البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 31 / 2022  |  1982مشكلة النقد الأدبي في الغرب في وظيفته الاستعلائية

الحوار مع :د. مها خير بك ناصر
مشكلة النقد الأدبي في الغرب في وظيفته الاستعلائية

لم يخرج النّقاش حول الأدب وغايته والجدل الذي دار حوله في الأحقاب المتعاقبة للحداثة، عن البنية الإجماليّة لتطوّر الحضارة الغربيّة الحديثة.

كيف تناول الفكر النقدي هذه القضيّة، وما هي مؤثّرات العمل الأدبي على التحوّلات الحضاريّة في بلادنا انطلاقًا مما افترضته الحضارة الغربيّة الحديثة من مناهجَ وأساليبَ في سياق حركة الهيمنة الثّقافيّة للكولونياليّة بمراحلها المختلفة؟

الحوار التالي مع الباحثة والناقدة الدكتورة مها خير بك ناصر يتناول أبرز المشكلات المعرفيّة والثقافيّة المتّصلة بالنّقد الأدبي ومناهجه.

«المحرّر»


* اسمحي لي أن أبدأ بسؤالٍ مدخليٍّ، ماذا نعني بالنّقد الأدبي؛ ما هي موضوعاته، مبانيه، ومناهجه؟

ـ النّقد الأدبيّ علم، له أصولُه ومعاييرُه وقوانينه المرتبطة، حكمًا، بطبيعة النصّ اللغويّة؛ لأنّ عمليّة النّقد مشروطة، أوّلاً، بوجود النصّ القابل للقراءة النقديّة، وثانيًا، بوجود الناقد المتمكّن من استخدام أدواته النقديّة الإجرائيّة، أي وجود ناقدٍ مبدعٍ يتمتّع بثقافةٍ شموليّةٍ، وبمعرفةٍ لغويّةٍ تساعده على القيام بعملٍ جراحيٍّ جريء، ترتبط نسبة نجاحه بمعرفة الناقد وإدراكه طبيعة العناصر اللغويّة وقوانين تعالقها؛ لأنّ العمل النقديّ الجراحيّ يحتاج إلى مهاراتٍ تساعد على تفكيك وحدة النصّ، من دون اغتيال خصوصيّته، أو تشويه بنيته، أو الإساءة إلى كليّته، ولذلك يبقى الجسد النصيّ أساس أيّ عمليّة نقديّة مهما تعدّدت المناهج.

* لو توقّفنا عند المناهج، ولعلّها أهم نقطة إشكاليّة في النّقد الأدبي، لوجدنا أنّ الحديث يقع حول منهجٍ بنيويٍّ، ومنهجٍ سيميائيٍّ، وآخر تفكيكيٍّ، ورابع أسلوبيٍّ، وهكذا...كيف يمكن تشريح هذه المناهج من وجهة نظر نقديّة للغرب من جهة، ومن وجهة نظر عربية تأصيليّة من جهةٍ أخرى؟

-  مما لا شكّ فيه أنّ النصّ الأدبيّ منطوق ذاتٍ تُحاول البوح بآمال وأهداف ومقاصدَ تعكس جوهر الناطق بها، ولذلك قال الإمام عليّ (عليه السلام): «تكلّموا تعرفوا»، وقال سقراط: «تكلّم حتى أراك»، فالمعرفة والرؤية، وفق هذين التركيبين اللغويين، لا علاقة لهما بالمعرفة السطحيّة والرؤية الخارجيّة، بل هما معرفة بالجوهر وبما يرشح عنه من تجلياتٍ تشير إليه ولا تكوّنه، ولذلك يمكن القول إنّ الذات المبدعة تتجلّى قدراتها وطاقاتها في منطوقٍ أدبيٍّ يقولها لحظة التجلي، فهو ،إذًا، يشير إلى بعض من كمونها، ولا يمكن أن يكون كلّيّته، وهذا الكُمون لا يمكن قدحه إلاّ بآلياتٍ نقديّةٍ قادرة على استنطاق النصّ، ولذلك تعدّدت آليات قراءة النصوص بتعدّد القدرات والمقاربات، فأنتج هذا التنوّع في أساليب القراءة والاستنطاق ما يسمّى بالمناهج النقديّة الحديثة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ البنيويّة والتفكيكيّة والسيمائيّة والأسلوبيّة والتداوليّة والموضوعاتيّة، وهذه المناهج ابتكر آلياتها وتسمياتها علماء النّقد الغربيون الذين استعانوا بالنظريات البلاغيّة القديمة وبالنظريات اللسانيّة والفلسفيّة والرياضيّة، التي وظِّفَت في قراءة نصوص تتمايز بخصائص لغويّة وتركيبيّة ونحويّة، فكانت المركزيّة الأساس لهذه المناهج قوانين التشكيل الجينيّ للأجساد النصيّة، أي البنيات الصرفيّة وقوانين تعالقها التي تحفظ للنصوص اتّساقها وتناسقها وجمالها وفنيتها وخصوصيّتها، فلم يكن من منهجٍ نقديٍّ خارج سلطة النصّ.

استطاع علماء النقد غير العرب التأسيس والتأصيل لنظريات نقديّة علميّة حاول النقّاد العرب الإفادة منها، غير أنّ معظم القراءات النقديّة العربيّة تؤكّد حالة الإسقاط من دون توظيفٍ علميٍّ للأدوات الإجرائيّة النقديّة ولذلك لم يكن من تأسيس أو تأصيل في الدراسات النقديّة العربيّة.

* رغم أنّ النّقد الأدبي يعمل على «النص» المفترض أن يكون «بشريًّا» نجد أنّ الكثيرين حاولوا إعمال هذا النّقد في النّص الدّيني الإسلامي، رغم أنّه ليس بشريًّا، وبالتالي هو يخضع لاعتباراتٍ أخرى. إلى أيّ حدّ تعتبرون أنّ مناهج النّقد الأدبي صالحةٌ للاستعمال على النّص الدّيني، لا سيما أنّ النّص الدّيني الإسلامي يختلف عن النّص الدّيني المسيحي باعتباراتٍ ترتبط بمصدر النص؟

- النصّ في المفهوم اللغويّ يشير إلى العلوّ والارتفاع، سواءً أكان دينيًّا أم غير دينيّ، والنص القرآني، بوصفه أعلى مرتبة إبداعيّة لغويّة ونحويّة وتأويليّة وتشريعيّة وحياتيّة وإنسانيّة، فلقد قاربه علماء اللغة العرب الأوائل، وعلماء الفقه ليكتشفوا من خلال عمليات الاستقراء والتحليل والاستنباط والاستنتاج قوانين صرفيّة وتركيبيّة وحياتيّة ودينيّة وأحكامًا تشريعيّة وغيرها من القوانين والأسس المعرفيّة، فتركوا عددًا كبيرًا من المصادر التي تساعد  في فهم النصّ القرآنيّ، وأكّدوا من خلال  كتبهم أنّهم استعانوا بالقرآن الكريم من أجل استنباط قوانين النحو العربيّ بالاستناد إلى مفاهيم الدلالة والتأويل، ولذلك يجوز للباحث المتمكن من توظيف أدوات النقد الحديث أن يقرأ النصّ القرآني للكشف عن قضايا لغويّة ودلاليّة وحجاجيّة وإنسانيّة يمكن التأسيس عليها.

* إذا كانت مقولة: إنّ النّقد الأدبي هو نتاج فكرة محوريّة الحضارة الغربيّة، مقولة صحيحة، فكيف يمكن تقييم مدارس النّقد الأدبي الغربي من منظور العنصريّة والاستعلاء؟ وإلى أيّ مدى ساهم الفلاسفة وعلماء الاجتماع والأديان في الغرب في ترسيخ هذه الاستعلائيّة والعنصريّة؟

 - أعتقد أنّ مقولة «النقد الأدبيّ هو نتاج فكرة محوريّة الحضارة الغربيّة» غير دقيقة؛ لأنّ النقد علمٌ له أصول عربيّة أسّس لها علماء النقد العربيّ الأوائل الذين استقرؤوا النصوص، واستنبطوا آليات إجرائيّة صارت أصلاً في الكشف عن طبيعة نظم السياقات النصيّة، وعن معايير مقاربة دلالاتها. وهذه الأدوات تماثل ما توصّل إليه النقاد الغربيون الذين ابتكروا مناهج نقديّة، قوامها  أدوات إجرائيّة يتمّ توظيفها في قراءة النصّوص ومقاربة دلالاتها، ولقد حاول معظمهم أن يؤسّسوا لمدارس رأى فيها بعض الباحثين العرب عنصريّةً واستعلاءً، غير أنّ هذا المنظور الاستعلائيّ يتناقض وروحيّة البحث العلميّ؛ لأنّ التواضع من أهم صفات العالم، وربّما تولّد هذا الشعور نتيجة العجز عن إدراك المفاهيم والمصطلحات والمعايير النقديّة التي اتّسمت بالدقّة العلميّة، وارتبطت برؤًى فلسفيّةٍ، وبمهاراتٍ لغويّةٍ، وغير لغويّةٍ، وكان هدفها الأساس اختراق الظاهر النصيّ والكشف عن مؤثّرات نفسيّة واجتماعيّة وأسطوريّة وميتافيزيقيّة واقتصاديّة وسياسيّة تداخلت وتفاعلت في عمليّة الخلق الفنيّ، ولذلك لا يجوز توصيف أصحاب المدارس النقديّة العالميّة بالعنصريّة والاستعلاء؛ لأنّهم لم يغلقوا أبواب المعرفة، بل وضعوا نظرياتهم أمام كلّ راغب في البحث العلميّ، فإذا قصّرت الدّراسات النقديّة العربيّة عن قدح كُمُون النّصوص وفضّ أسرارها بآليات المناهج النقديّة الحديثة، فهذا نتيجة التبعيّة غير الواعية والاندهاش بكلّ وافد من دون حصول المعرفة اليقينيّة بالمناهج وكيفيّة توظيف آلياتها، فوضعت شعارات تغطي على العجز، وتخلق رضًى مزيّفًا.

* كيف تنظرون إلى إشكاليتين في النقد الأدبي: الأولى: تعدّد المصطلحات في منهج النقد التطبيقي، والثانية صراع المناهج النقديّة؟

- تشهد الساحات الثقافيّة العربيّة حضورًا بارزًا لدراسات نقديّة جيدة، ولكنّ معظم الدراسات تنتجها رغبة أستاذ جامعي في  مساعدة طلاّبه، أو دعوات إلى مؤتمرات ومنتديات وملتقيات نقديّة عربيّة أثمرت بيانات وتوصيات ختاميّة انتهت فاعليتها لحظة الانتهاء من قراءة التوصيات، ولذلك يمكن القول إنّ النقّاد العرب لم يعملوا على  تأسيس مدارس نقديّة عربيّة تنبثق من الحوارات والمناظرات بين النقّاد العرب؛ لأنّ معظم المشتغلين على النصوص العربيّة لم يؤسّسوا لفرقٍ بحثيّةٍ تُعنى بخصوصيّة النصّ العربيّ، وتحرّض على توظيف قوانين البلاغة والنحو العربيين، وعلى تطوير آليات النقد العربيّ القديم وتفعيلها بأدوات النّقد الوافدة، ليكون العمل على ابتكار أدوات نقدٍ عربيّةٍ حديثةٍ  تعين الدارسين والباحثين على قراءة النصّ العربيّ وفق آليات ترتبط بخصوصيّة اللغة والمورث الثقافيّ والدينيّ والفلسفيّ والاجتماعيّ والسياسيّ، فعجزوا عن التأسيس لتيّار أدبيّ/ نقديّ موسوم بهويّة عربيّة؛ لأنّهم يعيشون نوعًا من الإقصاء عن الفعل الحضاريّ العالميّ لأسبابٍ كثيرةٍ،  ربّما كان أهمّها الأوضاع السياسيّة وما تفرضه من أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة وتعليميّة ونفسيّة خلقت قطيعة بين الذات العربيّة وأصالتها، أوّلاً، وقطيعة بين المثقّف العربيّ وحركات الفكر العالميّة، ثانيًا، فتحوّلت الرغبة في إحياء التراث إلى هرولة نحو ترجمات تجاريّة قلّما تبلغ الهدف والغاية، وصارت الحداثة الأدبيّة والنقديّة زيًا تتسابق إلى إنتاجه أقلام تحسن تركيب دمى جسديّة لا أرواح فيها، فكثر الإنتاج وتراجع مستوى الفعل الإبداعيّ، فظهرت إشكاليات كثيرة من أهمّها تعدّد المصطلحات في منهج النقد التطبيقيّ، فرُبّ باحثٍ وظّف المصطلح عينه وأعطاه معنيين مختلفين نتيجة غياب الدّقّة في ترجمة المصطلحات، علمًا أنّ مناهج النّقد العالميّ تتمركز حول نقطة أساس هي لغة النص، فأنتجت نقطة التلاقي محاور منهجيّة تشكّل مستويات نقديّة تتمايز بالإيجاب أو السلب، ولذلك يذهب المتلقي إلى الاعتقاد بوجود تناقضٍ أو صراعٍ بين المناهج، وهذا، في رأيي، ناتج من غياب الدّقّة في توظيف الآليات النقديّة التي تتكامل وظائفها في إنتاج الدلالات والقصديات والمعارف الجديدة، بقدر ما تتمتّع بالاستقلاليّة والتمايز.

* هل بالفعل يمكن الحديث عن موضوعيّة في العمليّة النّقديّة، بحيث يتجرّد النّاقد عن كلّ الميول الثّقافيّة والتربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة؟ أم إنّه يصعب فصل الموضوعي عن الذاتي، لا سيما وأنّ العمليّة النقديّة هي عمليّة ذوقيّة بامتياز؟

- النّقد، وفق المعايير العلميّة، ليس عمليّةً ذوقيّةً تحدّد قيمة المنتج النقديّ الخاضع للذاتيّة والشلليّة والميولات النفسيّة والتربويّة والاجتماعيّة والنفعيّة؛ لأنّ النّقد طاقة كشف وخلق تطمح إلى إدراك تعدّد المنظور الحسّي، والمحسوس الفنيّ في البنية اللّغوية، وبه تتمّ عمليّة رصد الكُمون الفيزيائيّ الحركيّ، وفهم كيميائيّة التحوّلات في البنية اللغويّة المنغلقة على ذاتها، من جهة، والمشحونة بفيض من إشارات الإغراء، من جهة ثانية، فالنّقد الإبداعيّ، إذًا، نشاط عقليّ، قوامه طاقات إبداعيّة مشحونة بفيض من المعارف والعلوم التي تساعد على توظيف الأدوات النقديّة، وفهم رموز النصّ وإشاراته، وقراءة صوره، والقبض على بعض دلالاته والكشف عن تعدّدها وتمايزها، من دون إسقاط علاقة الناقد بصاحب النصّ.

* هل من تعريف بالقراءة النقديّة الإبداعيّة التأسيسيّة؟

- ممّا لا شكّ فيه أنّ القراءة النقدية إجراء عقليّ، قوامه أدوات منهج تفكيكيّ /تحليليّ/ تركيبيّ تساعد على تفكيك المتحد اللغويّ الكليّ المتماسك، وتحديد جزره المتماسكة والمتكاملة، ومن ثمّ تحديد ماهيّة الروح الكليّة الموحِّدة والضامنة جماليّة النّسق النّصيّ المكوّن من عناصر لغويّة ترتبط وظيفتها الدلاليّة بالقدرة الإبداعيّة التي يتصف بها خالق نصّ فنّانٍ مبدعٍ محصّنٍ بقوانين اللغة، وقادرٍ على توظيف عناصرها، وعلى تسخير ثقافته وطاقاته اللغويّة وغير اللغوية، لحظة ولادة النصّ، ومولود هذه اللحظة الخارجة على سلطات الرقابة والقمع تحتاج إلى قراءةٍ لغويّةٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ وخارجةٍ على سلطة القمع والاستنطاق.

تحتاج القراءة النّقدية، إذًا، إلى كفاءاتٍ لغويّةٍ وإلى مخزونٍ ثقافيّ ومعرفيّ وإلى قدرة على تفكيك البنية اللغويّة ودراسة خصائص عناصرها في حالتي الاستقلال والتركيب؛ لأنّ تفكيك الجزر اللغويّة يُضعف ممانعة العنصر اللغويّ المُكتسَبة، فيكشف عن دوره،  وتضعف ممناعته، ويتمّ الاستفراد به، ومن ثمّ يكون القبض على بعض الأسرار المحتجبة وراء ظلال عناصر اللغة المتعالقة والمتماسكة في وحدة بنيويّة وفنيّة، فيتكشف دور العنصر اللغويّ في إنتاج الدلالات الوضعية والمكتسبة، ويتمّ التعرّف إلى مهمّته في تحديد القيمة الأدبيّة / المعرفيّة التي منحته خصوصيّته، وتمايزه الأدائيّ.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف