تأليف :
مجموعة مؤلفين
إعداد وتحرير :
د. عمّار عبد الرزاق الصّغير
فهرس المحتويات :
إرهاصات الاحتلال البريطاني للعراق / د. ياسين شهاب شكري
أهميّة العراق الإستراتيجيّة للسياسة البريطانيّة / د. صباح كريم رياح الفتلاوي
الاستعمار البريطاني وملف الإدارة المدنيّة والاقتصاديّة للعراق 1914- 1918/ د. حسن موات حسين
خطط التنمية الزراعيّة للإدارة البريطانيّة وآثارها على العراق (1917-1919) / د. فراقد داود سلمان الشلّال
التنظيم القانوني للآثار العراقيّة في ظلّ الاستعمار البريطاني / م. حسين خليل مطر
موقف الإدارة الاستعماريّة البريطانيّة في العراق حيال القوميّات والأقليّات الدينيّة، / د. سيف عدنان ارحيم القيسي
الاستعمار البريطاني والملف العسكري والقضائي للعراق 1914-1918/ د. حسن الفرطوسي
دور الصحافة العراقيّة في مواجهة الاستعمار البريطاني، «جريدة الاستقلال أنموذجًا» / د. فرقان عبد
دور وسائل الإعلام وجريدة الفرات في فترة الاستعمار البريطاني، (دراسةٌ تاريخيّةٌ) / د. عبد الحسين عنوان
أدباء الحوزة العلمیّة في النجف الأشرف ومقارعة الاستعمار ، شعر الشيخ الشبيبيّ أنموذجًا / حسین الساعدي
دور الحركة العلميّة والأدبيّة في مقاومة الاستعمار، (ثورة العشرين أنموذجا) / براءة محمود العداي
قيادة المرجعية الدينية لثورة العشرين / الدکتور عبد الهادي الحكيم
علماء الحَوزة العلميّة وصناعة التاريخ / الدكتور محمد أمين الكوراني
مصاديق الجهاد ضدّ الاستعمار وفقاً لرؤية السيّد هبة الدين الشهرستاني / الدكتور محمد باقر البهادلي
الثورات العراقية ضد الاستعمار البريطاني (1918م-1920م) / م. م رقية حيدر طاهر القاضي
مقاومة الكوفة للاستعمار البريطاني في ثورة العشرين (مؤتمر الكوفة نموذجًا) / الدكتور محمد عبد الرحمن عريف
نظرة إلى النجف الأشرف ودورها في مقاومة الاستعمار البريطاني في العراق / الشيخ يوسف محمد عمرو
مقدّمة المركز
يهدف هذا الكتاب إلى إعادة قراءة حقبة الاستعمار البريطاني في العراق مطلع القرن العشرين، وتحديد أوجه الأهداف التي تحرّك في ضوئها، وبيان الأضرار التي أحدثها في بنية العراق الداخليّة والخارجيّة، في شتّى الشؤون السياسيّة والاقتصاديّة والمدنيّة والتعليميّة والاجتماعيّة والدينيّة، وموقفه من المؤسّسات الدينيّة، وعلماء الدين، وحملة الفكر، والقادة الجماهيريين.
ولا يُنكر بأنّ الاستعمار اتّخذ بعض الاجراءات التي أسهمت في تطوير بعض القطاعات في العراق، واحتوت على منافع غير أنّها كانت جزئيةً عابرةً، ومبنيةً على أهدافٍ تخدم مشروعه الاستيطاني والمنظومة الاستعماريّة بنحوٍ عام.
يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة إصداراتٍ تهدف بيان وجه الحقيقة المظلمة التي عاشتها الشعوب تحت وطأة جور الدول الغربية المستعمرة، فتبيّن المعاناة التي كابدتها المنطقة المستعمرة ومنها العراق جرّاء سلوك المنظومة الاستعمارية وفترة الانتداب، وآثار الغزو الثقافي على هوية العراق الثقافيّة والدينيّة والعرفيّة، وبنيته الاجتماعيّة والأضرار بالمواطنة، والتشكيك بقيمه، وتغريب الوعي، وتمزيق الوحدة بإيجاد الاختلافات وتنمية الانقسامات وبثّ الفرقة، وتعميق الاختلاف الطائفي والعنصري والقومي والديني وافتعال الأزمات، وتكوين ثقافةٍ بديلةٍ تقوم على تعظيم ثقافة المحتلّ، وتهويل قوته العسكريّة والسياسيّة، لصناعة أجيالٍ تؤمن بعظمة المحتلّ وقوته، وتوهين القدرة الذاتيّة على النهوض، ومن ثم إشعار العالم الإسلامي والعربي بالضحالة والعجز.
ولا يغفل الاستكتاب عن دور المقاومة الدينيّة والفكريّة والعلميّة والأدبيّة والجماهيريّة، والسياسية في مناهضة مشروع الاستعمار، وبيان الروح الوطنية التي تحلّى بها أبناء البلد.
يسعى الكتاب إلى قراءة هذه السياسات والمواقف قراءةً واعيةً موضوعيّة، وقراءة دواعي المحتلّ البريطاني لإيجادها، وآثار ذلك حتى الوقت الراهن؛ للخروج بصورةٍ واضحةٍ عن السياسة الاستعمارية، وما تُخلِّف من خرابٍ مُستدامٍ في واقع الشعوب؛ ممّا يسهم في فهم الآخر والواقع، وتكوين وعيٍ وطنيّ مستقلٍّ للحاضر والمستقبل.
فإنَّ ِذا الكتاب عماده استكتابٌ وجّه للباحثين، مشتملًا على أبوابٍ بحثيّةٍ تغطّي أبرز المجالات التي يمكن العمل عليها، منها باب يتعلّق ببدايات الاستعمار وإرهاصات الاحتلال البريطاني للعراق، ومنها ما يتعلّق بالاستعمار والمؤسّسات العلميّة والثقافيّة والإعلاميّة مثل اختياره أنظمة التربية ومناهج التعليم التي تناسبه، ووضع القوانين النفعية التي تعود عليه في مجالات التراث العلمي والمخطوطات والآثار. أو توظيفه للصحافة والإعلام ووسائلهما لصالحه. ومنها ما يتعلّق بحقل الاستعمار والمؤسّسات العسكريّة والحقوقيّة مثل المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة، والمؤسّسات الحقوقيّة والقضائيّة. ومنها ما يتعلّق بالاستعمار والتنمية والاقتصاد مثل مجالات الثروات والصناعات الوطنيّة، والزراعة والتجارة. ومنها حقل يتعلّق بسياسة الاستعمار النقديّة في العراق، والتصرّف في الاحتياط النقدي، والديون والقروض. وأبرز الأبواب بابٌ يتعلّق بالاستعمار وآليات تغريب القضايا الاجتماعيّة، مثل مشاريعه في تغريب أنظمة السلوك والأعراف والثقافات والعادات العامة، ومشروع الانقسامات والفتن الطائفيّة والقوميّة والعنصريّة.
وأخيرًا وُضِع بابٌ يبيّن موقف الشعب العراقي من الاستعمار عبر مناهضته ومقامته بوساطة المؤسّسة الدينيّة في النجف الأشرف ودورها في حركة التحرير، وموقفها من الانتداب والنفوذ البريطاني، ودور الحركة العلميّة والشعريّة والأدبيّة الفنون في المقاومة. ودور الثوّار مثل زعماء العشائر، والأحزاب، والحركات الوطنيّة والشبابيّة في المقاومة والجهاد وتكوين الثورات الوطنيّة الكبرى من البصرة الى النجف الأشرف حيث ثورة العشرين الخالدة.
ليثمر الاستكتاب عبر هذا الكتاب على ستة عشر بحثًا موزعة ًعلى المحاور والموضوعات المستهدفة، وقد جاءت في جزئين:
الجزء الأول تضمّن ثمانية بحوث، البحث الأوّل (إرهاصات الاحتلال البريطانيّ للعراق)، يعرض للواقع العراقيّ السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، وفيه قراءة لتأريخ الاستعمار، وأسباب الاحتلال البريطاني للعراق، وأهدافه، ودوافعه، وطرقه.
والبحث الثاني بعنوان (الإدارة الاقتصاديّة والمدنيّة للعراق في عهد الاستعمار البريطاني)، بيّن سياسية بريطانيا وتجاهلها لحقوق العراقيين بفرضها جملةً من القوانين النفعية، وسنّها لقوانين اقتصاديةٍ تفرض زيادة الواردات والضرائب الباهظة على المزارعين لتغطية نفقات جنودها وتعزيز مواردها المالية؛ مما أسهم في ترك كثير من الفلّاحين للزراعة، فتضرّر البلد بذلك، فضلًا عن فرض نظامٍ عزّز الاقطاعيات. بل شمل نظام الضرائب شتى ضروب الانتاج، والثروات الحيوانية والصناعيّة البسيطة.
أمّا البحث الثالث فعنوانه (التنظيم القانوني للآثار العراقية في ظلّ الاستعمار البريطاني)، وقد أوضح كيف عملت المس بيل على إصدار قوانين تفرض قسمة الآثار المستخرجة بين الجهات القائمة على التنقيب، والتحايل بقرارٍ يفرض منع تهريب الآثار الى العراق وليس منه، ممّا سبّب زيادة التهريب والسرقة لآثار البلد.
ثم جاء البحثان الرابع والخامس عن دور وسائل الإعلام والصحافة في بيان الواقع السياسي والسلوكيات الاستعمارية التي سلبت العراقيين حقوقهم ومنعتهم من حكم نفسهم، وقد اتّخذا من جريدتي الاستقلال والفرات النجفيتين مثالًا لذلك.
وتلا ذلك البحث السادس عن (الاستعمار البريطاني والملف العسكري والقضائي للعراق) الذي تناول فرض الاستعمار للحاكم العسكري ووضع أفرادٍ للشرطة والشبانة لفرض الأمن العام، التي كان تركيزها الرئيس وهدفها الأساس خدمة الجانب البريطاني؛ إذ كلّفت بحماية الطرق والمواصلات التي تسلكها القوات البريطانيّة، ومخازن أسلحتها.
وجاء البحث السابع بعنوان (خطط التنمية الزراعيّة للإدارة البريطانيّة وآثارها على العراق)، وقد كشف فيه الباحث عن الخطّة الزراعيّة السيّئة التي وضعها الاحتلال لنظام الزراعة في العراق لغرض ربطة بالسوق العالمي بالاعتماد على استيراد المضخّات المكلفة، فتسبب ذلك بترك الزراعة المحلّية لعدم القدرة على شرائها، أو يتم إقراض المزارع برأس مال وفوائد عالية، فضلًا عن استيراد البذور الأجنبيّة وترك البذور المحليّة، وغير ذلك ممّا سبّب تباطئ النمو الاقتصادي للزراعة، فنجمَ عن ذلك انقسامٌ كبيرٌ في الطبقات الاجتماعيّة بنشوء طبقة الاقطاعيين وسيطرتها على طبقة الفلّاحين. ذلك كلّه يدخل في سعي بريطانيا للاستيطان أكثر في العراق بتضييق الخناق عليه، وإبقائه تحت أغلال الحاجة إليها.
أما البحث الثامن (موقف الإدارة الاستعماريّة البريطانيّة في العراق حيال القوميّات والأقليّات الدينيَّة) فقد أظهر كيف استغلت الإدارة البريطانيّة إثارة قضايا القوميّات والأقليّات، في تمزيق النسيج الاجتماعي، وافتعال الأزمات، ثم استغلال بحجّة حمايتهم كورقة ضمانٍ يعزّز حجة وجودهم واستيطانهم.
أما الجزء الثاني فقد تضمن تغطيةً واسعةً لملف مناهضة الاستعمار ومقاومته من شتّى الجهات التي أسهمت في تحرير العراق، مع تبيين الأسباب الكامنة وراء الثورات العسكريّة. وتم التركيز على الدور الكبير للمرجعية الدينية في النجف الأشرف حيث الفتوى بالجهاد، والتعبئة المنظّمة، والتحشيد الهائل، والاستجابة العظمى للثوّار في محافظات وسط العراق وجنوبه. وتضمّن البحث الرصين في بيان الحقائق في توقيت فتوى المرجعية وأسبقيّتها على الأحداث التي وقعت متفرقة في العراق، لردّ تلك المحاولات التي سعت إلى التغطية على أسبقيّة المرجعية ودورها في بدء النهضة، ونسبت ذلك إلى مسمّيات هنا وهناك.
وكان من أبرز الشخصيات الدينيّة التي أسّست لمناهضة الاستعمار البريطاني الميرزا محمد تقي الشيرازي - وهو من علماء الحوزة في العراق - الذي أفتى بالجهاد، فنهضت الأمة ملبيةً نداءه، ونجله الشيخ محمد رضا، والشيخ فتح الله الأصفهاني (شيخ الشريعة) الذي تسلّم زمام القيادة خلفًا للميرزا الشيرازي، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والقائد الفذ السيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ مهدي الخالصي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ محمد جواد الجزائري، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والسيد أبو القاسم الكاشاني.
ولم تغفل بحوث نهضة المقاومة عن إبراز دور كثيرٍ من الشخصيّات الاجتماعيّة الكبيرة التي كان لها أثر ٌواضحٌ في الاستجابة والنصر والتحرير، ودور الجمعيّات والصحافة والمثقّفين والأدباء وزعماء العشائر والشخصيّات الاجتماعيّة ذات التأثير في الوسط الاجتماعي.
وقدمت بحوث هذا الجزء تفصيلًا كبيرًا عن الثورات التي حصلت في جنوب العراق ووسطه منذ اليوم الأول للاستعمار سنة 1914 حتى الثورة الكبرى 1920م، مع التركيز الدقيق على أسباب تلك الثورات، وصور الوحشية التي مارسها الاحتلال البريطاني، وصور ظلمه، وانتهاكه للحقوق، وسلبه للحريّات، وإشعاله للفتن، ونهبه للثروات الوطنيّة والشخصيّة، وإرهاق العراقيين بالضرائب والجبايات. وغير ذلك من أسبابٍ قادت إلى النهضة والتحرير.
هذه المحتويات جاءت متفرقةً في الجزء الثاني في بحوثٍ منها (قيادة المرجعيّة الدينيّة لثورة العشرين)، و(مناهضة الاستعمار البريطاني ومقاومته «الثوّار والثورات»)، و(مصاديق الجهاد ضدّ الاستعمار وفق رؤية السيّد هبة الدين الشهرستاني)، و(مقاومة الكوفة للاستعمار البريطاني)، و (دور الحركة العلميّة والأدبيّة في مقاومة الاستعمار).
إنّ تجديد الكتابة في هذا الموضوع يبيّن الصور المأساويّة والأضرار العميقة التي يخلّفها الاستعمار أينما حلّ، فإحياء الكتابة فيه واستدامتها بمنزلة التحذير من خططه الجديدة وأساليبه المعاصرة الأكثر إيهامًا وخديعةً وفتكًا؛ لتجنّب إعادة مأساة الماضي، والخلاص من أغلال الحاضر، ومواجهة تحدّيات المستقبل.
أخذ هذا المشروع الاستكتابيّ الجماعيّ طريقه إلى الاكتمال بمشاركة مجموعةٍ من الباحثين، وعرفانًا بإسهاماتهم في إنجاز الكتاب يتقدّمُ المركز الإسلاميّ لهم بوافر الشكر والتقدير على ما جادت به أفكارُهم، من جهودٍ علميّةٍ كريمة. كما تقدّم إدارة التحرير بالغ شكرها إلى الأخوة المسهمين في إنجاز العمل، بدءًا من الدكتور فضاء ذياب لجهوده في التدقيق اللغوي، والأستاذ علاء الأعسم، والدكتور فرقان الحسيني، والأستاذ مصطفى الشمري.
نأمل أنْ يحقّق هذا الكتاب منفعةً علميّةً للقرّاء الكرام، ويُثري موضوعَه الذي كُتب فيه.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
وصلّى اللهُ على رسولهِ الأمينِ محمدٍ وعلى أهلِ بيتهِ الطيّبينَ الطاهرين