّة. لماذا؟

أولاً، سياسة إيران في نسج العلاقات مع الجماعات السياسية المتشددة في المنطقة متجذرة في انعدام أمنها تاريخياً. فافتقار إيران إلى الحدود الدفاعية الطبيعية، مصحوباً بكونها البلد الشيعي الوحيد في المنطقة ويتحدث اللغة الفارسية، جعل اللعنة تحلّ على البلاد ما جعلها في «عزلة استراتيجية». يوحي المصطلح، الذي صاغه بدايةً محيي الدين مصباحي، مدير الدراسات الشرق أوسطية في جامعة فلوريدا الدولية، بأن إيران «من حيث التصميم والافتراض تعيش العزلة على الصعيد الاستراتيجي ومحرومة من الحلفاء الحقيقيين». إن عزلة إيران الاستراتيجية تؤكّد المشاكل التاريخية للبلاد في ما يتعلق بالدفاع عن جبهاتها. والمنطق الوحيد للجغرافيا والتاريخ يُبيّن أن القدرات الرادعة النهائية لإيران تستند بشكل كبير على قدرتها في بسط نفوذها في الخارج. من خلال وجهة النظر هذه، كان بناء العلاقات الاستراتيجية مع الجماعات الشيعية المتشددة أداةً استراتيجية بيد إيران من أجل تعويض عزلتها الاستراتيجية التاريخية. ولأكثر من ثلاثة عقود، بقيت هذه العلاقات جوهر استراتيجية إيران لتحقيق  تطلعاتها في ما يخص الأمن القومي واحتواء التهديدات الخارجية.

في المقابل، لم تعان السعودية عزلة استراتيجية طويلة الأمد. فلم تكن البلاد عُرضةً لاجتياحات أجنبية كبيرة. منذ فجر الإسلام، كانت البلاد والمدينتان المقدستان فيها، مكة والمدينة، مركز العالم الإسلامي ـ وهو واقع منح البلاد حصناً أمنياً رمزياً. وفعلاً، أدّى التاريخ والثقافة والجغرافيا دوراً في حماية البلاد في وجه التهديدات الإقليمية. وهذا يعني بناء شبكات من الجماعات المتشددة بعيداً عن حدودها يفتقر إلى الجذور في تاريخ السعودية وجغرافيتها.

الأهم من ذلك، بناء العلاقات والحفاظ عليها مع الجماعات المتشددة يعتمدان إلى حد كبير على عقيدة ثورية لحثّ المليشيات الخارجية. ومنذ الثورة الإسلامية في عام 1979، لا تزال إيران دولة ثورية، متحديةً النظام السائد في المنطقة من خلال عقيدتها. وفي دورانها حول نقطة محورية قوامها «الاستقلال»، أدت عقيدة إيران المناهضة للاستعمار إلى إنشاء ديناميكية جاذبة في المنطقة، ما جعل البلاد ملاذاً يستضيف كُلّ من تحدى القوى الإقليمية المحافظة.

على العكس من ذلك، كان في الرياض نظام محافظ رائد في المنطقة. منذ أواخر الستينيات، بشكل مُتدرّج رسم قادة الرياض، ولا سيما الملك فيصل، سياسة البلاد المستندة على تصدير الوهابية. ولغاية يومنا هذا، لا تزال عقيدة الوهابية تسيطر على عقول المتمردين المتشددين في العالم الإسلامي بدءاً من أفغانستان وباكستان إلى العراق وسوريا واليمن. وبتمويل مُفرط من عائدات النفط في السعودية، ينشر الأئمة الوهابيون ومساجدهم في الخارج، بما في ذلك تلك الموجــودة في غربي أوروبـا، النسخة المتطرفة عن الإســـلام، زارعين جذور التطرف الإسلامي في أنحاء المعمورة. رغم ذلك، لم تر الجماعات الوهابية وتلك الجهادية ـ السلفية في الرياض المحور الأيديولوجي بالطريقة ذاتها التي ينظر من خلالها وكلاء إيران إلى طهران. وهذا مردّه إلى حد كبير للأهمية الممنوحة إلى «الاستقلال» في خطابهم. ففيما الاستقلال والتحرر من القيم الغربية والحضور الغربي في البلاد الإسلامية كانا مركز الجهاد، فارتباطات الراعي القوية بالولايات المتحدة والغرب جرّدت السعودية من هيبتها في عيون وكلائها. وذاك هو السبب وراء اعتبار تلك الجماعات، أمثال داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام ومنظمة مجاهدي خلق والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، أن السعودية مُجرّد مصرف مالي لشن صراعاتها الإرهابية. وهذا يعني أن البلاد تفتقر إلى القوة الناعمة القومية مقارنةً بعدوها اللدود: إيران.

إن الافتقار للقوة الناعمة بين وكلائها يمكن أن يفرض تهديدات أيضاً على الأمن القومي للسعودية. حلفاء إيران الإستراتيجيون، الوكلاء الشيعة من أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط، لم يُشكلوا تهددياً للنظام في إيران. في المقابل، الجماعات الوهابية والجهادية ـ السلفية التابعة للسعودية، كالقاعدة وداعش، تتنافس مع الرياض حول ادّعاء من يقود العالم السني. آخذاً هذه الخلفية التاريخية بالحسبان، لن يكون مفاجئاً إذا ما قام وكلاء سعوديون باستهداف البلاد. في مقابلة مع وكالة فارس في 10 تموز، قال حسين أميرـ عبداللهيان، نائب وزير الخارجية السابق للشؤون العربية والأفريقية، إنه أخبر في ما مضى السعوديون بأنه «من المستحيل استخدام الإرهابيين كأداة لجعل المنطقة غير آمنة وفي الوقت ذاته توقّع الهدوء داخل المملكة».

في الأشهر القادمة، سياسة السعودية العدائية الجديدة تجاه إيران ستتصاعد. فستبذل السعودية كل جهد ممكن لزيادة الضغط على إيران. وسياستها العدائية ستُسبب في نهاية المطاف خسائر لا تُعوّض في المنطقة وداخل المملكة على حد سواء. وكما أثبت التاريخ، هذه السياسة سترتد على صاحبها على المدى الطويل- كما كان حال صدام حسين. فقد أنفق نظام البعث في بغداد الكثير على جماعات المعارضة الإيرانية والمجموعات العرقية الانفصالية المتشددة. لكن النتيجة النهائية كانت زوال النظام العراقي. إن الحرائق تشتعل في الشرق الأوسط، منطقة حيث «التاريخ يُعيد نفسه، في المرة الأولى مأساة، أمّا الثانية فمهزلة».

---------------------------------

آراش رايسنزاد : باحث في مركز أبحاث الشرق الأوسط وبروفسور في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة فلوريدا الدولية.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف