البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

شبهة تحريف القرآن الكريم في نظر المستشرقين

الباحث :  د على أكبر ربيع نتاج
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  55
السنة :  السنة الرابعة عشر خريف 1430هجـ 2009 م
تاريخ إضافة البحث :  June / 25 / 2015
عدد زيارات البحث :  5831
شبهة تحريف القرآن الكريم
في نظر المستشرقين
الدكتور على أكبر ربيع نتاج (*)
تمهيد
وقع الاتّفاق بين الشيعة والسنّة على أنَّ القرآن الكريم المُنزَل على الرسول الخاتم(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) قد وَصل إلينا دون أيِّ نقصٍ أو تحريف. وقد حَشد الأعلام عدَداً من الأدلَّة التي تدلّ على عدم وقوع التحريف، كآية الحفظ وهي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر، 9)وآية نفي الباطل وهي قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (فصلت، 42)ورواية الثقلين وهي قوله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلِّوا أبدا، وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»، وما دلَّ على جواز قراءة أيّ سورةٍ في الصلاة، وأخبار عرض الروايات على القرآن كقوله: «كلُّ حديثٍ لا يُوافق كتاب الله فهو زخرف» (1)، وحجيَّة ظواهر القرآن وغير ذلك (2).
لقد انصبَّ في القرون الأخيرة جهد جماعةٍ من الباحثين غير المسلمين والمستشرقين ـ ولدوافعَ عديدة ـ على دراسة القرآن الكريم. فأكدّ بعضهم كون القرآن وحياً منزلا من عند الله، وأورد بعضهم بعض الشُبهات فيما يرجع إلى
________________________________________
(*)باحث وأستاذ في جامعة مازندران، من إيران.
(1)- الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت، 1409هـ . ش، ج 18، ص 79.
(2)- معرفت، محمدّ هادي، صيانة القرآن من التحريف، ص 126ـ 127؛ بوكاي، موريس، مقايسة ميان تورات، إنجيل، قرآن وعلم، نقله إلى الفارسية المهندس ذبيح الله دبير، الطبعة الرابعة، دفتر نشر فرهنك إسلامي، طهران، 1370 هـ . ش، ص 7.
[الصفحة - 229]
مصادر القرآن الكريم وكيفيّة جمعه. وتبنّى بعضهم مقولة تحريف القرآن فادّعى أنَّ القرآن قد ناله التحريف بعد وفاة نبيّ الإسلام(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم).
وهذه الدِّراسة مخصَّصة للبحث في دعوى التحريف، والشُّبهة التي تبنّاها المستشرقون ووضعها في دائرة النقد.
وسوف نُعالج في هذه المقالة أسئلة ثلاث هي التالية:
1ـ ما هو منشأ القول بالتحريف لدى المستشرقين؟
2ـ ما هي الشُّبهات التي تبنّاها المستشرقون حول نظريَّة تحريف القرآن الكريم؟
3ـ ما هي المشكلات التي واجهها المستشرقون في دراساتهم القرآنيّة؟
النقطة الأولى : منشأ القول بتحريف القرآن الكريم
لعلَّ النقاط التي سوف نستعرِضها تكفل ببيان مناشئ القول بتحريف القرآن الكريم، فإنّ الأمور التالية شكّلت الدَّافع للقول بتحريف القرآن الكريم من قِبَل المستشرقين.
1ـ وقوع التحريف في سائر الكتب السماويّة
لعلَّ من مناشئ القول بتحريف القرآن اعتقاد علماء سائر الأديان بتحريف الكتب المقدّسة لسائر الأديّان، فقد قامت عقيدتهم على أنَّ الأناجيل الأربعة دوِّنَت من قِبل الحواريّين الأربعة، فبَعد الذي جرى على المسيح من أحداث، قام هؤلاء بتدوين رحلات المسيح وحياته ونصائحه (3). إلى حدٍ أنَّنا نجد بين الأناجيل الأربعة تناقضاً وتهافتاً (4).
كما نَجد ذلك أيضاً في الدِّيانة اليهوديّة، فليس لدى اليهود كتاباً خاصّاً معروفاً بأنّه الكتاب المُنزَل على موسى، بل ما لديهم اليوم هو ما قام بعضٌ بتدوينه طبقاً لميوله الخاصّة في وصف الظروف المحيطة (5). نعم، المسلمون وحدهم من
________________________________________
(3)- معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن، 126ـ 127؛ بوكاي، موريس، ص، 7
(4)- المصدر نفسه، ص 8.
(5)- المصدر نفسه، ص 23.
[الصفحة - 230]
بين أتباع الدّيانات يلتزمون بأنّ القرآن الموجود بين أيديهم اليوم هو المُنزَل على النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) والذي دوِّنَ وجُمعَ في حياة النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) لم تنله يد التحريف (6).
كما بيّن القرآن الكريم وبشكلٍ حاسمٍ أنَّ أهل الكتاب وسعياً وراء بعض مصـالحهم، قـاموا بتدوين بعض الأمـور ونسبتها إلى الله عـزّ وجلّ قال تعـالى : {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } (البقرة، 79). كما يَذكر القرآن الكريم صراحة أنَّهم قاموا بتحريف كتبهم : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } (النساء، 49).
وهذا البيان القرآنيّ الحاسم والجازم بوقوع التحْريف في سائر الكتب السماويّة والذي كان مفاجئاً لمستشرق متعصّب مثل (أف بول) (FR, BUHL) الذي كان يتبنّى القول بعدم تحريف العهدين، وأنَّهما ما زالا كما أنزلا، دَفعَه وبسبب الحسد أيضاً {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ }(النساء، 56). ليوجِّه تهمة التحريف إلى القرآن الكريم (7).
2ـ الأهداف التبشيريّة والسياسيّة
لقد اختلفت الأهداف والدَّوافع التي شكّلت المحرّك الأساسي للمستشرقين لدراسة مسائل الشرق، فلم يكن الهدف لديهم جميعاً هدفاً واحداً، ويُمكننا تصنيف الدَّوافع لدراسة مسائل الشرق إلى دَوافع تبشيريّة، سياسيّة، تجاريّة وعلميّة بحثيّة (8).
فبعض المستشرقين كان دافعه لدراسة الشرق أن يَدفع المسلمين إلى إساءة الظنِّ بدينهم وبعقيدتهم. فقد سعى هؤلاء ومن خلال اختلاق بعض الشُّبهات حول الإسلام والقرآن، لإضعاف إيمان المسلمين بدينهم بهدف توفير الظروف الملائمة للقبول بالدِّيانة المسيحيّة كدينٍ بديلٍ للإسلام (9).
كما كان لجماعةٍ أُخرى بعض الأهداف السياسيّة، وحيث شعروا بأنّ
________________________________________
(6)- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص 200، العاملي، جعفر مرتضى، حقائق هامة حول القرآن الكريم، ص 27، نقله إلى الفارسية محمَّد سبهري، الناشر، شوراي هماهنكي تبليغات إسلامي، 1374 هـ . ش؛ مير محمّدي، أبو الفضل، بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، دار التعارف للمطبوعات شارع سوريا، 1980 ميلاديّة، ص 320ـ 324.
(7)- دائرة المعارف الإسلاميَّة، طبعة لندن، ج 4، ص 602، مقالة التحريف.
(8)- محمَّد حسين علي الصغير، دراسات قرآنيَّة، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية، 1413هـ . ق، ص 15ـ 21.
(9)- المصدر نفسه، ص 15.
[الصفحة - 231]
الإسلام الحقيقيَّ يقف سداً حائلا أمام مصالحهم، لجأوا إلى نظريّة التحريف لإثبات ضعف عقيدة المسلمين بالكتاب المقدّس. ويذكر (إدوارد سعيد) سبب الهجوم الواسع من قبل المستشرقين على الإسلام فيرى أنَّه يتلخَّص في الفكر الجهاديّ في الإسلام فيرى أنّ ما هو مخبوء في هذه الصور التي يُقدّمها المستشرقون هو تهديد الجهاد، إنَّه الخوف من أن يَقوم المسلمون (أو العرب) بالسيطرة على العالم (10)، هذا الخوف تجده في كتاب مستشرقين كـ (وليام موير) في كتابه (حياة محمّد وتاريخ الإسلام)، وكذا في كتابه (الخلافة، نشأتها، وانحلالها وسقوطها) (11).
ولذا سعَت الدول المستعمِرة والقوى العالميّة الكبرى، حيث رأت في التعاليم القرآنيّة سداً منيعاً أمام وصولها إلى أهدافها ومصالحها، إلى تربية فكرة تحريف القرآن في أذهان المسلمين، وبهذا انصبَّ جهدهم على هدم أساس الإسلام المتمثِّل بالقرآن الكريم.
3ـ وجود بعض الروايات الضعيفة حول تحريف القرآن الكريم
المنشأ الثالث للقول بتحريف القرآن وجود بعض الروايات التي تدلّ على تحريف القرآن، وقد نُقلت هذه الروايات في كتاب (الإتقان في علوم القرآن) وذلك ضمن النوع السابع والأربعون، كما أوردها صاحب كتاب (صيانة القرآن عن التحريف) في كتابه ممارساً لشيءٍ من النقدٍ لها أحياناً. وفيما يتعلّق بهذه الروايات يُمكننا تسجيل الملاحظات التالية:
أ ـ إنَّ بعض هذه الروايات بصدد بيان التحريف المعنويّ الذي تعرَّض له القرآن الكريم وهو أمرٌ مسلَّم لدى الجميع.
ب ـ بعضٌ آخر من هذه الروايات تُبيَّن وجود الاختلاف في القراءة والحركات، والذي وقع قبل جمع القرآن من قبل عثمان، وقد أمر عثمان بجمع الناس على قراءة واحدة.
________________________________________
(10)- سعيد، إدوارد، الإستشراق، ص 511
(11)- المصدر نفسه، ص 274
[الصفحة - 232]
ج ـ بعض الروايات تدلُّ على وجود الزيادة في القرآن، وهي روايات غير صحيحةٍ، فلا زيادة في القرآن الكريم وهو أمرٌ متّفق عليه بين الفريقين.
د ـ بعض الروايات تدلُّ على وجود النقص في القرآن، وهذه الطائفة من الروايات ضعيفةٌ بتمامها، وهي من أخبار الآحاد، التي لا يُمكن العمل بها (12). ويقسّم (الإمام الخمينيّ) روايات جمع القرآن إلى طوائف ثلاث: أولاها: الروايات الضعيفة التي لا يُمكن الاستدلال بها. وثانيها، الروايات الموضوعة التي قامت القرائن والشواهد على الوضع فيها. وثالثها، الروايات الصحيحة التي نصل من خلال التأمّل فيها إلى أنَّ المقصود من التحريف فيها هو التحريف في معاني الآيات لا التغيير في ألفاظها (13).
ويَعتمد المستشرق المعروف (جولد تسيهر) على الروايات الضعيفة والموضوعة ويرى أنَّ الشيعة يَعتقدون بأنَّ في المصحف العثمانيّ زيادات وإضافات وتغييرات على أصل القرآن المنزل على النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) (14). ويذكر بأنّ لدى الشيعة من الروايات ما يدلّ على أن القرآن المنزَل على الرسول الأكرم(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) أطول وأكثر تفصيلا من القرآن الحاليّ، كسورة الأحزاب والتي تحوي الآن ثلاث وسبعون آية، ولكنَّها على أساس النصِّ السابق تُعادل سورة البقرة، وكسورة النور التي تحتوي في النصِّ الحاليّ على أربع وستون آية، ولكنَّها كانت سابقاً تزيد على مائة آية، وكسورة الحجر التي تحتوي على تسعٍ وتسعونَ آية، ولكنَّها كانت سابقاً تزيد على مائة وتسعين آية (15).
إنَّ ما يُلفت النظر هنا هو أنَّ المستشرقين قد تمسّكوا بهذه الطائفة من الروايات، فدفعوا الشيعة إلى اتِّهام أهل السنَّة بتحريف القرآن الكريم، وكذلك العكس. ويَذكر مستشرقٌ آخر يُدّعى (اف بول) أنّ الشيعة تصر على أنَّ أهل السنَّة قاموا بحذف آياتٍ من القرآن الكريم تؤيِّد مذهب الشيعة، كما يَنسب أهل السنة هذه الدعوى إلى الشيعة (16).
________________________________________
(12)- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص230ـ 235؛ معرفت، صيانة القرآن من التحريف، ص 147ـ 205.
(13)- الموسوي الخمني، روح الله، تهذيب الأصول، تقرير جعفر السبحاني، جامعة المدرسين، قم، ج 2، ص 96.
(14)- غولد تسيهر، آغناس، مذاهب التفسير الإسلامي، مكتبة الخانجي، مصر ومكتبة المثنى بغداد، 1955 ميلادية، ص 293.
(15)- المصدر نفسه، ص 294.
(16)- مقالة التحريف، تأليف بول، دائرة المعارف الإسلامية، طبعة لندن، ج 4، ص 608.
[الصفحة - 233]
ويَصف (آية الله الخوئي) رأي بعض هؤلاء العلماء الذين وقعوا ودون التفاتٍ منهم تحت تأثير الدعاية والإعلام فرموا الفريق الآخر ودون دليلٍ بالتحريف، بأنَّ وظيفة هذا الرأي التفرقة بين المسلمين وأنَّ ذلك من وساوس الشياطين يقول:
«ونظير الاتِّهام المذكور في ما ذكره الآلوسي عند تفسير قوله تعالى : "كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" من أنَّ الشيعة يجوزون الأكل والشرب إلى طلوع الشمس . ولست أدري إلى أي سندٍ استند في هذه النسبة، وهو في بغداد عاصمة العراق، والعراق مقرّ الشيعة قديماً وحديثاً، ولا سيما أنَّ المشاهد المشرَّفة قريبة من بغداد، وقلَّ من يوجد من غير الشيعة فيها. أضف إلى ذلك أنَّ الآلوسي لم يكن بعيدا من كتب الشيعة ومؤلَّفاتها. ولعمري: إنَّ هذه النسبة وأمثالها هي التي فرَّقت بين المسلمين، وحكَّمت عليهم أعداءهم. ولعلَّها كانت دسائس أجنبيَّة» (17).
إذاً، لا بدَّ وفي سبيل الوحدة بين المسلمين من الوعي والانتباه، والتتبّع العلميّ والفكريّ لكي لا يَقع المسلمون تحت تأثير أيّ قولٍ، فلا بدَّ بعد الدقّة في (ما قال) من الدقّة في (من قال).
النقطة الثالثة : دراسة شُبهات المستشرقين حول تحريف القرآن
يتمسّك بعضُ المستشرقين لإثبات التحريف باختلاف السوَر في مصاحف الصحابة، فيرى هؤلاء أنَّ عدد السور القرآنيّة في بعض مصاحف الصحابة يَختلف عن عدد السور مع مصاحف أُخرى لدى الصحابة، وهذا الاختلاف يُعتبر دليلا على وقوع التحريف في القرآن الكريم.
1ـ شبهة الزيادة في القرآن
يَذهب بعض المستشرقين إلى أنَّ مقايسة القرآن الحاليّ مع مصاحف بعض الصحابة يَشهد على وقوع التحريف في القرآن الحاليّ بمعنى الزيادة فيه، وقد
________________________________________
(17)- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص 522.
[الصفحة - 234]
تمسّك هؤلاء لإثبات هذا المدّعى بأدلّة واهيةٍ، فيذكر (مونتغمري) مثلا أنَّ (عبد الله بن مسعود) لم يدوّن المعوذتين في مصحفه، وكان يرى أنَّهما ليستا من القرآن (18).
وأمَّا (روجيه بلاشير) المستشرق الفرنسيّ المعروف فيقول: إنَّ من بين متكلمي المعتزلة من استنكف ونظراً لإيمانه بمفهوم الإله الواحد العادل والرحيم، عن قبول بعض اللعن والتجريح الموجود في القرآن بالنسبة لبعض الأعداء الشخصيّين للنبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، وذلك لأنَّهم كانوا يرون ذلك منافياً لعظمة الوحي (19). وبعد أن يقوم «بلاشر» بنقل هذا القول، يرى أنّ هذا الرأي النقديّ يؤدّي بنا إلى الاستنتاج بأنَّ هذه إضافاتٌ محضُ بشريّة إلى النصِّ الإلهي. فرؤساء الخوارج أنكروا كون سورة يوسف من القرآن؛ لأنَّك لا تجد في هذه السورة أكثر من قصّة عادية، ولا يُمكن القول بصحّة وجود قصّة عشقٍ كجزءٍ من القرآن. ومن جهةٍ أُخرى نجد أنَّ معتزلة الخوارج أي العجاردة ـ اتباع عبد الكريم بن عجرد أحد كبار الخوارج ورؤسائهم ـ يُنكرون كون سورة يوسف من القرآن (20).
وذهب بعض المستشرقين أمثال (كازانوفا) إلى أنَّ الآية 144 من سورة آل عمران وهي قوله تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ... } هي من كلام أبي بكر، وأنَّ الآية 125 من سورة البقرة ، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } هي من كلام عمر بن الخطاب (21).
ـ نقد شبهة الزيادة
لقد أَولَى العلماء المسلمون البحث حول مسألة تحريف القرآن أهميّةً، تشهد بذلك كتبهم ومصنّفاتهم القيّمة في هذا المجال. وقد وَقَع الاتّفاق بينهم على نفي التحريف بمعنى الزيادة في القرآن، ويذكر ذلك (آية الله الخوئي) فيقول : «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم » (22).
________________________________________
(18)- مقدِّمة القرآن، ص 46، عمر بن ابراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، دارسة ونقد، الطبعة الأولى، دار طيبة، الرياض، 1992، ص 408.
(19)- بلاشر، روجيه، در آستانه قرآن، نقله إلى الفارسيَّة الدكتور محمود راميار، دفتر نشر فرهنك إسلامي، 1365 هـ . ش، ص 208.
(20)- المصدر نفسه، ص 208.
(21)- غازي عناية، شبهات حول القرآن وتفنيدها، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1421 هـ . ق، ص 43.
(22)- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص 200
[الصفحة - 235]
ويذكر ذلك أيضاً (الشيخ الطوسيّ) فيقول: « وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممَّا لا يليق به أيضاً، لأنَّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها والنقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا» (23). وكذلك يتبنّى (أمين الإسلام الطبرسيّ) هذا الرأي، فيرى بطلان الزيادة في القرآن بإجماع المسلمين واتّفاقهم (24).
أمَّا مسألة مخالفةِ شخصيَّة جليلة كابن سعود لإدراج المعوذتين فهو افتراء محضٌ. ويذكر (الإمام النوويّ) التالي : «أجمع المسلمون على أنَّ المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآنٌ، وأنَّ من جحد شيئاً منه كفر. وما نُقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيحٍ عنه» (25).
فابن مسعود كان من حفَظة القرآن ومن القرّاء المعروفين ومن كتّاب الوحي المشهورين (26). وعدم كتابة المعوذتين وسورة الحمد في مصحف ابن مسعود لا يُعتبر دليلا على إنكاره؛ لأنَّ تدوين القرآن آنذاك كان خوف نقصه أو الخشية من الزيادة فيه، وحيث كان (ابن مسعود) يرى أنّ هاتين السورتين من السوَر المشهورة وأنّها لن تُطوى بالنسيان، بل سوف تبقى في الأذهان، فلذا لم يدوّنها في مصحفه (27). مضافاً إلى أنَّ بعض القرّاء المعروفين أمثال (عاصم بن أبي النجود) و (حمزة بن حبيب الزيّات) و (أبو الحسن علي بن حمزة الكسائيّ) و(أبو محمَّد خلف بن هشام) ممَّن تنتهي سلسلة أسانيدهم إلى ابن مسعود إلى رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) قد قرأوا المعوذتين وسورة الحمد (28).
ويَذكر (الفخر الرازي) قول (ابن مسعود) هذا فيقول : «قلَّ في الكتب القديمة أنَّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن، وكان يُنكر كون المعوذتين من القرآن ، واعلم أنَّ هذا في غاية الصعوبة، لأنَّا إن قلنا إنَّ النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن فحينئذٍ كان ابن مسعود عالماً بذلك فإنكاره يوجب الكفر أو نقصان العقل» (29)، وكذلك الحال مع (ابن حزم الأندلسيّ) الذي يَرى أنَّ هذا الموضوع مكذوب، ويَذكر أنّ قراءة
________________________________________
(23)- التبيان في تفسير القرآن، 1ـ 3.
(24)- مجمع البيان، 1ـ 15.
(25)- غازي عناية، شبهات حول القرآن، ص 43.
(26)- محمَّد هادي معرفت، تفسير ومفسران، مؤسسة فرهنكي تمهيد، الطبعة الثالثة، 1385 هـ . ش، ج 1، ص 211ـ 213.
(27)- عمر بن ابراهيم رضوان، ص 410.
(28)- المصدر نفسه، ص 411، السيوطي، 1، 79.
(29)- السيوطي، 1، 79.
[الصفحة - 236]
عاصم منقولة عن (زرعان) وهو قد نقلها عن (ابن عباس) وهي تشتمل على هاتين السورتين، وهذا شاهد على أنَّ (ابن مسعود) كان يرى أنّ هاتين السورتين من القرآن (30).
ويذكر (القاضي أبو بكر الباقلانيّ) التالي: «ولو كان قد أنكر السورتين على ما ادَّعوا، لكانت الصحابة تُناظره على ذلك، وكان يَظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقلِّ من هذا» (31).
وأمَّا ما ذكره بعض المستشرقين نقلاً عن عجاردة الخوارج من أنّ قصّة سورة يوسف هي قصّة عشق، ولا يُمكن أن تكون جزءا من القرآن فهي دعوى بلا دليل. فإنّ قصَّة يوسف تحمل الكثير من المواعظ الأخلاقيّة والتربويّة (32).
كما إنّ سورة (تبّت) ليست فُحشاً، والمنهي عنه في الإسـلام هو الفحش وقد قال تعالى : {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (الأنعام، 108).
فكيف يمكن أن يحـذِّر المؤمنين من عداوة الكفّار، ولكنّه لا يرى نفسه عدواً للكفّار؟ وسورة المسد لا تحوي شتيمةً للكفّـار كما ذكر ذلك (جولد تسيهر)، بل هي تهديد ووعيد لأبي لهب وزوجته لأنَّهما أصرَّا على أذيَّة النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) والمسلمين (33).
وأمَّا آية وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (البقرة، 125)وآية واتَّخذوا من مقام إبراهيم مصلى (البقرة، 125)، فهي ليست من كلام أبي بكر وعمر بن الخطاب وقد أُضيفت إلى القرآن، بل لا دليل إطلاقاً على هذه الدعوى. بل إنّ الآية الأولى أُنزلت في معركة أُحد، بعد أن أُشيع أنَّ النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) قد قتل، وقام بعض المسلمين بالفرار من ساحة القتال (34).
نعم، ما يَنقله لنا التاريخ هو أنَّ أبا بكر بعد وفاة الرسول(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم)، قد تلا هذه
________________________________________
(30)- المصدر نفسه، 1، 79.
(31)- إعجاز القرآن، ص 262.
(32)- راجع، (تحليل تربيتي وأخلاقي سورة يوسف)، جامعة علوم القرآن في آمل، تأليف حسين ظريف آزاد، مخطوط.
(33)- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان لعلوم القرآن، تصحيح وتعليق السيد هاشم رسولي محلاتي، دار إحياء التراث العربي، لبنان، 1339 ميلادي، ج 3، ص 560ـ 559.
(34)- المصدر نفسه، 3، 513.
[الصفحة - 237]
الآية، بعد أن قام بعض الأصحاب بالتشكيك في وفاة النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم). ومجرّد التلاوة لا تُعتبر دليلا على كون هذه الآية من كلامه (35). وأمَّا الآية الثانية فقد نزلت عندما طلب (عمر) من النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) أن يجعل من مقام إبراهيم مصلى، واستجابة لهذا الطلب نزلت الآية المذكورة آمرةً المسلمين باتّخاذ مقام إبراهيم مصلى (36). ويؤيّد (السيوطيّ) هذه الرواية فينقل حديثاً عن البخاري عن أنس أنَّ عمر قال : وافقت ربّي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتَّخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) (37). فهذه الرواية لو فرض صحّتها تدلُّ على أنّ سؤال عمر كان سبباً لنزول الآية، ولا دلالة لها على أنّ هذه الآية كانت جزءاً من كلام عمر وقد زيدت في القرآن.
وفيما يتعلَّق بالآية الثانية يتعرّض (ابن سعد) في (الطبقات) لرواية نزولها في معركة أُحد، فيَذكر التالي : «حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أُحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل بن قميئة وهو فارسٌ، فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل... الآية، وأخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمَّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل... الآية، ثمَّ حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندقَّ الرمح ووقع مصعب، وسقط اللواء وابتدره رجلان من بني عبد الدار .... فأخذه أبو الروم بن عمير فلم يزل في يده حتَّى دخل به المدينة حين انصرف المسلمون» (38).
2ـ شبهة النقيصة في القرآن
ذهب بعض المستشرقين واستناداً منهم إلى بعض الشواهد التاريخيّة واعتماداً على بعض الروايات الضعيفة والموضوعة إلى القول بوجود نقصٍ في القرآن الحالي. وقد تمسَّكوا لإثبات التحريف بهذا المعنى بالشُبهات التالية :
أ ـ التشكيك في سورتيّ الخلع والحفد
________________________________________
(35)- غازي عناية، شبهات حول القرآن، ص 44.
(36)- المصدر نفسه، ص 44.
(37)- جلال الدين السيوطي، الاتقان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، منشورات الرضي، طهران، 1363هـ . ش،ج 1، ص 127.
(38)- المصدر نفسه، 1، 129.
[الصفحة - 238]
يذكر هؤلاء أنَّ في مصحف أُبيّ بن كعب 116 سورة من القرآن. وأنّ المسلمين عندما قاموا بجمع القرآن لم يجعلوهما ضمن سور القرآن الكريم (39). وهما عبارة عن: سورة الخلع: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إن نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نفكرك ونخلع ونترك من يفجرك»(40)؛ وسورة الحفد : «اللهم إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق» (41).
ولم يذكر هؤلاء دليلا على مدّعاهم، بل اعتبروا أنَّ مجرَّد عدم اشتمال القرآن الحاليّ على هاتين السورتين يُعتبر دليلاً على نقص القرآن، مع أنَّ دعوى نسبة كون السورتين من القرآن إلى أُبيّ بن كعب هي دعوى بلا دليل، ومن البعيد أن يقوم صحابيٌ كبيرٌ كأبيّ بن كعب الذي كان حافظاً وقارئاً للقرآن بجعلها في مصحفه على أنّها من القرآن (42). ومن المحتمل أنّ أُبيّ بن كعب قد جعلهما في مصحفه لما تحويانه من دعاءٍ، ليواظبَ الناس على قراءتهما في القنوت (43)، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى فإنّ الجمع الذين قاموا بجمع القرآن في زمان عثمان، لم يقوموا بإدراجهما ضمن القرآن، وهذا خيرُ دليلٍ على عدم كونهما جزءا من القرآن وكون المعروف أنَّهما من الدعاء. كما أنَّ نظمهما وسَبك عبائرهما لا تنسجم مع نظم وسَبك آيات القرآن الكريم (44).
ب ـ التشكيك في مصحف الإمام علي (عليه ‏السلام)
ينقل «جولد تسيهر) في كتابه (مذاهب التفسير الإسلاميّ) بعض الروايات التي تدلُّ على أنّ لدى العلويِّين قرآناً مدوّناً بحسب ترتيب نزوله، وأنَّ هذا القرآن قد كتَبه علي (عليه ‏السلام) بعد وفاة النبيّ(صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله ‏و سلم) مراعياً فيه ترتيب النزول، وهذا الترتيب مخالفٌ للترتيب العثمانيّ. وهذا القرآن يشتمل على سبعة أجزاء (45).
ثمَّ يذكر (جولد تسيهر) أنَّ من عقيدة الشيعة وجود مصحف كتبه عليّ (عليه ‏السلام) وهو قرآن كامل بيد أئمَّة الشيعة تناقلوه واحداً بعد آخر وأنّه من ميراث الإمامة،
________________________________________
(39)- عمر بن ابراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 412.
(40)- السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج 1، ص 226.
(41)- المصدر نفسه، 1، 227.
(42)- غازي عناية، شبهات حول القرآن، ص 51.
(43)- المصدر نفسه، ص 51، عمر بن إبراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، ص 413.
(44)- راجع، معرفت، محمد هادي، صيانة القرآن، ص 117.
(45)- المصدر نفسه، ص 296ـ 297.
[الصفحة - 239]
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف