البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 11 / 2021  |  1192المعرفة الاستشراقية، العصر الإمبريالي والسياسات العرقية في القارة الإفريقية خلال القرن 19

محمد البشير الرازقي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2021 م / 1442 هـ
المعرفة الاستشراقية، العصر الإمبريالي والسياسات العرقية في القارة الإفريقية خلال القرن 19

المقدّمة:

شهد القرن 19 تحوّلات عديدة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة؛ حيث كان عصر تغيّراتٍ بامتياز. فقد نشأت الثورة الصناعيّة متشابكة مع ترسّخ الدولة القوميّة خاصّة بعد نهاية الحروب النابليونيّة. طبيعة الدولة ذات السيادة المُدعّمة باحتياجات ثورة صناعيّة (في بريطانيا وفرنسا خاصّة) أنتج منطقًا رأسماليًّا يحتاج لترسيخ وجوده إلى مواد أوّليّة ومجال حيويّ لتصدير البضائع. وضمن هذه السّياقات يمكن لنا أن نفهم تأسيس المستعمرات الأوروبيّة في أجزاء واسعة من العالم، وخاصّة في القارّة الافريقيّة[1]. وقد استند العصر الإمبريالي على القوّة العسكريّة والتقنيّة والاقتصاديّة، وخاصّة قوّة السّرد[2]. وهنا خطر المُستشرق كفاعل اجتماعيّ مُنتج للمعرفة والوصم والصور النمطيّة. وقد احتاجت الدول الاستعماريّة للاستشراق من أجل معرفة الآخر المجهول، وخاصّة لشرعنة وتبرير اللحظة الاستعماريّة في سبيل «المهمّة الحضاريّة» و«عبئ الرّجل الأبيض».

نحاول من خلال هذا المقال أن ندرس مكوّنًا مهمًّا من مكوّنات منظومة السّرد الاستشراقي خلال العصر الإمبريالي ألا وهي ثيمة العرق. كيف تمثّل الاستشراق العرق لحظة استعمار القارّة الافريقيّة؟ وكيف وُظّف العرق لتبرير الهيمنة على القارّة؟ وماهي علاقة العرق بمنظومة الحداثة الأوروبيّة عمومًا سواء من خلال مؤسّسة الدولة القوميّة ذات السيادة أو من خلال المنطق الرأسمالي أو عبر علاقة نزع القيمة عن الوجود وتسليع الوجود الإنساني؟

1. الاستعمار والحاجة إلى السياسات العرقيّة

يحتاج الفعل الاستعماري إلى تسويغٍ وشرعنةٍ، ودواعي التسويغ هي «اقتصاديّة، سياسيّة، عسكريّة، أيديولوجيّة أو إنسانيّة»، أي «غزو أراضي جديدة لتوطين الفائض من السكّان عندنا، وإيجاد أسواقٍ جديدةٍ لمنتجات مصانعنا ومناجمنا والمواد الأوّليّة لصناعتنا، غرس لواء الحضارة في وسط الأعراق السّفلى والمتوحّشة»[3]، ولهذا «يقوم النّظام الكولونيالي على فكرةٍ مُفادها أنّ الإنسانيّة مقسّمة إلى أنواعٍ وأنواعٍ فرعيّة يمكن ممايزتها، وفصلها، وترتيبها، بطريقةٍ هرميّةٍ». فالاحتلال إذًا هو «مؤسّسة تُبنى في بلدٍ جديدٍ من طرف عرقٍ ذي حضارةٍ مقدّمة»؛ من أجل تنوير الشّعوب «المتوحّشة، ولهذا فإنّ السياسات العرقيّة الاستعماريّة هي عبارة عن «دولنة البيولوجي»[4]. فشبكات الهيمنة ضمن السياسات العرقيّة الاستعماريّة ترتكز أساسًا على ثلاثيّة: الثقافة، الدّين، والبيولوجيا، ولضمان فعاليّة عمل هذه الثلاثيّة يتمّ التركيز على السياسات التصنيفيّة وخاصّة التحقيريّة منها، وهي التصنيف، التفريق، الترتيب والمفاضلة. أمّا منطق تنزيل السياسات العرقيّة على الأرض فيعتمد على ثلاثيّة نظريّة، وهي العرق، البيروقراطيّة والتجارة، وهذا النّظري متشابكٌ مع ثلاثيّةٍ تطبيقيّةٍ وهي الأرض، السكّان، والإقليم[5].

من ناحيةٍ أخرى يُبيّن لنا ويليام كافانو (William Cavanaugh) الأسس المصلحيّة والمنفعيّة للسياسات والممارسات الإيديولوجيّة ومن ضمنها السياسات العرقيّة وممارسات العنف، فهذه السياسات «تقوم بشرعنة ترتيباتٍ معيّنةٍ للسّلطة في الغرب الحديث» و«تحديد الآخر والعدوّ، داخليًّا وخارجيًّا، الذي يُهدّد النّظام الاجتماعي والذي يؤدّي دور الشرّير المطلوب لتقوم الدولة القوميّة بحمايتنا منه»[6]. إذًا فإنّ هدف شرعنة السياسات العرقيّة هو المصلحة والربح. وقد اعتمدت سيرورة تشكيل المركزيّة الغربيّة على تقنياتٍ عديدةٍ مثل العوامل الاقتصاديّة والجغرافيّة والدينيّة، وتبقى أهمّ هذه السياسات هي السياسات العرقيّة، أي «إيديولوجيا التفاوت واختزال الآخر»؛ حيث شُرّح الإنسان جسديًّا لمعرفة خصائصه البدنيّة ومميّزات أعضائه، كما درس المناخ الذي نشأت فيه الأجساد[7]، كما حُلّلت أنماط العمل وعلاقتنا بالقوّة والقدرة الجسديّة على إنجاز أشغالٍ معيّنةٍ، بل وُزّعت هذه الأشغال إلى أعمالٍ ذهنيّةٍ وأخرى جسديّة. ولهذا فقد «اقترنت ولادة الغرب الحديث بظاهرة التأصيل العرقي، أي القول بوجود طبائع محدّدة وخاصّة تقف سببًا وراء الحضارة الغربية الحديثة»[8].

ولهذا فقد أصبح الجسد خلال القرن 19، وهو زمن عنوان التوسّع الاستعماري، محلّ رهاناتٍ عديدةٍ، خاصّة تطوّر علمي الانثروبولوجيا والبيولوجيا، إلى جانب تطوّر علم التشريح. فبداية من هذه الفترة ارتبطت «صورة الجسد بالقوّة والاقتصاد والسياسة الحيويّة»[9]. فلا يمكن لنا فهم السياسات العرقيّة بمعزل عن المصالح الاقتصاديّة، فإلى حدود بداية القرن 20 «كانت الرأسماليّة قد وفّرت المعرفة ومعظم التكنولوجيا من أجل تحسين طول العمر...ظلّت فوائد ذلك التقدّم مقصورة إلى حدّ كبير على الأراضي التي استقرّ فيها البيض، وحتّى هناك جرى توزيع الفوائد بشكلٍ متفاوتٍ وفقًا للطبقة والجنوسة والعرق»[10]. فقط نظر الغرب إلى العالم كمعملٍ شاسعٍ يستمدّ منه المواد الأوليّة ويبيع له السّلع المنتجة، ومن ضمن هذه السّلع نجد الإنسان نفسه. فضمن التجارة الأطلسيّة للرقيق تاجر الرجل الأوروبي ب11 مليونًا و698 ألف من سكّان القارّة الافريقيّة خلال الفترة الفاصلة بين 1450 و1900 [11]. وهذه السياسات التحقيريّة أثّرت على طبيعة تعليم الرّجل «الأسود» وعلى العمر المتوقّع، ففي سنة 1900 كان العمر المتوقّع للأميركي الأبيض 46.6 سنة وللأميركي من أصل إفريقي 32.5 سنة[12]. إذًا، فإنّ السياسات العرقيّة الاستعماريّة تُؤدّي «بشكلٍ شبه فوريٍّ إلى وصم المغلوبين بأنّهم كائناتٌ أدنى منزلةٍ» و«أعراقٌ منحطّةٌ»[13]. كما «أصبحت عرقنة الشّعوب المغلوبة جزءًا من الذّوق العام لدى الطبقات الحاكمة» خاصة في تكفّل أوروبا ب»المهمّة الحضاريّة» تجاه المستعمرات وتحمّلها «عبء الرجل الأبيض»، ولكن يبقى لبّ رحى كلّ هذه الخطابات والإيديولوجيات هو المنفعة والربح الاقتصادي، فمع «الغزو البريطاني والفرنسي لمعظم مناطق إفريقيا جنوب الصحراء ووسط إفريقيا وشرقها وجنوبها، كان هناك تدفّقٌ جديدٌ للخُطب والكتابات عن أهداف المهمّة الحضاريّة وأساليبها في إفريقيا»[14]، ولكن استنادًا على هذه الخطابات والسرديّات و«باسم العرق نُزعت الصفة الإنسانيّة عن شعوبٍ بكاملها وأكرهت على العمل بالقوّة وأُبيد مئات الآلاف أو اقتلعوا من مواطنهم»[15]، فرأس المال «لا يمكنه الاستغناء عن دعاماتٍ عرقيّةٍ في سعيه للتغلّب على أزمات التراكم»[16]. وسجّل نتيجة أخرى انجرّت عن هذه المنظومة الاقتصاديّة/الاستعماريّة الجديدة، فقد نشأت مناطق طرفيّة مقابل أوروبا «المركز»؛ حيث «تشكّلت الأطراف بصورتها المعاصرة في ذلك الوقت في ظلّ الغزو الاستعماري»، كما برزت ظاهرة «التخصّص الدولي»؛ حيث أصبحت المناطق المُستعمرة تُنتج الغذاء والمواد الأوّليّة لصالح أوروبا الصناعيّة[17].

نستنتج إذًا أنّه لا يمكن لنا أن نفصل بين الفعل الامبراطوري الاستعماري والممارسات الثقافيّة. ففي سنة 1878 كانت أوروبا تستحوذ وحدها على 67% من سطح الكرة الأرضيّة، وفي سنة 1914 وصلت النسبة إلى 85%؛ حيث «لم تكد تبقى زاوية واحدة من زوايا الحياة لم تمسّها حقائق الإمبراطوريّة، فقد كانت اقتصاديات البلدان الأوروبيّة نهمة لأسواق ما وراء البحار، وللمواد الخام وللعمالة الرخيصة والأراضي التي تدرّ أرباحًا طائلةً»[18]. وضمن هذه المنظومة، وُظّفت الممارسات الثقافيّة كالرواية والمسرح والأوبرا لترسيخ التفاوتات العرقيّة ولتأسيس «قلب الظلام» وافتراض «أولويّة الغرب، بل مركزيّته الكاملة»[19]. فحسب رواية جوزاف كونراد «قلب الظلام» كان «الاستقلال وقفًا على البيض والأوروبيين، وكان للشعوب الأدنى أو الخاضعة أن تُحْكَمَ فقط. ولقد شعّ العلم والمعرفة والتاريخ من الغرب، وعنه صدرت»[20]. وهذا الأمر نفسه ينطبق على موسوعة «وصف مصر» وهي مُؤلّف من 24 مجلّدًا كتبها العلماء المرافقون لحملة نابليون على مصر، التي ساهمت في ترسيخ فكرة «اعتبار تاريخ العالم بأكمله قابلًا للمعاينة من قبل ذاٍت غربيّةٍ فائقةٍ»، ولهذا فقد «أدّى المثقّفون في هذا كلّه دورًا هامًا،...في مجال تقاطع التجربة والثقافة الذي حوا ميراث الامبرياليّة؛ حيث تتمّ سياسات التأويل الدنيوي من أجل رهاناتٍ عاليةٍ جدًا»[21].

يُبيّن لنا فيكتور كيرنان التقنيات التي وظّفتها السّلطات الاستعماريّة لإنجاح مشاريعها، فمثلًا «على مدى قرن من الزّمان تصرّف الإنكليزي في الهند مثل نصف إله...وأيّ إضعاف لهذه الثّقة في أذهان الإنكليز أو الهنود سيكون خطرًا»، ولهذا «سيكون من الأصعب على نصف الإله التخلّي عن سلطته مقارنة حتّى بالدكتاتور»[22]. كما اعتمد الإنكليز على سياسة «النّأي المدروس» أي تجنّب اختلاط الأجساد فهي غير متساويةٍ، و«يجب أن يبقى الهنود كلّهم على مسافةٍ منه (أي الإنكليزي) باستثناء الخدم»[23]. ولكن المميّز للحظة استعمار إفريقيا أنّها رُبطت أساسًا ووجوديًّا بسياسات العرق؛ «حيث طوّقت هالة من العبوديّة الأفارقة بصفتهم عرقًا، وعبّرت عنها مثلًا يافطة في أحد فنادق أمستردام تُصوّر زنجيًّا مكبّلًا بالسلاسل يجثم أمام قدمي تاجر أبيض يُدخّن الغليون»[24]. والمُثير في سيرورة استعمار القارة الافريقيّة أنّ فعل الاستعباد تشابك مع تطوّر التقنيات والنظريّات العلميّة والرغبة في الاستكشاف، فقد «أدّت مطاردة النخّاسين في شتّى أنحاء إفريقيّة إلى زيادة المعرفة بالقارّة»[25]. كما وظّف الاستعمار في إفريقيا سياسة «فرّق تسد» من أجل إحكام السيطرة على القارّة؛ حيث تمّ استخدام «قبيلة افريقيّة ضدّ أخرى»، وتمّ استغلال «العبيد» في كلّ أنواع العمل الشاقّة، أما الضعفاء منهم «فقد اعتبروهم حشرات طفيليّة يجب إبادتها عند مصادفتها»[26]، أي قمّة تسليع الجنس البشري. ولهذا فقد كانت الكولونياليّة ممارسة عسكريّة بامتياز، ولكنّها مغلّفة بالمبرّرات الايديولوجيّة خاصّة في ظلّ طغيان المدّ القومي في البلدان الاستعماريّة حيث تُعتبر الجغرافية والعرق هما المحدّدين الرئاسيين لمصلحة «الوطن»، ففي «جميع البلدان الأوروبيّة أصبحت القوميّة أسلوبًا في الحياة»[27]، رغم التوجّس منها منذ بداية انتشارها خلال القرن التاسع عشر، فمثلا «لم يستقرّ رأي ماركس وانجلز وبشكلٍ نهائيٍّ حول الموقف الذي ينبغي اتّخاذه من القوميّة...كان ماركس يُفضّل الحديث عن نفسه كمواطنٍ في هذا العالم»[28].

ساهمت الفترة الاستعماريّة إذًا في أفريقيا في تركيز نواة للدولة القوميّة السياديّة ذات هواجسَ ومتخيّلاتٍ وماضٍ عرقيٍّ جليٍّ؛ حيث اعتمد الفعل الاستعماري على التبشير ونشر السياسات التعليميّة ونشر المدارس، وبناء «نظام اقتصادي استعماري» مثل تركيز شبكة سكك حديديّة وتحسين جودة الطرقات وبناء الموانئ وتطوير الفلاحة، وترسيخ تحوّلات على مستوى الممارسة السياسية مثل بداية بروز البرلمانات والأحزاب[29]، هذا من دون إغفال الأطر الإيديولوجيّة وهي الأرض واللّغة والعرق. ولكن بقي الدِّينُ ممارسة مرتبطة بالحياة اليوميّة للفاعلين الاجتماعيّين رغم ما بذلته الدولة القوميّة من جهدٍ لتحييزه واستيعاب أدواره وتأميمه لصالحها من خلال «الطائفيّة المتأصّلة في فكرة الدولة القوميّة -التوجّه نحو أيديولوجيّة مجانسة للوحدة»[30]. فسعي الدولة السياديّة للهيمنة على المجال الديني استرجع مرّة أخرى السياسات العرقيّة، أوّلًا من خلال سيرورة الدولة القوميّة نفسها التي ترتكز أساسًا على مثلّث: اللغة، الأرض، والعرق. وثانيًا عندما عجزت الدولة القوميّة على القيام بدور الدِّينِ، فتمّ استحضار المقدّس والمناشدات الطائفيّة –من قبل الدولة نفسها- كجزء «من محاولة أكثر اتّساعًا لإعادة توجيه القلق واليأس الاجتماعي والاقتصادي بعيدًا عن انتقادات الرأسماليّة أو سياسة الدولة»، و«يعكس هذا التوجّه تأليهًا للدولة وبالتالي الأمّة، وشيطنة متزامنة لأولئك الذين كان ينظر إليهم على أنّهم معارضون للمصلحة الوطنية»[31].

2. العصر الإمبريالي وتسليع الإنسان: النّأي عن القيمة

نرتكز خلال هذا الفصل على مدوّنةٍ مصدريّةٍ مهمّةٍ، وهي جريدة الرائد التونسي التي تأسّست في البلاد التونسيّة سنة 1860. نسجّل بداية وعي المشرفين على الرائد بطبيعة التوازنات العالميّة وغلبة منطق الرأسماليّة؛ حيث نجد في أحد المقالات أنّه «قد اجتمعت سفراء الدول الكبار في باريس من أجل المداولة على قضيّة برّ الشّام»[32]. ويتبيّن لنا هذا التنافس العالمي حول احتكار النّفوذ والأسواق من خلال الصراع بين فرنسا وانجلترا حول «تخفيف مرسوم الكمرك على أصناف عدّة من البضائع الفرنسيّة المرسلة إلى بلاد الإنكليز والبضائع الانكليزيّة التي تدخل إلى فرانسا»، واشتدّ هذا الصراع خاصّة في مجال المنسوجات وصناعة الكاغذ، فقد «شرعوا آنذاك في تجريب بعض النباتات الليفيّة التي تصلح لصنعتهم ليرو أيّ نوع منها أنسب لعمل الورق من جهة الشغل والكلفة، ففي أيّامنا هذه من حاول شيء في أوروبا يشتهر خبره بطرفة عين وتأخذ الصحايف في التكلّم عليه ويُباشر النّاس في تجربة ذلك الشيء حتّى يبلغ في أقرب زمن إلى إحدى غايتيه إمّا الإهمال أو الإكمال»[33].

وقد فرض السياق العالمي على الرائد الاهتمام بمسألة «ماهية وأصل التجارة» و«منافع التجارة» و«الصناعة» من دون نسيان أهميّة «الفلاحة»[34]. وتدلّل مقالات الرائد على تشابكها مع رهانات زمانها، حيث تُحيلنا بعض المقالات على تشابك الصّور النّمطيّة والوصم الاستعماري للمستعمرات مع الرغبة في الربح ومنطق الرأسماليّة. ففي مقال بعنوان «رأي الانجليز في أفريقية» نجد أنّه قد «اجتمع كثير من أكابر تجّار الإنكليز في مانشستر للمفاوضة في تشكيل لجنة منهم يكون من همّها تمهيد سبل التجارة بالبضاعة الإنكليزية في افريقيّة، ودعوا إلى محفلهم الموسيو ستانلي الرحّالة المشهور»، وافريقيا حسب المقال قارّة غنيّة «فيها من الحيوان والمعدن والنبات ما في سائر القارات بل هي أوفر من أوروبا وأمريكا ثروة لأنّها بكر لم تعبث بها أيدي المكتشفين»[35]، ويُعدّ مصطلح «بكر» من أخطر الصّور النمطيّة التي شرعن بها الاستعمار هيمنته على أراضي وشعوب كثيرة. وقد وظّف مصطلح آخر وهو «المدنيّة» لشرعنة السيطرة على الأراضي والبلدان، ففي مقال بعنوان «إدخال التجارة إلى إفريقيّة» نجد أنّ «الآراء الآن متوجّهة إلى إفريقية، وقد اتّخذت بعض الأمم جميع الوسائل لتوسيع نطاق علاقاتها التجارية في دواخل هذه القارة لفتح باب التمدّن فيها»، ولا يمكن أن نعزل منطق «التمدّن» على السياسة التبشيريّة أو البحث العلمي والأكاديمي، وهذا الذي يبرزه هذا المقال نفسه؛ حيث نجد «المساعي التي سعى فيها أحد قسّيسي الانجليز ليُحوّل أمّة الزولوس إلى الديانة النصرانية»[36]. ولهذا فقد «قرّ قرار الجمعيّة الملكيّة الجغرافية على بذل ما في وسعهم للاكتشاف على داخليّة قارّة افريقية وإدخال التجارة الأوروبيّة إليها...ليس بخاف لدى كلّ ذي بصيرةٍ أنّ السّفن البخاريّة قد صيّرت المخابرات سهلة جدًا بين شرقي افريقيّة وأوروبا...ولا بدّ من أن تكون باعثًا عظيمًا على ترويج مصالح التّجارة في داخليّة القارة»[37].

ويُحيلنا مقال آخر إلى اشتداد المنافسة بين الدول الرأسماليّة وبداية تزعزع مكانة بريطانيا كقوّةٍ عظمى وحيدة، فمنذ «خمسين عامًا» كانت معامل «لانكشير» لصناعة القطن «تقصدها «جميع أمم الأرض «أمّا الآن فقد أشرف على الزوال عزّ هذا الإقليم وكسدت سوق تجارته وتوقّف دولاب معامله، فإنّ أكثر أهالي أوروبا وأميركا قد فتحوا معامل لنسج الأقمشة القطنيّة في بلادهم وأخذوا يبارون الأقمشة البريطانيّة في الجودة ورخص الثمن وصاروا ينقلون ما زاد عن احتياج بلادهم إلى أقطار الدنيا وصاروا يضرّون بتجارة الانجليز... بل أنشأوا معامل في الأقطار الهنديّة في قلب استهلاكاتنا وفي مركز التجارة البريطانية»، وكان من توصيات المشرفين على مصالح التجارة البريطانية أنّه «علينا أن نفتح أبوابًا جديدةً في أراضٍ جديدةٍ للتجارة مع قوم يحتاجون إلى أموالنا... وهذه البلاد التي نحن عازمون على افتتاح التجارة فيها هي قارة افريقية»[38].

ولم يكتفٍ مشرفو الرّائد على مواكبة نهم الرأسماليّة، بل تعدّدت المقالات التي تتحدّث عن أحوال أوروبا الداخليّة خاصّة الاحتجاجات والثورات وأهمّها «كومونة باريس»، والطريف أنّ مقالًا ذكر كارل ماركس باعتباره أحد محرّكي هذه الثورة، حيث نجد: «قرأنا في أحد جرنالات إيطاليا أنّ المحرّكين للثورة رجلان أحدهما بروسياني اسمه كارل ماركس وهو مقيم الآن بلندرة والآخر آسي...وآسي هذا كان مديرًا وناظرًا على الصناع في معمل...وأمّا السنيور كارل ماركس فقيل أنّه كان كاتب سرّ الكونت بزمارك في 1857»، وقد أبرز المقال وعيًا دقيقًا برهانات هذه الثورة، فقد «سبقت العادة لنابليون وأهل حزبه في تهييج الرعاع وأهل الفساد بدعوى طلب الحرية حتّى يكرهها الأعيان والأغنياء...أما مساهمة بزمارك فقيل فيها أنه قصد بذلك زيادة إضعاف فرنسا حتى تعجز بالكلية عن الفكر في أخذ ثأرها من جرمانيا في المستقبل»[39]. ونتبيّن من خلال مقالٍ آخر الأزمة الشاملة التي مرّت بها أوروبا في سبعينيات القرن التاسع عشر، فقد تراكمت الديون على كلّ الدول، فدَيْن فرنسا مثلا كان 870 مليون ليرة إسترليني (21 ألف و750 مليون فرنك) و«ذلك يزيد على دين الدولة الانجليزيّة بألف وسبعمائة وخمسين مليون فرنك»[40]، وإذا قسّمنا مقدار الدين الفرنسي على «الأنفس المتألّفة منها أمّة فرنسا يكون لكلّ واحد منهم سبعمائة فرنك أو ألفان وثمانمائة فرنك على كلّ عائلة»[41]. ومقالات أخرى تتحدّث عن انتشار الفقر في أوروبا مثل مقال حمل عنوان «الفقر في انكلتيرة»، حيث إنّ «الفقر المدقع ألقى نفسه في هذه الأيام الأخيرة في بلاد الإنكليز بحيث تعذّر على أهل الإحسان سدّ أبوابهم»[42].

ونتأكّد من وعي الرائد بأهميّة فهم سياق العصر وروحه وتشابك أخبار العالم من خلال مقال بعنوان «إحصاء مفيد» وهو عبارة عن «جدول يتضمّن تفاصيل ما عليه الدول الستّ في ميزانية المال والرجال»، والدول الستّة وهي الأقوى في أوروبا حينها هي روسيا وإيطاليا وانجلترا وفرنسا والنمسا/المجر وألمانيا[43]. وفي مقال آخر نجد إحصاء ل»أهل أوروبا وتلامذتها ومدارسها»[44]. ويورد الرائد معلومات عن الفرق في القوّة بين دول أوروبا وأميركا. فأمّا «الحالة الاقتصاديّة بأوروبا فهي بالنسبة لأميركا سيّئة جدًّا» بسبب احتواء أميركا على مساحاتٍ فلاحيّةٍ واسعةٍ وثرواتٍ باطنيّةٍ عديدةٍ «بدون احتياج للخارج...منفردة عن بقيّة العالم»، كما أنّ أوروبا عجزت عن فرض السياسة الحمائيّة تجاه السلع الأميركيّة بسبب أنّ «الحبوب والقطن والبترول –زيت الغاز- صارت لدينا من الضروريّات...وقد فهم الأميركانيون عاجلًا نفع هذه الحالة وانتهزوا أحسن فائدة منها؛ إذ إنّ صادرات أوروبا إلى أميركا لم تكن متساوية مع صادراتها المتصاعدة إلى أوروبا...البواخر الأميركانية لا تأتي عندنا ساعية في الوسق من طرفنا، بل تأتي ملآنة وترجع مكتراة»، هذا إلى جانب تخصيص جزء مهمّ لميزانيات الدول الأوروبيّة للتسليح و«ميزانية الحرب» وإهمال الأراضي الفلاحية وعدم استصلاح مساحات واسعة منها، و«عدم وجود المواصلات الرّخيصة، وسوء توزيع المياه»، وثقل الضرائب على الفلاحين، وهذا كلّه عكس أميركا[45]. إذًا فقد «أسهبت الأقلام في هذه الأيّام في ثروة ممالك أميركا»، فقد تميّزت أميركا بثروتها الديمغرافيّة وثروة فلاحيّة هائلة ومناخ مثاليّ يسمح بتنوّع المحاصيل، وبنية تحتيّة لنقل المنتوجات متمدّدة ومرتكزة أساسًا على السكك الحديديّة[46].

وقدّم لنا الرائد في مواضع عديدة الوجه الخلفيّ لمنطق الرأسماليّة المرتكز أساسًا على عامل الربح والفائدة بمعزل عن كلّ ما هو إنسانيّ، فقد «حدثت مناظرة في مجلس الأمّة بانكلتيرة في أمر تجارة الأفيون في الهند، فحكم الجميع أنّها عار على انكلتيرة لكن لم يروا وجوب إبطالها؛ لأنّه يدخل لهم منها في الهند تسعة آلاف ألف ليرة إنكليزية»[47]. فمنطق الربح هنا تغلّب على أضرار تجارة الأفيون الصحيّة والاجتماعيّة في دول المستعمرات.

3. نشأة الدولة القوميّة ذات السّيادة وترسيخ السياسات العرقيّة

هل يمكن أن نعتبر اللحظة الاستعماريّة «حالة استثناء» في ترسيخ السياسات العرقيّة؟

يُخبرنا جورجو أغامبين (Giorgio Agamben) عن صاحب السّيادة: بأنّه من بيده حالة الاستثناء،»[48] حيث «يتمّ ممارسة التدخّل السيادي عبر تعطيل العمل بالقانون».[49] تتشابك هذه الفكرة مع أطروحة خالد فهمي عن «كلّ رجل الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة» حيث أبرز أنّ المصريين كانوا ينظرون بريبةٍ إلى عددٍ مهمٍّ من مؤسّسات الدولة ومن ضمنها الجيش الذي ألصقت به إلصاقًا عملية تحديث مصر.[50] كما لاحظ الباحث رفض المصريّين لأساليب التجنيد الحديثة ومقاومتهم لآليّات المراقبة والضّبط المُستحدثة، فالهروب من التجنيد هو «لبّ المُشكلة التي واجهت محمد علي وأجهزته العسكريّة: فالباشا لم ينجح مطلقًا في إقناع الفلاّحين بالالتحاق بالجيش...ففور انتشار العلم بسياسة التجنيد الجديدة في الريف، استخدم الفلاّحون مختلف الطرق للهرب من وجه رجال الباشا.»[51] فلا يمكن لنا تفهّم توجّس الفاعل الاجتماعي من المنظومة العقابيّة والرقابيّة الجديدة للدولة خلال القرن 19 إلا من خلال فهم إرادة وتوق مؤسّسة الدولة إلى السيطرة واحتكار النّفوذ والمراقبة والعقاب.[52] فقبل هذه الإصلاحات كانت السياسات العقابيّة هي ممارسة مباشرة بين الفقيه/ القاضي وبين المُتّهم،[53] فالفقيه، أمام النّازلة، كان يمتلك هوامش عديدة للمناورة مثل دفع الفدية أو الوساطة الاجتماعيّة أو التوازنات العائليّة والقبليّة والعُرف،[54] إلى جانب مدوّنة فقهيّة ثريّة وواسعة تسمح بالاجتهاد من قَبيلِ «المصلحة المُرسلة،»[55] و«الترجيح،»[56] على عكس مؤسّسة الدولة وهي جهاز مُحايد يُطبّق القوانين،[57] وتتشابك فيه فعل المراقبة بالعقاب والرّدع،[58] مع وعي ورغبة متزايدة في احتكار النّفوذ وتأسيس المركزة[59]، وترسيخ «الانضباط الدّموي» حسب عبارة كارل ماركس (Karl Heinrich Marx) (1818- 1883).[60]

ووصل المؤرّخ التركي جنكيز كيرلي (Cengiz Kirli) إلى هذه الاستنتاجات نفسها عندما درس تمثّلات وممارسات الفاعلين الاجتماعيّين تجاه السياسات «التحديثيّة» التي عُرفت باسم «التنظيمات (Tanzimat)،» حيث أبرز أنّ «مفهوم المراقبة» ومحاولة السّلطة «تشكيل العامّة» وتدخّلها في «التفصيلات الدقيقة لحياة النّاس» من «أجل جعل العامّة مفهومة» هي أحد أهمّ مرتكزات الحداثة.[61] ولهذا يُخبرنا خير الدّين التونسي أنّ سكّان المدن العثمانيّة أنكروا التنظيمات «إنكارًا كليًّا حتّى ظهر في بعض جهات المملكة مبادئ الاضطراب»[62]. كما أنّ «القطاع العريض من سكّان طنجة قد ناهض الإصلاحات» إمّا توجّسًا من ازدياد نفوذ الأجانب أو خوفًا من تزعزع فيم المجتمع وبالتّالي شبكات النفوذ والمصالح الموروثة.[63] و«القرويّين في أحواز طنجة» رفضوا أيضًا الإجراءات التي اتّبعها أعضاء المجلس الصّحي عندما هدّد شبكة علاقاتهم الاقتصاديّة مع سوق المدينة، حيث تمخّض هذا «الاستياء عن قيام مظاهرة شعبيّة حرّكها الفلاّحون أمام أبواب المدينة» في شهر أكتوبر 1878 [64]. وفي إطار آخر يُبرز لنا تيموثي ميتشل (Timothy Mitchell) رفض الفلاّح المصري للإجراءات التي اتّخذتها «الدولة القوميّة الحديثة» خلال القرن 19، حيث «واصل الفلاّحون الهرب من أراضيهم» ورفضوا «التغلغل الذي لم يسبق له مثيل للمناهج الجديدة للسلطة» سواء على مستوى المراقبة أو العقاب أو استغلال ناتج العمل.[65] وهذه الأطروحة نفسها بيّنها الشيباني بنبلغيث عند دراسته للإصلاحات التي شملت الجيش التونسي خلال القرن 19 [66].

 إذًا، فالمسألة تتمحور حول طبيعة مؤسّسة الدولة المُحتكرة لكلّ النّفوذ[67]، والمُخضعة الجسد للهيمنة والرقابة[68]. فتأسيسيًّا «رُبطت الدولة بمنهج علمي مُحايد قيميًّا» وهي نظام «مُدمج» للإنسان والمجال[69]، عكس النّظام المعرفي الفقهي الذي يُعدّ قانونًا «أخلاقيّا» وحميميّا بامتياز[70]، فقد «مثّلت الشريعة قانونًا أخلاقيًّا وتشكّلت من خلال في الوقت ذاته»[71]. كما «كانت الدولة نتاج مجموعة معيّنة من الظّروف والتحوّلات التي مرّت بها أوروبا في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر»[72]. فالدولة القوميّة مرتبطةٌ بتاريخ مراقبة الحواس والأبدان، فقد أُخضع الجسد بداية من الإصلاحات للرقابة الدّائمة من قبل مجلس الصحّة العامّة أو المجلس البلدي، أو للرّدع والعقاب والتعذيب من قبل مجلس الضبطيّة، عكس ما كان عليه قبل ذلك حيث كان يُمثّل شأنًا شخصيًّا حميميًّا[73]. والأخطر هنا أنّ الدولة القوميّة اعتمدت المميّزات الإثنيّة واللغويّة والمحدّدات الجغرافيّة لتأسيس كينونتها. ولهذا يمكن أن نقول إنّ الدولة القوميّة ذات السيادة، التي نشأت أساسًا في أوروبا بداية من القرن 16 وبدأت تُطبّق فعليًّا في العالم العربي والإسلامي في القرن 19 متشابكة مع الهجمة الاستعمارية، اعتمدت كثيرًا على المميّزات العرقيّة لشرعنة وجودها.

الخاتمة:

برزت متغيّرات مهمّة خلال القرن 19 أسّست لممارسات وتمثّلات قاسية لدى الفاعلين الاجتماعيّين. وصلت مؤسّسة الدولة ذات السيادة خلال هذه الفترة لأوجّ توهّجها. بيّن كارل ماركس بوضوح في المجلّد الأوّل من كتابه «رأس المال» العلاقة العضويّة بين مؤسّسة الدولة وممارسة العنف بداية من نهاية القرن 15 وصولًا إلى زمنه أي النّصف الثاني من القرن 19. فـ«سلطة الدّولة» هي «العنف المنظّم والمُركّز في المجتمع...إنّ العنف هو قابلة كلّ مجتمعٍ قديمٍ يحمل في أحشائه مجتمعًا جديدًا. فالعنف ذاته قوّة اقتصاديّة»[74]. تكرّست قوّة الدولة القوميّة ذات السيادة ببروز المدّ الاستعماري وتأسيس العصر الامبريالي، واحتاجت مؤسّسة الدولة ومن ورائها المشروع الاستعماري إلى شرعنة الوجود. وضمن هذه الرهانات لعبت السياسات العرقيّة، إلى جانب اللغة والجغرافيا، دور المُبرّر حيث برزت «الحاجة إلى تقسيم الفضاءات المكانيّة في العالم الجديد غير المعروفة وزعم السيطرة وفرض الهيمنة عليها»[75]. ولهذا فقد كان الجسد هاجسًا أساسيًّا للمشروع الاستعماري، فقد كانت ثيمة العرق «طريقة القمع وطريقة التربية»، كما كان «الاهتمام بالجسم الفردي للرعيّة السياسيّة اهتمامًا عسكريًّا واقتصاديًّا معًا» حيث أسّس الاستعمار «لغة للجسم: عدده وحلته وتحسينه وحمايته»[76].

تبيّن لنا من خلال هذا المقال أنّ العرق كان قاسمًا مشتركًا بين ثلاثة منظوماتٍ فكريّةٍ أثّرت مباشرة في سيرورة القرن 19: ترسّخ الدولة السياديّة، الرأسماليّة، والعصر الإمبريالي. يُشير إيان موريس (Ian Morris) إلى أنّ: «المؤرّخون فقط هم من بوسعهم جمع السرديّات الكبرى للتطوّر الاجتماعي، وهم فقط من بمقدورهم توضيح الاختلافات التي تقسّم البشريّة وكيف يمكنها منعها من أن تدمّرنا»[77]. وقد وظّف الاستعمار السياسات العرقيّة كوسيلةٍ لشرعنة وجوده وطريقة ناجعة لتقسيم البشر وتصنيفهم وتحقيرهم. كما أسّس الاستعمار إلى تسليع الذّات الإنسانيّة ونظر إليها كمصدرٍ أساسيٍّ للطاقة بعيدًا عن كلّ منظومةٍ قيميّةٍ، ولهذا تحدّث أحد وزراء حرب نابليون قبل سنواتٍ قليلةٍ من استعمار الجزائر (1830) «وهو نفسه جندي وعالم، كان مقتنعًا بأنّ أحد أسباب انتصار بريطانيا في حروب نابليون في بداية القرن التاسع عشر كانت هيمنتها على الطّاقة»[78]. وضمن هذه المنظومة الخالية من القيمة بيّنت ماري دالي (Mary Daly) خطر التركيز على الثروات الماديّة بمعزلٍ عن أنسنة السياسات، وأبرزت «مخاطر المبالغة في التركيز على الحالة المادية» بمعزلٍ عن الأبعاد الاجتماعيّة[79]. ومن ناحيةٍ أخرى أبرزت التمثّلات الاستشراقيّة تجاه سكّان القارة الافريقيّة خلال العصر الإمبريالي ابتعادًا كليًّا عن مُعطى «الأخلاق»، ونعني بالأخلاق هنا باعتبارها «علم القواعد التي تسير عليها إرادة الإنسان الكامل لتصل إلى المثل الأعلى»[80]. فقد أنتج الاستعمار متشابكًا مع المعرفة الاستشراقيّة مجموعةً مهمّةً من الصّور النمطيّة والوصم (Stigmatisation) ممّا أنتج ذاكرة معطوبة لجزء مهمّ من التاريخ البشري، و«السبب منسوب إلى امّحاء ذاكرات العوالم التي كانت خارج العالم» حسب تمثّلات المركزيّة الغربيّة لهذا العالم[81]. فقد أسّس «المستشرقون والأنثربولوجيون في مفهوم الطّبع وفي مفاهيم مماثلة طريقة في الوصف العام للشعوب»[82].

 يمكن القول إذًا إنّ الاستشراق كممارسةٍ مُنتجةٍ للقوّة والمعرفة ساهم في تأسيس العصر الإمبريالي الأوروبي في القارّة الإفريقيّة خلال القرن 19. أنتج هذا العصر صورًا نمطيّة وتصنيفاتٍ تحقيريّةً عديدةً، وقد كان العرق أهمّ العناصر التي شُرعن وبُرّر بها هذا المشروع. ثيمة العرق نفسها التي ساهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في تركيز مؤسّسة الدولة القوميّة سواء خلال الفترة الاستعماريّة أو ما بعد الاستعمار.

-----------------------


[1]*. ماجستير في علوم التراث، كليّة العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة بتونس.

.  للتوسّع في هذه النقطة انظر: باغتشي، أميّة كومار: التخلّف واقتصاده السياسي، ترجمة: عبد الكريم محفوظ، لا ط، سورية، منشورات وزارة الثقافة، 1988، ص.61- 162؛ هوبزباوم، إريك: عصر الامبراطوريّة (1875- 1914)، ترجمة: فايز الصيّاغ، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ص.121-172.

[2]- سعيد، ادوارد: الاستشراق: المعرفة. السلطة. الانشاء، ترجمة: كمال أبو ديب، ط7، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 2005.

[3]- أ مبيمبي،شيل: نقد العقل الزنجي، ترجمة: طواهري ميلود، ابن النديم للنشر والتوزيع/ دار الروافد الثقافية ناشرون، بيروت/ الجزائر، 2018، ص.97

[4]-  م.ن، ص.98- 99

[5]-  أ مبيمبي،شيل: نقد العقل الزنجي، ترجمة: طواهري ميلود، م.س، ص.28- 98.

[6]-  كافانو، ويليام: أسطورة العنف الديني، ترجمة: أسامة غاوجي، لا ط، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2017، ص.361.

[7]-   إي نيسبت، ريتشارد: جغرافيّة الفكر: كيف يفكّر الغربيّون والآسيويّون على نحو مختلف ولماذا؟، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة عدد 312، الكويت، فيفري 2005، ص.47-60.

[8]-  إبراهيم، عبد الله: المركزيّة الغربية: إشكاليّة التكوّن والتمركز حول الذّات، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1997، ص.229

[9]-   فولف، كريستوف: علم الأناسة: التاريخ والثقافة والفلسفة، ترجمة: أبو يعرب المرزوقي، الدار المتوسطية للنشر/ كلمة، تونس/أبو ظبي، 2009، ص.203- 229.

[10]- باغتشي، أميا كومار: العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، ترجمة: عمر سليم التلّ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2019، ص.367.

[11]- باغتشي، أميا كومار: العبور الخطر: الجنس البشري والصعود العالمي لرأس المال، م.س، ص.376.

[12]-  م.ن، ص.389.

[13]-  م.ن، ص.393

[14]-  م.ن، ص.404- 408.

[15]-  م.ن، ص.411.

[16]- مبيمبي، أشيل، نقد العقل الزنجي، م.س، ص.113.

[17]-  أمين، سمير: التراكم على الصّعيد العالمي: نقد نظريّة التخلّف، ترجمة: حسين قبيسي، لا ط، بيروت، دار ابن خلدون، د.ت، ص.129- 147.

[18]- سعيد، إدوارد: الثقافة والامبريالية، ترجمة: كمال أبوديب، ط4، بيروت، دار الآداب، 2014، ص.78- 79.

[19]-  م.ن، ص.92.

[20]-  م.ن، ص.94.

[21]-  م.ن، ص.104- 105.

[22]- كيرنان، فيكتور: سادة البشر: المواقف الأوروبيّة من الثقافات الأخرى في العصر الامبريالي، ترجمة: معين الإمام، لا ط، الدوحة، منتدى العلاقات العربيّة والدوليّة، 2017، ص.109.

[23]-  كيرنان، فيكتور: سادة البشر: المواقف الأوروبيّة من الثقافات الأخرى في العصر الامبريالي، م.س، ص.110.

[24]- م.ن، ص.272

[25]-  م.ن، ص.281

[26]- م.ن، ص.300، 305.

[27]- دايفيس، هوراس: القوميّة والاشتراكيّة: النظريّات الماركسية والعماليّة حول القوميّة حتّى عام 1917، ترجمة: فضل شلق، لا ط، بيروت، دار الحقيقة، 1972، ص.138 - 176.

[28]- م.ن، ص.252.

[29]- ب. س. لويد، افريقيا في عصر التحوّل الاجتماعي، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة عدد 28، الكويت، أفريل 1980، ص.55 - 288.

[30]-  سكوت هيبارد، السياسة الدينيّة والدول العلمانيّة: مصر والهند والولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة: الأمير سامح كُريّم، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة عدد 413، الكويت، جوان 2014، ص.335.

[31]- نفس المرجع، ص.343، 346.

[32]- الرّائد التونسي، العدد 2، 29 محرّم 1277/ 17 أوت 1860، ص.2.

[33]- م.ن، العدد 3، 7 صفر 1277/ 24 أوت 1860، ص.2.

[34]- م.ن، العدد 7، 2 شوال 1286/ 5 جانفي 1870، ص4.

[35]- م.ن، العدد 9، 26 صفر 1296/19 فيفري 1879، ص.3.

[36]- الرائد التونسي، العدد 29، 19 رجب 1296/9 جويلية 1879، ص.4.

[37]- م.ن، العدد 11، 16 ربيع الأول 1295/20 مارس 1878، ص.3.

[38]- م.ن، العدد 20، 15 جمادى الأولى 1296/7 ماي 1879، ص.4

[39]-  الرائد التونسي، العدد 6، 5 صفر 1288/ 26 أفريل 1871، ص.2

[40]- م.ن، العدد 17، 23 ربيع الثاني 1288/ 12 جويلية 1871، ص.3

[41]- م.ن، العدد 8، 21 صفر 1297/3 فيفري 1880، ص.2-3

[42]- م.ن، العدد 8، 19 صفر 1296/12 فيفري 1879، ص.4

[43]- م.ن، العدد 29، 22 رجب 1297/30 جوان 1880، ص.

[44]- م.ن، العدد 3، 19 محرم 1298/22 ديسمبر 1880، ص.1

[45]- الرائد التونسي، العدد 49، 14 ذو الحجة 1297/17 نوفمبر 1880، ص.3

[46]- م.ن، العدد 49، 14 ذو الحجة 1297/17 نوفمبر 1880، ص.2-3.

[47]- م.ن، العدد 49، 14 ذو الحجة 1297/17 نوفمبر 1880، ص.4

[48]- «الاستثناء هو تلك المنظومة الأصليّة التي بواسطتها يرتبط القانون بالحياة ويحتويها بداخلها، وذلك من خلال تعليق العمل بالقانون نفسه، فإنّ وجود نظريّة لحالة الاستثناء يغدو شرطا أوليّا لتعريف الصّلة التي تربط الكائن الحيّ بالقوانين، وتتركه تحت هيمنتها في الوقت ذاته». انظر: أغامبين، جورجو: حالة الاستثناء: الانسان الحرام، ترجمة: ناصر إسماعيل، (مصر: مدارات للأبحاث والنّشر، 2015)، ص.41 - 42.

[49]- عجرمة، حسين علي: مُساءلة العلمانيّة: الإسلام والسيدة وحكم القانون في مصر الحديثة، ترجمة: مصطفى عبد الظاهر، لا ط، بيروت، مركز نماء للبحوث والدراسات، 2017، ص.216.

[50]-  فهمي، خالد: كلّ رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة، ترجمة: شريف يونس، الطبعة الخامسة، (مصر: دار الشروق، 2015)، ص.415 - 430.

[51]-  فهمي، خالد: كلّ رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة، م.س، ص.161 - 162.

[52]-  بورديو، بيار: عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس (1989 - 1992)، ترجمة: نصير مروة، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، ص.246.

ويُبيّن وائل حلّاق هذه النقطة بوضوح، فقانون «الدولة القوميّة الحديثة المحكوم بمبدأي المراقبة والعقاب» مختلف تماما عن «أنماط التشريع في الاسلام» المستند أساسا على «عامل الواجب الأخلاقي الحاسم.» انظر: حلّاق، وائل: ما هي الشريعة؟ ترجمة: طاهر عامر وطارق عثمان، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2016)، ص.17 - 18.

[53]- بنبلغيث،الشيباني: النظام القضائي في البلاد التونسيّة، 1857 - 1921، مكتبة علاء الدّين، صفاقس، 2002، ص.23 - 56.

[54]-  بيترز، رودولف: الجريمة والعقاب في الشّريعة: النظريّة والتطبيق من القرن السادس عشر حتّى القرن الحادي والعشرين، ترجمة: محمد سعد كامل، (مصر: عالم الأدب للترجمة والنّشر، 2018)، ص.111- 152؛ لانغ، كريستيان: العدالة والعقاب في المتخيّل الإسلامي خلال العصر الوسيط، ترجمة: رياض الميلادي، (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2016)، ص.395- 402؛ حلّاق، وائل: الشّريعة: النظريّة والممارسة والتحوّلات، ترجمة: كيان أحمد حازم يحيى، (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2018)، ص.625- 947. وقد كانت الجماعات تميلُ قبل ترسّخ مؤسّسة الدولة القوميّة، كما يُشير وائل حلاّق، «إلى تصفية خلافاتها فيما بينها، قبل أن تُذيعها على الملأ وتقرّر الذهاب إلى المحاكم»، هذا إلى جانب توظيف معطى «التحكيم» و«الوساطة،» فالهدف «الأساس للشريعة الاسلاميّة لا يتمثّل ببساطة في مجرّد الفصل في الخلافات، وإنّما هو يروم إعادة المتنازعين مرّة ثانية إلى وضع يمكنهم فيه الاستمرار في التفاوض حول شؤونهم الخاصّة مع بعضهم البعض، مع أقلّ قدر ممكن من الآثار السلبيّة على النّظام الاجتماعي.» انظر: حلاق، وائل، ما هي الشريعة؟، م.س، ص.46 47، 50-51. نقلا عن:

Lawrence Rosen, »Justice in Islamic Culture and Law, « in R. S. Khare Anderson (Ed,), Perspectives on Islamic Law, Justice, and Society (Lanham, Md.: Rowman and Littlefield, 1999): p.39- 40.

[55]- «المصالح المُرسلة هي مصالح لم يرد في اعتبارها أو إبطالها دليل خاصّ من كتاب أو سنّة أو إجماع أو قياس، لكنّها لم تخل من دليل عام يدلّ عليها، فهي إذا لا تستند إلى دليل خاصّ معيّن، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وعموميّاتها.» انظر: العثماني، سعد الدّين: التصرّفات النبويّة السياسيّة: دراسة أصوليّة لتصرّفات الرسول صلى الله عليه وسلّم بالإمامة، (بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، 2017)، ص.193؛ الخادمي، نور الدّين: المصلحة المُرسلة: حقيقتها وضوابطها، (تونس: دار السّنابل للثقافة والعلوم، 1990)، ص.30- 36.

[56]-  «يعني الترجيح نظريّا وبوجه عام ذلك النّطاق المنهجي الذي تدرّب به الفقهاء للتعامل مع الاحتمالات المتصوّرة للخلاف بين الشواهد النصيّة ومناهج القياس الشرعي.» أنظر: وائل حلاّق، «هل يمكن استعادة الشريعة»، ضمن: إيفون يزبك وباربار اشتوفازر (تحرير)، الشريعة الاسلاميّة وتحديات الحداثة، ترجمة: شريف مجدي وعبد الرحمان عادل، (مصر: عالم الأدب للترجمة والنشر، 2019)، ص.43- 96، 59.

[57]-  يقول ماكس فيبر Max Weber في هذا الإطار أنّ مؤسّسة الدولة الحديثة «تفرض مسبّقا الفصل المفهومي للدولة كحامل مجرّد لحقوق السيادة وكخالق لنواميس الحقّ عن جميع الحقوق الشخصيّة المرتبطة بالأفراد.» انظر: ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع. الاقتصاد والأنظمة الاجتماعيّة والقوى المخلّفات: السّيادة، ترجمة: محمد التركي، (بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة، 2015)، 280؛ وقد عبّر بريان نيلسون Brian Nelson عن هذه الفكرة بعبارة «دولة سياديّة وغير مُشخصنة» Impersonality. انظر: بريان نيلسون، صنع الدولة الحديثة: تطوّر نظري، ترجمة: إسماعيل عرفة (بيروت: منشورات ابن النديم/ عالم الأدب للترجمة والنّشر، 2019)، ص.115، 123- 168.

[58]-  ميشال فوكو، المراقبة والعقاب، م.س، ص.77.

[59]-  جويل. س. مجدال: الدولة في المجتمع: دراسة كيف تُحولّ الدول والمجتمعات وتُشكّل بعضها بعضا، ترجمة: محمد صلاح علي، (مصر: عالم الأدب للترجمة والنشر، 2018)، 305- 345؛ هندريك سبروت: الدولة ذات السّيادة ومنافسوها: تحليل لتغيّر الأنظمة، ترجمة: خالد بن مهدي، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018)، ص.29- 40+ 351- 416.

[60]-  كارل ماركس: رأس المال. المجلّد الأوّل: عمليّة إنتاج رأس المال، ترجمة: فالح عبد الجبّار، (بيروت: دار الفارابي، 2013)، ص.915- 925.

[61]- جنكيز كيرلي: «المراقبة وتشكيل الحيّز العام في الامبراطوريّة العثمانيّة»، م.س، ص.48- 50.

[62]- خير الدّين التونسي: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، الجزء الأوّل، تمهيد وتحقيق: لمنصف الشنّوفي، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون: بيت الحكمة، قرطاج، 2000)، ص.138.

[63]-  خلوق، عبد العزيز التمسماني: «الإصلاحات الحضريّة الأوروبية بطنجة وردود الفعل المغربيّة،» ضمن: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (عمل جماعي)، (الرّباط: منشورات كليّة الآداب والعلوم الانسانيّة: جامعة محمد الخامس، 1986)، ص.315- 325، 322.

[64]-  البزّاز، محمد الأمين: المجلس الصحّي الدولي في المغرب (1792- 1929)، (الرّباط: منشورات كليّة الآداب والعلوم الانسانيّة بالرباط: جامعة محمد الخامس، 2000)، 134.

[65]- تيموثي ميتشل: استعمار مصر، ترجمة: بشير السباعي/ أحمد حسّان، الطبعة الرابعة، (مصر: مدارات للأبحاث والنّشر، 2016)، ص.100- 103.

[66]- الشيباني بنبلغيث، الجيش التونسي في عهد محمد الصدق باي، م.س، ص.167- 171.

[67]- ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع، م.س، ص.214.

[68]- تشتمل الشريعة الاسلاميّة على خمسة كليّات وهي حفظ الدّين، والنفس، والعقل، والعرض والمال. فللجسد حُرمته وخصوصيّته، ولهذا أشار الأستاذ خالد فهمي في كتابه «الجسد والحداثة» إلى أنّ أهل مصر خلال القرن 19 نظروا إلى التقنيات الطبيّة الحديثة مثل تشريح الجثث بريبة وخوف «ممّا كان يشهده مجتمعهم من تغييرات كبيرة وممّا كانت تتعرّض له أجسادهم من انتهاكات لخصوصيّاتها على أيدي الدولة الحديثة.» انظر: فهمي، خالد: الجسد والحداثة: الطبّ والقانون في مصر الحديثة، ترجمة: شريف يونس، (مصر: دار الكتب والوثائق القوميّة: مركز تاريخ مصر المعاصر، 2006)، ص.15؛ ويُبيّن لنا ماكس فيبر Max Weber بخصوص هذه النّقطة أنّ «الدّولة هي مؤسّسة شبيهة برابطة سيادة سعت بنجاح إلى احتكار السلطة البدنيّة الشرعيّة كوسيلة للحكم وجمعت لأجل هذا الغرض كلّ وسائل الإنتاج الماديّة في يدي قائدها.» انظر: ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع، م.س، ص.53- 54.

[69]- حلاّق، وائل: الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، الطبعة الرابعة، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، 65- 66+ 73؛ جوردن برانش: الدولة الخرائطيّة: الخرائط والاقليم وجذور السّيادة، ترجمة: جلال عزّ الدّين/ عاطف معتمد، (بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، 2017)، 93- 133؛ وللتوسّع في هذا الإطار مع أخذ نموذج التحديث في مصر وهاجس الدولة لمراقبة المجال والانسان والأبدان، انظر: تيموثي ميتشل، استعمار مصر، م.س، ص.89- 109+ 171- 218.

[70]-  وائل حلاّق، الدولة المستحيلة، م.س، 19؛ وقد استخدم ماكس فيبر Max Weber في هذا الإطار مصطلح «الرّأفة،» وهذا الذي يُناقض منطق مؤسّسة الدولة الحديثة المُستندة أساسا على «الطّريقة المُعقْلنة في البحث عن الحقيقة بالاستناد إلى مفاهيم صوريّة بحتة في مجال الحقوق.» انظر: ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع، م.س، ص.242- 243.

كما يُشير حسين علي عجرمة إلى حالة مصر زمن الإصلاحات ويقول: «أدّى استقدام تقليد القانون المدني إلى مصر عددا من التأثيرات التي استتبعت جميعها إعادة تشكيل وتضييق النطاقات التي تعمل عليها أدوات التدقيق الأخلاقي المتّصلة بالشريعة، وقلّلت من أهميّة بعض القيم المحدّدة التي تشوّفت الشريعة إلى العناية بها.» انظر: عجرمة، حسين علي: مُساءلة العلمانيّة: الإسلام والسيدة وحكم القانون في مصر الحديثة، ترجمة: مصطفى عبد الظاهر، (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2017)، ص.93.

ولم يكن الجدال بين رجال الدّين ومؤسّسة الدولة الحديثة حكرا على الفضاء الإسلامي، فقد شهدت أوروبا جدالا طويلا في هذا الإطار. انظر:

Steffen Führding, »Religion, Privacy and the Rise of the Modern State.« Method and Theory in the Study of Religion, vol. 25, no. 1, (2013): p.118–131, 123

[71]-  حلّاق، وائل: قصور الاستشراق: منهج في نقد العلم الحداثي، ترجمة: عمرو عثمان، (بيروت: الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، 2019)، ص.131- 132.

[72]-  م.ن، ص.187. أصبحت الدولة خلال القرن التاسع عشر «أكثر فاعليّة وتطفّلا بشكل غير مسبوق.» انظر: فهمي، خالد، الجسد والحداثة، م.س، ص.47.

[73]- لدراسة خطورة هذه النُقطة في حالة مصر بعد تركيز الإصلاحات في القرن 19، انظر:

Khaled Fahmy, »The birth of the secular individual: medical and legal methods of identification in 19th-century Egypt,« in Registration and Recognition: Documenting the Person in World History, ed. Keith Breckenridge and Simon Szerter, (Oxford: Oxford University Press, 2012): p.335-356, 353- 354.

ونجد بحوثا أخرى تهتمّ برهانات وخطورة علاقة الجسد بالحداثة، مثل حالة السياسات الحيويّة زمن الثورة الفرنسيّة. انظر:

Dorinda Outram, Body and the French Revolution: Sex, Class, and Political Culture, (New Haven: Yale University Press, 1989).

[74]-  كارل ماركس، رأس المال. المجلّد الأوّل: عمليّة إنتاج رأس المال، م.س، ص.925.

[75]-  برانش، جوردن: الدولة الخرائطيّة: الخرائط والاقليم وجذور السيادة، ترجمة: جلال عزّ الدين/ عاطف معتمد، لا ط، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2017، ص.135.

[76]-  ميتشل، تيموثي: استعمار مصر، ترجمة: بشير السباعي/ أحمد حسّان، ط4، مصر، مدارات للأبحاث والنشر، 2016، ص.173- 218.

[77]-  موريس، إيان: لماذا يُهيمن الغرب اليوم؟ أنماط التاريخ وما تكشفه لنا عن المستقبل، ترجمة: روان القصاص، لا ط، بيروت، مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018، ص.802.

[78]-  يرغن، دانييل: السّعي: بحثا عن الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث، ترجمة: هيثم نشواني/ شكري مجاهد، الدوحة، منتدى العلاقات العربيّة والدوليّة، 2015، ص.953.

[79]-  دالي، ماري: الرّفاه، ترجمة: عمر سليم التلّ، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص.207 - 208.

[80]-  مرحبا، محمد عبد الرحمان: المرجع في تاريخ الأخلاق، لا ط، لبنان، جروس برس، 1988، ج1، ص.32.

[81]-  غراتالو، كريستيان: هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى؟، ترجمة: الهادي التيمومي، لا ط، المنامة، هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2018، ص.202- 203.

[82]-  رشيق، حسن: القريب والبعيد: قرن من الأنثربولوجيا بالمغرب، تعريب وتقديم: حسن الطالب، لا ط، الدار البيضاء، المركز الثقافي للكتاب، 2018، ص.31.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف