البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 2 / 2021  |  1608المخطوطة العربيّة وورقُها

جونفييف هومبرت المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية ربيع 2021 م / 1442 هـ
المخطوطة العربيّة وورقُها

المُلخَّص:

تدور هذه الترجمة حول «المخطوطةُ العربيّةُ وورقُها» كَتبت سُطورَه المستشرقةُ الفرنسيّةُ «جونفييف هومبرت» (Geneviève Humbert). ويستشفّ القارئ لهذه الترجمة القيمة المعرفيّة للمخطوطات الإسلاميّة، وذلك بتوفير جملة من المعلومات الدقيقة عن «الورق العربي» و«علم المخطوطات» استنادًا إلى اعتبارات تاريخيّة وفنيّة.

وإنَّ جعل الورق مادّة للبحث والدراسة أمر مُهمّ جدًّا لمسوّغات عدّة، من أهمّها أنَّ الورق عنصر مهمٌّ في تأريخِ وتوطين المخطوطات العربيّة، وفي المقابل فالمخطوطات العربيّة مهمّة لتاريخ الورق، لأنَّها نُسختْ على العديد من أنواع الورق التي وَرَدَتْ من أماكن تصنيعٍ مختلفة للغاية: الأوراق الصينيّة والصغديانيّة، وأوراقٌ صُنعتْ في خراسان عمومًا، وفي بغدادَ وسورية العظمى، اليمن، مصرَ، المغرب وآسيا الوسطى والهند وأندونيسيا...، وقد يكون من الضروريّ التمييزُ بين أوراق المكتبات أيضًا، والتي تمَّت دراستُها حاليًا على نحوٍ أفضلَ من تلك المخصّصةِ للإداراتِ المركزيّةِ ومكاتب الدواوين الكبرى، والمُوزّعة ربّما تحت المراقبة، والتي قد يكون لها مصانعُ خاصّةٌ بها.

المحرِّر


مُقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّد الخلق أجمعين وخير الورى سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،

تدور هذه الترجمة حول «المخطوطةُ العربيةُ وورقُها» كَتبتْ سُطورَه المستشرقةُ والأكاديميّةُ الفرنسيّةُ المهتمّةُ بالدراسات اللّغويّة والنحويّة بالمركز الجامعي للبحث العلمي بباريس،»جونفييف هومبرت» (Geneviève Humbert).

ولعلّ القارئ لهذه الترجمة بمُكنته أن يستشفَّ بين ثناياها القيمة المعرفيّة للمخطوطات الإسلاميّة، وذلك بتوفير جملة من المعلومات الدقيقة عن  «الورق العربي» و «علم المخطوطات»، استنادًا إلى اعتبارات تاريخيّة وفنيّة، باعتباره اليوم علمًا قائمًا بذاته، يصل ماضي الأمّة بحاضرها، وذلك بالنظر إلى عدد المخطوطات العربيّة المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها، المتضمّنة بين طيّاتها علومًا ومعارف تكشف عن تراث الشرق وازدهاره إبّان تلك الفترة من التاريخ، وذلك بفضل ثلّة من جهابذة المحقّقين العرب والمسلمين، الذين أظهروا مدى عظمة الحضارة الإسلاميّة وإشعاعها في شتّى المجالات والميادين .

وعليه، إنّ جعل الورق مادّة للبحث والدراسة أمرٌ مُهمّ جدًّا لمسوّغات عدّة، أوّلها الدور المحوري للورق في المنظومة الاقتصاديّة، فقد عرفت هذه المادّة منافسة تجاريّة شرسة بين مختلف دول العالم، والتي حاولت بسط سيطرتها وفرض شروطها عليها، وثانيها فتح الباب أمام نشر النصوص باللغة العربيّة وإعطاء دفعة نوعيّة للتطوّر الثقافي للحضارة الإسلاميّة في ذلك الوقت، مما طوّر المجتمع الإسلامي على جميع الأصعدة والمستويات، وجدير بالذكر هنا أنّ تداول الورق عند العرب بدأ منذ القرن العاشر ميلادي.

 اختلفت أنواع الورق المستعمل في الكتابات العربيّة بين «المنصوري» و البغدادي» و «الدمشقي»...، وهذا التنوّع دليل قاطع على التطوّر الذي وصل إليه العرب آنذاك، وقد حاولت المستشرقة الفرنسيّة تسليط الضوء على كلّ نوع على حدة، بالإضافة إلى القيام بمقارنات مع ورق دول أخرى ممن عاصروا العرب ونافسوهم في هذا المجال سواء من آسيا أو أوروبا، وذلك من خلال مخطوطات عربيّة موجودة في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، ومن المهمّ هنا الإشارة إلى أنّ تحديد نوع الورق يبقى في غاية الأهميّة بالنسبة للتأريخ للمخطوطات، وكذا التعرّف على المواد المستعملة في الكتابة وغيرها من المعلومات القيّمة التي رصدتها مستشرقتنا بدقّة، والتي من شأنها تقريب القارئ العربي من هذه المباحث بشكل مباشر ومبسّط، سواء أكان متخصّصًا أم باحثًا في علم التحقيق والمخطوطات، مما قد يُحفّز مجموعة من المحقّقين المثابرين لنفض الغبار عن مخطوطات عربيّة غميسة مازالت حبيسة الرفوف، تنتظر مُحقّقها.

أمّا سبب اختياري لترجمة هذا المقال، فلم يكن بمحض المصادفة ولا من اختياري، وإنما الفضل والمنّة يَعودان إلى أستاذي وشيخي العلّامة الدكتور سيدي «محمّد مفتاح» رحمه الله وأكرم مثواه، فقد كان آخر مقال طلب منّي ترجمته -قيد  حياته- لما وَجد فيه من الجدّة والإفادة، ولنظرته الثاقبة في اختيار النصوص التي كانت بعد ترجمتها دائمًا وأبدًا تجد صدى طيّبًا واستحسانًا عند المتلقّي العربي عامّة والمغربي خاصّة، وبالتالي فإنّ هذه الترجمة تأتي مع لوعة الفقد والأسى وحنين الاشتياق إلى الأب والأستاذ، فإلى روحه الطاهرة أهدي هذه الترجمة، وأستحضر هنا بيتين لأبي القاسم البلوي الإشبيلي، حين قال:

لقد كان روض الأنس لي بك ناضِرًا            فمالي أراه بعدكم غـــير نــاضر

وكان زَمانـي قد وَفَى لــِي بِوَجهِكُم              فيا قُرْبَ مَا أَضحَى زَمانِي غَادِرِي 

وأخيرًا أسأل كلّ قارئ لهذه الترجمة الدعاء له بالرحمة والمغفرة، آملًا أن أكون بترجمتي هذه، وُفّقت في تقديم إضافة نوعيّة للمتلقّي العربي المهتمّ بميدان التحقيق والمخطوطات، وجرد معلومات كانت غائبة عنه، وشحذ الهمم لإحياء العلوم القديمة، وتحقيق المزيد من النصوص العربيّة المهمّة في مختلف المجالات، ممّا يزيدنا فخرًا واعتزازًا بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

تصميم

ـ الصينُ وسمرقند: مسألةُ الأصول.

ـ ورقُ خراسان.

ـ العربُ وورقُهم: بدايات الورق العربيّ.

ـ التعرُّف على الورق العربيّ: الشرق والغرب.

ـ نهايةُ الورقِ العربيّ وبدائلُه.

ـ ورق الدّيوان في القرنِ الخامس عشر الميلاديّ.

ـ المفرداتُ وحجمُ الأشكال.

ـ الورقُ المصريّ.

ـ ورقُ المراسلاتِ الديوانيةِّ والفرديّة.

ـ ورقُ المكتبة. 

يَروي «ابنُ النديم» في كتابه «الفهرست» كيف التقى في مدينةٍ عراقيّةٍ تسمَّى «حديثة»[2] بمحبٍّ للكتبِ يملكُ أغنى مكتبةٍ شاهدها على الإطلاق. وقد نشأتْ بينه وبين هذا الرجل صداقةٌ بشكلٍ تدريجيّ. وذاتَ يومٍ، بعدما تغلَّب على توجّساتِ الرغباتِ الدفينة التي قد تُثيرها مجموعاتُ كتبه، انتهى به الأمر إلى فتح صندوقٍ كبيرٍ من الكتب أمامه يحتوي على كنوز. يمكن للمرءِ أن يكتشفَ هنا، كما يذكر «ابن النديم»، علاوةً على عدَّةِ أنواعٍ من الجلودِ قديمةِ الصناعة، «ورقَ البردي من مصر، ورقًا صينيّاً، ورقًا من تِهامة[3]... وورقًا من خراسان» (1964:40).

ويبدو أنَّ «ابن النديم»، بسبب مهنته كورّاقٍ يبيعُ الكتب، عارفٌ بموادِّ الأوعيةِ الحاملةِ للكتابة القديمة ولا سيّما الورق، وتُعدُّ شهادته قيّمة جدًّا لكونها تعودُ إلى القرنِ العاشر[4]. ويُشير دائمـًا، فيما يتعلّق بالمضامين الرائعة الموجودة في صندوق الكتب، إلى أنَّه قد تمَّ نسخ نصٍّ يُعدُّ مؤلّفُه من أقدمِ النحويين العرب[5]، -مصحوبًا بشهادةِ توقيعٍ من «يحيى يغمور» (في سنة 746)- على :»أربع ورقات، أعتقد أنَّ الأمرَ يتعلّقُ بورقٍ صينيّ».

أخيرًا، وبعد التطوّرِ الذي عرفتْه الكتابات (1964: 21)، يقابل النسّاخ ورق الصين «المصنوع من الحشائش» (أي العشب، رّبما القُنَّب) بورقِ خراسانَ «المصنوع من القطّان». وسوف نرى أنَّه يَعرِفُ اسمَ ستّةِ أنواعٍ مختلفةٍ من الورق المصنوعة في خراسان، وأنَّه ربما يعرفُ حتّى كيف يُميّزها.

وهكذا، فإنَّ «ابنَ النديم» لم يكتفِ بالإشارة في «الفهرست» إلى عناوين ومؤلّفي الكتبِ العربيّةِ الذين يعتبرهم الأكثرَ حضورًا. بل يَذكر أيضًا أساليبَ الكتابة، ويهتمُّ بأنواعِ الخطوط، ويأخذُ بعينِ الاعتبارِ، للحكمِ على نُدرة الكتب وقِدمها، طبيعةَ الموادِّ التي تُنسخُ عليها. كما أنَّه يَعرف كيف يُقيّم (ما الذي يُعطي قيمة) الكتب من خلال محتواها، واليد التي حملت القلم، والمـــوادَّ التي صُنعتْ منها في تاريخ المكتبـــة العربيــّـة، ولذلك فهو يُعتبرُ أوَّلَ عالِمٍ في المخطوطـــات. ويَستحقُّ أنْ نعترفَ باهتمامه بالورق، ويمكننا اليومَ مُحاولةُ قياسِ الفرق بين معارفنا ومعارفهم.

دراسةَ الورق مهمَّـــة من عِدَّة وجهاتِ نظر، مثل النظر إليه كمُنتَج مُصنَّع من العصور الوسطى، إذ لَعِب الورقُ دورًا اقتصاديًّا مُهمًّا للغاية وكان موضوعًا للمنافسة التجاريّة الشديدة. وقد شكَّل مادَّة الكتــابة الأكـثرَ استخدامًا في الكتبِ العربيــّـةِ منذ القرن العاشــر؛ ممَّــا سـهَّل نشـــرَ النصوصِ باللّغــةِ العربيـّـة، وســاهمَ في التطوّرِ الثقافيّ للحضارةِ الإسلاميّةِ في ذلك الوقت.

بالنسبةِ لتاريخِ المخطوطةِ العربيّة، يُعـدُّ تحديدُ نوعِ أو أنواعِ الورق الذي استُعمِل كمادّة أمرًا مهمًّا، إذ يُعتبر أحّدَ الوسائلِ الأكثرِ شيوعًا في التأريخ والتوطين [أي معرفة أصل الورق وموطنه]، مقارنةً مع كتاباتٍ أخرى مؤرّخةٍ ومحدّدة. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ المخطوطةَ العربيّةَ مهمَّة لمعرفة تاريخ الورق، لأنَّها نُسِخَتْ في عددٍ كبيرٍ من مناطق العالم على أنواعٍ مختلفةٍ من الورق، وذلك من القرن الثامن وحتّى يومِنا هذا أو ما يقارب ذلك، لكونِ نسخِ كتب اللّغة العربيّة باليد بقيَ ساريَ المفعولِ على الأقلّ حتّى منتصفِ القرنِ العشرين في مناطقَ معيّنة، إذ تمَّ ذلك على ورق مصنوع بطريقة تقليديّة.

في دراساتٍ حول موادّ كتبِ العصورِ الوسطى، يحتلُّ الورق العربيّ مكانًا مُذهلًا. إذ خصّص اثنان من العلماء البارزين، «جوزيف فون كاراباسك» (J. vonKarabacek) سنة 1887 و «شــــارل موازي بريكي» (Ch.M. Briquet) ســـنة 1888، خصَّص كلُّ واحـــــدٍ منهما، وبدون تردّد، دراسة لـ «الورق العربي»، والذي صار من الصعب إيجـــاده لاحقًا.

وفي كتاب «د. هنتر» (D. Hunter)، على سبيلِ المثال، الذي نُشر لأوَّل مرَّة سنة 1943، وأُعيد نشره عِدَّةَ مرّات منــذ ذلك الحين، والذي يتضمَّن ما يزيد عن 600 صفحـة في طبعـة عام 1991، وحمـل عنوان «صناعة الورق، تاريخ وتقنيــّة حرفة قديمة» (Papermaking, the history and technique of an ancient craft)، إذ أشار إلى العرب مرَّة واحدة (1991 140)، ولكن دون ذكرٍ لـلورقِ العربيّ في أيّ مكان.

خاصّة عندما يتعلّقُ الأمرُ بـ «شاطبة» (Jلtiva) (التي سنلتقي بها لاحقًا)، فإنّ الورق الذي أُنتِج هناك لم يتمّ ربطه بالعرب (153 1991). إذ أطلق عليه الغربيّون «الورق الشرقيّ» (بينما كما سنرى ذلك، فإنَّه من المفيد التمييز بين الورق العربيّ الشرقي والورق العربيّ الغربيّ) أو حتّى «الورق بدون علامة مائيّة» (papier (non filigrané، يضيع الورقُ العربيُّ بين عِدَّةِ فئاتٍ غيرِ مناسبة وعريضة للغاية، أو فئاتٍ متمركزةٍ وسطَ أوروبا؛ ممَّا يتحصَّل منه ألَّا يكونَ هناك ورقٌ عربيّ!.

تطرح دراسةُ هذا الورقِ في الحقيقة صعوبات، فقد تَوقّف تصنيعه لمدَّة أربعة إلى خمسة قرون، أي منذ استبدالِه بأوراقٍ أخرى في البلدان العربيّة. لذلك لم يَعُدْ هناك أيُّ آثار لتصنيعه، حتّى وإن وجدنا في البلدانِ المجاورة أوراقًا مصنوعة وِفقًا لتقنيّاتٍ متقاربةٍ بدون شكّ. ونظرًا لاستحالةِ الاعتمادِ على الملاحظةِ المباشرة، ينضافُ أمرٌ آخر، وهو كون هذه الصناعة لم تُفْضِ بعدُ إلى ظهور الكتابة أو الخطّ الإيقوني (l’iconographie) التي يُمكن إيجادُها على الورق الصينيّ مثلًا، أو على الورق الفارسيّ والمرتبط بها بشكل مؤكَّد ولكنَّه مُختلف.

ومع ذلك، سأختارُ التحدُّثَ عن «الورق العربيّ»، حتّى وإن لم يكن من السهلِ إعطاؤه تعريفًا، لأنَّ الورق المصنوع في «سمرقند»، مدينــةِ اللّغةِ والثقافةِ الفارسيّة، يُمكنُ اعتباره فارسيًّا، هذا في حين أنَّ دولًا عربيّة معيّنة، مثل اليمن وحتّى العراق، كانت في أوقات متفرّقة مُدرجةً في منطقةِ نفوذِ بلادِ فارس. هل يجب التحدُّثُ في بعض الأحيان عن الأوراق العربيّة الفارسيّة؟ متى وفي أيّة مناطقَ يُمكننا أن نقدِّر أنَّ الأوراقِ العربيّةِ والفارسيّةِ تختلفُ في تقنيّةِ التصنيع؟ لا تزال هذه الأسئلةُ دونَ إجابةٍ في الوقت الحالي. سآخذ هنا المبادرةَ لأدعوَ بـ «العربيــّة»، الورقَ الذي صُنع، وذلك ربّما منذ نهاية القرن الثامن، في عاصمة الخلافة «بغداد»، وكذلك في العديد من البلدانِ الأخرى التي هي جزءٌ من العالمِ العربيّ الحالي، والتي يجب أن نُضيف إليها «الأندلس»، التي استخدمها سكّان هذه البلدان والسكّان المجـــاورون[6] لمدَّة ســـــبعة إلى ثمانيــــــة قرون. وهي أقلُّ شــــهرةً بكثير من الورق الصينيّ ومن الورق الذي ســـأطلق عليـه اســم «إيطـــاليّ» أي أوراق ذات «العلامة المائيّة» (à filigranes) المُصنَّعة منذُ نهايةِ القرنِ الثالثَ عشرَ في إيطاليا أوّلًا، ثمَّ في العديدِ من بلدان أوروبا الغربيّة. 

كما أودُّ في الصفحاتِ التاليةِ إعادةَ تسطير الخطوط العريضة لتاريخ الكتاب العربي وورقه، منذ القرن الثامن وحتّى أيّامنا هذه أو ما يقارب ذلك، مع تفضيل الورق العربي. وسأتحدَّثُ عن الأصولِ أوّلًا، ثمَّ عن تطوّرِ الورقِ في العالمِ العربيّ، وغزو الأوراق «الإيطاليّة» ورُدود فعل حرفيّي الكتاب العربي ضدَّ هذا الغزو. على الرَّغم من أنَّ موضوع هذه الدراسة هو الكتاب المخطوط باليد، إلّا أنَّه من المستحيل حذفُ عالم الديوان، الذي مكّننا من الولوج بشكل خاصّ إلى القرنِ الخامسَ عشرَ، والذي سأهتمُّ بدراسته بصفة خاصَّة؛ لإبراز ما تبقّى استكشافه.

الصينُ وسمرقند: مسألةُ الأصول

كما نعلمُ، ظهر الورق في الصين، حيث بدأ استخدامه كمادَّة للكتابة لمدَّة ستّة قرون على الأقلّ قبل بدء صنعه في منطقة يُسيطر عليها العرب. وفي الواقع، وحسب نوع من الروايات حول الأصول، في سنة 751، في «الأطلـــخ»، وهي ليست بالبعيدة عن سمرقند -والتي كانت تخضع منذ  سنة 712 للسلطةِ الدائمةِ لحاكمٍ عَيَّنَهُ الخليفة-، هزمتْ القوّات المسلمة جيشًا قام بتجنيدِ عددٍ كبيرٍ من الجنود الصينيّين. ومن بين آلاف السجناء الصينيّين الذين تمَّ نقلهم إلى سمرقند بعد القتال، قيل إنَّ بعضهم أدخل صناعة الورق.

إنَّ هذه الرواية جديرةٌ بإخفاءِ حقيقةِ أنَّ الورق كان معروفًا قبل هذا التاريخ بوقت طويــل كمُنتَج مُسـتورد. ووِفقــًا لـ «دروين» (Drouin) (1895/ 283) فإنّ «كسـرى الأوَّل» (501-579م) معروف أيضًا باسم أنوشيروان العادل (Chosroès I) استخدم بعضًا منه، وذلك حوالي سنة 555 في رسالة ملكيّة ردًّا على رسالة باللّغة الصينيّة (مكتوبة على الحرير) التي أرسلها له خاقان الأتراك. لكنَّ «دروين» (Drouin) يُضيف أنَّ الورق كان مُنتجًا نادرًا جدًّا ومخصّصًا للكتابات الملكيّة.كما عَرف العرب واستخدموا الورق قبل معركة «الأطلخ» (d’al-Aṭlakh)..، كما أنَّنا نعلم بالفعل، وبفضل «ف. جروني» (F.Grenet) نقلًا عن «ج. إيريجوين» (J.Irigoin) (1993- 268، رقم 11)، أنَّ مكاتب الدواوين العربيّة في «سمرقند» قد استخدمته ثلاثين عامًا تقريبًا قبل 751. هذا ما توصَّل إليه تحليلُ مجموعةٍ من المحفوظاتِ الملكيّة التي دُفنت سنة 722 في قلعة جبليّة تقع على بعد 130 كم شمال شرق سمرقند. وقد أُعيدَ اكتشافُها في سنة 1933، ونُشرت هذه الوثائق في موسكو بعد ثلاثين عاماً. من أصل 76 وثيقة، تمَّ كتابة 22 وثيقة على ورقِ استيرادٍ صينيّ، ومن بينها رسالة مكتوبةٌ باللّغة الصُدغانيّة قادمة من أحّدِ مساعدي حاكمٍ عربي.

لم يقتصرْ توزيع الورق المستورد من الصين على آسيا الوسطى وبلاد فارس. إذ أنَّ قصـةً، نقلهـا «الجـاحظ»[7] في كتاب «البيـان» (373- 1940)، تُشـير إلى أنَّ الورق وصل إلى داخل شبه الجزيرة العربيّة بالفعل من قبل، في الثلث الأول من القرن السابع. ووِفقـًا لهذه الرواية، فقد قام النبي الكذَّاب «مُسيلمة» المتوفّى سنة 632، رغبةً منه في جعل الناس يَعتقدون في الوحي، بصُنعِ طائرة ورقيّة «بالورق الصينيّ (ورق السينت) والكاغد» وأطلقها في السماء ليلاً، حتّى لا يَرى المشاهدون الخيط الذي يربطها بالأرض. و «الكاغــد» (الذي استخرج العرب اسمه من اللّغة الإيرانيّة القديمة تُدعى الصُغديانيّة (Sogdiane)، واستعملوه في (المصادر القديمة) يَظهر هنا مثل نوع ثانٍ من ورقٍ مستورد.

وقد استُعملتْ الأوراق المستوردة المعروفة بالفعل خلال القرنِ السابعِ من قِبل سكّان الشرق الأدنى، كمادَّةٍ للكتابة لأعمال حكَّامِ خراسانَ ولنسخ الكتب العربيّة في القرن الموالي، وهي مُنتجاتٌ مألوفةٌ أكثر ممَّا كان يُعتقـــد، وبعضها كان مرتبطاً سابقًا بالصغديانيّة، وتُعزى أسبابُ ذلك ربَّما إلى زيادة الطلب وكذلك الوصول العرضيّ للسجناء الصينيين إلى سمرقند، كما حدث تحوُّلٌ من الاستخدام إلى الصناعة[8] في هذه المدينة. وليس من المعروف كم من الوقت استمرَّ استعمال الورق الصينيّ، بعد أن بدأت صناعة الورق في سمرقند.

 إلّا أنَّه يبدو أنَّ «ابن النديم» (21- 1964) على أيّة حال قد حافظ خلال القرن العاشر على ذكرى الفترة التي استمرَّ فيها الورق في ضمانِ دخلٍ مهمٍّ للصين. وفيما يخصُّ ورق «خراسان»، فإنَّنا نتوفّر على معلوماتٍ أكثرَ دقّة بكثير من تلك المذكورة للتوّ.

«أوراق خراسان»

إنَّ معظم ما نعرفُه عن الورقِ المصنوعِ في «سمرقند» ورد مرَّة أخرى عن «ابنِ النديم» (21 -1964)، وحسب ما ذكره فإنَّ «ورقَ خراسانَ» صُنعَ من طرف حرفيين صينيين حسب النموذج للورق الصينيّ (على شاكلة الورق الصيني).

يَعرف «ابنُ النديم» أسماءَ ستَّة أنواع مختلفة من «أوراقِ خراسانَ»، بحيث أنَّ أسماءها عربيّةٌ بجلاء. النَّوع الأوَّل هو «الفرعونيّ»، وهذه التسمية يبدو أنَّها تربط علاقة بين البردي والورق، وهذا يُمكن تفسيره بحقيقة أنَّ ورق «سمرقند» أراد أن يُنافس «البردي» في الجودة أو ربَّمــــا لأنَّه سُوِّق مثلــه على شــكل لفافـــات. إنَّ اقتباس «الثعالبي»[9] (97- 1867) لكلمات «الجاحظ»، والذي يَرى أنَّ «البرديّات المصريّة بالنسبة للغرب مثل ما هي الأوراق بالنسبة لسمرقند في الشرق»، لها صدى مميّز.

وتَشترك الأوراقُ الخمسُ الأخرى لـ «ابنِ النديم» في نقطــةٍ موحّــدةٍ، وهي أنَّها تحملُ اسـمًا يربطها باسم شخصيّات كانتْ لها سُلطــات مهمّـــة في «خراسـان». بالنسـبة لـ»كاراباسك» (Karabacek) (30- 1991)، فإنَّ الورق «السليمانيّ» يُسمَّى بذلك نسبة إلى «سليمان بن رشيد»، خازن بيتِ مالِ خراسانَ في ظلِّ خلافـة «هارون الرشيد» (786-809). كما حمل الورق «الجعفريّ» اسمًا مشتقًّا من اسم وزيرٍ برمكيٍّ لهارون الرشيد وهو «جعفر بن يحيى بن خالد البرمكيّ» (توفّي سنة 803)، شقيق حاكم خراسان وحاكم المنطقة نفسها لبضعة أيّام. والورق «الطلحيّ» سُمّي على اسم «طلحةَ بنِ طاهر» من عائلةِ الطاهرين القويّة، الذي كان الحاكمَ العسكريَّ الثاني لخراسان من سنة 822 إلى 828.

أمَّا الورق «الطاهريّ» فهو ورق ربّما يُشير إلى «الطاهر الثاني بن عبد الله»، الذي كان حاكمًا عسكريًّا لخراسانَ في الفترة الممتدّة من 844 إلى 862 (وهو طاهريٌّ أيضًا)، وأخيرًا «النُّوحِي» أخذ اسمه من «نوحِ بنِ نصر»، وهو رئيس السامانيين في خراسانَ من سنة 942 إلى 954. غيرَ أنَّ قائمة الأسماء هذه تتطلّبُ تعليقاتٍ عدّة.

إنَّ مسألةَ الإشارةِ المتكرّرة إلى أسماء الشخصيّات التي كانت لها مسؤوليّات سياسيّة في «خراسان» يستدعي إنتاجاً تحت المراقبة، وهو نوع من احتكار الدولة. يستطيعُ المرءُ أنْ يتساءلَ عمَّا إذا كانتْ هذه الأوراقُ تحملُ علامةً تجعلُ من الممكن التعرُّف عليها، ويُمكن أن نُذَكِّرَ هنا بالممارسة التي كانتْ تعتمد في مصر على تسجيل اسم المسؤول الماليّ لمكان التصنيع على ورقة تُلصق في الجزء الخلفيّ من الورقة الأولى من لفائف البردي.

كما يُمكننا بعد ذلك أنْ نسألَ أنفسنا السؤال، عمَّا إذا كان اسم هذه الأوراق بقي بعد مغادرة الشخصيّة السامية الذي أعطاها اسمه. نستطيعُ صياغة هذا السؤال بشكل مختلف، هل يُمكن تمييز بعض هذه الأوراق حسب خاصيّة تقنيّةِ تصنيعها، وهل تواصل تصنيع أوراق بهذه الجودة بعد ذلك، بغضّ النظر عمّا بَرَّرَ اسمها في الأصل؟!.

هذا يقـودُنا إلى السؤال: إلى متى اســتخدم العربُ ورقَ خراســــانَ؟ إذ نعلم أنَّ «سمرقنـــد» واصلتْ صنعَ الورق، وأنَّ الحرفيين في المدينة لم يُخفوا رغبتهم بالاستمرار في تصديره. فبالنسبة للخراسانيّ «الثعالبي» (المتوفّى سنة 1038)، فقد صُنع الورق في وقته في الصين وسمرقند فقط (126- 1867).

وتُشير مصادرُ أخرى إلى أنَّ هذه الأوراق القديمة بقيتْ محلَّ تقديـرٍ من قِبل شخصيـــّاتٍ رفيعــــةِ المســتوى حتّى القــرنِ الحادي عشر، فهذا «الجاحظ» يُوبّخ الوزير «محمّد بن عبد الملك الزيّات» (المتوفّى سنة 847) لأنَّه شجّعه على استخدام الرّق بدلًا من «الورق الصيني» أو ورق خراسان «الكاغط» أبوت (Abbott، 149 -1972). وقد قام «ابن مُقلة» (المتوفّى  سنة 940)  بنقلِ نسخةٍ رائعةٍ من القرآن الكريم على الأوراق الصينيّة والخراسانيّة، وعندما أراد ابن البوَّاب (المتوفّى سنة 1010) استعادتها، وجــد في مكتبة الحاكم «بويه بهاء الدولة» عدَّة أنواع (مخزون) من الورقِ القديمِ من سمرقندَ والصينِ (ياقوت الحمـــوي، 1927 ج. الخــامس، 7-446). وقــد لاحـــــظ الرَّحــالة الفارســـيّ «ناصر خسرو» (1881- 41) أثنـــــاء مروره من طرابلس سنة 1045 أو 1046 أنَّــه «يُصنع هناك ورقٌ جيّدٌ على غرارِ ورقِ سمرقند، ولكنْ بجودةٍ أفضلَ»، ممَّا يدلُّ على أنَّ هذا الأخير كان لا يزال مرجعًا.

وإذا تتبّعنا «ابنَ النديم» الذي يرى بأنَّ ورق سمرقند صُنع على الأقلِّ في البداية باستخدام تقنيّةٍ مشابهةٍ أو قريبــــةٍ جدًّا من التقنيّةِ الصينيّة، يُمكننــا محاولةُ تكوينِ فكرةٍ عن الورق الذي يُمكن أن يكون قد صُنـع في «سمرقند»، وذلك من خلالِ ملاحظةِ الأوراقِ الصينيّة المعاصرة لتلك الفترة. نحنُ نعلمُ أنَّه لصنعِ الورق، في الصين كما في «سمرقند»، لا بدَّ من التوفّرِ على لباب و «نموذج». إذ يتمُّ وضع اللباب على النموذج، وهو نوع من الغربال الذي يسمح بتدفّق المياه الزائدة ويعمل كقالب للورقة. وفي تقنيّة الغَرف الأكثر شيوعاً، يُنسج «قماش» النموذج مع الخيوط اللُحمة (باتّجاه الطول) وخيوط السَّدَاة في الاتّجاه الآخر. تكون خيوط السَّداة متباعدة كثيرًا بالمقارنة مع خيوط اللُحمة لأنَّها تقوم بالدّعم (فكلّما كانت خيوط السَّداة ألين، نقصت مقاومتها، وهذا الأمر يفرض تقريب السلاسل بدرجة أكبر). تَترك خُيوط اللُحمة وخُيوط السَّداة على الورقةِ التي فُحصتْ بشفافيةٍ، بشكل واضح تقريبًا، آثارًا أشدَّ وضوحًا.

وتُعَدُّ هذه الآثار بطريقةٍ ما انعكاسًا للقماش، والذي اختلفت تقنيّات تصنيعه مع مرور الوقت، كما يمكن لها إعطاء مؤشّراتٍ حول أصل الورقة. يُعتقدُ عمومًا بالنسبة للورق الذي نتحدث عنه هنا، أنَّ خيوط اللُحمة كانت مصنوعة من ألياف الخيزران، بينما استُخدِمَ شعرُ الخيل في صناعة خيوط السَّداة.

 لقد تمكَّن الصينيّون بالطبع من صناعة ورق بجودة مختلفة، كما يُمكننا أن نعاين ذلك من خـلال فحص بعض المخطوطات المختارة[10] من مجموعـة اللفافــات الصينيّة في المكتبة الوطنيـّــة الفرنسيّة[11]. يوجـد بعض الأوراق بجـــودة اسـتثنائيّة، مثــل اللفافة الصينيــّـة 2195 (المنسوخة سنة 675)، لكنَّ أوراقًا أخرى عــــاديّة جــدًّا، ليست بتلك الجـــودة، دون التذكير ببعض المخطوطات العربيّة المنسوخة في خراسان. إنَّ السمة الأكثر لفتًا للانتباه بين الأوراق الأربعة للفافة الصينيّة سنة 2704 المنسوخة بشكل منفصل سنة ما بين سنتي 933 و 934، ومخطوط المكتبة الوطنيــّـة الفرنسيّة (العربيــّـة 5902) والذي نُسِخَ في «بَلْخ» (Balkh[12]) سنة 937، هي سمكُ خيوطِ اللُحمة، حتّى وإن كان ورق المخطوط العربيّ يمكن تمييزه بشكل لافت من خلال لونه الداكن على السطح وحقيقة ظهوره أمام الضوء الكهربائي أحمرَ حقًّا، وهذه ظاهرة لاحظها «م. زِردون (Zerdoune)» في منشورٍ حديث (98 -1999). من بين هذه الأوراق الخمسة، يصعب جدًّا التمييز بين خيوط السَّداة، إمَّا لأنَّها نادرة ومتباعدة جدًّا بشكل يجعل ألياف الخيزران تظهر طبيعيَّةً بشكل جيّد، وإمّا لأنَّها رقيقــة جدًّا، أو لكلا السببين في الوقت نفسه.

وبصورة غريبة، فإنَّه من خلال مظهر الورقة وحجمها ووضوح وعرض خيوطها، وخاصَّة من خلال الثني الذي يُعطي توجّهًا عموديًّا لخيوط اللُحمة هذه، فإنَّ ورق المخطوطة العربيّة في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، يُشير إلى أنَّ بعض الأوراق مصنوعٌ خلال القرن الماضي في آسيا الوسطى، وذلك إذا لم نُعِرْ اهتمامًا للون، إذ إنَّ الورقــــة الواحــدة من هذه الأوراق الأخيرة غالبًا ما تكون فاتحة اللون للغاية وحتّى شفافة.

هل ورقُ المخطوطِ المنسوخِ في «بلخ» مصنوعٌ في «سمرقند»؟. ليس لدينا أوراق من «خراسان»، المعلومة التي كانت عند «ابن النديم» أنّ اثنين من بينها «الطلحي» و «السليماني»  كانا مُتَدَاوَلَيْن، كما أنَّ عدَّة مقاطع من كتاب «الفهرست» (1964 61- 107- 132 -159 -160) تجعلنا نفكّر بهذه الطريقة. في الحالتين الأُوْلَيَيْن، نرى أنَّه يُطلق اسمُ «الطلحيّ» على الورق المستخدم في الكتب المرموقـــة، فقــد كانا: واحــدًا مخصّصًا للوزير «الفتح بن خاقــــان» (861م)، والآخر للخليفــــةِ «المعتضد» (902-892)، وأمَّا في حالــة جمــع أشــــعار «أبي العتاهية» [13]، فقد كان الورقُ المستعملُ «نصف- طلحيّ». إنَّ النوع الذي يُسميه «السليمانيّ» يُمكن أن يكون عاديًّا (159 -1964)، غير أنَّ «ابن النديم» قبل أن يبدأ فصله عن الشعراء، يُحذّر من أنَّه عندما يُشير على سبيل المثال إلى أنَّ القصيدة تحتوي على عشر  صفحات، يجب أن يُفهم أنَّ هذا يتوافق مع عشر صفحات تتضمَّن عشرين سطرًا من الكتابة المنسوخة على الورق «السليماني»[14].

لقد استخدم «المَرزباني» (المتوفّى سنة 994) هذا الورق في كتاب احتوى على 10.000 صفحة[15]. إذ يُشير مصدرٌ آخرُ (ياقوت[الحموي] Yâqût, 87 -1927) إلى أنَّ «أبا سعيد الصيرفيّ» المتَوَفَّى في سنّ التسعين أو المائة سنة 979، وَضع نســخةً من تعليقـه على كتاب لـ»ســيبويه» (الذي احتـوى على 3000 صفحـــة) على الورق «السليمانيّ». فالعديدُ من هذه الكتب ضخم، كما لو لم يكن هناك نقص في الورق.

لدينا هنا ردٌّ أوليٌّ على الأسئلة التي سبق طرحها، رُبَّما يُمكن التَّعَرُّفُ على ورقِ «خراسانَ» بشيء يتعلّق بتقنيّة التصنيع، أو على الأقلّ كان هذا هو الحال لأوراق «الطلحي» و «السليماني». وبالتالي فإنَّ أسماء هذه الأوراق سَلِمتْ من الحكّام. والسؤال الذي يطرح نفسه اليــوم هــو ما إذا كان هـذان النوعــان من الورق، اللـذان فضّلهمـا البعض على الصحف العربيّة، قد استمرَّ إنتاجهمــا في خراسانَ فقط.

وتجدرُ الإشارة أخيرًا إلى أنَّ وصفة صناعة الورق «الطلحي» قد وصلتْ إلينا. وحتّى الآن (أي قبـل اكتشاف «آدم غاســك» (A. Gacek»)، فقد كان الورق «الطلحي» هو الورق الوحيد الذي تمَّ نشــرُ وصفتِـه للعامَّـة، ويشار إلى تلك الوصفة عامَّةً باسم «وصفة ابن بادس»[16].

العربُ وورقُهم: بدايات الورق العربي.

تفصل حوالي خمسين سنة تقريبًا بين اللحظة التي لقَّن فيها العربُ حرفيين من سمرقند صنـاعةَ الورق العربيّ، وبدأ تصنيع الورق العربيّ في عاصمــة الخلافـة. في الواقـع ووفقًا لـ«كاراباسك» (Karabacek) (1991- 33)، فقد بدأتْ صناعةُ الورق في بغـــداد في 5-794. وقد أصبح هــذا التاريخ تقلِيديًّا، لكنَّنا نتجاهل أنَّ الأمـــرَ يتعلّقُ بحـذفٍ لا يُقنع شخصاً مثل «كرهمان» (Grohmann) (1967- 100). إذ ليس لدينـا في الواقع معلوماتٌ مُحدَّدة حول بدايات صنـــاعة الورق في قلب العالم الإسلامي.

يُمكن التعرُّف على هذا التأريخ بشكل غير مباشـر، لأنَّنا نعلم أنَّه حتّى بداية القرن التاسع، كانت الدواوين العباسيّة لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على موادّ الكتابة بكميّات كافية. يُشير «ابن النديم» (1964- 21) بالفعل إلى أنَّه في عهـــد خلافــة «الأمين»[17] (813-809) ابن «هارون الرشيد»، تمَّ حكُّ السّجلات (من الجلد أو الرّق) لإعادة استعمالها، وكان قد سبق استخدامُها من قبل. إنَّه لمن الواضح أنَّ مكاتب الخلافة وبائعي الكتب على الأرجح، لم يكن لديهم ورق بجودة كافية قبل منتصف القرن التاسع، وكان عليهم الاستمرار في استخدام ورق «سمرقند» على الأقلِّ حتّى ذلك الحين.

من المحتمـلات أنَّ أقدمَ الوثائق في مجموعة الأرشـيدوق «راينر» في «فيينـا» يعتقـد «كاراباسك» (Karabacek) أنَّهـا كتبت بين 795 و 815)، وكذلك المشـهورة «فيتكانوسكريســوس» (Vaticanusgraecus 2200)[18] كمـا هي بأسلوبها في الكتـابــة حوالي سنة 800، قد تمَّ نسخهما على ورق من سمرقند.

إنَّ المعلومات الوحيدة المضبوطـــــة بالفعل حول صناعة الورق العربيّ في المناطق التي تهمّنا هي كما يلي: يُشير «المقدسـيّ» المُتَوفَّى بعد 988، إلى أنَّ تصنيع الورق (175 -1975) كان في دمشق وطبريّة، «ناصر خسرو» سنة 1046 (41 1881)، يقول عن ورق «طرابلس» و «سورية» أنَّه أصبح أفضل من ورقة سمرقند، كما يُشير إلى أنَّ البقــّـالين وصيادلة الأدوية ومخازن الأجهزة في القاهرة قاموا بتزويد العملاء بالورق الذي كانوا يعتزمون تغليف بضائعهم به (1881 -153)[19]، يُشير ياقوت (المتوفّى سنة 1199) إلى أنَّ الورق قد صُنع في إحـــدى ضواحي بغداد تسمّى «دار القـــاز» (ياقوت 422- 1956). في اليمن، أثبتت الوصفـة التي اكتشفها «آدم جاسيك» (Adam Gacek) (انظر أدناه) أنَّ الورق كان مصنوعًا في القرن الثالث عشر. كما يُقــــال إنَّه وُجـــــد في الأندلس على الجانب الآخـــر من البحر الأبيض المتوسّط في «شاطبة»[20] مصنع للورق منذ سنة 1054، ومصنعٌ آخَرُ في مدينة «طليطلة» سنة 1085 (VallsiSubirà، 1970 5).

يُشير»المانوني» (21 -1991) في المغرب إلى أنَّه عثر في  مصدر، تأكيدًا على وجود 104 مصانع ورق في فاس خلال فترة حياة «يوسف بن تاشفين» (المتوفّى 1106) في المدينة نفسها، تحت حكم الموحّدين، ما بين سنتي 1221 و 1240، كان هناك 400 «حجر رَحَى لصنع الورق»[21] وقد بدأت صناعـــة الورق، في وقت لاحــق في الأناضول، سنةَ 1400 في  «أماســية» [ التركيــة]، وســــنةَ 1486 في «بورصـة» (تيكيــــن، 29 -1993)، وكذلك ســنةَ 1453 في «كاغــد خـنة» ليس بعيـدًا عن «إسـطنبول» («دي روش» (Déroche) 64- 2000).

وبالتّالي فإنَّ الورق كان يُصنع في العراق في القرنِ الثالثَ عشرَ، وفي عدَّة مدن في سورية، وفلسطين، ومصر، واليمن، والمغرب، والأندلس، وفي القرنِ الخامسَ عشرَ في تركيّـا. ولكنَّ هناك دولًا أو مناطقَ أيضًا، لم يَتمّ ذكرهــــا مُطلقًا، مثل شمال شبه الجزيرة العربيّة وليبيا وشمال أفريقيا خارج المغرب الحالي. بينما خلال القرنِ الخامسَ عشرَ، وبحسب مُؤلّف النصِّ الوارد في مخطوطـــةٍ بالمكتبــةِ الوطنيـّـةِ بفرنسا (العربيـّـة 4439، ص. 177)، فقـــد «كان يُستخدمُ ورقٌ من دمشقَ للوثائق الرسميّة الموجّهـــة إلى المناطق الشـرقيّة وإلى اليمن وآسيا الصغرى (روم) والحجاز».

التعرُّف على الورق العربيّ: الشرق والغرب

إنَّ الأوراق العربيّة المصنوعة في منطقة جغرافيّة واسعة للغاية وعلى مدى قرون عدَّة، كانت متنوّعـــة للغــاية، وقد شــعر المتخصّصون منــذ فترة طويلـــة بالحاجة إلى تصنيفها حتّى يتمكنوا من طرح الفرضيــّـات حول تاريخها ومكان صنعها ومكانتها. وحول منطقة انتشارها والتي يمكن أن تكون كبيرة جدًّا نظرًا لكبر رقعة انتشار الورق. 

ولوصف الورق بطريقة يُمكن معها مقارنته وتصنيفه، نستطيع الحديث عن الجودة العامَّة للورقة، ومظهر نسيجها المسطّح وشفافيّتها، ولمعان سطحها ولونها، وتماسكها أو مرونتها[22]. هذه الملاحظـــات لها أهميّتها، خاصَّة عندما تنطبق على مجموعة متجانسة، مثل تلك التي عمل عليهـــا «كاراباسك» (Karabacek) (58- 1991) أثنـاء تصنيفـه للأوراق من مجموعــة «راينر». ولكنَّ هناك نوعًا من الذاتيـــّة، خاصَّة إذا سعينا لمقارنة أوراق متناثرة. في هذه الحالة، يُمكننا اختيار وصف الميّزات الماديّة القابلة لقياس للورق، مثل الحجم[23] والآثار التي خلّفتها خيوط اللُحمة وخيوط السَّداة التي تحيك «قماش» النموذج. هذا ما فعله «جون إيريجوين» (Jean Irigoin)، والذي بفضلــه نعرف اليــوم الأشـــكال الأكثر شـــيوعًا لأوراق الورق العربي المستعمل في المكتبـــات، وهو قد برهن أنَّها متباينـة في كلٍّ من الشــرق والغرب (4-305- 1993). 

كما أنَّ «جون إيريجوين» (Jean Irigoin) هو من اقترح لأوَّل مرّة تأريخ بعض الأوراق (سنجدها لاحقًا) بالفجوات بين خيوط السَّداة (305 - 1993).

وفي اقتراح «ملاخي بيت أرييه» (Malachi Beit-Arié) (1996- 1999) لتصنيف عامّ للأوراق العربيـــّة، أخذ معيــــار وجود وغياب الآثار التي خلَّفهـــا النموذج. وهو يُميّز بين ثلاثة أنواع من الورق: ورق «بدون أسلاك» أي بدون لحمة ولا خيوط سَداة، وأوراق بدون خيوط سَداة، وأوراق بلُحمة وخيوط سَداة (والتي يقسّمها إلى خُيوط سداة بسيطة وأوراق بخيوط سداة مجتمعة). وقد اعتمد في تصنيفـه على ملاحظـــة عدد من الأوراق القديمة جدًّا، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما هي، حسب رأيه، أسبابُ اختفاءِ الخيوط.

قد يكون ترتيب خيوط السَّداة، سواء أكانت مجتمعة أم لا، مخيّبًا للآمال، ذلك أنَّه لا يُقدّم أيّة معلومــة عندما يتكــرّر كثيرًا وعنــد وجـــوده لفترة طويلة. هذا هو الحــــال على وجه الخصوص مع الأوراق ذات خيوط السَّداة المجتمعة في ثلاثة، والتي تمَّ الترخيص باستعمالها منذ سنة 1058 على الأقلّ، والتي جعلتْ ترتيباتٍ أخرى تختفي في القرنِ الخامسَ عشرَ. ويُمكننا العثــور كذلك على أوراقٍ يكون ترتيب السداة فيها نادرًا جدًّا لدرجـــة أنَّه مُقدّر لها أنْ تظـــلَّ غير قابلـــة للتحليــــل أيضًا، كتلك التي نلاحظهـــــا في مخطوطـــة المكتبـــة الوطنيـــّة الفرنسيّة[24]، بخيوط سداتها المتباعدة من 143 إلى 150 مم.

ولكنَّ ملاحظــةَ خيـــوط السَّداة جعلتْ من الممكن، وذلك بالارتبـــــاط مع الملاحظــات الأخرى، اقتراح مكان وتاريخ نوع معين من الورق، وخاصَّة في حالة وجود ظروف مواتية. وهكذا يبدو أنَّ الورقة ذات خيوط السَّداة المُجتمعة في أزواج، مع اختلافات مميّزة للغاية، يبدو أنَّه كـان لها مدى انتشــــارٍ محــدودٍ في مصـــر، وذلك حوالي ســـنة 1350 (Humbert 1999). كما أنَّه ليس الورقَ الوحيدَ الذي استُخدم في ذلك الوقت في المنطقة، لكنَّه ورق لم يُعثر عليـــه حتّى الآن إلّا في المخطوطـــات التي ظهـر فيهـــا، عندما يتمُّ إيجادهــــا أو تحديد موقعهـــا، وقد نُسختْ هذه الأخيرة في مصر دائمًا. كما يُعَــدُّ مدى انتشارها محدودًا إلى كونها ورقًا رديء الجودة، وليس مخصّصًا للتصدير. إنَّ مسألة عدم العثور على ذلك الورق، ليس في المخطوطات العربيــّة فقط، بل وحتّى في المخطوطــــات القبطيّة أيضًا، يبقى أمرًا مثيرًا للاهتمام؛ لأنَّ هذه المخطوطات تتوفّر على خاصّية السفر القليل جدًّا.

وفي اختبـار تصنيفٍ آخَـرَ مُتعلّقٍ بالأوراق فقط، إذ يمكن تمييز خيوط السَّداة وخيوط اللُحمــة، أمكن تحديـــد ثلاثة أنواع رئيســــة من الورق، بنـــــاءً على ترتيب خيوط الســـَّداة (Humbert 1998)، ورقٌ غيرُ عربيّ يُســتعمل في المخطوطــــاتِ العربيــّــةِ القادمــــةِ من المناطقِ الأكثرِ شــــرقيّةً في العالم الإسلاميّ، وورقٌ عربي شرقيّ وورق عربيٌّ غربيّ. كمــــا أنَّه بالإمكـــان أن تكون خيــوط الســَّـداة مجتمعـــة أو بســـيطة في الورق العربيّ الشـــــرقيّ، ولكنْ عندما تكون تلك الخيوط بســـيطة؛ فإنَّهــــا لا تُفصل أبدًا بأكثـــر من 25 مم في المتوســّــط ​​في الورقة الواحدة.

كما أنَّ خيـــوط السـَّـداة في الورق «العـربي الغـربي» بســـيطة دائمًا ومتباعــدة بمقــدار 35 مم على الأقلّ (وحتّى 80 مم) في المتوسّط ​​في الورقة الواحدة. لم تكنْ الملاحظة الأولى القابلة للقياس هي التي جعلت من الممكن التمييز بدقّة بين الأوراق العربيّة الشرقيّة والغربيّة. وهو التمييز نفسه الذي قام به بالفعل «جون إيريجوان» (J. Irigoin)، انطلاقًا من معلومة أخرى قابلة للقياس وهي: الحجم، لكنَّ الملاحظة حظيت بميزة تأكيد الاختلاف بين الورقِ العربيّ الشرقيّ والغربيّ، ذلك أنَّ هذه الأخيرة ستدعى للعب دور حاسم في بقيّة تاريخ الورق.

نهايةُ الورقِ العربيّ وبدائلُه

كانت الورقـــةُ العربيــّـةُ الغربيـّـة بالفعل مصدر ظهـــور الورق الإيطــــالي، الأمـــر الذي سيتسبّب في اختفـاء صناعة الورق في العالم العربي خلالَ قرونٍ قليلة؛ إذ تعلَّم الإيطاليّون تقنيّة صناعة الورق عن طريق إسبانيا المستعادة[25]، والتي أخذتها بدورها من الأندلس، كما هو موضح في بعض الميّزاتِ المشتركةِ والتي لا توجــد إلّا في الورق الإيطالي والورق العربي الغربي». وكما هو الحـــال فيما يُسمّى بالأوراق «الكتالونيّة» المستعملة كوسائط، اشتركت الأوراق الإيطاليّة الأولى مع الأوراق العربيّة الغربيّة في حمل بصمة خيوط السَّداة المرتّبة على مســافات منتظمـــة (وهذا هو حـــال الأوراقِ الأوروبيّةِ بشكلٍ عامّ). وقد أظهر «جان إيريجوان» (Jean Irigoin) (300- 298 -1993) أيضًا، أنَّ أحجــــــام الورقِ العربيّ الغربيّ أصغــــر من أحجـــام الورقِ العربيّ الشرقيّ، ومن هذه الأحجـام تُشــتقّ الأوراقُ الكتالونيّة والإيطاليّة. وسوفَ نُقابل في بعض الأوراق الكتالونيـــّة والإيطاليــّـة سمةً مميّزةً للورقِ العربيّ الغربي وهي التعرُّج. يُعتبر التعرُّج علامةً، تظهر في بعض الأحيان على شكل متموّج، ولكن يمكن أن يبــدوَ على شكلِ سلسلةٍ من الخطــوطِ المتقطّعةِ متروكة عن عمــــد على الأرجح في منتصف الورقة من القِرطَاسِيِّ.

وعندما ظهر استعمالُ العلامةِ المائيّة، كان سيُصبحُ من الممكن العثورُ على مخطوطاتٍ منسوخة على ورق إيطــــاليّ، إذ يُمكن ملاحظــــةُ العلامــــةِ المائيـــّـةِ والخــطِّ المتعرّج على الورقــة نفسها، ولدينــا مثـالٌ في المكتبـة الوطنيــّـة الفرنســيّة، مع المخطوطـة العربيـّــة 2291 (Bavavéas 1999).

منذ اللحظةِ التي عَرفَ فيها الإيطاليّون كيفيّة صنع الورق، يتبيّن أنَّهم بحثوا خلال فترة انتقاليـّـة، بلا كللٍ ولا مللٍ عن وســـائلَ لتحسينِ تقنيـّــةِ الصناعــــة. وقد أظهــــر «جان إيريجوان» (Jean Irigoin) (1993- 304 5) أنَّ الشكل تغيَّر على امتداد ثلاثين سنة باستمرار، وقد انتقلت الفجــــوات بين خيـــوط الســَّداة من 100 مم حوالي ســنة 1250 إلى 75 ملم ســـنة 1255، وأخيرًا إلى 60 ملم سنة 1280. كمـا انخفض في الوقتِ نفسِـــه حجـــمُ الورقــــةِ أيضًا، من 490 × 350 مم إلى 464 × 290 مم، قبل الاستقرار عند 410/ 450 × 275/ 300 مم. ويمكنُ ربطُ انخفاضِ الفجوةِ بينَ خيوطِ السَّداة بالنعومة المتزايدة لخيوط اللُحمة.

تَمَكَّن الإيطاليّونَ في نهاية هذه الفترة من ضبطِ تقنيّةٍ مكّنتهم من صناعة شكل كان القماش فيه، «المعدنيّ بالكامل» مُكوَّنًا من خيوطٍ أدقَّ وأكثرَ انتظامًا من ذي قبل. كما أضافوا سـريعًا علامــة تجــــاريّة في الأسلاك النحاسيّة، «العلامة المائيّة». لا تُمثّل العلامة المائيّة في حدِّ ذاتهـــا تقدّمًا تِقنيًّا، ولكنَّها ربما تُسلِّط الضوء على حيويّة المنافسة التي وضعت الشركات المصنّعة بسرعة وجهًا لوجــه. ستُمنح تحسينات تقنيّة أخرى للإيطاليين، ورُبَّمــا من بداية القرنِ الرابعَ عشرَ، إذ أضحتْ وســائلُ إنتــــــاج الورق أكثر، وبوتيـــرة أســرع وبثمنٍ أرخص؛ ممَّا جعلَها تغزو السوق، وتجعلُ الورق العربيّ يَختفي في أكثر قليلًا من قرن ونصف في الغرب، وفي قرنين أو ثلاثةٍ في الشرقِ الأوسط.

بدأ العثورُ في المنطقة المغاربيّة وشبه الجزيرة الإيبيريّة على الورق الذي يحمل علامة مائيّــة في المخطوطـاتِ العربيّةِ منذ النصف الأول من القرنِ الرابعَ عشر. لدينـا مثالٌ في المخطوطةِ رقم 39 من المكتبة الوطنيّة بالجزائر العاصمة بتاريخ 1344/ 745، ومخطوطة بالمكتبة العامَّة وأرشيفات الرباط بتاريخ 1349 [26]-. في الشرق الأدنى، حيث فَرض الورق بالعلامـــة المائيـّــة نفسه بعـد ذلك، سنخصُّ بالملاحظــة مخطوطـــة من المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة[27] بتاريخ 1479[28]، لأنَّه قد تمَّ نسخ أوّل خمسين ورقة من المخطوطة على ورق «عربيّ»، ثمَّ يسـتمرُّ النـصُّ (مكتــوب بنفـس اليــد) على ورق «إيطــالي». وتجـــب الإشـرة هنــــا إلى وجـود ورقــةٍ «إيطاليــّـة» في مخطوطـــة عربيــّـــة مسـيحيّة منسـوخة عــــام 1486 في جزيرة «رودس» .(Rhodes)[29]

ويُمكن تفسيرُ سرعةِ دخول الورق الإيطالي ربّما لأنّ الورق العربيّ لم يُصنعْ بكميّةٍ كافيةٍ على الإطلاق. لكنَّ التدعيمَ الجديدَ واجــــه بعض المقاومات. نجدُ في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة مخطوطة[30] منسوخة على ورقٍ عربيّ وورقٍ إيطالي، حيث «يُضَمِّنُ» الورق العربيّ الورق الإيطالي بشكل منهجي (جميع المنشورات الخارجيّة في دفاتر الملاحظات مصنوعة من ورق عربي).

وقد ظهرت تحفّظاتٌ تجاه الورق بطريقة مشابهة لتلك التي كانت في العصور الوسطى، إذ أدخلتْ الورقة أوّلًا بين العصي الصغيرة من الرّق[31]. ليتمَّ الكشف عن شكل آخر من التحفّظ، وذلك بشكل غير مباشر وهذه المرّة أمام العلامةِ المائيّةِ فقط، وذلك من خلال حقيقـــــة أنَّ الإيطاليين قاموا في بدايةِ القرنِ الســابعَ عشرَ بابتكــار علامة مائيـــة خاصَّــة للأوراق المعـــدَّة للتصدير إلى البلدان الإســـــلاميّة «فيلكوفو أندريف» (Velkovund Andreev، 1983)، يتعلّقُ الأمــرُ بالعلامــــةِ المائيـّــةِ المســـمَّاة «الأهلـــة الثلاثة». وهذا ما يبدو أنَّه يشير إلى أنَّ علاماتٍ مائيّةً معيّنة في الورق الإيطالي مستوحاة من رموز النبالة والشعارات المسيحيّة، والتي أغضبت مستعمليها من الشرقيين.

نُسختْ المخطوطاتُ العربيـّــةُ في القرنِ السادسَ عشـرَ بشكل متكرّرٍ على ورق إيطالي، ويُمكن التعرُّف عليه بسهولة بفضل العلامة المائيّــة. ومع ذلك، سنستمرُّ في العثور على هذه المخطوطاتِ على ورقٍ بدونِ علامةٍ مائيّةٍ عند توقّف تصنيع الورق العربي، ونحن نُدرك أنَّ المخطوطاتِ العربيّةَ يُمكن نسخها على أوراق ليست بالإيطاليّة ولا بالعربيّة.

ويتعلّق الأمر بالأوراق المصنوعة في المناطق الشرقيّة من العالم الإسلامي (بلاد فارس، آسيا الوسطى، الهند)، والتي لم تنقطـــعْ صناعتُهـــا رغـــمَ انتشـــارِ الورق الإيطاليّ في البحر الأبيض المتوسّط. بحيثُ لا يزال من الصعبِ حتّى اليوم تحديدُ موعـــدِ نهايةِ صناعةِ الورق العربيّ بدقـّـة، لأنَّنا لا نميّزه دائمًا عن الأوراق «الشرقيّة»، والتي تكون متقاربة بالنظر إلى تقنيّة صناعتها.

ويُمكن أنْ نسجّل أنَّه بمكنتنا أيضًا، في وقت متأخّر، العثورُ على أوراقٍ بعلاماتٍ مائيّةٍ أخرى بخلاف الإيطاليّةِ في المخطوطاتِ العربيّة، ويتعلّق الأمر بأوراق مصنوعة في تركيّا العثمانيــة منــذ بداية القرنِ التاسعَ عشرَ إلى (منتصف) القرن العشرين. إنَّها أوراق مصنوعة بتقنيّة إيطاليّة، بمعنى أنَّها على شكل مستطيل مع تَرك بصمة خيوط لحمة دقيقة ومنتظمة وأنواعٍ مختلفةٍ من العلاماتِ المائيّةِ على الأوراق.

 وقد أعاد «سيريف طكين» (Ş. Tekin) (1 90- 1994) إنتــاج عدَّة علامات مائيّة، إحداها تعود على الأقلِّ إلى سنة 1219 (5-1804). كما يبدو أنَّها تتكوّن من العلامة المائيّة نفسها (هلال يحيط بنجمة بثمانية رؤوس) وعلامة مضادَّة بالعثمانيّة مع عبارة «سنة الإسلام 1219» (Islâmbôlsene 1219). كما أنَّ هناك ورقًا عثمانيًا آخر، يَظهر أنَّه استُخدم بشكل متكرّرٍ في اليمن حتّى القرن العشرين، إذ يُمكن التعرُّفُ عليه من خلال علامتـــه المائيـّــة: شكلٌ هلاليّ، وتظهر على علامته المقابلة عبارة بالعثمانيّة «بياز أبو شبّاق الإسطنبولي» (beyazAbu Shabbâk Stambûlî)[32] (حصلتْ المكتبةُ الوطنيّةُ الفرنسيّةُ مؤخّرًا على مخطوطة[33]تبرز بطريقة شفّافة هذه العلامةَ المائيّةَ وعلامتَها المقابلة).

لكنْ لا تحتوي في معظـــمِ الأوقــــاتِ الأوراقُ التي ليستْ بالإيطاليّة أو العربّية في المخطوطات العربيـّــة على علامـــات مائيّة، وهي بمثابة مادَّة لمخطوطاتٍ منسوخةٍ في المناطقِ الأكثر شرقيّة في العالم الإسلامي، والتي بقيتْ خارجَ العالمِ العثمانيّ. ربَّما صُنعت في بلاد فارس (حيث استمرَّ التصنيع حتّى القرنِ السابعَ عشرَ)، في آسيا الوسطى (إذ من الواضح أنَّها لم تتوقّف أبدًا في بعضِ المناطقِ منذُ القرنِ الثامن، وكان من الممكن أن تستمرَّ حتّى بدايةِ القرنِ العشرين[34])، وفي الهنــد، حيث يُقال إنَّ صناعةَ الورقِ بدأتْ هناك في القرنِ الحادي عشرَ واستمرَّتْ حتّى يومنِــا هذا.

 ففي هذه البلدانِ التي تكونُ فيها الصناعة تقليديَّةً، يبدو أنَّهم يُنتجون أوراقًا مختلفة تمامًا عن الأوراقِ العربيّةِ الجميلة من العصر «الكلاسيكيّ»، ذلك أنَّ مفهومَ ماهيةِ الورقِ الجميلِ ليسَ مُتشابهًا، إنَّ الأوراق العربيـّـــة الجميلة هي تلك الأوراقُ الثابتةُ والمرنة، إذ إنَّ مرونة الورقةِ لا يبدو أنَّها معيارُ الجَوْدة الأكثر طلبًا، ولا الشفافيّة أيضًا. في حين أنَّ الأوراق «الشرقيّةَ» غيرَ العربيّةِ غالبًا ما تكون رفيعـــةً جدًّا، وحتّى في بعض الأحيــــان مبالغٌ فيها، ذلك أنّ رَهافة العجينة تُحدث أجزاءَ واضحةً جدًّا وحتّى ثقوبًا. في كثير من الحالات، تكون الورقةُ التي فُحصتْ بشفافيّة، مع وجود أجزاء بها بلونٍ بنيّ فاتح، تتميّزُ بشكل كبير بصفة أنَّها «شِبهُ شفّافة».

وفي هذه الأوراقِ الرقيقةِ للغاية، يُمكن أن تكون آثارُ الشكلِ واضحةً جدًّا، ولكن في بعض الأوراق شبه شفّافة، فتبدو كما لو تمَّ مسحها وجعلها غير مقروءة بواسطة شبه الشفافيّة [35] هذه. وأمَّا في الأوراقِ الأخرى القادمةِ من آسيا الوسطى، فتبدو بها خطوط اللُحمة كثيرة السُّمْك، كما هو الحال في ورق المخطوطة المنسوخة من «بلخ» المذكورة أعلاه، إذ تكون خيوطُ اللُحمة فيها غالبًا عموديـــّـة. هذه الأوراق هي بمثــــابة ورثة ورق سمرقند، مع هذا الاختلاف الذي رأينــا، كونها واضحة للغاية وحتّى «شبه شفّافة».

ورقُ الديوانِ في القرنِ الخامسَ عشرَ

في حين انتشر الورقُ الإيطاليُّ داخلَ الدول المنتجة للورق العربي من القرن الرابع عشر، هناك مصادر من القرن الخامس عشر تُقدّم شهادة مفصّلة للغاية حول استمراريّةِ استخدامِ الورقِ العربيّ في الخدماتِ الرسميّةِ للإدارةِ والمستشاريّة، والتي كانت محطَّ نقاشٍ في عدَّة مناسبات. لم تستعمل هذه المصادر كثيرًا في الدراساتِ الحديثةِ عن الورق، في حين أنَّه ولأسبابٍ مرتبطةٍ بالأمنِ والمكانة[36]، ربَّما استُعمِلَ لهذه الخدمــات ورقٌ خاصّ.

لقد كُتبت مؤلّفات حول هذا الموضوع في مصر المملوكيّة في القرنِ الخامسَ عشرَ، من قِبل شخصين يبـــدو أنَّ كليهما على درايةٍ بـ«ديوان الإنشاء» (مكتب المراسلة). لم يكن بالمكنة استعمالُ «صبح الأعشى»[37] الذي أكمله «القلقشندي» سنة 1412، من لدن أبرزِ المستعربين المهتمّين بالمسألة، عدا «أدولف غروهمان» (A. Grohmann) (1960). فأولئك الذين سبقوه، مثل «كاراباسك» (Karabacek)، لم يكونوا على علمٍ إلا بِنَصٍّ مجهول وغير مُسمَّى واردٍ في مخطوطةٍ من المكتبةِ الوطنيّةِ الفرنسيّة[38]، وذلك من خلالِ الترجمة الفرنسيّة لـ «كاطرمير» (Quatremère). وقد تمَّتْ فهرستُه تحت عنوان «ديوان الإنشاء»، هذا الكتاب صدر بعد سنة 1430، ممَّا يعني أنَّه متأخّرٌ قليلًا عن كتاب «القلقشندي».

عند قراءةِ هذه النصوص، نرى أنَّه في مكاتبِ الديوانِ خلالَ القرنِ الخامسَ عشرَ، وقبل ذلك في وقت الخلافةِ في بغدادَ والتي تُشير إليها هذه النصوص، تمَّ تحديدُ الورقة من خلال حجمهـــــا، كما أنَّ اســـمَ العديــد منها ليس سوى اســـــمٍ لحجمها. وهذا الحجم يَختلف باختلافِ نوعِ الورقـــــةِ أو الوثيقـــة وخاصَّة للمراســـلاتِ الرسميّة، اعتمادًا على رتبــــة المُرسَل إليه، فكلّما زاد شأنُ المستلم، زاد حجم الورقة. يُؤكِّد «ديوان الإنشاء» (العربي 4439 ص178) أنَّ «حجم الورقة يتناسب مع رِفعــــة المكان، وليس رِفعة صاحب الرسالة (ترجمة «كاطرمير» (Quatremère,1836 cxxxvii).

بالإضافةِ إلى «ورقِ بغدادَ»، الذي نتوفّر على معلوماتٍ قليلةٍ عنه، ذلك أنَّ ما نطلق عليه «البغداديّ» في «القاهرة» يبدو أنَّه يشيرُ إلى شكلٍ ما، وقد عرض المؤلّفان عرضًا خاصّاً للورق «السوريّ» (الورق الشاميّ). يتساءلُ المرءُ ما إذا كان هذا الورق مصنوعاً في حينه واستورده الديوانُ المملوكيّ، ولكن يبدو أنَّ هذا غير مُرجّح، وسنرى (راجع رقم 8 في العمودِ الأيمنِ من الجدولِ أدناه) أنَّه قد تمَّ استخدام ورقةٍ «شاميّةٍ» واحدةٍ فقط في الدواوين المملوكيّة، والأمر يتعلّق هنا بحجــم واحـــد أيضًا[39].

إنَّه لمنَ المهمّ البدءُ بجمعِ المعلوماتِ حول أحجامِ أوراقِ الديوانِ في مصر. الموضوع يستحقُّ بحثًا مُعمَّقًا، وسيكونُ الأمرُ هنا بالأحرى تقييمًا للعمـــل الواجب القيـــام به في هذا الاتّجاه أكثر منه دراسة مكتملة.

المفرداتُ وسُلـَّـمُ الأحجام.

قبلَ الشـروعِ في تعـداد الأحجـام الورقيــــّة في المستشاريّة المملوكيـّــة، يبـدو أنَّه من الضروري إبداءُ بعض التعليقات على المفردات التقنيّة المستخدمة.   

 يُمكن ترجمـــة كلمة (qat) «القــد» في جميع السياقات بكلمة «حجم» (أو «تنسيق»)[40]. يطلق على الورق في بعض الأحيان «القرطاس» أيضًا، والذي كان يُسمَّى به في الأصل «ورق البردي»، ولكن تمَّ استخدامها لاحقًا بالامتداد، لـ «الورق»[41].

تمَّ تحديدُ الورقةِ بأكملها (قبل أي قطع، وربّما حتّى عند خروجها من شكل القرطاسيّة) من قبل مؤلّفينا في السياق الصــــــارم للأحجـام بكلمــة «طومار»[42].كما يُحدّدونه في السياقات الأخــرى («القلقشــندي»، 1987 VI، 180 انظـــــر أيضًا العربيــّــة 4439 ص.177 ظ) «تُسمّى الورقة اليوم بالفرخة» (المراد بأعمار الورقة لا تتعلّقُ الأحجامُ بشكل عامّ بـالورق ولكن بـ «الدروج» (جمع درج). حيث يتضمَّن الجذر مفهوم الالتفاف بمجرّد أن يُكتب ويُرسل. إنَّ الدرج هنا هو ببساطة مادَّة لما سيُصبح لاحقًا فعلًا أو خطأً. في مصادرنا هي «ورق مستطيل» (ورقة مستطيلة أو ربّما «ممدودة») مؤلّفة من عدَّة أوصال («القلقشندي»، 1987 1، 173 عربي 4439 ص 109)[43]. إذن يجبُ لفهمِ ما معنى مصطلح «درج»/ 
(darj)، التأكّد أوّلًا من معنى «وصل» (مفرد أوصال).

«يحتوي الجذر على مفهوم اللفّ، ولا شكَّ في أنَّ الدرج، بمجرّد كتابته وإرساله، هو»مدرج» وهنا الدرج ببساطة دعامة ما سيكون لاحقًا رسمًا أو رسالةً. في مصادرنا هي «ورق مستطيل الوصـــل» (ورقـــة مستطيلة أو ربَّمـــا «ممدودة») تتكوّن من عـدّة أوصـال (القلقشندي، 1987 1، 173 عـربي 4439 ص109)[44] لـذا يجـــب أوَّلًا التأكّــد مــن معنى وصــل/ أوصـال لفهــم الدرج.

يَطرح المعنى التقنيّ لـ «الوصل» مشكلات ولا يُقدِّمُ أيٌّ من القواميس التي التجأت إلى استشارتها حلًّا مُرضيًّا. إذ تُحلّ الصعوبة جُزئيًّا عندما نُدرك أنّ الكلمة في الواقع تُشير إلى شيئين مختلفين. في الجملة السابقة، للكلمة «وصل» معنى ورقة (أو ربّما «قصاصة») من الورق المراد توصيله عن طريق اللصق -إنَّ الكولاج والتجميع مفاهيمُ أساسيّةٌ للجذر- لوصل أو عدّة أوصال لتشكيل الدرج. لذلك  فإنَّ الدرج عبارة عن لفّة من الورق مع دعامة عموديّة ناتجة عن تجميع عدّة أوصال من العرض نفسه.

إنَّ للدرج طولًا غير محدّد بما أنَّه بالإمكان تمديده بعِدَّة «أوصال»، بحيث أنَّه في معظم الوقت عندما يتحدّث «القلقشندي» عن أحجام الورق، فإنَّه يعطي عرض «الدرج» كبعــد فقط. وإذا ما حُدِّد في مناسبة ما طول «البغداديّ» كاملًا (1987 VI، 181)، فإنَّه لا يُعطي طول «الدرج» بل طول «الوصل»[45] الذي يبدو أنَّ له طولًا ثابتًا لكلِّ حجم.

إنَّ المعنى الثاني للوصل هو الخطُّ الذي يُترك فارغًا، على سبيل المثال لبث خطأ، والذي يُمكن ترجمته بواسطة «الخطّ الأبيض» أو (alinea) في حالاتٍ معيّنة. كما يتعلّق ارتفاعُ هذا «الفراغ» بحجم الورقة على سبيل المثال، إذ يُمكن أن يكونَ إمَّا سطرين وإمّا ثلاثةَ أسطرٍ في الحجمِ العاديّ أو المنصوريّ (صغير) (القلقشندي، 1987 VI، 187).

يُمكن قراءةُ الدِّراســـة الأكثــر اتّساقًا لـ «القلقشندي» حول حجــم الورق المستعمل في «المستشاريّة المملوكيّة» في المجلّد السادس (ص:180-184)، لكنَّنا نجدُ أجزاءَ أخرى من كتابه تحتوي على دراسات تُكملها (أو تُعقدها)، مثلًا عندما يَشرح نوع الكتابة التي يجب اعتمادها لكلّ حجم، أو عندما يُشير إلى عــدد الأســطر البيضـــاء (أوصـــال) التي يجب تركها بين عناصرَ مختلفةٍ للخطأ.

في أصلِ أحجامِ أوراقِ الديوان، يشرح بداية[46] أنَّ هناك سلّم قياساتٍ يعودُ «إلى زمن الخلفــــاء». وقد جـــاء من مُؤلّف من العصر العباسي، تمثّل هويّته مشكلة «محمّد بن علي» (ولكن في الغالب ابن عمر). «المدعيني»[47]، مؤلّف كتاب (مفقود للأسف) بعنوان: «كتاب الكلام والحبر»، والذي يقول:

«كنّا عند كتابتنا للخلفاء نعتمد على ثلثي ورقة (الطومار) (ṭûmâr) من الورق (قرطاس)، وللأمراء نصف ورقة، وللمديرين والأمناء ثلث ورقة، وللتجّارِ وللشخصيّات من نفس الرتبةِ ربعُ ورقة وللمتخصّصين في الحساب ومسَّاحي الأراضي سدسُ الورقة».

يُعلّق «القلقشندي» على هذا الاقتباس على النحو الآتي: «لدينـــا هنا سلّم لأحجام الورق في الزمن القديم: الثلثين والنصف والثالث والربع والسادس». ويُضيف أنَّه من خلال هذا السلّم تُستَلهَمُ أحجامُ ورق ديوان الرسائل في مصر دائمًا. من المثير للاهتمام ملاحظة أنَّه يُضيف بعد ذلك عن «المدعيني»:

«من الواضحِ أنَّه كان يُريد الحديث عن الحجم البغداديّ، الذي يناسب هذا النوع من سلّم الأبعـــادِ على عكس الشاميّ، لأنَّ بغدادَ كانتْ آنذاك مقـــرَّ الخلافة، لم يكن من المناسب قياسها من ورق آخر، رغم أنَّها كانت تتوفّر على كلِّ الصفات. “

وبالتالي، فإنَّ «البغدادي»، الذي كان يَعني في البداية «من بغداد»، قبل أن يصبح اسم حجم - قياس الورق، رُبَّما لم يكن يُسمّى كذلك في «المدعيني»، ولم يأخذ هذا الاسم إلّا من التصدير.

الورق المصريّ

اتَّفق المؤلّفان فيما يتعلّق بالورق «المستعمل اليوم في ديوان الإنشاء» حول عدد الأحجام. لكنَّهما لا يقدِّمان دائمًا أسماءَها بالشكل الأكثر تطوّرًا ووضوحًا، والأحجام في القائمتين لا تتطابقان تمامًا. يتمُّ التعبير عن القياسات بأذرع من أقمشة القاهرة (ذراع واحدة = 48.8 سم) ولكن لدينـــا قياس الإصبعِ والقيراط والشبر أيضًا. لقد حاولنا تقديمها بأكبر قدر ممكن من الوضوحِ في الجدولِ المقابل.

يتطلَّبُ هذا الجدول المقارن بعض التعليقات حول المفردات والعدد الإجمالي للأحجام المستخدمة في المستشاريّة، حول الاختلافات التي يمكن ملاحظتها بين الجدولين.

إنَّ كلمة «طومار» بمعنى الورقة كاملة، مؤكّد بالفعل في رسائل الديوان المملوكي في القرنِ الخامسَ عشرَ. إنَّ أكبر حجــم عند مُؤلّف «ديوان الإنشـــاء» غائب عند «القلقشندي» في هذا المقطع من كتابه، ولكنَّه يعرفه، وذكره أعلاه في العرض الذي خصّصه للكتابات التي تناسب كلَّ حجم (1987 III، 54)، بحيث أنَّه عندما أعلنَ أنَّ الورق الذي استخدمته المستشاريّة المصريّة جاءَ في تسعةِ أحجام، كان يعرف عشرة أحجام. لكن يُمكن للمرءِ أن يعتقد أنَّ الحجم الأكبر لم يكن يُستخدم إلّا في الظروف الاستثنائيّة فقط. كما أنَّ الاسم الأكثر اكتمالًا لهذا الحجـــم هو طومار كامل «المنصوريّ» (ورقة كاملة من «المنصوريّ»)، ولكن يتمُّ اختصار هذا الاسم أحيانًا على أنَّه «طومار كامل»، في «الطومار المنصوريّ» أو حتّى في «المنصوريّ» ببساطة (رقم 5 من العمود الأيمن)، بينما يستخدم الديوان أوراقًا بأحجامٍ مختلفةٍ تسمَّى «المنصوريّ» (الورقة الأولى ورقم 7 من العمود الأيمن).

ويُعتبرُ «القلقشندي» الوحيدَ الذي تحدّث عن «منصوريّ» (صغير) يبلغ عرضه ربع ذراع، ومعه عرض الورق العادي سدس ذراع. تمَّ دمج هذين التنسيقين في صيغة واحدة مع مؤلّف «ديوان الإنشاء»، الذي لديه حجمٌ عاديٌّ قياســـه ذراع واحـــد بالإضافة إلى قيراط واحـــد. إذاً هناك عنـــد «القلقشندي» شــكلان صغيــران لا يتطــــابق أيٌّ منهمــــــا مع «ديوان الإنشـــاء» في باريس[48][49].

يبدو أنَّ هناك أوراقًا كاملةً مستخدمةٌ في ديوان مصر، «المنصوريّ الكامل» و«البغداديّ» الكامل و»الشاميّ» الكامل. لدينا الشكلُ العاديُّ (قطع العادة) أيضًا و«المنصوريّ» (الصغير)، ومرَّة ​​أخرى ورقة دقيقة للغاية، وورق البرقيّات المهمّة والرسائل عن طريق الحمام (يبدو أنَّ الاثنين يتّفقان حول الجودة، ولكن يختلفان من حيث الحجم)[50]. قد يكون الديوان حصل على ســتّة أنواع من الورق من مصنع الورق. في هذا الصــدد، يُضيف مؤلّف «ديوان الإنشـــاء» (4439، ص178 ظ) في نهاية عرض أحجام ورق المستشاريّة هذه الملاحظةَ المهمَّة:

«كلّ هذا الورق بحجم جدّ محدّد، موضوع رهن إشارة «ديوان الإنشـاء» ويتمُّ دفـع ثمنه بأمرٍ من الكاتب (كاتب السرّ) في مركز صباغة الحرير في القاهرة ....» [51]

وإذا كانتْ قراءتي لهذا المقطــــعِ الدقيــــقِ (للمقـارنة مـع قراءة Quatremère,cxxxvii 1836) صحيحةً، فهذا يعني أنَّ لدينا اسمَ المكانِ الذي كانت تُزوِّدُ منه مستشاريّة المماليك بالقاهرة نفسَها بالورق.

 وبمجرّد وصولهــــا إلى المستشاريّة، بقيت الصحيفةُ تحتَ المراقبــــة، وقال مؤلّف ديوان الإنشـــــاء باريس، عن «الطـرف الثالث» (على الأرجــــح الورقــــة الأكثــــر شــيوعًا): بدون شكّ الشخصُ المكلَّف بتوزيع الورق في مكاتب المستشاريّة.

«لا يتمُّ قطع الورق من هذا الحجم أو تجميعُه عن طريق اللصق أبدًا إلّا من طريق وَرّاق[52] المستشاريّة. هذا الأخير لا يترك ورقة من ماعون الورق[53] إلّا لإعطائه لمن يجبُ أنْ يحصلَ عليه، وبأمرٍ من رئيس الديوانِ فقط. إنَّ إعطاءَ حجم الورقة (قطع الورق) هو من مسؤوليّة القائم على ذلك، وليست على عاتق من يعوّضُه على الإطلاق» (ص. 178).

يبـــدو أنَّ هذا يعني أنَّه يمكن التعــرُّف على «الثلث»، وأنَّه يُستخدم بشكل شائع للغاية للوثائق الإداريّة، وقد كان من المهمِّ بشكل خاصّ منعُ استخدامه من قبل مزوّرين.

ورقُ مراسلي الدّيوان والأفراد

نجــدُ عند مؤلّفينـــا، بالإضافة إلى أحجام ورق المستشاريّة، نجدُ بعض المؤشّرات على الورقة التي يستخدمها مراسلو المستشاريّة.

ووِفقًا لمخطوطة «باريس»، فقد اختــــار الأمراءُ الأجانب البغداديّ للمراســلة مع المستشاريّة إذا استطاعوا (عرب 4439 ص .177). ويضيفُ أنَّه عندما نفــد ورق بغداد (للأسف لا نعرف لأيّ سبب)، قاموا بعمل ورقــة في دمشق تشبهه إلى حدٍّ كبير. نودُّ أن نعــــرف ما إذا كانت هذه الورقــــــة قــد احتفظت باســـمها في هذه الحــالة؛ ممَّـــــا يفســـّـر لماذا ليـــس من غير المألـــوف أن يقول الناســــخ إنَّهم اســـتخدموا البغـدادي (على سبيل المثال: :Quatremère,1836 CXXXII-CXXXIII، الملاحظة 214).

 وفي مصر نفســــها، وِفقًا للقلقشندي (364  - XIV1987)، فقــــد استخدم مبعوثو المستشاريّة ورقًا بحجم عادي (قطع العادة)، أو ورقًا بلديًّا (من البلد). استخدم المراسلون السوريّون الورق الشاميّ، ولكنْ كان هناك إلى جانب الشاميّ باللون العاديّ، الشاميُّ باللون الأحمر، ولم يكن لهما سوى ميزة استخدامهما من طرف ممثّلي السلطان في دمشق وفي الكرك لمراسلاتهم الرسميّة (القلقشندي، 1987 الثامن، 56). ذكر «القلقشندي» مرَّةً أخرى ورقة البلدي فيما يتعلّق بتفويضات النطق بالفتاوى والتدريس (إجازة بالفتوى والتدريس) والتي ألقاهـــا شيوخٌ لتابعيهم، وقد كتبت هذه التفويضات عادة على ورقة ذات عرض جيــد (يكتب في قطع عريض) وقد كان شاميًّا «أو أيَّ نوعٍ آخرَ من البلديّ» (وأنواع من البلدي) (1987 XIV 364).

وخـــارج الديوان، تمَّ استخدام ثلاثةِ أنواعٍ من الورق: نوعان من الورق يحملان اسمًا موجودًا بين تلك التي تستخدمها مكاتب المستشاريّة (البغداديّ والورق العاديّ المسمّى قطع العادة)، وثالث لم تستعملْه المستشاريّةُ «البلديّ».

ورقُ المكتبة

في هذه المرحلةِ من البحث، تشير المصادر إلى التفكير بأنَّ الورق المستخدم في مصالح الإدارات والمستشاريّة كان قد صُنع خصّيصًا لها، وأنَّ بعض الورق يُحتَمَلُ أن يكون مشابهاً لورق الأفراد وبالتّالي باعة الكتب. لذلك سيكون من المثير للاهتمام المقارنة بشكل ملموس بين ورق المستشاريّة وورق المكتبة.

إنَّ النقطــــــة الوحيــــدة التي يُمكــن أن تتعلّــقَ بها المقــــــارنةُ في الوقت الحـــــالي هي الحجم، لأنَّنـــا محظوظــــون لأنْ نتوفـــّـــــرَ على ملاحظــــات «جـــون إيريجــوان» (Jean Irigoin) (1993- 303-4) الذي يُخبرنا بأنَّ الورق المستخدمَ في صناعةِ الكتب في الشرق الأوسط بدايــة من القرن التاســـع، جــــاء في ثلاثة أشــكال مرتّبــة (عن طريق إعـــادة الإعمـــار) ضمن الحدود الآتية:

حجم كبير 660-720 مم × 490/560 مم (حجم قريب من البغداديّ).

حجم متوسّط 490/560 مم × 320/380 مم (حجم قريب من «2/ 3»).

حجم صغير 320/370 مم × 235/280 مم (حجم قريب من «1/ 2»).

ويُضيفُ أنَّه في المكتبة، تكون أبعــــــادُ كلِّ ورقةٍ مثل عرض حجم معيّن يساوي طول حجمِ الأقلِّ منها مباشرةً ونصف طول حجم الأكثرِ منها مباشرةً؛ ممَّا يسمحُ بأنْ تتمَّ مضاعفةُ مساحةِ الورقةِ عند الانتقــــــال من حجـم إلى حجم أكبر، وبالتّالي فإنَّ الأحجام المختلفة متوافقة بسهولة، من خلال الطيّ. على عكس ما رأينـــاه بالنسبة لأوراق المكاتب الرســـميّة، إذ لا يمكن الحصولُ أبدًا على صفحـات الورق عن طريق اللصق، وطولها الثابت يوجــد في علاقة محدّدة جيّدًا مع عرضهـــا.

وإذا ما قارنّا هذه الأحجام مع تلك الخاصَّة بورق الديوان، أو على الأقلِّ مع عرضها، نرى أنَّ عرض الورق «البغداديّ»، الذي يعـــادل ذراعًا واحدًا، هو 488 مم، بينما عرض أكبر أحجام «إيريغوان» (Irigoin) يبلغ طول 490 ملم على الأقلّ، إذ تظهر متقاربة من النظرة الأولى، وبالتالي فإنَّ الحجمين غير متوافِقَيــْـن في الواقــــــع، ولا يمكن اســتخدام «البغداديّ» المستعمل في الديوان المصريّ خلال القرنِ الخامسَ عشرَ للحصول على ورق المكتبـــة من الحجـــم الأكبر[54]. ومع ذلك، نحتــاج إلى معرفـــة المزيــد عن أحجـــامِ الأوراق الأخرى، وخاصَّة تلك المصنوعة في سورية، حيث لا يتشابه الذراعُ (حوالي 70 سم) مع ذراعِ القاهرة، لمعرفة ما إذا كانت أحجام الورق العربيّ للمكتبة والمستشاريّة غير متوافِقَين حقًّا.

 وبالتّالي فإنَّ النصوصَ العربيــّــة وعلم المخطوطـــــات توفّر الكثير من المعلومات. لقد رأينـــا أنَّ اثنين من المؤلّفين القدمـاء، «ابن النديم» و «الجاحظ» يُميّزان بين أنواع مختلفة من ورق المكتباتِ التي لم نَعدْ قادرين على التعرّف عليها اليوم. كما رأينــــا أنَّ الأمناء الذين عملوا في مكتب مراسلات الدواوين المملوكيّة عرفوا كيف يميّزون -الذي ينقصنا حَالِيًّا- بين الأوراق المستخدمة هناك. جعلَ علمُ المخطوطاتِ من جانبه، من الممكن أيضًا التمييز، خاصَّة بين الأوراق المستخدمة في المكتبات، والبدء في اقتراح تصنيفات. ولكنّ التوافقات بين المعلومات المقدّمة من النصوص وملاحظة الأوراق نادرة جداً. ظلّت الفجوة بين السلسلتين كبيرة وتوفّر مقياساً للمسافة التي تتبقّى تغطيتها في منطقــة لا تزالُ غير مستغلّة بشكل كافٍ.

لذلك فكلّ اكتشافٍ لمصــدرٍ غيرِ مســبوق -مثل وصفــــة التصنيع التي نشرها (Adam Gacek) «آدم غاسق» في الصفحـــات الموالية- أو ملاحظةٍ جديدةٍ تعتبرُ ثمينةً لأنَّها تثير أسئلة أكثر دقّة وتعطي فرصًا جديدة لتوحيــد معرفتنا.    

المصادر والمراجع:

-ABBOTT N., 1972, Studies in Arabie Literary papyri, IIILanguage and literature, Chicago, The Univ. of Chicago Press, XVI-216 p.

-AL-MANONI M., 1991, Taʼrîkh al-wirâqa al-maghribiyya, al-Ribât, publ. de la Faculté des lettres et Sciences humaines de Rabat (ةtudes et recherches 2), 358 p.

-ARBERRY A.J., 1956, A Handlist of the Arabic manuscripts, t. II, Dublin, Emery Walker, 135 p. -70 pl.

-BEIT-ARIة M., 1996, «The oriental arabicpaper», Gazette du livre médiéval 28, 9- 12.

1999, «Quantitative Typology of oriental Paper Patterns», in M. Zerdoun Bat-Yehouda (dir.), Le papier au Moyen Age Histoire et techniques, Turnhout, Brepols, 4 1 -53.

-BLACHبRE R. et DARMAUN H., 1957, Extraits des principaux géographes arabes du Moyen آge, Paris, C. Klincksieck, 391 p.

-BRIQUET CH-M., 1955, «Le papier arabe au Moyen آge et sa fabrication», in Briquet’sOpuscula, The Complete work of Dr C. -M. Briquet without Les filigranes, in E. J. Labarre (éd.), Hilversum, Paper Publications Society, 129- 158.

-DةROCHE F., 2000, Manuel de codicologie des manuscrits en écriture arabe, Paris, Bibliothèque nationale de France, 413 p.

-DROUIN E., 1895, «Mémoire sur les Huns Ephtalites dans leurs rapports avec les rois Perses Sassanides», Le Muséon XIVII, p. 73-84,141-161, 232-247, 278-288.

-GACEK A., 2001, The Arabic Manuscript Tradition, A glossary of technical Terms and Bibliography, Leiden, E. J. Brill, 269 p.

-GROHMANN A., 1967, ArabischePalنographie I, Wien, Kommissionsverlag der ِsterreichischenAkademie der Wissenschaften in Wien, XVIII-54 p. -22 pl.

-HUMBERT G., 1998, «Papiers non filigranes fabriqués au Moyen-Orient jusqu’en 1450, Essai de typologie», Journal Asiatique 286/1, 1-54.

1999, «Un papier fabriqué vers 1350 en ةgypte», in M. Zerdoun Bat-Yehouda (dir.), Le papier au Moyen Age Histoire et techniques, Turnhout, Brepols, 61- 73.

-HUNTER D., 1991, Papermaking, the history and technique of an ancient craft, New York, Dover Publications Inc., XXIV-611-XXXVII p.

-IBN ABخZARʻ, Ants al-muṭrib bi-rawḍ al-qirṭâsfîakhbârmuluk al-maghribwa-taʼrîkhmadînatFâs, manuscrit BNF, Arabe 1868.

-IBN AL-NADخM, 1964, Kitâb al-FihristmitAnmerkungenherausgegeben von G. FliigeL, Bayrût, Khayats, VIII-278 -320 p.

-IRIGOIN J., 1993, «Les papiers non filigranes, ةtat présent des recherches et perspectives d’avenir», Ancient and Medieval Book Materials and Techniques, M. Maniaci et P. F. Munafٍ (dir.), CittàdelVaticano, Bibliotecaapostolicavaticana (Studi e Testi, 357-358), I, 265-312.

-AL-JآHIZ, 1940, Kitâb al-ḥayawân, t. IV, Le Caire, MaktabatMuṣṭafa l-Bâbî l-Ḥalabî, 536 p.

-KARABACEK J. VON, 1991, Joseph von Karabacek, Arab Paper 1887, tr. anglaise par D. Baker, London, [s.n.], 93 p.

-LE LةANNEC-BAVAVةAS M.-T., 1999, «Zigzag et filigrane sont-ils incompatibles Enquête dans les manuscrits de la Bibliothèque nationale de France», dans M. Zerdoun Bat-Yehouda (dir.), Le papier au Moyen Age Histoire et techniques, Turnhout, Brepols, 119-133.

-LOVEDAY H., 2001, Islamic paper, A study of the Ancient craft, s. 1. [Londres], The Don Baker MemorialFund, 90 p.

-NASIR-I KHOSRAU, 1881, Sefer nâmeh, Relation de voyage de NassiriKbosrau en Syrie, en Palestine, en Egypte, en Arabie et en Perse, éd. Ch. Schefer, Paris, E. Leroux, I, LVlII-348-98 p.

-AL-QALQASHANDخ, 1987, Ṣubḥ al-aʻshâfîṣinâʻat al-inshâʼ, Bayrût, Dâr al-kutub al-ʻilmiyya, XIV vol.

-QUATREMبRE M., 1836, Histoire des mongols de la Perse écrite en persan par Rashid-eldin, publiée, traduite en français, accompagnée de notes et d’un mémoire sur la vie et les ouvrages de l’auteur, I, Paris, Impr. royale, [VIII-] CLXXV-450 p.

-AL-THAʻآLIBخ, 1867, Latâʼif al-maʻârif, Leiden, E.J. Brill, XLI-158 p.

-VALLS I SUBIRہ O., 1970, Paper and watermarks in CatalonialElpapel y sus filigranos en Catalunya, Hilversum, Paper Publications Society, XXXIV-475 p., pi. et cartes.

-TEKIN Ș., 1993, Eskitiirklerde, Yaz, kâğit, kitapvekâğitdamgalan, Istanbul, ErenYayıncılıkveKitapçılık, p. 136.

-VELKOV A. et ANDREEV S., 1983, Filigranes dans les documents ottomans. I: trois croissants, Sofia, NarodnabibliotecaKiril i Metodii 79 p.-CCLX Pl.

-YآQغT al-RغMخ, 1927, Irshâd al-arib li-maʻrifat al-adîb, éd. Margoliouth, Londres/Le Caire, Luzac& co., XIII-249 p. (t. Ill), X-583 p. (t. V).

1956, Muʻjam al-buldân, Bayrût, DârṢader, II (fasc. 5-8), p. 422.

-ZERDOUN BAT-YEHOUDA M., 1999, « Enquête sur les papiers non filigranés des manuscrits hébreux datés antérieurs à 1300 », in M. Zerdoun Bat-Yehouda (dir.), Le papier au Moyen آge: histoire et techniques, Turnhout, Brepols, 85-99.

Référence papier

Geneviève Humbert, « Le manuscrit arabe et ses papiers », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, 99-100 | 2002, 55-77.

Référence électronique

Geneviève Humbert, « Le manuscrit arabe et ses papiers », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée [En ligne], 99-100 | novembre 2002, mis en ligne le 12 mai 2009, consulté le 20 avril 2020.

----------------------------------

[1]*- أكاديميّة فرنسيّة مهتمّة بالدراسات اللّغويّة والنحويّة - المركز الجامعي للبحث العلمي بباريس. تَرْجَمَهُ عن الفرنسيّة: د.مؤنس مفتاح، مترجم خرّيج مدرسة فهد العليا للترجمة، وأستاذ باحث في مباحث الاستشراق وأدب الرحلة. رابط المقال:

https ://journals.openedition.org/remmm/1174

[2]- حديثة، مدينة عراقية تقع غربَ العراق في محافظة الأنبار على بعد 260 كيلومترًا غربَ العاصمة بغداد، وتمتدّ مدينة حديثة على ضفاف نهر الفرات مسافة قدرها 25 كم، وتسكنها عشائر وقبائل عربية مختلفة من أهل مدينة حديثة، والرمادي وعنة وراوة. وتمتاز مدينة حديثة بكثرة العلماء والأدباء والشعراء وكذلك تمتاز بكثرة علاقات القرابة والمصاهرة بين عشائر وقبائل المنطقة إلى حدِّ اتّصاف الجميع بصفة الانتساب إلى المدينة، حيث أصبح الجميع بالدرجة الأولى من الحديثيين. ( المترجم)

[3]- المخطوطة العربيّة  3315، والتي نسخت خلال القرن الخامس/ الحادي عشر بحسب «أربيري» (Arberry).

[4]- لقد تُوفّي بالضبط يوم الأحد 2 نونبر 990، إذا أخذنا بعين الاعتبار ملحوظة «المقريزي» المسجّلة (...)

[5]- أبو الأسود الدؤلي (المتوفَّى سنة 688).

[6]-  يجد المرء الورق المصنوع في هذه المناطق في الكتب الأرمينيّة، القبطيّة، اليونانيّة، العبريّة، يس (...)

[7]-  توفّي سنة 869.

[8]- حول صناعة قديمة للورق في «سمرقند» في دير «مانوي»، انظر «فرنسوا ديروش» F. Déroche (...)

[9]- توفّي سنة 1038.

[10]- بمساعدة (H. Vetch) الذي أشكره.

[11]-  تمّ العثور عليه في القرن 20 بواسطة P. Pelliot في كهف «دونهوانغ» (Dunhuang)، في الطرف الغربي من (...)

[12]- مدينة من شمال أفغانستان اليوم.

[13]- تُوفّي حوالي سنة 826.

[14]- استنتج «كاراباسك» (Karabacek) (54 1991) أنّ مقاس الصفحة 240 × 160 سم والورقة 320 × 240  مم.

[15]- كان أصل «المرزباني» من خراسان.

[16]- من اسم السلطان الذي حكم أفريقيا من 1016 إلى 1062، والذي مثّل الشخص المُهدى إليه.

[17]- اسمه «محمد بن زبيدة» في النصّ.

[18]- لم أًشاهد أيًّا من هذه الأوراق حتّى الآن.

[19]- ممَّا يشير بلا شكّ إلى مُنتَج غير مكلف شائع الاستخدام بين المصريين.

[20]- مدينة في مقاطعة فالنسيا.

[21]-»حَجَرٌ لعمل الكاغد» (ابن أبي الزرع، م.و.ف.ع 1868 و. «18.1. 17-18).

[22]- حول هذا الموضوع، انظر الجزء الأخير من كتاب (H. Loveday) الذي نشر للتوّ.

[23]- رغم وجود عائق التشذيب في حالة أوراق المكتبة.

[24]- عربي 6630.

[25]- استعاد ملك «أراغون» فالنسيا بشكل نهائي سنة 40-1239، و «شاطبة» سنة 1248.

[26]- يتعلّق الأمر بالمخطوطة D 529. أشكر (M.-G. Guesdon) لقبوله التواصل معي، معلوم (...).

[27]- عربي 1258.

[28]- ربّما تم تغيير التاريخ.

[29]- عربي 155.

[30]- عربي 1292، نسخ في 957 / 1550-1551، ربّما في تركيّا.

[31]- هذه مثلًا حالة مخطوطة المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، عربي 6499، المنسوخة سنة 1212، ربما في إشبيليا.

[32]- أشار لي «فاروق بيليسي» أنّه تستخدم في اللغة التركيّة كلمة (Beyaz) بدلًا من كاغيد (Kâgit) للتحدّث عن الورق (...)

[33]- عربي 7264.

[34]- يشير «ف.ريتشارد» (F. Richard) إلى أنّ صناعة الورق في الدول الإسلاميّة في آسيا الوسطى تبدو (...).

[35]- تحت تأثير تعديل معين.

[36]- طبقًا لمؤلف النصّ الوارد في المخطوطة العربيّة 4339 من المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة (ص .177 ظ)، نَستخدم  نادرًا (...]

[37]- طبعته الأولى في 14 مجلّدا، بتاريخ 1913-1920.

[38]- عربي 4439.

[39]- تمتّعت الورقة المصنوعة بطريقة تقليديّة في سورية بمكانة خاصّة، وظلّت (...].

[40]- قارن مع (Quatremère)  (1836 CXXXll).

[41]- ما زال استعمال مصطلح «ورق» لـ «قرطاس» مألوفًا اليوم في سورية، ووفقًا لمؤلف (...]

[42]- من الطماطم اليونانيّة. كان «طومار» عمر أصلًا يعني، من حيث المبدأ، 1/6 ج من ورق البردي.

[43]- المراد بالدرج في العرف العام الورق المستطيل المركب من عدّة أوصال وهو في (...).

[44]-  يبدو لي أنّ «الدرج» عبارة عن لفافة مع امتداد عمودي مصنوع من عدّة أوراق والتي (...].

[45]- عرض درج يعني ذراع واحد... وطول كلّ وصل  من الدرج  المذكور ذراع ونصف.

[46]- انظر السابق، في مخطوطة باريس، ص. 177.

[47]- يمكن أن يتعلّق الأمر بمحمّد بن علي المدعيني  (135-215 أو 225)، ولكنّه تقريبًا دائمًا (...)

[48]- انظر رقم 3 في سوب والملاحظات التي تلي الجدول.

[49]- وهو ما قد يريد المؤلّف فعله جدول رقم (2) بالإشارة إلى الحجم المستعمل في المناسبات الاستثنائيّة

[50]- يبدو أنّه عند المؤلّفين بالنسبة لــ «الحجم الصغير» (المستخدم للإرسال السريع) يستخدم ورق المراسلات عبر الحمام (...).

[51]- هل هذا اسم شركة  تحت السيطرة أيضًا.

[52]- بدون شكّ الشخص المكلف بتوزيع الورق في مكاتب المستشاريّة.

[53]- قرأت (يبدو لي مثل Quatremére)، «رزمة» بدلًا من «ميزرا» الناسخ.

[54]- في رسالة حديثة (2001 ميلكوم Melcom)، أشار «ف. باودين» (Bauden.F) إلى أنَّ الأرشيفات  المدمّرة في ص (...).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف