البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : تعريف الدين - المحاضرة (2)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : August / 4 / 2022

عدد زيارات المقطع : 194

حجم الملف الصوتي : 13.539 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 202

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
بسم الله الرحمن الرحيم

والــصلاة والســلام عــلى الــرســول الأمــين محــمّد وآلــه الــطيّبين الــطاهــريــن المــعصومــين..

تعريف الدين

هناك تحديدات كثيرة قد ذُكرت للدين، نقتصر على ذكر بعض منها:

التعريف الأول: وهـــو التعريف الـــذي يـــمكن الـــتعبير عـــنه بـــالتعريف الـــطبيعي الـــكونـــي، وهـذا التعريف يـصوّر الـديـن ويـعرّفـه بـأنّـه: (وحـي الـطبيعة المـرسـل إلـى الإنـسان مـن أجـل إشـعاره بــغوامــض الــوجــود وصــنع الــهيبة والإجــلال لــه الــذي يــعمل عــلى إذعــان الــعقل البشــري بــوجــود كائن لا طبيعي).

وهـذا الـتعريـف طـرحـه أصـحاب المـوقـف الـطبيعي الـكونـي، فـيكون الـديـن حسـب هـذا الـتصوّر هـو مـفردة - إذا صـح الـتعبير- مـن مـفردات الـثقافـة الـكونـية، إذ يفسّـر الـديـن بـطريـقة نـفسية كـونـية بـحيث إنـنا نـجعل عـظمة الـكون سـبباً تـامـاً فـي صـنع الـهيبة داخـل نـفس الإنـسان، فــإذا مــا رأى هــذا الــكون فــسوف تــوحــي لــه هــذه الــطبيعة تــلك الــعظمة، بــنحو الــجلالــة والــهيبة، بــمعنى أنــها تــصنع لــه شــعوراً مــن الــجلالــة والــهيبة إزاء هــذا الــوجــود، وهــذا الــنحو مــن الــهيبة و الـجلالـة يـعمل عـلى اعـتقاد الـعقل البشـري بـوجـود كـائـن لا طـبيعي، حـيث نـلاحـظ أن هـناك نـحواً مــن الــتناغــم بــين الــعظمة الــكونــية الــطبيعية والــواقــع الــنفسي الــذي يــعيشه الإنــسان، إذ تنجــذب الــنفس الإنــسانــية إلــى عــظمة هــذا الــكون، وبــالــتالــي يــعتقد الانــسان لا شــعوريــاً بــوجــود كــائــن ماورائي خلف هذه العظمة.

إنّ تـــعريـــف الـــديـــن وفـــق هـــذا المـــوقـــف الـــطبيعي الـــكونـــي- أعـــني وحـــي مـــن الـــطبيعة، المـرسـل إلـى الإنـسان مـن أجـل إشـعاره بـغوامـض الـوجـود وصـنع الـهيبة الـتي تـعمل عـلى اعـتقاد الــعقل البشــري بــوجــود كــائــن لا طــبيعي- إنـّـما يــتناســب مــع الــبحث عــن مــنشأ الــديــن، ومــا هــو ســـبب وجـــوده؟ فـــيُقال بـــأن مـــنشأ الـــديـــن الـــنظر إلـــى عـــظمة هـــذه الـــطبيعة، ومـــن ثـــم الإحـــساس بــهيبة هــذه الــعظمة، وبــالــتالــي وجــود اعــتقاد بــأن هــناك كــائــناً مــاورائــياً هــو المــسؤول عــن عــظمة هـــذه المـــفردات الـــكونـــية، فهـــذا الـــتعريـــف أقـــرب مـــا يـــكون شـــرحـــاً لـــبيان ســـبب وجـــود الـــديـــن، ولـــم يشــــتمل فــــي الــــحقيقة عــــلى الــــخصوصــــيات الــــتي ذكــــرنــــاهــــا قــــبل قــــليل المــــتمثلة بــــمقومــــين، هــــما الاعــتقاد بــوجــود الــكائــن المــا ورائــي، والــثانــي هــو تــنظيم عــلاقــة الإنــسان بــالله. نــعم نجــد أنّ هــذا الـتعريـف مسـتبطن ومـتضمن لـلاعـتقاد بـوجـود كـائـن مـا ورائـي ولـكنه غـير مشـتمل عـلى المـقاوم.

******

التعريف الثاني: هـــو التعريف الـــطبيعي الـــبيولـــوجـــي، حـــيث رأى جـــماعـــة بـــأنّ الـــديـــن: (هـــو عـــبارة عـــن إفـــراز دمـــاغـــي يحـــمل الإنـــسان لأن يســـتشعر بســـبب الـــظواهـــر الـــطبيعية أســبابــاً مــيتافــيزيــقية). فــهنا يــوجــد إفــراز دمــاغــي هــو الــذي يحــمل الإنــسان عــلى أن يســتشعر- بسـبب هـذه الـظواهـر الـطبيعية - أن هـناك سـبباً مـيتافـيزيـقياً مـسؤولاً عـن إيـجاد هـذه الـظواهـر، وهـذا فـي الـواقـع تـفسير لـلديـن بـطريـقة مـاديـة عـضويـة بـحتة، ويـعتبر الـديـن مـن هـذه الـجهة كـأي شــــكل مــــن أشــــكال الاعــــتقاد أو كــــأي شــــكل مــــن أشــــكال الــــحالات الــــنفسية، نــــاتــــج مــــن تــــركــــيب خـــاص داخـــل المـــنظومـــة الخـــلويـــة الـــبيولـــوجـــية فـــي الـــجسم، وقـــد ذهـــب بـــعض عـــلماء الـــبيولـــوجـــيا بـــوجـــود مـــا يـــسمّى بـــ(جين الـــديـــن) أو بـــ(جين الإلـــه) أي: الـــجين المـــسؤول عـــن الـــنزوع الـــنفسي نـــحو  الغيب، وهـذا الـتعريـف لا يـصحّ إلّا أن يـكون المـنظور فـيه الـبحث عـن مـنشأ الـديـن، مـا هـو؟ وليس هو تعريف يشتمل على الخصوصيتين والمقومين المذكورين سابقاً.

******

التعريف الـثالـث: وهـو الـذي نـادى بـه بـعض كـبار عـلماء الـنفس مـثل (فـرويـد) وبـعض الــــفلاســــفة مــــثل(نــــيتشه) وغــــيرهــــما، حــــيث فــــهموا الــــديــــن بــــأنــــه: (انــــفعال واضــــح لــــلبواعــــث المــــاديــــة المــكبوتــة الــكامــنة فــي الــنفس) وبهــذا جــُعل الــديــن شــكلاً مــن أشــكال الــوهــم، وهــذا الــتعريــف إذا مـــا نـــظرنـــا إلـــيه مـــن جـــهة كـــونـــه نـــتاج الـــباعـــث المـــادي أو الـــبواعـــث المـــاديـــة الـــكامـــنة الـــتي تـــكون مــسؤولــة وفــق هــذا الــتوجــه عــلى إيــجاد أديــان الــناس فــهو أيــضاً لا يــعدو مفسّــراً لــلديــن بــطريــقة مـاديـة، لأنـّه يـعتبر الـديـن حـالـة مـن الـحالات الـنفسية وأنـه نـاتـج عـن انـعكاسـات عـالـم الـشعور، فــتترجــم هــذه الــحالات إلــى واقــع ديــني خــاص، وأيــضاً هــذا الــتعريــف إنــما يتحــدث عــن مــنشأ الدين وليس هو تعريفاً للدين بما هو.

******

الـــتعريـــف الـــرابـــع: مـــا ذكـــره الـــفقيه الـــقانـــونـــي الـــكبير فـــي الإمبراطورية الـــرومـــانـــية )سيسـرون) مـن أن الـديـن([1]): (هـو الـربـاط الـذي يـصل الإنـسان بـالله)، فنجـد أنّ (سيسـرون) جـعل الـديـن نـوعـاً مـن الـعلاقـات الـخاصـة، وقـد فـهم بـعض مـن هـذا التحـديـد والـتعريـف أنـه يـقول بــفطريــة الــديــن، ولــكن الــتعريــف بــذاتــه لا يــشير إلــى هــذا المــعنى بــل الــذي يــبدو أنّ (سيســرون) بــقولــه: (إنّ الــديــن هــو الــربــاط الــذي يــصل الإنــسان بــالله) أنّــه يفسّــر الــديــن مــن خــلال المــنطلق الــقانــونــي بــحكم أنــه يــوضّــح الــعلاقــة الــتي تــربــط بــين الإنــسان والإلــه وكــما يــلاحــظ أنــه يشــتمل عــــلى المــــقوّم الــــثانــــي وهــــو الــــقوانــــين الــــتي تــــنظّم عــــلاقــــة الإنــــسان بــــالله، ولا يشــــتمل عــــلى المــــقوّم الأول، أعـني: الاعـتقاد بـالـعنصر الـغيبي، وهـذه الـعلاقـة الـرابـطة بـين الإنـسان والإلـه مـا هـي إلّا القوانين الخاصة.

******

الـــتعريـــف الــخامس: مـا جـاء فـي كـتاب (الـتنويـر الـناقـص) أو مـا يـسمّى أيــضاً (الــديــن فــي حــدود الــعقل) لــلفيلسوف الــكبير (عــمانــؤيــل كــانـط) بــأنّ الــديــن: (هــو الــشعور بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية)، وهـــذا الـــذي طـــرحـــه (كـــانـــط) يـــدرج الـــديـــن فـــي مـــقولـــة الـــشعور والإحـــساس المـــتعلّق بــالالــتزام إزاء أوامــر الله تــعالــى، وأنّ الــديــن فــي الــحقيقة فــكرة أو مــقولــة لا تــنتمي إلــى مــقولــة الــشعور وإن كــان الــشعور والانــدفــاع نــحو الــديــن مــن مــقوّمــات الــديــن لــكنه ذكــر فــقط الــشعور والإحــساس بــالــواجــبات، بــأن هــناك واجــبات عــليّ أن أُودّيــها، فــكأنــه يــشير إلــى المــقوّم الــثانــي الذي ذكرناه ولا يشير إلى المقوّم الأول.

******

الـــتعريـــف الـسادس: مـــا عـــرّفـــه (فـــريـــدريـــك شـــلايـــرمـــاخـــر) الـــفيلسوف والـــلغوي الألمـــانـــي فـــي كـــتابـــه (مـــقالات عـــن الـــديـــانـــة) بـــأن الـــديـــن: (هـــو شـــعورنـــا بـــالـــحاجـــة والـــتبعية المـــطلقة) فـــقد جـــعل الـــشعور بـــتبعيتنا المـــطلقة والـــحاجـــة إلـــى الله ســـبحانـــه وتـــعالـــى هـــو قوام الدين.

ويــؤاخــذ عــلى هــذا الــتعريــف:

• أنّــه لا يشــتمل عــلى المــقومــين مــعاً، وإنــما يــشير فــقط إلـى المـقوّم الـثانـي بـعبارتـه - شـعورنـا بـالـحاجـة والـتبعية المـطلقة - حـيث يـحتاج الإنـسان إلـى الله، وأنّ هـــذه الـــحاجـــة هـــي عـــبارة عـــن الـــجانـــب الـــقانـــونـــي أو الارتـــباط الـــقانـــونـــي مـــع الله ســـبحانـــه وتعالى، وعليه فإنّ هذا التعريف يشتمل على مقوّم واحد من المقوّمين الذين ذكرناهما.
• كــان الأنســب مــنه أن يــقول: الــشعور بــتبعيتنا لمــوجــود مــطلق لا الــتبعية المــطلقة لله ســبحانــه وتــعالــى، فــإن الله ســبحانــه وتــعالــى رغــم أنــه هــو الإلــه وهــو الــخالــق وبــيده كــل شــيء إلا أنــــه إنّــــما وضــــع قــــوانــــين تــــتناســــق وتــــتناغــــم وتــــتناســــب مــــع الــــعقل البشــــري ولا ســــيّما الــــعقل الــعملي الإنــسانــي، فــلا يــأمــر ســبحانــه وتــعالــى بــالــظلم أو يــنهى عــن الــعدل، وفــي نــفس الــوقــت يـــجب عـــلى الإنـــسان أن يـــتبعه مـــثلاً تـــبعية مـــطلقة فـــي ذلـــك، بـــل أن الله ســـبحانـــه وتـــعالـــى فـــي الـحقيقة جـعل هـناك قـوانـين عـقلية فـي الإنـسان، ولا يـسنّ قـانـونـاً تشـريـعياً يـخالـف تـلك الـقوانـين العقلية.
******

الـــتعريـــف الـسابع: وكـــذلـــك مـــن الـــتعريـــفات الـــتي طــُـرحـــت مـــا جـــاء فـــي كـــتاب (قـــانـــون الإنـــسانـــية) لـــبعض الـقساوسـة وهـو الأب (شـاتـل) بـأن الـديـن: (هـو مجـموعـة واجـبات المخـلوق نـحو الـخالـق، وواجـبات الإنــــسان نــــحو الله، وواجــــباتــــه نــــحو الجــــماعــــة، وواجــــباتــــه نــــحو نــــفسه). ومــــن الــــواضــــح أن هــــذا الـتعريـف إنّـما ينسجـم مـع المـقوّم الـثانـي وهـو أن يـكون هـناك قـوانـين تـنظّم عـلاقـة الإنـسان بـالله سبحانه وتعالى وهو أشبه كثيراً بما ذكره (سيسرون) مع بعض الفارق البسيط.

******

الـــتعريـــف الـثامن: مــا ذكــره الــفيلسوف الــبريــطانــي (هــربــرت سـبنسر) فـي خـاتـمة كـتابـه (المـبادئ الأولـية) بأن الدين هـو: (الإيـمان بـقوة لا يـمكن تـصور نـهايـتها الـزمـانـية ولا المكانية وهو العنصر الرئيسي في الدين). ويـــلاحـــظ عـــلى هـــذا الـــتعريـــف أنــّـه إنّـــما نـــظر إلـــى المـــقوّم الأول الـــذي ذكـــرنـــاه وهـــو الاعتقاد بوجود كائن ماورائي ولم يلاحظ الجانب القانوني والمقوّم الثاني.

******

الـــتعريـــف الـتاسع: عرّف (تـــايـــلور) فـــي كـــتابـــه (المـــدنـــيات الـــبدائـــية) الدين بـــأنّـــه: (الإيـــمان بـــكائـــنات روحــية) وأيــضاً هــذا الــتعريــف عــلى مــا فــيه مــن خــلل إنـّـما يشــتمل عــلى المــقوّم الأول، ولا يشــتمل على المقوم الثاني.

******

الـــتعريـــف الـعاشر: وهـــو الـــتعريـــف الـــذي ذكـــره الألمـــانـــي (مـــاكـــس مـــولـــر) فـــي كـــتابـــه )نـــشأة الـــديـــن و نـــموه) بـــأن الـــديـــن: (هـــو مـــحاولـــة مـــا لا يـــمكن تـــصوره ومـــا لا يـــمكن الـــتعبير عـــنه) وقـال بـأن الـديـن (هـو الـتطلع إلـى الـلانـهائـي) - يـعني الله سـبحانـه وتـعالـى يـعني حـب الله - كـأنـه قال: إن فكرة التعبد بالدين من الغرائز الفطرية.

ويـــلاحـــظ عـــلى هـــذا الـــتعريـــف:

• إنّ هـذا الـتعريـف تـكتنفه نـحو مـن الـضبابـية وقـد يـكون سـببها الـترجـمة غـير الـدقـيقة، إذ يـــقرر أنّ الـــديـــن هـــو مـــحاولـــة تـــصوّر مـــا لا يـــمكن تـــصوّره، وقـــد يـــريـــد بـــه أنّ الـــنفس البشـــري بحسـب فـطرتـها تـعتقد بـالـعالـم الـغيبي الـذي هـو بـدوره غـير واضـح الـتصوّر، لـكونـه خـارجـاً عـن القدرات البشرية.
• وعـــلى كـــل تـــقديـــر فـــما ذكـــره مـــاكـــس مـــولـــر مـــن أن الـــديـــن: (هـــو مـــحاولـــة مـــا لا يـــمكن تــصوره...) إذا قــدّر أن يــشير إلــى شــيء فــإنّــما يــشير إلــى المــقوّم الأول مــن مــقوّمــات الــديــن وهو الاعتقاد بالكائن الماورائي ولم يتطرّق في تعريفه إلى الجانب التنظيمي والقانوني.
******



الـــتعريـــف الـحادي عشر: وهــو الــتعريــف الــذي ذكــره (إيــميل بــرنــوف) فــي كــتابــه (عــلم الـديـانـات) بـأن الـديـن: (هـو الـعبادة، والـعبادة عـمل مـزدوج فـهي عـمل عـقلي بـه يـعترف الإنـسان بــقوه ســامــية، وعــمل قــلبي أو انــعطاف مــحبة يــتوجــه بــه إلــى رحــمة تــلك الــقوة الــسامــية).

فــالــديــن وفق رأي (برنوف) ما هو إلّا عبادة، والعبادة أمر مزدوج من أمرين: عقلي وقلبي، وهــذا الــتعريــف فــي الــواقــع يــمتاز عــمّا ســبقه بــمزجــه بــين عــملية الاعــتقاد والانجــذاب الــعاطــفي الــذي يحــرّك الــفرد نــحو رحــمة الله ســبحانــه وتــعالــى، ولــكنه لــم يــذكــر الــخصوصــية الثانية.

******

 الـــتعريـــف الـثاني عشر: مـا ذكـره (ريـفيل) فـي كـتابـه (مـقدمـة تـاريـخ الأديـان) مـن أن الــديــن: (هــو تــوجــيه الإنــسان ســلوكــه وفــقاً لــشعوره، فــهو يســلك وفــق شــعور عــنده، وهــذا الــشعور وصــــلة بــــين روحــــه وروحٍ خــــفية الــــتي هــــي الله - فــــهو يفســــر الــــروح الــــخفية بــــالله - يــــعترف لــــها بـالسـلطان عـليه وعـلى سـائـر الـعالـم ويـطيب لـه أن يـشعر بـاتـصالـه بـها).

ومـلخصاً: يـريـد (ريـفيل) مــــن الــــديــــن: أنّ الإنــــسان يــــعمل وفــــقاً لمــــا يــــعتقد بــــه بــــصلته بــــالله ســــبحانــــه وتــــعالــــى، وهــــذا الــتعريــف لـ(ريــفيل) هــو تــقريــباً أفــضل الــتعريــفات الــتي نــقلناهــا عــن الــجانــب الــغربــي حــيث ربــط ســلوك الإنــسان بــقانــون إلــهي فجــمع بــين الاعــتقاد والــقانــون الــذي يــوجــه ســلوك الإنــسان ويحــدد مــسيرتــه فــي الــحياة، وفــقاً لمــا تــمليه عــليه الــروح الــخفية، فــالــديــن هــو أن يــوجــه الإنــسان ســلوكــه وفــقاً لمــا يــعتقده بــوجــود قــوة ســامــية يــريــد إرضــاءها. نــعم لــو كــان الــتعريــف مــقرراً بهــذه الـــطريـــقة: (ســـلوك الإنـــسان المـــوجّـــه أو تـــوجـــيه الإنـــسان ســـلوكـــه وفـــقاً لمـــا يـــعتقده مـــن وجـــود قـــوة سامية مثلاً وإطاعة تلك القوة السامية) لكان أنسب.

******

الـــتعريـــف الـثالث عشر: يـقول بـه (جـويـوه) فـي كـتابـه (لا ديـنية المسـتقبل) بـأن (الـشعور الــديــني هــو الــشعور بــتبعيتنا لمــشيئات أخــرى يــركــزهــا الإنــسان الــبدائــي فــي الــكون، بــحيث لا تــكون لــلإنــسان مــشيئة مســتقلة انــفراديــة، بــل مــشيئته يــجب أن تــكون تــابــعة لمــشيئات أخــرى).

 وهــذا الــتعريــف لــلديــن إنّــما هــو فــهٌم لــلديــن مــن مــنطلق إلــحادي مــرتــكز، ومــبني عــلى أســاس أنّ الإحساس النفسي بالتبعية لإرادات عليا هو الذي يمثّل واقع الشعور الديني، ويـــــــعتبر هـــــــذا الإحـــــــساس والـــــــشعور بـــــــالـــــــتبعية وفـــــــق هـــــــذا الـــــــتعريـــــــف هـــــــو مـــــــن نـــــــوع الأحـاسـيس الـكاذبـة، ولـذا فـقد عـُدَّ مِـن صُـنْع الإنـسان الـبدائـي فـهو الـذي جـذّره ونـقل عـدواه إلـى ما عداه من البشر، هكذا يبدو من التعريف. وعــــلى كــــل تــــقديــــر فــــإنّ هــــذا الــــتعريــــف إنّــــما يُــــشير فــــقط إلــــى الــــجانــــب الــــتنظيمي القانوني دون المقوّم الأول.

******

الـــتعريـــف الـرابع عشر: لـــعالـــم الاجـــتماع المـــشهور (دوركـــهايـــم) فـــي كـــتابـــه (الـــصور الأولــية لــلحياة الــديــنية) حــيث ُيــعرّف الــديــن بــأنــه: (مجــموعــة مــتسانــدة مــن الاعــتقادات والأعــمال المتعلقة بالأشياء المقدسة).

وهـذا الـتعريـف رغـم أنـّه مـحاولـة لـتفسير هـويـة الـديـن بـكونـه مجـموعـة مـن الاعـتقادات والأعــمال مــع إضــافــة عــنصريــن هــما عــنصر الــترابــط بــين الاعــتقادات والأعــمال، أي بــين الــفكر والـعمل، بـين الـعقل الـنظري والـعقل الـعملي، وعـنصر مـحوريـة الـشيء المـقدس لـتلك الاعـتقادات إلّا أنـه لا يـتضمن إلّا عـلى المـقوّم الأول وهـو الـجانـب الاعـتقادي، دون المـقوّم الـثانـي الـذي هـو الـــعلاقـــة الـــتنظيمية.

وقـــولـــه: (الأعـــمال المـــتعلّقة بـــالأشـــياء المـــقدســـة) لـــعلّه يـــشير فـــيها إلـــى الـــطقوس والــشعائــر، ولا بــدَّ مــن مــتابــعة مــا يــذكــره (دوركــهايــم) فــي طــرحــه لهــذا الــتعريــف أنــه إنْ كــان يــقصد مـــن الأعـــمال المـــتعلّقة بـــالأشـــياء المـــقدســـة بـــحيث يـــشمل الـــشعائـــر والـــطقوس والـــقوانـــين فـــيكون تــــعريــــفه منسجــــماً فــــي الــــحقيقة مــــع مــــقوّمــــات الــــديــــن الــــذي هــــو الــــجانــــب الاعــــتقادي والــــجانــــب الـقانـونـي.

نـعم يـلاحـظ عـليه بـقولـه: (الـديـن مجـموعـة مـتسانـدة مـن الاعـتقادات)، ولـم يبيّن مــــقصوده مــــن الاعــــتقادات، لأن الاعــــتقادات قــــد تــــرتــــبط مــــثلاً بــــأمــــور خــــرافــــية، وقــــد تــــرتــــبط بـــأشـــياء أســـطوريـــة وقـــد تـــرتـــبط بـــآلـــهة، فـــإنْ أراد مـــن الاعـــتقادات الاعـــتقاد بـــالـــكائـــن المـــاورائـــي وبــالأعــمال المــتعلّقة بــالأشــياء المــقدســة مــا يــشمل الــجانــب الــتنظيمي فــيكون تــعريــفه جــيداً مــن هذه الناحية.

التعريفات الإسلامية للدين

إنّ الـتعريـفات المتقدّمة كـما لاحـظنا هـي ولـيدة الـجانـب الـغربـي أمـا فـي الـجانـب الإسـلامـي فـقد أشـتهر تـعريـف الـديـن بـأنـه: (وضـع إلـهي لأُولـي الألـباب).

والمقصود من (وضـع إلـهي) بـمعنى اعـتبار مـن قـبل الله ســـــبحانـــــه وتـــــعالـــــى لأولـــــي الألـــــباب، أي لأصـــــحاب الـــــعقول وهـــــذا الـــــوضـــــع الإلـــــهي مـــــتناول لــــلأصــــول والــــفروع. ومــــن المــــمكن مــــلاحــــظة هــــذا الــــتعريــــف أو مــــا يــــقرب مــــنه فــــي كــــتاب تــــفسير الـرازي([2]).

 وعـّرفـــه الـــسيد الـــطباطـــبائـــي فـــي كـــتابـــه - المـــيزان – بعدّة تعاريف منها:

• أن الدين هو: (نـــحو ســـلوك فـــي الـــحياة الـــدنـــيا يـــتضمن صـــلاح الـــديـــن بـــما يـــوافـــق الـــكمال الأُخـــروي) ويـــشير الـــسيد (رحـــمة الله عـــليه) بـنحو السـلوك فـي الـحياة الـدنـيا ...إلـى الـجانـب الـقانـونـي([3]).
• الــــديــــن: (هــــو الــــطريــــقة المســــلوكــــة يــــعني المــــعمول بــــها الــــتي يــــقصد بــــها الــــوصــــول إلــــى الــــسعادة الـحقيقية) ([4]).
• الـديـن: (هـو الـسنة المـعمول بـها فـي الـحياة لـنيل سـعادتـها)([5]).
وكـما نـلاحـظ أن هـذه الـتعريـفات إنّــما تنسجــم مــع تــعريــف الــديــن الإســلامــي، وتنسجــم مــع الــجانــب الــقانــونــي لا أنــه تنسجــم مــع كلا المقوّمين الاعتقاد والجانب القانوني.

وكـــما نـــلاحـــظ أنّ هـــذه الـــتعريـــفات إنّـــما تتحـــدّث عـــن الـــجانـــب الـــقانـــونـــي لا الـــجانـــبين الــــقانــــونــــي والاعــــتقادي مــــعاً، وهــــذا الــــذي ذكــــره الــــسيد الــــطباطــــبائــــي ومــــا اُثــــر فــــي الــــحاضــــرة الإســلامــية مــن تــعريــف الــديــن فــي الــحقيقة جــميعه إمــا أن يــكون نــاظــراً إلــى الــديــن الاســلامــي بالخصوص، وإما أن يكون ناظراً إلى الجانب القانوني.

وعـلى كـل حـال فـإن الـتعريـف الـذي يـنبغي أن يـكون صـحيحاً لـلديـن يـجب أن يـكون مشــتملاً عــلى الــعنصريــن والمــقوّمــين مــعاً، الاعــتقاد بــوجــود الله ســبحانــه وتــعالــى وتــنظيم عــلاقــة الإنسان به عبر قوانين خاصة.

ونــحن إذا أردنــا أن نُــعرّف الــديــن نــطرح هــذا الــتساؤل: هــل تــوجــد هــناك وحــدة بــين جــــميع الأديــــان فــــي هــــذا الــــعالــــم بــــحيث إذا أردنــــا أن نُــــعرّف الــــديــــن فــــسيقع الــــنظر عــــلى تــــلك الـوحـدة المشـتركـة بـينها والـعنوان الـذي يـنطبق عـلى جـميعها، أو أن الأديـان عـبارة عـن مـاهـيّات وحـقائـق مـختلفة؟ هـذا الـسؤال مـصيري فـي الـبحث عـن إمـكانـية تـصور مـفهوم عـام لـلديـن، فـإن كـان الـجواب بـالسـلب وأنـه لا يـمكن أن يـكون هـناك وحـدة جـامـعة لجـميع الأديـان، يـكون الـبحث عـن تـعريـف الـديـن بـلا جـدوى.

ولـكن الـصحيح مـا يـذهـب إلـيه مـعظم الـباحـثين مـمّن تـناولـوا هـذا الـــبحث، ســـواء كـــان مـــن عـــلماء الأنـــثروبـــولـــوجـــيا أو الاجـــتماع، وهـــو أنـــه يـــوجـــد وحـــدة بـــين جـــميع الأديان في العالم وإن اختلفوا في تحديد وتشخيص هذه الوحدة ما هي.

أهـــم الـــنظريـــات الـــتي طـــرحـــت فـــي المـــقام مـــا طـــرحـــه الـــعالـــم (كـــارلـــينج) الـــتي تـــؤكـــد أن مــعرفــة الأصــول الأولــى لــلأديــان والاطــلاع عــلى الاخــتلاف بــينها يــتم عــبر الــعودة إلــى الــنماذج الأولـــــية بـــمعنى أن هـــــناك وحـــــدة بـــــين جـــــميع الأديـــــان، وإذا أردنـــــا أن نـــــعرّف الأصـــــول الأولـــــى لـــلأديـــان والاطـــلاع عـــلى الاخـــتلاف الـــجاري بـــينها فـــعلينا أن نـــعود إلـــى الـــنماذج الأولـــية لهـــذه الأديان، وكأنه يؤمن بوجود قدر مشترك بين هذه الأديان.

ونــحن أيــضاً نــؤكــد أن هــناك وحــدة بــين هــذه الأديــان جــميعاً، أي كــل مــا يــطلق عــليه عــنوان الــديــن فــهناك وحــدة فــي الــحقيقة يشــترك بــها مــع الأديــان الأخــرى، وهــذه الــوحــدة كــما ذكــرنــا هــي الــتي تشــتمل عــلى عــنصر الاعــتقاد بــالــكائــن المــا ورائــي، فــكل ديــن لا يشــتمل عـلى الاعـتقاد بـالـكائـن المـا ورائـي لا يـسمّى ديـناً، وكـذلـك يشـتمل عـلى الـعنصر الـتنظيمي بـين البشــــر وبــــين ذلــــك الــــكائــــن المــــا ورائــــي.

ومــــن المــــمكن تــــعريــــف الــــديــــن بــــأنــــه: (الــــنزوع نــــحو الــــغيب المـــشفوع أو المـــقترن بـــوجـــود عـــلاقـــة بـــينه وبـــين الإنـــسان أو بـــينه وبـــين ذلـــك الـــوجـــود الـــغيبي)، أو يمكن اختيار بعض التعريفات السابقة التي قلنا بأنها تعريفات وجيهة الى حد ما.

هــذا فــي الــحقيقة بــحث مــوجــز ومــختصر فــيما يــرتــبط بــتعريــف الــديــن، وانــتهينا مــن هذا البحث بأن الدين يجب أن ُيعرف بما يشتمل على المقومين اللذين أشرنا إليهما مكرراً.

الـناحـية الـثانـية الـتي نـبحثها فـي هـذه المـحاضـرات هـي: الـبحث عـن مـصادر الـديـن الــتي عــلى أســاســها تــتشكل الأديــان، إذ إنّ الــبحث عــن المــصادر هــو بــحث عــن المــنابــع الــتي يســـتمدّ الـــديـــن مـــنها جـــميع أفـــكاره ومـــواقـــفه، وجـــميع مـــضامـــينه مـــن مســـتويـــاتـــه الـــعليا المـــتمثّلة بــأصــولــه الــعقائــديــة إلــى أدنــى مســتويــاتــه المــرتــبطة بــبعض الآداب الــشخصية والمســتحبّات غــير الـلازمـة، بـل كـل نـظر أو رؤيـة تنسـب إلـى الـديـن لا بـدّ أن يـكون لـها مسـتند مـن داخـل الـديـن وإلّا لــو كــانــت هــناك فــكرة لــم تســتمدّ مــن الــديــن، ولــم تســتند إلــى المــصادر الــتي تــشكّل الــديــن عــلى أساسها ُعّدت هذه الفكرة دخيلة وأجنبية عنه.

وفــــي الــــحقيقة، لــــيس الاعــــتماد عــــلى المــــصادر فــــي ســــبيل الاطــــلاع عــــلى الــــفكر هــــو خـــاصـــة الـــبحث عـــن الأديـــان بـــل أن عـــموم الأيـــدولـــوجـــيات تســـتند إلـــى مـــصادرهـــا الـــخاصـــة فـــي اسـتمداد أفـكارهـا ونـظريـاتـها، فـنحن نـبحث عـن مـصادر الـديـن الإسـلامـي وبـاحـثٌ آخـر يـبحث عـــن مـــصادر الـــديـــن المـــسيحي، وبـــاحـــث ثـــالـــث عـــن مـــصادر الـــبوذيـــة وبـــاحـــث آخـــر عـــن مـــصادر الـــفكرة المـــعيّنة والأيـــدلـــوجـــيا الـــخاصـــة، والمـــذهـــب الـــكذائـــي الإلـــحادي مـــثلاً، ومـــذهـــب الـــربـــوبـــي، وهـكذا، إنّ كـلّ فـكرة وكـل أيـديولـوجـية وكـل اتـجاه وكـل مـذهـب أو ديـن يسـتند إلـى مـصادر يسـتمد جـــميع أفـــكاره ونـــظريـــاتـــه مـــنها، وتـــلك المـــصادر يـــجب أن تـــكون مـــحققة فـــي مـــرحـــلة ســـابـــقة عـــن الأيـــدولـــوجـــيات، فـــمثلاً إن كـــانـــت لـــديـــنا أيـــدولـــوجـــية إلـــحاديـــة لـــديـــها نـــظريـــات أزاء الـــكون وأفـــكار ورؤى أزاء مــوقــفها مــن الإنــسان ومــن الــحياة، ولــديــها مــوقــف مــن الــقوانــين الــعامــة الــتي تــنظّم عــلاقــة الإنــسان بــغيره والــتي تــتمثّل بــرؤيــة قــانــونــية واجــتماعــية أو ســياســية خــاصــة، فــمثل هــذا الاتـجاه مـثلاً يـمتلك مـنظومـة فـكريـة سـواء كـانـت مـنظومـة اعـتقاديـة أو قـانـونـية، وإن جـميع هـذه الأفـكار الـتي تـكون مـتبنّيات فـي تـلك الأيـديولـوجـية يـتوجـب أن تـفرز وتسـتمد مـن مـصادر مـحققة قـــبلياً، مـــع اســـتبعاد مـــصادر أخـــرى قـــد تـــكون مـــعتمدة فـــي أيـــديـــولـــوجـــيات أخـــرى، وقـــد يـــكون مـــصدر مـــعتمد عـــند شـــخص فـــي المـــنظومـــة الـــديـــنية الإســـلامـــية هـــو غـــير مـــعتمد فـــي مـــنظومـــة أخرى.

إذن كــــيف نــــعرف أن هــــذه المــــصادر المــــعتمدة فــــي هــــذه المــــنظومــــة أو تــــلك، لا بــــدَّ أن تـحقق وتـنقح بـمرتـبة أسـبق؟ فـعلى سـبيل المـثال قـد تـعتمد بـعض الأيـديولـوجـيات الإلـحاديـة مـعرفـياً عـلى المـصدر الـحسي، وعـلى المسـتوى المـنطقي مـثلاً عـلى المـنهج الاسـتقرائـي، وعـلى المسـتوى الـــقانـــونـــي والـــرؤى المـــتعلقة بـــالإنـــسان عـــلى الـــخبرة والتجـــربـــة الـــخارجـــية، فـــالتجـــربـــة هـــي الـــتي تــمدّهــم فــي الــحقيقة بــالــنظريــة، وتــمدّهــم بــالــفكرة وتــمدّهــم بــالمــبادئ المــعتمدة وهــكذا، ولــكن إذا كـــانـــت هـــذه الـــرؤيـــة عـــلمانـــية مـــثلاً أو غـــير ديـــنية هـــل تـــعتمد عـــلى الـــكتب الـــديـــنية المـــقدســـة؟

مـــن الــطبيعي أنّ افــتراض كــون الأيــديولــوجــية إلــحاديــة أو عــلمانــية أو أنــها غــير ديــنية، افــتراض مــانــع مــــن الاعــــتماد عــــلى أي نــــصّ ديــــني مــــنسوب إلــــى الــــغيب، بــــل إنــــهم يــــعتمدون عــــلى الــــتجارب، والاســـتقراء، والـــواقـــع الـــذي يـــعيشونـــه، وعـــلى المـــنافـــع الـــتي يـــمكن أن يـــحصلوا عـــليها، فـــهنالـــك مــــــبادئ ومــــــصادر يــــــعتمدون عــــــليها وتــــــكون هــــــي المــــــدد لــــــتشكّل الــــــنظريــــــات والــــــرؤى والأفــــــكار والــــقوانــــين والمــــواقــــف والاعــــتقادات، وأن الاعــــتماد عــــلى مــــصادر دون مــــصادر أخــــرى لا بــــدَّ مــــن الـتحقيق فـيه فـي مـرحـلة سـابـقة عـلى تـشكل المـنظومـات الـفكريـة والأيـديولـوجـية، هـذا بـشكل عـام.

أمـا إذا جـئنا إلـى المـصادر المـعتمدة فـي تـشكل الأديـان الـذي هـو بـحثنا فـي الـحقيقة وتـساءلـنا عــــن مــــصادر الــــديــــن، مــــاهــــي؟ ســــوف لا نجــــدهــــا مــــصادر محــــددة عــــند جــــميع الأديــــان، بــــل إن المـصادر المـعتمدة قـد تـكون فـي ديـن مـختلفة عـن المـصادر المـوجـودة فـي ديـن آخـر، فـفي الـديـن الاســلامــي هــناك مــصادر مــن المــمكن أن تــعتمد فــيه، هــي غــيرهــا المــعتمدة فــي أديــان أخــرى.

نــعم هــناك مــصدر مشــترك بــين جــميع الأديــان يــمكن أن يــعد مــصدراً مــطرداً فــي جــميعها وهــو (المصدر الغيبي) الذي قد يتمثّل بالإله أو بغيره من الموجودات الماورائية.

إنّ جــميع الاديــان تســتلهم جــزءاً مــهماً مــن مــنظومــاتــها مــن الــعالــم المــاورائــي ســواء كـان هـذا الاسـتمداد مـن تـلك الأديـان اسـتمداداً حـقاً وصـحيحاً، كـما الـديـن الاسـلامـي بحسـب مــــا نــــعتقد أو لــــم يــــكن صــــحيحاً كــــما فــــي الأديــــان المــــخترعــــة أو المحــــرفــــة، فــــإنّ جــــميع الأديــــان بحســــب مــــدّعــــايــــاتــــها تــــدعــــي أن مــــن مــــصادرهــــا هــــو المــــصدر الــــغيبي المــــاورائــــي، ولــــكن هــــناك مـــصادر خـــاصـــة فـــيما عـــدا هـــذا المـــصدر المشـــترك يتحـــدد تـــبعاً لـــخصوصـــية الـــديـــن.

ونـــحن فـــي الـحقيقة سـوف لا نسـتغرق فـي بـحث مـصادر الأديـان واسـتيعاب الـبحث مـثلاً عـن المـصادر فـي المــسيحية والــيهود والــبوذيــة والــكونــفوشــيوســية والــوثــنية وغــيرهــا، بــل نــعتمد عــلى المــصادر الــتي عــلى أســاســها يــتشكّل الــديــن الإســلامــي، فــما هــي المــصادر الــتي يــعتمدهــا الــديــن الاســلامــي فــــي تــــشكيل مــــنظومــــته ســــواء كــــانــــت عــــلى المســــتوى الــــعقائــــدي الــــفكري أو ســــواء كــــانــــت عــــلى المسـتوى الـقانـونـي الـفقهي الإلـزامـي أو سـواء كـانـت عـلى المسـتوى الـقيمي والأخـلاقـي؟

بـعبارة مـــختصرة: كـــل فـــكرة تنســـب إلـــى هـــذا الـــديـــن الإســـلامـــي لا بـــدَّ أن يـــكون لـــها مـــرجـــعية ومـــصادر محـدّدة مـا لـم تـرجـع إلـى هـذه المـصادر لا يـمكن أن تكتسـب هـذه الـفكرة طـابـع الـديـنية أو طـابـع الإسلامية.

-------------------------------

([1]) إنّ كـثيراً مـن هـذه الـتعريـفات نـنقلها عـن كـتاب (الـديـن) لـلدكـتور عـبد الله الـدراز، فـــمن شـــاء فـــليراجـــع هـــذا الـــكتاب تـــقريـــباً مـــن صـــفحة ٢٨ ومـــا بـــعدهـــا، حـــيث يـــتطرّق إلـــى أكـــثر هـذه الـتعريـفات.
[2]ظ:  الجـزء ٢٩ صـفحة ٣١٥، وكـذلـك ظ: تـفسير غـريـب الـقرآن صـفحة ٥٤٠ لـلشيخ فخـر الـديـن
الطريحي وغير ذلك الكثير.
[3]ظ:  وهـذا الـتعريـف ذكـره )رحـمة الله عــــليه( فــــي المــــيزان صــــفحه ١٣٢.
[4]ظ: المــــيزان: 7/١٩٢.  
[5] المــــيزان: 10/131.  
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف