البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

November / 7 / 2020  |  3914أدوار علم الكلام عند الإمامية ، الدور النبوي (13 ق هـ . 11هـ)

السيد هاشم الميلاني المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2020 م / 1442 هـ
أدوار علم الكلام عند الإمامية ، الدور النبوي (13 ق هـ . 11هـ)

تمهيد:

نعتقد أنّ علم الكلام بدأ في جذوره الأولى منذ العهد النبويّ (صلى الله عليه وآله)، وتحديدًا بعد المبعث إذ لا ينشأ الدين ـ أيّ دين كان ـ ولا ينمو ولا يستمرّ من دون وجود منظومةٍ كلاميّةٍ تُبيّن ركائزه الأساسيّة وتدافع عنها، وتردّ على ما يرد عليه من أسئلة واستفهاماتٍ عديدةٍ.

نعم، إنّ المنظومة الكلاميّة هذه مع لحاظ وحدة مضمونها، غير أنّها تختلف وتتغيّر أساليبها ومناهجها عبر الزمن، وبحسب الحاجة، طالما كان الهدف هو التبيين والدفاع، فكان الإنسان المسلم يتّخذ أجود الأساليب والمناهج المتاحة في زمنه للقيام بهذه المهمّة.

ولذا عندما نرى بدايات علم الكلام في العهد النبويّ(صلى الله عليه وآله) نراه يختلف في الأسلوب والمناهج وحتّى نوعيّة المسائل المطروحة، عمّا هو عليه بعد قرون سيّما إبّان ازدهار العلوم الإسلاميّة، مع الحفاظ على المحتوى والبنية الرئيسيّة التي هي إثبات الذات الإلهيّة وما يتعلّق بها وما يصدر عنها.

فعلم الكلام قد تكامل ووصل إلى الصيرورة بالتدريج، ومن الإجمال إلى التفصيل. علمًا بأنّ أصول المسائل الكلاميّة قد وردت في القرآن الكريم، ورغم أنّ القرآن الكريم هو المصدر الأوّل للعقيدة، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) ما كان إلّا متبّعًا أثره، غير أنّه لم يلقَ رواجًا بين المسلمين آنذاك من وجهة نظرٍ عقديّةٍ كلاميّةٍ، وبقيت تلك اللّآلئ العقديّة الثمينة مشفّرةَ المعنى والكُنُه لم تفتح رموزها إلّا على الخواص الذين زاحموا العلم بركبتيهم فأصبحوا باب مدينته، أمّا الآخرون فكانوا في معزلٍ عن هذا، فلم يستضيؤوا بنوره، فأصبحوا مذاهب وطرائق شتّى.

ثمّ إنّ علم الكلام الإمامي قد تميّز عن غيره، بأنّ فترة حضور المعصوم عند الإماميّة طالت بحدود (250 سنة)، ممّا أعطى حصانةً عقديّةً للإماميّة، رغم جميع الضغوط الخارجيّة والانشقاقات الداخليّة، وهذا بخلاف سائر المدارس الكلاميّة التي انقطع عندها زمن الحضور بعد رحيل النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى الملأ الأعلى.

وإذا أردنا الوقوف التّام على الدور العقديّ النبويّ(صلى الله عليه وآله) فلا بدّ لنا من التعرّف على الخارطة العقديّة السائدة في المجتمع العربي عصر البعثة، إذ إنّ بعض المواقف العقديّة جاءت للإجابة على ما هو موجود بالفعل إلى جنب العقائد التأسيسيّة.

وعندما ننظر إلى المجتمعين المكّي والمدني آنذاك، نراهما خليطًا من آراء ومعتقدات مختلفة، إذ كان يقطن في هذين المكانين مشركوا العرب، نصارى ويهود، مضافًا إلى ما يحيط بهما في الأطراف من ديانات مجوسيّة ومانويّة وصابئة وغيرها من المعتقدات، التي تركت أثرها المباشر أو غير المباشر  من طريق التجارة أو السياحة الدينيّة.

إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) يصف الحالة العامّة السائدة في العالم آنذاك بقوله: (وأهل الأرض يومئذٍ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتّتة، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره[2]).

ثمّ إنّ أمير المؤمنين يصف حالة العرب في الجزيرة العربيّة قبل المبعث النبويّ(صلى الله عليه وآله) ضمن النقاط التالية:

1 ـ اندراس الدين:

قال(عليه السلام): (إنّ الله بعث محمّدًا(صلى الله عليه وآله)... وأنتم معشر العرب على شرِّ دين[3]( وفي مكان آخر: (أرسله وأعلام الهدى دارسة، ومناهج الدّين طامسة[4] (وأيضًا: (والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين... خُذل الإيمان فانهارت دعائمه وتنكّرت معالمه، ودرست سبله، وعَفَتْ شُرُكُهً[5]).

2 ـ الفتن والفوضى والحيرة:

قال(عليه السلام): (والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النّجر، وتشتّت الأمر، وضاق المخرج، وعمي المصدر... في فتنٍ داستهم بأخفاقها، ووطِئَتهم بأظلافها، وقامت على سنابكها فهم تائهون حائرون جاهلون مفتونون[6]).

3 ـ عبادة الأوثان:

قال(عليه السلام): (فبعث الله محمدًا(صلى الله عليه وآله) بالحقّ ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته[7]).

4ـ اتّباع الشيطان:

قال(عليه السلام): (أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، وَوَردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه[8]). وأيضًا: (فبعث الله محمّدًا(صلى الله عليه وآله) بالحقّ ليخرج عباده... من طاعة الشيطان إلى طاعته[9]).

5 ـ الجاهليّة الجهلاء:

قال(عليه السلام): (بعثه والناس... حاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهليّة الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل[10]). وقال(عليه السلام): (ولا تكونوا كجفاة الجاهليّة: لا في الدّين يتفقّهون، ولا عن الله يعقلون[11]).

6 ـ الضلال والظلام:

قال(عليه السلام): (وأضاءت به البلاد بعد الضلالة المظلمة، والجهالة الغالبة، والجفوة الجافية، والنّاس يستحلّون الحريم، ويستذلّون الحكيم، يحيَوْن على فترةٍ ويموتون على كفرةٍ[12]).

هذه أهمّ المعالم العامّة التي كانت سائدة قبيل المبعث النبويّ(صلى الله عليه وآله)، ولم تكن هذه الحالة وليدة يومها أو أمسها، بل هي تراكمات وخليط من مختلف التيّارات.

والتوجّهات الفكريّة والعقديّة السائدة آنذاك في شبه الجزيرة العربيّة، حيث كان خليطًا من ثقافة المشركين واليهود والنصارى، والصابئة والمجوس وغيرها من المدارس الفكريّة، وإليك بيانه:

1 ـ المشركون:

كانت عرب الحجاز في الجاهليّة تعبد الأصنام، وتذكر المصادر أنّ أوّل من جاء بالأصنام إلى مكّة هو عمرو بن لُحَي، وقد كان سيّد قومه ومطاعًا وتاجرًا كبيرًا، ينقل ابن هشام (ت 218هـ) عن بعض أهل العلم: (أنّ عمرو بن لُحَي خرج من مكّة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرضِ بلقاء وبها يومئذٍ العماليق، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها صنمًا فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنمًا يقال له هبل، فقدم به مكّة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه[13]).

ويظهر أنّ عبادة الأصنام ما كانت سائدة آنذاك، حيث يسأل ويقول: (ما هذه الأصنام) فيُجاب بأنّها للعبادة.

كما ينقل ابن هشام عن ابن اسحاق سبب انتشار عبادة الأصنام والأحجار عند بني اسماعيل أنّه: (كان لا يظعن من مكّة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد، إلّا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتّى سلخ ذلك بهم أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم، حتى خلف الخلوف، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات[14]).

فهكذا انتشرت عبادة الأصنام في بني اسماعيل خارج الحجاز، وهكذا انتشرت الأصنام في مكّة، بحيث اتّخذ أهل كلّ دار في دارهم صنمًا يعبدونه، فإذا أراد الرّجل منهم سفرًا تمسّح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسّح به فكان ذلك أوّل ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله[15]. وقد أصبحت الكعبة قبيل المبعث بيتًا مركزيًّا للأوثان بحيث احتوت على أكثر من ثلاثمئة وستين وثن.

ثمّ إنّ القرآن ينصّ على أنّ هؤلاء ما كانوا كفّارًا بل كانوا مشركين، إذ كانوا يعتقدون بالله الخالق، ولكن يشركون معه غيره في التدبير، قال تعالى: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)[16]. وفي وصف آخر لهم:(أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[17]وقد وردت آيات كثيرة تندّد بالمشركين وتزيّف معتقداتهم.

2 ـ اليهود:

اليهود أمّة موحّدة تعتقد بنبوّة موسى(عليه السلام)، ولها معتقداتها الخاصّة حول النبوّة والشريعة والمعاد، وكان لهم حضور بارز في الحجاز سيّما في يثرب (= المدينة) كما أنّهم أثّروا في عرب الجاهليّة فتهوّد بعضهم.

يقول اليعقوبي (ت 284هـ): (ثمّ دخل قوم من العرب في دين اليهود، فأمّا من تهوّد منهم فاليمن بأسرها، كان تبّع حمل حبرين من أحبار اليهود إلى اليمن فأبطل الأوثان، وتهوّد من باليمن، وتهوّد قوم من الأوس والخزرج بعد خروجهم من اليمن لمجاورتهم يهود خيبر وقريظة والنضير، وتهوّد قوم من بني الحارث بن كعب، وقوم من غسان وقوم من جذام[18]).

وكان أكثر تواجد اليهود في المدينة، ولم يذكر التاريخ حضورًا بارزًا لهم في مكّة إلّا لُمامًا إمّا للتجارة أو التحالف مع بعض البيوت والقبائل.

واليهوديّة كما تركت أثرها على العرب قبل المبعث فهوّدت طائفة منهم، تركت أثرها السلبي ـ العقدي والسياسي ـ أيضًا بعد المبعث، سيّما بعد هجرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، إذ إنّها كانت تعتقد بأنّ نبي آخر الزمان سيكون منها، وعندما ظهر الرسول(صلى الله عليه وآله) بدؤوا بالعداء وإلقاء الفتن، سيّما بعدما اشتدّ أمر الإسلام ودخل في الإسلام أفواجٌ.

فالاختلاف العقدي بين اليهود والمسلمين كان أكثره حول مسالة النبوّة ونسخ الشريعة، وسنذكر بعض موارد الخلاف لاحقًا.

3 ـ النصارى:

كان للنصارى حضور أقوى من اليهود، إذ كانوا يملكون امبراطوريّة كبرى وعلماء كثر، ويذهب جواد علي إلى عدم إمكان تعيين انتشار النصرانيّة في الحجاز، وإن أعوز الانتشار إلى أسباب تبشيريّة[19].

ويخبرنا التاريخ بأقوام من العرب تنصّرت، قال اليعقوبي: (وأمّا من تنصّر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد عبد العُزّى...، ومن بني تميم بنو امرئ القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة بنو تغلب، ومن اليمن طيء ومذحج وبهراء[20]...).

والخلاف العقدي الدائر آنذاك كان حول التوحيد والتثليث والنبوّة.

4 ـ المجوس والصابئة:

فقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم كقوله  تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[21] وذِكْر القرآن لهما يعني معرفة أهل الحجاز بهما. ويذكر جواد علي تمجّس بعض العرب، فورد أنّ المزدكيّة والمجوسيّة في تميم، كما أنّ اليمن كانت أيضًا مجوسيّة، ويقال إنّ بعض العرب عبدت النّار[22].

والخلاف العقدي معهم في عبادة النار والقول بإلهين اثنين.

أمّا الصابئة فرغم ورودها في القرآن إلّا أنّ المعلومات عنهم في الحجاز قليلة، ويرجّح جواد علي أنّ تواجدهم في مكّة ربّما بدواعي اقتصاديّة إمّا للتجارة وإمّا على صورة عبيد للخدمة[23].

هذه الأمور كلّها أدّت إلى أن يكون المجتمع العربي في الحجاز خليطًا من الآراء والمعتقدات المختلفة، توارثت بعضها من الآباء وبعضها ممّن قدم الحجاز وسكن فيها، وبعضها الآخر من خلال التجارة والسفر، ولذا يقول اليعقوبي (ت 284هـ): (وكانت أديان العرب مختلفة بالمجاورات لأهل الملل، والانتقال إلى البلدان والانتجاعات[24]).

وهذه الآراء والمعتقدات لدى العرب قد قامت كلّها بوجه النبي(صلى الله عليه وآله) بعد مبعثه، منافحة عمّا كانت عليه وما ورثته من آبائها، وكان على النبيّ(صلى الله عليه وآله) إثبات دعوته أوّلًا، والإجابة على هذه المدعيات ثانيًا.

وهذا ما سنسلّط الضوء عليه في هذا المبحث.

وقبل الولوج في أصل الموضوع لا بدّ من الإشارة إلى نقاط منهجيّة عدّة:

1 ـ إنّ المنهج المتّبع هنا هو المنهج النقلي المعتمد على النصوص والأخبار، وما حوته كتب السيرة والحديث.

2 ـ منهجنا هذا لا يعني الاعتماد على جميع ما رُوي ونُسب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ توجد روايات غير صحيحة ومكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حياته وبعد رحيله.

3 ـ الأصل عندنا صحّة الرواية إلّا إذا خالفت القرآن، أو العقل الفطري السليم، أو الواقع التاريخي الثابت.

4 ـ نحاول أن نصل إلى ظاهر المعتقد الذي بيّنه النبيّ(صلى الله عليه وآله) من دون أن نضفي عليه تحليلًا أو شرحًا؛ كي لا تختلط الروايات بآرائنا ومفروضاتنا القبليّة.

5 ـ إنّ مسألة منع تدوين الحديث سبّبت ضياع كثير من المعالم، ونسيان كثير من القرائن الحاليّة والمقاليّة المقترنة بالحدث، والتي لها الدور الهامّ في فهم الخبر من خلال سياقه العام، والروايات وإن حُفظت وتداولت شفهًا غير أنّ التداول الشفهي لم يكن كالكتابة، لذا نرى سمّة من الروايات العقديّة النبويّة، والمفروض وجود آلاف من تلك الروايات، إذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جاء بحدث عظيم ودين جديد، وتحدّى المشركين وأصحاب الديانات، مضافًا إلى أسئلة تدور في خلد المؤمنين، ممّا يعني وجود كمّ هائلٍ من الروايات العقديّة ضاعت عنّا؛ بسبب تلك الجناية التي منعت من تدوين السنّة بتبريرات واهية.

6 ـ إنّ القرآن الكريم مليء بالآيات المتعلّقة بالمبدأ والمعاد والخلقة والنبوّة وغيرها من المسائل، وبعضها جاء كأجوبةٍ موحاة من قبل الله تعالى إلى رسوله الكريم للإجابة على الشبهات، كما أنّ بعضها تأسيسي، وبما أنّنا بصدد تسليط الضوء على ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة، لم نتعرّض إلى هذه الآيات الكريمة إلّا نادرًا، إذ مجال بحثها في مكان آخر.

سنعالج الدور العقدي النبوي ضمن خمسة مباحث بعدد أصول الدين: التوحيد ومباحث الإلهيّات، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد.

المبحث الأوّل

الإلهيّات ومباحث التوحيد

لا شكّ أنّ الدعوة النبويّة كانت دعوة توحيديّة، تُصنّف ضمن الأديان التوحيديّة الداعية إلى الله الواحد الأحد، كما لا شكّ أنّ الفترة النبويّة، هي الفترة التأسيسيّة للتوحيد، يشهد لذلك ما ورد في القرآن الكريم والروايات النبويّة.

سنحاول في هذا الفصل الإشارة إلى الجهد النبويّ التوحيدي من خلال ما وصل إلينا من روايات، ونحن نتمسّك بصحّة هذه الروايات كأصل موضوعي، إلاّ إذا ثبت ما يخالفها من آية أو دليل عقلي أو تاريخي متقن يدلّ على عدم صحّة تلك الرواية أو ذاك الحدث.

1 ـ معرفة الله تعالى وإثبات ذاته:

ما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بحاجة إلى بذل جهدٍ كبيرٍ لإثبات الذات الإلهيّة وبداهة معرفته، إذ إنّه بُعث في وسط شهد ديانات مختلفة على مرّ العصور، فما كانت مسألة الألوهيّة مورد الإنكار، نعم إذا كانت هناك إشكاليّة فهي تعود إلى الشّرك وجعل الأنداد لله تعالى: (أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[25].

وبداهة معرفة الله تعالى هذه لم تكن وليدة الفترة النبويّة، بل هي إرثٌ مشتركٌ عند جميع الأنبياء: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)[26]. لذا لم ترد روايات كثيرة تركّز على هذا الجانب، وما ورد عنه(صلى الله عليه وآله) بهذا الخصوص يمكن تصنيفه ضمن نقاط عدّة:

1 ـ 1 الإشارة إلى فطريّة معرفة الله تعالى، وأنّ الإنسان مجبولٌ عليها منذ خلقته، وهذا ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله)بألفاظ مختلفة، من قبيل قوله: (ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه[27]). ثمّ يتلو الراوي قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[28].

وفي لفظ آخر عن أبي جعفر(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كل مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجل خالقه[29]).

وفي لفظ آخر عنه(صلى الله عليه وآله): (كل مولود يولد من والد كافر أو مسلم، فإنّه يولد على الفطرة على الإسلام كلّهم، ولكن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم، فهوّدتهم ونصّرتهم ومجّستهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانًا[30]).

وقد تشير بعض الآيات إلى هذه البداهة أيضًا، من قبيل آية الفُلك، (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ[31]).

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢﴾ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[32].

فالآيات تشير إلى أنّ الإنسان عندما ينقطع عن الأسباب الماديّة، ويحسّ بالخطر الحقيقي على نفسه، يرجع بالبداهة إلى فطرته الأولى ليستمد العون من الله تعالى، ولكن بعد النجاة يرجع إلى غيّه وإشراكه.

1ـ 2 إنّ بداهة الذات الإلهيّة وفطريّة معرفته تعالى، لا تنفي لزوم التأكيد وتذكير الإنسان بخالقه جلّت عظمته، ولذا كان يؤكّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين الحين والآخر على لزوم المعرفة بالله تعالى، فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله) قوله: (دعامة الدين وأساسه المعرفة بالله[33]).

وعندما سأله رجل عن أفضل الأعمال، أجابه(صلى الله عليه وآله) بقوله: (العلم بالله[34]).

وفي سؤال آخر سأله أعرابي: (ما رأس العلم يا رسول الله؟ قال: معرفة الله حق معرفته، قال الأعرابي: وما معرفة الله حقّ معرفته؟ قال: تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند، وأنّه واحد أحد، ظاهر باطن، أوّل آخر، لا كفو له ولا نظير، فذلك حقّ معرفته[35]).

إنّ معرفة الله تعالى مجبولة في القلوب والعقول، وعمل الأنبياء إنّما هو إنارة الطريق ورفع الموانع كي تذهب الغشاوة ويُرى النور، وإلى هذا يشير رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوله: (يا من فتق العقول بمعرفته[36]). ومن دعائه(صلى الله عليه وآله) أيضًا: (الحمد لله الذي عرّفني نفسه ولم يتركني عميان القلب[37]).

1-3 وفي رواية أخرى تشير إلى تعليم الأنبياء ومساعدتهم الخلق للتعرّف على الربّ: (وابتعث النبيّين... ليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيّته بعدما أنكروا، ويوحدّوه بالإلهيّة بعدما عضدوا[38]). فدور الأنبياء هنا إزاحة الستار لرؤية التوحيد وترك الإشراك الذي هو خلاف الفطرة التوحيديّة.

1-4 إنّ الوقوف على كنه الذات الإلهيّة أمر مستحيل، إذ كيف للمحدود أن يحيط بغير المحدود، وهذا الجدل كان متداولًا آنذاك، لذا ورد عنه(صلى الله عليه وآله): (يا من لا يعلم ما هو إلّا هو[39]) وفي لفظ آخر يعرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن عجز الإنسان بقوله: (سبحانك، ما عرفناك حق معرفتك[40]).

وهذه الاستحالة عامّة لجميع البشر بلا فرق بين نبي أو وصي، ولذا عندما قال(صلى الله عليه وآله): (لا يبلغ أحد كنه معرفته). تعجّب الناس وسألوه عن نفسه، (فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، الله أعلى وأجلّ أن يطلّع أحد على كنه معرفته[41]).

بل كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينهى عن التفكّر في الذات الإلهيّة، فقد ورد عنه في قوله تعالى: (وإنّ إلى ربّك المنتهى) قال(صلى الله عليه وآله): (لا فكرة في الرب[42]). أو قوله(صلى الله عليه وآله) : (تفكّروا في خلق الله، ولا تفكّروا في الله فتهلكوا[43]).

أو قوله: (تفكّروا في كل شيء ولا تفكّروا في الله تعالى[44]). وهناك حادثة يشير إليها ابن عبّاس رغم صغر سنّه، حيث تدلّ على اهتمام الرسول(صلى الله عليه وآله) بتعليم أصحابه طريقة التفكّر في الله تعالى للحصول على معرفة سليمة، يقول ابن عبّاس: (دخل علينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونحن في المسجد حلق، قال لنا رسول الله: فيم أنتم؟ قلنا: نتفكّر في الشمس كيف طلعت وكيف غربت، قال: أحسنتم كونوا هكذا، تفكّروا في المخلوق ولا تفكّروا في الخالق[45]).

وأهميّة هذه الرواية تكمن في إشارتها إلى تشكيل نواة أولى للمباحث الكلاميّة من خلال عقد حلقات واجتماعات في المسجد النبويّ، وإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يؤيّدها وكان يمرّ بهم بين الحين والآخر ويشاركهم الرأي، ويقوم بتقويم الأفكار وهدايتها، فهذه الرواية خير دليل على شرعيّة علم الكلام من جهة، ووجود حلقات منتظمة تعقد في المسجد النبوي لتداول مباحث كلاميّة ولو بشكل بسيط من جهة ثانية.

1-5 ممّا يدل أيضًا على عدم إمكان معرفة كنه الذات الإلهيّة، ما ورد تحت عنوان (روايات الحجب) حول احتجاب الذات الإلهيّة خلف سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، كناية عن عدم إمكان إدراك الذات الإلهيّة، وقد وردت هذه الروايات بألفاظ مختلفة.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنّ بين الله وبين خلقه سبعين ألف حجاب، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل، وبيننا وبينه أربعة حجب، حجاب من نور، وحجاب من ظلمة، وحجاب من الغمام، وحجاب من الماء[46]).

وفي لفظ آخر: (إنّ الله عزّ وجلّ دون سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، وما يسمع من نَفس شيئًا من حِسّ تلك الحجب إلّا زهقت[47]).

وفي لفظ آخر: (لو كشفها عن وجهه لاحترقت سُبحات وجهه ما لا أدركه بصره من خلقه[48]).

1-6 وممّا يستدلّ به على بداهة معرفة الله تعالى آية الدر وأخذ الميثاق في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ ﴿١٧٢﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)[49].

وهذه الآية (من أدقّ الآيات القرآنيّة معنى، وأعجبها نظمًا[50]). وقد أثارت جدلًا كبيرًا بين المتكلّمين والمحدّثين، فهي وإن كانت ظاهرة في معناها، غير أنّها ساكتة عن الكيفيّة، قال العلّامة الطباطبائي رحمه الله في معنى الآية: والمراد أنا أخذنا ذريتهم من ظهورهم وأشهدناهم على أنفسهم فاعترفوا بربوبيّتنا فتمّت لنا الحجّة عليهم يوم القيامة، ولو لم نفعل هذا ولم نُشهد كل فرد منهم على نفسه بعد أخذه فإن كنا أهملنا الإشهاد من رأس فلم يشهد أحد نفسه وأن الله ربه، ولم يعلم به لأقاموا جميعًا الحجّة علينا يوم القيامة بأنّهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة، وهو قوله تعالى: (أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلون)   [51].

أمّا الكيفيّة فقد وردت في المصادر روايات نبويّة تشرح ذلك، نورد فيما يلي بعض ألفاظها:

1- روي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سئل رسول الله(صلى الله عليه وآله): (بأيّ شيء سبقت ولد آدم؟ قال: إنّني أوّل من أقرّ بربّي، إنّ الله أخذ ميثاق النبيّين وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، فكنت أوّل من أجاب[52]).

2- وعن رجل من أهل المدينة قال: سألت عمر بن الخطّاب عن قوله: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم (قال: سألت النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما سألتني، فقال: خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه، ثمّ أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذرءًا، فقال: ذرء ذرأتهم للجنّة، ثمّ مسح ظهره بيده الأخرى وكلتا يديه يمين، فقال: ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل، ثم أختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار[53]).

3- وفي لفظ آخر توجد إضافة: (فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله أهل يحمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله الله الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النار حتّى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله الله النّار[54]).

4- وعن ابن عبّاس عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذريّة ذرأها فنثرها بين يديه كالذر، ثمّ كلّمهم قِبَلًا قال: (ألست بربّكم قالوا بلى..[55]).

5- وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّاتهم) قال: (أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: (ألست بربّكم) قالوا: (بلى): قالت الملائكة: (شهدنا أن يقولوا يوم القيامة أنّا كنّا عن هذا غافلين[56]).

6- عن أبي أمامة أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: (خلق الله الخلق وقضى القضيّة، وأخذ ميثاق النبيّين وعرشه على الماء، فأخذ أهل اليمين بيمينه، وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى، وكلتا يدي الرحمن يمين، فقال: يا أصحاب اليمين، فاستجابوا له فقالوا: لبيك ربّنا وسعديك، قال: (ألست بربّكم قالوا بلى) قال: يا أصحاب الشمال، فاستجابوا له فقالوا: لبيك ربّنا وسعديك، قال: (ألست بربّكم قالوا بلى)، فخلط بعضهم ببعض، فقال قائل منهم: ربّ لم خلطت بيننا، قال: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) [57] (أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين) ثمّ ردّهم في صلب آدم، فأهل الجنّة أهلها وأهل النّار أهلها. فقال قائل: يا رسول الله فما الأعمال؟ قال: يعمل كل قوم لمنازلهم. فقال: عمر بن الخطّاب: (إذن نجتهد[58]).

7- عن هشام بن حكيم أنّ رجلًا أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: أتُبْتدأُ الأعمال أم قد قُضي القضاء؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنّ الله أخذ ذريّة آدم من ظهورهم، ثمّ أشهدهم على أنفسهم، ثمّ أفاض بهم في كفّيه فقال: هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار[59]).

8- وعن أنس عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: (يقال للرجل من أهل النّار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألّا تشرك بي، فأبيت إلّا أن تشرك بي[60]).

9- وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله) سئل عن العزل فقال: (لا عليكم ألّا تفعلوا، إن يكن ممّا أخذ الله منها الميثاق فكانت على صخرة نفخ فيها الروح[61]).

10 - وعن قتادة السلمي قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم، ثمّ أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنّة ولا أبالي وهؤلاء في النّار ولا أبالي، فقال رجل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر[62]).

11 - إنّ رجلًا من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) يقال له أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الله قبض بيمينه قبضة وأخرى باليد الأخرى، فقال: هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي. فلا أدري في أيّ القبضتين أنا[63].

نحن هنا لا يهمّنا كثيرًا المعالجة السنديّة لهذه الروايات، طالما أنّها مشتركة تقريبًا في المعنى، ورغم أنّ مفاد هذه الروايات واضح، غير أنّه عند مقارنتها مع الآية القرآنيّة، يمكننا تسجيل بعض الملاحظات حولها:

الرواية الأولى تحدّد أخذ الميثاق بالأنبياء(عليهم السلام) دون كافّة النّاس، والحال أنّ الآية الكريمة عامّة.

الرواية الثانية وباقي الروايات تقتصر على آدم(عليه السلام) وأن الله تعالى أخرج الذريّة من صلبه حصرًا، والحال أنّ الآية الكريمة تنصّ على أنّ الإخراج (من بني آدم من ظهورهم (مضافًا إلى ما فيها من تشبيه، وأنّ لله تعالى يدًا مسح بها على ظهر آدم(عليه السلام).

الأمر المهم الآخر الموجود في هذه الروايات ما توحيه من شائبة الجبر حيث إنّ كلًّا ميسّر لما خُلق، وأنّ أحد الصحابة كان يبكي إذ لا يدري أنّ طينته من أيّ قبضة كانت أمن طينة النار أم طينة الجنّة، أو ما ورد فيها (فأهل الجنّة أهلها وأهل النار أهلها).

وشبهة الجبر هذه وردت في أسئلة الصحابة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)، حيث إنّ الإنسان إذا كان ميسّرًا لما خُلق فلماذا العمل؟ كما ورد في الرواية الثالثة والسادسة والسابعة والعاشرة، والجواب الصادر من رسول الله(صلى الله عليه وآله) رغم اختلافه غير أنّه متقارب في المعنى: (إنّ الله إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل أهل الجنّة...( وأيضًا: (يعمل كل قوم لمنازلهم (وقوله: (فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة...( وأيضًا: (على مواقع القدر)، والشبهة كما ترى باقية.

وقد حاول العلّامة الطباطبائي نفي الجبر عنها، حيث فسّر قوله(صلى الله عليه وآله): (يعمل كل قوم لمنازلهم). وقال: (أي أنّ كلّ واحد من المنزلين يحتاج إلى أعمال تناسبه في الدنيا... كما قال تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[64] فلم يمنع تعيّن الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات، ولا منافاة بين تعيّن السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامّة، وبين عدم تعيّنها بالنظر إلى اختيار الإنسان في تعيين عمله فإنّه جزء العلّة، وجزء علّة الشيء لا يتعيّن معه وجود الشيء ولا عدمه بخلاف تمام العلّة[65]).

وقال في شرح قوله(صلى الله عليه وآله): (على مواقع القدر، قال: إنّ هذا القدر منه تعالى، وأنّ أعمالنا في عين أنّا نعملها وهي منسوبة إلينا، تقع على ما يقع عليه القدر، فتنطبق على القدر وينطبق هو عليها، وذلك أنّ الله قدّر ما قدّر من طريق اختيارنا فنعمل نحن باختيارنا، ويقع مع ذلك ما قدره الله سبحانه، لا أنّه تعالى أبطل بالقدر اختيارنا، و تأثير إرادتنا، والروايات بهذا المعنى كثيرة[66]).

ونحن بهذا الخصوص نتوقّف هنا إلى أن نسرد جميع الروايات الواردة عن الأئمّة ونقابل بعضها ببعض؛ لنخرج بنتيجة نهائيّة، وأمر الآية يبقى غائمًا بالنسبة لنا في الفترة النبويّة.

2 - التوحيد:

التوحيد هو البرنامج النبويّ الشامل، وهو أساس الدعوة، وقد ابتدأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) دعوته به حيث قال: (قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا[67]).

ومن الطبيعي أن يتمّ التركيز عليه في مجتمع عرف أنواع الشرك وعبادة الأوثان، لذا كان يصرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) على هذا الأمر ويقول: (حدّثني جبرائيل سيّد الملائكة قال: قال الله سيّد السادات عزّ وجلّ: (إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، فمن أقرّ لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي[68]) وفي لفظ آخر: (لا إله إلّا الله لا يسبقها عمل، ولا تترك ذنبًا[69]) وعنه(صلى الله عليه وآله) أيضًا: (إذا قال العبد أشهد أنّ لا إله إلّا الله، قال الله تعالى: يا ملائكتي علم عبدي أنّه ليس له ربّ غيري، أُشهدكم أنّي غفرت له[70]).

فكلمة التوحيد أساس الأعمال، ومفتاح الدخول في الإسلام، وعلامة المؤمن، قال(صلى الله عليه وآله): (قوله لا إله إلّا الله يعني وحدانيّته، لا يُقبل الأعمال إلّا بها، وهي كلمة التقوى، يثقّل بها الموازين يوم القيامة)[71].

كما أنّ التوحيد ثمن الجنّة، قال(صلى الله عليه وآله): (التوحيد ثمن الجنّة[72]). وأيضًا : (من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة[73]).

إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حين دعوته إلى كلمة التوحيد، كان يطلب أن يكون الدخول في الإسلام صادقًا، مع قبول وإذعان، أمّا لقلقة اللّسان وعدم الاعتراف القلبي، وإن كانت تدخل الإنسان ظاهرًا في الإسلام وتحقن دمه، غير أنّها تدخله في النفاق وتوجب له أليم العقاب.

قال(صلى الله عليه وآله): (إنّ لا إله إلّا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزّ وجلّ، من قالها مخلصًا استوجب الجنّة، ومن قالها كاذبًا عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النّار[74]).

وفي لفظ آخر في موعظته(صلى الله عليه وآله) لابن مسعود: إذا تكلّمت بلا إله إلّا الله ولم تعرف حقّها فإنه مردود عليك[75]).

مراتب التوحيد:

لقد قسّم المتكلّمون التوحيد إلى مراتب، من قبيل توحيد الذات، الصفات، الخالقيّة وغيرها، وهذه التقسيمات وإن لم يرد فيها نص بالاسم عن أحد المعصومين(عليهم السلام)، غير أنّها نتائج يستنبطها العقل ممّا ورد عنهم ولتنظيم كلامهم الطاهر ضمن باقات أو محاور لسهولة تداوله وفهمه. وفيما يلي بعض الروايات النبوية التي يمكن تصنيفها ضمن مراتب التوحيد:

1ـ التوحيد في الذات:

التوحيد في الذات يُقصد منه نفي الشريك لله تعالى تمامًا وفي جميع المراحل، وقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله)قوله: (إنّ لكلّ شيء نِسبة وأنّ نسبة الله: قل هو الله أحد[76]).

فسورة الإخلاص تجسّد أعلى مراتب التوحيد الذاتيّ، حيث تنفي الشريك عنه تعالى بجميع أصنافه، أنّه واحد أحدي، لم يلد ولم يولد، وليس له كفو أو ند.

وعنه(صلى الله عليه وآله) أيضًا: (يا الله لا إله إلّا أنت، وحدك لا شريك لك ولا إله غيرك، أنت ربّ الأرباب، ومالك الرقاب، وصاحب العفو والعقاب، أسألك بالربوبيّة التي انفردت بها أن تُعتقني من النّار بقدرتك[77]).

2ـ التوحيد الأفعالي:

ويقصد به أنّ كل ما يصدر في هذا العالم فهو تحت قدرته وسلطته تعالى وبمشيئته، ولا يوجد فاعل مستقلّ بالذات في أفعاله غيره تعالى.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): في دعائه: (يا لا إله إلّا أنت، ليس خالقًا ورازقًا سواك يا الله، وأسألك باسمك الظاهر في كل شيء، بالقدرة والكبرياء والبرهان والسلطان يا الله[78]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في دعاء الجوشن الكبير: (يا من لا يصرف السوء إلا هو، يا من لا يقلّب القلوب إلّا هو، يا من لا يدبّر الأمر إلّا هو، يا من لا ينزل الغيث إلّا هو، يا من لا يبسط الرزق إلّا هو، يا من لا يحيى الموتى إلّا هو[79]).

3ـ التوحيد في العبادة:

وهو من أهم مراتب الدعوة النبويّة، حيث اعتاد العرب آنذاك على عبادة الأوثان، بحيث اتّخذت كل قبيلة لنفسها وثنًا، ومُلئ البيت الحرام بالأوثان، لذا جاءت الدعوة مشدّدة على نفي الأوثان والتوجّه نحو الله الواحد الأحد بالدعاء والعبادة.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ببقيع واحد يَنفذهم البصر ويسمعهم الداعي، قال: أنا خير شريك، كل عمل كان عُمل لي في دار الدنيا كان لي فيه شريك فأنا أدعه اليوم، ولا أقبل اليوم إلّا خالصًا، ثمّ قرأ (إلّا عباد الله المخلصين)، (من كان يرجو لقاء ربّه فليعمل صالحًا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدًا[80]). 

وعنه(صلى الله عليه وآله) أيضًا: (لم آتكم إلّا بخير، أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له... وأن تَدَعوا اللّات والعزى[81]).

والدعوة إلى التوحيد هذه، قد كلّفت النبيّ(صلى الله عليه وآله) الكثير، إذ إنّ قريشًا كانوا لا يهتمّون كثيرًا بالدعوة إلى الله تعالى أو أداء الطقوس، وإنّما الذي استنفرهم للوقوف أمام النبيّ(صلى الله عليه وآله)، تناوله لآلهتهم ومنعه لعبادة الأصنام، حيث كانت مقدّسة عندهم من جهة، ومورد رزق للرؤساء من جهة ثانية، وقد أشار إلى هذا ابن هشام في سيرته وقال:

(قال ابن اسحاق: فلما بادئ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالإسلام، وصدع به كما أمره الله، لم يبعد منه قومه، ولم يردّوا عليه حتّى ذكر آلهتهم وعابها، فلمّا فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته[82]). وكان هذا الأمر من أهم ما شكوا منه عند أبي طالب(عليه السلام): (سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا[83]).

3 - براهين وجود الله تعالى:

لقد صاغ المتكلّمون والفلاسفة أدلّة عدّة لإثبات وجود الباري تعالى، استقوها من القرآن والروايات والعقل، فظهرت براهين عدّة من قبيل برهان النظم، برهان الفقر، برهان الحدوث، برهان الحركة وغيرها، والحال أنّ هذه البراهين لم ترد في القرآن الكريم والروايات تحت هذه المسميّات، وإنّما تمّ نحتها لاحقًا بالاستفادة من النصّ المقدّس وأدلّة العقل.

وما ورد في القرآن الكريم والروايات النبويّة، إنّما هو ذكر الآيات والدلائل على وجود الله تعالى وأنّ وجوده فطريّ، وأنّه لا شريك له ولا ند؛ لأنّ الدعوة –كما قلنا- جاءت في وسط ديني يعترف بوجود الله تعالى، وإنّما الخلاف يقع في إشراك الغير معه من أصنام وأجرام سماويّة وغيرهما.

وقد وردت بعض الروايات النبويّة في امتداد الآيات القرآنيّة الدالّة على وحدانيّة الله وإثبات خلقته وقدرته وإحاطته على الكائنات.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بيان صفات الباري: (فوق كل شيء علا، ومِن كل شيء دنا، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يُرى[84]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في دعاء الجوشن الكبير: (يا من السماء عظمته، يا من في الأرض آياته، يا من في كل شي دلائله، يا من في البحار عجائبه، يا من في الجبال خزائنه، يا من يبدأ الخلق ثمّ يعيده، يا من إليه يرجع الأمر كلّه، يا من أظهر في كل شيء لطفه، يا من أحسن كل شيء خَلَقه، يا من تصرّف في الخلائق قدرته[85]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (هذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر، لأنّه لا قوام للبعض إلّا بما يتّصل به، ألا ترى البناء محتاجًا بعض أجزائه إلى بعض، وإن لم يتّسق ولم يتحكم، وكذلك سائر ما ترون[86]).

وللأسف لم يصلنا الكثير عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بهذا الخصوص رغم أهميّـته وكونه حديث الساعة، ومورد الجدل المحتدم مع المشركين سواء في الفترة المكيّة أو المدنيّة. ورغم كثرة الآيات الدالّة على خلق الله في القرآن من قبيل: (من آياته) كذا وكذا، أو أنّ في كذا وكذا (الآيات). ومقتضى الحال حدوث أسئلة وأجوبة تفسيريّة توضيحيّة بهذا الخصوص.

الأسماء والصفات:

مبحث الأسماء والصفات من المباحث المهمّة في باب التوحيد، وقد تمّ تقسيم  الصفات إلى صفات الذات وصفات الفعل، الصفات الثبوتيّة والصفات السلبيّة، كما وردت أقوال كثيرة في عدد الأسماء والصفات، غير أنّ ما يهمّنا هنا التعرّف على ما ورد على لسان
رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أسماء وصفات.

وبخصوص عدد أسماء الله تعالى روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ لله تعالى أربعة آلاف اسم: ألف لا يعلمها إلّا الله، وألف لا يعلمها إلّا الله والملائكة، وألف لا يعلمها إلّا الله والملائكة والنبيّون، وأما الألف الرابع فالمؤمنون يعلمونه، ثلاثمائة منها في التوراة، وثلاثمائة في الإنجيل، وثلاثمائة في الزبور، ومئة في القرآن، تسعة وتسعون ظاهرة، وواحد مكتوم، من أحصاها دخل الجنّة[87]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في تحديد التسعة والتسعين من الأسماء قال: (إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسمًا مئة إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة، وهي:

(الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأوّل، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الظاهر، الباطن، الحيّ، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد، الخفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذاري، الرزاق، الرقيب، الرؤوف، الرائي، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبّر، السيد، السبوح، الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغنيّ، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتّاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القويّ، القريب، القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنّان، المحيط، المبين، المقيت، المصوّر، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضرّ، الوتر، النور، الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث، البرّ، الباعث، التوّاب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي[88]).

هذه الأسماء والصفات وردت بكثرة على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين الحين والآخر وبمناسبات مختلفة، وأكثر ما وردت في دعاء الجوشن الكبير ودعاء الأسماء الحسنى المنسوبين إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وممّا يظهر من بعض الروايات أنّ الصفات توقيفيّة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولا يمكن وصف الله تعالى بأيّ صفة هكذا.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أنّ الخالق لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه، وكيف يُوصَف الخالقُ الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطوات أن تحدّه، والأبصار الإحاطة به، جلّ عمّا يصفه الواصفون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، كيّف الكيفيّة فلا يقال له كيف، وأيّن الأين فلا يقال له أين، وهو منقطع الكيفيّة فيه والأينونيّة، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد[89]).

كما أنّ هذه الأسماء والصفات كانت مورد سؤال من قبل المسلمين وغير المسلمين، وتدلّ بعض الروايات أنّ مباحث الذات والصفات كانت من المباحث الساخنة بين المسلمين وغيرهم آنذاك، فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله):

(لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتّى يقولوا: هذا الله كان قبل كل شيء، فماذا كان قبل الله؟ فإن قالوا لكم ذلك فقولوا: هو الأوّل قبل كل شيء فليس بعده شيء، وهو الظاهر فوق كل شيء، وهو الباطن دون كل شيء، وهو بكل شيء عليم[90]).

كما أنّ يهوديًّا جاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال له: (أخبرني عن قولك (أنّه واحد لا شبيه له) أليس الله واحد والإنسان واحد. فوحدانيّته أشبهت وحدانيّة الإنسان؟ فقال: الله واحد واحدي المعنى، والإنسان واحد ثنوي المعنى، جسم وعرض بدن وروح، وإنّما التشبيه في المعاني لا غير[91]).

وقد سأله طلحة بن عبيد الله قال: (سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن تفسير سبحان الله؟ قال: هو تنزيه الله عن كل سوء[92]).

وكذلك قوله(صلى الله عليه وآله): (أمّا قوله: الله أكبر، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبّها إلى الله، يعني ليس أكبر منه، لأنّه يُستفتح الصلوات به، لكرامته على الله وهو اسم من أسماء الله الأكبر[93]).

كما أنّه(صلى الله عليه وآله) كان يوصي أصحابه بالتمسّك بالأسماء والصفات الإلهيّة والإكثار من ذكرها لرفع البلايا والنوايا، فقد روي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) شكى إليه رجل الوحشة، فقال: أكثر أن تقول هذا، فقالهنّ فأذهب الله عنه الوحشة، وهو: (سبحان ربي الملك القدوس، رب الملائكة والروح، خالق السماوات والأرض، ذي العزّة والجبروت[94]).

ثمّ إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يتمسّك بالأسماء والصفات الإلهيّة في ساحات الحرب ويدعو بها، فقد ورد من دعائه يوم الأحزاب قوله(صلى الله عليه وآله): (اللهم أنت الله قبل كل شيء، وأنت الله بعد كل شيء، وأنت الله تبقى ويفنى كل شيء، إلهي أنت الحليم الذي لا يجهل، وأنت الجواد الذي لا يبخل، وأنت العدل الذي لا يظلم، وأنت الحكيم الذي لا يجور، وأنت المنيع الذي لا يرام، وأنت العزيز الذي لا يستذلّ، وأنت الرفيع الذي لا يُرى، وأنت الدائم الذي لا يفنى، وأنت الذي أحطت بكل شيء علمًا، وأحصيت كل شيء عددًا، أنت البديع قبل كل شيء، والباقي بعد كل شيء، خالق ما يرى وخالق ما لا يرى، عالم كل شيء بغير تعليم أنت الذي تعطي الغلبة من شئت، تهلك ملوكًا وتملك آخرين، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين...[95]).

ومن دعائه(صلى الله عليه وآله) أيضًا يوم حنين: (ربّ كنت وتكون حيًّا لا تموت، تنام  العيون، وتنكدر النجوم، وأنت حيّ قيّوم لا تأخذك سنة ولا نوم[96]).

وكذلك كان يستعين رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالأسماء والصفات للأحراز لدفع الشياطين والبلايا، فقد روي عن فاطمة الزهراء(عليها السلام) أنّها قالت: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة ألا أُعلّمك دعاء لا يدعو به أحد إلّا استجيب له، ولايحيك في صاحبه سمّ ولا سحر ولا يعرض له الشيطان بسوء... قلت: أجل يا أبه، لهذا والله أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، قال: تقولين: يا الله يا أعز مذكور، وأقدمه قدمًا في العزّة والجبروت، يا الله يا رحيم كل مسترحم، ومفزع كل ملهوف، يا الله يا راحم كل حزين يشكو بثّه وحزنه إليه، يا الله يا خير من طلب المعروف منه وأسرعه إعطاء...[97]).

فأنت ترى أنّ للأسماء والصفات الإلهيّة حضورًا قويًّا على مستوى الفرد والمجتمع، بحيث تشمل جميع أبعاد الحياة، في الحرب والسلم، في السفر والحضر، في اليقظة والنوم، في الأفراح والأتراح، وهكذا يتمّ تعزيز الحضور الإلهي في الضمير والمجتمع، وهذا جهد عقدي مميّز.

المبحث الثاني

العدل

يُعدّ مبحث العدل من المباحث الشائكة في علم الكلام، وبسببه ظهرت مدارس كلاميّة عدّة، وقد دأب المتكلّمون بتناول مجموعة قضايا كلاميّة ذيل هذا العنوان، من قبيل: القضاء والقدر، الحسن والقبح، الجبر والاختيار، اللطف وغيرها من المباحث.

ورغم هذا الخلاف الحادّ، فالكل متّفقون على أنّ الله تعالى عادل، وإنّما الخلاف في طريق الوصول إلى هذه النتيجة، فالعدليّة يثبتون العدل الإلهي بالعقل قبل الشرع، غير أنّ الأشاعرة وأهل الحديث يثبتونه بالنقل. وما يغيب عن مدرسة أهل النقل هو اللوازم السلبيّة التي تترتّب على آرائهم، من قبيل مسألة الجبر التي لم يتمكّنوا من التخلّص منها، وسيأتي الحديث عن الجبر والحريّة في مظانه.

ثمّ إنّ القرآن الكريم يحدّثنا عن وجود القول بالجبر ومسألة القضاء والقدر الإلهي عند مشركي العرب، قال تعالى:( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّـهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )[98].

وفي آية أُخرى:( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)[99].

ولذلك قوله تعالى: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [100.

فهذه الآيات تشير إلى أنّ مسألة الجبر كانت متجذّرة في الجاهليّة وعند المشركين، بل إنّ آية سورة النحل تشير إلى أبعد من ذلك: (كذلك فعل الذين من قبلهم) حيث ترجع الجبر إلى العهود القديمة، وأنّ من أهم أعمال الأنبياء إنّما هو محاربة هذه الفكرة الظالمة (فهل على الرسل إلّا البلاغ).

وهنا يأتي الدور النبوي في تبيين مسائل العدل، لتأخذ طريقها لاحقًا ضمن هذا الباب في علم الكلام.

1 ـ العدل

لقد وُصف الله تعالى بالعدل والعدالة على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله) مِرارًا وتِكرارًا في الخطب والدعاء والأسئلة والأجوبة وغيرها، فمن دعائه(صلى الله عليه وآله) المعروف بدعاء الجوشن الكبير: (ياعظيمًا لا يوصف، يا عدلًا لا يحيف[101]).

وفي خطبته(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: (أشهد بأنّ الله.. العدل الذي لا يجور[102]).

وعلى غرار إثبات العدالة لله يأتي نفي الظلم عنه أيضًا، فعن أبي ذر عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيما روي عن الله تعالى أنّه قال: (عبادي أنّي حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا[103]).

وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قد دخل جندب بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: (يا محمّد أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أمّا ما ليس لله فليس لله الشريك، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد...[104]).

وورد عنه(صلى الله عليه وآله) أيضًا في وصف العدل: (بالعدل قامت السماوات والأرض[105]).

وقد وردت أدعية كثيرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) تصف الله تعالى بالعدل: (أعدل العادلين)، (يا من العدل أمره)، (سبحان من متعطّف ما أعدله وسبحانه من عادل ما أتقنه)، (حكمه عدل) (عدل القضاء[106]).

2 ـ القضاء والقدر

مسائل القضاء والقدر تُعدّ من أهم مباحث العدل، وأدّت إلى ظهور مدارس فكريّة عدّة، وقد تنوّعت الروايات النبويّة حول هذه المسألة، وللوقوف التامّ عليها كان لزامًا علينا تصنيفها ضمن باقات؛ كي يصحّ فهمها ولا يقع الإنسان في تصوّر وجود تعارض بينها.

الطائفة الأولى: الروايات الناهية عن الخوض في مسائل القضاء والقدر.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (القدر سرّ الله فلا تتكلّفوا علمه[107]).

وفي لفظ آخر: (من تكلّم في شيء من القدر سُئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلّم فيه لم يُسأل عنه[108]).

وأيضًا: (عزيمة منّي على أمّتي ألّا يتكلّموا في القدر[109]).

كما أنّ الإصرار عليه يزيد ضلالًا، ففي تشبيه جميل ورد عنه(صلى الله عليه وآله): (مثل الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس، كلّما اشتدّ نظره فيها ذهب بصره[110]).

ومن أسباب النهي هذا أنّه يؤول إلى مذاهب منحرفة، فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله) قوله: (اتّقوا القدر، فإنّه شعبة من النصرانيّة[111]).

وقد وردت روايات النهي عن الخوض في مسائل القدر عن الأئمّة، ووجه الجمع بينها وبين ما ورد عنهم في تبيين مسائل القضاء والقدر والإجابة على الأسئلة الواردة، ما ذكره الشيخ المفيد رحمه الله تعليقًا على الشيخ الصدوق عندما استشهد بالأخبار، فقال الشيخ المفيد: (فأمّا الأخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء والقدر، فهي تحتمل وجهين: أحدهما أن يكون النهي خاصًّا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلّهم عن الدّين ولا يصلحهم إلّا الإمساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي منه عامًّا لعامّة المكلَّفين... والوجه الآخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما، النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظورًا، لأنّ الله تعالى سترها عن أكثر خلقه[112]).

الطائفة الثانية: لما يدلّ على أنّ الأمور كلّها مقدّرة.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الأمور كلّها خيرها وشرّها من الله[113]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة[114]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (خلق الله الخلق فكتب آجالهم وأعمالهم وأرزاقهم[115]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) أيضًا: (أنّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ لكم حدودًا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تكلّفوها رحمة من ربّكم فاقبلوها، الأمور كلّها بيد الله من عند الله مصدرها، وإليه مرجعها، ليس للعباد فيها تفويض ولا مشيئة[116]).

ومعنى هذه الروايات -بما يخرجها عن الجبريّة- إنّ إرادة الله تعالى سارية وجارية في المنظومة الكونيّة من البداية إلى النهاية أجمع، وهذا لا ينافي نظام العلل والأسباب والمسببات التي هي أيضًا خاضعة لإرادة الله تعالى وقدرته.

كما أنّ هناك طائفة أُخرى من الروايات يمكن تقسيمها ضمن هذه الطائفة، تدلّ على لزوم الإيمان بالقدر، من قبيل قوله(صلى الله عليه وآله): (لا يؤمن عبد حتّى يؤمن بالقدر خيره وشرّه، حتّى يعلم أنّ ما أصابه به لم يكن ليخطئه، وإنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه[117]).

أو قوله(صلى الله عليه وآله): (الإيمان بالقدر نظام التوحيد[118]).

وفي لفظ آخر وقد سئل(صلى الله عليه وآله) عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله... والقدر وخيره وشرّه[119]).

وهناك تشديد على من لم يؤمن بالقدر، فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (من كذّب بالقدر فقد كفر بما جئت به[120]). أو قوله(صلى الله عليه وآله): (قال ربّ العزة جلّ جلاله: من آمن بي ولم يؤمن بالقدر خيره وشرّه، فليلتمس ربًّا غيري[121]). وفي لفظ آخر: (إنّ أمّتي لا تزال مستمكنة من دينها ما لم يكذّبوا بالقدر، فإذا كذّبوا بالقدر فعند ذلك هلاكهم[122]).

الطائفة الثالثة: إنّ الله تعالى عادل في قضائه وكلّ ما يفعله فهو لمصلحة العبد:

إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يعلّم أصحابه شيئًا فشيئًا بأنّ الله تعالى أعلم بمصالح عباده، وهو عادل في قضائه وقدره، وكان يكرّر ذلك في الدعوات والخطب وبعد الصلاة وفي كل فرصة تسنح، فممّا ورد عنه(صلى الله عليه وآله) من الدعاء: (هو العزيز الغفور... حسن القضاء[123]).وفي دعاء آخر: (عدل القضاء[124]). أو قوله(صلى الله عليه وآله): (في كل قضاء الله عزّ وجلّ خيرة للمؤمن[125]).

وممّا ورد عنه(صلى الله عليه وآله) بخصوص حسن القضاء في السرّاء والضرّاء قوله: (عجبًا للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء إلّا كان خيرًا له، سرّه أو ساءه، إن ابتلاه كان كفّارة لذنبه، وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه[126]).

وهناك حادثة أخرى يرويها ابن مسعود إذ يقول: (بينما نحن عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ تبسّم، فقلت له: مالك يا رسول الله؟ قال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحبّ أن لا يزال سقيمًا حتّى يلقى ربّه[127]).

وفي لفظ قريب منه عن الإمام السجّاد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (... عجبت للمرء المسلم أنّه ليس من قضاء يقضيه الله عزّ وجلّ إلّا كان خيرًا له في عاقبة أمره[128]). وفي مشهد آخر نحوه يرويه صهيب وقد تكلّم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بنحو هذا الكلام لأصحابه بعدما انصرف من صلاة العشاء[129].

الطائفة الرابعة: روايات جفّ القلم.

هناك طائفة من الروايات تعرف بروايات (جفّ القلم) حيث تدلّ على أنّ القضاء الإلهي لا يتغيّر، وكل ميسّر لما خلق.

فعن ابن عباس عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (إذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جفّ القلم بما هو كان إلى يوم القيامة، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك، ولو جهد الخلائق أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك[130]).

وعن سراقة بن مالك قال: قلت لرسول الله(صلى الله عليه وآله): (أنعمل على ما قد جفّ به القلم، وجرت به المقادير، أو لأمر مستقبل؟ قال: يا سراقة، إعمل لما جفّ به القلم وجرت به المقادير، فإنّ كلًّا ميسّر[131]).

وعن عمران بن حصين قال: قيل يا رسول الله أعُلم أهل الجنّة من أهل النّار؟ قال: فقال: نعم، قال: قيل: ففيم يعمل العاملون؟ فقال: كلّ ميسّر لما خلق له[132]).

وعن عبد الله بن عمر أنّ رجلًا سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا رسول الله فيما نعمل؟ أفي شيء قد خلا ومضى، أو في شيء يُستأنف الآن؟ قال: في شيء قد خلا ومضى، قال الرجل أو بعض القوم: ففيم العمل؟ قال: إنّ أهل الجنّة يُيسّرون لعمل أهل الجنّة، وإنّ أهل النّار يُيسّرون لعمل أهل النّار[133]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): إذا أراد الله تعالى إنفاذ قضائه وقدره، سلب ذوي العقول عقولهم حتّى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره، فإذا مضى أمره ردّ إليهم عقولهم ووقعت الندامة[134]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إذا جاء القضاء ضاق الفضاء[135]). ونحوه قوله(صلى الله عليه وآله): (لن ينفع حذر من قدر[136]).

والسؤال الذي يُطرح هنا عن كيفيّة فهم هذه الروايات بما لا تؤول إلى الجبر المنفي عقلًا وشرعًا. والتفسير المعقول لها أنّها على فرض صحّة سندها وصدورها الواقعي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وجمعًا بينها وبين ما سيأتي من تغيير القضاء والقدر، إنّها تشير إلى سعة علم الله تعالى وأنّ الأمور جميعها تحت قدرته وسيطرته، فهي على نقيض الآراء التي وردت لاحقًا من أنّ الله تعالى خلق الخلق وفوّض الأمر إليهم، بل النظريّة الصحيحة على عكس ذلك أي أنّ الجميع فقراء إلى الله وغير مستقلّين في إيجاد أيّ عمل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[137].

ويؤيّد هذا التفسير، ما ورد في الرواية الأولى عن ابن عباس أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال له: (إذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله( ليقطع عن النّاس الأمل بالآخرين ويوجّههم إلى خالق الجميع، إذ غير الله تعالى فقير إليه وغير مستقلّ في عمله، فبدل أنّ يوجّه الإنسان طلباته إلى النّاس ويتوقّع منهم مساعدته، عليه أن يتوجّه أوّلًا إلى مسبّب الأسباب.

وبغير هذا الوجه فنحن نتوقّف عند الروايات الصريحة الدالّة على الجبر، إذ إنّها تخالف أوّلًا القرآن الكريم، وثانيًا سائر ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) في نفي الجبر، ومدخلية بعض الأمور لرفع القضاء المحتوم.

الطائفة الخامسة: ما يدلّ على تغيير القضاء والقدر.

روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب): (يمحو من الأجل ما يشاء، ويزيد فيه ما يشاء[138]).

وفي لفظ آخر: (يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه[139]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في أنّ أعمال البرّ تغيّر القضاء والقدر: (الصدقة واصطناع المعروف وصلة الرحم وبرّ الوالدين، يُحوّل الشقاء سعادة، ويزيد من العمر، ويقي مصارع السوء[140]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (لا يرد القدر إلّا الدعاء[141])، وفي لفظ آخر: (لا يرد القضاء إلّا الدعاء[142]). وفي لفظ آخر أيضًا: (الدعاء جند من أجناد الله تعالى مجنّد، يردّ القضاء بعد أن يبرم[143]). وأيضًا: (لا يُغني حذرُ من قدر، والدعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل[144]).

كما أنّ الذنوب والآثام تغيّر القضاء والقدر أيضًا، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يقول الله عزّ وجلّ... ما من أهل قرية، ولا أهل بيت، ولا رجل ببادية كانوا على ما أحببت من طاعتي، ثمّ تحوّلوا عنها إلى ما كرهت من معصيتي، إلّا تحوّلت لهم عمّا يحبّون من رحمتي إلى ما يكرهون من غضبي[145]).

الطائفة السادسة: روايات تنفي الجبر.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (ما عرف الله من شبّهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده[146]).

وقال(صلى الله عليه وآله): خمسة لا تُطفأ نيرانهم ولا تموت أبدانهم:... ورجل أذنب وحمل ذنبه على الله عزّ وجلّ[147]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (إنّ الله لا يُطاع جبرًا، ولا يُعصى مغلوبًا، ولم يهمل العباد من المملكة، لكنّه القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إيّاه، فإنّ العباد إن ائتمروا بطاعة الله لم يكن منها مانع ولا عنها صاد، وإن عملوا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل، وليس من إن شاء أن يحول بينه وبين شيء ولم يفعله، فأتاه الذي فعله، كان هو الذي أدخله فيه[148]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (من زعم أنّ الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أنّ الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أنّ المعاصي بغير قوّة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النّار[149]).

الطائفة السابعة: ذم القدريّة

وردت روايات كثيرة في مصادر أهل السنّة تنسب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) تذمّ القدريّة والمرجئة، وأنّ الشفاعة لا تنالهما، وأنّ القدرية مجوس هذه الأمّة، وأنّ القدريّة لعنت على لسان سبعين نبيًّا[150]. وغيرها من الروايات. ونحن إذ نتوقّف في هذه الروايات، نكل علمها إلى الله تعالى، ونستقرب أنّها من صنع فترة متأخّرة، أي حينما احتدم الجدل الكلامي في نهاية القرن الأوّل وبدايات القرن الثاني.

الطائفة الثامنة: روايات السعادة والشقاوة

وردت مجموعة روايات نبويّة مفادها أنّ السعيد سعيد في بطن أُمّه، الشقي شقي في بطن أمّه. وهذه الطائفة من الروايات إذا كان معناها الإشارة إلى العلم الإلهي بسعادة البشر أو شقائهم فهي مقبولة، إذ قد ثبت في موضعه أنّ العلم الإلهي ليس علّة تامّة لصدور الفعل من الإنسان، أمّا إذا أُريد منها ظاهر معناها المؤدّي إلى الجبر، فنحن نتوقّف فيها لمخالفتها القرآن والعقل وسائر الروايات الواردة.

3ـ الشرور

من المسائل المهمّة التي تبحث في باب العدل، وتُعدّ كنقض لنظريّة العدل عند الملحدين ومنكري الذات الإلهيّة، مسألة الشرور، وهذه المسألة وإن لم تبحث بشكل تفصيلي في العهد النبوي، لبيان معنى الخير والشر، وفلسفته وكيفيّة معالجة الشبهات المثارة، غير أنّ الروايات تعترف بوجوده كحقيقة واقعيّة، وقد وردت الروايات في لزوم الإيمان بالقدر خيره وشرّه، كما أنّ القرآن الكريم يؤيّد ذلك، قال تعالى: (لُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[151] حيث جعلت الآية الكريمة الشرّ حقيقة واقعيّة كالخير، وأنّ الخير والشر كلاهما امتحان للعبد وفتنة وابتلاء.

إنّ الروايات النبويّة تجعل الشرّ الفردي أو الجمعي أو الكوني، ابتلاءًا وامتحانًا، ولهذا الابتلاء أسباب وعوامل أدّت إليه، كما أنّ لرفعه أيضًا أسباب وعوامل. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة[152]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ما اختلج عرق، ولا عثرت قدم إلّا بما قدّمت أيديكم، وما يعفو الله عزّ وجلّ عنه أكثر[153]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (المؤمن يُكفّر ذنوبه بسبب الإيذاء والمصائب[154]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إذا لم يامروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي، سلّط الله عليهم شرارهم، فيدعو خيارهم فلا يُستجاب لهم[155]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ الله عزّ وجل إذا غضب على أُمّة لم يُنزل بها عذاب خسف ولا مسخ، غلت أسعارها، ويُحبس عنها أمطارها، ويلي عليها أشرارها[156]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ صنائع المعروف تقي مصارع السوء[157]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ طاعة الله نجاح من كل خير يُبتغى، ونجاة من كل شر يُتقى[158]).

فهذه الروايات النبويّة الكريمة كلّها تفسّر الشر بالبلاء والامتحان، وتذكر أنّ من أسبابه المعاصي والآثام، أو أنّها لتكفير السيّئات، أو أنّها بسبب ترك الهدى وسلوك سبيل الغي والردى، كما أنّ الطاعة والخيرات والحسنات تُذهب بالشرور.

4 ـ الأسماء والأحكام

مبحث الأسماء والأحكام يتعلّق بثلاثة علوم: اللغة، الفقه، وعلم الكلام، وقد طرحه المتكلّمون في مباحث العدل، ذيل الوعد والوعيد، ومباحث مرتكبي الكبائر، وتطرح فروع من قبيل: الإيمان والكفر، الثواب والعقاب، الطاعة والمعصية (الذنب) الفسق، النفاق، البغي، التوبة والعفو، العذاب، وغيرها من الفروع. والهدف هو ماذا تعني هذه الأسماء في اللغة ثمّ الشرع، وما هو حكمها الديني أو الكلامي.

هذه المباحث لم تكن في العهد النبوي كما هي الحال عند المتكلّمين، غير أنّه توجد روايات نبويّة تشير إلى بعض هذه الأسماء مع تحديد معناها، مع لزوم الحذر في تعاطي هذه الروايات؛ لأنّ كلّ فرقة كانت تريد إثبات مبدئها بالاعتماد على ما ورد في النصّ المقدّس لتكتسب الشرعية. وإليك بعض هذه الروايات:

الإسلام:

قال(صلى الله عليه وآله): (رأس هذا الأمر الإسلام ومن أسلم سلم[159]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ما من مولود يولد إلّا على فطرة الإسلام...[160]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (... إنّ الرجل يكون في فئة الإسلام فيأكل مال أخيه، ويسفك دمه، ويعصي ربّه، ويكفر بخالقه، وتجب له النار[161]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وأنّ أحق النّاس إسلامًا أحاسنهم أخلاقًا[162]).

وجاء رجل إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فسأله عن الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت، وتحب للنّاس ما تحبّ لنفسك، وتكره للنّاس ما تكره لنفسك[163]).

وفي لفظ آخر: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أنّ لا إله إلّا الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان[164]).

وقال(صلى الله عليه وآله) في الخوارج: (يخرج من ها هنا -وأومأ بيده- قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية[165]).

الإيمان:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنّة والنّار والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه[166]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (الإيمان بالله إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالأركان[167]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (الإيمان سبعون بابًا، أرفعه لا إله إلّا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان[168]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (الإيمان سربال يُسربله الله من يشاء، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب ردّ عليه[169]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (خمس من الإيمان، من لم يكن فيه شيء منهنّ فلا إيمان له: (التسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله، والتوكّل على الله، والصبر عند الصدمة الأولى...[170]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يُجدّد الإيمان في قلوبكم[171]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن هو ما وقر في القلب، وصدّقه العمل[172]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (الإيمان والعمل قرينان، لا يصلح كل واحد منهما إلّا مع صاحبه[173]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (لا يدخل النّار مؤمن[174]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من الإيمان[175]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (من لم يكن مؤمنًا حقًّا فهو كافر حقًّا[176]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (قتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله[177]).

وما نستخلصه من هذه الروايات حول الإسلام والإيمان، أنّ الإسلام هو التفوّه بالشهادتين لحقن الدم والدخول في الدّين الذي أتى به النبيّ(صلى الله عليه وآله) وهو عمل جوارحي، سواء التزم بالطقوس الدينيّة أم لم يلتزم. أمّا الإيمان فهو عمل جوانحي، ويقتضي التصديق القلبي والالتزام العملي بالطقوس الدينيّة، وهو وجود مشكّكٌ وذو مراتب كما ورد في الروايات الشريفة.

المعاصي:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من يعص الله يعذّبه الله[178]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (يُعذّب المذنبون في النّار على قدر نقصان إيمانهم[179]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (من يعص الله ورسوله فقد غوي حتّى يفيء إلى أمر الله[180]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلّا من مات مشركًا، أو قتل مؤمنًا متعمّدًا[181]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (لا والله لا ينال شفاعتي من شرب المسكر، ولا يرد عليّ الحوض لا والله[182]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (من شرب الخمر غير مكره خرج من الإيمان[183]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه[184]).

التوبة:

قال(صلى الله عليه وآله): (ما أعطي أحد التوبة فمُنع التقبّل، لأنّ الله تعالى يقول: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده[185]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (لو أخطأ أحدكم حتّى تملأ خطيئته ما بين السماء والأرض، ثمّ تاب لتاب الله عليه[186]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغر غر بنفسه[187]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له[188]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ما من كبيرة بكبيرة مع الاستغفار[189]).

المبحث الثالث

النبوّة

يبحث المتكلّمون في باب النبوّة عن أمرين: الأوّل النبوّة العامّة وإثبات ضرورتها، والثاني النبوّة الخاصّة وإثبات نبوّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما يتعلّق بها من مباحث فرعيّة.

وهذان الأمران نجدهما في كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) أيضًا، فضلًا عن الآيات القرآنيّة الدالّة على أنّ نبوّته امتداد لسائر النبوّات. فرسول الله(صلى الله عليه وآله) من جهة كان يثبت نبوّته ورسالته، ومن جهة ثانية يدلّل –من خلال القرآن وسائر كلماته- أنّه مصدق لما بين يديه من الكتب، وأنّ رسالته استمرار لباقي الرسالات وخاتمة لها.

إنّ المعركة والجدل العقديّين آنذاك كانا محتدمين، فرسول الله(صلى الله عليه وآله) كان قد دخل في مواجهة مع مشركي قريش وعبدة الأوثان من جهة، ومع أصحاب الديانات الأخرى من جهة ثانية، وكان لزامًا عليه أن ينافح ويدافع عن التوحيد الخالص ويدعو إليه، كما كان ينبغي إثبات رسالته ونبوّته الإلهيّة بأمر من الله تعالى، وذلك في قوله تعالى:

( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[190].

كما أنّ رسالته(صلى الله عليه وآله) أكمل الرسالات وأعلاها: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[191].

وإنّها في امتداد الرسالات:(قُلْ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[192].

وفي لفظ آخر قريب منها: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)[193].

فهذه الآيات وغيرها التي نزلت تباعًا، كانت خير معين للنبيّ(صلى الله عليه وآله) في خوض سجال عقدي مع خصومه، وهي بدورها تنبئ عن شدّة الأزمة والصدام الفكري آنذاك، وفي جولة سريعة فيما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بخصوص مبحث النبوّة، يمكننا تصنيفها ضمن النقاط التالية:

1ـ البعثة والدعوة إلى الله:

إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعدما أُمر بإعلان دعوته، بدأ تلبية لذلك بنشر الدعوة علنًا ودعوة النّاس عامّة في كل موقف وعند كل حادثة مهمّة، يروى أنّه قام على الحجر فقال: يا معشر قريش، يا معشر العرب، أدعوكم إلى شهادة أنّ لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام...[194]).

وروى الطبري أنّه لما نزلت هذه الآية على رسول الله(صلى الله عليه وآله): (وأنذر عشيرتك الأقربين) قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالأبطح، ثمّ قال: يا بني عبد المطلب، با بني عبد مناف، يا بني قصي، قال: ثمّ فخذ قريشًا قبيلة قبيلة حتّى مرّ على آخرهم: إنّي أدعوكم إلى الله وأنذركم عذابه[195].

وهذه الحادثة ـ بعد نزول آية الإنذار- تكرّرت مرّات عدّة، ولم يكتف رسول الله بالإنذار لمرّة واحدة، فهنا قالها بالأبطح، وفي رواية عاد الكلام وهو على الصفا فاعترضه أبو لهب ونزلت في حقّهﮉ  ﮊ  [196].

وفي مرة أخرى دعاهم إلى داره وعمل لهم وليمة، والقصّة معروفة يرويها ابن عبّاس عن أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى أن يقول: (ثمّ تكلّم رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب، أنّي والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، أنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، قد أمرني الله تعالى أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا وقلت وأنّي لأحدثهم سنًا وأرمصهم عينًا، وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقًا: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع[197]).

وبعد آية إنذار العشيرة الأقربين، والإفصاح عن الدعوة، تغيّر مسار العمل وأسلم خلق عظيم، كما يحدّثنا اليعقوبي ويقول: (وأسلم خلق عظيم، وظهر أمرهم، وكثرت عدّتهم، وعاندوا ذوي أرحامهم من المشركين[198]).

كما أنّ بعد حادثة حصار الشعب وأكل الأرضة لصحيفة قريش في حصار بني هاشم، حدث نفس الأمر: (وأسلم يومئذٍ خلق من النّاس عظيم، وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو المطلب، فلم يرجعوا إليه[199]).

ولم يقتصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الدعوة على أهل مكّة، بل كان يدعو قبائل العرب أيضًا عندما يجتمعوا في الموسم، يقول الطبري: (وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعرض نفسه في الموسم إذا كانت على قبائل العرب، يدعوهم إلى الله وإلى نصرته، ويخبرهم أنّه نبيّ مرسل، ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتّى يبيّن عن الله ما بعثه به[200]). ويضيف قائلًا: (فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ذلك من أمره كلّما اجتمع له النّاس بالموسم، أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه، وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، لا يسمح بقادم يقدم من العرب له اسم وشرف إلّا تصدّى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده[201]).

والدعوة هذه لم تقتصر على الفترة المكّيّة فحسب، بل استمرّت طول حياته(صلى الله عليه وآله)، فحصلت مراسلة الملوك في العالم[202]، وفي البحار عن الكازروني في حوادث السنة السادسة قال: (وفيها بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) ستة نفر، فخرجوا مصطحبين في ذي الحجّة، حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وعبد الله بن حذافة إلى كسرى، وعمرو بن أُميّة الضمري إلى النجاشي، وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وسنيط بن عمر والعامري إلى هوذة بن علي الحنفي‏[203]).

فكان يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى الواحد الأحد، وإلى قبول رسالته ونبوّته، وكذلك الأمر كان بالنسبة إلى الوفود التي بدأت تترى على المدينة سيّما في أُخريات حياته(صلى الله عليه وآله)[204].

2ـ الوحي وجبرائيل:

يشرح رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأصحابه كيفيّة تلقّيه الوحي الإلهي، وطرق الوحي، وما يحدثه الوحي فيه(صلى الله عليه وآله) كل ذلك تثبيتًا لقلوبهم، ورفع مستواهم المعرفي، وإجابة لأسئلتهم، فممّا روي عنه بهذا الصدد قوله(صلى الله عليه وآله) : (إنّ من الأنبياء من يسمع للصوت فيكون بذلك نبيًّا، وكان منهم من يرى في المنام فيكون بذلك نبيًّا نذيرًا، وإنّ جبرائيل يأتيني فيكلّمني كما يأتي أحدكم صاحبه فيكلّمه[205]).

وفي لفظ آخر يصف(صلى الله عليه وآله) شدّة الوحي عليه: (أسمع صلاصل ثمّ أسكُتُ عند ذلك، فما مرّة يوحى إليّ ظننت أن نفسي تقبض[206]).

وأيضًا: (أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ، فيُفصم عنّي وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثّل لي الملك رجلًا فيكلّمني فأعي ما يقول[207]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أتاني جبرائيل في خَضِرٍ تعلّق به الدر[208]).

وأيضًا: (رأيت جبرائيل منهبطًا قد ملأ ما بين الخافقين، عليه ثياب سندس معلّق فيها اللؤلؤ والياقوت[209]).

وعنه أيضًا: (ألا تؤمّنوني وأنا أمين في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً[210]).

3 ـ الاصطفاء الإلهي:

إنّ النبوّة كما أشرنا سابقًا اصطفاء إلهي، وهذا الأمر قد أكّده رسول الله(صلى الله عليه وآله) للنّاس مرارًا وتكرارًا من خلال الآيات القرآنيّة النازلة، وهذه الآيات تارة تذكر اصطفاء نبيّ خاص كقوله تعالى:(قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)[211]أو قوله تعالى: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[212].

وتارة تذكر أنبياء عدّة كقوله تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴿٤٥﴾ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴿٤٦﴾ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)[213].

وتارة أخرى تذكر الأنبياء وذراريهم الأوصياء كقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [214].

وعدا الآيات القرآنيّة، فهناك روايات نبويّة، يشير فيها النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى مسألة الاصطفاء، كما في قوله: (... لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة صفي مهدي لا تتشعّب شعبتان إلّا  كنت في خيرهما[215]).

وفي رواية أخرى: (إنّ الله أدرك بي في الأجل المرجوّ، واختارني اختيارًا، فنحن الآخرون، ونحن السابقون يوم القيامة، وأنّي قائل قولًا غير فخر، إبراهيم خليل الله، وموسى صفيّ الله، وأنا حبيب الله ومعي لواء الحمد يوم القيامة[216]).

وفي لفظ آخر: (إنّ الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتّخذه خليلًا، واصطفى من ولد إبراهيم اسماعيل، ثمّ اصطفى من ولد اسماعيل نزارًا، ثمّ اصطفى من ولد نزار مضر، ثمّ اصطفى من مضر كنانة، ثمّ اصطفى من بني كنانة قريشًا، ثمّ اصطفى من قريش بني هاشم، ثمّ اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، ثمّ اصطفاني من عبد المطلب[217]).

4ـ ادّعاء النبوّة:

وردت روايات نبويّة فيها تصريح منه(صلى الله عليه وىله) بالنبوّة، من قبيل قوله: (أنا النبيّ لا كذب...[218]). أو قوله(صلى الله عليه وآله): (أنا النبيّ الأُميّ الصادق الزكيّ، كل الويل لمن كذّبني وتولّى عنّي وقاتلني، الخير لمن آواني ونصرني وآمن بي وصدّق قولي وجاهد معي[219]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (اُمرت أن أُقاتل النّاس حتّى يقيموا الصلاة، ويشهدوا أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ[220]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئًا، وتشهد أنّي رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقن إلّا غفر الله لها[221]).

ومن كلامه(صلى الله عليه وآله) لأصحاب بيعة الحقبة: (أمّا الذي أسأل لربّي أن تؤمنوا به ولا تشركوا به شيئًا، وأمّا الذي أسأل لنفسي فأنّي أسألكم أن تطيعوني أهدكم سبيل الرشاد...[222]).

5ـ الخاتميّة:

قال تعالى: (ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيّين وكان الله بكل شيء عليمًا[223]).

تبعًا لهذه الآية الكريمة، فقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصرّح في أماكن مختلفة ومشاهد متعدّدة بأنّه خاتم النبيّين، ولا نبوّة بعده، فهو من جهة يريد أن يبيّن للجميع كون رسالته السماويّة كونيّة وعامّة، ومن جهة أخرى يردّ على اليهود والنصارى المنكرين لنبوّته والمنتظرين لمجيء نبيّ منهم، فالخاتميّة والإصرار عليها وتبيينها في مواطن مختلفة ومتكرّرة، تُعدّ محورًا رئيسيًّا في الرسالة النبويّة.

وقد وردت روايات كثيرة تدل على الخاتميّة، من قبيل قوله(صلى الله عليه وآله): (إنّ الرسالة والنبوّة قد انقطعت، فلا رسول الله بعدي ولا نبي[224]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أنا أحمد ومحمّد والحاشر والمقفّي والخاتم[225]).

وفي كلامه مع فاطمة الزهراء(عليها السلام) قال لها: (يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحدًا قبلنا، ولا يعطي أحد بعدنا، أنا خاتم النبيّين...[226]).

وفي كلام آخر لعمّه العبّاس: (يا عم أقم بمكانك الذي أنت به، فإنّ الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوّة[227]).

وفي مكان آخر استخدم(صلى الله عليه وآله) التمثيل لإثبات الفكرة، وقال: (إنّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلّا موضع لبنة من زاوية، فجعل النّاس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيّين[228]).

والإجهار بالخاتميّة لا يتعلّق بالفترة المكيّة فقط، بل كما قلنا كان ساريًا وجاريًا في جميع الدعوة، ومن الشواهد على الإشارة إلى الخاتميّة في نهايات الدعوة الحديث المعروف بحديث المنزلة، لما خلّف رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليًّا في المدينة في غزوة تبوك، وقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي[229]).

6ـ النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل الكتاب: 

إنّ الجدل العقدي المحتدم آنذاك كان في مواجهة طائفتين: 1- المشركون، 2- أهل الكتاب. وقد أمر الله تعالى نبيّه أن يدخل معهم في نقاش عقدي في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[230] وفي رواية أخرى تشمل المسلمين أيضًا: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )[231].

وامتثالًا للأمر الإلهي دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتبعه بعض المسلمين أيضًا، في سجال عقدي مع أهل الكتاب، كان يتمحور حول التوحيد والنبوّة في الأغلب، وفي المقابل لم ينفك أهل الكتاب أيضًا من إلقاء الشبهات لتثبيط عزيمة المؤمنين كما قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)  [232].

ومن شبهاتهم التي يذكرها القرآن: (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[233].

وأيضًا: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ)[234].

مضافًا إلى أنّهم كانوا يستهزؤون بالدّين، فأمرهم الله تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[235].

كما تكشف الآيات الكريمة عن مخطّطاتهم الآثمة تجاه الرسول(صلى الله عليه وآله): (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)[236].

وقد خلّد التاريخ حادثة مهمّة سمّيت لاحقًا بآية المباهلة وما تبعها من حديث المباهلة، في قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[237].

حيث أخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليًّا وفاطمة والحسن والحسين(عليهما السلام) للمباهلة في قصّة معروفة[238].

وفي حديث آخر قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمعشر من اليهود: (يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلًا منكم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، يحطّ الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليهم، فلم يجبه أحد منهم، فقال: أبيتم، فوالله لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا المقفّي آمنتم أو كذّبتم[239]).

وفي رواية طويلة وردت في كتاب الاحتجاج عن الإمام الصادق(عليه السلام) يذكر حوار النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع أصحاب الديانات آنذاك، ورد فيها:

ولقد حدّثني أبي الباقر(عليه السلام): عن جدّي عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ سيّد الشهداء، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، أنّه اجتمع يومًا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) أهل خمسة أديان: اليهود، والنصارى، والدهريّة، والثنويّة، ومشركوا العرب.

فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن الله، وقد جئناك يا محمّد لننظر ما تقول؟ فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت النصارى: نحن نقول: إنّ المسيح ابن الله، اتّحد به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الدهريّة: نحن نقول: الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

وقالت الثنوية: نحن نقول انّ النور والظلمة هما المدبران وقد جئناك لننظر فيما تقول، فان اتبعتنا فنحن أسبق الى الصواب منك, وان خالفتنا خصمناك.

وقال مشركوا العرب: نحن نقول: إنّ أوثاننا آلهة، وقد جئناك لننظر فيما تقول، فإن اتّبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت [بالجبت والطاغوت] وبكل معبود سواه. ثمّ قال لهم: إنّ الله تعالى قد بعثني كافّة للنّاس بشيرًا ونذيرًا أو حجّة على العالمين، وسيردّ كيد من يكيد دينه في نحره.

ثمّ قال لليهود: أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟ قالوا: لا. قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيرًا ابن الله؟ قالوا: لأنّه أحيى لبني إسرائيل التوراة بعدما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فكيف صار عزير ابن الله دون موسى، وهو الذي جاءهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ ولئن كان عزير ابن الله، لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة، فلقد كان موسى بالنبوّة أولى وأحق، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النبوّة، لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالنبوّة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمّهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ، فقد كفرتم بالله تعالى وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثًا مخلوقًا، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.

قالوا: لسنا نعني هذا، فإنّ هذا كفر كما ذكرت، ولكنّا نعني أنّه ابنه على معنى الكرامة، وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره: (يا بنيّ) و (إنّه ابني) لا على إثبات ولادته منه، لأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لا نسب له بينه وبينه، وكذلك لمّا فعل الله تعالى بعزير ما فعل، كان قد اتّخذه ابنًا على الكرامة لا على الولادة.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فهذا ما قلته لكم، إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى، وإنّ الله تعالى يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلب عليه حجّته، إنّ الذي احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم، لأنّكم قلتم: إنّ عظيمًا من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه: (يا بني) و (هذا ابني) لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضًا هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر: (هذا أخي) ولآخر: (هذا شيخي) و (أبي) ولآخر: (هذا سيّدي) و (يا سيّدي) على سبيل الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذًا يجوز عندكم أن يكون موسى أخًا لله، أو شيخًا له، أو أبًا، أو سيّدًا، لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير، كما أنّ من زاد رجلًا في الإكرام فقال له: يا سيّدي ويا شيخي ويا عمّي ويا رئيسي [ويا أميري] على طريق الإكرام، وإنّ من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول.

أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخًا لله، أو شيخًا، أو عمًّا، أو رئيسًا، أو سيّدًا، أو أميرًا، لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيّدي أو يا عمّي أو يا رئيسي أو يا أميري؟ قال: فبهت القوم وتحيّروا وقالوا: يا  محمّد! أجّلنا نتفكّر فيما قد قلته لنا. فقال: أُنظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله تعالى.

ثمّ أقبل(صلى الله عليه وآله) على النصارى، فقال لهم: وأنتم قلتم: إنّ القديم عزّ وجل، اتّحد بالمسيح ابنه، فما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثًا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديمًا لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى قولكم: انّه اتّحد به، انّه اختّصه بكرامة لم يكرم بها أحدًا سواه؟

فإن أردتم أنّ القديم صار محدثًا فقد أبطلتم، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثًا، وإن أردتم أنّ المحدث صار قديمًا فقد أحلتم لأن المحدث أيضًا محال أن يصير قديمًا. وإن أردتم أنّه اتّحد به اختّصه واصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتّحد به من أجله، لأنّه إذا كان محدَثًا وكان الله اتّحد به -بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده- فقد صار عيسى وذلك المعنى محدَثين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.

قال: فقالت النصارى: يا محمّد، إنّ الله تعالى لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتّخذه ولدًا على جهة الكرامة. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه.

ثمّ أعاد(صلى الله عليه وآله) ذلك كلّه، فسكتوا إلّا رجلًا واحدًا منهم فقال له: يا محمّد! أولستم تقولون: إنّ إبراهيم خليل الله؟ قال: قد قلنا ذلك. فقال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول عيسى ابن الله؟

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّهما لم يشتبها لأن قولنا: إنّ إبراهيم خليل الله، فإنّما هو مشتق من الخَلّة أو الخُلّة. فأمّا الخلّة فإنّما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلًا إلى ربّه فقيرًا [إلى الله] وإليه منقطعًا، وعن غيره متعفّفًا معرضًا مستغنيًا، وذلك لمّا أُريد قذفه في النّار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرائيل وقال له: أدرك عبدي، فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلّفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك. فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره، ولا حاجة لي إلّا إليه. فسمّاه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه.

وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة [العالم] وهو أنّه قد تخلّل معانيه، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره، كان معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأنّ من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج [به] عن أن يكون ولده، لأن معنى الولادة قائم به؟

ثم إن وجب -لأنّه قال إبراهيم خليلي- أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إنّ عيسى ابنه، وجب أيضًا كذلك أن تقولوا لموسى إنّه ابنه، فإنّ الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا: إنّ موسى أيضًا ابنه، وأن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.

قال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة أنّ عيسى قال: (أذهب إلى أبي). فقال
رسول الله(صلى الله عليه وآله): فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإنّ فيه (أذهب إلى أبي وأبيكم) فقولوا: إنّ جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثمّ إنّ ما في الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنًا له، لأنّكم قلتم: إنّما قلنا: إنّه ابنه لأنّه اختّصه بما لم يختّص به غيره، وأنتم تعلمون أنّ الذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الذي قال لهم عيسى: (أذهب إلى أبي وأبيكم) فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها، لأنّه إذا قال: (أبي وأبيكم) فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعلّه عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وإنّ الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا.

قال: فسكت النصارى وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلًا ولا مخاصمًا [مثلك] وسننظر في أمورنا.

ثمّ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الدهريّة فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدو لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا: لأنّا لا نحكم إلّا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثًا فحكمنا بأنّها لم تزل، ولم نجد لها انقضاءً وفناءً فحكمنا بأنّها لا تزال.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أفوجدتم لها قِدمًا، أم وجدتم لها بقاءً أبد الآبد؟ فإن قلتم: إنّكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية، ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا، دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم.

قالوا: بل لم نشاهد لها قِدمًا ولا بقاءً أبد الآبد.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائمًا؟ لأنّكم لم تشاهدوا حدوثها، وانقضاؤها أولى من تارك التمييز لها مثلكم، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع، لأنّه لم يشاهد لها قِدمًا ولا بقاءً أبد الآبد. أولستم تشاهدون اللّيل والنّهار و [أنّ] أحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم. فقال: أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم. فقال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنّهار؟ فقالوا: لا. فقال(صلى الله عليه وآله): فإذًا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جاريًا بعده. فقالوا: كذلك هو. فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل ونهار لم تشاهدوهما، فلا تنكروا لله قدرة.

ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): أتقولون ما قبلكم من الليل والنّهار متناهٍ أم غير متناه؟ فإن قلتم: غير متناهٍ، فكيف وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله؟ وإن قلتم: إنّه متناهٍ فقد كان ولا شيء منهما. قالوا: نعم. قال لهم: أقلتم إنّ العالم قديم غير محدث، وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به، وبمعنى ما جحدتموه؟ قالوا: نعم.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنّه لا قوام للبعض إلّا بما يتّصل، ألا ترى البناء محتاجًا بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق، ولم يستحكم، وكذلك سائر ما ترون. وقال(صلى الله عليه وآله): فإذا كان هذا المحتاج -بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه- هو القديم، فأخبروني أن لو كان محدثًا، كيف كان يكون؟ وماذا تكون صفته؟ قال: فبهتوا وعلموا أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا.

ثمّ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الثنويّة -الذين قالوا: النّور والظلمة هما المدبّران- فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟

فقالوا: لأنّا وجدنا العالم صنفين: خيرًا وشرًّا، ووجدنا الخير ضدًّا للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضدّه، بل لكلّ واحد منهما فاعل، ألا ترى أنّ الثلج محال أن يسخن، كما أنّ النّار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمةً ونورًا.

فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): أفلستم قد وجدتم سوادًا وبياضًا وحمرةً وصفرةً وخضرةً وزرقةً؟ وكلّ واحد ضدّ لسائرها، لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محلّ واحد؟ قالوا: نعم. قال: فهلّا أثبتم بعدد كلّ لون صانعًا قديمًا، ليكون فاعل كل ضدٍّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟ قال: فسكتوا.

ثمّ قال: وكيف اختلط النّور والظلمة، وهذا من طبعه الصعود، وهذه من طبعها النزول؟ أرأيتم لو أنّ رجلًا أخذ شرقًا يمشي إليه والآخر غربًا، أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما؟ قالوا: لا. قال: فوجب أن لا يختلط النّور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج؟ بل هما مدبّران جميعًا مخلوقان، فقالوا: سننظر في أمورنا.

ثمّ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على مشركي العرب فقال: وأنتم فلِمَ عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرّب بذلك إلى الله تعالى. فقال لهم: أوَهي سامعة مطيعة لربّها، عابدة له، حتّى تتقرّبوا بتعظيمها إلى الله؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الذين نحتّموها بأيديكم؟ قالوا: نعم. قال: فلئن تعبدكم هي –لو كان تجوز منها العبادة- أحرى من أن تعبدوها! إذا لم يكن أمركم بتعظيمها، من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلّفكم؟!

قال: فلمّا قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذا [القول] اختلفوا، فقال بعضهم: إنّ الله قد حلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور فصوّرنا هذه الصور، نعظّمها لتعظيمنا تلك الصور التي حلّ فيها ربّنا.

وقال آخرون منهم: إنّ هذه صور أقوام سلفوا، كانوا مطيعين لله قبلنا فمثّلنا صورهم وعبدناها تعظيمًا لله.

وقال آخرون منهم: إنّ الله لمّا خلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له [فسجدوه تقرّبًا بالله]، كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك، فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبًا إلى الله، كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود –بزعمكم- إلى جهة (مكّة) ففعلتم، ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدكم بالكعبة إلى الله عزّ وجل لا إليها.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أخطأتم الطريق وضللتم، أمّا أنتم -وهو(صلى الله عليه وآله) يخاطب الذين قالوا: إنّ الله يحلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صوّرناها، فصوّرنا هذه الصور نعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حلّ فيها ربّنا- فقد وصفتم ربّكم بصفة المخلوقات، أوَيحلُّ ربّكم في شيء حتّى يحيط به ذلك الشيء، فأيّ فرق بينه إذًا وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته؟ ولِمَ صار هذا المحلول فيه محدثًا وذلك قديمًا، دون أن يكون ذلك محدثًا وهذا قديمًا، وكيف يحتاج إلى المحال مَن لم يزل قبل المحال، وهو عزّ وجل لا يزال كما لم يزل؟ وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول، فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال [والحدوث].

وإذا وصفتموه بالزوال والحدوث، وصفتموه بالفناء! لأن ذلك أجمع من صفات الحالّ والمحلول فيه، وجميع ذلك يغيّر الذات، فإن كان لم يتغيّر ذات الباري تعالى بحلوله في شيء جاز أن لا يتغيّر بأن يتحرّك ويسكن ويسودّ ويبيضّ ويحمرّ ويصفرّ وتحلّه الصفات التي تتعاقب على الموضوف بها، حتّى يكون فيه جميع صفات المحدثين، ويكون محدثًا –عزّ الله تعالى عن ذلك-.

ثمّ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فإذا بطل ما ظننتموه من أنّ الله يحلّ في شيء، فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم. قال: فسكت القوم وقالوا: سننظر في أمورنا.

ثمّ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الفريق الثاني فقال [لهم]: أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصلّيتم، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب -بالسجود لها- فما الذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أنّ مِن حقّ مَن يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوى به عبده؟ أرأيتم ملكًا أو عظيمًا إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع، أيكون في ذلك وضع من حقّ الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم.

قال: أفلا تعلمون أنّكم من حيث تعظّمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له، تزرون على ربّ العالمين؟

قال: فسكت القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمورنا.

ثمّ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا مثلًا، وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك أنّا عباد الله مخلوقون مربوبون، نأتمر له فيما أمرنا، ونتزجر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده منّا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره ممّا لم يأمرنا [به] ولم يأذن لنا، لأنّا لا ندري لعلّه إن أراد منّا الأوّل فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه، فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعناه، ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره، والله عزّ وجل حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.

ثمّ قال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يومًا بعينه، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا دارًا له أخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوبًا من ثيابه، أو عبدًا من عبيده، أو دابّةً من دوابّه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟

قالوا: نعم. قال: فإن لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله؟ قالوا: لا لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأوّل. قال(صلى الله عليه وآله): فأخبروني، الله أولى بأن لا يتقدّم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين؟ قالوا: بل الله أولى بأن لا يتصرّف في ملكه بغير إذنه؟ قال: فلِمَ فعلتم ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟ قال: فقال القوم: سننظر في أمورنا، وسكتوا.

وقال الصادق(عليه السلام): فوالّذي بعثه بالحقّ نبيًّا ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلًا، من كلّ فرقة خمسة. وقالوا: ما رأينا مثل حجّتك يا محمّد، نشهد أنّك رسول الله[240].

وهذه المحاججات كانت تسفر عن إيمان بعض أهل الكتاب كما رأيت، وفي خبر آخر عن ابن عبّاس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار يهود أهل الكفر: ما آمن بمحمّد وما تبعه إلّا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم..[241]

المبحث الرابع

الإمامة

لم تكن مسألة الإمامة وخلافة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، أقلّ أهميّة من مسائل التوحيد والنبوّة، لذا كانت شغل النبيّ(صلى الله عليه وآله) الشاغل من بدايات مبعثه وإلى أُخريات حياته الطاهرة.

والنظرة النبويّة للخلافة، لم تكن نظرةً ماديّةً وسلطويّةً، بل هي امتداد النبوّة وشرحها وبسطها وتأويلها، وهي تفرض نفسها ويزداد أهميّتها بعد أن أعلن النبيّ(صلى الله عليه وآله) كون رسالته خاتمة النبوّات ولا نبيّ بعده، ممّا يعني أنّ هذا الدين هو الدين العالمي إلى قيام الساعة، وأنّه بحاجة إلى من يفسّره التفسير الصحيح المتّصل بالغيب.

وممّا يدلّل على كون الإمامة والخلافة أمرًا إلهيًّا، ما قاله(صلى الله عليه وآله) لبني عامر في بدايات الدعوة، حيث لما عرض نفسه عليهم قال رجل منهم يُقال له بيحرة بن فراس: والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثمّ قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثمّ أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء[242].

وفي رواية عن عبادة بن الصامت يشرح فيها بيعة العقبة قال: (دعانا النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا: على السمع والطاعة... وأن لا ننازع الأمر أهله[243]).

فهذا الشرط أي عدم منازعة الأمر أهله، ينبئ عن سبق حديث بهذا الخصوص بين النبيّ(صلى الله عليه وآله) وبين أصحاب العقبة، ولم تشر إليه الروايات، وتمّت البيعة على غراره. وهذه الروايات تدلّ على أهميّة مسألة الخلافة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) منذ بواكير الدعوة، وعلمه بأنّها أمر إلهي ليس للبشر فيها نصيب.

وممّا يؤيّد ذلك أيضًا آية الإنذار: (وانذر عشيرتك الأقربين) وقد مرّت في المبحث السابق، حيث لمّا دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) قومه وعشيرته، قال فيما قال: (... فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا وقلت:... أنا يا نبيّ أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثمّ قال: (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي منكم، فاسمعوا له وأطيعوه...[244]).

وكانت سياسة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في إعلان إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) مختلفة تتراوح بين التصريح والتلميح، بين القول والفعل، وقد أثبتت كتب التاريخ والسيرة والحديث روايات نبويّة كثيرة في فضائل علي(عليه السلام)، الفضائل التي لها مدخليّة تامّة في مسألة الإمامة من قبيل: المعرفة والعلم، والشجاعة والقرب من الله تعالى. وما تقديمه لقيادة الحروب والسرايا إلّا إرهاصات لهذا الأمر.

ويمكننا تقسيم ما روي عنه(صلى الله عليه وآله) حول مبحث الإمامة ضمن طوائف عدّة:

الطائفة الأولى: معرفة الإمام.

أكّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) على لزوم معرفة الإمام، وقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة[245]). وفي لفظ آخر: (من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة[246]).

الطائفة الثانية: عدد الأئمة.

لقد أشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى عدد الأئمة(عليهم السلام) الذين يلون أمر الأمّة، فقال: (الأئمة اثنا عشر كلّهم من قريش[247]). وفي لفظ آخر: (إنّ عدّة الخلفاء بعدي عدّة نقباء موسى[248]). وفي لفظ آخر: (إنّ هذا الأمر لن ينقضي حتّى يملك اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش[249]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد عليّ فالحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد الحسين فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا عليّ...[250]).

الطائفة الثالثة: خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام).

وهي كثيرة فبعضها تدلّ على إمامته لقربه من الرسول(صلى الله عليه وآله) ولأفضليّته وأعلميّته وأشجعيّته، ومنها ما تنصّ عليه بالولاية والخلافة، من قبيل قوله(صلى الله عليه وآله): (أتاني جبرائيل فقال: يا محمّد ربّك يقرؤك السلام ويقول لك: إنّ عليّ بن أبي طالب وصيّك وخليفتك على أهلك وأمّتك...[251]).

وقال(صلى الله عليه وآله): (ألا أدلّكم على ما إن استدللتم به لم تهلكوا ولم تضلّوا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إنّ إمامكم ووليّكم علي بن أبي طالب...[252]).

ومنها حديث المنزلة: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي[253]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إمامكم من بعدي عليّ بن أبي طالب، وهو أنصح النّاس لأُمّتي[254]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، وعليّ أولى به من بعدي[255]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام):: (إنّ الله تبارك وتعالى وعدني فيك وعدًا لن يخلفه، جعلني نبيًّا وجعلك وصيًّا[256]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) (لكلّ نبيّ وصيّ أوصى إليه بأمر الله تعالى ذكره،  وإنّ وصيّي علي بن أبي طالب لسيّدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله[257]).

و وعنه(صلى الله عليه وآله): ( انّ الله فضّلني بالنبوة وفضّل عليًا بالامامة)[258].

وكذلك حديث الغدير المتواتر: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه). ومئات الأحاديث الأخرى الدالّة على إمامته(عليه السلام) فضلًا عن الروايات الدالّة على فضائله ومناقبه، فهي تدلّ أيضًا على إمامته إذ الإمام لا بدّ أن يكون أعلم النّاس وأشجع النّاس وأزهد النّاس وأفقه النّاس، وكلّها مجتمعة في عليّ(عليه السلام).

فإذا كان مدار الإمامة هو النّص، فهذه مئات الروايات التنصيصيّة على إمامة عليّ(عليه السلام)، وإن كانت بالقرب من النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو بكثرة الفضائل والعلم والزهد والشجاعة، فعليّ(عليه السلام) هو السبّاق بلا منازع، والخلاصة إنّ أي شرط يُشترط للإمامة عند أهل السنّة، فعليّ هو المتصدّر الأوّل لها ولا يسبقه إليها أحد.

الطائفة الرابعة: الروايات المهدويّة

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري[259]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (المهدي منّا أهل البيت، أشم الأنف، أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا...[260]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (لا تذهب الدنيا ولا تنقضي الأيّام حتّى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي[261]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في كلامه لفاطمة الزهراء(عليها السلام): (يا فاطمة... منّا سبطا هذه الأمّة، وهما ابناك الحسن والحسين، ومنّا مهدي هذه الأمّة[262]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) في كلامه للإمام الحسين(عليه السلام): (أنت سيدّ ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم[263]).

والروايات المهدويّة متواترة عند السنّة والشيعة، مع قطع النّظر عن الخلاف فيما بينهما حول حياته(عليه السلام) من عدمها، وما يهمّنا هنا هو أنّ أهل السنّة رغم اعترافهم بإمامة الإمام المهدي(عليه السلام) في آخر الزمان، وأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) رشّحه للخلافة، كيف يقبلون إهمال الرسول(صلى الله عليه وآله) للإمامة والخلافة لما بعده مباشرة وهو الذي اهتّم -باعترافهم- بالإمامة في نهاية العالم؟!!

المبحث الخامس

المعاد

إنّ الموت من الحقائق الواقعيّة التي يتعايشها الإنسان منذ خلقته الأولى على الأرض، ومن الطبيعي أن تثار في خلده أسئلة لمصيره فيما بعد الموت، هل الموت عدم أو توجد حياة ونشأة أُخرى بعد الموت، هذه الأسئلة وغيرها هي التي شكّلت مباحث المعاد في علم الكلام.

وقد ركّز القرآن كثيرًا على مسألة المعاد، إذ إنّها ترتبط بالتوحيد والإلهيّات ارتباطًا وثيقًا، فطالما أنّ الكون مخلوق من قبل الله تعالى، فللحياة غاية وحكمة، وسيصل إليها الإنسان فيما بعد الموت: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [264].

إنّ آيات المعاد والحياة الآخرويّة، ومباحث الجنّة والنّار والصراط، أثارت جدلًا واسعًا في الوسط الإسلامي، أتبعه أسئلة كثيرة ومتكرّرة عن الموعد والكيفيّة وغيرها من الأسئلة، حتّى إنّ القرآن الكريم يشير إلى هذا الجدل المحتدم بقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[265].

وبما أنّ مشاهد ما بعد الموت متعدّدة ابتداء من لحظة الموت والقبر وانتهاءً إلى الحساب والقرار في الجنّة أو النّار، فقد تكرّرت أيضًا الروايات النبويّة بتعدّد المشاهد، وكثير منها ليندرج في باب الوعظيّات والزهد، غير إنّنا يمكننا الإشارة إلى بعض الروايات المتعلّقة بالمباحث الكلاميّة.

1 ـ التأكيد على وجود عالم آخر ولزوم الاستعداد له:

أمام تيّار واسع كان يرى بعدم وجود عالم آخر، ويقتصر نظره على الدنيا ويقول: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ[266]) كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يؤكّد على وجود عالم آخر، ينبغي الاعتراف به والاستعداد له. فقد قال(صلى الله عليه وآله): (اعملوا لما بعد الموت فكأنّكم بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل[267]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ العبد إذا كانت الآخرة همّه وسَدَمَهُ جمع الله له ضيعته، وجعل غناه في قلبه، فلا يصبح إلّا غنيًّا ولا يمسي إلّا غنيًّا[268]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ أمامكم عقبة كؤودًا لا يجوزها المثقلون[269]).

وأيضًا: (إنّكم اليوم في دار عمل ولا حساب، وأنتم غدًا في دار حساب ولا عمل[270]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (اهربوا من النّار واطلبوا الجنّة جُهدكم، فإنّ الجنّة لا ينام طالبها، وأنّ النّار لا ينام هاربها، وأنّ الآخرة محفوفة بالمكاره، وأنّ الدنيا محفوفة بالشهوات واللذّات[271]).

2 ـ القبر:

هناك روايات تشير إلى القبر وعذابه أو نعيمه، ودور الأعمال في القبر، وهي بدورها ردّ غير مباشر على منكري الحياة بعد الموت.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لقيس بن عاصم: (إنّه لا بدّ لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ وتدفن معه وأنت ميّت، فإن كان كريمًا أكرمك وإن كان لئيمًا أسلمك، ثمّ لا يحشر إلّا معك ولا تبعث إلّا معه، ولا تسأل إلّا عنه، فلا تجعله إلّا صالحًا فإنّه إن صلح أنست به، وإن فسد لا تستوحش إلّا منه، وهو فعلك...[272]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (القبر حفرة من جهنّم، أو روضة من رياض الجنّة[273]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (المسلم إذا سئل في القبر يشهد: أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، فذلك قوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة[274]).

وعنه(صلى الله عليه وآله) لمّا وقف على قتلى بدر: (يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربّكم حقًّا؟ قالوا: يا رسول الله وهل يسمعون؟ قال: يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون[275] ).

3 ـ البعث والحساب:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إذا بعث الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات: يا معشر الموحّدين إنّ الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض[276]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (ليبعثنّ الله تعالى أقوامًا يوم القيامة في وجوههم النّور على منابر اللؤلؤ يغبطهم النّاس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، هم المتحابّون في الله من قبائل شتّى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه[277]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (والذي نفسي بيده ليخرجنّ من أمّتي من قبورهم في صورة القردة والخنازير بمداهنتهم في المعاصي، وكفّهم عن النهي وهم يستطيعون[278]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّ النّاس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النّار، وفوج يمشون ويسعون، يُلقي الله الآفة على الظهر، فلا يُبقي ذات ظهر حتّى إنّ الرجل لتكون له الحديقة المعجبة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها[279]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (يُحشر النّاس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها مَعلم لأحد[280]).

4 ـ الشفاعة:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد معي، وكنت إمام المرسلين، وصاحب شفاعتهم[281]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أنا أوّل من يدخل الجنّة وأوّل من يشفع[282]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (إنّي لأشفع فأُشفع حتّى إنّ مَن أشفع له يشفع فيشفّع، حتّى إنّ إبليس يتطاول طمعًا في الشفاعة[283]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريّتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه[284]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (أما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم[285]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (شفاعتي لأمّتي من أحبّ أهل بيتي[286]).

وقال(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): (بشّر شيعتك أنّي شفيع لهم يوم القيامة وقت لا تنفع إلّا شفاعتي[287]).

5 ـ الخلود:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنّ المرد إلى الله، إلى جنّة أو نار خلود بلا موت وإقامة بلا ظعن[288]).

وعنه(صلى الله عليه وآله): (من كتب عليه الخلود لم يخرج منها أبدًا[289]).

وفي لفظ آخر: (يدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار ثمّ يقوم مؤذّن بينهم فيقول: يا أهل الجنّة لا موت، ويا أهل النّار لا موت، كل خالد فيما هو فيه[290]).

*   *   *

هذا تمام الكلام في الدور النبويّ العقدي، وهو الدور التأسيسي الأوّل، ولم نكن بصدد إحصاء جميع ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله)، بل اكتفينا في كل موضوع على بعض الروايات، لنبيّن المعالم العامّة.

وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله الميامين.

فهرس المصادر

نهج البلاغة، جمع وترتيب الشريف الرضي، تحقيق السيّد هاشم الميلاني، الطبعة الأولى، العتبة العلويّة المقدّسة.

السيرة النبوّية، ابن هشام، طبع عام 2009م دار ومكتبة الهلال.

البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي.

تاريخ اليعقوبي، الطبعة الثانية عام 2010م دار صادر.

المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، دار إحياء التراث العربي.

موسوعة العقائد الإسلاميّة في الكتاب والسنّة، محمّد الريشهري، الطبعة الثالثة عام 1429هـ دار الحديث قم.

مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني، الطبعة السابعة، مؤسّسة الإمام الصادق(عليه السلام).

صحيح البخاري طبع عام 1401هـ، دار الفكر.

الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، طبع عام 1365ش، دار الكتب الإسلاميّة.

المسند، أحمد بن حنبل، دار صادر.

كنز العمال، المتّقي الهندي، مؤسّسة الرسالة عام 1409هـ.

ربيع الأبرار، الزمخشري طبع عام 1412هـ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

التوحيد، الشيخ الصدوق ابن بابويه، مؤسّسة النشر الإسلامي.

التفسير الكبير، الفخر الرازي، نسخة مكتبة أهل البيت(عليهم السلام) الإلكترونيّة.

الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، الطبعة الأولى 1401هـ، دار الفكر بيروت.

بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسي، طبع عام 1403هـ، دار إحياء التراث العربي.

تفسير القمي، طبع عام 1387هـ مطبعة النجف.

المعجم الكبير، الطبراني، طبع عام 1405هـ، دار إحياء التراث العربي.

عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الإحسائي، الطبعة الأولى عام 1405هـ، مطبعة سيّد الشهداء قم.

الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي، الطبعة الأولى المحققة عام 1417هـ مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، الطبعة الثانية 1427هـ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، طبع عام 1434هـ، دار عالم الكتب.

عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الشيخ الصدوق، طبع عام 1404هـ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

صحيح مسلم، منشورات دار الفكر.

الاختصاص، الشيخ المفيد الطبعة الثانية عام 1414هـ، دار المفيد للطباعة.

كفاية الأثر، الخزاز القمي، طبع عام 1401هـ، انتشارات بيدار.

تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، الطبعة الرابعة عام 1365ش، دار الكتب الإسلاميّة.

موسوعة الحديث النبوي عقيدة وشريعة وخلقًا، باهتمام كاظم مدير شانه جي وآخرون، العتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الأولى عام 1434هـ.

موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة، إعداد ونشر مكتبة المرجع الديني السيّد المرعشي.

 

-----------------------------------


[1]* ـ اعتمدنا كثيرًا في تدوين هذا المبحث على كتاب موسوعة الحديث النبوي عقيدة وشريعة وخلقًا باهتمام كاظم مدير شانه جي، وكذلك موسوعة العقائد الإسلامية في الكتاب والسنة للشيخ الريشهري.

- مدير المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.

[2]-  نهج البلاغة، الخطبة : 1.

[3]-  نهج البلاغة، الخطبة 26.

[4] - م ن، الخطبة 195.

[5]-  م ن، الخطبة 2.

[6]-  م ن، الخطبة 2.

[7]-  م ن، الخطبة 147.

[8]- م ن، الخطبة 2.

[9]- م ن، الخطبة 147.

[10]- نهج البلاغة، الخطبة 94.

[11]-  م ن، الخطبة 166

[12]-  م ن، الخطبة 151.

[13]- السيرة لابن هشام 1: 73، عنه البداية لابن كثير 2: 458.

[14]- م ن 2: 73-74.

[15]- م ن 2: 78.

[16]- سورة العنكبوت، الآية: 61.

[17]- سورة الزمر، الآية 3.

[18]- تاريخ اليعقوبي 1: 257.

[19]- المفصل 6: 458.

[20]- تاريخ اليعقوبي 1: 257.

[21]- سورة الحج، الاية: 17.

[22]- المفصل 6: 543.

[23]- المفصل 6: 551.

[24]- تاريخ اليعقوبي 1: 254.

[25]- سورة الزمر، الآية: 3.

[26]- سورة إبراهيم، الآية: 10. 

[27]- صحيح البخاري 2: 97/ باب في الجنائز.

[28]- سورة الروم، الآية: 30.

[29]- الكافي للكليني 2: 13.

[30]- كنز العمال 1: 266 ح 1336.

[31]- سورة العنكبوت، الآية: 65.

[32]- سورة يونس، الآيتان: 22-23.

[33]- كنز العمال 3: 381 ح 7047.

[34]- ربيع الأبرار للزمخشري 4: 26.

[35]- التوحيد للصدوق: 285 ح5.

[36]- بحار الأنوار للمجلسي 95: 204 ح 37.

[37]- م ن 86: 282 ح 45.

[38]- التوحيد للصدوق 44 ح4.

[39]- عوالى اللئالي 4: 132 ح 226.

[40]- م ن 4: ج 227.

[41]- عوالى اللئالي 4: 132 ح 227.

[42]- تفسير الرازي 29: 17.

[43]- الجامع الصغير للسيوطي 1: 515 ح3347.

[44]- كنز العمال 3: 106 ح 5704.

[45]- بحار الأنوار 57: 348 ح 44.

[46]- تفسير القمي 2: 10، البحار 18: 327 ح 34.

[47]- المعجم الكبير للطبراني 6: 148.

[48]- عوالى اللئالي 4: 107 ح 158.

[49]- سورة الأعراف، الآيتان: 172-173.

[50]- تفسير الميزان 8: 311/ سورة الأعراف.

[51]- الميزان 8: 314.

[52]- البحراني: البرهان في تفسير القرآن 3: 236 ح 4؛ الكافي، 2: 9 ح3.

[53]- الدرالمنثور للسيوطي 6: 654

[54]- م ن 6: 657.

[55]- م ن 6: 657.

[56]- الدرالمنثور للسيوطي، 6: 658.

[57]- سورة المؤمنون، الآية: 63.

[58]- الدرالمنثور للسيوطي، 6: 661.

[59]- م ن 6: 663.

[60]- م ن 6: 664.

[61]- الدرالمنثور للسيوطي، 6: 665.

[62]- م ن 6: 669.

[63]- م ن 6: 671.

[64]- سورة البقرة، الآية: 148.

[65]- تفسير الميزان 8: 332.

[66]- م ن 8: 334.

[67]- مسند أحمد 5: 423 ح16023.

[68]- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) للصدوق 2: 144 ح3.

[69]- كنز العمال 1: 471 ح1781.

[70]- م ن 1: 48 ح136.

[71]- بحار الأنوار 9: 294 ح5.

[72]- م ن 3: 3 ح3.

[73]- صحيح مسلم 1: 41.

[74]- التوحيد للصدوق: 23 ح 18.

[75]- البحار 77: 106 ح1.

[76]- التوحيد الصدوق 270 ح6.

[77]- البحار 94: 218 ح17.

[78]- البحار 93: 259 ح1.

[79]- البحار 91: 396.

[80]- المعجم الكبير للطبراني 7: 291 ح7167. 

[81]- مسند أحمد 9: 48 ح23188.

[82]- السيرة لابن هشام 1: 206.

[83]- م ن 1: 207.

[84]- التوحيد للصدوق: 45 ح4.

[85]- البحار 94: 391.

[86]- البحار 90: 262 ح1.

[87]- مسند أحمد 2: 168 ح4318.

[88]- التوحيد للصدوق 194 ح8.

[89]- كفاية الأثر للخزاز: 12.

[90]- كنز العمال 1: 248 ح1252.

[91]- كفاية الأثر للخزاز 12.

[92]- كنز العمال 1: 474 ح2061.

[93]- الاختصاص للمفيد: 34.

[94]- البحار 92: 340 ح1.

[95]- البحار 91: ح7.

[96]- م ن 91: 213 ح10.

[97]- البحار 91: 219 ح18.

[98]- سورة الأعراف، الآية: 28.

[99]- سورة الأنعام، الآية: 148.

[100]- سورة النحل، الآية: 35.

[101]- البحار 94: 397.

[102]- الاحتجاج 1: 140 ح32.

[103]- صحيح مسلم 4: 1994 ح55.

[104]- كفاية الأثر للخزاز: 57.

[105]- عوالي اللئالي 4: 103.

[106]- راجع موسوعة العقائد الإسلاميّة للريشهري 6: 31-35.

[107]- المعجم الكبير للطبراني 10: 262 ح106060.

[108]- كنز العمال 1: 115 ح539.

[109]- م ن 1: 119 ح561.

[110]- الفردوس 4: 146 ح6448.

[111]- كنز العمال 1: 119 ح565.

[112]- راجع البحار 5: 97-100.

[113]- المعجم الأوسط 40: 45 ح3573.

[114]- التوحيد: 368 ح7.

[115]- كنز العمال 1: 107 ح489.

[116]- المعجم الأوسط 8: 381 ح8938.

[117]- سنن الترمذي 4: 451 ح2144.

[118]- كنز العمال 1: 106 ح480.

[119]- سنن الترمذي 5: 7 ح2610.

[120]- كنز العمال 1: 106 ح484.

[121]- كنز العمال 1: 129 ح607.

[122]- م ن 1: 126 ح596.

[123]- البحار 97: 140.

[124]- الكافي 2: 581 ح16.

[125]- التوحيد: 371 ح11.

[126]- تحف العقول: 48.

[127]- التوحيد للصدوق: 400.

[128]- التوحيد للصدوق 401.

[129]- المعجم الكبير للطبراني 8: 40 ح7317.

[130]- المعجم الكبير 11: 178 ح11560.

[131]- م ن 7: 128 ح6588.

[132]- صحيح مسلم 4: 2041 ح9.

[133]- سنن أبي داود 4: 224 ح4696.

[134]- كنز العمال 1: 109 ح509.

[135]- عوالي اللئالي 1: 292 ح165.

[136]- مسند أحمد 8: 242 ح22105.

[137]- سورة فاطر، الآية: 15.

[138]- الفردوس 5: 261 ح8126.

[139]- الطبقات الكبرى 3: 574.

[140]- كنز العمال 2: 443 ح4450.

[141]- سنن ابن ماجة 1: 35 ح90.

[142]- مكارم الأخلاق 2: 7 ح1987.

[143]- أسد الغابة 5: 338 رقم 5297.

[144]- المستدرك على الصحيحين 1: 669 ح1813.

[145]- كنز العمال 16: 137 ح44166.

[146]- التوحيد: 47 ح10.

[147]- البحار 5: 60 ح112.

[148]- البحار 77: 140 ح22.

[149]- الكافي 1: 158 ح6.

[150]- راجع موسوعة العقائد الإسلاميّة 6: 298.

[151]- سورة الأنبياء، الآية: 35.

[152]- البحار 81: 198 ح55.

[153]- البحار 73: 363 ح94.

[154]- جامع الأخبار: 124.

[155]- الكافي 2: 374 ح2.

[156]- كنز العمال 7: 833 ح21597.

[157]- المعجم الأوسط 1: 289 ح943.

[158]- الكافي 8: 82 ح39.

[159]- كنز العمال 1: 27.

[160]- المعجم الكبير 1: 283.

[161]- م ن 2: 177.

[162]- م ن 2: 256.

[163]- م ن 2: 319.

[164]- م ن 2: 226.

[165]- م ن 6: 91.

[166]- كنز العمال 1: 23.

[167]- م ن 1: 23.

[168]- جمع الجوامع للسيوطي 3: 422.

[169]- كنز العمال 5: 313.

[170]- كنز العمال 1: 37.

[171]- كنز العمال 1: 262.

[172]- م ن 1: 25.

[173]- م ن 1: 36.

[174]- م ن 1: 84.

[175]- م ن 1: 72.

[176]- م ن 1: 82.

[177]- م ن 15: 929.

[178]- جمع الجوامع 3: 390.

[179]- م ن 9: 263.

[180]- م ن 4: 234.

[181]- م ن 2: 93.

[182]- الكافي 6: 400.

[183]- كنز العمال 1: 265.

[184]- كنز العمال 5: 314.

[185]- كنز العمال 15: 873.

[186]- م ن 4: 227.

[187]- م ن 4: 210.

[188]- م ن 4: 207.

[189]- م ن 4: 217.

[190]- سورة الأعراف، الآية: 158.

[191]- سورة المائدة، الآية: 48.

[192]- سورة آل عمران، الآية: 84.

[193]- سورة النساء، الآية: 163.

[194]- البحار 18: 180.

[195]- تاريخ الطبري 1: 334.

[196]- تاريخ الطبري 1: 333.

[197]- م ن 1: 333.

[198]- تاريخ اليعقوبي 2: 28.

[199]- تاريخ اليعقوبي 2: 32.

[200]- تاريخ الطبري 1: 342.

[201]- م ن 1: 343.

[202]- للمزيد راجع بحار الأنوار 20: 403، والصحيح من سيرة النبيّ الأعظم للسيّد جعفر مرتضى 16: 237، ومكاتيب الرسول(صلى الله عليه وآله) للشيخ الأحمدي الميانجي رحمه الله.

[203]- البحار 20: 406 ح8.

[204]- للمزيد عن الوفود راجع: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) للسيّد جعفر العاملي رحمه الله، الجزء 28.

[205]- كنز العمال 11: 459.

[206]- م ن 11: 458.

[207]- م ن 11: 458.

[208]- م ن 6: 139.

[209]- م ن 6: 140.

[210]- م ن 11: 422.

[211]- سورة الأعراف، الآية: 144.

[212]- سورة البقرة، الآية: 130.

[213]- سورة ص، 45-47.

[214]- سورة آل عمران، الآية: 33.

[215]- كنز العمال 1: 427.

[216]- م ن 11: 414.

[217]- كنز العمال 11: 423.

[218]- كنز العمال 11: 442

[219]- م ن 11: 402.

[220]- كنز العمال 1: 87.

[221]- م ن  1: 46.

[222]- كنز العمال 1: 105.

[223]- الأحزاب، الآية 40.

[224]- كنز العمال 15: 367.

[225]- م ن 11: 463.

[226]- البحار 54: 79.

[227]- كنز العمال 13: 519.

[228]- كنز العمال 11: 462.

[229]- صحيح البخاري 3: 58/ غزوة تبوك.

[230]- سورة النحل، الآية: 125.

[231]- سورة العنكبوت، الآية: 46.

[232]- سورة البقرة، الآية: 109.

[233]- سورة البقرة، الآية: 111.

[234]- سورة البقرة، الآية: 116.

[235]- سورة المائدة، الآية: 57.

[236]- سورة المائدة، الآية: 49.

[237]- سورة آل عمران، الآية: 61.

[238]- للمزيد راجع البحار 21: 168.

[239]- كنز العمال 7: 453.

[240]- الاحتجاج للطبرسي 1: 27-44.

[241]- المعجم الكبير 2: 87.

[242]- تاريخ الطبري 1: 342.

[243]- صحيح البخاري 8: 87 كتاب الفتن.

[244]- تاريخ الطبري 1: 333.

[245]- الكافي 1: 377.

[246]- م ن 1: 376.

[247]- كنز العمال 12: 301.

[248]- م ن 6: 89.

[249]- الخصال للصدوق: 470.

[250]- الكافي 1: 529.

[251]- البحار 38: 114.

[252]- البحار 38: 104.

[253]- البحار 37: 223.

[254]- الخصال للصدوق: 465.

[255]- الكافي 1: 406.

[256]- الخصال للصدوق: 575.

[257]- من لا يحضره الفقيه 4: 180.

[258]- بشارة المصطفى: 147.

[259]- كنز العمال 14: 264.

[260]- مستدرك الصحيحين 4: 557.

[261]- كنز العمال 14: 263.

[262]- البحار 36: 370.

[263]- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 52.

[264]- سورة المؤمنون، الآية: 115.

[265]- سورة الأعراف، الآية: 187.

[266]- سورة الأنعام، الآية: 29.

[267]- البحار 77: 187.

[268]- كنز العمال 3: 224.

[269]- م ن 4: 210.

[270]- الخصال للصدوق: 51.

[271]- كنز العمال 15: 932.

[272]- الخصال للصدوق: 114.

[273]- كنز العمال 15: 603.

[274]- كنز العمال 15: 632.

[275]- م ن 10: 377.

[276]- كنز العمال 1: 74.

[277]- م ن 1: 438.

[278]- م ن 3: 83.

[279]- م ن 14: 355.

[280]- م ن 14: 359.

[281]- كنز العمال 11: 463.

[282]- م ن 11: 435.

[283]- ذخائر العقبى: 60.

[284]- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 1: 254.

[285]- الخصال: 355.

[286]- كنز العمال 14: 399.

[287]- البحار 68: 98.

[288]- كنز العمال 16: 5.

[289]- جمع الجوامع 7: 266.

[290]- كنز العمال 14: 516.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف