البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 29 / 2020  |  1299يجب أن نعمل نقد الفكر الغربي على أساس المباني والمناهج الموجودة داخل التفكير الغربي

الحوار مع :د. علي رضا قائمي نيا
يجب أن نعمل نقد الفكر الغربي على أساس المباني والمناهج الموجودة داخل التفكير الغربي

ينطلق الدكتور علي رضا قائمي نيا من ثلاث مسائل يعتبرها أساسًا لا غِنى عنه في أيّ مشروعٍ يتناول للاستغراب، أوّلها الخصيصة الشمولية في التفكير الغربي، وثانيهما الاختلاف بين الغرب السياسي والغرب الفكري، والثالثة عدم التعلُّق بتيارٍ خاص في العالم الغربي.

ويعتبر أنه يمكن في الحد الأدنى نقد الفكر الغربي نقداً داخليًا، وآخر خارجيًا، وأنّه لابد من أن يُعمِل نقد الفكر الغربي على أساس المباني والمناهج المعتمدة عند الغرب نفسه.

وفيما يلي نصّ الحوار:


كيف ترون انطلاقة وطريقة تطوير مشروع باسم «الاستغراب الانتقاديّ»؟ وبعبارة أخرى: كيف ندير هذا المشروع لنقطع هذا المسار بشكل منطقيّ، ونصل إلى نتائج مطلوبة؟

ـ إنّ النقطة المهمّة والأوّليّة في هذا الشأن هي أنّه لا يمكن تحقيق أيّ نجاح في هذا المجال دون التعرّف على لغة الغرب. هذه هي الفرضيّة المسبقة في القضية، وإلى جانب ذلك يجب الالتفات إلى عدد من المسائل.

المسألة الأولى: الخصيصة الشموليّة في التفكير الغربيّ، وعلى سبيل المثال فإنّنا إذا أردنا التعرّف على التفكير الغربيّ في حقل علم النفس، فيجب أن ندرك أنّ علم النفس مرتبط بالفلسفة والعلوم التجريبيّة الغربيّة. وفي الحقيقة فإنّنا في مواجهة مجموعة متكاملة، وبالتالي فإنّه لا يمكن إخراج بعض الموارد من سياقها، والادّعاء بأنّنا قد تعرّفنا على الكلّ بشكل كامل، إلا إذا تعرّفنا على مجموع تلك المنظومة الفكريّة إلى حدّ ما. إنّ القراءة الاستغرابيّة المجتزأة الراهنة تحول دون فهم الغرب.

المسألة الثانية: إنّ ثمّة اختلافًا وبونًا شاسعًا بين الغرب السياسيّ والغرب الفكريّ، فالغرب السياسيّ هو ما نراه عيانًا مشاكل وأزمات أوجدتها الولايات المتحدة الأمريكيّة والدول الأوروبيّة في البلدان الإسلاميّة، وأفرز تيارات سلبيّة في العالم الإسلاميّ، بيد أنّ الغرب الفكريّ يختلف عن الغرب السياسيّ؛ فليس كلّ ما تقوم به الدولة الأمريكيّة منبثق عن فلسفتها السياسيّة؛ فربما كان سلوك الدول مغايرًا لعلومها الإنسانيّة. ومن هذه الناحية يجب علينا أن نفصل الغرب الفكريّ. للأسف الشديد هناك اتجاه له كثير من الأنصار في البلدان الإسلاميّة ولا سيّما في الحوزات العلميّة يرى أنّ الغرب السياسيّ مرفوض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الغرب الفكريّ، حيث يجب أن يُنبذ أيضًا، في حين لا يمكن التعامل مع العالم الفكريّ بالمطرقة. وعلى كلّ حال فإنّ التفكير ملك للإنسان، والإنسان الغربيّ بدوره كائن مفكّر أيضًا، ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[1]. وعليه يجب اجتناب هذه المغالطة.

المسألة الثالثة: إنّه لا ينبغي التعلّق بتيار خاصّ في العالم الغربيّ. إنّ المنظومة الفكريّة لكلّ فيلسوف هي خليط من المعتقدات الصالحة والطالحة، ومرادي من الطالح والصالح هنا بطبيعة الحال هو الصالح والطالح في الفضاء المعرفيّ دون القيَميّ والأخلاقيّ. والنقطة المهمّة هي أنّهم يتحدّثون بشكل منظّم، ومن هذه الناحية يمكن الاستفادة منهم على المستوى التعليميّ إلى حدّ كبير. أرى في تأثّر بعض المستنيرين في البلدان الإسلاميّة بمفكِّر واحد مثل ميشال فوكو أو بوبر أو هايدغر أو غيرهم، مع عدم اطلاعهم على المفكّرين الآخرين دليلًا على عدم النضج الفكريّ. إنّ التمحور حول تيّار أو شخص واحد يؤدّي إلى مشكلة. وعليه يجب أن نتعلّم المواجهة الناقدة، وأن نضع جميع المفكّرين الغربيّين في كفة الميزان الفكريّ، وتعلّم المسائل المفيدة منهم، ونبذ المسائل المخرّبة. إنّ بحث «المنهج» يعدّ من بين المسائل المهمّة الأخرى في الاستغراب.

وفي الحقيقة إنّ الأسلوب والمنهج الحديث طريقة جديرة بالثناء والاستحسان، حتى إذا رفضنا معطيات هذا المنهج. فإن هذا المنهج قد أثار دهشة الإنسان المعاصر، ولا يمكن لهذه المسألة أن تكون قليلة الأهمية. إنّ نشاطهم في حقل الرياضيّات، والفيزياء، والفلسفة وما إلى ذلك، كبير للغاية، وقد أثارت النتائج الكبيرة المترتّبة على ذلك ذهول الجميع وحيرتهم؛ ولذلك يجب التأسيس لهذا المنهج في البلدان الإسلاميّة. قد يستفيد شخص من منهج مشترك، ويحصل مع ذلك على نتيجة مختلفة أيضًا؛ إذن يجب فحص النتائج؛ ليتضح أيّ النتائج أفضل، ولكن المنهج نفسه يجب أن لا يتمّ نبذه والتخلّي عنه. ولا يمكن للبلدان الإسلاميّة التخلّي عن هذه الأساليب والمناهج، وإلّا ففي غير هذه الحالة تجب العودة إلى ما قبل أربعة عشر قرنًا، وعندها يجب على هذه البلدان الإسلاميّة أن تعمل على حلّ مشاكلها الاجتماعيّة بنفسها. إنّ على البلدان الإسلاميّة أن تستفيد من هذه الأساليب لحلّ مشاكلها، وهذا لا يعني القبول بالعلمانيّة أو الليبراليّة وغيرهما. إنّ الليبراليّة والعلمانيّة ما هما إلا تيارين من بين العديد من التيارات الأخرى في التفكير الغربيّ، وعلى فرض كونهما يمثّلان التيارين الغالبين، فإنّ غلبتهما إنّما تقتصر على الغرب السياسيّ دون الغرب الفكريّ. والكلام يدور حاليًّا حول الغرب الفكريّ. لا أدّعي أنّ هذه التيّارات هي الغالبة في الغرب الفكريّ، وإنّما أقول إنّنا لو فرضنا أنّها كانت هي الغالبة، إلّا أنّه لا يمكن التخلّي عن مناهجها وأساليبها، ولكي نعمل على تحديث الحضارة والعالم الإسلاميّ، فيجب علينا أن نستفيد من مزايا الفكر الحديث، وفيما يتعلّق بتحليل العالم الغربيّ يجب أن نعلم أنّ لدى فلاسفة الغرب مدّعيات وتيّارات كثيرة، ومن واجبنا عدم الاكتفاء بأيّ واحد منها، حيث يتضمّن بعضها على رؤية سلبيّة بالكامل، ويتضمّن بعضها الآخر على رؤية إيجابيّة بالكامل. بيد أنّ كِلا الاتجاهين ينطوي على مشكلة؛ إنّ العالم الغربيّ الحديث «كلٌّ»، ويجب النظر إليه بنظرة كلّيّة، ولهذا الكلّ أجزاء مختلفة، وبعض هذه الأجزاء مقبول، وبعضها غير مقبول. وإثبات عودها بأجمعها إلى أصل واحد ينطوي من وجهة نظري على مشكلة، وعلى سبيل المثال فإنّه لا يمكن إعادتها بأجمعها إلى العلمانيّة؛ إذ إنّ بعض الأجزاء يرتبط بالعلمانيّة، والبعض الآخر لا يرتبط بها. ومن الواجب أن تكون لدينا مواجهة منطقيّة ومعقولة مع العالم الغربيّ، وهذا يعدّ واحدًا من بين المشاكل الأساسيّة في الاستغراب؛ إذ إننا بحاجة إلى مواجهة غير مؤدلجة. إنّ المواجهة يجب أن تكون منطقيّة ومعقولة وعلى أساس الموازين الإسلاميّة. إنّ الموازين الإسلاميّة تقول لنا: «انظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال»[2].

* كيف كانت أساليب نقد المسلمين لأفكار علم النفس الغربيّ، وكيف يمكن العمل على تحسين كيفيّة الأساليب النقديّة؟ يمكن لهذا لسؤال أن يتمّ تخصيصه بالنظر إلى حقلكم التخصّصيّ.

ـ يمكن في الحدّ الأدنى نقد الفكر الغربيّ على نحوين: النقد الداخليّ، والنقد الخارجيّ، أمّا النقد الداخليّ، فهو بأن نُعمل نقد الفكر الغربيّ على أساس المباني والأساليب والمناهج الموجودة داخل التفكير الغربيّ، والقول بأنّ هذه المباني لا تنسجم مع هذه النتائج، أو أنّها تنطوي على إشكال. وعلى هذا الأساس يتّم طرح كثير من الانتقادات الداخليّة؛ من قبيل: انتقدوا ذات المباني، أو اقبلوا المباني ولا تقبلوا النتائج، أو لا تقبلوا التفاسير التي أفرزتها هذه المباني بالكامل، أو اقبلوا تفسيرًا خاصًّا من هذه النتائج، والطرق الأخرى المختلفة. وأمّا الثاني فهي الانتقادات الخارجيّة، بمعنى مقارنة المباني الغربيّة بالمباني البديلة، والقول إن هذين المبنيين لا ينسجمان. ويمكن بحث المباني والنظريّات البديلة أو بحث انسجام الآراء الغربية أو عدم انسجامها. إنّ هذه الموارد أساليب مختلفة يمكن لنا أن ننتقد الفكر الغربيّ بواسطتها، ولكنّني أرى أنّ الانتقادات التي تمّ تداولها في العالم الإسلاميّ، لم تكن جادّة إلى حدّ كبير، والسبب في ذلك يعود إلى أنّنا في السابق لم نكن مقارنةً بالأوضاع الراهنة نواجه العالم الحديث بنظرة شاملة. وفي الحقيقة فإنّنا في الأزمنة الماضية كنّا نواجه جانبًا من العالم الغربيّ، وكنّا نواجه فلسفة أو مجرّد أعمال فلسفيّة، ونعمل على نقدها، ولكننا لم ننظر إليها ضمن السياق العام للتفكير الغربيّ، ولم نتعامل معها بوصفها مظهرًا من مظاهر الحداثة، بل لم نواجه العالم الغربيّ الحديث أصلًا. فالعالم الحديث مثلًا لم يكن يمثّل مشكلة بالنسبة إلى المفكّرين الإيرانيّين قبل انتصار الثورة الإسلاميّة؛ ولذلك لا نرى في مؤلَّفات الأستاذ الشهيد الشيخ مرتضى المطهري والعلّامة الطباطبائيّ وغيرهما، بل وحتى في أعمال الجامعيّين والأكاديميّين، شيئًا من الأبحاث عن العالم الحديث والحداثة وما إلى ذلك. وفي الحقيقة فإنّ هذه المسائل لم تكن تمثّل مشكلة بالنسبة إليهم. بيد أنّ هذه الأبحاث قد تحوّلت اليوم بسبب خصائص المجتمع المعلوماتيّ المعاصر؛ لتصبح المسألة الأولى بالنسبة إلى المسلمين. لقد زالت الحدود بفعل وسائل التواصل الاجتماعيّة والشبكات العنكبوتيّة، ووجد المسلمون وجهًا لوجه أمام «التفكير الغربيّ»؛ بعد أن زالت الوسائط. فقد أضحت هناك وفرة وكثرة في الترجمات، وقد ارتفع حجم الترجمات من العالم الغربيّ بالقياس إلى العقود السابق بشكل مذهل. وفي الحقيقة فإنّ كلّ ما يتمّ تأليفه اليوم يجد طريقه إلى الترجمة مباشرة. إنّ هذه الشرائط والظروف أدّت إلى تداعي الخصائص الخاصّة في العالم المعاصر. ومن هنا فإنّ انتقادات المتقدّمين لا تحظى بقبولٍ كبيرٍ من قِبل المعاصرين، وعليه فهي تحتاج إلى تجديد النظر. بيد أنّ انتقادات المسلمين أخذت تتجه نحو التحسّن شيئًا فشيئًا؛ إذ أخذنا نواجه الفكر الغربيّ بوعي أكبر، وطفقنا نلمس مختلف أبعاده إلى حدّ ما. إنّ هذه الشرائط بأجمعها تظافرت على تحسين انتقادات المسلمين للتفكير الغربيّ.

* هل المواجهة الانتقائيّة مع الغرب صحيحة وممكنة؟ بمعنى أن نعمل من خلال التفكيك والفصل بين العقائد والتداعيات والمعطيات الغربيّة في حقل «الحسن» و«القبيح»، على أخذ كلّ ما هو من الغرب الحسن، ونجتنب كلّ ما هو من الغرب القبيح. وبطبيعة الحال لربما قد تحقّق هذا الأمر، فإذا قلنا بتحقّق هذه الإمكانية، فهل ينطوي هذا التحقّق على تداعيات مخرّبة بالنسبة إلى المسلمين؟

ـ ذكرت في الأجوبة المتقدّمة أنّ علينا أن ننظر إلى الغرب بوصفه «كلًّا متكاملًا». فنحن نواجه كلًّا متكاملًا، وعلينا أن نلاحظ هذه الأفكار والعلاقة القائمة فيما بينها بشكل عميق ودقيق. ولا يمكن الفصل بين مختلف الحقول بشكل كامل. إنّ التعاطي الانتقائيّ بمعنى القول منذ البداية: حيث إنّ هذه النظريّة لا توافق الكلام السابق، فإنّنا نرفضها غير مقبول، وأمّا التعاطي الانتقائيّ بمعنى أنّه عندما تواجه الأفكار المختلفة، نعمل على تحليلها بالأدوات النقديّة فهو أمر جيّد. وفي هذا الاتجاه تسلّم بعض الأفكار، ويتعرّض بعضها للنقد. ونتيجة النقد هي الانتقاء. فقبول بعض الآراء أو التفاسير الخاصّة بعد التحليل النقديّ أمر مقبول، وأمّا الانتقاء بمعنى العمل منذ البداية والقبول بشكل عشوائيّ بالرأي الذي يوافق مزاجنا، ورفض الرأي المخالف، فهو غير مقبول. وفي الوقت نفسه يجب الالتفات إلى خصّيصة النزعة الكلّيّة والشموليّة في التفكير الغربيّ، وأنّ العلاقات القائمة بين الأفكار المختلفة، تعمل على تغيير معانيها. وبطبيعة الحال فإنّنا في التفكير الانتقاديّ نصل إلى أفكار جديدة؛ بل قد يترك التفكير النقديّ تأثيرًا في عقائد الفرد وأساليبه. والمشكلة الرئيسة تكمن في أنّه لم يتمّ بذل الكثير من الجهود من أجل فهم الغرب. إن الواقع الراهن في تفكيرنا بالنسبة إلى الغرب هو أنّنا قد وقعنا في ثنائيّة باطلة، فهناك جهات تتبنّى الموقف المؤيّد للغرب بالكامل، وثمّة جهات أخرى تتبنّى الموقف المخالف للغرب بالكامل. ولكي نتجاوز هذه المعضلة نحتاج إلى التعرّف على الغرب بشكل صحيح. إنّ هذا الفهم لا يعني أنّ الإنسان الذي رأى الغرب، يكون قد فهم الغرب؛ إذ من الممكن أن يقيم شخص في الغرب لمدة عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن، ومع ذلك لا يفهم الغرب، فمن المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا هو أنّه يتصوّر أنّ المترجمين قد فهموا الغرب جيّدًا، وهذا خطأ محض، فأكثر الترجمات تعاني من المشاكل، وقد يقوم شخص بترجمة نصّ، في حين أن ثمّة شخصًا آخر يفهم خيرًا منه، وقد رُوي عن النبي الأكرم قوله: «ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»[3]. وفي الحقيقة فإنّ هذه القضية قد تحوّلت إلى معضلة، بمعنى أنّنا نواجه أزمة فيما يتعلّق بمعرفة الغرب؛ أي أنّنا نواجه ظاهرة لا نعرف كيف نفهمها، ومن أين نبدأ بها، ومتى ننتهي منها، وهذه مشكلة حقًا.

----------------------------

[1] ـ  النجم (53): 39.

[2] ـ  تنسب هذه العبارة إلى الإمام عليّ ، وهو القائل في موضع آخر عندما سمع أحد الخوارج يقول: (لا حكم إلا لله): (كلمة حقّ يُراد بها باطل)، وعليه لا يمكن التمسّك بهذه العبارة بالمطلق. المعرّب.

[3] ـ  انظر: العلّامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 74، ص 148، طبعة مؤسسة دار الوفاء، بيروت / لبنان، 1414 هـ.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف