تاريخ علم الكلام عصر الامامة الثاني (148 هـ - 329 هـ) (الجزء الثالث)

تاريخ علم الكلام عصر الامامة الثاني (148 هـ - 329 هـ) (الجزء الثالث)

تأليف : 

مجموعة باحثين

تقديم وتحرير : 

الشيخ الاسعد بن علي قيدارة

 

محتويات العدد :

الفصل الأوّل / أدوار الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) في التأسيس الكلاميّ

الشيخ سامر توفق عجمي

الفصل الثاني /  أدوار الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) في التأسيس الكلامي

د. علي الحاج حسن

الفصل الثالث / أدوار الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في التأسيس الكلامي

د. عبد الكريم الشبلي

الفصل الرابع / أدوار الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في التأسيس الكلامي

د. عبد الكريم الشبلي

الفصل الخامس / أدوار الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) في التأسيس الكلامي

الأستاذة زينب فهدا

الفصل السادس / التأسيسات الكلاميّة في عصر الغيبة الصغرى

الأستاذ قاسم شعيب

 

مقدمة المركز

الحمد للّه رب العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آله الطّيبين الطاهرين(عليهم السلام)، وبعد...

لا يخفى على من تتبّع النصوص الدينيّة أهمّيّة المعرفة والعلم في هدفيّة خلق الله عزّ وجلّ للإنسان، والمعرفة لا تتولّد بطريقة ذاتيّة عند الإنسان، وإنّما يكتسبها وينتجها بالأدوات والقوى التي وهبها الله تعالى له، وقد حثّ الإسلامُ الإنسانَ بألسنة مختلفة، كما يظهر من مدلول العديد من الآيات القرآنيّة، على التعلّم والتفكّر والتدبّر والتأمّل والنظر والتعقّل...، ورغّبه في إنتاج المعرفة وتوليد العلم، وحمّله مسؤوليّة إيصال المعرفة إلى الآخرين وبثّها وبذلها لهم. رُوي عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «قرأت في كتاب عليّ(عليه السلام)! إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهدًا بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهدًا ببذل العلم للجهّال...»[1].

يبدو الحديث عن تاريخ العلوم الإسلاميّة عمومًا، وتاريخ علم الكلام بالتحديد، غريبًا، فنحن بهذا التوجّه نجمع بين مجالين يبدوان للوهلة الأولى مختلفين ومتنافرين: التاريخ وانشغالاته في استرداد الماضي، ودراسة الوثائق، وإعادة بناء الحوادث في تسلسلها الزمني؛ وبين العلوم الإسلامية التي تدور مدار النّصوص الشرعيّة، وتستهدف بناء المعارف الدينيّة في المعتقد والأفكار الكبرى، والأحكام والشرائع، والقيم والأخلاق. وهذا الاستيحاش من المقاربة التاريخيّة للعلوم الإسلاميّة يبدو مفهومًا خاصّة في البيئات التي احتلّت فيها مسائل العلوم الأولويّة القصوى، كضلعٍ مركزيٍّ من الأضلاع المعرفيّة. حيث احتلّت مسائل العلم في الإنتاج العلميّ في المنظومات المعرفيّة القديمة الأولويّة على ما عداها، وتأتي الأضلاع الأخرى في درجةٍ ثانيةٍ من الاهتمام، كمناهج العلوم، ولغتها، ومصطلحاتها، ومبانيها، وتكاملها الابستمولوجي ... ذلك كلّه يعدّ قضيّةً فرعيّةً جانبيّةً أمام استمرار تدفّق تآليف ومدوّنات مسائل العلوم.

ويعتبر علم الكلام من أهمّ العلوم الإسلاميّة، وأقدمها تاريخًا، وأشدّها حساسيّةً، حيث إنّه لا بدّ لكلّ مسلمٍ أن يتّخذ موقفًا واضحًا من أصول الاعتقادات، ويبني عليها عقيدته الإسلاميّة، فعليه أن يتحرّى في الأصول الدليل الصحيح والمقنع، كما وعليه أن يسأل حتّى يصل إلى ما يطمئنّ له باله وقلبه. وقد ورد في القرآن الكريم، وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والأئمّة المعصومون(عليهم السلام) من بعده، وكذا المسلمون الأوائل لكثيرٍ من الأدلّة الفطريّة والعقليّة الداخلة في ضمن المسائل الاعتقاديّة، لا سيّما الأصول منها، وهذا ممّا يدلّل على عمق هذه الأبحاث في تاريخ العلوم الإسلاميّة، وعلى شدّة أهمّيّتها، وحساسيّتها. وإنّ اختلاف الفرق الإسلاميّة منذ العصر الأوّل الإسلاميّ، حتّى العصر الحاضر وتمسّك كلّ فرقةٍ بأطروحتها وأدلّتها، ومحاولة الردّ على أدلّة باقي الفرق، وغير ذلك من الأسباب، أدّى إلى تطوّر هذا العلم، واتساع مسائله، وجعله من أكثر العلوم الإسلاميّة حيويّةً.

ولتعميق فهم بحوث هذا العلم ومسائله كان من الضروريّ العودة إلى جذوره التاريخيّة، ودراسة تاريخ هذا العلم ومدخليّته في نموّ العلم نفسه وتطوّره، فقد أكّدت الدّراسات المعرفيّة التّرابط بين تاريخ العلم وحتميّة التطوّر التاريخيّ؛ لأنّ تاريخ العلم يساعد على فهم نظريّات العلم، فهو يُبيّن كيف نشأت تلك المسألة، وكيف تفرعّت الأقوال فيها، وما طبيعة السّجالات التاريخيّة التي جرت حولها.

وتمكّن دراسة تاريخ العلوم الباحثين والدّارسين على القدرة الاستشرافيّة لآفاق ذلك العلم وما نتوقّعه من مساراتٍ مستقبليّةٍ له في أركانه المعرفيّة، واهتماماته، وعلاقاته بالعلوم الأُخر،... وهكذا يتجلّى لنا أنّ تاريخ العلم ليس مجرّد استردادٍ للماضي في وقائعه وتسلسل أحداثه، ومحاولة إعادة بناء هذا الحدث كما وقع. بل إنّ تاريخ العلم هو جهدٌ علميٌّ منظّمٌ يقوم على التّحقيق والتّحليل التاريخيّ، من خلال الحفريّات العلميّة متعدّدة الأبعاد للوصول إلى مسارات نموّ ذلك العلم وتكامله في الجهات كلّها، من: جهة النشأة، التحوّلات الكبرى، المنعرجات الحاسمة، والعلاقة بالعلوم الأخرى...؛ قصد بلوغ منطقٍ علميّ في تفسير الرسم البيانيّ لمسيرة العلم في علاقته الجدليّة بمنظومة المعارف الإنسانيّة عمومًا والعلوم الإسلاميّة بالخصوص، كما يمكّننا هذا المنطق من استشراف مستقبل العلم والقدرة على التنبّؤ العلميّ بالتحوّلات المتوّقعة، وبالتالي الاستعداد لتحدّيات الغد كلّها ومقتضياته.

وانطلاقًا من القيمة المعرفيّة والحضاريّة لهذه الأعمال في تاريخ العلوم، أطلق المركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجيّة -بعون الله وتسديده - مشروع تاريخ الكلام الإماميّ، هو عبارة عن سلسلة معرفيّة موضوعيّة تتناول تاريخ كلام الشيعة الإماميّة في أبعاده جميعها: من حيث النشأة، والتحقيب التاريخيّ لعصور الكلام الإماميّ إلى يومنا الحاضر، والأعلام، والحواضر والمدارس العلميّة، والنظريّات الكلاميّة التي توالت وتوالدت عبر الزمن...، وسيلمس القارئ عبر تسلسل أقسام هذا المشروع تغطيته لكلّ هذه القضايا.

ختامًا، نتقدّم بخالص الشكر والامتنان لكلّ من ساهم في إنجاز هذا العمل المبارك من مدير مشروع تاريخ الكلام الإماميّ الشيخ الأسعد بن علي قيدارة، والهيئة العلميّة، ومن مجموعة الباحثين والباحثات، وفريق المركز في التحرير والتدقيق والإخراج، ونسأل المولى تعالى أن يكافئهم على مثابرتهم، وصبرهم، وحسن تعاونهم، فإنّه سبحانه لا يضيع لديه ثواب العاملين.

والحمد لله ربّ العالمين

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة

------------------------

[1]- الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، مطبعة حيدري، 1365هـ.ش، ط4، ج 1، ص 41.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف