تكشف فرنسي للصحراء الكبرى، اهتم خصوصاً بالطوارق.
ولد في باريس في 28 فبراير سنة 1840، ومات منتحراً في سنة 1892 في غابة قريبة من منزله في Sèvres.
أرسله والده ليتعلم التجارة في مدرسة تجارة بمدينة ليپتسك (ألمانيا) وكان الرحالة والمستكشف الكبير لإفريقية الصحراوية هينرش. بارت Henrich Barth قد عاد لتوه من رحلته الاستكشافية في إفريقية، والتي أثارت دويّاً آنذاك في ألمانيا، فأوحى ذلك إلى الشاب هنري دوفرييه بالرغبة في القيام برحلة مماثلة.
فتعلم اللغة العربية، وشرع في أول رحلة إلى الجزائر في سنة 1857 وهو في السابعة عشرة من عمره. فسافر إلى الجزائر العاصمة، ثم منها إلى الهضاب العالية في الجنوب، حتى وصل الأغواط، عند بداية الصحراء الكبرى.
ولما عاد من هذه الرحلة بعث إلى الجمعية المستشرقية في برلين بتقرير عن لهجات أربع قبائل.
وسافر إلى لندن، فالتقى بالرحالة الكبير هينرش بارت Barth الآنف الذكر، وسأله المشورة، مخبراً إياه بعزمه على القيام برحلة في الصحراء الكبرى. فزوده بارت بالنصائح ومن ثم توثقت العلاقة بينهما، وتواصلت المراسلات. يقول دوفرييه غداة وفاة بارت: «إن بارت، رسائله المليئة بالنصائح الودية والإشارات الثمينة، قد سهر من بعيد على نجاح محاولتي، فاتحاً لي وجهات نظر جديدة، منبهاً إياي إلى وقائع بالغة الأهمية لفتت انتباهي. وبعث إليّ برسالة مكتوبة باللغة العربية وموجهة إلى أصدقائه في الصحراء الكبرى والسودان، كيما يحموني عند الحاجة».
وشرع في رحلته هذه في الصحراء الكبرى في سنة 1859 وهو في التاسعة عشرة من عمره، فأبحر أولاً إلى الجزائر العاصمة. ومن هناك ارتحل إلى غرادية، ثم إلى الجوليا التي لم يكن قد وطئ أرضها أحد من الأوروبيين من قبل.. ولم يحاول التخفي في زي إسلامي، ولم يخف أنه مسيحي، مثلما فعل ذلك كثير من الرحالة في بلاد العالم الإسلامي، بل تنقل بثيابه الأوروبية معلناً أنه مسيحي.
وقام برحلة ثانية في صحراء جنوبي الجزائر وجنوبي تونس، وكانت هذه الرحلة الثانية بتكليف من الحكومة الفرنسية. وبمعونة منها، وتدخل في تحقيق ذلك له الإمبراطور نابليون الثالث، إمبراطور فرنسا آنذاك، لأنه كان يريغ من ورائها إلى التوسع الفرنسي في الصحراء الكبرى جنوبي الجزائر. فكانت مهمة دوفرييه هذه إذن استكشافية سياسية تمهيداً لحملة عسكرية!.
فتجول في إقليم الطوارق جنوبي الجزائر، وتونس، وليبيا، وبدأ فتوجه أولاً إلى واحة غدامس، حيث قبائل الأجير. واستطاع توثيق الصلة مع زعيمين من زعماء الأجّير هما: أخنوكمن، والشيخ عثمان، وذلك بأن أغراهما بمساعدة فرنسا لهما ضد منافسيهم من القبائل الأخرى. وكانت الحكومة الفرنسية قد وضعت تحت تصرفه أموالاً للصرف منها على أهداف رحلته، ومنها استمالة قبائل الطوارق لتحقيق غزو فرنسا لبلادهم. ونراه يشكو من مطالبات زعماء الطوارق له بالأموال فيقول: «إن الطوارق عذّبوني ولا يزالون يعذبونني بمطالباتهم المستمرة الملحة وأخلاقهم المتغطرسة حتى إني أكاد أكون مدفوعاً إلى الغضّ من صفاتهم الطيبة».
وتعلم دوفرييه لغة الطوارق، وتدعى: التمشق، وكتابتهم وتدعى: التفناق، وشاركهم حياتهم اليومية وتنقلاتهم؛ وراح يستقصي أخبارهم، ويطلع على خباياتهم، ويدوّن هذا كله في مذكراته.
وقد بدأ أول إقامة بين ظهراني الطوارق في منتصف عام 1860، وبقي بينهم طوال عام، بعده سافر إلى مرزق، في إقليم فزّان في جنوب ليبيا.
ومن هناك عاد إلى مدينة الجزائر ليقدم تقريراً إلى المقيم الفرنسي العام في الجزائر. ثم سافر إلى باريس لتجديد مهمته ومهمّاته، استعداداً لاستئناف استكشافاته بين الطوارق. لكنه لم يقدر له أن يعود إليهم بعد ذلك أبداً.
وبعد عودته بثلاث سنوات، صدر كتابه الرئيسي وعنوانه: «طوارق الشمال» (باريس، سنة 1964، في 489 ص). وفيه معلومات ومشاهدات غزيرة ووثائق قيّمة، على الرغم من أنه لم يزر المراكز الرئيسية للطوارق، مثل منطقة تشيلي، ومنطقة الهُجّار (أوك الهفار، كما يكتبها المؤلفون المغاربة، وعندهم أن القاف بثلاث نقط تنطق مثل الجيم المصرية).
وهكذا أمضى دوفرييه الثلاثين سنة الأخيرة من حياته في باريس، مقيماً بمنزله في سفر Sèvres، يجتر أحلامه في القيام برحلات استكشافية جديدة في بلاد الطوارق وفي قلب الصحراء الكبرى، دون أن يستجيب لهذه الأحلام أحد في الجهات الحكومية الفرنسية، خصوصاً بعد زوال حكم نابليون الثالث في سنة 1870 بعد هزيمة فرنسا على يد ألمانيا، وقيام الجمهورية الفرنسية الثالثة.
وفي وحشته المقبضة قرر الانتحار، فخرج من بيته في سفر إلى غابة مجاورة وهناك أطلق على نفسه الرصاص من مسدس، فتوفى فوراً. وكان ذلك في سنة 1892 وهو في الثانية والخمسين من عمره.
المصدر: موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بديوي، 1992