البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مسألة الإيمان والأزمة الطائفية

الباحث :  أ. كمال السيد
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  46
السنة :  السنة الثانية عشر صيف 1428هجـ 2007 م
تاريخ إضافة البحث :  December / 20 / 2015
عدد زيارات البحث :  1731
مسألة الإيمان والأزمة الطائفية

أ. كمال السيد (*)

عندما أطلق الخوارج صيحتهم المدوّية «لا حكم إلاّ لله»، فإنهم في حقيقة الأمر قد أحدثوا الزلزال الذي سوف يهزّ العقيدة الإسلامية في الصميم، وأعني مسألة الإيمان.
ولم يكن المسار الحضاري للإسلام، يوقد شمعته الأربعين حتى ظهرت أمواج بشرية تحاول استباحة العالم الإسلامي، وصدرت فتوى تكفير لأول الناس إيماناً بالرسالة.
إن المقاييس التي طرحها الخوارج قادت إلى سلسلة من الانهيارات الفكرية، وكان من الصعب إيقافها، ذلك أن الظروف الاجتماعية والسياسية أدّت الى تراجع كبير وخطير للمبادئ الاسلامية او الى ما يمكن ان يطلق عليه وتسميته بالبدايات الخلاقة التي أحدثتها الشرارة الروحية.
فلقد كان لتصدي الأُمويين المبكر لتيار الخوارج آثاراً مخربة في إحداث حالة من الفوضى الفكرية.
فاذا كان الخوارج قد استخدموا أساليب إرهابية وقتلوا أحد الصحابة، وبقروابطن زوجته الحامل، فان من تصدّى لهم فيما بعد هم الأُمويين وهم لا يقلون قسوة عن خصومهم من الخوارج، إضافة الى أنهم كانوا يمارسون التخريب الفكري الممنهج، ولعل ذلك هو الذي دعا الإمام عليّاً الى ان يقترح عدم قتال الخوارج بعد الإشارة الى مواجهة النظام الأُموي.
ومن خلال بعض الأحاديث النبوية يمكن التقاط إشارات حول ظهور تيار عنيف يتمسك بقشور الاسلام لا يتجاوزها، ومن ثم يندفع كالسيل نحو التخريب
________________________________________
(*) كاتب وأديب، من العراق.

[الصفحة - 224]


الشامل للحياة.
ونكتفي بحديث واحد فقط وهو قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم» (1).
وسنجد حديثاً يدعو الى التأمل بروية، الإمام عليّ (عليه السلام)، عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم» (2).
وتتضمن الجملة الأخيرة من الحديث دعوة لتصفيتهم يعني غياب إمكانية الحوار والتفاهم معهم، (وذلك بعد اخلالهم بأمن المجتمع وانتهاك حقوقه).
وملامح هذا التيار باختصار:
ـ الفظاظة والقسوة (3) (ومردها الى ان الايمان لا يتجاوز حناجرهم).
ـ روح العدوان المتأصّلة.
ـ السطحية في التفكير، بل غياب عملية التفكير (يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم).
ـ التمسك بالقشور فقط (غياب الأصالة في التفكير).
ـ الاندفاع الأهوج في المواقف (يمرقون كما يمرق السهم).
ـ غياب صوت العقل (سفهاء الأحلام).
ـ استمراريتهم وظهورهم عبر فصول التاريخ وفي المناخات المساعدة.
ـ يمثلون الصورة المعكوسة والنقيض للمنابع الصافية لفكر أهل البيت(عليهم السلام).
ـ انعدام الروح الإنسانية (وهذا يمثل خلاصة شخصيتهم).
ـ سهولة انقيادهم من قبل جهات تستغلهم لتحقيق أهداف محددة.
ونحاول هنا ان نعود الى الجزء الأخير من الحديث النبوي الشريف: «لا يجاوز إيمانهم حناجرهم» لنجعل منه المدخل الثاني للموضوع لنتساءل عن مسألة الايمان.
إن قناعتي في هذه المسألة هي ان الايمان ينهض على قدمين: الاعتقاد بالله الخالق الرحمن الرحيم، والعمل الصالح إضافة الى الاعتقاد باليوم الآخر، هذا الاعتقاد يجب ان يكون راسخاً ووجدانياً ويفجر النبع الإنساني في الأعماق {الَّذِينَ آمَنُوا }
________________________________________
(1) صحيح البخاري 6: 114 كتاب التفسير ـ باب من رايا بقراءة القرآن، ط. دار الفكر ـ بيروت، اُفست عن طبعة دار الطباعة العامرة ـ اسطنبول 1401 هـ ، في (8) مجلدات.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) وصل بهم الأمر ان يوافق سجناؤهم في البصرة على اقتراح عبيد الله بن زياد في انقسامهم الى فريقين والتقاتل، حيث يُطلق سراح من يقتل رفيق دربه!

[الصفحة - 225]


{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .
من هنا أرى ان الايمان يقاس بالمضمون والمخزون الإنساني في النفس. جاء في الرسالة القشيرية(4): قال الأُستاذ: المعرفة على لسان العلماء هي العلم، فكل علم هو معرفة، وكل معرفة علم، وكل عالم بالله تعالى عارف، وكل عارف عالم.
المعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى في معاملته، ثم تنقّى عن أخلاقه الرديئة وآفاته.
والمعرفة توجب السكينة في القلب، كما ان العلم يوجب السكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته. انتهى.
وجاء في نهج البلاغة: «أول الدين معرفته )الله(، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له.
وجاء في الأثر: «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء).
هل يمكننا من الاقتراب من الدائرة أكثر، أعني الاقتراب من الإيمان كفعل وكتحول، ونحاول فهم ما يعنيه مصعب بن عمير عندما نفض يديه من كل شيء من أجل ما أعطاه محمد (صلي الله عليه و آله و سلم).
ـ ماذا منحك محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) لكي تتخلى عن الثروة وحياة الرغد؟
ـ محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) منحني السلام.
لماذا نهى النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) عن قتل أبي البختري بن هشام في (معركة بدر الكبرى) الذي سجلت له مواقف إنسانية إبان فترة الحصار في شعب أبي طالب.
جاء في الأثر: هل الدين إلاّ الحب. (الامام الباقر(عليه السلام».
وقال الشاعر:
ما دام قلبك في رحمة لأخ عان فأنت امرءٌ في قلبك الله (5)
وفي منهج النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) التأكيدي في بعض الأحاديث قال النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): «أي عرى الايمان أوثق؟ ويأتي الجواب منه (صلي الله عليه و آله و سلم): الحب في الله.
ولا ينبغي لنا ان نتراجع خطوة الى الوراء أمام ظاهرة الانتحار وقتل الآخرين؛ لأن قتل الأبرياء من فقراء وأطفال ونساء لا يمكن تبريره بفعل يشبه في ظاهره الفعل الاستشهادي (حوادث التفجير في بغداد).
________________________________________
(4) الرسالة القشرية، أبو القاسم القشيري: 141، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
(5) إيليا أبو ماضي.

[الصفحة - 226]


وقد تحدث القرآن مبكراً جداً في الفترة المكية تحديداً، وقبل تشكل المجتمع المدني (المدينة المنورة) عن الذين في قلوبهم مرض، فكما ان القلب الذي هو مركز الايمان، فإنه أيضاً عرضة للمرض، والإشارة هذه في سورة العنكبوت، وكانت في مكة قبل ظهور تيار النفاق.
وفي كثير من الأحيان، بل هو السائد في معظم الظروف ان الإنسان يتلقى عقيدته الدينية من الوسط الذي يحيا فيه، فالبشر لا يعيشون حالة حي بن يقظان الذي وجد نفسه في الجزيرة وحيداً.
ولهذا، فإن معتقدات شخص ما مستمدة في الغالب من المحيط الذي يعيش فيه، فهو يتنفس الأفكار التي تشكل ثقافة مجتمع ما، يعني أنه لا يتلقى العقيدة من القرآن والسنة النبوية. ولهذا، فهو يشبّه من هذه الناحية اللغة التي يتحدث بها الإنسان؛ لأنه يتلقاها مع اُولى رشفات اللبن.
من هنا، فإن العقيدة الدينية التي تتشكل في محيط منسجم تنتج عن ثقافة منسجمة، والعكس صحيح أيضاً، فبقدر ما تكون للعقائد الدينية جذور راسخة في العمق، فان حالات النزاع الطائفي تتراجع فتكون ظاهرة التعدد المذهبي مدعاة للثراء الفكري والحوار بسبب المشتركات الأساسية التي تكون آصرة جذب وتوحّد أقوى من عوامل الطرد والإقصاء (6).
وقد جاء في الأثر: «الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل».
فالايمان ليس قولاً وفعلاً فقط، وإنما هو أبعد من ذلك، ونذكر بالإشارة الى المعرفة والعلم التي تؤدي الى حالة من السكينة وتنامي الحس الإنساني.
ولهذا فان ايمان أبي سفيان على سبيل المثال، وقد حصل في ظروف معروفة، لم يفرز او يؤدي الى تصريح او موقف ينسجم مع ذلك التحول، بل العكس في معركة حنين وبدء المباغتة وتصور البعض هزيمة المسلمين قال: اُعل هبل! وفي خلافة عثمان قال: فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار. وانتقل هذا المسلك الى ابنه معاوية في (حواره مع المغيرة)، ثم انتقل الى يزيد (لعبت هاشم بالملك فلاء خبر جاء ولا وحي نزل)، ولكن هذا الإنكار سوف ينتهي فجأة في معاوية الثاني ما يفسر منهج الأنبياء في التعامل مع أقوامهم، والأمل الكبير
________________________________________
(6) لا نريد ان تقفز الى هذه النتيجة، وهي وحدة المشاعر الدينية وتركزها أكثر داخل الدين الواحد، يعني داخل المنظومة المذهبية والطائفية يجب ان ينتج نزعات أخوية تجاه الآخر، نزعات مفعمة بالإنسانية؛ لأن المضمون الديني بجوهره الإيماني الحقيقي يجب ان يتضمن أرقى الأفكار الإنسانية والمشاعر النبيلة، والميل نحو التسامي بعيداً عن الانحطاط والعدوانية.

[الصفحة - 227]


بايمانهم او ايمان الأجيال التي تليهم، وفي مقابل هذا المسار هناك مسار آخر يبدأ بأبي طالب مؤمن قريش، فبالرغم من غياب السند التاريخي حول نطقه بالشهادة بصيغتها التي نطق بها ابو سفيان، لكننا نجد إشارات قوية حول ايمانه العميق من خلال أشعاره ومواقفه ودفاعه عن رسالة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) هذا الايمان الذي انتقل الى ابنه عليّ(عليه السلام) القائل: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً، و (أول الدين معرفته)، ثم ينتقل الى الحسين(عليه السلام) الذي يقول: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك».
أو «ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟!»، وينتقل الى ابنه علي السجاد(عليه السلام) ليترك وراءه ميراثاً خالداً في أناشيد الايمان (الصحيفة السجادية)، ورسالة الحقوق كأثر نابع من الايمان.
يذكر التاريخ (تاريخ الطبري) ان أبا سفيان التقى هرقل وذلك بعد حرب بدر واُحُد، وكان الأخير يحاول تكوين صورة عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، فكان أحد أسئلته: هل يغدر؟ وقد اضطر أبو سفيان الى الإجابة الصادقة: أنه لا يغدر أبداً.
وعن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «لا إيمان لمن لا أمان له»، بينما نرى أبا سفيان وبدل ان يرسل قيمة الفداء لابنه الأسير ينتهك القانون الأخلاقي والديني لمكة التي تمنع اعتراض الحجاج، فيقوم باختطاف شيخ مسلم جاء معتمراَ مقابل إطلاق ابنه الأسير!!
ولهذا لم يحدث التحول الذي حدث في قلب بلال في أعماق أبي سفيان لدى إعلانه الشهادة عشية فتح مكة. لقد كان في أعماقه شيء لا إنساني هو مزيج من الشر والعنصرية والأنانية والتعصب، ومجموعها عبر عنه القرآن {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} .
ومن الضروري ان نتوقف عند نقطة هامة وهي اعتناق الشخص للفكرة وهي تشبه في طبعها ومراحلها مسألة الايمان، إنها ايمان بالمعنى العمومي للكلمة.
وقبل الاستطراد في هذه النقطة علينا استعادة ما ذكرنا حول الايمان الذي تسبقه المعرفة والعلم، والذي يؤدي الى حالة من السكينة وتنامي الأحاسيس الإنسانية {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} .
عند اعتناق الإنسان لفكرة ما ذات طابع ديني خاصة، فان ذلك يحدث متزامناً
________________________________________

[الصفحة - 228]


ومواكباً لحالة من الاضطراب العقلي والهياج العاطفي والحماس الشديد والاندفاع. ولهذا فليس هناك ما هو أخطر من إنسان غبي (جاهل) يعتنق فكرة.
إننا نشهد في هكذا حالة نوعاً من الايمان بالغيب وهو لا يعدو في حقيقته ان يكون تهويمات في عالم خارج نطاق الوعي ومساحة خارج نفوذ العقل.
ونذكّر هنا، بأن كل شئ في شخصية الإنسان في مرحلة الشباب يكون قد تشكّل بطريقة ما من خلال التقاليد والعادات والنظم السياسية والبناء الاجتماعي. ولهذا، فان من غير المنطقي تماماً فصل السياسة عن الدين، والدين عن الحياة الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال أننا عندما نقف أمام تيار يشبه تيار الخوارج من حيث المسلك، فإننا لا نقف أمام عقيدة دينية بقدر ما نحن نقف في مواجهة ثقافة انتجت هذا التيار.
ولهذا، فان (الزرقاوي) على سبيل المثال إنما هو إعادة انتاج لشخصية ذي الثدية او شخصية اُخرى على غرارها من قبيل البربهاري (7).
ربما من المفيد ان نتحدث عن الموضوع من زاوية اُخرى، منطلقين مما ورد في الحديث الشريف: «حدثاء الأسنان».
يلاحظ ان موجات الإرهاب التي اجتاحت العراق، على سبيل المثال، نفذها شبان يعتقدون بأنهم سوف يعانقون الحور العين بعد (استشهادهم) او سوف يتناولون غداءهم مع النبي (صلي الله عليه و آله و سلم).
تؤكد الدراسات النفسية ان حالات التحول الديني تحدث في الغالب في أوائل البلوغ بين السادسة عشرة والثامنة عشرة وهي السن التي تنضج فيها غريزة الجنس نضجاً مفاجئاً، إضافة الى ان ما يحصل من تحول له شبه كبير بالوقوع في الغرام.
إن خيالات المراهقة والميل الى العزلة لدى بعض الشباب يصحبه تحليق في الأوهام على أجنحة الخيال، وإنها تطورات قد تبدو هادئة لكنها في الحقيقة سلسلة من العمليات قد تؤدي الى ظهور نتيجة مفاجئة كالحب من أول نظرة، فيتعلق الشاب بفتاة كونتها أجهزة الخيال في ذهنه، فإذا رأى ما يشبه هذه الصورة تعلق بها.
ومن الممكن ان خيال بعض الشباب (وهذا تابع الى نوع المحيط والبيئة والثقافة التي يعيش فيها) قد يجنح الى تصور الحوريات في الجنة، وحينئذ ما ان يصادف من يتحدث عن الجنة والطريق إليها إذا به يعتنق فكرة الاستشهاد لتحقيق لقائه بالحور العين.
________________________________________
(7) فتنة الحنابلة في بغداد سنة 324 وبعدها فجرها البربهاري، وهو شخصية تتسم بالسطحية والعنف، أشعل فتنة طائفية وأعلن تكفيره للشيعة، وأغلب الظن ان التكفير شمل الشافعية أيضاً، ولم تتوقف الفتن إلاّ بعد تدخل الدولة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني واجتياح الوباء العاصمة بغداد.

[الصفحة - 229]


بعبارة اُخرى، إن هكذا تحول هو في الحقيقة تصور في العثور على حل لعقدة نفسية أشبه ما تكون بالعثور على مفتاح ناسب فجأة قفلاً قديماً (8).
وما دمنا وصلنا في الحديث الى العقدة النفسية، فلا بأس من الإشارة الى وجود حالات مرضية تقود المريض الى العدوان، واُشير هنا الى ما قاله أحد الأطباء النفسانيين في التلفزيون العراقي عن حالة شاب كان يتصور ان والدته تكتب عنه تقارير تؤدي الى إعدامه فقتلها، وتحدث الطبيب عن ان صداماً مصاب بهذا المرض تجاه الشعب العراقي.
وعادة ما ينزع هؤلاء المصابون بهذه العقدة الى الظهور أمام الملأ واجتذاب الأنظار بسوء السلوك.
ونحن نتذكر كيف سرّب الزرقاوي مجموعة من الأفلام عن نفسه تصوّره كما يحب، وهذا ما يفسر سيطرة صدام على التلفزيون وإقامة التماثيل والجداريات، وتصرفاته عندما يشعر بوجود كاميرا (في فترة ما بعد السقوط وأثناء المحاكمة).
واسمحوا لي ان أستعيد بعض الأسطر من المقدمة لتكون مدخلاً في الحديث عن الطائفية:
إن الايمان الحقيقي يفرز مشاعر وحدوية وروح أخوية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ولهذا يجب ان تتركز هذه المشاعر أكثر في الدين الواحد، حيث نفترض وجود نزعات أخوية وميول توحدية بسبب المشتركات الأساسية، ولذا فان ظهور حالة من الصراع الطائفي يعني انطفاء شعلة الايمان الحقيقي الذي هو جوهر الدين والمذهب. وبسبب هذا الانطفاء تقفر. مجموعة من أفكار هامشية جداً لتحل محلّ الجوهر الديني، وتصبح بعض الأُمور الجانبية أساسية وجوهرية.
وانطفاء الايمان الحقيقي هو السبب في تراجع الأفكار والمشاعر الإنسانية، وسيطرة الأهواء والأنانية والنرجسية.
ويبدو ان علينا ان نذعن بوجود صراع طائفي وصل ذروته في القتل على الهوية وتعددت مشاهد القتل الفظيع ونفذت بطرق وحشية رهيبة.
وانزلاق بلد مثل العراق الى مستنقع الاقتتال والاغتيال، يكمن وراءه، وفي
________________________________________
(8) يريدون الوصول الى الجنة بأقصر الطرق (عبد الرحمن الراشد، جريدة الشرق الأوسط).

[الصفحة - 230]


تصوري، فلول البعثيين، فهم من وراء بدء هذا الاحتراب، فقد بدأ الحديث عن خيانة الشيعة وتعاونهم مع الاحتلال، ثم دخلت القاعدة لتعلن تكفيرهم ووجوب قتلهم.
لكن من المنطقي الانتباه الى الجانب الامريكي، فقد صدرت منذ البداية إشارات خلال حوادث ، فبعد قتل عبد المجيد الخوئي بالطريقة المعروفة قال مسؤول أمريكي: سوف نستخدم الأساليب القذرة. وفي مناسبة اُخرى ظهر خبير أمريكي على مستوى يوحي باسهامه في رسم السياسة الأمريكية في العراق قال بالحرف الواحد: سنصنع ظروفاً لا تساعد على قيام حكم إسلامي. ولكن المقصود في حقيقة الأمر (الحكم الوطني).
وقد استُدرج تيار كبير مبكراً الى حرب غير متكافئة. كان الخاسر فيها معلوماً منذ البداية. وسواء كان افتعال هذه الحرب تم بتخطيط بعثي من خلال اللاجئين العراقيين (سورية ـ الإمارات) او داخل أجهزة الاستخبارات المركزية الأمريكية (C.I.A)، فان القدر المتيقن وجود أدوات ومناخات وأرضية مساعدة على نجاح المخطط.
ولكن ما يجدر الانتباه له ان عمليات القتل والذبح وقطع الرؤوس، والتي استمرت فترة ليست بالقصيرة ومن جانب واحد، أوجدت ردود فعل في الجانب الآخر، وظهرت شخصية محسوبة طائفياً على الشيعة بينما هو بعثي ولا يمثل حالة دينية ليقوم بعمليات على نفس النسق، وسرعان ما صعد نجم هذه الشخصية لتصبح في مستوى البطل المنقذ!
وصعود شخصية بهذه المواصفات يصدر إشارة واضحة الى حجم الأضرار التي تعرضت لها مراكز التفكير المنطقي لدى هذه الطائفة.
وبالمقابل فان استمرار احتضان عصابات القتل ومجاميع القاعدة يعطي نفس الإشارات الى ما وصلت إليه مستويات التشنج والقسوة، والتي وصلت ذروتها في اعتبار صدام بطلاً سنياً وبعد ذلك شهيد (9).
لا توجد بطبيعة الحال صورة واحدة او تفسير واحد لما حدث بعد سقوط النظام بستة أشهر على الأقل، ثم تفاقم الظاهرة الى ما وصلت إليه في ذروة الفوضى،
________________________________________
(9) في تجمع ضم رموز الصحافة المصرية عم الحماس والتصفيق الجميع بعدما جاء أحدهم من الحج وادعى أنه رأى صدام حسين يؤدي مناسك الحج (طبعاً حصل هذا بعد إعدامه). كيف يحصل هذا في بلد مثل مصر، وفي وسط صحفي ذاكرته تحتفظ بمشاهد جثث المصريين في مطار القاهرة والتي ناهزت الأربعة آلاف؟!

[الصفحة - 231]


فهناك قراءات عديدة قد تتقاسم جميعاً تفسير ما جرى ويجري.
ـ ما حصل هو سعي البعثيين للعودة من خلال إبقاء الظروف النفسية بالذات على ما كانت عليه أيام الحكم: رعب، خوف، ذعر، وحالة انسحاق.
ـ ما حصل هو من أجل قطع الحديث عن انسحاب القوات الأجنبية.
ـ ما حصل هو عمليات انتقامية وردود فعل على قانون اجتثاث البعث.
ـ اعتراض على طريقة توزيع الثروة.
ـ ما حصل كان نتيجة لانهيار معادلة سابقة، وغياب معادلة مقنعة: سنة حاكمون أصبحوا محكومين، محكومين (أكثرية شيعية) أصبحوا حاكمين.
ـ ما حصل كان قتالاً بالنيابة، وتلقين الأمريكان درساً بليغاً بعدم تكرار التجربة.
ـ ما حصل يأتي تمهيداً لصعود الدكتاتور المنقذ، الرجل القوي الذي يظهر بعد عجز الدولة عن مواجهة الأزمات، ولا نريد ان نعبر بالمشكلة خارج الحدود؛ لان ذلك يعد هروباً في وضح النهار.
لنتحدث الآن عن النتائج القريبة والبعيدة.. وباختصار يمكن الإشارة الى:
1ـ سعي الطرفين في الوصول الى حالة توازن الرعب (إشارة طارق الهاشمي) (10).
2ـ ترسب مشاعر مريرة وطاقة سلبية في نفوس الطائفتين سيكون بمثابة مصنع لانتاج واعادة انتاج شخصيات دموية.
3ـ تحول العصابات في الجانبين الى عبء كبير سوف يربك الوضع الاجتماعي الى فترة ليست بالقصيرة، وتتحول هذه العصابات الى تنظيمات شبيهة بالمافيا يصعب القضاء عليها؛ لأنها قد تعلمت كيف تمدّ أذرعها الى القضاء والحكومة والبرلمان. ومن الثابت ان ممارسة القتل لفترة معينة يؤدي الى ظهور حالة مرضية مزمنة تكون ممارسة القتل لديها أمراً عادياً تماماً كما (كانت أجهزة الأمن زمن النظام تشرك منتسبيها في حفلات التعذيب لتحطيم ما تبقى من الروح الإنسانية).
بثت الفضائيات مشاهد من محاكمة السبعاوي وزير الداخلية لأحد ضباط الأمن متهم بأداء الصلاة) طلب منه ترك الصلاة ومن ثم التوبة بعد بلوغه السبعين!!). صرح حسن العلوي مؤخراً: كان صدام يأمر حتى وزير الخارجية بممارسة التعذيب، لهذا كان
________________________________________
(10) نريد الوصول الى حالة توازن سلام لا توازن الرعب.

[الصفحة - 232]


لوزير الخارجية غرفة خاصة في المخابرات لممارسة التعذيب. كان صدام يحرص على تلويث المسؤولين.
فالمجموعات التي مارست القتل والقتل المضاد تتحول او تحولت بالفعل الى جيش كبير من القتلة المحترفين، الذين يمارسون أبشع أنواع القتل والجريمة بدم بارد، وبعد حفلة تعذيب وحشي تكشف عن مستويات من السادية المخيفة (في رواية «الوحش البشري» يرصد اميل زولا زعيم المدرسة الواقعية مسار البطل الذي يأبى في بداية أمره مضاجعة امرأة على فراش الزوجية، ثم ينتهي الأمر وبعد سلسلة من الأخطاء الى ان يمارس الجريمة بشكل منظم وعادي).
إن الخطيئة الأُولى تقود الى الثانية ثم الى الثالثة.. الى ان يتحول الإنسان الى ذئب بشري (افلاطون: إذا ذاق المرء قطعة من لحم الإنسان تحول الى ذئب)، (ومن يقتل الناس ظلماً وعدواناً ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم.. فمن المحتم به الامر الى ان يصبح طاغية ويتحول الى ذئب) (11).
والسؤال الكبير الذي يمكن ان يكون المدخل لاستكشاف حلول للمأزق الراهن هو: هل تحولت الطائفية الى ثقافة؟
الى أين يتجه البلد؟
لانه ما من دواء إلاّ بعد تشخيص الداء ومستويات الإصابة.
هل نحن مؤهلون لقراءة الواقع قراءة قريبة من الحقيقة؟
إن أول السطور في قراءة موضوعية هو استكشاف إفرازات الواقع. ينبغي في حرب طائفية ان ينتج الوسط زعامات متطرفة جداً، فقد أفرز الوسط السني شخصية دموية ضارية في مستوى حارث الضاري، الذي لا يتورع عن محاولات التنسيق مع إسرائيل، وهو لا يتردد في إهدار دماء الشيعة، ولهذا فهو مع الزرقاوي في خندق واحد تماماً.
وبسبب استمرار عمليات القتل فقد وصل الوسط الشيعي الى حالة الغضب القصوى وهي حالة أقرب الى الجنون، فبرز فجأة شخص دموي ليصبح (البطل) والرمز، وبسبب هذه الحالة من الغضب الهستيري، فقد اُهملت تماماً جذور ونشأة البطل البعثية التي لا تمت الى الحالة الدينية أساساً.
________________________________________
(11) الجمهورية ص 466 بالاستناد الى كتاب الطاغية / عبد الفتاح إمام.

[الصفحة - 233]


وبسبب هذه الحالة الجنونية نرى ما آل إليه تيار شيعي كبير (12).
من المنطقي في ظل هكذا ظروف ان يستمر إنتاج شخصيات متطرفة ودموية، ولكن لا توجد ثمة مؤشرات على ذلك، بل العكس لقد خبا بريق هذه الشخصيات في الجانبين، واختفى وجود ما عرف بـ «أبو درع» وانتهى دوره تماماً، فالمثقف الشيعي الذي افتخر بزرقاوي الشيعة في عمق الأزمة يخجل الآن من تكرار ذلك، وسيكون مآل هذه الرموز التي ظهرت بسبب ظروف استثنائية الطرد من الضمير الشيعي والسقوط من الذاكرة.
وفي الجانب الآخر انتهى تأثير بعض الرموز واُهملت تصريحاتها تماماً.
وعندما حاول أحدهم التنسيق مع منظمة مجاهدي خلق جاءته التحذيرات الشديدة من نفس الوسط السني الذي يدعي تمثيله. إضافة الى فشل مؤتمر أهل العراق في تركيا، ولا ننسى الإشارة الى المؤتمر الفقهي السني في عمّان الذي عدّ إيجابياً عقلانياً ومؤشراً على عودة الوعي.
وفي الوسط الشيعي تراجعت بعض الرموز جماهيرياً حتى باتت لا تلقي خطاباً إلاّ في ظلال مناسبة شعبية، لمعرفتها بأنها لا تستطيع حشد إلاّ مجموعات محدودة منتفعة من وجودها، كما لم يجرؤ التيار مثلاً على إعلان العصيان المدني واتجه الى الدعوة الى مظاهرات سلمية في مناسبة لا يعترض عليها أحد.
إن الخطر ليس مما يحصل على السطح الآن من عمليات قتل، فخيوطها الخارجية باتت معروفة، إن الخطر الحقيقي يكمن عندما يصدّق المجتمع وخاصة النخبة المثقفة بأن ما يجري هو احتراب طائفي.
إلاّ ان هذا لا يعني زوال الخطر، ذلك ان بذور الشيطان الطائفي ما تزال غافية في تربة تنطوي على عوامل الإنبات، ولهذا يستلزم التفكير بحلول سريعة من حمى المرض الطائفي الذي نجمت عنه خسائر لا تعوض في العقل العراقي، والى جانب ذلك وضع خطط بعيدة المدى واستراتيجية للحؤول دون انفجار الدمامل في المستقبل، فالوقاية خير من العلاج كما يقولون. كما ان خلق ثقافة طرد للطائفية أمر هام على جميع المستويات وعلى أبعد المديات.
لا ينكر أحد ما للبطالة والانهيار المفاجئ للمؤسسات والشركات والمصانع
________________________________________
(12) شهدت معرضاً للكتب اُقيم برعاية دولة مجاورة في مدينة الصدر ببغداد، وكان المشرف على المعرض شيخ محسوب على تلك الدولة المجاورة، وقد سجد شكراً لأن الأُمور عدّت على خير، فقد هدد تيار تلك المدينة بإحراق المعرض، ثم اكتفى بإنزال علم تلك الدولة. والآن لننظر ما آل إليه مسار ذلك التيار في اللجوء الى تلك الدولة المجاورة.

[الصفحة - 234]


والمعامل من دور في تقوية الجماعات المسلحة في الجانبين. ولذا، فان الإجراءات على الصعيد الأمني والاقتصادي في إعادة حالة التوازن، والشعور بالأمن الغذائي أمر يدخل ضمن مهمات الحكومة وأجهزة الدولة.
ما يهمنا هنا التعامل مع المأزق الطائفي من زاوية ثقافية او الاهتمام فقط بالبعد الثقافي من ملف الأزمة. ومن الممكن الاتفاق او الالتقاء على ان دور المثقف هو في اعتباره حلقة الربط بين السلطة والشعب بشرط بقائه في منتصف المعادلة تماماً، حيث دوره الأساس يكمن في ترشيد حركة الناس في أية خطوة نحو الإصلاح الاجتماعي.
إن قرب المثقف من الواقع يؤهله الى قراءة موضوعية، شرط شعوره بالمسؤولية وابتعاده عن الأحكام المسبقة والمصادرات، كما انه يفقد وزنه النوعي في دولة لا تعيش حالة المؤسسات، ويتحول المثقف الى خطر في انحيازه للسلطة، وحينئذ تتحول سكين المطبخ الى أداة للجريمة.
يجب ان نعترف أنه لا يوجد شعب من دون قيم إيجابية او سلبية، ومن هنا فان أول ما يتوجب القيام به هو التأسيس للغة مشتركة، حتى يمكن الإعداد الى أرضية صلبة للحوار والتفاهم، وهنا يأتي دور المثقف.
(جاء في الأساطير العراقية ان أهل بابل القديمة أرادوا بناء برج لبلوغ السماء، فغضبت الآلهة عليهم وبذرت بينهم الشقاق بإدخال تعددية الألسن، ولم يعد التفاهم بينهم ممكناً، فتخاصموا وتفرقوا). فبرج بابل دلالة على الفوضى والضياع التي تصيب الشعوب جرّاء غياب لغة الحوار.
الثقافة الإسلامية تنطوي على مضمون أخلاقي كبير في حب الخير للإنسانية. ولذا، فان الكراهية والحقد والطاقة السلبية إزاء الآخر، مهما يكن، غير نابعة من صميم القيم الإسلامية، حتى قيم الجهاد هي قيم دفاعية أساساً ليس فيها روح عدوانية (فتح مكة نموذجاً).
ولهذا ينبغي تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وإلاّ تخدعنا المظاهر والشعارات واللافتات والأزياء، فالذين يتحدثون مثلاً باسم القيم الإسلامية ثم نراهم يتهافتون على المناصب والأموال، إنما يتبنون قيماً اجتماعية نابعة من ثقافة ليست من الإسلام في شئ؛ لأن كل واقع اجتماعي هو قيمة ثقافية خرجت الى حيز التنفيذ.
________________________________________

[الصفحة - 235]


إننا بحاجة الى الوعي، ولكن الوعي ليس إلاّ حصيلة للثقافة، وعندما نرى بلداً يمر بأزمة فهو نتيجة لامتهان المثقف من قبل السلطة ومن قبل المجتمع (وصل امتهان المعلم أدنى مستوى بعد الحصار، ثم تلاه الأُستاذ الجامعي الذي لم يستعد احترامه وقيمته حتى الآن).
إن أية خطوات للإصلاح يجب ان يواكبها ويعقبها الى مديات بعيدة جهد أخلاقي وتربوي مستمرين، وهو جهد ثقافي باعتبار ان الثقافة هي فكر نابض بالحياة وغير قابل للنسيان.
ولهذا تمكنت ألمانيا من إعادة بناء ما دمرته الحرب بسرعة، لأن هناك أشياء لم تهدمها الحرب وهي ثقافة المجتمع الألماني وقيمه الاجتماعية. ما حصل في العراق هو تدمير للثقافة، ونجم عن ذلك أننا فقدنا التعريفات الصحيحة للمفاهيم ومداليلها، والأخطر من ذلك اكتساب تلك المفاهيم تعاريف مشوهة ومقلوبة.
عندما لا تدفع فضيحة سرقة او اختلاس لدى مسؤول في الدولة الى الشعور بالعار وتقديم الاستقالة، كما يحصل في بلدان اُخرى، يعني ان هناك ثقافة تسوغ للاختلاس والخيانة، وحتى المتاجرة بالثروات الوطنية والمغامرة بمصير الوطن.
لهذا نعيد التأكيد على لغة الحوار الواحدة، والبدء بالحوار تحت كل الظروف؛ لأن الحوار هو الخيار الوحيد حتى إذا لم يسفر عن نتائج منظورة؛ لأنه يحرك المناخ الثقافي بما يوفر أسباب تداوم الحياة الاجتماعية، ونحاول هنا الإشارة فقط الى ما يمكن فعله في هذا المضمار، بشرط تفعيل وزارة الثقافة، وتأمين استقلالها عن الاتجاهات الحزبية، وتخصيص ميزانية لها تقترب من ميزانية وزارة الدفاع والداخلية.
خطوات في طريق الحل
ـ التثقيف على الانتماء الإنساني، ومحاربة الجنوح القومي العنصري الذي يتجاوز حالة الاعتزاز بالأصل الى الشعور بالفوقية والتعالي.
ـ التشجيع على الفنون الجميلة، والتركيز على المهرجانات الشعرية، وإقامة
________________________________________

[الصفحة - 236]


المسابقات الأدبية في جميع المدن العراقية وانتخاب موضوعات إنسانية تعزز من روح الأُخوة والتعارف والحوار.
ـ إنشاء مراكز ثقافية تؤدي دور التقريب، وتفعيل حركة إصدار الكتب وبخاصة الكراسات التي تقوم بعمل الكشاف الضوئي.
ـ فصل العقائد عن التاريخ، وإعادة رسم الرموز الدينية، فعلى سبيل المثال: إن الإمام أحمد بن حنبل في القرن السابع الهجري هو غير الشخصية التاريخية التي عاشت في منتصف القرن الثالث الهجري، ناهيك عنه بعد ألف عام. ومن المؤكد ان الخيال الشعبي السني يرسم صورة لأبي حنيفة وكأنه من مواليد الأعظمية، كما ان الخيال الشعبي يرسم صورة للإمام موسى بن جعفر وكأنه من أبناء مدينة الكاظمية، وهكذا بالنسبة للشيخ معروف، والشيخ عبد القادر الكيلاني.
ـ انتهاج سياسة الدمج الطائفي بمختلف الوسائل والأساليب، لنتصور ان عشرة أطفال من الكاظمية ينقلون ليعيشوا في الأعظمية، وبالعكس. من المؤكد اننا سنراهم في مرحلة الشباب في موقعين غير منسجمين مع انتمائهم التاريخي، إذ سنرى أطفال الأعظمية شباناً في مواكب الزنجيل، ونرى أطفال الكاظمية شباناً في حلقات الذكر وفي احتفالات المولد، هذا على سبيل حسن الظن طبعاً.
وسياسة الدمج الطائفي ستكون ردّاً على ما قام به الإرهاب من أعمال أدت الى هجرات بين المدن وبين الأحياء داخل المدينة الواحدة، وتعتبر أكبر إنجاز حققه الذين يريدون التمهيد لتقسيم الوطن الواحد.
وآليات هذه السياسة متشعبة وكثيرة، من خلال توزيع الأراضي بطريقة تحقق ذلك، وفي البعثات الدراسية والسفرات المدرسية، وتوزيع العملية التعليمية والتربوية وترشيدها بالاتجاه الذي يحقق الهدف المنشود، (وذلك من خلال إستراتيجية مدروسة في التعيينات على سبيل المثال).
ـ التأسيس لمفهوم جديد عن الايمان ينطوي على دلالة واحدة فقط، بحيث يكون مرادفاً للإنسانية والمحبة والخير والجمال، وربطه الأبدي بالعمل الصالح.
وبالعكس لا تكون للطائفية سوى دلالات على الشرك والوثنية والعنصرية، وكل الحالات اللإنسانية.
________________________________________

[الصفحة - 237]


ـ تقديم أبطال انسانيين ليكونوا مصدراً للإلهام، وإرساء مقاييس لا تجعل من الزرقاوي بطلاً ولا من أبي درع، بل وجعلهما متساويين ومتشابهين من خلال توحد المضمون اللاأخلاقي لديهما، وتشابه البناء النفسي في شخصيتهما.
ـ إسناد دور أساسي لوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي.
إن تغيير المناهج الدراسية في كافة المراحل التعليمية والعملية في ضوء ما ورد آنفاً سوف يكفل على المدى البعيد ميلاد حالة من الانسجام والتعايش الأخوي بين جميع شرائح المجتمع العراقي.
وهذا تأويل رؤياي
* * *
________________________________________

[الصفحة - 238]
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف