البحث في...
عنوان المقطع
الملقی
محتوى المقطع
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

عنوان المقطع : المحاضرة (5)

الملقی : الشيخ علي ديلان

تاريخ إضافة المقطع : November / 23 / 2021

عدد زيارات المقطع : 614

حجم الملف الصوتي : 48.165 MB

عدد مرات تحميل المقطع : 523

تحميل المقطع الصوتي

محتوى المقطع :
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله الطاهرين المعصومين(ع)..

المحور الرابع
الخلاصة الخاصة.
بعد أن أوضحنا رؤية القرآن الكريم من الاعتقاد بخلافة النوع الإنساني ومسؤوليته في إعمار الأرض، يلاحقنا سؤال آخر وهو كيف وبأي طريقة يتم تنظيم علاقات البشر بعضهم مع البعض الآخر على ما بينهم من صراعات واختلافات؟ وهناك بعض الأمور التي يجب التنبيه عليها قبل بيان النظريات التي نحن بصددها، وهي:
الأمر الأول: ذكرنا في المحور الثاني أن هناك قوى في الإنسان ونوازع فطرية قد جبل عليها في أول خلقته ومن هذه الأمور الفطرية أن الإنسان مختار في أفعاله وله إرادة يمكن من خلالها أن يفعل ما يشاء حتى ولو كان هذا الفعل مما يعود عليه بالضرر الجسيم أو يكون قبيحا في نفسه، قال أمير المؤمنين (ع) في (نهج البلاغة): (من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها).
ومن الأمور الفطرية (حب الأنا) فإن كل إنسان إنما يتحرك وفق ما يعود عليه بالخير والنفع حسب اعتقاده، وهذه حقيقة جارية في كل افعالنا حتى أولئك الذين يسعون إلى الانتحار او الذين انتحروا فعلا فهم يحسبون أنهم يحسنون لأنفسهم صنعا، ومن خلال هذا الأمر الفطري يحاول الإنسان أن يجلب المصالح له ويدفع المضار عن نفسه ولو كان على حساب الآخرين وهو شيء حاصل فعلا حتى في ظل أكثر القوانين تشددا وأقوى الحكومات تنفيذا.

الأمر الثاني: أن الإنسان المختار الساعي للبحث عما يجلب له المصلحة ويدفع عنه المضرة وإن كان يستشعر في دخيلة نفسه أن ظلم الآخرين قبيح إلا أن هذا الشعور لا يمنعه من التعدي على حقوق غيره، والإنسان الآخر المظلوم بدوره لا يقبل بأن يتعدى عليه غيره فينشأ الصراع، ابتداء من أن يكون الصراع متمثلا بحالات شخصية وانتهاء بالحروب العالمية، فإن الأسباب الموجبة لهذه الصراعات ترجع في أصولها الأولى إلى بعض المبادئ والأمور الفطرية لا سيما (حب الأنا) والذي من مصاديقه جلب المنافع ودفع المضار والحصول على الرئاسة والجاه والسمعة و حب التوسع في السلطة وما إلى ذلك.

الأمر الثالث: أن أول ما يفكر به الإنسان للحد من هذه النزاعات هو إيجاد قوانين تنظيمية تفرض على جميع الأطراف وتعرف اليوم هذه القوانين بالقوانين التشريعية والسلطة المؤسسة لها تعرف بالسلطة التشريعية، والقوانين التشريعية إما أساسية وتسمى ب( الدستور) أو ثانوية فرعية وهي جميع القوانين الأخرى، و هنا وقع الاختلاف في هذه القوانين وفي مصدرها فالاسلام باعتباره دينا إلهيا يعتبر (الله) سبحانه وهو صاحب المصدر والسلطة التشريعية، وقد ذكر علماء الكلام أن (التوحيد بالتقنين) هو أحد أقسام التوحيد ويشيرون بهذا القسم إلى أن الله تعالى هو المصدر الوحيد في تشريع القوانين وفي مقابل هذه الرؤية الاسلامية الرؤى المدنية - بشكل عام - حيث تعتقد أن الإنسان وفقا  لبعض النظريات هو صاحب السلطة التشريعية من خلال تشكيل بعض اللجان ذات الخبرات الخاصة و من أصحاب الاختصاص في الفقه القانوني.
ثم هناك شبه اتفاق على ضرورة أن لا يخالف سن القوانين في اي بلد اعرافه وتقاليده وهويته الثقافية والدينية، وإلا عد مرفوضا من قبل أهل ذلك البلد، ولذلك تجد الاختلاف بين دساتير وقوانين الدول وما ذلك إلا للاختلاف فيما ذكرناه. وربما يستثنى من هذا الاتفاق الأنظمة المستبدة الظالمة التي ترسم القوانين على حسب ما يوافق مصلحتها الشخصية.
و أيضا يحسن بنا أن ننبه على أن القوانين المدنية الحديثة وإن اعتمدت في تأسيس القوانين على التجربة الانسانية وعلى أصحاب الاختصاص القانوني إلا أن هذا لا يعني عدم تأثير الدين فيما اسسوه من قوانين، فإنك تجد تأثيره حتى في قوانين الدول الداعمة للحريات والتمدن مثل قانون الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. بل افرط أمريكا إلى الاعتقاد بأنهم هبة الله تعالى إلى البشر لكي يخلصوهم من الآلام والمآسي.

الأمر الرابع: أن تشريع القوانين من أجل القضاء أو التقليل من الصراعات لا يكفي ما لم تكن هناك قوة منفذة لها وهي التي تسمى اليوم ب( الحكومة) أو السلطة التنفيذية وهي سلطة تختلف عن السلطة التشريعية الانفة الذكر، ومهمة هذه السلطة بسط القانون عمليا على الأفراد المحكومين بالقانون. وبحسب الرؤية الإسلامية إذا كانت السلطة التشريعية الهية فإن السلطة التنفيذية بشرية بامتياز ماعدا السلطة العليا المتمثلة بالنبي(ص) أو الأئمة (ع) وكذا بقادة الدين الموصوفين بصفات خاصة من قبل الإمام المعصوم(ع)، وأما ما عدا ذلك ممن يتلوهم إلى أقل منفذ للقانون فهم منصبون وفق مؤهلات معينة يتم بموجبها منحه بعض الصلاحيات حسب الدائرة الموكلة إليهم.

الأمر الخامس: أن السلطة التشريعية والتنفيذية بمفردهما لا يكفيان في بسط تمام ما يراد من القانون ما لم تكن هناك سلطة قضائية تثبت أحكاما جزائية إزاء المخالفات والتعدي على القانون المرسوم، و تختلف قوانين الدول الجزائية حسب ما يتبنونه مسبقا من أفكار أو ما تعهد به أمام بعض المنظمات من قبيل الإلتزام بعدم إجراء عقوبة الإعدام حتى لو كان الشخص قتل شعبا بكامله!.
ومن هذه الأمور الخمس برزت فكرة الدولة في مفهومها البسيط أوائل العقود الأولى من البشر ولم تكن لها آنذاك الا أهدافا محدودة و وسائل محددة وقد رصدت فكرة إنشاء الدولة والاعتقاد بجدواها في أقدم الحضارات وتمثل أيضا في الفلسفات القديمة وعدت أحد أقسام ما تسمى بـ(الفلسفة العملية). وبطبيعة الحال ووفقا لما تقتضيه الحاجة أخذت ماهية الدولة بالتطور والتعقيد على المستوى الإداري والقانوني التشريعي والحكم الجزائي وكل ما يرتبط بعلاقة الدولة والشعب وتثبيت القانون.
وقد أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الفطرة والاختلاف وضرورة التشريع في آية سورة البقرة ٢١٣ : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) فبدايةً كان الناس أمة واحدة تحكمها الفطرة ولكن باعتبار ان النوازع الفطرية - كما أوضحنا - تؤدي عادة إلى الاختلاف والصراع بين البشر اقتضى ذلك أن الله سبحانه يبعث النبيين بدور المبشر و المحذر المنذر وهذا هو دور السلطة التنفيذية وقوله تعالى :(وأنزل معهم الكتاب بالحق) هو دور السلطة التشريعية، و أما قوله تعالى :(يحكم بين الناس بالحق) فهو دور السلطة القضائية، ولكن كل ذلك في العهود الأولى من البشر حيث لم يأخذ شكله البارز كدولة وحكومة إلا أنه من المؤكد أن إنشاء القوانين سواء الدينية أو غيرها مع افتراض القوى الداعمة لها كان موجودا في الازمنة الغابرة.
ومن هذا كله نصل إلى ضرورة الرئاسة أو الحاكمية أو السلطة العليا أو الخلافة سمها ما شئت، من أجل إدارة شؤون الناس وما وقع فيه من الاختلاف، وكذا ما يؤمن لهم الحياة المثلى المناسبة للعصر الذي يعيشون فيه واستثمار الموارد الطبيعية والمناخية في صالح الوجود الإنساني على أن لا ينظر إلى هذه الموارد من ذهب أو نفط أو ثمار أو نحو ذلك أنها خاصة الإنسان الموجود فعلا بل يجب أن تكون هناك موازنة بين الاستفادة منها لهذا الجيل و ادخار الاستفادة الى الاجيال القادمة فإنها حق النوع الإنساني وليس حق فئة خاص ويكون هذا حسب استشارة أهل الخبرة والاختصاص ليتم بعد ذلك البت والحكم النهائي من قبل السلطة العليا.
وخلاصة ما تقدم مع بعض الايضاح، أن الاختلافات والصراعات الناتجة من بعض النوازع الداخلية عند الإنسان كحب الخير والنفع لنفسه ودرء الشر والمضرة عنها أوجب أن تكون هناك قوانين منظمة لعلاقاتهم وشؤونهم واستدعت هذه القوانين وجود سلطة تنفيذية لها وقضائية. وقلنا : أن الإسلام حصر السلطة التشريعية بالله سبحانه و تعالى وذلك لأنه هو الخالق العارف بأسرار إحتياج خلقه، قال تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) (الفرقان/٢) وهو المالك الحقيقي لعباده وكلما كان في ساحة الوجود، قال تعالى:( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك )(الإسراء /٦)والنتيجة الطبيعية أنه تعالى هو الأعرف والأقدر على ايجاد القانون المناسب لنا نحن البشر، فنحن من هذه الناحية محدودو العلم( وما أوتيتم من العلم الا قليلا) ومتبعو الأهواء والعصبية والميولات الذاتية والتقليد الأعمى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كانوا آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) (البقرة /١٧٠) و قال تعالى :(وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) (الأحزاب/٦٧) و سالكو طريق الظن :( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) (النجم /٢٣).
وأما السلطة التنفيذية والقضائية فقد أوكلت من قبله تعالى إلى الخلافة الخاصة سواء بتنصيب خاص أو عام أو ما يقع شورى بين المؤمنين انطلاقا من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الصلح بين المتنازعين أو ما الى ذلك.

مشروعية الخليفة 
من أين يستمد الرئيس أو الخليفة مشروعية ما يقوم به في إدارة الدولة فإنه في نهاية المطاف أحد أفراد البشر (إنما أنا بشر مثلكم)؟
وهنا برزت عدة نظريات، منها قديمة وأخرى حديثة. ومن النظريات القديمة هي تلك التي تجعل من الخليفة أو الحاكم آلهة أو أنصاف آلهة أو ممثلاً لها أو أن الالهة متجسدة فيه وسارية في عروقه مبررين ذلك ببعض التبريرات الاسطورية والخرافية وتعرف ذلك بوضوح عندما تستطلع الأنظمة السياسية في الحضارات القديمة حيث كانت السمة العامة آنذاك هو إضفاء المشروعية الدينية على الدولة الحاكمة وعلى الحاكم بوجه خاص.
وأما النظريات الحديثة فتقف موقفا معاكسا من ذلك فلا ترى أي قدسية للحاكم بقدر ما هو مسؤول عن تطبيق القانون وأنه رجل منتخب من قبل الشعب أو بعض اللجان أو المؤسسات حسب نظام الدولة، فتكون مشروعية الحاكم حينئذ مستمدة من الانتخاب الشعبي. وبالنسبة إلى الرؤية الإسلامية فكما ذكرنا أن الخلافة الخاصة متعددة الأدوار والأهداف وليست منحصرة بالحاكم. فهي من ناحية الحاكمية قد تكون منصبة من قبل الله تعالى مباشرة كما في الأنبياء (ع) و الائمة (ع) (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)(ص/٢٦)، قال تعالى :(إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (البقرة /١٢٤) وقال أمير المؤمنين في( نهج البلاغة) :( واصطفى الله من ولده (أي آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم) و قال الإمام الكاظم(ع) في وصية لهشام على ما في الكافي: يا هشام إن لله على الناس حجتين :حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة (ع)، وأما الباطنة فالعقول).
وقد يكون التنصيب عام وفق صفات ومؤهلات ترتبط بكون صاحب المنصب من أهل الاختصاص وهو المسمى في عرف هذا الزمان ب(الاجتهاد) وبالعدالة، وإلا فكونه مجتهدا لا ينفع ما لم يكن من أهل الدين والعدل.
فقد تكون الخلافة مجرد إدارة شؤون الدولة على أن يستمد شرعية أعماله من المجتهد الواجب الاتباع كالرئيس أو رئيس الوزراء أو الوزير أو ما دون ذلك ممن يناط له إدارة شأن خاص ويتم ترشيحه من قبل الشعب أو بمجلس خاص حسب نظام الدولة.
وهكذا من أصناف السلطات المنظورة في القانون الإسلامي هي المبحوث عنها في باب الولاية واقسامها والتي منها أيضا ولاية المؤمنين بعضهم على بعض قال تعالى:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة /٧١).
هناك نظريات أخرى مغايرة لرؤية القرآن الكريم وهي في الأغلب ناشئة من ردود فعل نفسية لما يعانيه أصحابها من الحوادث التي أحاطت بهم في زمانهم فمثلا (توماس هوبز) كان يرى أن مشروعية الحاكم المطلق المتنفذ على الجميع هي بسط الأمن والحيلولة دون وقوع الحروب، وهو يعطي للحاكم السلطة التنفيذية والقضائية بشكل مطلق أو شبه مطلق ومن يتتبع حياة (هوبز) يجد أنه عانى في حياته الخوف والاضطراب وبعض الصراعات. بينما نجد أن الخليفة الخاص المنصب من قبل الله تعالى أمير المؤمنين (ع) في أيام خلافته كان قد عزل السلطة القضائية عن التنفيذية وهناك حوادث مروية في هذا الجانب، وأنه(ع) امتثل أمام قاضي المدينة التي كان هو فيها رغم خلافته الخاصة وعصمته من الأخطاء والذنوب.

والخلاصة: إن رؤية القرآن الكريم إزاء الخلافة الخاصة تختلف حسب أهمية ودور وهدف الخليفة وإن كان الخليفة الأعلى قد تم تنصيبه من قبله سبحانه تنصيباً عقائدياً.
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف