البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 14 / 2021  |  1029الاستقلال الاقتصادي هو أساس التحرر الحضاري للمسلمين

الحوار مع :د. عادل بيغامي
الاستقلال الاقتصادي هو أساس التحرر الحضاري للمسلمين

يتناول هذا الحوار، مع الباحث المتخصّص في علوم الاقتصاد الدكتور عادل بيغامي، المفاصل الأساسيّة التي تحكم النظريات الاقتصاديّة في المرحلة النيوليبراليّة التي يعبرها عالمنا اليوم. نشير إلى أنّ البروفسور بيغامي حائز على الدكتوراه في علوم الاقتصاد من جامعة الإمام الصادق(ع) في طهران. ويشغل حاليًا منصب عضو اللجنة العلميّة في كلية الاقتصاد في الجامعة ذاتها، ويُمارس في الوقت نفسه نشاطًا في حقل البحث والتحقيق أيضًا. من مؤلّفاته: (حدود العلم في الاقتصاد الإسلامي)، و(الاقتصاد السياسي العالمي)، و(وقفة على جغرافيا أدبيات التنمية القائمة على العدالة)، و(التفكير النقدي وأساليب تحقيقه في المنهج الدراسي للاقتصاد)، وغيرها من المؤلفات الأخرى. كما أنّ فضيلته بالإضافة إلى التدريس في مجال الأبحاث التخصّصيّة في حقل الاقتصاد، له إطلالة مقارنة جيّدة على هذا الحقل من زاوية الأبحاث الإسلاميّة.

معه كان هذا الحوار:

«المحرّر»


* نودّ بداية أن تشرحوا لنا الفرضيات الضروريّة في المواجهة الاقتصاديّة مع الغرب؟

-إنّ المواجهة مع الغرب مواجهةٌ مستحدثةٌ ومعاصرةٌ، ولا يُمكن لنا تعليق جميع مشاكلنا على شمّاعة المواجهة مع الغرب؛ إذ حتى لو لم يتبلور الغرب إلى ما هو عليه حاليًا، لكنّا أيضًا نعاني من مشاكلنا الخاصّة. يقول الشهيد المطهري: إنّ الاستعمار الغربي هو العلّة المبقية لتخلّفنا، وأمّا علّته الموجدة فإنّها تتمثّل في أنفسنا. فنحن نمثّل المشكلة المنبثقة من داخلنا. وأمّا الأغيار فهم العلّة المبقية. ويترتّب على ذلك نقطة كبرى، وهي أنّنا عندما نتابع الجدليـّة القائمـة بين التراث والحداثة، سوف ننظر إلى الحداثة بوصفها العلّة الموجدة أو المبقية للمشاكل. ثم إنّنا نحن المسلمون مستغرقون في ثنائيّة التراث والحداثة والاستغراب إلى حدّ كبير. وأنا شخصيًّا أعتبر هذا الاستغراق يشكّل نوعًا من الإفراط، وأراه نوعًا من التنوير المريض أو التنوير غير العميق. فأنا أرى أنّ الثنائيّة العميقة لدى المسلمين لا تكمن في التراث والحداثة. وإنّما التراث والحداثة من ثنائيات الغربيين أنفسهم. بمعنى أنّنا ننظر إلى هذه المسألة من زاويتهم. وذلك إذ نضع الإسلام في بوتقة السنّة وفي قبال الحداثة، ونعيد اجترار تلك الأبحاث ثانية. وفي الأساس فإنّ الغربيين أنفسهم لم يكونوا يقبلون بهذا اللّفظ في بعض الموارد، وكانت كلمة الـ (tradition) تستعمل ولا تزال بالنسبة إلى الحداثة أيضًا. إنّ أنصار ما بعد الحداثة عندما يلفظون كلمة (tradition) يريدون بذلك الحداثة بالضبط. إنّ ثنائيّتنا لا تقوم على بحث التراث والحداثة. والإسلام هنا ليس هو التراث؛ إذ يمكن للإسلام في بعض الموارد أن يعتبر حداثويًا بالكامل. وفي الأساس فإنّ الحداثة الحقيقيّة يجب فهمها في الإسلام. كما يجب اعتبار التراث الحقيقي هو الإسلام أيضًا. إنّ الثنائيّة الأصلية لدى المسلمين تتمثّل في الإسلام والاستكبار أو الله وغير الله. إنّ الثنائيّة لدى المسلمين تكمن في الحقّ والباطل. فإذا كان الحقّ في الغرب سنكون نحن من أنصاره، وإن كان الباطل بين المسلمين سوف نكون ضدّه. لقد أدّى هذا الأمر بالثقافة العامّة السائدة بين النُّخَب، والجماعات التنويريّة والجامعيّة، أو حتى الحوزويّة إلى أن نتجاهل هذه الثنائيات، ونخوض غالبًا في ثنائيّة الإسلام والحداثة أو الإسلام والغرب ومحاربة الغرب والاستغراب. إنّ بعض المفكرين المسلمين المخالفين للاستغراب، هم الاستغراب عينه، من قبيل: تيّارات ما بعد الحداثة. إنّ أغلب التيّارات أو 90% منها، والموجودة في إيران باعتبارها ضدّ الحداثة هم الحداثة عينها ولكنّهم لا يشعرون، بل هم في الواقع ينتمون إلى ما بعد الحداثة. بمعنى أنّهم يعملون على اجترار كلمات هيغل ومارتن هايدغر وأشخاصًا آخرين كانوا يعتبرون معارضين للحداثة بشكل وآخر، وتيارات مثل هابرماس وميشال فوكو ورورتي، باسم الاعتراض على الحداثة، دون أن يدركوا أنّ ما بعد الحداثة هي حلقة من حلقات الحداثة. إنّ ما بعد الحداثة لا تعني موت الحداثة وبداية عصر جديد. ونحن نحتاج إلى بحث في كلّ واحدة من هذه الموضوعات. بيد أنّ هذه تعدّ من آرائي التي أعمل على أخذها جميعًا بوصفها من افتراضاتي.

* هل لك أن تبيّن لنا آليات مواجهة المسلمين مع الغرب ولا سيّما في حقل الاقتصاد؟

- لقد تمثّلت العلاقة مع الغرب في طبقات مختلفة، ولا سيّما منها في الاقتصاد. إنّ الطبقة الأولى من الارتباط بالغرب تتمثّل في الطبقة الاستشارية، وهي أعم من التأثيرات الإيجابيّة والسلبيّة. من ذلك أنّ موسيو نوز ـ على سبيل المثال ـ قد عمل في العهد القاجاري على تنظيم وزارة المالية وتنسيقها في إيران. وكان هذا ارتباط لنا مع الغرب في مجال الاقتصاد، حيث كان المستشارون ـ الأعم من الغربيين وغير الغربيين ـ قد تركوا تأثيرهم، وليس من الضروري أن يكونوا غربيين حتمًا. فقد عمد حامد علي جمال زاده إلى كتابة أوّل كتاب للاقتصاد في إيران بشكل جديد، وتحت عنوان (گنج شايگان). وقد قام في الأساس بتأليف هذا الكتاب للألمان، وقد حدّد فيه طرق الاستفادة من المصادر الجوفيّة الإيرانية بشكل كامل. وقد كان هذا الكتاب في الحقيقة تقريرًا للعمل على نهب إيران ومصادرة ثرواتها. وحاليًا ينظر إلى هذا الكتاب بوصفه تاريخًا لاقتصاد إيران، ولكن كان يُنظر إليه في حينه بوصفه تقريرًا للجاسوسيّة الاقتصادية لمصلحة الألمان. والطبقة الثانية في مواجهتنا مع الغرب، هي طبقتنا الفكرية. وذلك حيث تعرّف المسلمون على الفضاء المعرفي للغرب. وبطبيعة الحال فقد أتت بداية هذه المعرفة من خلال الترجمات. ولا يخفى أنّنا قد أقمنا الارتباط المعرفي معهم بشكل متأخّر. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّ أمير كبير عندما أسّس دار الفنون في إيران، عمد إلى إدخال حقول الجغرافيا والطب والصناعة. ولم يعمل في حينها على استيراد حقل الاقتصاد، وأرى أنّ ذلك كان خطأ تاريخيًا. وفي الحقيقة فقد تجاهلنا العلوم الاجتماعية والتطور الذي أحدثته هذه العلوم في العالم، الأمر الذي استغرق منا مئة وخمسين سنة لنصل إلى هذه القوّة. ومن هنا أصبح الإمام موسى الصدر طالبًا في حقل الاقتصاد في جامعة طهران، وعمد آية الله مهدوي كني إلى بناء جامعة لا تحتوي على حقل فني أو هندسي، بل كانت الأهميّة الأكبر فيها تتّجه نحو الاقتصاد والسياسة وسائر العلوم التي تسهم في بناء المجتمع والنظام؛ وذلك لإمكانيّة استيراد المهندسين من الولايات المتحدة الأميركية. ولكن لا يمكن استيراد الاقتصاديين والحقوقيين منها. وفي الحقيقة فإنّ مواجهتنا المعرفيّة في الجامعات ـ والتي اقترنت بكمٍّ هائل من ترجمات الكتب إلى اللّغة الفارسية ـ قد أدّت بنا إلى نوع من فقدان الثقة بأنفسنا. بمعنى أنّنا لم نلتفت إلى كيفيّة تفكير أسلافنا تجاه هذه المسائل. لقد تصوّرنا أن المسلمين يتعيّن عليهم الآن أن يبدأوا من الصفر، في حين سبق أن كانت لدى المسلمين أسواقهم وحضارتهم، وكان لديهم استثمار وادخار للنقود ومؤسّساتهم الماليّة. لقد تجاهلنا أو نسينا هذه الأمور كلّها ووقعنا في نوع من الغفلة التاريخية. والإشكال الثالث أنّهم قد جاؤوا لنا بأجزاء من الغرب. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّ التيّار المؤسّساتي في الاقتصاد الأميركي كان حتى الآن يتحدّث تمامًا بنفس ما نقوله اليوم في أبحاث الإنتاج الداخلي، والاتّجاه الخارجي، والاقتصاد المقاوم، وأبحاث دعم المنتج الوطني. وهذه هي الأمور التي كان هاملتون يقولها في الولايات المتحدة الأميركية للخروج من ربقة الاستعمار الإنجليزي. إنّ هذه الأمور لم تترجم إلى العالم الإسلامي أبدًا، كما لم يتمّ تعريف المسلمين بالتيار الألماني المناهض للاستعمار، ومواجهة الاستعمار الاقتصادي الإنجليزي الذي أدّى في نهاية المطاف إلى تحرير ألمانيا والدفع بها لتكون ما هي عليه حاليًا. وحتى لو تمّ بيان هذا النّوع من المسائل، فإنّها كانت تبقى في تضاعيف الكتب، ولا تتحوّل إلى حوار أو تطبيق على أرض الواقع. ومن هنا لم يتعرّف المسلمون على جميع تفاصيل علم الاقتصاد الغربي. في حين كان للاقتصاد الغربي أضلاع مختلفة. وقد كان في داخله يحتوي على حيويّة وتضارب، وكان هناك من ينتقده من الداخل. أمّا المسلمون فإنّهم لم يتعرّفوا على هذه الأمور بشكل كامل للأسف الشديد، وقد دفعت بنا هذه الغفلة نحو التخلّف. ولا يزال هناك وجود لجذور الجهويّة والمحدوديّة والتقنيّة في الكليات الاقتصادية أيضًا. ولا تزال الأنظار الألمانيّة في إيران والعالم الإسلامي حتى الآن ضحلة وباهتة للغاية. فنحن ندرك المفهوم الأميركي من البنك، في حين أنّ للبنك في ألمانيا مفهومًا مختلفًا تمامًا، وتختلف آلية عمله وأدائه عن مفهوم البنك في الولايات المتحدة الأميركية.

* ما هي برأيكم أبرز التحديات التي تواجه الأنظمة الاقتصادية العالمية من وجهة نظر إسلامية؟

- الدين الإسلامي هو خاتم الأديان. وخاتميّته تقتضي منه أن يفوق الزمان والمكان، وأن يتمكّن من البقاء في جميع الأعصار وفي جميع المجتمعات بشتّى اختلافاتها وأبعادها الحيويّة. وهذا المفهوم يعني أن نأخذ بنظر الاعتبار الظرفية الاستيعابيّة لاجتذاب التجارب الجديدة، واستقطاب الإبداعات والحيويّات الجديدة. غاية ما هنالك أنّ القسم المتغيّر ـ على حدّ تعبير العلامة الطباطبائي والشهيد المطهري والشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ يمثّل القسم المرن والحيوي في الإسلام، وهذا هو الذي يضفي مفهومًا على خاتمية الإسلام، ولهذا القسم جذور في الثوابت حتمًا. وبعبارة أخرى: إنّ النّواة المركزية الصلبة هي بمنزلة ثوابت الدين الإسلامي، ونحن من خلال التمسّك بتلك النواة نسعى إلى تنظيم القسم المتغيّر. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّ النواة الصلبة لدينا تتمثّل بوجوب الحفاظ على كرامة الإنسان. فإذا كان من بين أنواع النماذج المطروحة في الغرب بشأن مجال الضرائب ما يحفظ كرامة الإنسان أكثر من غيره، فإنّنا سوف نميل إلى ذلك النموذج بشكل أكبر. ثم إنّنا في هذا المجال إنّما نكون في مقام الإثبات دون مقام الثبوت. ففي مقام الثبوت نكون أبدًا في موقع الصفر والواحد. فالشيء إمّا حقّ أو باطل. ولكنّنا في مقام الإثبات نغدو نسبيين. بمعنى أنّنا من الممكن أن نعثر على 80% من النموذج الإسلامي، ويكون هو خير ما نعثر عليه، فنعمل على اختياره. وهناك بحث هام، نجده عند الشهيد المطهري، كما نجده عند غيره من كبار علمائنا، من أمثال: العلّامة الطباطبائي، وآية الله الشيخ مهدوي كني، حيث يقولون: إنّ العدالة في مقام الثبوت أمر مطلق، وفي مقام الإثبات أمر نسبي. وعلى هذا الأساس، قد يمكنكم القول في مقام الثبوت: إنّ المجتمع الحقّ هو المجتمع الذي لا ترتكب فيه أيّ معصية أو جريمة أو خلاف. ولكنّنا قد شهدنا مجتمع النبي الأكرم «في مقام الإثبات، حيث لم يكن يخلو من الذين يقترفون الموبقات، من قبيل: التبرّج، وأكل الربا، وممارسة الزنا، وقد كان خالد بن الوليد يرتكب ما يمكن تسميته جريمة حرب وهو في جيش النبي الأكرم»، وكان مسجد ضرار يمارس نشاطه أيضًا. وقد كان هذا كلّه يحدث في مدينة النبي. وفي عصر ظهور الإمام المهدي المنتظر (عج) ـ سوف تكون الأمور مختلفة إلى حدّ كبير ـ ولكن الواقع سوف يبقى على هذه الشاكلة؛ حيث تؤكّد الروايات أنّه سيقضي شهيدًا، وأنّ هناك من سوف يقترف جريمة بحجم قتل الإمام الحجة (عج). ومن خلال هذه الرؤية نقول: إنّنا نجعل من ذلك القسم الثابت والنواة الصلبة ملاكًا، ثم ننتقل إلى التجارب البشريّة. فنحن نستفيد من تجارب البشر. ولكن في قبال تجربة الإنسان الغربي، هناك تجربة خاصّة بأميركا اللاتينية، وهناك تجربة يابانية، وتجربة صينية. وإنّ من بين المشاكل التي نعاني منها أنّنا ما أن نتحدّث عن التجارب البشرية، حتى يتداعى إلى الذهن أنّ المراد هو خصوص التجربة الأوروبيّة والأميركية. في حين أنّي أريد أن أتّعرّف على أفضل تجربة بشريّة في حقل الضرائب العادلة؛ لأنّ النواة الصلبة تقول لي: عليك أن تبدي اهتمامًا خاصًّا بالعدالة. فأين يمكن لي الحصول على تجربة بشرية تضمن لي الحفاظ على هذا المفهوم بشكل أفضل من غيره؟ لماذا لا أبحث عن ضالتي في الصين واليابان وأميركا اللاتينية؟ لماذا تقتصر تجربتي على أميركا وأوروبا فقط؟ نشاهد في التاريخ أنّ الحضارة الإسلامية قد شهدت ازدهارًا كبيرًا واستمرّت لما يقرب من ستة قرون. وهذا ما أكّدت عليه وشهدت له الكثير من الكتب التي كتبها الغربيون في مورد تلك الحضارة؛ حيث أشادوا بتلك الحضارة ونعتوها بالحضارة المزدهرة والحيوية والمتقدّمة جدًا. ولكنّها في الوقت نفسه لم تكن تخلو من بعض الأخطاء التي لا نرتضيها قطعًا، من قبيل: الحكومات السياسية للكثير من الخلفاء. ولكن كيف كان واقع الاقتصاد في تلك الحضارة حقًّا؟ نقرأ في التاريخ أنّ نوعًا من الشيكات الخاصّة بمدينة إسطنبول كانت رائجة في ما وراء النهر؛ حيث كانت تدفع للعامل كأجرة له على أتعابه، وكان يتقبّلها. فكيف كان يمكن لورقة مختومة أن تكتسب مثل هذه القيمة؟ لو أنّي الآن عرضت عليك نقود جمهوريّة بوركينافاسو مثلاً كقيمة لشراء بيتك، لن تقبل ذلك مني بسهولة قطعًا، وتشترط تصريف هذا النقد إلى العملة المحلية أو عملة صعبة متداولة على نطاق أوسع؛ ولكن كيف كان يمكن للصيرفي في أسطنبول تحويل هذا الشيك إلى نقد في ما وراء النهر؟ إنّ هذا يثبت أنّنا كنا نمتلك أسواق مالية متطوّرة في الحضارة الإسلامية. وقد كانت لدينا ثروة اجتماعيّة كبيرة فيما يتعلّق ببحث الثقة والاعتماد العام في حقل المسائل الاقتصادية. فمن ذا الذي أوجد مثل هذه المنظومة الاقتصادية؟ إنّ الذي أوجد هذا النّظام هم العلماء والنُّخَب. فمن كان هؤلاء الذين يشكّلون عُماد نُخَبنا الاقتصادية؟ هذا ما لا نجد له ذكر في التاريخ؟ هناك في كلمات شيخ الطائفة بحث في باب تحوّلات العرض والطلب، وقد أخذت هذه الكلمات في القرن العشرين للميلاد يستحقّ قائلها أن يمنح جائزة نوبل في الاقتصاد. بمعنى أنّ الذي جاء بمثل هذه المفاهيم والنظريات في القرن العشرين حصل على جائزة نوبل، في حين أنّ الشيخ الطوسي + قد ذكرها في التاريخ. وعليه عندما نقول: إنّنا ملزمون باعتماد التجارب البشرية، نريد بذلك تجاربنا الخاصّة وتاريخنا أيضًا.

* كيف تحلّلون الاستنساخ الظاهري والساذج للنماذج الاقتصادية في الغرب، وما هي التداعيات التي ترتّبت على ذلك في المجتمع الإسلامي؟

-واقع الأمر هو أنّنا سعينا في الغالب أن نتّخذ مظهرًا غربيًّا فقط، حيث اقتصر سعينا على أن تكون لدينا وزارة للاقتصاد كما لديهم، وبذلك وقعنا في الأعم الأغلب في نوع من الاجترار والاستنساخ. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّنا في إيران أسّسنا شركة (إيران ناسيونال)، وهي عبارة عن مصنع للسيارات، ولكن لم يتمّ إنتاج سيارة مارسيدس أو فورد في إيران إطلاقًا. إذ لم يتمّ سوى استيراد قشرة خارجيّة من الأمر؛ حيث اشتمل الأمر في الغالب على عملية مَنتجة واستغراب في هذا النّوع من الاستنساخ. حيث لم يتمّ استنساخ واقع القضية أبدًا. لا يوجد في الكثير من المؤسّسات في البلدان الإسلامية شيء سوى اجترار ما لدى الغرب. وفي الحقيقة كانت هذه الأمور شبيهة في مظهرها بالتطوّر والتقدّم ولكنّها لم تكن هي عين التقدّم والتطوّر. ومن ناحية أخرى هناك اليوم في بعض البلدان الإسلامية تيارات تذهب إلى الاعتقاد بأنّنا إذا أثبتنا أنّ مؤسّسة أو نظريّة تحتوي على أسس إنسوية أو علمانية ـ مثلاً ـ فإنّ سطحها الظاهري سيكون مدنّسًا أيضًا. كأن نثبت ـ على سبيل المثال ـ أنّ جذور البنك هي جذور شيطانيّة باطلة تنتمي إلى الإنسوية الغربية؛ وعندها يتعيّن علينا إلغاء البنك في المجتمع الإسلامي. إنّ هذا الكلام خاطئ على حدّ تعبير الشهيد الصدر. بمعنى أنّ بمقدوري الاستفادة من البنك في المجتمع الإسلامي، حتى وإن كانت قواعده علمانيّة من الناحية الفلسفيّة. يمكن لي أن أعمل على تجريده من تلك القواعد وأسعى إلى أسلمته. وكان هذا هو نزاع السيد جمال الدين الأسد آبادي مع الميرزا الشيرازي الكبير. ومن هنا يجب العثور على الخط الإسلامي الأصيل في المواجهة مع الغرب، وهو الخط النبوي الأصيل، وهو الخطّ الأصيل لأئمتنا المعصومين (ع). وعلينا أن نعمل على التنظير لذلك في المواجهة مع الغرب. وأين يجب أن تتمّ عملية الشطب، وأين يجب أن يكون هناك إمضاء وتقرير، ومتى يجب أن يكون لدينا تأسيس. بمعنى أن لا نكتفي بتأسيسها من قبل الآخرين. ويعتبر الاقتصاد الإسلامي أو مواجهتنا مع الغرب في هذا الشأن مواجهة فقهية وفلسفية. ومن خلال التأكيد على الفقه، نجد أنّ الفقه عبارة عن نظريّة لإدارة الإنسان على حدّ تعبير سماحة الإمام: إنّ الفقه يعمل على بناء المجتمع. لقد جاء الفقه لكي ينظم العلاقات بين الناس، وإنّ قسم العبادات منه يختصّ بالعلاقة بين الإنسان وبين الله، ولكن حتى في هذه العبادات، نجد أنّ للخمس والزكات ركائز أرضيّة، فهي تهدف إلى بناء المجتمع، وإيجاد حلول للعلاقات القائمة بين الناس. إنّنا في مواجهتنا مع الغرب نسعى إلى بناء المجتمع، وأن نحافظ على المجتمع، ونمضي به قدمًا إلى برّ الأمان. ومن هنا قد نلجأ في بعض الحالات ـ اضطرارًا أو من باب أفضل السيئات المتاحة ـ إلى الاستفادة من بعض النماذج والأمثلة التي قد لا تكون إسلاميّة بالكامل، وهو ما نفعله حتّى الآن ولا نبالي، كما ندخل في تفاصيل إلغائها وإمضائها وتأسيسها أيضًا. فنعمل على إمضاء جانب من البنك، ولا نمضي جوانب منه أيضًا. إنّ بعض التجارب البشريّة هي تجارب عقلانيّة جيّدة حتى وإن كانت غربيّة واشتراكية أو كان قائلها كارل ماركس نفسه.

* ما هو برأيكم حجم النجاح الذي حقّقه الاقتصاد المهيمن على المعادلات والعلاقات العالمية في إطار تحقيق العدالة؟

- لدينا في جامعة الإمام الصادق مجموعة خاصّة ببحث العدالة، ولا نزال نقيم الندوات منذ خمسة عشر عامًا، وتضمّ هذه المجموعة طلّابًا على مستوى الدكتوراه وأساتذة، وقد توفّر حاليًا ما يقرب من المئة تسجيل لتلك الندوات على الأشرطة، وقد تمّ طبع قسم من تلك الندوات في كتاب. لقد اطّلعنا على الدراسات العالميّة الخاصّة بحقل العدالة، وقد أذهلنا حجم هذه الدراسات التي تفوق مثيلاتها عندنا بآلاف المرّات. لا أتصوّر أنّ العالم الغربي أو غير المسلمين لا يولون أهميّة للعدالة. إنّ طبقة النُّخَب عندهم شديدة الاهتمام بموضوع العدالة. هناك إحصائيّة صادرة عن مركز علماء الاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية، تفيد أنّ حجم الإنتاج في الحقل العلمي لبحث العدالة قد ارتفع ما بين عامي 1995ـ 2005 م، إلى سبعين ضعفًا، ولا شكّ في أنّ هذه النسبة قد ارتفعت إلى أكثر من ذلك لاحقًا. بمعنى أنّه لو شهد عام 1995 م طباعة مقالة واحدة في بحث العدالة، فقد شهد عام 2005 م طباعة سبعين مقالة في هذا الموضوع. ولا نعلم كم بلغ عدد هذه المقالات والدراسات منذ عام 2005 إلى عام 2020 م، ولكنّي على يقين بأنّها قد زادت على ذلك بكثير. هذا بلحاظ الحقل المعرفي وإنتاج المقالات والعلم والتدقيق في المسائل والتفاصيل في حقل العدالة، ما يمثّل بالنسبة لنا دروسًا بالغة العِبَر. ومن هنا علينا أن نتعلّم إثارة الأسئلة من الغرب، لا أن نطالب الغرب بالإجابة عن أسئلتنا. يجب أن نطرح الأسئلة على مصادرنا الدينيّة. وعلى هذا الأساس أرى أنّ هذه النقطة في غاية الأهميّة، بمعنى أن نذهب إلى الغرب للعثور على أسئلة، وليس العثور على إجابات. ومن ناحية أخرى عندما نخرج من الحقل المعرفي ونصل إلى حقل التنفيذ والتطبيق، نعثر على الكثير من القواعد والآليات القائمة على العدالة في الغرب. وأنا أقول صراحة: إنّ الغرب قد أدرك مقولة (إنّ المُلك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظلم). ولهذا السبب نقف على قوّة الاقتصاد في الولايات الأميركية المتحدة، فهو اقتصاد قوي على الرغم من إشكالاته ونقاط ضعفه وتعقيداته. وإنّ جانبًا من ذلك يعود إلى مراعات العدالة. إنّ العامل في الولايات المتّحدة الأميركية يتمتّع بضمان اجتماعي وتقاعد وبنية تعاقدية تضمن له العدالة على مستوى عال. والعدالة هنا ليست من طرف واحد، فهي كما تضمن حقوق العامل، تضمن كذلك حقوق ربّ العمل، وبذلك يكون هناك نوع من التطبيق لقوله تعالى: (لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ) [سورة البقرة (2)، الآية 279]. وعلى هذا الأساس يتعيّن علينا بلحاظ استخلاص التجارب والعبَر وفي مقام العمل، أن نتعلّم الكثير من ألمانيا والولايات الأميركية المتحدة في حقل العدالة. إنّ العدالة الضرائبيّة والكثير من المسائل التي سلكها الغربيون في مقام النظريّة والعمل، تحمل في طيّاتها الكثير من الدروس التي يجب استلهامها من وجهة نظري. إنّ العدالة تمثّل النواة المركزيّة في الإسلام. قال تعالى في سورة الماعون: (أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ) [سورة الماعون (107)، الآية 1].؟ بمعنى: هل أدلّكم على ذاك الذي يكذّب بالدّين؟ لا يقول: إنّه ذلك الذي لا يصلّي صلاة الليل، أو ذاك الذي لا يصوم وما إلى ذلك، وإنّما يقول: (فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ) [ سورة الماعون (107)، الآية 2]. وعليه إذا تمكّن النّظام الألماني من تقديم نموذج يُحتذى في رعاية اليتيم، كان ذلك بالنسبة لي الدين عينه. أنا لا أقول هذا نظام ألماني، وإنّما أقول إنّه نظام دينيّ، غاية ما هنالك يتمّ تطبيقه بأيدٍ ألمانيّة. وقد روي عن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنّه قال: (الحكمة ضالة المؤمن). فإن وجدتها حتى عند المنافق فإنّي سوف أسارع إلى أخذها؛ وهذا ما يُسمّى بالحكمة. إنّ نموذج رعاية اليتيم المعمول به في ألمانيا، طبقًا لهذه الآية الكريمة هي الدين عينه. إنّها ليست عندي أنا المسلم؛ لأنّي قد غفلت عنها ولم ألتفت إليها؛ إذ لم أدقّق في استلهام العبرة من سورة الماعون. لو أنّي كنت قد اتّخذت من سورة الماعون أساسًا لنشاطي العلمي والمعرفي؛ لأدركت ما هي الأشياء التي لم أدقّق فيها. (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه). يجب أن تكون الآيات القرآنيّة حاضرة في ذهني؛ لأذهب بعد ذلك إلى الغرب، وفي الأساس ينبغي عليّ إنطلاقًا من تلك الآيات أن أعلم كيف يجب أن أتوجّه إلى الغرب. يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: (وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ) [سورة المائدة (5)، الآية 66]. نشّط هذه المفاهيم في ذهنك، ثمّ اذهب إلى ألمانيا.

* لماذا يحمل المسلمون رؤيةً سيّئةً بالكامل تجاه الاقتصاد الغربي، في حين يبدو من كلامك أن الغرب يتمتع  بمنظومة في غاية الروعة تجاه شعوبه؟

-إنّ جانبًا من هذا الأمر حقيقيٌّ ولهم الحقّ كلّه في ذلك؛ لأنّ هذا النظام قد تمّ وضعه ليكون في مصلحة شعوبهم على حسابنا نحن المسلمين. بمعنى أنّهم ينهبون مصادر المسلمين لصالح الشعوب الغربية. وبطبيعة الحال فإنّ الاقتصاد الغربي يعاني في صلبه من بعض المشاكل. فهناك يعدّ بحث الواحد بالمئة جديًا بنسبة تسعة وتسعين بالمئة. إنّ تيّارات الاستعمار والاستثمار والاستقلال التي يتم الحديث عنها في القرآن موجودة في صلب الاقتصاد الأميركي. بمعنى أنّ هناك عددًا من المستكبرين والذين يكتنزون الذّهب والفضّة يعملون على استغلال الشعب الأميركي واستثماره. ولكن إلى أيّ مدى؟ إنّه يقف عند الحدود التي لا تنتقض معها قاعدة: (إنّ المُلك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظلم). وذلك لأنّهم يريدون لمجتمعهم أن يبقى قائمًا على قدميه؛ ليبقى النّظام الأميركي مقتدرًا. ولذلك فإنّهم لا يستهلكون شعبهم بالكامل. لقد ارتكبوا هذا الخطأ في مرحلة من الزمن، وكان ذلك قد حدث في القرن التاسع عشر، حيث أدّى الأمر بهم إلى أزمة كبرى في النظام الاقتصادي والسياسي، ولكنّهم سرعان ما استفاقوا وعادوا إلى رشدهم. لقد عاد النّظام الرأسمالي إلى رشده سريعًا. ولو قيّض لكارل ماركس أن يخرج من قبره، فسوف يرى أنّ الرأسماليّة الأميركية الراهنة تطبّق الكثير من نصائحه وانتقاداته التي كان يوجّهها إلى الرأسمالية. بمعنى أنّه سوف يقول: إنّ هذا هو النموذج الذي كنت أبحث عنه تمامًا. هذا ما أدّعيه أنا. وقد كان الرّاحل علي شريعتي يقول هذه العبارة أيضًا: (عودة الرأسمالية إلى رشدها). غاية ما هنالك أنّهم يراعون ذلك الجانب من العدالة من الناحية الاجتماعية بشكل كامل. بمعنى أنّهم يعملون على استغلال شعبهم إلى حدّ ما. ولكن عندما يصل الأمر إلينا، لا يكون هناك موضع من الإعراب لهذه القاعدة، ويعملون على استغلالنا إلى أبعد الحدود، وقد يصل بهم الأمر في ذلك إلى حدّ قتلنا وإبادتنا ولا يبالون؛ لأنّهم يريدون الحفاظ على أنفسهم، وليس في مفهومهم الحفاظ علينا. وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح على مدى القرنين الماضيين من الفترة الاستعمارية لشبه القارّة الهندية والعالم الإسلامي والنفط المسروق. وهذا الجانب من المسألة حق؛ حيث إنّهم لا يحملون تجاهنا نظرة إنسانيّة، ولا يتمنّون لنا البقاء، أو يودّون أن نكون عبيدًا لهم أرقّاء أو مرتزقة وأجراء. إنّهم إنّما يريدون لنا البقاء ما دام ذلك يصبّ في مصلحتهم. وهذا يدفعني على الدوام إلى اتّخاذ موقفٍ مناوئ منهم. غاية ما هنالك يجب أن نفرّق بين المعرفة الغربيّة الموجودة بيد الغربيين، وبين المعرفة ذاتها. فإنّهم يسيؤون الاستفادة من بعض العلوم. إنّ العلم في ذاته ليس سيّئًا، فيمكن لي أن أستفيد من ذلك العلم، بينما هم يسيؤون الاستفادة منه، ويجب أن نفصّل بين الدافع والحافز. لقد أساؤوا الاستفادة من العلم على مدى سنوات متطاولة، وأمّا نحن فيجب علينا أن نُحسن الاستفادة منه. وخلاصة القول هي أن جانبًا من هذا الأمر حقيقي، ويعود جانب منه إلى تقصيرنا وغفلتنا عن تاريخنا، كما يعود إلى نوع من الانبهار الذي فرضه علينا المستنيرون المسلمون. فحتى المستنيرين الذين كانوا يناوؤون الغرب، لم يعرّفوا لنا الجوانب الحسنة من الغرب. نحن لم نحصل من الغرب إلا على المسائل السلبية. وإنّ جانبًا من هذه المعضلة يعود سببه إلى المستنيرين من المسلمين. ومن الملفت جدًا أنّ النظريات الغربية تشتمل عادة على نظريات نافعة، ونظريات قريبة من المسلمين، ونظريات أخرى أكثر تماهيًا مع المسلمين، لم تتمّ ترجمتها. وقد تمّ في الأعمّ الأغلب ترجمة النظريات البعيدة جدًا عن واقعنا وثقافتنا. دقّقوا في هذه الجملة لتروا ماذا كانت نتيجتها؟ لقد كانت نتيجة ذلك هي إمّا أن أذهب باتّجاه تلك النظريّات المترجمة وأُصبح مناوئًا للإسلام بالكامل، وأقول بوجوب التخلّي عن الإسلام، أو أن أُصبح معاديًا للغرب إلى أبعد الحدود؛ لأنّي لم أرَ غير هذه الترجمات. وأتشبّث بإسلامي التقليدي. وأرزح في تخلّفي ولا أحظى بالإسلام الحديث. لماذا؟ لأنّ ما ترجموه لي عن الغرب هو أسوأ ما في الغرب تمامًا. لماذا؟ من الذي قام بذلك؟ إني أحمّل الغرب جانبًا من المسؤوليّة؛ حيث أدين عدم إنصافهم لنا، وأحمّل جانبًا منها إلى غفلتنا وعدم إنصاف المستنيرين عندنا؛ إذ لم يترجموا لنا الأبعاد الحسنة والجيّدة من الغرب. إنّهم يترجمون لنا الروايات، ولكنّهم لا ينتقون لنا الروايات الغربيّة الجيّدة، وإنّما يقتصرون على ترجمة الروايات المبتذلة والرديئة والقبيحة، ويختارون لنا المتردية والنطيحة منها. إنّ هذا الاتّجاه قد ساعد إمّا على تحويلي إلى شخص قبيح ومبتذل، أو حوّلني إلى فرد تقليدي بحيث يتعيّن عليّ أن أتّخذ على الدوام موقفًا معاديًا للغرب. ونتيجة ذلك هي أن لا أرى الغرب إلا سيّئًا، وأظنّ أنّ الغرب هكذا أبدًا. وعلى حدّ تعبير الشيخ المطهري وسماحة السيد الإمام؛ لم نأتِ من الغرب إلا بما هو مبتذل. ولذلك تصوّرنا أنّ الغرب يعني التبرّج والسفور والحياة الحيوانيّة والبهيميّة وما إلى ذلك.

* ما هي الطرق والنصائح المتوفّرة من أجل الارتقاء والنهوض باقتصاد البلدان الإسلامية؟

-يجب أن تكون لدينا عودة إلى الذات، على حدّ تعبير إقبال اللاهوري. والذات هنا تعني الإسلام الأصيل والخالص. والإسلام الأصيل هو في حدّ القرآن والمصادر في جهة تحقّقه الحضاري المتمثّل في تاريخنا. ومن هنا يتعيّن علينا أن نعود إلى ذواتنا، وأن نتعرّف على أنفسنا. إنّ الكثير من علماء الاقتصاد عندنا لم يقرأوا التاريخ. والكثير منهم لا يستطيع قراءة المصادر الإسلامية الأولى. يتعيّن على جميع علماء الاقتصاد في العالم الإسلامي أن يعودوا إلى ذواتهم الإسلامية، ويتعيّن عليهم في الخطوة الثانية أن يلتفتوا في صلب ذواتهم التي تمثّل فضاءهم الوطني إلى الاختلافات القوميّة والجغرافيّة، من ذلك أنّ العمل في الاقتصاد الإيراني يختلف عن العمل في الاقتصاد الأندونيسي على سبيل المثال. فإنّ لدينا مسائلنا البنيويّة والثقافيّة والوطنيّة الاجتماعيّة. علينا العودة إلى ذواتنا حقيقة لنعثر على المسائل الخاصة بنا. وثالثًا: أن نتعرّف على نوع من الارتباط العلمي والتضارب الواقعي في العالم، وليس بشكل منبهر ومأخوذ بمنظومة التقنية. عندها يمكن أن نكتسب تجربة بشريّة بواسطة مسائلنا الخاصّة وماضينا، ونعمل في نهاية المطاف إمّا على إمضاء تلك المسائل أو عدم إمضائها. إنّ مشكلتنا تكمن في أنّنا لا نقيم حوارًا جيّدًا مع العالم الغربي، أو بعبارة أخرى: لا نمتلك القدرة على إقامة مثل هذا الحوار. اسمحوا لي بأن أقدّم مجموعة من الصور العامّة.

الصورة الأولى: إنّ الذي يتمّ طرحه حاليًا في الاقتصاد الغربي من قبل أنصار الاقتصاد الغربي والمدافعين عنه في الجامعات الإيرانية وفي الكثير من جامعات العالم الإسلامي، متخلّف عن الركب بما لا يقلّ عن ثلاثة عقود. بمعنى أنّه غالبًا ما تمّ في الغرب طرح أشياء جيّدة هي في صالح الإسلام ومتماهية مع ثقافتنا، ولكنّنا لم نتعرّف عليها حتى الآن.

الصورة الثانية: إنّنا لا نعرف من مجموع الأدبيات التي يتمّ إنتاجها في حقل الاقتصاد الغربي إلا على مقدار لا يتجاوز الخمسة بالمئة. بمعنى أنّنا لم نتعرّف عليها حتى الآن، ولا نعلم ماذا قيل في هذا الشأن. إنّ الطلاب عندنا لا يحيطون علمًا بمفاهيمهم العلميّة الجديدة إطلاقًا، وإنّ جزءًا من هذه المعضلة يعود إلى مناهجنا التعليمية. ثم إنّه ما مقدار ما يعلمه طالب الاقتصاد في البلدان الإسلاميّة عن تاريخ صدر الإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية، وما هي النسبة المئويّة من هؤلاء الطلّاب الذين يستطيعون الرجوع إلى النصوص الإسلامية، وما هي النسبة المئويّة منهم تستطيع التحاور مع الحوزة العلميّة. هذا هو الجانب المظلم من القضيّة. وأمّا الجانب المشرق منها فيتمثّل بوجود عدد منهم يمارس حاليًا في البلدان الإسلامية وفي إيران نشاطًا جادًا يدعو إلى التفاؤل ويبعث فينا الأمل. وأودّ هنا التعبير عن تفاؤلي بالتيّار الآخذ بالنهوض في هذا الشأن حاليًا. ولكن يجب قول هذه الأمور، ويجب التعرّف عليها أيضًا. حيث إنّ الاقتصاد في مقام التنفيذ والتطبيق يحتاج إلى إحصاءات وإلى معلومات. فما لم يكن لديك إحصائيّة دقيقة لا يمكنك التفكير والعمل في المشاريع الاقتصادية. في حين أنّه لا توجد هناك مراكز إحصاء قويّة ومحدّثة في الكثير من البلدان الإسلاميّة ومن بينها إيران. لدينا مفاهيم الكثير من مسائل الاقتصاد الإسلامي، ولكنّنا حتى الآن لا نمتلك منظومتها الإحصائيّة. فهي إمّا غير شفّافة، أو هي شفّافة ولكنّها مخدوشة. وإنّ التقصير في جانب من ذلك يعود سببه إلى إهمال الدول الإسلامية، ويعود جانب منه إلى أنفسنا.


تعريب: السيد علي مطر الهاشمي.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف