البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 12 / 2021  |  1123مشكلة الميتافيزيقا الكانطية هي في تقليص دائرة نشاط العقل

الحوار مع :البروفسور حسين غفاري
مشكلة الميتافيزيقا الكانطية هي في تقليص دائرة نشاط العقل

يدخل هذا الحوار مع الباحث الإيراني البروفسور حسين غفاري في فضاء نقد الأطروحة الكانطية في الحقل الأبستمولوجي، وما من شك في أن هذا الحوار الذي يختزن جملة من القضايا المثيرة في فكر كانط سوف يسهم في تفعيل النقاش الفكري حول شخصية مؤسِّسة في الفلسفة الحديثة. حيث لا تزال أطروحاتها المفارقة تشغل الأوساط العلمية والثقافية على نحو لم يسبق له نظير.

فيما يلي النص الكامل للحوار كما صدر في العدد 41 من المجلة المشار إليها.

المحرر


* ما تقييمكم لأصل نقد كانط، لا سيما في النقد الأول الذي يعمد فيه إلى إلغاء العقل الميتافيزيقي، ليفتح الطريق، كما كان يقول، أمام الإيمان؟

- هذا سؤال مهمّ جدًّا، لا سيما وأن هناك جماعات في مجتمعنا كانت ولا تزال تتبنى العقائد والأهداف التي تشبه تلك العقائد والأهداف التي تبناها إيمانويل كانط في مقدمة النقد الأول، قال كما ذكرتم، إنه يعتزم في هذا الكتاب تضييق دائرة العقل ليفتح الطريق أمام الإيمان، وهذا يعني أن كانط يقرّ بذلك صراحة. وقد كان النمط الأخلاقي والثقافي لـ كانط ينسجم وهذه الغاية. فقد كان من الناحية الشخصية فرداً ملتزمًا، إذ كانت أمُّه بيوريتانية[1] ملتزمة، وقد كانت منذ نعومة أظفارها مهتمّة جدًّا بفكرة الإخلاص، وقد ترك هذا الإخلاص تأثيره في ابنها أيضًا. إلى هذا يذكر كانط) في مؤلفاته أنه قد تأثر بـ جان جاك روسو[2]، ولا يخفى أن روسو كان حامل لواء الحركة الرومنطيقية[3] قِبال التنوير، فقد كان يروم الدفاع عن مسمى الإيمان والأخلاق وعن الوجود الفطري والطبيعي للإنسان في مواجهة النزعة العقلانية التي خلفت الكثير من المشكلات في الثقافة الغربية. وبطبيعة الحال فإنّ هاجس روسو لم يأت من النزعة المعنوية القائمة على الوحي، بل إنّ التيار الرومنطيقي بشكل عام يهتم بالعواطف الإنسانية وبنمط من النزعة المعنوية القائمة عليها. لقد تأثر إيمانويل كانط بـ روسو من هذه الناحية إلى حدّ كبير، ومن هنا نجده يكثر من الإشارة إليه.

وفي التيار الثقافي العام بعد العصور الوسطى، أي منذ القرن الرابع عشر للميلاد، تعرّضت مسألة الإيمان ومسألة المعنويات إلى الكثير من التحديات. لقد كان جانب من هذه المتغيّرات الثقافية علميًّا، كما كانت بعض جوانبها الأخرى فلسفية، وبعض جوانبها الأخرى كانت، في الأساس، اجتماعية، بمعنى أنها ترتبط بالأداء المباشر للكنيسة والضغوط التي كانت تمارسها بحق مجتمعها. لقد كان لكل فعل ردّ فعل، فقد مارس هؤلاء ضغوطًا على مجتمعاتهم لسنوات متمادية، حتى بدأت هذه المجتمعات تتخذ بالتدريج ردود فعل سلبية تجاه هذه الضغوط. رد الفعل السلبي  اتخذ أحيانًا شكل الثورة، وأحيانًا برز على شكل تيارات معارضة، وأما عند العلماء فإنها اتخذت على شكل بناء التحوّل الفكري. لقد كان هذا التيار متناغمًا ومنسجمًا مع تلك الأحداث العلمية. وفي الحقيقة فإن بعض مشكلات الكنيسة من قبيل تفسير العهدين، بحيث يجعلهما مخالفيْن للعلم والعقل كان منشأ لهذه المسائل. بطبيعة الحال فقد كانت جذور هذه المسألة كامنة في النصوص المقدّسة نفسِها، إذ تحتوي على مثل هذا التضاد. وقد أدى هذا الأمر إلى توسّع الشرخ شيئًا فشيئًا، حتى  إنّ دائرة التشكيك في الدين وإيراد الإشكالات عليه قد أصبحت تتخذ كل يوم شكلًا جديدًا.

لو أنكم قرأتم مقدمة كانط النقدَ الأول (نقد العقل الخالص)، وجدتم بوضوح أن استياءه يكمن في أننا نسمع كل يوم معزوفة جديدة ضد الدين، ويظهر كل يوم شخص ليُشْكل على الدين من هنا وهناك. فتارة يتمّ توجيه الإشكال إلى الدين من طريق العلم، وتارة من طريق الفلسفة، وتارة أخرى من طريق الأخلاق. لقد رأى كانط أن هذا الرداء الدارس لم يعد ينفع معه الترقيع. فإنك ما إن تخيطه من موضع حتى يظهر عليه خرم في موضع آخر. ومن هنا فقد رأى ضرورة قطع جذور هذا الارتباط من الأساس، أي على ما سبق أن ذكرت فإنّ كانط كان يبحث عن مدرسة تفكيكية في الفضاء الثقافي للغرب.

لقد وجد كانط أننا إذا وضعنا الدين والعقل في كفة واحدة، ونظرنا إليهما نظرة واحدة، فإن الذي سيتضرّر على الدوام هو الدين. إن جسد الدين يتعرّض دائمًا إلى سهام تنطلق نحوه من قوس العقل. ومن هذه الناحية ذهب كانط إلى القول بالتفكيك، بمعنى أن هذين المفهومين لا يمكن لهما أن يجتمعا. وبطبيعة الحال فقد سعى إلى إثارة هذه الأمور من خلال بيان عقلي يحافظ فيه على العلم ليقوم بوظيفته العرفية المتمثلة بالبيان المرسوم للعالم، ولا يكون له في الوقت نفسه صلة بالإيمان. ولهذه الغاية كان يجب إخراج تلك الأجزاء من الفلسفة التي تربطها بدائرة الإيمان من سلطة الفلسفة، بحيث لا يبقى في إمكان العقل والفلسفة التدخل في العالم الروحاني والمعنوي، وأن يقتصر نشاطهما على العالم المادي. إن العلوم التجريبية الناظرة إلى عالم المادة تقوم بمهامها، وعلى الفلسفة أن تجد تسويغاً عقلانيًّا لما تقوم به العلوم التجريبية، بمعنى القول إن نشاط العلم منسجم مع مجمل نظام العالم، وإن الفلسفة تدعم نشاط العلم بشكل ما. وعليه، تكون الفلسفة من الأمور المسموحة، بمعنى أنه يمكن أن تكون لدينا فلسفة. لكنّ هذا العقل إذا أراد أن يتدخل خارج هذه الدائرة، وأراد الدخول ضمن دائرة العالم المعقول، فإن هذا الأمر لن يكون ممكنًا. وباختصار لا يمكن للعقل، بحسب التعبير القرآني، أن يتدخل في عالم الغيب. وإنما تلك الدائرة من مختصات حقل الإيمان. ولا يمكن للفلسفة أن يكون لها تدخّل في هذه الدائرة. إذن يجب على ما وراء المشهودات والمحسوسات أن تخرج في الأساس من حقل النشاط الفلسفي.

ولكننا إذا أطلقنا هذا الكلام شعارًا أو ضمن إعلان، فلن نجد أذنًا صاغية من أحد. فليس هناك من يتقبل هذا الكلام، ومن هنا فقد تصدّى كانط ليقوم بهذا الأمر من خلال مشروع تقني هو غاية في التعقيد. وكان يجب على مشروعه التقني والعقلي أن يقوم بأمرين: أنْ يحول المشروع دون تدخل العقل والفلسفة في دائرة الإيمان، لكنْ من دون أنْ يضرّ بالعلوم أيضاً. بمعنى أنه  في الواقع لا يمسّ هذا الابن الأثير والمدلل للعالم. إن العلم محترم ويجب أن يكون في موضعه. وهذا هو مكمن التعقيد في الأمر الذي قام به كانط. إن الموقف السلبي الذي يُتَّخذ من العقل بأنْ يُحظر عليه التدخل في الإيمان، قد يصدر حتى عن رجل الدين، ولكنه لن يجد آذانًا صاغية. أو أن يعمل بعضُهم على تشويه العقل، بحيث يؤدي ذلك إلى الإشكال حتى في المسائل العلمية أحيانًا، وهذا بدوره ليس صحيحاً. والمثال البارز على هذه المسائل نجده في ديفد هيوم[4]. فقد ذكر هيوم بعض المباني التي كان من شأنها أن تحول دون وصول العقل إلى تحقيق إنجاز أو معطى في حقل العالم المعنوي والروحي، بيد أن تلك المباني كما قد خلقت مشكلات للعقل، فإنّها قد خلقت بعض المشكلات للعلم أيضًا. لكن، لم يكن لهذا الشيء أن يجد لنفسه موضعًا عند كانط أو أيّ شخص آخر يريد أن يمارس نشاطًا نظريًّا في العالم. وعليه فإنّا قبل أن ندخل أصلاً في محتوى البحث، نقول إن هذا هو الذي كان يعتزمه (كانط)، وكان وفيًّا ومخلصًا له، بدليل أنه بعد أن قام بهذا العمل التخريبي في النقد الأول (نقد العقل الخالص)، كان ينوي الإصلاح في النقد الثاني (نقد العقل العملي)، ليقوم بعد ذلك بمزيد من الإصلاح في النقد الثالث (نقد مَلَكة الحكم)، بمعنى أنه قد قام بالتعويض عن ذلك، وهذا التعويض لا يعني أنه قد ندم عن النقد الأول، وإنما ليقول: رغم أن النقد الأول كبّل يد العقل من الوصول إلى الإيمان، ولكننا في الوقت نفسه قد نجد للإيمان طرقًا أخرى. في النقد الثاني أراد أن يقوم بهذا الأمر بوساطة الأخلاق، وفي النقد الثالث أراد أن يؤسس المبنى للنقد الثاني من خلال معرفة الجمال. بمعنى أنه أراد أن يمنح روسو وجهة عقلانية من خلال العودة إلى الحسّ الإنساني.

* هل كان إيمانويل كانط مُوفَّقًا في مشروعه؟ وبعبارة أخرى: هل وصل إلى أهدافه من خلال القول بهذا التفكيك؟ إذا كان جوابك بالنفي، فلِمَ لَمْ يُؤدِّ هذا الاتجاه إلى النتائج المطلوبة من التفكيك بين العقل والدين؟

- للإجابة عن هذا السؤال يتعيّن علينا أن نرى هل تحقق ما كان يريد كانط تحقيقه؟ وبعبارة أخرى: هل ما تحقق على أرض الواقع هو الحفاظ على حياض الإيمان وإنقاذ الإيمان، أو أنه أطلق بذلك رصاصة الرحمة على رأس الإيمان؟ إن ما يثبته التاريخ بعد مضيّ قرنين من الزمن هو أن كانط لم يكن موفقاً من الناحية العملية، بل كانت حصيلة مشروعه القضاء على كل دعامة عقلية كان في إمكانها أن تجد لنفسها مكاناً للإيمان في الثقافة الغربية حتى تلك اللحظة، وانعقد إجماع الفريقين على القول بعدم وجود حاضنة عقلانية للإيمان. هذا ما تحقق على أرض الواقع بعد كانط. وهذا النقد الأول (نقد العقل الخالص) هو الذي ضمن الشهرة لـ كانط بالفعل، إذ لم تأتِ شهرته من النقد الثاني أو النقد الثالث أبداً. صحيح ما يقال من أنّ النقد الثاني والنقد الثالث مهمّان، بل هما أهمُّ من النقد الأول، ولكن قولنا أنهما مهمان من الناحية النظرية، لا يعني أنّ أهميتهما قد انعكست على أرض الواقع. أجل، إنّ النقدين الأخيرين كانا مهمّين على مستوى القصد الذي قصده كانط، لكنّ الأهمية التي تحققت على أرض الواقع إنما كانت من نصيب النقد الأول. فما السبب في ذلك؟ لا بد هنا من أن نقدم مقدمة، وهي مقدمة لها جذور في التراث العلمي لمجتمعنا.

إن الإنسان كائن عاقل وذو شعور، وهذا هو الذي يميّزه من سائر الحيوانات الأخرى. وإن لهذا العقل والشعور مراتب، وإحدى مراتبه الحسّ، والمرتبة الأخرى هي العقل. وليس في البين غير هذين المرتبتين للوعي والإدراك. فلا يمكن لأحد أن يفصل الإنسان عن حيثيته المعرفية والإدراكية لأي ذريعة من الذرائع. فحتى لو أزمعت أن تشتري جزءاً من وجود الإنسان بجميع ما في الأرض والسماء من النعم والخيرات على أن لا يكون للإنسان عقل، فلن يكون ذلك ممكناً، فهذا الأمر من ذاتيات الإنسان التي لا يمكن سلبها عنه مع بقائه على إنسانيته، نعم يمكن لنا إزالتها بإزالة الإنسان نفسه، ولكن هذا بحث آخر؛ إذ يدور بحثنا حول تجريد الإنسان من الحسّ والإدراك مع بقائه إنساناً؛ فهل يمكن لله مثلاً أن يكلف الإنسان بالمحال، وهل يمكنه أن يكافئه نقداً بجميع خيرات العالم على ألّا يرى ما يراه، أو ألا يسمع ما سمعه، أو أن ينكر ما توصل إليه بعقله؟ إن هذا الأمر من المحالات العقلية.

وهذه من قبيل الشبهات التي تثار حول قدرة الله سبحانه وتعالى. فعلى سبيل المثال: هل يمكن لله أن يضع الكرة الأرضية داخل بيضة دون أن تصغر الأرض أو تكبر البيضة؟ وما شابَه ذلك من الشبهات. إن هذه الأمور من المحالات الذاتية، بمعنى أنها ليست من الأمور التي من شأنها أن تحدّ قدرة الله؛ لأن قدرة الله إنما تتعلق بالأمور الممكنة  من دون الأمور المستحيلة في ذاتها، من قبيل الجمع بين النقيضين. والذي أريد قوله هنا هو أن هذه الأبحاث المعرفية من هذا القبيل. فلا فرق بين بيان المحال الذاتي على شكل تلك الشبهات أو أن يحدث الإنسان في ذاته تغييراً، وأن يكون على خلاف ما هو عليه! بمعنى ألّا يكون ما هو كائن عليه! فهذا من الأمور المستحيلة. فلو أراد الله ذلك، لكان قد خلق خلقاً آخر. فلا يمكن للإنسان أن يكون كائناً مدركاً، والإدراك عبارة عن الحسّ والعقل، وفي الوقت نفسه يكون كائناً مسلوب الإدراك، بأن يقال له: دع عنك الحس أو العقل أو كليهما. بمعنى أن هذا الأمر لن يؤدي إلى نتيجة في أي مرحلة من مراحل التاريخ. فلا يمكن لك القول إننا في الوقت الذي نذعن للإنسان بامتلاكه المعرفة العقلية، نقنع الإنسان بتجميد عقله من خلال حركة فلسفية شبيهة بما يفعله الحواة ، فلا يسأل بوساطته، ولا يجيب بوساطته، وإن عليه التعامل مع عقله وكأنه لم يكن شيئاً مذكوراً. بمعنى أنكم تعرّفون العقل بشكل يثبت له إمكان السؤال مع العجز عن الجواب، في حين أن العقل ليس كذلك. إذ من المحال أن يمكن للعقل أن يسأل عن شيء، وفي الوقت نفسه يعجز عن الإجابة عنه. فكل شيء يمكن السؤال عنه، هناك إجابة عنه بنحو من الأنحاء، ولا يمكن أن نسلب هذا الشأن عنه. فالقول إن العقل طبقاً للتعريف الذي قدمناه له لم يعد نافعاً ولا يجدي في الإجابة عن التساؤلات الإيمانية، وعليه يجب على الإنسان ألا يوظف هذا العقل في مثل هذه الأمور! هذا القولُ يعني، بحسب الحقيقة والواقع، حرمان الإنسان من إحدى قواه الفطرية والطبيعية، والتي هي من أهم الأشياء التي أنعم الله بها عليه. إنّ  إبعاد الإيمان عن دائرة السؤال والدفاع العقلي لا يُعدّ مساندة للإيمان وصيانة له من أن يكون غرضاً لسهام العقل. فإن هذا الفصل وإعلان الطلاق بين العقل والإيمان هو في حدّ ذاته أمضى سهم يمكن توجيهه إلى صدر الإيمان. فالسهم الأمضى يكمن في أن تقول للإنسان الذي يرى نفسه كائناً عاقلاً: لا تسأل سؤالاً عقلياً، ولا تبحث ولا تدقق؛ لأن ماهية الإنسان إنما تكمن في هذه الحقيقة. ومن ثمّ فإن الإيمان سيفقد رصيده نتيجة لذلك. فلا يمكن لنا أن نقصد شيئاً دون تحقق الطمأنينة العقلية، أيًّا كان ذلك الشيء، أيْ حتى وإنْ كان ذلك الأمر من أقدس المقدّسات؛ فأنا حيث أكون كائناً عقلانياً، يتعيّن عليّ أن أقنع عقلي. ولا يمكن حل المشكلة بوضع القيود على العقل وتكبيله. وفي الحقيقة فإن ما قام به كانط لا يعدو أن يكون تكبيلاً للعقل. ولا يمكن للعقل أن يستقرّ أو يستكين إذا قمت بتكبيله. ومن ثمّ سيكون الإيمان كياناً مستضعفاً وطفلاً يتيماً لا حول له ولا قوّة. ومن العجيب أن يلجأ فيلسوف إلى مثل هذا الحل.

إن الدوافع الدينية قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب الغرائب، بمعنى أنه على الرغم من كون دوافع كانط دينية في الحقيقة والواقع، لكنّ جهوده أفضت إلى نتائج غير دينية. فقد أقرّ بأن ما قام به إنما هو في حقيقته دفاع عن الدين. ولكن ليس الدين بالمعنى الوحياني، وإنما بمعنى الإيمان بالغيب والملكوت والارتباط بالله، ولكن ما الذي حققه في هذا الشأن؟ إن ما قام به هو تجريد الإنسان من عقله. فهو يقول: لنعمل على تحفيز الإنسان من خلال إثارة أحاسيسه وعواطفه، وأن يعيش حياته بمجرّد الدوافع العاطفية أو الإيمانية أو الأخلاقية البحتة وما إلى ذلك من الأمور. ولكن لا يمكن التعامل مع الإنسان بهذه الطريقة؛ لأن ذات الإنسان أنه كائن عاقل، والحل المقترح يفترض تجريد الإنسان من عقله! وعليه فإن ما قام به كانط كان خطأ من الأساس. ولسنا الآن بصدد الحديث عن صواب أدلته أو عدم صوابها في هذا الشأن. فالذي نريد قوله هو أن هذا المشروع منذ بدايته لم يكن عقلانياً، والنتائج المترتبة على كانط واضحة منذ البداية. إن نتيجة تجريد الإيمان من العقل لا تعني إنماء العقل أو إنعاشه، بل إن نتيجة ذلك هي إضعاف العقل. لماذا؟ لأننا كائنات عاقلة قبل كل شيء، وهذا يعني أننا لا نقوم بشيء إلا وله ما يسوّغه من الناحية العقلية، فإذا لم يكن ما نقوم به مسوّغاً من الناحية العقلية، فقد نقبله لأسباب عاطفية، ونعمل لذلك على غض الطرف عن بعض الأمور، ولكن هذا لا يعني أننا قد اقتنعنا بذلك حقيقة، لأن هذا يعني أننا اقتنعنا بشيء يفتقر إلى الدعامة العقلانية.

* ألا يمكن القول إن منشأ هذا المشروع الذي أطلقه كانط يعود إلى العُرف الديني السائد في الغرب؟ بمعنى أن النسبة التي أقامها المتألهون المسيحيون بين العقل والدين، أو النسبة المطروحة بين هذين المفهومين في ذات المسيحية هي التي دفعت كانط إلى مواصلة هذا الطريق؟

- بلى، هذه هي الحقيقة. فهذه هي الآفة التي كانت تعانيها المسيحية، وقد انتقلت منها إلى كانط. وبطبيعة الحال فإن المسيحية التي نعنيها هنا هي المسيحية الموجودة في التاريخ، وليست المسيحية الحقيقية التي نجهلها، حيث لا نعلم حقيقة الكلمات التي قالها السيد المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام). فحتى إذا لم يكن القرآن بين أيدينا، ولم يبلغنا عنه شيء في تحريف الكتاب المقدس، فإن كل إنسان في وسعه من خلال النظرة البَدْويّة أن يدرك أن هذا الكتاب الذي يسمونه مقدساً قد تعرّض للتحريف، بل قد تعرّض إلى أسوأ أنواع التشوية والتحريف، بمعنى أنه قد اشتمل لاحقاً على أكثر الأمور والمفاهيم غرابة ولا منطقية بشأن الله والإيمان، سواء في ذلك العهد القديم أو العهد الجديد. وفي الوقت نفسه لا ننكر وجود بعض المضامين السامية في هذين العهدين. ولا ندعي عدم وجود أيّ صلة بين هذين الكتابين وبين أنبياء الله. فكلا العهدين يحتوي على كلا الأمرين. فهما يشتملان على بعض المسائل التي لم يكن لها من وجود في عصر السيد المسيح أبداً. من قبيل: المعصية الأولى على سبيل المثال ومفاهيم أخرى مثل التجسّد وما إلى ذلك، حيث لا نرى لهذه الأمور أي أثر في أي واحد من الأناجيل الأولى. إن هذه من المفاهيم التي تفتح أمامها جميع الخطوط الحمر الموجودة في العقل. ومن هنا يمكن القول: إن المفكرين المسيحيين كانوا في غاية النبل من هذه الناحية. وإن الملحدين في الغرب كانوا على درجة عالية من النبل، بمعنى أنني أرى رجالاً من أمثال: ديفد هيوم الذي لم يكن على ما يبدو ملحداً على مستوى الاعتقاد الشخصي، وإنما هو ملحد على مستوى البيان، أو برتراند راسل[5] وأضرابه، كانوا جميعاً من النبلاء. إذ إنّهم على الرغم من كل ما صدر عنهم كانوا يدعون إلى الحفاظ على قداسة الدين. فقد حافظ هؤلاء الفلاسفة على ضبط النفس إلى أقصى الحدود، وإلا فليس بالإمكان الصبر على مثل هذه الأمور. فلو نظرنا إلى هذه المفاهيم من زاوية الفرد المسيحي المؤمن، فإن هذه الأمور ستكون بمنزلة الشوكة المعترضة في الحلق. فما الذي يمكن للمرء أن يفعله حيال ذلك؟ بمعنى آخر ما الطريق الذي يمكن له أن يمنحه الطمأنينة؟ ليس له من طريق سوى القول بالتفكيك، بمعنى أنه يجب عليه القول بالفصل بين العقل والإيمان. كان الآباء الأوائل للكنيسة في العصور الوسطى يقولون: «نحن لا نفهم، ولذلك نؤمن»! بمعنى أنهم جعلوا من الجهل شرطاً في تحقق الإيمان. وكانوا يقولون: «إن الفرد الناجح هو الذي يعطل دور العقل». علينا القول منذ البداية: إذا كنا لا نفهم، فسيكون في إمكاننا أن نؤمن. إن هذا الكلام قد يكون مقبولاً بالنسبة إلى النزر القليل من أتباع دين يجدون في أنفسهم إمكانية التضحية بأنفسهم، إذ في إمكانهم إلغاء عقولهم، ولكنه لا يصحّ بالنسبة إلى عامة الناس والعلماء والحكماء. إذن ما الذي يتعين على هؤلاء أن يفعلوه؟ إن هذا يعني أن مشروع إنقاذ المسيحية سيفضي لا محالة إلى مشروع كانط. إن هذا التضاد بين العقل والدين يعدّ أمراً طبيعياً فيما يخصّ العلاقة بين العقل والدين. إن هذه من الآفات التي خلقت صناعيّاً في المسيحية، حيث تشتمل عليها عقائدهم النظرية والتشريعية أيضاً. فإن أموراً من قبيل: حظر الزواج على الرهبان، هي من الأمور المخالفة للعقل الصريح. ولكي يؤدي كانط دَينه إلى الإيمان الذي كان يتم عرضه في مجتمعه ضمن إطار المسيحية، قال إن الفلسفة في الأساس لا يمكنها أن تدخل في دائرة الغيب وحقائق الأشياء، وإنه لا يوجد ربط لأي واحد من هذين الأمرين بالآخر. وعلى هذا الأساس إذا كنتم تريدون الإيمان، فارجعوا إلى قلوبكم وفطرتكم وإلى الأخلاق وما إلى ذلك من الأمور، لا أن تسعوا إلى إثبات الدين بالعقل، أو أن تنكروا الدين من خلال اللجوء إلى العقل. وبذلك حاول كانط أن ينقذ الدين من بين مخالب التشكيك.

وربما كان هذا المشروع مشروعاً مناسباً للمسيحية، إذ من شأنه أن ينقذهم من ضغوط الهجمات، ولكنه لا يناسب البشرية والإنسان الفطري، لأنّه لا يمكن الجواب عن مسألة من خلال محو صورة المسألة. فالعقل ليس أمراً اعتبارياً، وإنما هو قوّة أودعها الله فينا وهي قوّة تميل إلى التساؤل على نطاق واسع. فالعقل يتلخص في أن يسأل ويستفهم، وعليه لا يمكن أن نقول للعقل: «عليك ألّا تفهم». وحيث إنّ أصل هذا الطرح يخالف الفطرة الإنسانية المتوثبة إلى العلم، فإنه لن يعجز عن إنقاذ الإيمان فحسب، بل سيسهم في إضعافه وعزله، وذلك لأنه يحرم الإيمان من دعامة العقل.

وهذا الطرح هو على النقيض من الطرح الذي نجده في الإسلام، إذ لم أجد في أي واحد من الكتب المقدسة ذلك الحجم الكبير من التأكيد على التعقل والتدبّر الذي نجده في القرآن الكريم، فما المراد من التأكيد على هذا الأمر؟ إن هذا يعني أن القرآن يريد أن يوصل إلينا رسالة مفادها أنّنا ذاتُ التّعقّل وعينُ التفكير، وأنّ الله قد تعلقت إرادته بأن يكون الإنسان كائناً عقلانيّاً. يؤكد الله إثبات وجوده وأحقية أنبيائه بالقول: «أفلا يتفكرون»، و«أفلا يتدبّرون»، و«أفلا يعقلون»، وهذا يدل على أن موقف الإسلام من العقل يختلف اختلافاً كبيراً عن موقف المسيحية منه. وحيث قلنا إنّ هناك تشابهاً، فهو موجود في التفكير الأشعري والأخباري، وهذا أمرٌ نترك الخوض فيه إلى فرصة أخرى. ونكتفي بالقول هنا إنّ هذا التوجه يؤسف له من وجهة النظر الإسلامية. إنه لمن دواعي الأسى أن يظهر شخص من بين ثقافة «أفلا يعقلون» و«أفلا يتدبرون» ليقول إنّ حساب التفكر والتدبّر والتعقل منفصل عن حساب الإيمان، وإن علينا التنكر للعقل فيما يتعلق بالإيمان. وحتى لو افترضنا صواب هذا الطرح، وعدم وجود المخالف، فإن الشكل الأقوى والعقلاني لهذا الطرح هو الذي صدع به كانط، وها نحن الآن نشهد النتيجة التي ترتبت على طرح كانط.

لقد أبهر كانط عقلاء العالم أو عقلاء العالم الغربي في الحد الأدنى بفهمه وإجابته في إطار منظومته العقلانية. وقد أذعنوا بأجمعهم تقريباً وأقرّوا بأن كانط كان موفقاً في هذا الجزء من القضية.

* بيد أن كانط بطبيعة الحال لم يسلم من سهام النقد الكثيرة، وحتى الذين يوافقونه الرأي لم يوافقوا على الكثير من أدلته.

- وهذا هو المثير للاهتمام في المسألة. فإذا نظرنا إلى أعمال الذين شرحوا أفكار كانط، ربما وجدنا ما يقل عن العشرة بالمئة منهم يذهبون إلى القول إنه قد حقق نجاحاً في تفاصيل طرحه ومشروعه، لكنّ ثمانين بالمئة منهم يقولون إن الميتافيزيقا قد تم تحديدها ويقبلون هذا الكلام منه.

فكيف يحصل ذلك في فلسفة شديدة التماسك مثل فلسفة كانط؟ وبعبارة أخرى: كيف يمكن أن تكون مقدمات هذه الفلسفة كاذبة، ومع ذلك تكون النتائج المترتبة عليها صادقة؟! هذا هو الذي يقوله فريدريك نيتشه[6]. ومن المهم جدّاً أن نفهم المعنى المراد لـ نيتشه حين قال: “إن الله قد مات”. إن مراده من ذلك هو أن الله قد مات في الغرب. ليس المراد من هذا الكلام أن الناس لم يعودوا يؤمنون بالله، فالناس لا يمكنهم ألاّ يؤمنوا بالله، إلا إذا تنكروا لفطرتهم الإنسانية التي فطرهم الله عليها. إنما أراد نيتشه، من خلال هذه العبارة، القول إنهم قد أشاعوا ثقافة تعيش على تجاهل الإنسان عالم الملكوت، وتركيز اهتمامه على الدنيا والجانب المظلم والقاتم من وجوده، ثم عمدوا بعد ذلك إلى توسيع هذه الثقافة تقنيّاً، وشغلوا الإنسان بنفسه إلى الحد الذي لم يعد معه يتذكر عالم المعاني، ولم يبق لديه ما يشحذ ذاكرته لاستذكار هذا العالم. والمؤسف له أن هناك في مجتمعنا من فهم نيتشه بشكل مغاير للألم الذي كان يعانيه.

وكانت نتيجة ذلك أن ضعف الانتماء إلى الله والمعنويات بالشكل المعقول في الثقافة الغربية، ثم اقترن هذا الاتجاه السلبي بدعم منطقي وعقلاني لفلسفة كانط المناهض للعقلانية. وهنا يمكن لنا أن نتصور موقفين أحدهما من مسيحي مخلص لمسيحيته، والآخر من ملحد ينكر المسيحية. فالمسيحي المؤمن يقول إنّ هذا الكلام الذي نطق به كانط جيد جدّاً، لأنه يعمل على إنقاذ الإيمان. والملحد بدوره يقول إنّ هذا الكلام جيد جداً، لأنه يخلصنا من شرور الإيمان، بمعنى أن الذي يمتلك مسكة من العقل عليه ألّا يبحث عن الإيمان. وبذلك حصل إجماع مركّب على صحة كلام كانط. وهو الإجماع الذي سيؤدي بالتالي إلى نفي ما بعد الطبيعة.

وعلى الرغم من تشكيك جميع المفسرين في المقدمات التي انطلق منها كانط، اتفقوا على صحة النتائج التي توصّل إليها. وهذا الأمر في غاية الغرابة! فكيف يمكن لفلسفة عقلانية منضبطة تدور عجلتها على إيقاع ثابت مثل محرّك الساعة أن تعاني من العطل من ناحية مقدماتها، ومع ذلك تحظى نتائجها بالقبول؟! يعود السبب في ذلك إلى الاستعداد الذاتي لدى الغرب للانفصال عن الدين والكنيسة، وذلك لسوء أداء الكنيسة سواء على المستوى النظري أو العملي إذ أدى ذلك إلى النزعة القائلة بـ «موت الإله» في المجتمع الغربي.

هناك العديد من العقبات في فلسفة كانط. فمن بين مقدماته على سبيل المثال البحث عن الحسيات، وهي من أهم المقدمات التأسيسية في النقد الأول، ويمكن القول في الحقيقة إنه لا يمكن الحصول حتى على العشرة بالمئة من أنصار فلسفة كانط من يوافقه على نظريته بشأن الزمان والمكان. فإنهم يذكرون الكثير من التسويغات والتوضيحات لإثبات مقبولية كلمة من الكلمات على سبيل المثال. فحين يقول كانط: إن للمكان جنبة مثالية، ولا وجود له في عالم الواقع، يتمّ اللجوء إلى الكثير من الحيل لإضفاء المعقولية على مثل هذا الكلام، ليقال في نهاية المطاف: كلا، إن كانط لا يريد القول إن المكان لا وجود له. أيْ إنّ الجميع يسعى إلى التنصل من هذا الأمر، ومع ذلك فإنّهم لا يعترفون بذلك.

وفي المثالية الاستعلائية في مبحث المقولات والخطط، هناك الكثير من التحديات والعقبات الجادة، بحيث إنك إذا وضعت يدك على أيّ منها ستؤدي بك إلى طريق مسدود. وفيما يتعلق بمسألة القضية التركيبية المتقدمة، يذهب أكثر الأفراد إلى عدم القبول بنظرية كانط. فكما نرى في الجدل الاستعلائي، فإن أغلب الأدلة التي يسوقها كانط مخدوشة، ومع ذلك ورغم الهجوم الذي يستهدف أجزاء من منظومته الفلسفية، يذهب الجميع إلى التسليم بالنتيجة المترتبة على تلك المقدمات، إذ يقولون إنّ مساحة الميتافيزيقا قد تمّ تحديدها، وإنّه لا بدّ من السير في الحد الأقصى في حدود العلم. وسبب ذلك يعود إلى الانتماء الثقافي الذي جعل الكثيرين يتمسكون بتلك النزعة السلبية التي تدعو الإنسان بوصفه كائناً طبيعيّاً إلى قطع الارتباط بعالم المعاني، وأخذوا يجدون لذلك تفسيراً معقولاً في فلسفة كانط. ولهذا السبب لا يعيرون أدنى التفات إلى الأجزاء الأخرى من فلسفة كانط.

علينا أن نتسلح بنظارات دقيقة كي نعثر على النزر القليل من المتخصصين الذين يأخذون جانب الله والغيب من خلال التسويغ الأخلاقي لـ كانط. وفي الأساس ليس هناك من يؤمن بفلسفته الأخلاقية، لأنها في الحقيقة على خلاف الفطرة البشرية. يرى كانط أنّ جميع دوافع الممارسات الأخلاقية هي التي تدفعنا إلى العمل بها بوصفها معياراً إلى ذلك، لا أنها تؤدي إلى نتيجة لمصلحتنا أو لأنها توصلنا إلى الكمال المنشود، بل لأنها مجرد وظيفة ملقاة على عواتقنا. وعليه من الذي يقوم بهذا الأمر؟ ومن الذي يقول بوجود الله لهذا السبب؟

هناك من المفسرين لأفكار كانط من يقول إنّه يقول إننا إذا أردنا الحفاظ على شعورنا الأخلاقي، يجب أن نقول بضرورة وجود الله والروح والعالم الآخر. لننظر الآن إلى المسألة من الناحية الأخرى: إذا كان الأمر كذلك فإن الشعور الذي نمتلكه ليس أصيلاً، وإنّ هذه الناحية هي الأفضل، فهي خير من أن نرتضي جميع تلك الأمور العجيبة والغريبة من أجل الحفاظ على هذا الشعور؛ بمعنى أنكم كيف ذهبتم إلى تأصيل هذه الناحية من القضية، وآمنتم لأجلها بأمور أخرى، فالآن يمكن العمل بعكس هذه القضية أيضاً. لأن الإحساس الأخلاقي الموجود فينا يعبر عن حقيقة، ويمكن لهذه الحقيقة أن تكون قد تبلورت في وجودنا لمختلف الأسباب، كما هي الحال بالنسبة إلى كافة أنحاء المعتقدات التي يعتنقها الناس، ولكنها خاطئة. وهذا هو الاستدلال الذي يقيمه أنصار الحركة النسوية[7]، إذ يقولون إنّ هذه الأمور التي تعدونها غرائز البشر في الأخلاق الرجالية، ما هي إلا حقائق أوجدها التاريخ. فإن قوّة الرجل وضعف المرأة وسائر المشكلات الأخرى مورد البحث إنما هي حصيلة العوامل والظروف التاريخية، ولو تغيّرت هذه العوامل والظروف، قد يتغير الوضع لصالح المرأة على الرجل. وأنا لا أقول بصحّة هذا الاستدلال. بل إن هذا الاستدلال غير صحيح في موضعه، ولكنه على كل حال يقدّم للكثيرين بهذه الصيغة. والخلاصة هي أن فلسفة كانط لم تكن مؤثرة في هذه الجهات، وذلك بسبب غلبة تلك الرؤية السلبية. وعليه يصح أن نقول في ذلك: «ما وقع لم يُقصد، وما قُصِد لم يقع». بمعنى أنّ كانط كان يريد إنقاذ النزعة الإيمانية، ولكنه بدلاً من ذلك جرّد الإيمان من دعامته العقلية.

* لقد تمّت الإشارة حتى الآن إلى بعض نقاط الضعف في أطروحة كانط، فهل لك أن تبيّن لنا أين تكمن نقطة القوّة في هذا التقديم؟ فهل هناك من ابتكار وإبداع في هذا التقديم حوّل كانط إلى مثل هذا الفيلسوف الفذّ في تاريخ الفلسفة؟

- يعدّ كانط واحداً من أكبر الفلاسفة العقلانيين. أطروحته النقدية تشتمل في الحقيقة على نقاط بديعة وقيّمة للغاية، وذلك في صيغة المسائل في الحد الأدنى إذا أغمضنا الطرف عن الإجابات عنها. إذ غالباً ما تكون هناك مشكلات في الإجابات، لكن فيما يتعلق بإثارة صيغة المسائل والتخطيط لطرق الحل، يمثل انعطافة في تاريخ الفلسفة. ومن هنا فقد عُدّ كانط واحداً من كبار فلاسفة الغرب بعد سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس، فهو رابع هؤلاء الفلاسفة البارزين في سماء الفلسفة الغربية.

فقد أنجز كانط في حقل المسائل المرتبطة بالمعرفة على سبيل المثال أعمالاً لم تكن لتخطر على أذهان الآخرين أبداً. حتى يمكن القول إننا إذا أردنا أن ننظر إلى الانقسامات التي حدثت في التيارات الفكرية المنبثقة عن كانط، فسندرك أن مجمل التيارات الفلسفية بعده إنما هي متفرعة عنه. فإن كل واحدة من أجزاء منظومته الفكرية هي بمنزلة المصبّ المائي الذي يتفرّع إلى عدّة اتجاهات. فإن المثالية الألمانية على سبيل المثال ما هي إلا استمرار للذاتانية[8]، بمعنى أن المثالية الاستعلائية لـ كانط أدت إلى ظهور آراء فريدريك هيجل[9]، وجوهان فيخته[10] وفريدريك شلينغ[11] إن هذا التيار يحتوي على نقاط عميقة قد أحدثت بعده ثورة كبرى في الفلسفة. ومن الناحية الأخرى فإن الفلاسفة التحليليين على الرغم من رفضهم القضايا التركيبية المتقدّمة، وافقوا على أدلة كانط في تجريد القضايا الميتافيزيقية من المفهوم والمحتوى

فيما يتعلق بـالوجود، مثلاً، ساروا على نهج كانط في القول بأن للوجود شأناً منطقيّاً بمعنى الصدق، وقالوا إن الوجود ليس له ناحية أنطولوجية. يعدّ الصدق في فلسفة أرسطوطاليس واحداً من معاني الوجود، وهذا ما ذهب إليه كانط أيضاً. ومن هنا تلاحظون حدوث تغيير جوهري في الفلسفة، ومن هذه الناحية يمكن عدُّ جميع الفلاسفة التحليليين ضيوفاً على مائدة كانط.

وحتى مارتن هايدغر[12]، الذي يعدّ شخصية استثنائية في تاريخ الفلسفة الغربية، كان متأثراً بـ كانط أيضاً. طبقاً للبيان الذي سنأتي على ذكره، يقوم أساس الفلسفة الغربية على أصالة الماهية، بيد أن هايدغر يعدّ استثناءً من هذه الناحية، إذ يقوم في نزعته الإنسانية على أساس أصالة الوجود. ومع ذلك نجد هايدغر متأثراً بـ كانط في الكثير من المواضع، ولا سيما في ما يتعلق بمسألة الزمان والأهمية التي يوليها إلى الزمان. وقد سعى بطبيعة الحال في بعض الموارد إلى جعل كانط وجوديّاً، بمعنى أنه حاول إخراج مفاهيمه من حالتها المثالية.

ومن هنا نرى أن كانط يحظى بأهمية كبيرة في إبداع الفكر في الفلسفة، وتقديم الحلول المختلفة للمسائل وتجاوز العقبات المتنوعة التي كانت الفلسفة الغربية تعانيها. لقد واجهت الفلسفة  الغربية مشكلات في إيجاد الحلول للمسائل الجوهرية، ولا سيما المسائل المعرفية إذ وجدت الفلسفة نفسها تقريباً أمام طريقٍ مغلقٍ. وقد سعى كانط إلى إخراج الفلسفة من هذا الطريق المغلق، وقدّم في هذا الإطار طرق حلّ تخصصية مبدعة.

وكما سبق أن ذكرنا فإن كانط، وعلى الرغم من خفضه شأن المعرفة العقلية بعامة، وجعله مكانتها بمستوى الفطرة الواعية للبشر، إذْ عمل على تحديدها من هذه الناحية، وجعلها داعمة للحسّ فقط، اقترح على العقل في إثارته هذه المسألة الكثير من الطرق البديعة والمعقدة، وهذا ما لا نجادل فيه.

وأريد التعرّض هنا إلى بحث رئيس، وربما أمكن لنا أن نختم به هذا الحوار.

إذا أردنا أن نثير المسألة إجمالاً تعيّن علينا القول: لو نظرنا إلى فلسفة الغرب وفلسفة الإسلام بشكل مقارن، وجدنا مسألة فلسفية مهمة لعبت دوراً أساسيّاً في تاريخ الفلسفة، ألا وهي مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية. فعلى الرغم من ظهور هذين المفهومين في المراحل المتأخرة من الفلسفة الإسلامية وفي عصر صدر المتألهين بالتحديد، سندرك أن هذه المسألة هي من أكثر المسائل التي شغلت ذهن الإنسان منذ التاريخ الأول للفلسفة. بمعنى أنه خلافاً للكثيرين الذين يتصوّرون أن بحث أصالة الوجود وأصالة الماهية من الأبحاث الخاصة بالفلسفة الإسلامية، لكن المُطّلِع على المعنى الحقيقي لأصالة الوجود والمعنى الحقيقي لأصالة الماهية، يدرك أن هذه المسألة قد شكلت الهاجس الأكبر لتفكير البشر، وأن هذه المسألة كانت هي السؤال الفلسفي الوحيد الذي شغل ذهن الإنسان. بمعنى أن الإنسان حين كان ينظر إلى العالم، كان يراه بأدواته الحسيّة، وبذلك فإنه يتحسس الوجود، ثم يعمد إلى ما رآه بحواسّه ويعمل على تشريحه وتحليله بعقله ويكتشف منزلته المنطقية والمعقولة في العالم. وقد كان الإنسان على الدوام نهباً للتنازع بين هذين المفهومين؛ فهل العالم الحقيقي هو الشيء الذي يراه بحواسّه، أو هو الذي يدركه بعقله؟ بعبارة أخرى: هل يجب تفسير حقيقة العالم اعتماداً على العقل، أو يجب تفسيره اعتماداً على الحسّ؟

إن تفسير العالم اعتماداً على الحسّ، يمنح التعددية للإنسان، بمعنى أنه حين يفسّر العالم على أساس الحسّ، سيجد العالم متكثراً. وأما تفسير العالم على أساس العقل، فإنه يؤدّي تلقائيّاً إلى توحيد العالم، بمعنى أنه يقول إنّ العالم واحد. وقد شاعت هذه الرؤية منذ ظهور الفلسفة بين أتباع سقراط، وبلغت ذروتها في عهد بارمنيدس، ثم ظهرت عليها في فلسفة أفلاطون وبعض التغييرات، لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها، وبالتدريج أضحت أصالة الكثرة هي الغالبة في الفلسفة الغربية.

والذي أريد قوله هو أن بحث أصالة الوجود وأصالة الماهية هو في حقيقته بحث حول الوحدة والكثرة لا غير. غاية ما هنالك أنك تنظر إلى البحث في العالم باللحاظ الخارجي بالمعنى الأنطولوجي الأمر الذي يحقق الوجود، وعندما يتم تفسير هذا العالم الخارجي على أساس الحسّ، نحصل على الماهية؛ فالماهية ليست سوى الإدارك الحاصل من الحواس. فإن اعتبرنا هذا الإدراك الحسّي حقيقة، كانت نتيجته القول بأصالة الماهية.

إن هذا البحث لا يتطابق مع المادية تمام الانطباق، بل التطابق هنا على نحو العموم والخصوص من وجه؛ فقد يكون الشخص من القائلين بأصالة الوجود أو أصالة الماهية ومع ذلك يؤمن بالله. وهذا ما يمكن لنا أن نراه في فلسفة أفلاطون في بحث المُثُل والمسائل المتعلقة بطريقة ارتباط المُثل بعضها ببعض. ثم تكرر هذا البحث في فلسفة أرسطوطاليس تحت عنوان المادة والصورة، ففي رؤية أرسطوطاليس إلى الصورة النوعية يكون الملحوظ هو الجمع بين الحسّ والعقل، إذ تكون للحسّ ناحية متغيّرة، بينما لا تكون للعقل إلا ناحية واحدة.

 أثيرت هذه المسألة في الفلسفة الحديثة من جون لوك[13] إلى الفلاسفة العقلانيين، وكان النزاع بين النزعة التجريبية والنزعة العقلانية في حقيقته نزاعاً في أصالة الماهية وأصالة الوجود، ولكن ليس من الناحية الأنطولوجية، بمعنى أن هؤلاء لم يكن لهم شأن بالواقعية الخارجية. يقول التجريبيون: إن كل ما يدخل ضمن نطاق معرفتنا هو من الأمور المحسوسة، وأما الأمور العقلية فهي على أفضل التقادير من الأمور الفرعية والثانوية. وفي الحقيقة فإن العقل هو الحسّ، ولكنه حسّ متكرر، فهو تبويب للحسّ وليس شيئًا آخر. وفي المقابل يذهب العقلانيون إلى القول: إن العقل مستقل، ولا يقع تحت دائرة الحسّ. وإن ما تسمونه «ذهن الإنسان» لا ينحصر بالأمور الحسية، بل إنّ للذهن البشري جزءًا مستقلًّا اسمه العقل، ولا يمكن الحصول على المعرفة من دون العناصر العقلية.

لقد كان لبّ البحث يكمن في السؤال القائل: هل يمكن الحصول على المعرفة من دون توافر العناصر العقلية أو لا؟

لقد قدّمت الفلسفة الإسلامية في بيان هذه المسألة وحلّها أراء تدعو إلى الفخر والاعتزاز. وهذا البحث في واقعه هو ذات البحث في أصالة الوجود وأصالة الماهية. إن القول بأصالة الماهية يساوق القول بأصالة الحس من الناحية الذهنية، والقول في أصالة الوجود يساوق القول بأصالة العقل، بيد أن الفلاسفة المسلمين يقولون بضرورة متابعة هذا البحث في صلب عالم الواقع وبشكل أنطولوجي. وبعد الانتقال من العصور الوسطى في الغرب حصلت انعطافة كبيرة، إذ لم يعد هناك اهتمام بالواقعية الخارجية، وأخذ الفلاسفة يركزون البحث على الذهن.

وقد تواصل البحث في الفلسفة الإسلامية على الطريقة الوجودية. إذ اتضح الموقف من هذه القضية وما يقابلها في فلسفة صدر المتألهين. وقد كان هذا التقابل قائماً في الفلسفة على الدوام، ولكنه كان يتجلى في أشكال مختلفة. ولو دققنا النظر وجدنا أن جميع هذه الأشكال المختلفة تعود في الحقيقة والواقع إلى شيء واحد. وبطبيعة الحال فإن الاعتقاد بهذا التيار الوجودي له تشعباته الخاصة في الفلسفة. كما أن الاعتقاد بتيار الماهية له تفرعاته الخاصة أيضاً. وعليه فإنكم تلاحظون بحث أصالة الوجود وأصالة الماهية في الفلسفة الإسلامية، وذلك في المرحلة المتأخرة وفي فلسفة صدر المتألهين والشارحين لأفكاره وآرائه بالتحديد، حيث تم حلّ بحث الذهن من خلال الاستعانة بهذه الرؤية أيضاً.

نحن نعتقد، ونستطيع أنْ ندافع عن هذا الاعتقاد ونثبته، بعدم وجود نظرية كاملة وقوية ومتينة مثل نظرية المعرفة في الفلسفة الإسلامية. فالفلسفة الإسلامية تشتمل على نظرية معرفية تامّة وكاملة. فما السبب في ذلك؟ تعود قوّة الفلسفة الإسلامية بأجمعها من هذه الناحية إلى رؤية المسألة في إطار أرضيتها الأنطولوجية، بمعنى أن الأرضية الأنطولوجية التي تشتمل على بحث أصالة الوجود وأصالة الماهية تدخل ضمن دائرة الذهن. فإذا أمكن لك تحديد موضع الوجود والماهية، وتمكنت من تحديد نسبتهما، سوف تحل هذه المسألة بشكل كامل عندما تبلغ مرحلة المعرفة.

لقد طرحت هذه المسألة هنا على نحو الإجمال، وأعلم أن هذا الإجمال ينطوي على الكثير من الغموض حتى بالنسبة إلى المطلعين على الفلسفة، ناهيك عن غيرهم. والذي أريد أن أستنتجه من هذا الإجمال هو أن كانط قد بلغ في الفلسفة الغربية ذروة الوعي من بعض الجهات. فإذا كنا من القائلين بأصالة الماهية، ترتب على ذلك بعض اللوازم المعرفية الخاصة. وإن كنا من القائلين بأصالة الوجود، ترتب على ذلك لوازم معرفية أخرى. وهذه اللوازم هي أنكم إذا كنتم من القائلين بأصالة الماهية، وقلتم إن المتحقق في الخارج هي الماهية فقط، لا يعود في إمكانكم توجيه وحدة العالم. لأن العالم في الأساس عبارة عن ماهيات متكثرة، وإن ماهية كل شيء غير ماهية الشيء الآخر. ثم هناك في ذات الأشياء تقسيمات وتفريعات متعددة أخرى تظهر داخل الماهيات. كأن نقول مثلاً: الإنسان حيوان ناطق. وهذه الأمور بأجمعها من المفاهيم والماهيات. وعندما نريد هذا الأمر في الخارج على أساس أصالة الماهية، لا نستطيع تسويغ كيفية حصول الوحدة.

وهذه المشكلة هي التي واجهها أفلاطون أيضاً، فهو حين يلجأ إلى عالم المُثُل ونعني بذلك ذوات المُثل من دون صورها يثير هذا الإشكال. فنراه مثلاً في رسالة السفسطائي أو في رسالة بارمنيدس يقول: إذا كنا من القائلين بفكرة الوحدة، فهل يعود في إمكاننا إيجاد حقيقة ما؟ وقال في رسالة بارمنيدس: لا بد من إضافة الغيرية أيضاً. ثم لا بد من الحركة أيضاً، ليستطرد بعد ذلك قائلاً: لا بد بالإضافة إلى ذلك من إضافة التماهي، كما أن العدم ضروري أيضاً. كما تناول هذه المسألة في رسائله المختلفة الأخرى أيضاً. إن المشكلة التي تبدو في رسالة بارمنيدس وفي رسالة السفسطائي وبعض رسائله الأخرى هي أن المُثُل كيف توجد الواقعية في عالم المثال؟ فأنت بالتالي لا تنظر إلى مثال، حتى يمكنك أن تنتزع منه أمثلة أخرى، بمعنى أنك من دون هذه الأمثلة الجديدة لا تستطيع بيان ذلك المثال.

وهذه هي مشكلة أصالة الماهية بالتحديد، بمعنى أنك تواجه المشكلة في العينية والتحقق الخارجي، وهي ذات المشكلة التي واجهها أفلاطون، إذ تعرّض إلى مشكلة أصالة الماهية، ولم يستطع الخروج منها، ثم انتقلت هذه المشكلات وتسللت إلى مختلف التفريعات الأخرى في الفلسفة. حيث نجد هذه المشكلة نفسها يعانيها ديفيد هيوم أيضاً، وتتلخص مشكلته في مفهوم العليّة، إذ يقول: هل هناك شيء في الخارج يمكن مشاهدته بوصفه علة؟ فهل يمكن مشاهدة علل الأشياء حقًّا؟ ليس لهذا المفهوم ما بإزاءٍ في الخارج، ومن هنا يذهب هيوم إلى الاستنتاج قائلاً: إن العلة في الحقيقة ما هي غير عادة ذهنية تحصل لنا بحكم تداعي المعاني؛ وفي الحقيقة فإنه  يقول: أنا لا أرتضي غير ما بإزاءٍ محسوسٍ، إذ لا وجود لشيء آخر باسم المعقول. أما كانط الذي كان يجد نفسه مديناً لـ هيوم إلى حدّ كبير، فقد علّق عليه بخصوص هذه المسألة بالقول إن هذا الأمر لا يتعلق بالعلية فقط، فحتى الوجود هو كذلك أيضاً، وهكذا الضرورة والوحدة. وما قاله كانط هنا صائب جداً.

هذه هي المفاهيم التي يُصطلح عليها في فلسفتنا بـ (المقولات الفلسفية الثانية)، بمعنى أن العالم لا يستقيم بمجرّد الحسّ فقط. فالعالم واحد، وهو علة، وهو معلول، وهو ضرورة، وهو إمكان، فهو يشتمل على جميع هذه المفاهيم. وهذه ليست من الأمور الاعتباطية، بل لا يمكن للعالم أن يوجد من دونها. فما تشبّث به هيوم حول العلية من كونها لا وجود لها خارجًا، سحبه كانط إلى المفاهيم الأخرى المتقدمة آنفًا، نافيا عنها الوجود الخارجيّ أيضًا. بمعنى أنه لم يكن يرى ما يمثلها من المحسوسات في العالم الخارجي. ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع إنكارها والتخلي عنها. فمن أراد أن ينسج ثوب الوجود تعيّن عليه الاستفادة من لحمة المحسوسات وسدى المعقولات.

* لكن هل يمكن بعد ذلك نشر هذا الثوب في الخارج، أو لا؟

- هذا بحث آخر، لم يتم التعرّض له من قِبل العقل الغربي الأصيل في المرحلة المعاصرة أبداً. بمعنى أن جلّ الهمّة المبذولة كانت تتلخص في إعداد ثوب المعرفة المنسوج بخيوط الحسّ والعقل، وقد كان نزاعها مع أصالة التجربة يدور حول نسج هذا الثوب. في حين كانت المشكلة الرئيسة التي يثيرها التجريبيون تقول باستحالة نشر مثل هذا الثوب في العالم، ومن هنا برزت مشكلة هيوم في مسألة العلية. أما كانط فقد ذهب إلى القول: إن مشكلة نشر ثوب المعرفة في العالم إنما تنشأ من وجهة نظركم الخاطئة بشأن العلاقة القائمة بين الذهن والشيء الخارجي. فأنتم ترون الأعيان والأشياء الخارجية مرآة للذهن، في حين أن العكس هو الصحيح، وهذا ما أطلق عليه بالثورة الكوبرنيكية في مجال الفلسفة.

لقد كان حلّ هذه المسألة يشكل مجمل الهاجس الذي شغل ذهن كانط. فقد كان في الحقيقة على الرغم من عدم استخدامه مصطلح أصالة الماهية في ذروة التفكير الخاضع لأصالة الماهية. بل إن كانط أكثر تشبثاً بأصالة الماهية حتى من القائلين بها من فلاسفتنا التقليديين. وباعتقادي فإن تاريخ الفلسفة الغربية برمته يقوم على أصالة الماهية، وقد كان إيمانويل كانط بدوره متربّعاً على ذروة أصالة الماهية. وليس هناك فيلسوف سواء في الشرق أو الغرب يمكنه أن يبلغ شأو كانط فيما يتعلق بأصالة الماهية. ويمكن للقارئ أن يسألني عن سبب قولي هذا. وجوابي هو: إنّ فلاسفتنا قد التفتوا في الفلسفة الإسلامية إلى سلسلة من الإشكالات التي كانت تثار بوجه القائلين بأصالة الماهية، وكان يقال لهم: إنكم لا تستطيعون الإجابة عن هذه الإشكالات. فإن بحث الوحدة والعلية والحركة الاشتدادية وما إلى ذلك  من المفاهيم، هي كلها من المسائل المرتبطة بالوجود، ولم يكن في إمكان أصالة الماهية أن تجيب عنها. بمعنى أن الدور من الناحية التاريخية لم يكن قد وصل إلى الفلاسفة القائلين بأصالة الماهية في تاريخ فلسفتنا. ولم يتوافر الظرف للإجابة عنها من قبل القائلين بأصالة الماهية. بمعنى أن فلسفتنا الإسلامية بعد صدر المتألهين قد توقفت على خصوص أصالة الماهية. فبعد ذلك كان الدور هو دور القائلين بأصالة الوجود. فالحاكم على الفلسفة الإسلامية هو القول بأصالة الوجود. وحيث كان الأمر كذلك، لم يظهر فيلسوف من القائلين بأصالة الماهية ليجيب القائلين بأصالة الوجود عن هذه الإشكالات. بمعنى أنك إذا لم تكن من القائلين بأصالة الوجود، فكيف يمكن لك تفسير الوحدة؟ وإذا لم تكن من القائلين بأصالة الوجود، فكيف تتعامل مع تأثير الأشياء بعضها ببعض؟ وما إلى ذلك من الأسئلة [الإشكالات] الأخرى. لقد كانت نيران هذه المدافع مفتوحة من قبل القائلين بأصالة الوجود، وهي تقصف باستمرار مواقع القائلين بأصالة الماهية، ولكن لم تتوافر الفرصة للقائل بأصالة الماهية للإجابة عن هذه الأسئلة [الإشكالات].

ولكن يجب الاستماع إلى الإجابة عن ذلك من كلام كانط. بمعنى أنه هو الذي تصدّى للإجابة عن تلك الأسئلة [الإشكالات] وتقديم الحلول لها. فقد أدرك صيغة المسألة، وتعرّف إلى ماهية المشكلة. لقد قال لـ هيوم: من الخطأ القول بضرورة التنكر للعلية، بحجة أننا لا نراها.  إن طريقة الحل تكمن في القيام بثورة كوبرنيكية. فحيث غابت الأنطولوجيا من الفلسفة الغربية، قال كانط: لا يمكن تطبيق المعرفة على العالم، يجب تطبيق العالم على المعرفة، بمعنى أن العالم يطابق الإنسان. فعليك ألّا تسعى وراء الشيء الكامن إزاء العلية إذْ أنت لا ترى العلية في الخارج. إننا نصنع الخارج في أنفسنا. فالخارج ليس شيئاً خارجاً عنا أو سوانا. إن الذي تطلقون عليه عنوان «الخارج» إنما هو انعكاس لما يحدث في دواخلنا، حيث ننسبه إلى الخارج، وبذلك تتصورونه حادثاً في الخارج. فلمّا نصلح هذا الجانب، ينصلح الجانب الآخر من تلقاء نفسه أيضاً. ثم يقول إن هذه المعاني والمفاهيم التي نصطلح عليها في فلسفتنا بـ «المعقولات الثانية»، أي تلك الجهات الوجودية من العالم التي لا يمكن إدراكها بالحواس من خلال مصطلحه الخاص به هي شرط في إمكان التجربة. بمعنى أننا إذا نظرنا بعين الظاهر وقلنا إن لدينا تجربة، فإن الإمكان العيني للتجربة يقول إن التجربة إذا أرادت أن تتحقق في الخارج، يجب أن تتوافر على بعض العناصر والعوامل التي يجب توافرها في ذهننا قبل ذلك؟ يقول كانط: إننا قبل أن نقوم بأي خطوة عملية أو رؤية معرفية، يجب أن تتوافر لدينا قبل كل شيء سلسلة من العوامل. فهو لا يبادر إلى إنكار هذه العوامل كما صنع سلفه هيوم، وإنما يعمد إلى أخذها إلى داخل الذهن. فبغض النظر عن الصور السابقة للمحسوسات التي هي عبارة عن الزمان والمكان، فإن لعقلنا صوره الذهنية السابقة الخاصة به. إن هذه الصور السابقة الموجودة في عقلنا، هي التي تصنع اللحمة والسدى العقلانيين للعالم.

ولكن أين تكمن مشكلة هذا الكلام الذي يقوله كانط؟ إن المشكلة الرئيسة سواء في الفلسفة الإسلامية أو في جميع الفلسفات الأخرى تكمن في كيفية إبراز هذه الحيثية المعقولة لنفسها؟ بمعنى أنك تقول: على افتراض امتلاكنا المفاهيم العقلية، كيف يمكن لنا أن ننسب مفهوماً غير حسي إلى العالم الخارجي؟ وإذا كان لديكم من طريق إلى ذلك، فكيف أمكنكم العثور عليه؟

لقد تم العثور على حل لهذه المعضلة في الفلسفة الإسلامية بفضل بحث أصالة الوجود والعلم الحضوري ومتفرّعات بحث العلم الحضوري، إذ قالوا: إن إدراكاتنا لا تتحقق ضمن مرحلة واحدة. ففي المرحلة الأولى نحصل على الصور الحسية، ثم نقوم بتحليلها ونطلق على هذه المرحلة تسمية المعقول الأول. وفي المرحلة الثانية ندرك الارتباط بين هذه المفاهيم الحاصلة في مرحلة المعقول الأول وكذلك بعض الحالات النفسية التي تعتمل في دواخلنا، بالعلم الحضوري في ساحة النفس، ثم تستنبط الصورة من ذلك الشيء الذي أدركته بالعلم الحضوري، وإن هذه الصور هي صور المعقولات والحالات الوجودية.

هذه هي خلاصة الحل الذي تقدمه الفلسفة الإسلامية في هذا الشأن. بيد أن هذا الحل يقوم على أساس القول بأصالة الوجود، بمعنى أن هذا الحل يقوم على المبنى القائل إن الساحة الحقيقية للعالم هي ساحة الوجود، وإننا لا نستطيع أن ندرك هذه الساحة بوساطة الحسّ. وإنما ندرك ذلك في أنفسنا بالعلم الحضوري. فما لم يكن الشخص من القائلين بأصالة الوجود لا يستطيع التفوّه بمثل هذا الكلام.

وعليه ما الذي يمكن لـ كانط أن يفعله؟ إنه يذكر لتلك الساحة الثانية تقديماً ماهويّاً، وفي إثارة هذه المسألة هناك دقة كبيرة في فلسفة كانط، بمعنى أنه يحلل القوّة العاقلة والفاهمة بشكل صناعي وبحذر شديد، ليصل من خلال ذلك إلى المعقولات. ثم قام بتقديم بحث الشاكلة والخطط، وإلى جانب ذلك كله يذكر نظرية «الأنا الاستعلائية»، والتي هي الأخرى بدورها عبارة عن بحث فني دقيق ومن المسائل الراقية التي تستحق أن يُفرد لها مكانٌ لبحثها بشكل مقارن في الفلسفة الإسلامية، وهو ما نراه الآن يأخذ طريقه بالتدريج في الأطروحات الجامعية والتخصصية على مستوى الدكتوراه والحمد لله. بيد أن المهم في البين هو أن كانط قد التفت إلى الإشكال، وهي بالمناسبة المسألة التي قلما تم إدراكها من قبل الدارسين لفلسفة كانط، بمعنى أنهم لم يدركوا فلستفه من هذه الناحية جيداً، بعبارة أخرى: إنهم لم يدركوا السبب الذي دعاه إلى القيام بهذا الطرح؟

لقد قام طرح (كانط) على ضرورة أن تكون جميع معقولات الفهم والعقل ماهوية في الوقت نفسه، بمعنى أن تكون مفاهيم من سنخ الماهيات. ويجب على هذه المفاهيم من خلال ترتيب خاص أن تتولى القيام بلحمة العلاقات الوجودية. وهذا هو معنى الكلام الذي يقوله كانط، والذي يكرره الكثير من الأشخاص، من دون أن يفهموا معناه، وهو أن الفهم إنما يطلق على المشهودات فقط، بمعنى أن مقولات الفهم تعد في نهاية المطاف من المشهودات. وإذا قلتم إن المفاهيم أمور أخرى غير المشهودات، وإن هذين الأمرين لا يتماهيان، فالشيء النفسي غير ما نشاهده بحواسنا، فإن (كانط) يقول: كلا، إن العقل هو الفهم، وإن الفهم يعدّ مرتبة أخرى من مراتب الإدراك الحسي للبشر، بمعنى أن الذهن البشري يمتلك الصورة الحسية في مرحلة، وفي مرحلة أخرى يمتلكها بشكل مفهوم، وهذه المفاهيم هي بحسب القاعدة من الماهية، ويتم حلّ هذه المشكلة بالمسائل الماهوية. وبطبيعة الحال فإن جميع المشكلات تتجه إليه هنا أيضاً.

حين نفهم نسبة المفاهيم إلى الواقعيات على أساس البحث المقارن، ستتضح مواطن الضعف والخلل في فلسفة كانط، بيد أن كانط نفسه يدرك ما يقوم به على نحو كامل. وبطبيعة الحال فإنه لم يكن لديه إدراك لأصالة الوجود، ولكنه حيث لا يريد أن يبقي ساحة غير الساحة الحسية، عليه أن يعثر على عناصر من جنس هذا الحسّ الذي يريد العمل على تنظيمه. وهذا يعني العمل على المواءمة بين المفاهيم والتخطيط لنسج «الثوب المعرفي المحسوس» في إثارة أصالة الماهية، بمعنى أن الفيلسوف إذا كان من القائلين بأصالة الماهية، وأراد أن يبيّن لكم تقديماً معرفيّاً، يجب أن يكون كانطياً.

وكما سبق أن ذكرت فإن مشروع أصالة الماهية ضارب في القدم، ولكنه بلغ ذروته مع كانط. فقد عمد على سبيل المثال إلى أخذ بحث أفلاطون وعالم المُثل الذي نادى به وأدخله من الواقعية الخارجية إلى الذهن، وكأنّ النسبة بين تلك المعاني والأفكار العقلانية الموجودة في عالم المُثُل الأفلاطونية، أضحت الآن نسبة بين المعقولات والمحسوسات وعالم الأشياء ونظائرها، بمعنى أنه يمكن إقامة مثل هذه المقاربات.

ومن هنا أقول إن تقديم كانط على أرقى مستويات أصالة الماهية في علم المعرفة، وإنما يمكن نقده بشكل جاد ودقيق، إذا أدركنا معنى أصالة الوجود، وما لم يصل الفرد إلى فلسفة أصالة الوجود، لا يستطيع أن يورد نقداً وإشكالاً جادّاً على تقديم كانط. يمكن إيراد النقد ضمن الأسرة الواحدة أو بيان عدم تناغمها، بيد أننا لا نستطيع عدّ ذلك نقداً جوهريّاً. والذين يعدون أنفسهم في الغرب من الكانطيين أو الكانطيين الجدد، هم لا يخرجون من فضاء (كانط)، حتى إنْ كان لديهم بعض الإشكالات عليه فهي إشكالات جزئية، ولكنهم بحسب الأصول يرون أن هذا التقديم هو تقديم جيد لإقامة منظومة معرفية حسيّة، ولم يتمكنوا من بيان حضور العناصر المعقولة في المعرفة، والتي لا يمكن تجاهلها، من طريق آخر.

وكما سبق أن ذكرت فإن طريقة الحل الرئيسة والبيان المعقول لهذا البحث الذي لا يتعرّض لمشكلات كانط، ولا يعمل في الواقع على تنزيل العقل إلى مستوى الحسّ، إنما تكون على أساس بحث أصالة الوجود في الفلسفة الإسلامية.

* لقد أصدرتم كتاباً قيماً فيما يتعلق بدراسة كانط ونقده، كان قد حاز لقب كتاب السنة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فهل يمكن عدّ هذا الكتاب جزءاً من أطروحة؟

- إن الكتاب السابق الذي أصدرته كان يشتمل على المباني الأولية. وقد سعيت في هذا الشأن إلى القيام ببحث نقدي مقارن. بمعنى أني كنت أسعى من خلال ذلك إلى تقديم فلسفة إسلامية في إطار نشاط كانط على مستوى التنظير. والذي أنوي القيام به الآن بطبيعة الحال في هذا المشروع هو العقل النظري. فإذا كتب الله لنا النجاح في هذا المشروع وأنجزنا العمل في العقل النظري، فسوف ننتقل بعد ذلك إلى تناول بحث العقل العملي إن شاء الله تعالى. وأما الذي أنوي القيام به في اللحظة الراهنة، فهو كالآتي: كان البحث الأول في فصول العقل النظري عبارة عن بحث الكليات والمقدمات ولا سيما البحث المهم بشأن القضية التركيبية السابقة. وأما البحث الثاني المدرج في الجزء الثاني من هذا القسم والذي أنوي إصداره خلال هذا العام إن شاء الله تعالى، إذ اكتملت أغلب حلقاته، فهو البحث في الثوابت، بمعنى البحث في الزمان والمكان ونقد هذه المسألة، ليتواصل هذا التقديم ببحث الفهم والعقل والاستدلال الاستعلائي ورؤية المذهب الاستعلائي لـ كانط. والعمق الفلسفي هنا واسع وكبير جداً. وفي الحقيقة فإن عمدة الأبحاث المعرفية تدور ضمن هذه الصيغة. كما أن الأبحاث المرتبطة بـ «الأنا الاستعلائية» ترتبط ببحثنا في العلم الحضوري، كما يرتبط بالأبحاث المرتبطة بالمقولات أيضاً. وأتوقع أن هذا البحث سوف يستغرق كامل هذين الجزئين.

والقسم الثالث، الذي سيكون مثاراً للبحث والجدل، هو بحث النفس والعقيدة ومعرفة الكون والأدلة على إثبات وجود الله وأبحاث العقل ومفهوم العقل. ويشتمل الجزءان الأخيران من هذا التقديم على هذه المسائل. هذا هو المسار الذي رسمته لمشروعي في دراسة أفكار كانط وتحقيقها، وأسأل الله أن يكتب لي التوفيق والنجاح في ذلك.

-------------------------

تعريب: حسن علي مطر.

[1] - البيوريتاني (puritan) أو التطهري: عضو في جماعة بروتستانتية في إنجلترا ونيو إنجلاند في القرن السادس عشر والسابع عشر للميلاد. طالبت بتبسيط طقوس العبادة وبالتمسّك الشديد بأهداب الفضيلة. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[2] - جان جاك روسو (1712 - 1778 م): كاتب فرنسي. كان لآرائه السياسية أثر كبير في تطوّر الديمقراطية الحديثة. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[3] - الرومنطيقية أو الرومانسية: مذهب يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من العواطف والمشاعر والأخيلة؛ ومن هنا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير وإطلاق النفس على سجيتها والاستجابة لأهوائها، وهو مذهب متحرر من قيود العقل والواقعية. المعرّب، نقلاً عن ويكيبيديا.

[4] - ديفد هيوم (1711- 1776 م): فيلسوف إسكتلندي. قال إن الاختيار مصدر المعرفة كلها. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[5] - اللورد برتراند راسل (1872 1970 م): رياضي وفيلسوف إنجليزي. من آثاره (تحليل المادة). المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[6] - فريدريك نيتشه (1844 1900 م): فيلسوف ألماني. بشّر بالإنسان الأعلى أو السوبرمان. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[7] - (feminism): حركة تدعو إلى تساوي الجنسين سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعياً. المعرّب.

[8] - الذاتانية (subjectivism): مذهب فلسفي يقول إن المعرفة كلها ناشئة عن الخبرة الذاتية. المعرّب.

[9] - فريدريك جورج ولهلم هيجل (1770 1831 م): فيلسوف ألماني. صاحب المنطق الجدلي المعروف باسمه (المنطق الجدلي الهيجلي) المعرّب.

[10] - جوهان غوتليب فيخته (1762 1814): فيلسوف ألماني. طوّر مثالية (كانط). المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[11] - فريدريك شلينغ (1775 1854 م): فيلسوف ألماني. ارتبط اسمه بالحركة الرومنطيقية. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[12] - مارتن هايدغر (1889 1976 م): فيلسوف ألماني. يعدّ مؤسس الفلسفة الوجودية. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

[13] - جون لوك (1632 1704 م): فيلسوف إنجليزي. عارض نظرية الحق الإلهي، وقال إن الاختيار أساس المعرفة. المعرّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد الحديث (قاموس إنجليزي عربي).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف